الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المسألة الثانية الأدلة على خروجهم من القرآن والسنة]
المسألة الثانية: الأدلة على خروجهم من القرآن والسنة ورد ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا - قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا - قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا - آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا - فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا - قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف: 93 - 98](3) .
وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ - وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 96 - 97](4) .
فدلالة الآيتين على كون خروجهم من أشراط الساعة: أن فيهما التصريح بأنه إذا فتحت يأجوج ومأجوج فإن ذلك دليل على اقتراب الوعد الحق والمراد به يوم القيامة (5) .
(1) سورة الحج، الآية:2.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الرقائق (7 / 196)، ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان (1 / 201) .
(3)
سورة الكهف، الآيات 93 - 98.
(4)
سورة الأنبياء، الآيتان: 96، 97.
(5)
انظر: تفسير ابن كثير (3 / 187) .
فقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} [الأنبياء: 96] حتى " فيه متعلقة بما قبل الآية، أي كل قرية أهلكت تبقى في الهلاك حتى قيام الساعة، أو تبقى في عدم الرجعة إلى الدنيا، أو إلى التوبة حتى قيام الساعة، وهذه الأقوال مُفرعة على معنى الآية السابقة (1) وهي قوله تعالى:{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95](2) .
وقيل: إن "حتى" متعلقة بقوله تعالى: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [الأنبياء: 93](3) أي استمر الخلاف بين الأمم حتى قيام الساعة (4) وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} [الأنبياء: 96] المراد إذا فتح الردم عن هاتين القبيلتين العظيمتين وتمكنوا من الخروج، فيخرجون من كل حدب وهو المرتفع من الأرض (5) يسرعون في المشي إلى الفساد.
وأما الأدلة من السنة على خروجهم فهي كثيرة:
منها: حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها، عن زينب بنت جحش رضي الله عنها:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوما فزعا يقول: " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه "، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم، إذا كثر الخبث» (6) .
(1) انظر: تفسير أبي السعود (3 / 535) وتفسير الألوسي (17 / 92) .
(2)
سورة الأنبياء، آية:95.
(3)
سورة الأنبياء، آية:93.
(4)
انظر: البحر المحيط (6 / 339) وقد نسب القول به إلى ابن عطية، وانظر أيضا تفسير الألوسي (17 / 92) .
(5)
انظر: تفسير الطبري: (17 / 72 - 73) ، والقرطبي (11 / 341) ، وانظر المفردات للراغب ص110، وتفسير ابن كثير (3 / 187) .
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء (6 / 381) وكتاب الفتن (13 / 106)، ومسلم في صحيحه: كتاب الفتن وأشراط الساعة (4 / 2207) .
ومنها: حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه الذي تقدم ذكره كثيرا، وفيه:«إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب إلى الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله» (1) وفي رواية بعد قوله " لقد كان بهذه مرة ماء ": «ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخَمَر (2) وهو جبل ببيت المقدس فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما» (3) .
ومنها حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه في ذكر أشراط الساعة فذكر منها: يأجوخ ومأجوج (4) .
ومنها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فتذاكروا الساعة إلى أن قال: فردوا الحديث إلى عيسى، فذكر قتل الدجال ثم قال: ثم يرجع الناس إلى
(1) تقدم تخريجه ص 97.
(2)
جبل الخمر: الخمر بخاء معجمة وميم مفتوحتين، والخمر: الشجر الملتف الذي يستر من فيه، وقد جاء تفسيره في الحديث بأنه جبل بيت المقدس. انظر: شرح مسلم للنووي (18 / 71) .
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الفتن وأشراط الساعة (4 / 2250) .
(4)
المصدر السابق (4 / 2226) .
بلادهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون لا يمرون بماء إلا شربوه ولا بشيء إلا أفسدوه. يجأرون إلي فأدعو الله فيميتهم فتجوى الأرض من ريحهم، فيجأرون إلي فأدعو الله فيرسل السماء بالماء فيحملهم فيقذف بأجسامهم في البحر» (1) .
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث وفيه:«ويخرجون على الناس فيستقون المياه ويفر الناس منهم فيرمون سهامهم في السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون: قهرنا أهل الأرض وغلبنا من في السماء قوة وعلوا، قال: فيبعث الله عز وجل عليهم نغفا في أقفائهم، قال: فيهلكهم، والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا (2) وتسكر سكرا (3) من لحومهم» (4) .
إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على خروجهم وأنه يجب الإيمان بها وتصديقها.
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: " ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل فيما شاهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وما جهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (4 / 488 - 489) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه وأخرجه الإمام أحمد في المسند (4 / 189 - 190) تحقيق أحمد شاكر وقال إسناده صحيح.
(2)
يقال: شكرت الشاة بالكسر تشكر شكرا بالتحريك إذ سمنت وامتلأ ضرعها لبنا، والمعنى: أن دواب الأرض تسمن وتمتلئ شحما. النهاية في غريب الحديث (2 / 494) .
(3)
السكر بفتح السين والكاف: الخمر، ويطلق السكر على الغضب والامتلاء. انظر: النهاية في غريب الحديث (2 / 383) .
(4)
أخرجه الترمذي في سننه: أبواب التفسير (8 / 597 - 599) وقال: هذا حديث حسن غريب. وخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب الفتن (2 / 1364 - 1365) .
وأخرجه الحاكم في المستدرك (4 / 488) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.