الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على سائر الأذكار وجعلوا له خلوات ووصلوا به إلى أعلى المقامات والولايات وإن كان فيهم من اختار في الابتداء لا إله إلا الله وفي الانتهاء الله الله. وقال ابن حجر في الفتاوى الحديثية: ذكر لا إله إلا الله أفضل من ذكر الجلالة مطلقا بلسان أهل الظاهر. وأما أهل الباطن فالحال عندهم يختلف باختلاف حال السالك فمن هو في ابتداء أمره ومقاساة شهود الأغيار وعدم انفكاكه عن التعلق بها يحتاج إلى النفي والاثبات حتى يستولي عليه سلطان الذكر فإذا استولى عليه فالأولى له لزوم الإثبات أعني (الله الله) وبهذا يتبين أن الذكر بالاسم المفرد لا مانع منه شرعا. إذ لم يرد نهي عنه من الشارع يفيد كراهته أو تحريمه.
الشبه التي يتمسك بها الذين يحرفون الذكر وردها
قالوا يجوز الذكر بجميع الأسماء. بايل. ولاها. ونسبوا ذلك للفقيه ابن حجر- رحمه الله تعالى- لورود الشرع بذلك لأن أي اسم الرحمن ولاها اسم المحبوب. والجواب أن نسبة هذا لابن حجر فرية مافيها مرية، وكيف يقول مؤمن بصحة هذه النسبة له رحمه الله، وهو قد ألف كتابه المسمى: بكف الرعاع عن محرمات اللهووالسماع: قصد به الرد على هؤلاء الجهلة الكذابين، وشنع عليهم في نسبتهم القول بجواز الرقص للعلامة العز بن عبد السلام.
ثم يقال لهم إن أردتم جميع الأسماء الواردة في الشرع كما يدل عليه التعليل بقولكم لورود الشرع إلى آخره. ورد أن الشرع لم يثبت إطلاق ايل ولاها عليه تعالى لابطريق صحيح ولاغيره، فقولهم لأن
ايل اسم الرحمن ولاها اسم المحبوب ممنوع، ومن أين لهم ذلك {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة:111) (على) أن كون لاها اسم لايسوغ إطلاقه على الله سبحانه وتعالى، إلا على قول ضعيف، وهو جواز إطلاق مادل على كمال ولم يوهم نقصا (نعم) قيل إن ايل في نحو جبرائيل بمعنى عبد، وهو غير صحيح كما قال أبو على السوسي هذا لايصح لوجهين: أحدهما أنه لايعرف من أسماء الله ايل: الثاني أنه لو كان كذلك لكان آخر الاسم مجرورا.
وإن أرادوا جميع الأسماء مطلقا فالذي عليه المحققون أن أسماء الله تعالى توقيفية، فلا يجوز إطلاق اسم أو صفة عليه تعالى إلا إذا كان واردا في القرآن أو الاحاديث الصحيحة.
والمراد بالاسم مادل على الذات إما وحدها كلفظ الجلالة. وإما مع الصفة كالرحمن العالم والقادر، وبالصفة مادل على معنى زائد على الذات فقط كلفظ القدرة والعلم – هذا مختار جمهور أهل السنة للاحتياط، واحتراز عما يوهم باطلا لعظم الخطر في ذلك.
سلمنا أنهما من الأسماء على ما فيه لكنه مخصوص بذكرهما مفردين بأن يقال يا ايل ويا لاها. ولا واقعين في كلمة التوحيد (كلا ايلاها إلا الله) فإن الواقع فيها محدود قطعا، ولا يقول مسلم بأن ايل ولاها الواقعين اسمان من أسماء الله تعالى لما يلزم عليه من الكفر بنفي وجود ايل وهو الله تعالى على زعمه، والتناقض في الكلمة المشرفة التي هي أفضل الكلام ومفتاح الاسلام، وغير ذلك من المفاسد بل
يخشى على فاعلها الكفر كما ذكره العلامة الأخضري والعلامة الأمير والعارف الدردير وغيرهم من المحققين حيث قالوا: يحرم تقطيع أسماء الله تعالى بل ربما يخشى على من حرفها وقطعها الكفر والعياذ بالله تعالى وبينوا التحريف والتقطيع كما سبق.
وقالوا أيضا يجوز الذكر بهو وها وهي، الجواب أنها دعوى لا دليل عليها فإن ها وهي من الضمائر المؤنثة فلا يجوز الذكر بها إذ لم ترد لا في كتاب ولا سنة وما وقع في كتب المخذولين لا يلتفت إليه.
ويجوز الذكر بهو لأنه من أسماء الله المضمرة وقد ورد كتابًا وسنةً وقالوا يجوز الذكر بلفظ (أه) لما ورد أنه الاسم الأعظم. ونقول لهم لم يثبت من طريق صحيح أنه اسم من أسمائه تعالى، وقد علمت أن أسماءه تعالى توقيفية. فلا يجوز الذكر به - وما قيل في بعض الحواشي من أنه الاسم الأعظم لا سند له، وما يروى من أن النبي صلوات الله وسلامه عليه زار مريضا كان يئن، وأن أصحابه عليه الصلاة والسلام نهوه عن الأنين، وأنه عليه الصلاة والسلام قال لهم:"دعوه فإنه يذكر اسما من أسمائه تعالى" لم يرد في حديث صحيح ولا حسن كما قرره الثقات – وقد أفتى المرحوم الشيخ محمد أبو الفضل شيخ الجامع الأزهر في هذه المسألة فقال –رحمة الله عليه - ما نصه أن هذا اللفظ المسئول عنه (أه) بفتح الهمزة وسكون الهاء ليس من الكلمات العربية في شيء، بل هو لفظ مهمل لا معنى له مطلقا، وإن كان بالمد فهو إنما يدل في اللغة العربية على التوجع، وليس من أسماء
الذوات فضلا عن أن يكون اسما من أسماء الله الحسنى التي أمرنا أن ندعوه بها إلى أن قال رحمه الله: ولا يجوز لنا التعبد بشيء لم يرد الشرع بجواز التعبد به، وفي الصحيحين عن عائشة –رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" الخ ما قرره رحمة الله عليه.
وقالوا يجوز الذكر بحرف واحد كما ورد في أوائل السور ككاف وهاء وياء وعين وص – ويجوز الذكر بأسماء الله طرا.
ونقول لهم هذا اختراع وابتداع إذ لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف الصالح أنهم ذكروا بحرف واحد وهم القدوة لنا في سائر أنواع العبادات خصوصا ذكرالله الذي هو أكبر- وقولهم كما ورد في أوائل السور تمثيل أو تنظير غير صحيح، إذ لم يرد في كتاب ولا سنة أن هذه الحروف أسماء لله تعالى- غاية ما في الباب أن بعض العلماء وهو قول مغضوض عنه، ثم على تسليمه لا يكون المقتطع من الاسم اسما فلا يكون التكلم بالمقتطع ذكرا لاسم الله تعالى- ونعوذ بالله من سوء التأويل. والجراءة على ذكر الجليل، والأعجب من هذا جعله دليلا على ما ادعاه أو تمثيلا لما افتراه.
ويجوز الذكر بجميع أسماء الله تعالى المأخوذة من السنة ولو من غير شيخ عارف لكن به أكمل وأرجى لقطع العلائق الشيطانية، ولتجلي الأنوار الملكوتية- وليس عندنا لله أسماء ثابتة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه الآخذين عنه. إذ لا طريق إلى الله إلا تعالى ومعرفة
أسمائه إلا هو، وغيره طريق الشيطان.
وقالوا: يجوز الرقص حالة الذكر بدليل فعل الحبشة في المسجد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم، وكان رقصهم بالوثبات والوجد ففي الصحيحين عن عائشة –رضي الله عنها أنها قالت:"لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون بالحراب والدرق في المسجد حتى أكون أنا التي أسأمه" وكان ذلك يوم عيد الفطر.
ونقول لهم هذا قول باطل مناقض لقواعد الشرع الشريف لقوله صلى الله عليه وسلم: "شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"(1) وقائله كأنه ممن يحرفون الكلم عن مواضعه- والاستدلال بفعل الحبشة في المسجد بحضرته صلى الله عليه وسلم استدلال باطل لأن ذلك كان تمايلا بالحراب للتدريب على استعمال السلاح كما شرعت المسابقة، وكما أبيح التبختر في الحرب وإن كان ممنوعا في غيره كما قال عليه الصلاة والسلام:"إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن"(2) وأين هذا من الرقص الذي هو هز المعاطف والأكمام. الذي لا يفعله إلا الفساق من العوام (قال في المدخل) وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسد له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل، وحاشا
1- سبق تخريجه
2-
سيرة ابن هشام، ج3، ص1281
لله أن يقول هذا القول الشنيع حجة المسلمين وإمام العاملين الإمام ابن حجر أمطر الله على جدثه صبيب الرحمة والرضوان انتهى.
ونقل القرطبي عن الإمام الطرسوسي أنه سئل عن قوم في مكان يقرؤون شيئا من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيئًا من الشعر فيرقصون ويطربون ويضربون بالدف والشبابة هل الحضور معهم حلال أو لا؟
فأجاب مذهب السادة الصوفية أن هذا بطالة وضلالة. وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حوله ويتواجدون وهو - أي الرقص- دين الكفار وعباد العجل. وإنما كان مجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤسهم الطير من الوقار (فينبغي) للسلطان ونوابه أن يمنعوهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا أن يعينهم على باطلهم هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم من أئمة المسلمين اهـ.
وقال الإمام الكبير ابن قدامة جوابا عن مثل هذا السؤال: إن فاعل هذا مخطئ ساقط المروءة –والدائم على هذا الفعل مردود الشهادة في الشرع غير مقبول القول، فإن هذا معصية ولعب ذمه الله تعالى ورسوله، وكرهه أهل العلم وسموه بدعة، ونهوا عن فعله، ولا يتقرب إلى الله تعالى بمعاصيه، ولا يطاع بارتكاب مناهيه، ومن وسيلته إلى الله سبحانه معصية كان حظه الطرد والإبعاد، ومن اتخذ اللهو واللعب
دينا كان كمن سعى في الأرض بالفساد، ومن طلب الوصول إلى الله سبحانه من غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته فهو بعيد عن الوصول إلى المراد اهـ.
وتمسكوا أيضا بحكايات كثيرة عن المشايخ ذكرها الإمام القشيري وغيره زاعمين أن هؤلاء المشايخ عرفت فضائلهم وصحت كراماتهم فأطباقهم على حضور مجلس السماع والغناء وتواجدهم وركضهم ورقصهم دليل على إباحة ذلك.
ونقول لهم إننا لا ننفي جوازه إلا عند وجود تثن وتكسر فمن أي؟ إن أولئك المشايخ تثنوا أو تكسروا (سلمنا) أنه فعلوا ذلك فمن أين؟ إنهم لم يحصل لهم وجد أخرجهم عن حالة الاختيار إلى حالة الاضطرار (على أنا) لا نسلم تلك الحكايات عن أولئك فلعلها مما أدخله أهل الزندقة على أهل الإسلام كما كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بم لا يحصى (سلمنا صحتها) وأنهم فعلوها اختيارا فالحجة فيما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وعن الأئمة بعده، وقد بينا أن ذلك لم يكن طريقهم ولا سبيلهم، وأن ذلك مما أحدث بعدهم، فقد تناوله قوله صلى الله عليه وسلم:" وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وظهور الكرامات لا يدل على العصمة، بل على قرب من ظهرت عليه ي حال ظهورها عليه - مع وجواز تلبسه بعد ذلك بكبيرة يتوب الله عليه منها (ومن ثم) قيل للجنيد سيد الطائفة أيعصى الولي فقال: وكان أمر الله قدرا مقدورا- وقال ابن عبد السلام: أخطأ من زعم أن الولاية تنافي ارتكاب الصغائر- ففعلهم لذلك على فرض أنه
باختيارهم وفيه تثن أو تكسر يكون صغيرة وهي لا تنافي الولاية- وما أحسن ما قاله الأستاذ الكبير إمام العارفين أبو علي الروذباري لما سئل عمن يسمع الملاهي ويقول هي حلال لأنني قد وصلت إلى درجة لا يؤثر في اختلاف الأحوال فقال –رحمه الله: نعم قد وصل لكن إلى سقر.
ومن قبائحهم التصفيق حالة الذكر فإنه خفة ورعونة مشابهة لرعونة الإناث لا يفعله إلا أرعن أو متصنع جاهل، يدل على جهالة فاعله
…
إن الشريعة لم ترد به لا في كتاب ولا سنة ولا فعل ذلك أحد من الأنبياء ولا معتبر من أتباع الأنبياء، وإنما يفعله السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء – وقد حرم بعض العلماء التصفيق على الرجال لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم (إنما التصفيق للنساء) .