الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحاباة والرخصة.
ومنه الحديث الآخر: "لا تأخذه في الله هوادة" أي: لا يسكن عند وجوب حد لله تعالى ولا يرخص فيه ولا يحابي، نهج السبيل هكذا قيد ثلاثيا على إسناد الفعل إلى السبيل، وقيده الجوهري رباعيا فقال: أنهج الطريق: إذا استبان وصار نهجًا واضحًا، ونهجت الطريق: بينته ونهجته أيضًا: سلكته، حكاه الجوهري الفئة: الطائفة فكأنه كالظهر للمسلمين.
ذكر ثناء عائشة على أبيها، وقد مرت على قبره:
عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها مرت على قبر أبيها فقالت: نضَّر الله وجهك وشكر لك صالح أمرك، فلقد كنت للدنيا مذلا بإعراضك عنها وللآخرة معزا بإقبالك عليها، ولئن كان أجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزؤك وأعظمها فقدك، إن كتاب الله ليعد بالعزاء عنك حسن العوض منك، فأنا أنتجز من الله موعده فيك بالصبر عليك وأستعيضه منك بالدعاء لك، فإنا لله وإنا إليه راجعون وعليك السلام ورحمة الله، توديع غير قالية لحياتك ولا زارية على القضاء فيك، خرجه ابن المثنى في معجمه.
الفصل الخامس عشر: في ذكر ولده
وهذا الذكر وإن كان ليس من لوازم ذكر المناقب إلا أنه مما يتشوف إليه عند ذكر النسب، وقد تقدم التنبيه عليه في الفصل الأول على أنه لا يخلو من إثبات الفضيلة، فإن شرف الأبناء منقبة للآباء كعكسه، ولم تزل العرب تتمدح بمفاخر آبائهم فلا يبعد في الأبناء مثله، والله أعلم.
وكان له من الولد ستة، ثلاثة بنين وثلاث بنات، أما البنون فعبد الله وهو أكبر ولده الذكور أمه قتيلة، ويقال: قتلة دون تصغير، من بني عامر بن لؤي، شهد فتح مكة وحنينًا والطائف مع النبي صلى الله عليه وسلم مسلمًا، وخرج بالطائف وبقي إلى خلافة أبيه، ومات فيها فترك سبعة دنانير فاستكثرها أبو بكر ولا
عقب له.
وعبد الرحمن يكنى أبا عبد الله، أسلم في هدنة الحديبية وهاجر إلى المدينة، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان من الشجعان، له مواقف في الجاهلية والإسلام مشهورة، وأبلى في فتوح الشام بلاء حسنًا، وقد كان ممن شهد بدرًا مع المشركين ثم من الله تعالى عليه بما من به على أمه أم رومان بنت الحارث، من بني فراس بن غنم بن كنانة أسلمت وهاجرت، مات فجأة سنة ثلاث وخمسين بجبل قرب مكة، فأدخلته أخته عائشة الحرم ودفنته وأعفت عنه، وكان شهد الجمل معها وله عقب.
وقد تقدم في فصل الخصائص ما ثبت به لبيت أبي بكر من الشرف، برؤية ولد عبد الرحمن بن عتيق محمد بن عبد الرحمن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم يوجد في بيت من بيوت أحد من الصحابة أربعة كلهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم ولد بعض إلا في بيت أبي بكر، وكذلك ثبت هذا في ولد أسماء وزاد بالرواية وسيأتي بيانه والله أعلم.
ومحمد بن أبي بكر ويكنى أبا القاسم، وكان من نساك قريش، أمه أسماء بنت عميس الخثعمية وكانت من المهاجرات الأول، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب وهاجرت معه إلى الحبشة.
ولما استشهد جعفر بمؤتة من أرض الشام، تزوجها بعده أبو بكر فولدت له محمدًا هذا بذي الحليفة لخمس ليال بقين من ذي القعدة، وهي شاخصة إلى الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم هي وأبو بكر فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وترجل ثم تهل بالحج، وتصنع ما يصنع الحاج إلا أنها لا تطوف بالبيت، فكانت سببًا لحكم شرعي إلى قيام الساعة، وزكاها النبي صلى الله عليه وسلم وبرأها من الفحشاء على ما تقدم في ذكر غيرة أبي بكر من فصل فضائله، ولما توفي أبو بكر عنها تزوجها علي بن أبي طالب فنشأ محمد بن أبي بكر في حجر علي بن أبي طالب، وكان على رجالته يوم الجمل وشهد معه صفين، وولاه عثمان في
أيامه مصر وكتب له العهد، ثم اتفق مقتله قبل وصوله إليها على ما سيأتي بيانه في باب عثمان، وولاه أيضًا على مصر بعد مرجعه من صفين فوقع بينه وبين عمرو بن العاص حرب فهزم محمد بن أبي بكر وقتل، وأكثر المؤرخين على أنه أحرق في جوف حمار ميت يقال: كان ذلك قتله، وقيل: بل بعد القتل.
وأما البنات فعائشة أم المؤمنين شقيقة عبد الرحمن، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت لأبي بكر بذلك أشرف الشرف فكانت إحدى أمهات المؤمنين، وحظوتها عنده وشرف منزلتها وعظم مزيتها على سائر نسائه مشهور حتى بلغ ذلك منه أن قيل: من أحب الناس إليك يا رسول الله؟ قال: "عائشة" فقيل: من الرجال؟ قال: "أبوها" فكانت أحب الناس إليه مطلقًا بنت أحب الناس إليه من الرجال، وكيفية تزويجها سيأتي في مناقبها إن شاء الله تعالى.
وأسماء بنت أبي بكر شقيقة عبد الله وهي أكبر بناته، وهي ذات النطاقين وقد تقدم سبب تسميتها بذلك الاسم في فصل هجرة أبي بكر، تزوجها الزبير بمكة وولدت له عدة أولاد، ثم طلقها فكانت مع ولدها عبد الله بمكة حتى قتل وعاشت بعده، وكانت من المعمرين بلغ عمرها مائة سنة وعميت وماتت بمكة، وقد تقدم في فصل الخصائص ما ثبت برؤية ولدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وروايته عنه لبيت أبي بكر من الشرف بوجود أربعة فيه، بعضهم ولد بعض رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورووا عنه.
وأم كلثوم وهي أصغر بناته، وهي التي قال أبو بكر فيها: ذو بطن بنت خارجة، وقد تقدم ذلك في ذكر فراسته من فصل فضائله، أمها حبيبة بنت خارجة بن زيد، كان أبو بكر قد نزل عليه وتزوج ابنته وتوفي عنها وتركها حبلى فولدت بعده أم كلثوم هذه، ولما كبرت خطبها عمر بن الخطاب إلى عائشة فأنعمت له وكرهت أم كلثوم، فاحتالت له حتى أمسك
عنها وتزوجها طلحة بن عبيد الله. وذكره ابن قتيبة وغيره وجميع ما ذكرناه في هذا الفصل من كتاب المعارف، ومن كتاب الصفوة لأبي الفرج بن الجوزي، ومن الاستيعاب لأبي عمر بن عبد البر، ومن كتاب فضائل أبي بكر، كل منهم خرج طائفة والله أعلم.
تم الجزء الأول، ويليه الجزء الثاني في مناقب أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه.