الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان ما هو الذكر الشرعي
وأما الذكر الذي يحبه الله ورسوله وأصفياء الأمة ويؤجر عليه فاعله فهو ما ورد به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وضبطه الأئمة الذين يعول عليهم، فقد قال سيدي محمد المنير خليفة الإمام الحنفي في تحفة السالكين: وليحذر من اللحن في لا إله إلا الله لأنها من القرآن فيمد اللام على قدر الحاجة، ويحقق الهمزة المقصورة بعدها ولا يمدها أصلا، ويفتح هاء إله فتحة خفيفة، ولا يفصل بين الهاء وبين إلا الله، وإياك أن تتهاون في تحقيق همزة إله، فإنك إن لم تحققها قلبت ياء، وكذلك همزة إلا، وتسكن آخر لفظ الجلالة - ثم قال وحترز عن تمطيط الذكر والعجلة الشديدة لأنها تخرج الذكر عن حده، فالميزان أن لا يخروجوه عن حده الشرعي انتهى ونحوه للعلامة السنوسي والعلامة السجاعي وأبي البركات الدردير والإمام الشعراني وغيره من السادة الأكابر وشنعوا جميعا على من حرف الذكر عن الطريقة الشرعية وحكموا بأنه لا ثواب له بل واقع في الخسران والضلال البعيد.
قال المحقق اأمير في نتائج الفكر – واعلم أن جميع كلمة التوحيد مرققة، فلا يفخم منها إلا لفظ الجلالة فقط، ومخارج حروفها قد انحصرت في أربعة اللام والألف والهمزة والهاء، فمخرج اللام من طرف اللسان، ويوضع في أصل الثنايا العليا، ومخرج الألف من اصل الجوف خارجة من محض النفس، ومخرج الهمزة والهاء كلاهما من
الحلق، غير أن الهمزة أشد من الهاء وأيبس – ونهى العلماء عن السكوت على لا إله لما فيه من إيهام التعطيل بل يصله بالاستثناء والاثبات بقوله إلا الله بسرعة.
ثم قال وليحذر مما يقع لبعضهم من تفخيم أداة النفي، وربما مال بألفها إلى جهة الشفتين فتصير كالواو، أو لجهة وسط اللسان وما فوقه فتصير كالياء، أو يبدل همزة إله ياء، أو يشبع الهمزة فتتولد منها ياء، أو يزيد في ألف إله على المد الطبيعي، أو يسكت هنا سكتة لطيفة، أو يشبع همزة إلا فتتولد منها ياء. أو يثبت ألفها فإنه لحن، بل يجب خذف الألف الأخيرة لالتقاء الساكنين، وهؤلاء الجهلة يثبتونها ويمدونها ويتفننون في مدها وبعضهم يمد هاء إله ويولد من إشباعها ألفا، وبعضهم يثبت همزة الله ويمدها فتصير كالاستفهام، وكل ذلك مخالف لما نطق به رسول الله صلى الله عيه وسلم، وأمر به، وتارة يزعمون أنهم (انجذبوا) فيأكلون بعض حروف هذه الكلمة ويحرفونها، وربما لا تسمع منهم إلا أصواتا ساذجة أو شيئا يشبه نهيق الحمار أو هدير الطائر.
ثم قال نعم المأخوذ عن حسه الغائب عن نفسه كل ما جرى على لسانه لا لوم عليه فيه، وإنما كلامنا في هؤلاء الذين يتعمدون ذلك وهم لم يخرجوا عن حدث التكليف وتطرأ لهم مواجيد نفسانية يتخليونها وأرادت رحمانية (كلا) والله ما كل واجد بمحمود. إلا إذا ورد على طريق الشرع المحدود. وبخسوا أنفسهم في نطقهم بهذه الكلمة التي توضع في بطاقة صغيرة يوم القيامة في الميزان فترجح على سجلات
كثيرة من السيئات، كل سجل منها مد البصر كما في الحديث، فيا ليت شعري كيف توزن لهم، بل يخشى من تقطيع أسماء الله تعالى وتحريف أذكاره أنهم يذكرونها وهي تلعنهم اهـ.
وفي خزانة الأسرار الكبرى ما نصه: وكذا بعض أهل الذكر يزيدون حروفا كثيرةفي كلمة التوحيد كأنهم يقولون بزيادة الياء بعد همزة لا إله، ويزيادة الألف بعد هاء إله مثالهما (لا إيلاها) وبزيادة الياء بعد همزة إلا وبعد إلا بزيادة الألف مثالهما (ايلاالله) وكلها حرام بالإجماع في جميع الأوقات، فهم يذكرون الله تعالى ويعبدونه بالسيئات. فيصيرون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا اهـ. وضبط باقي الأسماء لا يخفى على من رجع إلى كلام القوم فلا نطيل به (فيجب) على كل ذاكر سواء كان (رفاعيا أو أحمديا، أو بيوميا، أو حفناويا، أو شاذليا، أو بكريا، أو عفيفيا، أو برهاميا) أو غير ذلك من الطرق أن لا يخرج عما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضحه أئمة المسلمين وإلا فلا يلومن إلا نفسه.
ومن بدعهم أنهم يذكرون بالحلق، ومعلوم أن مورد الذكر اللسان والحلق والشفتان، وبالحلق فقط صوت ساذج، وبالقلب فقط ليس أيضا بذكر بالكسر بل ذكر بالضم وليس الكلام فيه.
وقد اختلف في جواز الذكر بالاسم المفرد، فذهب كثير منهم إلى أنه لا بد في الذكر من الجملة لأنها هي المفيدة، ولا يصح بالاسم المفرد مظهرا أو مضمرا لأنه ليس بكلام تام ولا جملة مفيدة، ولا يتعلق به
إيمان ولا فكر، ولا أمر ولا نهي، ولم يذكر ذلك أحد من السلف، ولا شرع ذلك رسول الله، والشريعة إنما ورد به بها من الأذكار ما يفيد بنفسه فقد ورد (أفضل الأذكار لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) .
ورأى آخرون من العلماء أن الذكر كما يكون بالجملة يكون بالاسم المفرد، قال العلامة البناني في شرحه على صلاة ابن مشيش: اعلم أن ذكر الاسم المفرد المعظم مجردا على التركيب بجملة وهو قول (الله الله) مما تداولته السادات الصوفية. واستعملوه بينهم إلى أن قال: وفي الصحيح (لا تقوم الساعة حتى لا يبقى من يقول (الله الله) وهو شاهد في الجملة بذكر هذا الاسم وحده، لا سيما على رواية النصب، ولا نزاع في جواز التلفظ بالاسم الكريم وحده، فأي مانع أن يكرره الإنسان مرات كثيرة، وكونه لم ينقل عن السلف لا يقتضي منعه ولا كراهته، وكم أشياء لم تكن في عهد السلف مع أنها جائزة إلى أن قال: فلا ينبغي التوقف في ذلك، ولا التشغيب بإنكاره وقال الشيخ أبو العباس المرسي –رحمه الله: ليكن ذكرك الله فإن هذا الاسم سلطان الأسماء وله بساط وثمرة فبساطه العلم وثمرته النور وليس النور المقصودا لذاته بل لما يقع به من الكشف والعيان فينبغي الإكثار من ذكره واختياره على سائر الأذكار لتضمنه لجميع ما في لا إله إلا الله من العقائد والعلوم والآداب والحقوق فإنه يأتي في (الله) وفي (هو) ما لا يأتي في غيرهما من الأذكار اهـ. وقال الشيخ زورق: ولهذا اختاره المشايخ ورجحوه