المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المؤلف يخطو إلى الجامعة الأزهرية - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - المقدمة

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌المؤلف يخطو إلى الجامعة الأزهرية

وطاعة رسوله " صلوات الله وسلامة عليه وعلى آله " فألفى آذانا صاغية، وقلوبا واعية جزاء إخلاصه، وصفاء سريرته ".

‌المؤلف يكتب ويقرأ بعد أن كان أميا

وبينما هو جالس ذات يوم فى بستان أبيه إذ دخل عليه ابن عم له بيده لوح صغير به بعض حروف الهجاء، فاشتاقت نفسه أن يتعلمها، فاتصل بمعلم القرية فكتبها له فقلد الإمام كتابتها، وما أعظم دهشة المعلم حينما رأى خط تلميذه اليافع (1) أحسن من خطه. وما هى إلا أيام تعد على الأصابع حتى صار المؤلف يجيد الكتابة والقراءة.

‌المؤلف يخطو إلى الجامعة الأزهرية

تاقت نفس المؤلف إلى الرحلة لتلقى العلم فى الجامع الأزهر المعمور. وبينما هو يناجى مولاه سحرا، جد فى الدعاء طالبا أن يمن عليه المنعم الوهاب بمعرفة العلم ويسهل له طريقه. وما مضى على دعائه أسبوع إلا وقد أشيع بين الناس أن الحكومة التى كانت لا تجند أولاد العمد، غيرت طريقتها. فأشار الشيخ خطاب "رحمه الله " أكبر أخوة المؤلف على أبيه، أن يأخذه معه إلى الجامع الأزهر، ليتمكن من الحصول على شهادة المعافاة من الخدمة العسكرية بانتسابه إلى الأزهر. وهو إذ ذاك الحرم المكين من دخله كان آمنا. وبعد أخذ ورد سافر المؤلف مع أخيه الشيخ خطاب العالم الجليل. وما كادت عينه تبصر السادة العلماء، وبين أيديهم تلامذتهم حتى تملك هذا المنظر سويداء قلبه، واستولى على مشاعره كلها وأخذت الآمال تملأ جوانحه (2) حتى فاضت على لسانه إذ فاتحه أخو الشيخ خطاب فى الذهاب إلى أستاذ كبير يشار إليه بالبنان (المرحوم الشيخ حسن العدوى)

(1) أيفع الغلام: شب. ويفع الغلام بيفع مثله. واسم الفاعل من الثلاثى فقط وشذ من الرباعى.

(2)

(الجوانح) الاضلاع التى تحت الترائب، وهى مما يلى الصدر كالضلوع مما يلى الظهر. والمفرد جانحه.

ص: 4

وكانت بينهما صداقة وثيقة، ليسهل له شهادة المعافاة فيعود على جناح السرعة إلى والده مخففا عنه هذا العبء الثقيل من أعماله، وهو يقوم بأوفر قسط منها. فقال المؤلف هيهات! ! وكيف أترك هذه الضالة المنشودة، وهل أضيع على نفسى مأربها وبغيتها؟ ؟ لابد من الانضمام إلى هذه الأسرة الدينية لأكون فردا منها ولابد من الجلوس بين هذه الحلقات العلمية ردحا من الزمن (1)، مفارقا تلك الحلقات الريفية، مترحما على الأيام الطويلة التى قضيتها بين ذويها وأترابها! !

دهش كل الدهش أخوه إذ يراه قد جاوز العقد الثانى من عمره، فأصبح طلب العلم عليه غير هين أدرك المؤلف منه هذا فقال: قد تسبق العرجاء. والله يختص برحمته من يشاء. ثم أقبل المؤلف على مطلوبة أيما إقبال. فكنت تراه فى اليوم الواحد يحفظ قسطا من كتاب الله تعالى، ومقدارا من المتون الأزهرية على الطريقة المألوفة إذ ذاك، ويتردد على على حلقات العلم يتزود منها ما شاء الله. ومضى عليه نصف عام كامل فهل يدور بخلدك (2) أن هذا التلميذ الناشئ فى مكنته (3) أن يكون أستاذا لمبتدئين يتلقون عنه دروس العلم فى المساء، ويشرف عليها بعض المعلمين المعجبين بذكاء ابن الريف المتقدم فى سنه! ! ومازال مجدا مواصلا ليله بنهاره، غير مقتصر على أن يملأ مخيلته بالمسائل العلمية يرددها لسانه، بل وضع نصب عينيه العمل بما يتطلبه العلم، موقنا أن الطالب لذلك هو الله تعالى ورسوله شاعرا أن وراءه أبناء الحلقات الريفية، وهم الذين خيم الجهل عليهم فما يدرون حلال ولا حراما، وما يفرقون بين ولى ولا نبى! !

وهؤلاء لابد أن تجمع الأيام بينه وبينهم فتنقلب هذه الحلقات الدينوية حلقات دينية يرى المجتمعون فيها من كان على شاكلتهم أضحى لهم معلما. ومعلم هذه الطبقات ترمقة عيونهم، وتصغى إلى قوله آذانهم. فان عمل بما

(1) يقال أقام ردحا من الدهر بفتحتين أى طويلا.

(2)

(الخلد) بفتحتين البال يقال وقع ذلك بخلدى أى فى قلبى.

(3)

(المكنة) بفتح فكسر القدرة.

ص: 5