المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكتاب الثالث في الإجماع، ومباحثه - الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع - جـ ٣

[أحمد بن إسماعيل الكوراني]

الفصل: ‌الكتاب الثالث في الإجماع، ومباحثه

‌الكتاب الثالث في الإجماع، ومباحثه

ص: 137

الكتاب الثالث في الإجماع

قوله: "الكتاب الثالث في الإجماع، وهو اتفاق مجتهدي الأمة".

أقول: قدم الإجماع على القياس، لكونه قطعي الدلالة، أو لكونه يقع أصلًا في القياس.

وهو لغة: العزم، والإتفاق مطلقًا (1).

واصطلاحًا: اتفاق مجتهدي هذه الأمة في عصر من الأعصار على أي أمر كان (2).

(1) ومنه قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} [يونس: 71]، وقوله:{وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} [يوسف: 15]، وقوله:{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} [طه: 64]، ويصح إطلاقه على الواحد، فيقال: أجمع فلان على كذا، أي: عزم عليه، فكل أمر من الأمور اتفقت عليه طائفة، فهو إجماع في إطلاق أهل اللغة.

راجع: مختار الصحاح: ص/ 110، والمصباح المنير: 1/ 108، والقاموس المحيط: 3/ 15.

(2)

وهناك حدود أخرى للإجماع في الإصطلاح.

راجع: الحدود للباجي: ص/ 63 - 64، واللمع: ص/ 48، والمُعتمد: 2/ 3، والمستصفى: 1/ 173، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 19 - 20، والروضة: ص/ 67، والإحكام للآمدي: 1/ 147، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 322، والمختصر مع شرح العضد: 2/ 29، والإبهاج: 2/ 349، وكشف الأسرار: 3/ 226، وفواتح الرحموت: 2/ 211، وتيسير التحرير: 3/ 223، ونهاية السول: 3/ 237.

ص: 139

فبقيد الاتفاق، خرج قول مجتهد منفرد في عصره، إذ لا يعد ذلك إجماعًا.

وبقوله: "بعد وفاته"(1) الإجماع في زمنه، فإنه ليس بحجة من حيث إنه إجماع.

وبقوله: "في عصر" يدفع شرطية الاتفاق من أول وفاته إلى آخر الدهر، وفي أي أمر، يدخل الأحكام مطلقًا، فرعية، أو أصلية، عقلية، أو لغوية.

والاعتراض: بأن مجتهدي جمع، وأقله ثلاثة، فيلزم منه أن لا يكون إجماع الاثنين حجة.

والجواب: بأن لفظ مجتهد عام - لأنه مفرد مضاف، فيشمل الاثنين أيضًا، ويخرج الواحد بقيد الاتفاق - يستلزم بطلان تعاريف المتقدمين والمتأخرين، لوجود لفظ الجمع فيها.

والحق: أن هذا من عموم المجاز الذي يعم المعنى الحقيقي، والمجازي، وهو مطلق العدد، أو الاثنان ألحقا بالجمع قياسًا، أو التقدير جميع من يوجد من جنس المجتهدين.

وبقيد الاجتهاد، خرج المقلد، فلا تعتبر موافقته.

"واعتبر قوم وفاق العوام مطلقًا" أي في المسائل المشهورة، والخفية، مثل دقائق الفقه.

(1) يعني بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ص: 140

وقيل: في المشهور دون الخفي (1). وفائدته - عند القائل به - صحة [إطلاق (2) قولهم: أجمعت الأمة على كذا، لا أنه إذا خالف العامي يقدح في كونه حجة، ونسبه المصنف إلى](3) الآمدي (4).

وقالت طائفة: الأصولي الذي ليس بفقيه يعتبر في الإجماع على المسائل الفقهية لتوقف الفروع على الأصول (5)، والحق: خلافه لأنه عامي بالنظر إلى المجمع عليه (6).

(1) المذهب الأول قال به الجمهور، والثاني نقل عن القاضي، واختاره الغزالي، والآمدي. راجع: اللمع: ص/ 51، والبرهان: 1/ 684 - 685، وأصول السرخسي: 1/ 311، والمعتمد: 2/ 25، والمستصفى: 1/ 181 - 182، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 279 - 281، والمنخول: ص/ 310، 378، وروضة الناظر: ص/ 69، والإحكام للآمدي: 1/ 167، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 341، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 33، والمسودة: ص/ 331، وكشف الأسرار: 3/ 237، وفواتح الرحموت: 2/ 217، وغاية الوصول: ص/ 107، ومناهج العقول: 2/ 377، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 177، وإرشاد الفحول: ص/ 87.

(2)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(3)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(4)

الآمدي يرى أن قطعية حجية الإجماع مفتقرة إلى دخول العوام، وأما بدونهم يكون الإجماع ظنيًا. راجع الإحكام له: 1/ 169.

(5)

وحكي هذا عن القاضي عبد الوهاب المالكي، وغيره، راجع: نشر البنود: 2/ 76، ونهاية السول: 3/ 305.

(6)

وهناك أقوال أخرى منها: أنه يعتبر في كل فن أهل الإجتهاد من أهل ذلك الفن، وإن لم يكونوا من أهل الاجتهاد في غيره، ففي الكلام يعتبر إجماع المتكلمين، وفي الفقه الفقهاء، وهلم جر. =

ص: 141

وبقيد المسلمين، خرج المكفر ببدعته.

وأما هل يشترط عدالة المجتهد، أم لا؟ فمبني على اشتراط العدالة في الاجتهاد، والصحيح عدمه.

وثالث الأقوال: يعتبر وفاقه في حق نفسه، حتى إذا خالفهم، لم يكن إجاعهم حجة عليه.

ورابع الأقوال: إن بيَّن مأخذه اعتبر: لأنه قول بدليل، وإلا فلا اعتبار به (1).

= راجع: الإحكام لابن حزم: 1/ 580، والمحلي على الورقات: ص/ 165، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 130، وتشنيف المسامع: ق (97/ ب)، والغيث الهامع: ق (104/ أ) وهمع الهوامع: ص/ 298، وكشف الأسرار: 3/ 240.

(1)

محل الخلاف في هذه المسألة في الفاسق بلا تأويل، أما الفاسق بتأويل، فمعتبر في الإجماع كالعدل.

ومذهب الجمهور - في الأول - عدم اعتبار وفاقه، ولا مخالفته في الإجماع مطلقًا، أي: سواء كان فسقه من جهة الاعتقاد، أو الأفعال، ونقل ابن برهان أنه قول كافة الفقهاء، والمتكلمين، فلا يقبل قوله، ولا يقلد في فتوى كالكافر، والصغير.

وذهب الجويني، والشيرازي، والإسفراييني، والغزالي، والآمدي من الشافعية، وأبو الخطاب من الحنابلة إلى أن قول المجتهد الفاسق غر المتأول معتبر في الإجماع، وذهب آخرون إلى التفصيل الذي ذكره الشارح.

راجع: اللمع: ص/ 50، والبرهان: 1/ 688، وأصول السرخسي: 1/ 311 - 312، والتمهيد لأبي الخطاب: 3/ 253، والإحكام لابن حزم: 1/ 580، والوصول إلى الأصول لابن برهان: 2/ 86، والمستصفى: 1/ 183، والمنخول: ص/ 310، والروضة: =

ص: 142

ويعتبر جميع المجتهدين هو الصحيح (1). وقيل: لا يقدح خروج واحد. وقيل: اثنين (2)، وقيل: ثلاثة، وأزيد إلى حد التواتر.

وقيل: إن كان المخالف شهيرًا بالاجتهاد (3) / ق (95/ ب من أ) كمخالفة ابن عباس في مسألة العول (4).

= ص/ 70، والإحكام للآمدي: 1/ 169، والمسودة: ص/ 331، والمختصر مع شرح العضد: 2/ 33، وكشف الأسرار: 3/ 237 - 238، وفواتح الرحموت: 2/ 218، وتيسير التحرير: 3/ 238.

(1)

وهو قول أكثر الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة وغيرهم.

راجع اللمع: ص/ 50، والبرهان: 1/ 692، والإحكام لابن حزم: 1/ 507، والمستصفى: 1/ 186، والروضة: ص/ 71، والإحكام للآمدي: 1/ 174، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 336، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 34، والمسودة: ص/ 329، وكشف الأسرار: 3/ 245، وفواتح الرحموت: 2/ 222، والوصول إلى الأصول: 2/ 94.

(2)

ونقل هذا عن ابن جرير الطبري، وبعض الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الشافعية، وذكر الطوفي أنها رواية عن أحمد.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 316 - 317، والمنخول: ص/ 311 - 312، ومختصر الطوفي: ص/ 131، والمعتمد: 2/ 29، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 130، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 178، وتشنيف المسامع: ق (98/ أ- ب)، وإرشاد الفحول: ص/ 88.

(3)

آخر الورقة (95/ ب من أ).

(4)

العول - لغة - الميل إلى الجور، يقال: عال في الحكم، أي: مال، وجار. واصطلاحًا: زيادة السهام على الفريضة، فتعول المسألة إلى سهام الفريضة، فيدخل النقصان على الورثة بقدر حصصهم، فهو زيادة في السهام، ونقص في الأنصباء. وقد قال به جمهور العلماء، وأما ابن عباس، فهو لا يرى العول، ولا يقول به. واختار أبو بكر =

ص: 143

وقيل: يضر المخالف، وإن كان واحدًا، لكن في أصول الدين لعلو قدره، دون سائر العلوم (1).

وقيل: مع المخالفة مطلقًا حجة، اعتبارًا بالأكثر، ولا يسمى إجماعًا (2).

ثم بإضافة المجتهد إلى الأمة، علم عدم اختصاصه بالصحابة، خلافًا للظاهرية، استبعادًا منهم أن أهل الشرق، والغرب، تتفق على حكم، وأما الصحابة، فكانوا مجتمعين، مضبوطين (3).

= الرازي، والجرجاني، وصححه شمس الأئمة السرخسي من الحنفية: أنه إذا كان للاجتهاد فيه مجال، كقول ابن عباس السابق بعدم العول، فهذا تضر مخالفته، وأما إذا لم يكن للاجتهاد فيه مجال، كقول ابن عباس بجواز ربا الفضل، فلا تضر مخالفته، لأنهم أنكروا عليه، ولم يسوغوا له الاجتهاد في مثل هذا. راجع: مختار الصحاح: ص/ 462، والمصباح المنير: 2/ 438، والتعريفات: ص/ 159، وأصول السرخسي: 1/ 316 - 317، وكشف الأسرار: 3/ 245، والمغني لابن قدامة: 6/ 185 - 190، ومغني المحتاج: 3/ 33، والعذب الفائض: 1/ 160 - 165.

(1)

ونقل القرافي أن الواحد، والاثنين لا يضر خلافهما في أصول الدين وما فيه تأثيم، وتضليل بخلاف مسائل الفروع، وهو قول بعض المعتزلة، راجع: شرح تنقيح الفصول: ص/ 336.

(2)

واختاره ابن الحاجب، وابن بدران، وذكرت مذاهب أخرى في المسألة.

راجع: مختصر ابن الحاجب: 2/ 34، واللمع: ص/ 50، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 130، وإرشاد الفحول: ص/ 89.

(3)

راجع: الإحكام لابن حزم: 1/ 509، والوصول لابن برهان: 2/ 77، والمسودة: ص/ 317.

ص: 144

وعلم من قيد الوفاة: أن في زمنه صلى الله عليه [وسلم](1) لا ينعقد، إذ لا اعتبار بقولهم، عند قوله، وما لا قول له فيه مردود غير مشروع (2).

وعلم اعتبار التابعي، مع الصحابة: لأنه من مجتهدي الأمة في ذلك العصر (3)، وإن بلغ رتبة الإجتهاد - بعد اتفاقهم - ينبني وفاقه على اشتراط انقراض العصر، إن شرط اعتبر، وإلا فلا، وهذا هو المذهب المنصور (4).

وعلم أن إجماع أهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بحجة (5). ولا أهل

(1) سقط من (ب) والمثبت من (أ).

(2)

راجع: شرح الورقات: ص/ 165، 170.

(3)

وهذا هو مذهب جمهور الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وغيرهم. وذهب نفاة القياس، وابن خويز منداد، وابن برهان، وبعض الشافعية وبعض الحنابلة إلى أن التابعي لا يعتد به في الإجماع، مع الصحابي.

راجع: اللمع: ص/ 50، والمستصفى: 1/ 185، والروضة: ص/ 70 - 71، والإحكام للآمدي: 1/ 178، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 335، والمسودة: ص/ 320 - 322، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 35، والمعتمد: 2/ 33، وفواتح الرحموت: 2/ 221، وتيسير التحرير: 3/ 241، ومختصر الطوفي: ص/ 132، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 179، ونشر البنود: 2/ 80، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 130، وإرشاد الفحول: ص/ 81.

(4)

سيأتي الكلام عليها بعد قليل.

(5)

وهذا هو مذهب جماهير العلماء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وغيرهم. وذهب الإمام مالك رحمهم الله جميعًا: إلى أنه حجة، وحمل الإمام الباجي، والقرافي كلام الإمام على ما كان طريقه النقل المستفيض، كالأذان، والإقامة، والصاع، وذهب بعض المالكية إلى أن إجماعهم حجة فيما عملوه لا فيما نقلوه، أما ابن الحاجب، فقد ذكر الخلاف السابق بين المالكية، ثم صحح القول بالعموم، يعني أن عمل أهل المدينة من الصحابة، والتابعين حجة مطلقًا، سواء كان النقل مستفيضًا، أم لا، وسواء كان فعلًا، أو نقلًا. =

ص: 145

البيت (1)، ولا الخلفاء الأربعة (2)، ولا الشيخين (3)، ولا أهل الحرمين، ولا أهل المصرين: الكوفة، والبصرة، لأنهم ليسوا بجميع مجتهدي الأمة.

= راجع: أصول السرخسي: 1/ 314، وإحكام الفصول: ص/ 480 - 481، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 334، والمختصر: 2/ 35، ونشر البنود: 2/ 83، واللمع: ص/ 50، والمعتمد: 2/ 34، والإحكام لابن حزم: 1/ 507، 552، والمستصفى: 1/ 187، والروضة: ص/ 72، والمنخول: ص/ 314، والإحكام للآمدي: 1/ 180، والمسودة: ص/ 332، وفواتح الرحموت: 2/ 234، وتيسير التحرير: 3/ 244، وإرشاد الفحول: ص/ 82، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 132، وغاية الوصول: ص/ 107.

(1)

المراد بهم هنا، علي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم، والجمهور على أنه لا يعد قولهم إجماعًا، وخالف في ذلك الشيعة كالإمامية، وقالوا: إن قولهم حجة، بل ذكر الشيخ أبو إسحاق عن الشيعة، أن قول علي رضي الله عنه وحده حجة، ولا يعتبر بغيره عندهم إذا خالفه.

راجع: اللمع: ص/ 50، وكشف الأسرار: 3/ 241، ومختصر الطوفي: ص/ 136، وتشنيف المسامع: ق (98/ ب)، والغيث الهامع: ق (105/ أ) وهمع الهوامع: ص/ 332.

(2)

وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، والجمهور لم يعتبروا قولهم حجة، ولا إجماعًا، مع مخالفة مجتهد آخر لهم، وهي رواية عن الإمام أحمد، وفي رواية أخرى عنه: أن قولهم إجماع، وحجة، واختارها بعض أصحابه، وبعض الحنفية، وفي رواية ثالثة عنه: أنه يعتبره حجة لا إجماعًا.

راجع: المستصفى: 1/ 187، والروضة: ص/ 73، والمسودة: ص/ 340، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 36، ومختصر الطوفي: ص/ 135، والقواعد لابن اللحام: ص/ 294، وتيسير التحرير: 3/ 243، وإرشاد الفحول: ص/ 83.

(3)

هما أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، ومذهب الجمهور أن قولهما لا يعد إجماعًا، ولا حجة عند مخالفة مجتهد آخر لهما، وفي رواية لأحمد: أن قولهما حجة، ورجحة ابن بدران. راجع: شرح العضد: 2/ 36، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 132، وأصول مذهب أحمد: ص/ 339 - 344.

ص: 146

وأن المنقول بالآحاد حجة؛ لأن الإجماع دليل شرعي كالسنة، فلا يحتاج في نقله إلى عدد التواتر، وهذا مختار الآمدي، والإمام (1).

والأكثر على اشتراط التواتر في نقله؛ لأن الإجماع قطعي، فلا يثبت بخبر الآحاد (2).

قوله: هو الصحيح في الكل في الستة المذكورة. ومعناه: أصحاب تلك المقالات لا يشترطون في النقل التواتر، بل الصحيح عندهم قبول النقل آحادًا.

احتج من ذهب: إلى أن أهل المدينة يحتج بإجماعهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "المدينة كالكير تنفي خبثها"(3)، والخطأ خبث، فيكون منفيًا عنهم.

(1) راجع: المحصول: 2/ ق/ 1/ 214، والإحكام للآمدي: 1/ 185.

(2)

راجع: البرهان: 1/ 690، وأصول السرخسي: 1/ 312، والمستصفى: 1/ 188 والمنخول: ص/ 313، والروضة: ص/ 69، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 341، والمسودة: ص/ 330، ومختصر الطوفي: ص/ 130، وفواتح الرحموت: 2/ 221، وتيسير التحرير: 3/ 235، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 181، والمحلي على الورقات: ص/ 167، وغاية الوصول: ص/ 107، وإرشاد الفحول: ص/ 89.

(3)

وهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "إنما المدينة كالكير تنفي خبثها، وينصع طيبها"، وللحديث سبب، وهو أن أعرابيًا بايع الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام، ثم جاءه من الغد، وقد أصابه المرض، فطلب إقالته من البيعة.

وفي رواية أبي هريرة: ". . . وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد"، وفي روايته الأخرى رضي الله عنه:"ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبث. . ."، وفي رواية زيد رضي الله عنه:"إنها طيبة، وإنها تنفي الخبث، كما تنفي النار خبث الفضة".

راجع: صحيح البخاري: 3/ 27 - 28، وصحيح مسلم: 4/ 120 - 121، والموطأ: ص/ 553، ومسند أحمد: 2/ 439.

ص: 147

الجواب: لم يدل على عصمتهم للإجماع على وقوع الخطأ منهم، فيحمل على المدح بأنها بلدة مباركة، فاضلة (1).

ومن ذهب: إلى أن إجماع أهل البيت حجة بقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33](2) والخطأ رجس.

الجواب: خطأ المجتهد (3) / ق (96/ ب من ب) ليس برجس، بل مثاب عليه.

ومن ذهب: إلى أن إجماع الخلفاء الأربعة حجة: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ"(4).

(1) وقد ورد في فضل المدينة أحاديث كثيرة في كتب الصحاح، وغيرها، لكن الاستدلال بها على حجية إجماع أهل المدينة ضعيف، كما ذكر ذلك ابن الحاجب والبيضاوي، وغيرهما.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 314، وكشف الأسرار: 3/ 241، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 36، والابتهاج: ص/ 190.

(2)

غير أن جماهير المفسرين يرون أن المراد من الآيات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بدليل، أولها، وآخرها.

راجع: تفسير الطبري: 22/ 6، وتفسير البغوي: 5/ 213، وتفسير القرطبي: 14/ 182، وتفسير ابن كثير: 5/ 454، وتفسير الخازن: 5/ 213، وتفسير القاسمي: 13/ 454.

(3)

آخر الورقة (96/ ب من ب).

(4)

رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، وقد صححه الحاكم.

راجع: المسند: 4/ 146، وسنن أبي داود: 2/ 506، وتحفة الأحوذي: 7/ 438 - 441، وسنن ابن ماجه: 1/ 20، وصحيح ابن حبان: 1/ 166، والمستدرك: 1/ 95 - 96.

ص: 148

والخلفاء: هم الأربعة، لأن الملك - بعدهم - صار عضوضًا.

الجواب: لا يدل على انتفاء الخطأ عنهم، وإنما رغب في سلوك طريقهم.

ومن ذهب: إلى أن اتفاق الشيخين حجة، بقوله:"اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر، وعمر"(1)، فإنه يدل على انتفاء الخطأ. والجواب: المنع بما تقدم.

ومن ذهب: إلى أن اتفاق الحرمين، أو المصرين حجة، فلانتشار الصحابة فيهما، وكذا في المصرين.

الجواب: لا كلام في إجماع الصحابة حيث كانوا، إنما الكلام فيما إذا لم يوجد جميع المجتهدين في العصر.

قوله: "وأنه لا يشترط عدد التواتر".

(1) رواه الترمذي من طريق سفيان بن عيينة، ورواه أحمد، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم من طريق عبد الملك بن عمير عن ربعي، عن حذيفة، ورواه العقيلي من طريق مالك عن نافع، عن ابن عمر، وقال: لا أصل له من حديث مالك، وقال البزار، وابن حزم: لا يصح لأنه عن عبد الملك عن مولى ربعي، وهو مجهول، عن ربعي، غير أن الحافظ قال: مولى ربعي اسمه هلال، وقد وثق.

راجع: المسند: 5/ 385، وتحفة الأحوذي: 10/ 147، وسنن ابن ماجه: 1/ 50، وموارد الظمآن: ص/ 538 - 539، والمستدرك: 3/ 75، ومجمع الزوائد: 9/ 53، وتلخيص الحبير: 4/ 190.

ص: 149

أقول: لا يشترط - في الإجماع - عدد التواتر: لأن الأدلة الدالة على حجية الإجماع مثل: "لا تجتمع أمتي على الضلالة"(1)، و"لا تزال

(1) تقدم الإشارة إليه بهامش: 1/ 428، من هذا الكتاب، بدون تخريج، والحديث ورد بألفاظ مختلفة، وطرق متعددة، فقد رواه أحمد بلفظ:"سألت الله عز وجل أن لا يجمع أمتي على ضلالة، فأعطانيها. . ."، وفي لفظ:"إن الله عز وجل لن يجمع أمتي إلا على هدى"، وعند أبي داود بلفظ:"إن الله أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم، فتهلكوا جميعًا، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة"، وعند ابن ماجه بلفظ:"إن أمتي لا تجتمع على ضلاله" ورواه أيضًا بلفظ آخر، وعند الحاكم:"لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدًا" وذكر له أيضًا ألفاظ أخرى، أما رواية الترمذي، فقد تقدم في الصفحة المشار إليها سابقًا، وقد ذكره الحافظ الهيثمي بألفاظه المختلفة، وطرقه المتعددة وكذا فعل السخاوي، ثم قال في النهاية:"وبالجملة، فهو حديث مشهور، ذو أسانيد كثيرة، وشواهد متعددة في المرفوع، وغيره". وهو كما قال، إذ قد ورد ما يؤدي معناه من حديث عمر، وابنه وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، وأبي مالك الأشعري، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي سعيد، ومعاوية، وأبي ذر، وغيرهم رضي الله عنهم.

راجع: المسند: 5/ 145، 6/ 396، وسنن أبي داود: 2/ 414، وتحفة الأحوذي: 6/ 386، وسنن ابن ماجه: 2/ 464، والمستدرك: 1/ 115 - 116، وسنن النسائي: 7/ 92، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: ص/ 82، ومشكاة المصابيح: 1/ 61، ومجمع الزوائد: 1/ 177، 5/ 218 - 219، والفتح الكبير: 1/ 318، 375، والمقاصد الحسنة: ص/ 454 - 455، والتنكيت والإفادة: ص/ 183، وكشف الخفاء: 2/ 88.

ص: 150

طائفة من أمتي قائمة على الحق" (1)، ونظائرهما لا إشعار فيها بقيد التواتر، خلافًا للإمام (2).

والعجب: أن الإمام - في البرهان - نقل المذهب الصحيح الذي عليه الجمهور عن الشيخ أبي إسحاق الإسفراييني مع أدلته، ولم يزيف أدلته، وقال بخلافه!

وأما إذا لم يكن في العصر إلا مجتهد واحد، فليس قوله حجة، لعدم صدق التعريف عليه.

وقيل: حجة، وهو القياس، نظرًا إلى الدليل السمعي (3).

(1) راجع: صحيح البخاري: 1/ 28، وصحيح مسلم: 6/ 52 - 53، ومسند أحمد: 4/ 93، وسنن أبي داود: 2/ 414، وسنن الترمذي: 3/ 328، وسنن ابن ماجه: 2/ 464، ومشكاة المصابيح: 2/ 354، وكشف الخفاء: 2/ 378.

(2)

يعني أن إمام الحرمين لا يحصل الإجماع عنده إلا بعدد التواتر، وهو منقول عن الباقلاني، أما الجمهور، فلا يشترطون ذلك. راجع: أصول السرخسي: 1/ 312، والبرهان: 1/ 691، والمستصفى: 1/ 188، والمنخول: ص/ 313، والروضة: ص/ 69، والإحكام للآمدي: 1/ 185، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 341، والمسودة: ص/ 330، ومختصر الطوفي: ص/ 130، وفواتح الرحموت: 2/ 221، وتيسير التحرير: 3/ 235، وغاية الوصول: ص/ 107، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 130، وإرشاد الفحول: ص/ 89.

(3)

الجمهور يرون أن قول مجتهد واحد في عصر ليس بحجة، وذهب أكثر الحنابلة إلى أنه حجة، لما ذكره الشارح. راجع: المستصفى: 1/ 188، والإحكام للآمدي: 1/ 186، وشرح العضد: 2/ 36، ومختصر الطوفي: ص/ 130، وتيسير التحرير: 3/ 224، 236، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 181، والمحلي على الورقات: ص/ 167، وتشنيف المسامع: ق (99/ أ)، والغيث الهامع: ق (105/ أ - ب)، وهمع الهوامع: ص/ 303.

ص: 151

وهل يشترط انقراض العصر، لانعقاد الإجماع؟ الحق أنه لا يشترط.

وقال أحمد، وابن فورك، وسليم الرازي / ق (96/ أمن أ): يشترط (1).

لنا - على المختار -: أنه قول الأمة، فصار حجة قاطعة، فلا وجه لتوقفه فالقول بذلك لا دليل له.

قالوا: ربما اطلع واحد منهم على خبر يخالف.

قلنا: بعيد خفاؤه على جملة المجتهدين، ولو سلم، يترك، لأنه ظني لا يقاوم القاطع، كما لو انقرضوا، ووجد الخبر.

قالوا: فلا يجوز رجوع المجتهد عن اجتهاده، إذا لاح له دليل.

قلنا: يجب عليه الرجوع، ولا قدح في الإجماع.

(1) مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأكثر الفقهاء والمتكلمين لا يشترط انقراض عصر المجمعين، بمعنى موت من اعتبر في الإجماع من غير رجوع واحد منهم عما أجمعوا عليه، وهي رواية عن أحمد.

وذهب الإمام أحمد في الرواية الأخرى، وأكثر أصحابه إلى اشتراط ذلك واختاره ابن فورك، وسليم الرازي، ونقله الأستاذ عن الأشعري، وهو مذهب أبي علي الجبائي، ومن تبعه من المعتزلة.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 315، والإحكام لابن حزم: 1/ 507، والمعتمد: 2/ 41، 70، والبرهان: 1/ 692، والمستصفى: 1/ 192، والمنخول: ص/ 317، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 38، والإحكام للآمدي: 1/ 178، 189، والمسودة: ص/ 320، 321، 322، وفواتح الرحموت: 2/ 224، والروضة: ص/ 73، وكشف الأسرار: 3/ 243، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 206، وهمع الهوامع: ص/ 304، وإرشاد الفحول: ص/ 84.

ص: 152

قوله: "انقراضَهم كُلِّهم"، منصوب مفعول "شرطوا" وقوله:"أو غالبِهم، أو علمائهم" معطوفان على المجرور، أي من قال: إن العامي معتبر شرط انقراض الكل، والذي لم يعتبره شرط انقراض العلماء، والذي يقول: بانقراض الغالب، هو الذي لا يقدح مخالفة النادر عنده في الإجماع.

هذا حاصل كلامه، وعليه شراح كلامه (1). وليس بسديد: لأنه يلزم منه أن المذكورين من أحمد، وابن فورك، وسليم، مختلفون في المسألة بعضهم شرط موافقة العامي، وبعضهم لا يبالي بمخالفة النادر، وليس الأمر كذلك، إذ لم ينقل عن أحد منهم ما لزم من هذا الكلام، مع أن الكلام في حجية الإجماع قبل الانقراض، وقد تقدم عن المصنف: أن من شرط وفاق العامي إنما شرطه في إطلاق الأمة لا في الحجية، فتأمل!

وقيل: [لا ينعقد](2) في السكوتي لضعفه، بخلاف القولي.

(1) راجع: تشنيف المسامع: ق (99/ أ)، والغيث الهامع: ق (105/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 181 - 183، وتيسير التحرير: 3/ 231، وغاية الوصول: ص/ 108.

(2)

في (أ، ب): "ينعقد" بدون لا، والصحيح المثبت، إذ المعروف أنه لا ينعقد الإجماع السكوتي إلا بانقراض العصر للعلة التي ذكرها الشارح، فالتعليل بالضعف يؤكد ما قلته آنفًا، وهذا هو مذهب الأستاذ الإسفراييني، وأبي منصور البغدادي، وآخرين، واختاره الآمدي، وذكره الرازي عن الأكثر.

راجع: اللمع: ص/ 49، وأصول السرخسي: 1/ 308، والبرهان: 1/ 693، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 213، والإحكام للآمدي: 1/ 189، وكشف الأسرار: 3/ 243، والمسودة: ص/ 320.

ص: 153

وقيل: ينعقد فيما لا مهلة فيه، مثل قتل النفس، واستباحة الفروج.

وقيل: إن كان الباقي أقل من عدد التواتر، فلا اعتبار بهم، وأما إذا كان الباقي عدد التواتر، فإنهم إذا رجعوا لم يبق الإجماع حجة (1).

وقد عرفت الجواب عن الكل بأن أدلة حجية الإجماع لا فرق فيها بين صورة، وصورة.

وإذا قلنا: إن الانقراض ليس بشرط، فكما انعقد صار حجة، ولا يحتاج إلى مدة.

وفرق الإمام بين القاطع والظني، أي: إذا كان سند الإجماع قطعيًا، ومات المجمعون بعده بلحظة، فهو حجة، وأما إذا كان ظنيًا، فلا (2).

والجواب: ما تقدم من الأدلة السمعية الدالة على عصمة أهل الإجماع مطلقًا.

وبقيد الأمة، علم عدم حجية إجماع الأمم السابقة: لأن العصمة من خواص هذه الأمة، وفي الأدلة تصريح بذلك (3).

(1) وهناك أقوال في المسألة.

راجع: المنخول: ص/ 317، وشرح العضد: 2/ 38، ومختصر الطوفي: ص/ 133، وفواتح الرحموت: 2/ 224 - 225، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 332، وإرشاد الفحول: ص/ 84.

(2)

راجع: البرهان لإمام الحرمين: 1/ 694، والمحلي على الورقات: ص/ 168.

(3)

وهذا هو مذهب أكثر العلماء للأدلة التي سبق ذكرها.

وذهب البعض إلى أن إجماع كل أمة حجة، وهو اختيار الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني. =

ص: 154

وإن قلنا: بأن قولهم حجة بناء على أن [شرع](1) من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد ناسخ، لكن ليس في قوة الإجماع.

والإجماع لا يكون إلا عن سند من الدلائل الشرعية (2)، إذ القول بدون السند باطل: لأنه يوجب التشريع بعد صاحب الشرع.

قيل: إذا كان عن سند، فما فائدة الإجماع؟ أجيب: بأن فائدته رفع الخلاف.

قوله: "وأنه قد يكون عن قياس".

= راجع: اللمع: ص/ 50، والمنخول: ص/ 309، والإحكام للآمدي: 1/ 210، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 323، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 184، والورقات مع شرحها: ص/ 168، وغاية الوصول: ص / 107.

(1)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(2)

مذهب جماهير العلماء بمن فيهم الأئمة الأربعة رحمهم الله أن الإجماع لا بد له من مستند، إما من الكتاب، كإجماعهم على حد الزنى، والسرقة، وإما من السنة كإجماعهم على توريث كل من الجدات السدس، ونحوه، وإما من القياس وسيأتي في الشرح أمثلة له.

وذهب قلة إلى جواز انعقاد الإجماع عن توفيق بأن يوفقهم الله لاختيار الصواب، بدون توقيف، واختاره عبد الجبار المعتزلي.

راجع: اللمع: ص/ 48، وأصول السرخسي: 1/ 301، والمعتمد: 2/ 56، والإحكام للآمدي: 1/ 193، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 339، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 39، والمسودة: ص/ 330، وكشف الأسرار: 3/ 163، ومختصر الطوفي: ص/ 136، وتيسير التحرير: 3/ 355، وفواتح الرحموت: 2/ 238، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 195، وغاية الوصول: ص/ 108، وإرشاد الفحول: ص/ 79.

ص: 155

أقول: قد تقدم، - منا، وسيأتي من كلام المصنف -: أنه لا بد للإجماع من مستند، فذلك المستند قد يكون قياسًا: لأنه أحد الأدلة الشرعية (1).

ومنع الظاهرية تارة الجواز، وأخرى الوقوع (2)، قيل: منع ذلك الجواز، أو الوقوع مطلقًا، وقيل: هما في الخفي، دون الجلي (3).

وقد علمت: أن الأدلة على حجية الإجماع لا تفرق بين سند، وسند، مع أنه قد وقع الإجماع عن القياس مثل: إمامة أبي بكر، قالوا:"رضيك لديننا، أفلا نرضاك/ ق (97/ أمن ب) لدنيانا"(4).

(1) وهو مذهب الأئمة الأربعة، وغيرهم.

راجع: اللمع: ص/ 48، وأصول السرخسي: 1/ 301، والمستصفى: 1/ 196، والروضة: ص/ 77، والوسيط في أصول الفقه: ص/ 121.

(2)

ونقل عن ابن جرير الطبري أيضًا، وبعض الحنفية كالحاكم صاحب المختصر، والقاشاني من المعتزلة.

راجع: الإحكام لابن حزم: 1/ 495، والمعتمد: 2/ 59، والمنخول: ص/ 309، وكشف الأسرار: 3/ 263، والإحكام للآمدي: 1/ 195، وفواتح الرحموت: 2/ 239، وتيسير التحرير: 3/ 256.

(3)

راجع: تشنيف المسامع: ق (99/ ب)، والغيث الهامع: ق (106/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 184، وهمع الهوامع: ص/ 306، ومختصر الطوفي: ص/ 136، وإرشاد الفحول: ص/ 80.

(4)

لما رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي قال: "مروا أبا بكر، فليصل بالناس، قالت: فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه، فلو أمرت غير أبي بكر، قالت: والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس، بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فراجعته مرتين، أو ثلاثًا، فقال: ليصل بالناس أبو بكر، فإنكن صواحب يوسف". فلما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم =

ص: 156

وكذا تحريم شحم الخنزير ثابت إجماعًا، قياسًا على لحمه (1)، وكذا وقوع الفأرة في الشيرج (2) قياسًا على السمن (3).

= في أمر الدين، قاس الصحابة أحقيته بالخلافة، وهي أمر دنيوي على الصلاة التي هي أمر ديني بل يعتبر هذا من قياس الأولى: لأن أمر الدين أهم من أمر الدنيا، فكما قدمه في الأول، وهو أهم، فمن باب أولى تقدمه في الثاني الذي هو بعده في الأهمية.

وروى ابن سعد أن عليًا رضي الله عنه قال: "لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا، فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر في الصلاة، فرضينا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فقدمنا أبا بكر".

راجع: صحيح البخاري: 1/ 172 - 173، 5/ 8، 6/ 14 - 15، وصحيح مسلم: 2/ 22، والطبقات لابن سعد: 3/ 183، والكامل في التأريخ: 2/ 330، وسيرة ابن هشام: 2/ 659، وتأريخ الخلفاء: ص/ 67، وإتمام الوفاء: ص/ 15.

(1)

لقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} [البقرة: 173]، وقوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]، وقوله:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145]، وقوله:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [النحل: 115]، فأجمع العلماء على تحريم شحمه قياسًا على لحمه.

راجع: أحكام القرآن لابن العربي: 1/ 54، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 222، والكشاف للزمخشري: 1/ 329، وتفسير ابن كثير: 1/ 206، وفتح القدير للشوكاني: 1/ 169.

(2)

الشيرج: معرب من شيره، وهو دهن السمسم، وربما قيل: للدهن الأبيض، وللعصير، قبل أن يتغير شيرج تشبيهًا به لصفائه، وهو بفتح الشين مثال زينب، وصيقل وعيطل، وهذا الباب، ملحق بباب فعلل نحو جعفر باتفاق.

راجع: المصباح المنير: 1/ 308، وشذا العرف في فن الصرف: ص/ 42.

(3)

لما رواه أبو داود، وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل =

ص: 157

ثم أهل العصر المجمعون إما أن يكون إجماعهم بعد سبق خلاف، أم بدونه، ولا خلاف في الأول، وأما الثاني: فلا يخلو إما أن لا يكون الخلاف مستقرًا كالإجماع على قتل مانعي الزكاة، في خلافة الصديق (1) / ق (96/ ب من أ) رضي الله عنه، فذلك جائز خلافًا للصيرفي منا، وإذا جاز لأهل العصر ذلك جاز لمن حدث بعدهم، إذ لا فرق بين إجماعهم، وإجماع من بعدهم (2).

وأما إذا استقر الخلاف برهة من الزمان، فهل يجوز الإتفاق على أحد القولين؟ منعه الإمام، وجوزه الآمدي مطلقًا سواء كان المستند قاطعًا، أم لا، أي: مستند اختلافهم (3).

= عن الفأرة تقع في السمن؟ ، فقال:"إن كان جامدًا فألقوه، وما حوله، وكلوه، وإن كان مائعًا، فلا تقربوه".

راجع: سنن أبي داود: 2/ 328، وموارد الظمأن: ص/ 331. وانظر في هذه المسألة: أصول السرخسي: 1/ 301 والمستصفى: 1/ 196، والمنخول: ص/ 309، والروضة: ص/ 78، والإحكام للآمدي: 1/ 196، والمختصر مع العضد: 2/ 39، وفواتح الرحموت: 2/ 239، وتيسير التحرير: 3/ 256.

(1)

آخر الورقة (96/ ب من أ) ويعني أن الخلاف انتهى بوقته، ولم يستمر، ثم أجمعوا على قتالهم.

(2)

راجع: اللمع: ص/ 51، والبرهان: 1/ 710 - 712، والروضة: ص/ 73، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 328، والمختصر: 2/ 43، وتشنيف المسامع: ق (99/ ب) والغيث الهامع: ق (106/ أ) والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 184، وهمع الهوامع: ص/ 306، والورقات مع شرحها: ص/ 165، وإرشاد الفحول: ص/ 86.

(3)

القول بالمنع مذهب الإمام أحمد، واختاره أكثر أصحابه، وقال به أبو الحسن الأشعري، والباقلاني، والصيرفي، وإمام الحرمين، وذكر أن الشافعي مال إليه، ورجحه =

ص: 158

وقيل: إن كان قاطعًا، فلا يجوز، وإلا يجوز.

والحق: أن من لم يشترط انقراض العصر جوزه بعضهم، ومنعه آخرون.

ومن اشترط الانقراض، فلا خلاف في جوازه عندهم، لأن الانقراض لما كان شرطًا في الإجماع، وهم لم ينقرضوا، فلا إجماع منهم على ذلك الخلاف، إذ لا يتم اتفاقهم على ذلك الخلاف إلا بموتهم.

وما نقله المصنف من الإمام، من عدم الجواز، ومن الآمدي من الجواز الصواب عكسه.

قال الإمام - في المحصول -: "اتفاق أهل العصر على أحد القولين منهم من جعله إجماعًا، وهو المختار: لأن الصحابة اختلفوا في الإمامة، ثم اتفقوا"(1).

= الغزالي، والآمدي في إحكامه. والقول بالجواز مذهب المالكية، وأكثر الحنفية، والمعتزلة، وجمع من الشافعية كالحارث المحاسبي، والإصطخري، وابن خيران، والقفال الكبير، وابن الصباغ، والرازي في المحصول، وأتباعه، وبعض الحنابلة، واختاره ابن حزم.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 319 - 320، واللمع: ص/ 51، والبرهان: 1/ 710 - 712، والإحكام لابن حزم: 1/ 507، والمستصفى: 1/ 205، والمنخول: ص/ 321، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 205 - 206، والروضة: ص/ 74 - 75، والإحكام للآمدي: 1/ 206 - 207، والمسودة: ص/ 325، 341، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 328، وشرح العضد: 2/ 40، وكشف الأسرار: 3/ 247، 249، وفواتح الرحموت: 2/ 226، وتيسير التحرير: 3/ 232، 234، ومختصر الطوفي: ص/ 135، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 131، وغاية الوصول: ص/ 108.

(1)

راجع: المحصول: 2/ ق/ 1/ 205 - 206، وأما الآمدي، فقد ذكر المسألة، والخلاف فيها، ثم قال:"ومنهم من منع ذلك مطلقًا، ولم يجوز انعقاد إجماعهم على أحد أقوالهم، وهو المختار" الإحكام: 1/ 206.

ص: 159

هذا في العصر الأول، الذين فرض استقرار خلافهم، وأما الذين نشؤوا بعدهم، وهم أهل العصر الثاني، هل يجوز منهم الاتفاق على أحد قولي العصر الأول، مع تطاول الزمان؟ فيه خلاف.

ذهب الأشعري، وأحمد، والإمام الغزالي، إلى امتناعه (1)، وهو مختار المصنف، تمسكًا بالعادة، إذ هي قاضية بأنه لو كان دليل على بطلان أحدهما لاطلع عليه أهل العصر الأول. وهذا كما ترى مجرد استبعاد.

قيل: لو وقع ذلك لوقع التعارض بين الإجماعين، ولا تعارض بين القطعيين، وإنما يقع التعارض لأن أهل العصر الأول أجمعوا على جواز العمل بكل منهما، وأهل العصر الثاني على أحدهما فقط.

الجواب: أهل العصر الأول لم يسوغوا العمل بكل منهما، بل كل طائفة تسوغ القول الذي تقول به، ومثله ليس من الإجماع في شيء.

(1) واختاره أبو إسحاق الشيرازي، وإمام الحرمين، والآمدي، وغيرهم. وذهب جمهور الحنفية، والمالكية، وجمع في الشافعية إلى الجواز واختاره الإمام الرازي وأتباعه، وابن الحاجب، وهذه المسألة كالتي قبلها، فالمانعون هناك هم المانعون هنا، والمجوزون هناك هم المجوزون هنا.

راجع: اللمع: ص/ 51، والبرهان: 1/ 711، والمستصفى: 1/ 103، والمنخول: ص/ 321، والإحكام للآمدي: 1/ 202 - 203، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 194، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 41، والمسودة: ص/ 325، 342، ومختصر الطوفي: ص/ 135، وتشنيف المسامع: ق (99/ ب)، والغيث الهامع: ق (106/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 187، وهمع الهوامع: ص/ 307، وإرشاد الفحول: ص/ 86.

ص: 160

والحق الذي لا محيد عنه أنه جائز، بل واقع، لاختلاف الصحابة في بيع أمهات الأولاد، مع إجماع مَن بعدهم على عدم الجواز (1)، لكنه قليل جدًا.

وقد علم من تعريف الإجماع أن أقل ما قيل، مجمع عليه كدية الكتابي عند الشافعي، فإنه قيل: كدية المسلم، وقيل: نصفه، وقيل: ثلثه (2)،

(1) ذهب إلى منع بيعها عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء ومجاهد، وسالم، والحسن، وإبراهيم النخعي، والزهري، والأئمة الأربعة وأتباعهم، والحسن بن صالح، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو عبيد، وسفيان الثوري، وأبو ثور، قال ابن المنذر:"وعلى هذا أدركنا عامة علماء الأمصار". وذهب علي، وابن عباس، وابن الزبير إلى جواز بيعهن، وروي عن الصديق، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وبه قالت الظاهرية.

راجع: الموطأ: ص/ 485، والمبسوط: 7/ 149، والأم: 6/ 88، والسنن الكبرى: 10/ 342 - 348، والمصنف لعبد الرزاق: 7/ 287، 293، والمهذب: 2/ 19، ومعالم السنن: 4/ 73، ومراتب الإجماع لابن حزم: ص/ 190، والإشراف لابن المنذر: 1/ 375، وبداية المجتهد: 2/ 393، والمغني لابن قدامة: 9/ 530 - 534، والمحلى لابن حزم: 10/ 197.

(2)

فالأول هو قول عمر، وعثمان، وابن مسعود، ومعاوية، وعلقمة، وعطاء، والشعبي، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، والثوري، وأبي حنيفة، وأصحابه.

والثاني: مروي عن عمر بن عبد العزيز، وعروة بن الزبير، وعمرو بن شعيب وهو مذهب مالك، وأحمد.

والثالث: مروي أيضًا عن عمر، وعثمان، وعطاء، وسعيد بن المسيب، وعكرمة، وعمرو بن دينار، وأبي ثور، وإسحاق، والشافعي. =

ص: 161

فأخذ به الشافعي لاتفاق الكل عليه (1)، وكمسح الرأس، فإنه إما الكل، أو الربع، أو أقل ما ينطلق عليه اسم المسح، فأخذ به، هذا إذا لم يدل دليل على الزيادة، فإذا دل مثل الغسلات السبع في الولوغ، فالمعول عليه هو دليل الزيادة.

= راجع: الموطأ: ص/ 539، والأم: 6/ 92، والمصنف لعبد الرزاق: 10/ 92 - 93، والمبسوط: 26 - 84، والمدونة: 6/ 395، ومعالم السنن: 4/ 37 - 38، وبداية المجتهد: 2/ 414، والمدونة: 6/ 395، ومعالم السنن: 4/ 37 - 38، وبداية المجتهد: 2/ 414، والمغني لابن قدامة: 7/ 793، والإشراف لابن المنذر: 2/ 140 - 141.

(1)

يرى محققو علماء الشافعية أن من ظن أن الإمام الشافعي تمسك بالإجماع، واستند إليه - في دية الكتابي، وأنها ثلث دية المسلم - غير مسلم، قال الغزالي:"وظن ظانون أنه تمسك بالإجماع، وهو سوء ظن بالشافعي رحمه الله، فإن المجمع عليه وجوب هذا القدر، فلا مخالف فيه، وإنما المختلف فيه سقوط الزيادة، ولا إجماع فيه، بل لو كان الإجماع على الثلث إجماعًا على سقوط الزيادة، لكان موجب الزيادة خارقًا للإجماع، ولكان مذهبه باطلًا على القطع، لكن الشافعي أوجب ما أجمعوا عليه، وبحث عن مدارك الأدلة، فلم يصح عنده دليل على إيجاب الزيادة، فرجع إلى استصحاب الحال في البراءة الأصلية التي يدل عليها العقل، فهو تمسك بالاستصحاب، ودليل العقل لا بدليل الإجماع" المستصفى: 1/ 216 - 217. وبنحوه قال الآمدي، وغيره.

راجع: الوجيز للغزالي: 2/ 140، والإحكام للآمدي: 1/ 208، وشرح العضد على المختصر: 2/ 43، وفواتح الرحموت: 2/ 241، وتيسير التحرير: 3/ 258، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 187، وغاية الوصول: ص/ 108، والوسيط في أصول الفقه: ص/ 146.

ص: 162

ولقائل أن يقول: إذا كان الأقل مجمعًا عليه كيف يجوز له العدول عنه بدليل ظني (1)؟

قوله: "أما السكوتي، فثالثها حجة لا إجماع".

أقول: الإجماع السكوتي: هو أن يفتي واحد بحضرة جمع، ولم ينكر عليه أحد منهم، ومحله قبل استقرار المذاهب، وأما بعده لا يدل السكوت على الموافقة اتفاقًا، لأن الإنكار غير معتاد.

إذا تقرر هذا، فنقول: قيل: إنه ليس بحجة، ولا إجماع، ونقله القاضي عن الشافعي، وهو المشهور عنه (2)، وإنما لم يكن حجة لاحتمال التوقف، أو الذهاب إلى تصويب كل مجتهد.

وقيل: حجة، وإجماع، حكاه الآمدي عن بعض الشافعية (3).

(1) جاء في هامش (أ): "ولمجيب أن يجيب بأن الإجماع المذكور، إنما هو بالنسبة لمنع النقصان عن الأقل لا الزيادة عنه، فإنها غير مجمع عليها، وإنما تمسك في نفيها بالأصل أي: أصل استصحاب براءة الذمة من الزائد، أو أن الأصل عدم وجوب الشيء ما لم يقم عليه دليل، فليعلم" محسن الغزي لطف الله به. وهو بمعنى ما تقدم عن الغزالي.

(2)

وهو القول الجديد، ورجحه أبو المعالي، والغزالي، والرازي، وبعض الحنابلة.

راجع: البرهان: 1/ 699، والمستصفى: 1/ 191، والمنخول: ص/ 318، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 215، والمسودة: ص/ 335 - 336، ومختصر الطوفي: ص/ 134، وإرشاد الفحول: ص/ 84 - 85.

(3)

وهو مذهب أكثر الحنفية، وأكثر المالكية، والحنابلة، وغيرهم.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 303، واللمع: ص/ 49، والإحكام لابن حزم: 1/ 507 - 508، والمعتمد: 2/ 65 - 67، والإحكام للآمدي: 1/ 187 - 188، والروضة: ص/ 76، =

ص: 163

وقيل: حجة، وليس بإجماع إليه ذهب الصيرفي، واختاره الآمدي (1).

وقيل: إجماع بشرط انقراض العصر، وإليه ذهب بعض الشافعية، وادعى أنه المذهب، وبه قال الجبائي من المعتزلة (2).

وقيل: إن كان فتيًا، فإجماع، وإن كان حكمًا، فلا، وإليه ذهب ابن أبي هريرة (3).

وإلى عكسه ذهب الشيخ أبو إسحاق المروزي (4): لأن الحاكم لا يصدر عنه، الحكم / ق (97/ أمن أ) إلا بعد تشاور (5).

= وشرح تنقيح الفصول: ص/ 330، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 37، والمسودة: ص/ 334 - 335، وكشف الأسرار: 3/ 228 - 230، ونشر البنود: 2/ 94.

(1)

راجع: الإحكام له: 1/ 188، وفواتح الرحموت: 2/ 232 - 234.

(2)

راجع: المعتمد: 2/ 70، وتشنيف المسامع: ق (100/ أ) وكشف الأسرار: 3/ 229.

(3)

هو الحسن بن الحسين أبو علي الإمام الجليل القاضي أحد علماء الأصحاب في المذهب الشافعي، انتهت إليه إمامة العراقيين في عصره، وله مسائل محفوظة في الفروع، درس ببغداد، وتخرج عليه خلق كثير، وكان له مكانة لدى السلاطين، والعامة، وشرح مختصر المزني وتوفي سنة (345 هـ) وجعله ابن كثير من وفيات سنة (375 هـ).

راجع: طبقات العبادي: ص/ 77، وطبقات الشيرازي: ص/ 112، وطبقات السبكي: 3/ 256، وتذكرة الحفاظ: 3/ 857، والبداية والنهاية: 11/ 304.

(4)

هو إبراهيم بن أحمد بن إسحاق الشافعي، فقيه، تخرج عليه الكثيرون ومن مؤلفاته: شرح مختصر المزني، والفصول في معرفة الأصول، والشروط والوثائق، والوصايا وحساب الدور، وكتاب الخصوص والعموم، وتوفي بمصر سنة (340 هـ).

راجع: طبقات الشيرازي: ص/ 92، ومرآة الجنان: 2/ 331، والمختصر في أخبار البشر: 2/ 105، وطبقات ابن هداية الله: ص/ 66 - 68، وشذرات الذهب: 2/ 355.

(5)

راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 189، والغيث الهامع: ق (107/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 308.

ص: 164

وقيل: إن كان في شيء يفوت استدراكه، كإراقة دم، فإجماع، لأن العادة تقضي بالإنكار، وعدم السكوت في مثله (1).

وقيل: إن كان الساكتون أقل، فإجماع، وإلا فلا، وإليه ذهب بعض الحنفية (2).

واختار المصنف: أنه حجة إذ يبعد سكوت الكل مع اعتقادهم عدم مشروعية ذلك القول، فإن علم اتفاقهم، فكان إجماعًا، وإلا فدليل ظني كأخبار الآحاد، والقول: بأنه ربما توقف مهابة من المفتي، أو توقف في (3) / ق (97/ ب من ب) الاجتهاد لعدم الظهور، أو خاف الفتنة، لا يدفع الظهور، الذي هو كاف في الظن الكافي، في حجية الدليل.

وأما كونه إجماعًا حقيقة مبني على أن السكوت المجرد عن أمارة الرضا، والسخط - والحال أن كل المجتهدين، قد اطلعوا على مستنده، وتمكنوا من التأمل فيه بأن مضى مدة تسع ذلك، وتكون المسألة تكليفية، واحترز بذلك عن تفضيل شخص على آخر، إذ لا تكليف بذلك - هل يغلب على الظن موافقة الساكت للقائل، أم لا؟ فمن قال به، فهو إجماع عنده حقيقة، ومن قال: لا، فلا. هذا حاصل كلام المصنف، وفيه نظر، أما أولًا: فلأن قوله: وتسميته إجماعًا خلف لفظي، لا وجه له، لأن

(1) راجع: فواتح الرحموت: 2/ 232.

(2)

راجع: كشف الأسرار: 3/ 229، وأصول السرخسي: 1/ 303، 305.

(3)

آخر الورقة (97/ ب من ب).

ص: 165

المذهب الثاني القائل: بأنه إجماع، يريد به حقيقة الإجماع، والثالث القائل: بأنه ليس بإجماع، بل حجة، يريد نفي كونه إجماعًا حقيقة، يظهر ذلك من النظر في دلائل المذهب الثاني، ورد الثالث عليه على ما أشرنا إليه.

وأما ثانيًا: فلأن قوله: هل يغلب ظن الموافقة، صريح في أن ذلك كاف في صيرورته إجماعًا حقيقة. وليس كذلك، إذ غلبة الظن لا تفيد إلا الظهور، وهو غير كاف في الدليل القطعي.

وبعض الشارحين (1) - في هذا المقام - لا يدري ما يقول، ولولا خوف الإطالة أوردنا كلامه ليتعجب الناظر فيه.

وإذا علم حال الإجماع السكوتي، فكذا حال غير المنتشر، بأن أفتى واحد، ولم يعرف ذلك مجتهدو عصره، ولم يظهر له مخالف.

مختار المصنف: أنه حجة، وليس بإجماع، والأكثرون على خلافه لأنه لو بلغهم لربما خالفوا، فهذا أحط رتبة مما تقدم (2).

وقال الإمام الرازي: حجة فيما تعم به البلوى، كنقض الوضوء بمس الذكر (3)؛ لأنه لا بد من خوض غير القائل فيه، ويكون موافقًا لأنه لو خالف لظهرت المخالفة.

(1) يعني به جلال الدين المحلي في شرحه على جمع الجوامع: 2/ 191 - 193.

(2)

راجع: الإحكام للآمدي: 1/ 188، وتشنيف المسامع: ق (100/ ب)، والغيث الهامع: ق (107/ أ - ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 193.

(3)

راجع: المحصول: 2/ ق/ 1/ 223 - 224.

ص: 166

ثم المجمع عليه، قد يكون أمرًا دنيويًا، كتدبير الحروب، والجيوش، ودينيًا كالصلاة، والزكاة، وعقليًا، لا تتوقف صحة الإجماع عليه كحدوث العالم، ووحدة الصانع، وأما ما يتوقف ثبوت الإجماع عليه كوجود الباري، والنبوة، فلا، وإلا يلزم الدور (1). هذا كلام المصنف، وعليه شراحه (2).

وفيه نظر: لأن الأمر الدنيوي لا معنى للإجماع عليه، لأنه ليس أقوى من قوله صلى الله عليه وسلم، وهو ليس دليلًا لا يخالف فيه (3)، يدل عليه قضية

(1) وذلك من حيث إن صحة الإجماع متوقفة على النصوص الدالة على عصمة الأمة عن الخطأ، وصحة النصوص متوقفة على وجود الرب المرسِل، وكون محمد رسولًا، فإذا توقفت معرفة وجود الرب، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم على صحة الإجماع كان دورًا.

راجع: الإحكام للآمدي: 1/ 209، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 343، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 445، ومختصر الطوفي: ص/ 137، وكشف الأسرار: 3/ 251، وفواتح الرحموت: 2/ 246، وتيسير التحرير: 3/ 63، وغاية الوصول: ص/ 108، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 133.

(2)

راجع: تشنيف المسامع: ق (100/ ب)، والغيث الهامع: ق (107/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 194، وهمع الهوامع: ص/ 310.

(3)

اختلف العلماء في مخالفة الإجماع المنعقد على أمر دنيوي، فذهب الجمهور: إلى عدم جواز مخالفته، واعتبروه حجة لازمة، لأن العمومات الدالة على عصمة الأمة عن الخطأ، ووجوب اتباعهم، فيما أجمعوا عليه عامة في كل ما أجمعوا عليه، واختاره الإمام الرازي، والآمدي.

وذهب فريق آخر: إلى جواز مخالفته، وبه قطع الغزالي، ونقل عن ابن السمعاني أنه اختاره. =

ص: 167

التلقيح حيث قال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"(1)، والمجمع عليه لا يجوز خلافه.

وما ذكروه من أمر الحروب، ونحوها إن أثم مخالف ذلك، فلكونه شرعيًا، وإلا فلا معنى لوجوب اتباعه (2)، وكذا العقلي لا معنى للإجماع فيه: لأنه إن كان قطعيًا بالاستدلال، فما فائدة الإجماع فيه؟ إلا تعاضد الأدلة، لا إثبات الحكم ابتداء (3).

= راجع: المعتمد: 2/ 35 - 36، والمستصفى: 1/ 173، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 292، والإحكام للآمدي: 1/ 210، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 344، وشرح العضد: 2/ 44، والمسودة: ص/ 317، ومختصر الطوفي: ص/ 137، وكشف الأسرار: 3/ 251، وفواتح الرحموت: 2/ 246، وتيسير التحرير: 3/ 262، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 194، وغاية الوصول: ص/ 108، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 133، والغيث الهامع: ق (107/ ب).

(1)

روى مسلم، وابن ماجه عن أنس، وعائشة رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل، فقال:"لو لم تفعلوا لصلح، فخرج شيصًا: فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: أنتم أعلم بأمور دنياكم" أي: أنتم أعلم مني بذلك، وأنا أعلم بأمور أخراكم منكم.

راجع: صحيح مسلم: 7/ 95، وسنن ابن ماجه: 2/ 91، وفيض القدير: 3/ 50.

(2)

وقيل: هو حجة بعد استقرار الرأي لا قبله.

راجع: المدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 133.

(3)

الأكثر على أنه يتمسك بالإجماع في الأمور العقلية، وخالف إمام الحرمين مطلقًا وأيده الشارح هنا، وذهب أبو إسحاق الشيرازي إلى التمسك به في كليات أصول الدين، كحدوث العالم، وإثبات النبوة، دون جزئياته، كجواز الرؤية. =

ص: 168

قال الإمام - في البرهان -: "أما ما ينعقد الإجماع فيه، فالسمعيات، ولا أثر للوفاق في المعقولات، فإن المتبع في العقليات الأدلة القاطعة، فإذا انتصبت لم يعارضها شقاق، ولم يعضدها وفاق"(1)، هذا كلامه.

ثم نقول: أي فائدة في الإجماع في العقليات، مع أنه لا يجوز التقليد فيها، ولو كان الإجماع حجة كسائر الأحكام لم يجز إلا (2) / ق (97/ ب من أ) التقليد فيها، وعدم المخالفة.

والمصنف اغتر بكلام الإمام في المحصول (3)، وابن الحاجب.

وقد أوضحنا لك المقام، فدع عنك الأباطيل، والأوهام، والله ولي الإنعام.

وقد علم من إطلاق المجتهد أمران:

أحدهما: عدم اشتراط الإمام المعصوم على ما زعم بعض الشيعة (4).

= راجع: اللمع: ص/ 49، والبرهان: 1/ 717، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 322، 344، وفواتح الرحموت: 2/ 246، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 194، وغاية الوصول: ص/ 108، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 133.

(1)

راجع: البرهان: 1/ 717.

(2)

آخر الورقة (97/ ب من أ).

(3)

حيث قال الإمام: "أما حدوث العالم، فيمكن إثباته به، لأنه يمكننا إثبات الصانع بحدوث الأعراض، ثم نعرف صحة النبوة، ثم نعرف به الإجماع، ثم نعرف به حدوث الأجسام" المحصول: 2/ ق/ 1/ 291 وبنحوه قال ابن الحاجب، راجع: المختصر مع شرح العضد: 2/ 44.

(4)

يرى الشيعة الإمامية أن الحجة في قول الإمام المعصوم، لا في الإجماع، ولذا قالوا: يجب أن يكون في كل زمان إمام يأمر الناس بالطاعات، ويزجرهم عن المعاصي، وذلك الإمام لا بد =

ص: 169

والثاني: وجود المستند، قطعيًا، أو ظنيًا، وإلا لم يكن لقيد الاجتهاد معنى.

قوله: "مسألة: الصحيح إمكانه".

أقول: يجب على القائل بحجية الإجماع النظر في أمور أربعة:

الأول: في إمكانه.

الثاني: في إمكان العلم به بعد انعقاده.

الثالث: فيمن نقل الإجماع.

الرابع: في حجيته بعد نقله.

وقد تقدم من المصنف أن نقله بطريق الآحاد مقبول، وأدرج إمكان العلم به في إمكانه نفسه.

فنقول: وقوع الإجماع على حكم من الأحكام أمر ممكن، خلافًا للنظام، وبعض الشيعة (1).

= وأن يكون معصومًا، وإلا لافتقر إلى إمام آخر، ولزم التسلسل، وإذا كان معصومًا كان الإجماع حجة لاشتماله على قوله لأنه رأس الأمة، ورئيسها، لا بكونه إجماعًا.

راجع: المحصل: ص/ 351، والمعالم: ص/ 143، والمواقف: ص/ 398 - 400، وشرح المقاصد: 5/ 248 - 252.

(1)

مذهب جمهور العلماء: أن الإجماع واقع، وممكن، والنظام من المعتزلة أحال إمكانه، ووقوعه.

راجع: اللمع: ص/ 48، والرهان: 1/ 670، وأصول السرخسي: 1/ 295، 313، والإحكام لابن حزم: 1/ 507 - 509، والمعتمد: 2/ 4، والمنخول: ص/ 303، والمستصفى: 1/ 173، 189، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 46، والروضة: ص/ 67، والإحكام للآمدي: 1/ 150، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 322، وكشف الأسرار: 3/ 251، =

ص: 170

قالوا: يستحيل ثبوته عنهم عادة لخفاء بعضهم، أو انقطاعه، أو أسره، أو حموله، أو رجوعه قبل قول الآخر، ولو سلم، فنقله بعيد إذ الآحاد لا تفيد، والتواتر بعيد.

الجواب: ما ذكرتموه استبعاد مجرد، ونقل الآحاد مقبول، مع التواتر في بعض الصور، مثل اتفاقهم على تقديم القاطع على المظنون. لم يخالف / ق (98/ أمن ب) في ذلك أحد.

وأما كونه حجة، فبالإجماع، ولا عبرة بقول النظام، والشيعة، لأنهم أهل الأهواء، ومع ذلك نشؤوا بعد الاتفاق على حجيته، فهم محجوجون (1) به، وكذا ما نقل عن الإمام أحمد (2).

= والمسودة: ص/ 315 - 316، ومجموع الفتاوى: 19/ 271، 20/ 10، 247، وتشنيف المسامع: ق (100/ ب)، والغيث الهامع: ق (107/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 310.

(1)

ذهب جمهور العلماء إلى أن الإجماع حجة، وذهبت الظاهرية إلى أنه لا حجة في إجماع من بعد الصحابة، وقالت الخوارج: إجماع الصحابة حجة إلى حدوث الفرقة، والانقسام، وذهبت الشيعة إلى أن الإجماع حجة، مع قول الإمام المعصوم، لا بانفراده، فلا يكون حجة عندهم كما تقدم.

راجع: الإحكام لابن حزم: 1/ 507 - 509، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 30، ومختصر الطوفي: ص/ 128، وفواتح الرحموت: 2/ 211 - 212، وتيسر التحرير: 3/ 225، 226، 240، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 195، وتشنيف المسامع: ق (100/ ب)، والغيث الهامع: ق (107/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 311 - 312، وإرشاد الفحول: ص/ 72 - 73، 81، 82، وأصول مذهب أحمد: ص/ 313، 319.

(2)

حيث قال: "من ادعى الإجماع، فهو كاذب". =

ص: 171

وأما إجماع اليهود، والنصارى، والفلاسفة، فغير وارد، لأن العصمة من خواص هذه الأمة.

وبالكتاب قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] ، وإن كان ظاهرًا ليس قطعيًا لاحتمال أن يريد سبيلهم في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو مناصرته، أو الاقتداء به، أو في الإيمان، لكنه يصير قطعيًا بملاحظة الحديث المتواتر معنى، وهو قوله:"أمتي لا تجتمع على الضلالة" لأنه روي بألفاظ مختلفة، والقدر المشترك منه متواتر، وذلك يصلح بيانًا لما في الآية.

قالوا: قوله - في وصف الكتاب -: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]. يقتضي رجوع الأحكام كلها إليه.

الجواب: كونه تبيانًا لا يمنع كون غيره تبيانًا أيضًا لأنه أعم من أن يكون بنفسه، أو بواسطة الإجماع، أو القياس، والنقض بالسنة، فإنه دليل عند المخالف.

= قلت: قد بين أصحابه مراده من هذا القول بوجوه منها: حمله على الورع، أو على غير عالم، بالخلاف، أو على تعذر معرفة الكل، أو على العام النطقي، أو على بعده، أو على غير الصحابة لحصرهم، وانتشار غيرهم، كما رويت عنه روايات أخرى بالقول بالإجماع.

راجع: المسودة: ص/ 315 - 316، وأصول مذهب أحمد: ص/ 319، وشرح الكوكب المنير: 2/ 213.

ص: 172

قالوا: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، فانحصر المرجع في الكتاب، والسنة.

الجواب: مخصوص بالصحابة، ولو سلم فالمجمع عليه لا نزاع فيه ليرد إلى أحدهما، ولو سلم، فظاهر لا يعارض قاطعًا (1).

وإذا ثبت كونه حجة، فهو دليل قطعي، فيما اتفق المعتبرون، بكسر الباء، أي: المجتهدون، كما إذا صرح كل منهم بالحكم، لا حيث اختلفوا، كما في السكوتي (2)، وكان الأولى أن يقول: لا حيث لم يتفقوا - لأن الساكت لا يوصف بالخلاف - وما ندر فيه المخالف عند من يجعله حجة.

(1) ذكر ابن بدران أن معنى كونه قاطعًا أنه يقدم على باقي الأدلة، وليس معنى القاطع هنا بمعنى الجازم الذي لا يحتمل النقيض، وإلا لما اختلف في تكفير منكر حكمه.

ومذهب الجمهور من الفقهاء، والمتكلمين، وغيرهم أن الإجماع حجة قاطعة. واختار المصنف التفصيل المذكور في الشرح، وسيأتي ذكر مذهب الإمام، والآمدي.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 295، 300، واللمع: ص/ 48، والإحكام لابن حزم: 1/ 494، والمستصفى: 1/ 204، والمنخول: ص/ 303، والروضة: ص/ 67، والمسودة: ص/ 315، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 30، ومجموع الفتاوى: 19/ 176، 202، 20/ 10، وكشف الأسرار: 3/ 251، وفواتح الرحموت: 2/ 213، وتيسير التحرير: 3/ 227، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 195.

(2)

ذكر عبد العزيز البخاري، والكمال بن الهمام، وابن عبد الشكور أن الإجماع السكوتي قطعي عند أكثر الحنفية، واختار الكرخي منهم أنه إجماع ظني.

راجع: كشف الأسرار: 3/ 228، وفواتح الرحموت: 2/ 232، 234، وتيسير التحرير: 3/ 246، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 34، وتشنيف المسامع: ق (100/ ب - 101/ أ)، والغيث الهامع: ق (107/ ب).

ص: 173

وذهب الإمام الرازي، والآمدي، على كونه ظنيًا، مطلقًا لأن المجمعين عن ظن لا يستحيل خطوهم (1).

وخرقه بالمخالفة حرام، الضمير راجع إلى الإجماع القطعي (2)، وحرمته، إذا لم يعتقد حله، وإذا اعتقد حله، فهو كفر إن نقل تواترًا.

ويتفرع على هذا إحداث قول ثالث بعد اتفاق العصر الأول على القولين (3). مثال ذلك: اختلف في البكر إذا وطئها المشتري، ووجد بها عيب:

(1) راجع: المحصول: 2/ ق/ 1/ 298، والإحكام للآمدي: 1/ 162، 209.

(2)

للتوعد على خرقه، ومخالفته في قوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

راجع: تشنيف المسامع: ق (101/ أ)، والغيث الهامع: ق (108/ أ).

(3)

ذهب الجمهور إلى منع إحداث قول ثالث بعد اتفاق العصر الأول على القولين، كما لو أجمعوا على قول واحد، فإنه يحرم إحداث قول ثان.

وذهب أهل الظاهر إلى الجواز مطلقًا.

والثالث: التفصيل: وهو إن رفع القول الثالث حكمًا مجمعًا عليه حرم إحداثه وإلا فلا يحرم، وهذا مروى عن الشافعي، ورجحه جماعة من الأصوليين كالرازي، والقرافي، والآمدي، وابن الحاجب، والمصنف والطوفي، وغيرهم.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 310، 319، والرسالة: ص/ 596، والإحكام لابن حزم: 1/ 507، 516، والمستصفى: 1/ 198، والروضة: ص/ 75، والمنخول: ص/ 320، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 300 - 301، والإحكام للآمدي: 1/ 198 - 199، واللمع: ص/ 52، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 326، 328، والمسودة: ص/ 326، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 39، وكشف الأسرار: 3/ 234، وفواتح الرحموت: 2/ 235، وتيسير التحرير: 3/ 250، ومختصر الطوفي: ص/ 134، وغاية الوصول: ص/ 109، وإرشاد الفحول: ص/ 86.

ص: 174

قيل: ترد/ ق (98/ أمن أ) مع الأرش، وقيل: لا ترد بوجه (1)، فالقول: بأنها ترد مجانًا خارق لذلك لإجماع.

وكالأخ مع الجد، قيل: المال كله للجد، وقيل: بالمقاسمة (2)، فالقول: بحرمان الجد خارق، وغير الخارق لا يضر، مثاله: متروك التسمية سهوًا يحل عند أبي حنيفة، ويحل في السهو، والعمد عند الشافعي، وقيل: يحرم مطلقًا.

فالفارق بين السهو، والعمد، موافق لمن أطلق في بعض ما قاله.

(1) قال بالأول: شريح، وسعيد بن المسيب، والنخعي، والشعبي، ومالك، وابن أبي ليلى وأبو ثور، والواجب عندهم رد ما نقص من قيمتها بالوطء، فإذا كان قيمتها بكرًا عشرة، وثيبًا ثمانية رد دينارين، وهي رواية عن الإمام أحمد. وذهب إلى الثاني، وهو أنها لا ترد بوجه، بل يأخذ أرش العيب، ابن سيرين، والزهري، والثوري، والشافعي، وأبو حنيفة، وإسحاق، ورواية عن أحمد، وغيرهم.

راجع: شرح فتح القدير: 6/ 365، وبداية المجتهد: 2/ 182، ومغني المحتاج: 2/ 62 - 63، والمغني لابن قدامة: 4/ 163 - 164.

(2)

مذهب أبي بكر الصديق، وجمع من الصحابة، والتابعين، وأبي حنيفة، والمزني وداود، وابن المنذر ورواية لأحمد أن الجد يسقط جميع الأخوة، والأخوات من جميع الجهات، كما يسقطهم الأب. وذهب الخلفاء الثلاثة، وجمع من الصحابة، والتابعين، وأتباعهم منهم مالك، والشافعي، وأحمد في الرواية الأخرى، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن وغيرهم إلى أن الجد لا يحجب الإخوة لغير أم بل يرثون معه على اختلاف بينهم في ذلك، وتفصيل، كما أنه نقل عن عمر التوقف آخر أمره.

راجع: بداية المجتهد: 2/ 346، ومغني المحتاج: 3/ 21، والمغني لابن قدامة: 6/ 215 - 217، والعذب الفائض: 1/ 105 - 106، والمبسوط: 29/ 180 - 181.

ص: 175

ومثال التفصيل الخارق ما لو قيل: بتوريث العمة، دون الخالة، أو العكس لأنهما من ذوي الأرحام (1)، وهو علة التوريث (2)، فحرمان

(1) الأرحام: جمع رحم، وهو في الأصل موضع تكوين الولد، ثم أطلق على الاتصال في النسب، والقرابة، وهذا يعتبر معنى من المعاني، ولكنه سمي باسم ذلك المحل تقريبًا للإفهام، واصطلاحًا: يطلق على كل قريب، وفي عرف الفرضيين هم كل قريب ليس ذا فرض مقدر، ولا تعصيب، وهم ثلاث جهات، جهة الأبوة، وجهة الأمومة، وجهة البنوة، وقد أوصلهم البعض إلى أحد عشر صنفًا.

راجع: مختار الصحاح: ص/ 238، والمصباح المنير: 1/ 223، والعذب الفائض: 2/ 15، والمغني لابن قدامة: 6/ 229، وتكملة المجموع: 16/ 54.

(2)

لإرث ذوي الأرحام شرطان: الأول: عدم وجود صاحب فرض، إلا الزوج والزوجة، الثاني: عدم وجود عاصب. ثم اختلف العلماء في توريثهم: فذهب علي، وابن مسعود، ومعاذ، وغيرهم من الصحابة، والتابعين إلى أنهم يقدمون على الموالي، وأهل الرد، وهو مذهب أحمد، وغيره. وذهب أبو حنيفة إلى أنهم يرثون، ولكن يقدم عليهم الموالي، وأهل الرد، إذا وجدوا، واختاره النووي.

وذهب الشافعي في الجديد إلى أنهم يرثون إذا لم ينتظم بيت المال لعدم وجود إمام عادل، فإذا وجد إمام عادل، وانتظم بيت المال يرجع المال إليه.

وذهب زيد بن ثابت، وابن عمر، وغيرهما من الصحابة، والتابعين إلى أنهم لا يرثون، ويكون الباقي من المال، أو المال كله إن لم يكن أهل فرض، أو تعصيب لبيت مال المسلمين، وهو مذهب مالك. ثم القائلون بتوريثهم اختلفوا في كيفية ذلك، مذهب التنزيل، وهو أن ينزل كل ذي رحم منزلة من أدلى به إلى الميت، ولا فرق بين ذكرهم، وأنثاهم في الإرث، وبه قال الإمام أحمد، والشافعي في قوله الجديد، غير أنه يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين. ومذهب القرابة، فيقدم الأقرب، فالأقرب كالعصبات، وبه قال أبو حنيفة. ومذهب الرحم بأن تقسم التركة على من وجد من ذوي الأرحام، فيستوي فيه القريب والبعيد، والذكر، والأنثى من غير ترتيب، ولا تنزيل، وبه قال نوح بن دراج. =

ص: 176

إحداهما دون الأخرى تفصيل خارق (1).

ومثال غير الخارق: القول: بوجوب الزكاة في مال الصبي (2)، دون الحلي المباح، وعليه الشافعي، وقيل: بالوجوب فيهما، وقيل: بعدمه، فالمفصل موافق لغير المفصل في بعض ما قاله.

= راجع: العذب الفائض: 2/ 17 - 18، والمبسوط: 30/ 2 - 6، والمغني لابن قدامة: 6/ 229، وتكملة المجموع: 16/ 55 - 56، والرائد في علم الفرائض: ص/ 97 - 104، والضياء للأخضري: ص/ 68 - 70.

(1)

لأنه قد ورثهما قوم لكونهما من ذوي الأرحام، ومنعهما آخرون لكونهما كذلك، فاتفق المذهبان على أن العلة في حالة الإرث وعدمه كونهما من ذوي الأرحام. والمصنف فرق بين هذه المسألة، والتي قبلها، وهو الأولى، لأن الأولى مفروضة فيما إذا كان محل الحكم متحدًا، وهذه، فيما إذا كان محل الحكم متعددًا، أما الآمدي، وابن الحاجب، فقد جعلاهما مسألة واحدة لأن الخلاف المذكور في الأولى مذكور في الثانية، بلا فرق.

راجع: الإحكام للآمدي: 1/ 198، ومختصر ابن الحاحب: 2/ 39، وتشنيف المسامع: ق (101/ أ)، والغيث الهامع: ق (108/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 197 - 198.

(2)

ذهب علي، وابن عمر، وجابر، وغيرهم من الصحابة، والتابعين إلى وجوب الزكاة في مال الصبي، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم من فقهاء الأمصار. وذهب النخعي، والحسن، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير إلى أنه ليس في ماله صدقة. وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى أن ما أخرجته الأرض فيه زكاة، وما لا يخرج منها كالماشية، والعروض، والناض، فلا زكاة فيه. وفرق قوم بين الناض، وغيره، فأوجبوا عليه الزكاة في غير الناض.

راجع: المبسوط: 2/ 162، وشرح فتح القدير: 2/ 156 - 158، وبداية المجتهد: 1/ 245، والمجموع للنووي: 5/ 229 - 231، والمغني لابن قدامة: 2/ 622.

ص: 177

وأما إحداث الدليل، أو التأويل لدليل إقامة أهل العصر الأول ليوافق غيره، أو إبداء علة لحكم لم يبدوه.

الأكثر على جوازه إن لم يكن خارقًا، وذلك بأن لم ينصوا على بطلانه، فإن نصوا، فلا يجوز خلافهم لأنه خرق له.

قيل: لا يجوز مطلقًا: لأنه ليس سبيل المؤمنين (1).

الجواب: الفرض فيما لم يتفقوا على منعه.

قيل: قوله: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [آل عمران: 110](2)، فلو كان معروفًا لأمروا به.

الجواب: المعارضة بقوله: {وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110]، فلو كان غير جائز لنهوا عنه.

قوله: "وأنه يمتنع ارتداد الأمة في عصر".

(1) وهذا قول لبعض الشافعية. وهناك أقوال أخرى في المسألة.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 316، والإحكام للآمدي: 1/ 202، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 327، والمسودة: ص/ 327، 328، وكشف الأسرار: 3/ 235، وفواتح الرحموت: 2/ 236، وتيسير التحرير: 3/ 253، مختصر الطوفي: ص/ 155، وغاية الوصول: ص / 109، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 132، وإرشاد الفحول: ص/ 87.

(2)

الآية: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110].

ص: 178

أقول: هل يجوز ارتداد أمته صلى الله عليه [وسلم](1) في عصر، أم لا؟

الصحيح امتناع ذلك سمعًا لقوله: "أمتي لا تجتمع على الضلالة" وانعقد الإجماع عليه (2).

قيل: الارتداد يخرجهم عن الأمة، فلا منافاة.

الجواب: يصدق أن الأمة ارتدت، وذلك خلاف ما انعقد عليه الإجماع.

وأما الاتفاق على الجهل بشيء، فلا مانع منه، إذا لم يكن مكلفًا به لأن ذلك لا يقدح في أصل من الأصول (3).

(1) سقط من (أ) والمثبت من (ب).

(2)

لا خلاف في تصور ارتداد الأمة الإسلامية في بعض الأعصار عقلًا، وإنما الخلاف في امتناعه سمعًا، فذهب الجمهور إلى امتناعه سمعًا، واختاره الآمدي، وابن الحاجب، وصححه المصنف، وتبعه شراح كلامه.

وذهب البعض إلى جوازه سمعًا، لما ذكره الشارح، ثم ضعفه، ورده.

راجع: الإحكام للآمدي: 1/ 207، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 43، ومختصر الطوفي: ص/ 137، وتشنيف المسامع: ق (101/ أ)، والغيث الهامع: ق (108/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 199، وفواتح الرحموت: 2/ 241، وشرح الكوكب المنير: 2/ 282، وهمع الهوامع: ص/ 315.

(3)

وقيل: لا يجوز اتفاقهم على الجهل، وإلا كان سبيلًا لها يجب اتباعه وهو باطل.

راجع: الإحكام للآمدي: 1/ 207، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 200، وإرشاد الفحول: ص/ 87.

ص: 179

وأما خطأ طائفة في مسألة تشابه مسألة أخرى أخطأ فيها طائفة، فلا منع منه (1)، إذ لم يتفقوا في الخطأ لاختلاف المحل (2)، حتى لو أصاب الطائفتان لم يكن هناك إجماع، ولا يليق بعاقل أن يخالف هذا.

ويتفرع على الأصل المذكور، - وهو عدم جواز خرق الإجماع - عدم جواز إجماع لاحق (3) / ق (98/ ب من ب) يضاد إجماعًا سابقًا (4).

(1) اختلف العلماء في انقسام الأمة إلى قسمين كل قسم مخطئ في مسألة أخرى غير مسألة الفريق الآخر، كاتفاق شطر الأمة على أن الترتيب في الوضوء واجب يعني في الصلوات المؤداة، وفي الصلوات الفائتة غير واجب، واتفاق الشطر الآخر على أن الترتيب في الوضوء واجب في الصلوات الفائتة، وغير واجب في المؤداة. فذهب الأكثر إلى المنع، لأن خطأهم في المسألتين لا يخرجهم من أن يكونوا قد اتفقوا جميعًا على الخطأ، وهو منفي عنهم للحديث المتقدم، وذهبت طائفة أخرى إلى جوازه لأن المخطئ في كل واحدة بعض الأمة، واختاره ابن قدامة، والآمدي، والمحلي، والشارح، وزكريا الأنصاري، وغيرهم.

راجع: الروضة: ص/ 76، والإحكام للآمدي: 1/ 200، وتشنيف المسامع: ق (101/ ب)، والغيث الهامع: ق (108/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 200، وهمع الهوامع: ص/ 315، وغاية الوصول: ص/ 109، وتيسير التحرير: 3/ 252، وإرشاد الفحول: ص/ 87.

(2)

أما إن اتحد المحل، كاتفاقهم على الخطأ في مسألة واحدة، كما لو أجمعوا على أن العبد يرث، فهذا لا يجوز عليهم للحديث المتقدم.

راجع: شرح تنقيح الفصول: ص/ 345.

(3)

آخر الورقة (98/ ب من ب).

(4)

ذهب الجمهور: إلى أنه لا يجوز انعقاد إجماع بعد إجماع سابق، على خلافه، لأنه يستلزم تعارض دليلين قطعيين، وهذا ممتنع. =

ص: 180

ولا يمكن أن يعارض الإجماع دليل: لأنه إما قاطع، فلا تعارض بين القطعيات، وإما مظنون، فلا يصح معارضًا للقاطع.

وإذا وافق الإجماع خبرًا لا يدل على أنه سنده، بل ذلك هو الظاهر، إذا لم يوجد غيره (1)، وهذا كلام قليل الجدوى ولذلك تركه كثير من المتأخرين.

قوله: "خاتمة".

أقول: المجمع عليه إما أن يكون من الدين، أو لا، وإنكار الثاني لا يقتضي كفرًا، بل كذب صريح، وما هو من الدين، أما أن يعلم ضرورة كونه من الدين، كوجوب الصلاة، والزكاة يكفر جاحده (2)، وكذا

= وذهب أبو عبد الله البصري: إلى أنه غير ممتنع، بل يجوز ذلك، واختاره البزدوي من الحنفية، والرازي من الشافعية.

راجع: المعتمد: 2/ 48 - 50، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 300 - 301، وكشف الأسرار: 3/ 262، وغاية الوصول: ص/ 110، وتقريرات الشربيني على جمع الجوامع: 2/ 200، وإرشاد الفحول: ص/ 85 - 86، والوسيط في أصول الفقه: ص/ 138.

(1)

وذهب أبو عبد الله البصري إلى أنه يتعين، أن يكون هو سنده، ونقل عن ابن برهان أنه حكاه في وجيزه عن الشافعي، ومحل الخلاف فيها - كما قاله البعض - في خبر الواحد، أما المتواتر، فلا خلاف في وجوب استناده إليه.

راجع: تشنيف المسامع: ق (101/ ب)، والغيث الهامع: ق (109/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 201، وهمع الهوامع: ص/ 316.

(2)

واختاره الآمدي، والطوفي، فيكفر في نحو العبادات الخمس لا في غيرها، وذهب أبو الخطاب، والقاضي أبو يعلى من الحنابلة، وغيرهما إلى أن جاحد الإجماع، يضلل، =

ص: 181

المشهور بين الناس، المنصوص عليه كحل البيع، لأن إنكاره تكذيب للشارع، وأما إذا لم يكن منصوصًا، ولكن مشهورًا، ففيه تردد، واختار النووي أنه كفر، وهو الذي يعتقد لكونه موافقًا للنصوص، والقول: بأنه لا يكفر يخالف نص الشارع على عصمة الأمة، وأما إذا لم يشتهر، ولو كان منصوصًا لا يكفر، كتوريث بنت الابن السدس مع بنت الصلب، وكفساد الحج بالوطء قبل الوقوف.

* * *

= ويفسق، وقيده في المسودة، في انعقاد الإجماع عن قياس، وذكر أنه مقتضى قول كل من قال: إن الإجماع حجة قاطعة، وهم جماهير الخلائق، وذهب بعض المتكلمين إلى أنه حجة ظنية، وعلى هذا لا يكفر جاحده، ولا يفسق، واختاره الرازي، واختار القرافي والنووي، والمصنف، وغيرهم أن منكر المجمع عليه، الضروري، والمشهور المنصوص عليه، كافر قطعًا، وكذا المشهور غير المنصوص عليه عند النووي، واختاره الشارح.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 318، والتمهيد لأبي الخطاب: 3/ 292 والمنخول: ص/ 309، والمحصول: 2/ ق/ 1/ 297، والإحكام للآمدي: 1/ 209، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 337، والمسودة: ص/ 344، والروضة للنووى: 10/ 65، والمنهاج مع شرحه: 4/ 135، وكشف الأسرار: 1/ 261 - 262، ومختصر الطوفي: ص/ 137، وفواتح الرحموت: 2/ 243، وتيسير التحرير: 3/ 258، وغاية الوصول: ص/ 110، وإرشاد الفحول: ص/ 78.

ص: 182