الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونلاحظ أيضاً أن الحديث عن المنافقين كان في السور المدنية؛ لأنهم إنما وجدوا في المدينة.
ثالثاً: الغزوات والسرايا: هذا القسم يحوي (187) آية، وهو أكثر الأقسام عدداً من الآيات؛ بسبب التفصيلات التي تقتضيها حكاية أحداث الغزوات.
ونلاحظ أن أغلب الغزوات ذكرت في سور مدنية، وذلك أن الجهاد إنما شُرِع في المدينة، وإن كانت هناك إشارات إلى غزوة بدر في سور مكِّية، لكن لم يتبين معناها إلا بعد وقوعها.
رابعاً: الشمائل: وهي في (11) آية فقط، وذلك أن أبرز شمائل النبي صلى الله عليه وسلم هو النبوة والرسالة، وقد استقصي في قسم آخر، وربما كان لقلة الآيات في هذا القسم سببٌ عقديّ، وهو أن القرآن الكريم لا يريد أن يعلِّق الناس بشخص النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يريد ربطهم بالمنهج والرسالة، لذا أسهب في موضوع النبوة دون هذا، والله تعالى أعلم.
خامساً: الخصائص: هذا القسم يتضمن (52) آية، بين مكِّيّ ومدنيّ.
المطلب الثالث: تناول كتب السيرة النبوية لهذه الآيات:
ستكون الدراسة من خلال كتب السيرة التالية: مغازي عروة بن الزبير (ت94هـ) ، وسيرة ابن إسحاق (ت150هـ) ، ومغازي الواقدي (ت207هـ) .
أولاً: مغازي عروة بن الزبير:
عروة بن الزبير بن العوَّام، أحد الفقهاء السبعة (1) ، حدَّث عن أبيه وأمه
(1) الفقهاء السبعة هم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، إضافة لعروة بن الزبير رحمهم الله. (الفقه الإسلامي وأدلته/د. وهبة الزحيلي: 1/28) .
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، ولازم خالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وروى عن غيرهم. روى عنه بنوه يحيى وعثمان وهشام ومحمد، والزهري، وأبو الأسود يتيم عروة، وابن المنكدر وغيرهم. كان قانتاً، ورعاً، مجتنباً للفتن، ولد سنة 23هـ بالمدينة، وتوفي بها سنة (94هـ) بعد أن عاش في مصر عدة سنوات (1) .
ويعدّ عروة بن الزبير أقدم من كتب في السيرة النبوية، حسب شهادة الواقدي (ت 207هـ)(2) ، والسخاوي (ت 902هـ)(3) ، بل إنه يعدّ مؤسس علم التاريخ الإسلامي العام (4) .
وممن أثبت كتابه في السيرة سوى من تقدم: ابن النديم (ت385هـ)(5) ، والذهبي (ت 748هـ)(6) ، وابن حجر (ت852هـ)(7) ، وحاجي خليفة (ت1067هـ)(8) .
(1) سير أعلام النبلاء (4/421 – 437) .
(2)
البداية والنهاية (9/101) .
(3)
الإعلان بالتوبيخ (48) وانظر: كتاب المغازي لعروة برواية أبي الأسود: المقدمة (57) والسيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة (26) ومقدمة " المغازي " للواقدي/د. مارسدن جونس (21) .
(4)
مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة (25) .
(5)
انظر: كتاب المغازي لعروة برواية أبي الأسود: المقدمة (57) وهذا أصحّ من قول د. فؤاد سزكين بأن كتاب " المغازي " ليس له مصدر قديم (تاريخ التراث العربي " التدوين التاريخي ": 1 " 2 "/70) .
(6)
سير أعلام النبلاء (6/150) .
(7)
فتح الباري (5/333) .
(8)
كشف الظنون (2/1747) .
وهذا عرضٌ للآيات في مغازي عروة (حسب ترتيب الكتاب ( [1] )) :
السورة
…
رقم الآية
…
الغزوة/الحدَث
…
الصفحة
النجم
…
1، 2
…
بدء الوحي
…
100
العلق
…
1 – 5
…
بدء الوحي
…
101
الحج
…
52، 53
…
قصة الغرانيق
…
106 -
109
الأنفال
…
30
…
بدر الكبرى
…
128
التوبة
…
40
…
بدر الكبرى
…
129
الأنفال
…
42، 43
…
بدر الكبرى
…
137،- 145، 233
الأنفال
…
47 – 49
…
بدر الكبرى
…
139،-145،234
الأنفال
…
5 – 12، 17 – 27
…
بدر الكبرى
…
138، 144
الأنفال
…
50 – 58
…
بدر الكبرى
…
145
الأنفال
…
67 – 69
…
بدر الكبرى
…
145
الأنفال
…
70، 71
…
بدر الكبرى
…
146
الأنفال
…
74 – آخر السورة
…
بدر الكبرى
…
146
النساء
…
97 – 99
…
بدر الكبرى
…
146
( [1] ) كتاب المغازي له، جمع وتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، ونشره مكتب التربية العربي لدول الخليج في مجلد سنة 1401هـ.
الحشر
…
1 – 6
…
بنو النضير
…
166، 167
آل عمران
…
173
…
حمراء الأسد
…
174
آل عمران
…
128
…
بئر معونة
…
180
الفتح
…
24
…
الحديبية
…
193
التوبة
…
49 – 59
…
تبوك
…
220
التوبة
…
65 – 68
…
تبوك
…
221
النتائج:
بعد هذا العرض نصل إلى نتيجتين:
الأولى: أن عروة اقتصر على إيراد الآيات القرآنية في بعض الغزوات، وترك بعضها مع شهرتها وكثرة الآيات الواردة فيها، كغزوة أحد.
الثانية: أنه لا يستطرد في تفسير الآيات ببيان معاني مفرداتها، أو حتى المعنى الإجمالي لها، وإنما يقتصر على بيان معناها من خلال الحدَث الذي نزلت فيه، وعلى سبيل المثال، قال رحمه الله: " ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة، والمحرم، وصفر، ثم إن مشركي قريش أجمعوا أمرهم ومكرهم حين ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج، وعلموا أن الله قد جعل له بالمدينة مأوى ومنعة، وبلغهم إسلام الأنصار، ومن خرج إليهم من المهاجرين، فأجمعوا أمرهم على أن يأخذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإما أن يقتلوه، أو يسجنوه، أو يحبسوه، أو يخرجوه، أو يوثقوه، فأخبره الله عز وجل بمكرهم، فقال تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]( [1] ) .
( [1] ) المغازي (128) .
ثانياً: سيرة ابن إسحاق:
محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم، المولود سنة (85هـ) بالمدينة، رأى أنس بن مالك رضي الله عنه، وروى عن نافع والزهري وابن عيينة وعاصم بن عمر وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهم.
روى عنه يزيد بن أبي حبيب ويحيى بن سعيد التابعيان، وهشيم والحمادان وشعبة والثوري وغيرهم.
كان مستقراً في المدينة المنورة، إلا أنه اضطر لتركها لخلافٍ بينه وبين الإمام مالك رضي الله عنه، فهاجر إلى مصر، ثم عاد إلى المدينة وحدَّث بالسيرة النبوية، ثم استقر في العراق، والتحق بمجلس الخليفة أبي جعفر المنصور. توفي سنة (150هـ) ببغداد (1) .
وكتابه في المغازي مشهور، إلا أنه لم يصل إلينا، وإنما نقل عبد الملك بن هشام الأنصاري كتابه مهذَّباً، ورواه عن تلميذ ابن إسحاق زياد البكائي (2) .
وقد انتقد ابن إسحاق في ضبطه، وضعَّفه بعض المحدِّثين (3)، وذلك لا يعني ضعفه في السيرة واطّراح رواياته التي نقلها؛ للأسباب التالية:
(1) سير أعلام النبلاء (7/33 – 55) وتهذيب التهذيب (9/38 – 46) والسيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة (31) ومراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة (32) .
(2)
تاريخ التراث العربي "التدوين التاريخي"(1 "2"/87، 88) ومراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة (41) والسيرة النبوية لابن هشام طبعت مرات عديدة، وممن شرحها أبو القاسم السهيلي في " الروض الأنُف"، وممن اختصرها إمام الدعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب التميمي.
(3)
ضعفه مالك، وابن معين في رواية، والنسائي، والقطان. (تهذيب التهذيب: 9/44، 45) .
الأول: لم يتفق المحدِّثون على تضعيفه في الحديث، فقد وثقه يحيى بن معين، وحسَّن الإمام أحمد حديثه، وسماه سفيان بن عيينة وشعبة أمير المحدِّثين، وأثنى عليه الزهري، ووثقه أبو زرعة والبخاري والحاكم والدارقطني وابن خلكان، وغيرهم (1) .
الثاني: أنه من يضعَّف في الحديث، فليس بالضرورة أنه ضعيف في غيره، بدليل أن العلماء ضعفوا بعض قرَّاء القرآن الكريم في روايتهم للحديث، وهم أئمة الدنيا في القراءة، وتلقاها عنهم العلماء بغير نكير؛ كعاصم بن أبي النجود الكوفي (2) ، وحفص بن سليمان بن المغيرة راوية عاصم (3) .
وكذلك ابن إسحاق رحمه الله في مغازيه، فقد وصفه الزهري بأنه أعلم الناس بها، وقال الإمام الشافعي: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق، وكان الإمام أحمد يعتمد على مغازيه، ووثقه فيها الذهبي وابن كثير (4) .
الثالث: أن أكثر ما رواه ابن إسحاق واطأه عليه غيره من أهل السير
(1) تهذيب التهذيب (9/42، 44، 46) مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة (40) والسيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة (49 – 53) .
(2)
قال الذهبي: ثبت في القراءة، وهو في الحديث دون الثبت، صدوق يهم. وقال النسائي: ليس بحافظ. وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء. (ميزان الاعتدال: 2/357) .
(3)
قال الذهبي: كان ثبتاً في القراءة واهياً في الحديث. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال البخاري: تركوه. (ميزان الاعتدال للذهبي: 1/558) وقال ابن الباذش: ثقة في القراءة، وإن كان ضعيفاً في الحديث (الإقناع في القراءات السبع لابن الباذش: 1/117) .
(4)
السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة (53، 54) .
والمغازي، وهو ما يعطيها قوة وصحة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية " المراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصداً، أو الاتفاق بغير قصد، كانت صحيحة قطعاً.. فإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات، وقد علم أن المخبرين لم يتواطآ على اختلاقه، وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقاً بلا قصد علم أنه صحيح؛ مثل شخص يحدث عن واقعة جرت، ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال، ويأتي شخص آخر قد علم أنه لم يواطئ الأول، فيذكر مثل ما ذكره الأول من تفاصيل الأقوال والأفعال، فيعلم قطعاً أن تلك الواقعة حق في الجملة.. ولهذا ثبتت بالتواتر غزوة بدر، وأنها قبل أحد، بل يعلم قطعاً أن حمزة وعلياً وعبيدة برزوا إلى عتبة وشيبة والوليد، وأن علياً قتل الوليد، وأن حمزة قتل قرنه، ثم يشك في قرنه هل هو عتبة أو شيبة.
وهذا الأصل ينبغي أن يعرف، فإنه أصلٌ نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث، والتفسير، والمغازي، وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك " (1) .
وبذلك نصل إلى ثقة ابن إسحاق في المغازي والسيَر، وأنه أحد الأئمة فيها، وممن قدَّم للمسلمين تراثاً مهماً في التاريخ الإسلامي.
وعند استعراض الآيات القرآنية الواردة في سيرة ابن إسحاق (2)، نصل إلى النتائج التالية:
(1) مجموع الفتاوى (13/347 – 349) .
(2)
انظر الملحق (1) .
الأولى: أن ابن إسحاق فسَّر كثيراً من آيات القرآن الكريم، ومنها مائة آية من سورة البقرة، ونحو مائة آية من سورة آل عمران، ونحو مائة آية من سورة التوبة، وبعض السور كاملة، كسورة النصر.
وهو بذلك يتميز عن عروة في مغازيه في كيفية تناوله لآيات القرآن الكريم في مناسباتها.
الثانية: أن ابن إسحاق تناول كلّ السور القرآنية التي تعرضت لحوادث السيرة النبوية، وهو بذلك يضيف ميزة جيدة للسيرة مما لم يتناوله عروة في مغازيه.
الثالثة: أن ابن إسحاق اهتمّ بالقسمين الثاني والثالث من أقسام السيرة، وهما: النبوة، والغزوات، إضافة إلى بعض الأول، وهو السيرة الذاتية، دون الخصائص والشمائل، فلم يتعرض لهما إلا لماماً.
وبذلك فقد فاته من السيرة النبوية - بالاصطلاح العلمي - شيءٌ كثير.
ثالثاً: مغازي الواقدي:
محمد بن عمر بن واقد أبوعبد الله مولى بني سهم من أسلَم. ولد سنة 130هـ بالمدينة النبوية، ثم نزل بغداد سنة 180هـ، واستقرّ فيها، وولي القضاء للمأمون (1) .
روى عن ربيعة والضحاك بن عثمان ومعمر وابن جريج وثور بن يزيد ومعاوية بن صالح ومخرمة وابن أبي ذئب ومالك.
روى عنه ابن سعد كاتبه، وابن أبي شيبة، ومحمد بن شجاع، وسليمان
(1) الطبقات الكبرى (5/425) وتاريخ التراث العربي (1 " 2 "/100) .
الشاذكوني، وأبو بكر الصاغاني، وأبو عبيد، والحارث بن أبي أسامة، وغيرهم. توفي سنة 207هـ (1) .
كان رحمه الله حريصاً على معرفة المغازي منذ شبابه، وكان لا يكتفي بالرواية، بل يذهب بنفسه إلى مكان الغزوة، حتى يراها، فصار مرجعاً في هذا الباب (2) .
وكان معاصراً لابن إسحاق إلا أنه أصغر منه سناً، ولا شكّ أنه استفاد منه، ولكنه لم يشِر إليه في كتابه أبداً (3) .
وكتابه من أوائل ما كتب في السيرة، وقد اعتمد عليه الطبري وابن سعد (4) . ويتميز كتاب الواقدي بعدة ميزات؛ منها: تطبيقه المنهج العلمي التاريخي، في ترتيب النصوص والأحداث، بحيث يذكر تاريخ الغزوة، ومكانها، ثم شعار المسلمين فيها، وأميرها، ثم ما نزل فيها من القرآن الكريم، مع فصل كل غزوة على حدة.
ومنها: ذِكره بعض الغزوات التي لم ترد عند ابن إسحاق، كغزوة الخرار، وبني قينقاع، والقرطاء، ودومة الجندل، وقطن، والغمر، والكديد، وذات أطلاح، والخبط.. إلخ.
(1) الطبقات الكبرى (7/335) وسير أعلام النبلاء (9/454، 455) .
(2)
مقدمة المغازي للواقدي (1/6) .
(3)
مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم/د. محمد ماهر حمادة (46) .
(4)
مقدمة المغازي للواقدي (1/14) وقد حقق جزءاً من المغازي للواقدي الباحث الألماني الفرد فون كريمر، ونشره عام 1855 م، (مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم/د. محمد ماهر حمادة: 45) ، ثم حققه مارسدن جونس الانجليزي في ثلاثة مجلدات كبار، ونشرته جامعة أوكسفورد ببريطانيا عام 1966 م. وهي النسخة التي اعتمدت عليها في البحث.
ومنها: ترجيحه للروايات بحيث يقول في بعضها: وهو الثابت عندنا، والقول الأول أثبت عندنا (1) .
وقد انتقد على الواقدي ضعفه في الحديث (2)، ولهذا عدة أجوبة:
الأول: أن من المحدثين من وثَّقه، قال مصعب بن عبد الله: الواقدي ثقة مأمون. وقال يزيد بن هارون: ثقة. وقال إبراهيم الحربي: إمام كبير، أمين على أهل الإسلام. وقال أبو عبيد: ثقة. وقال الدراوردي: أمير المؤمنين في الحديث. وقال الصغاني: ثقة (3) .
الثاني: أنه في المغازي إمام متفقٌ على إمامته فيها، ولا يلزم من ضعفه في الحديث ضعفه في المغازي، كما تقدم القول في ابن إسحاق.
قال ابن سعد: كان عالماً بالمغازي واختلاف الناس وأحاديثهم. وقال الخطيب البغدادي: ممن طبق ذكره شرق الأرض وغربها، وسارت بكتبه الركبان في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات والفقه.
وقال الذهبي: العلامة الإمام أحد أوعية العلم –المتفق على ضعفه- وقال: جمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا، فلا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم.
(1) مقدمة المغازي للواقدي (1/31 – 34) ومراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم/د. محمد ماهر حمادة (47) .
(2)
ضعَّفه البخاري والرازي والنسائي والدارقطني (تهذيب التهذيب: 9/364، والسيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية: 39) واتهمه بعض الأئمة بالوضع (سير أعلام النبلاء: 9/462، 463، وتهذيب التهذيب: 9/364، 367) .
(3)
تهذيب التهذيب (9/365) وصحيح السيرة النبوية/محمد بن رزق بن طرهوني (25، 26) .
وقال: قد تقرر أن الواقدي ضعيف يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج (1) .
وعند استعراض الآيات القرآنية الواردة في مغازي الواقدي (2)، نصل إلى النتائج التالية:
أولاً: أن الواقدي لم يتناول شيئاً من حياته صلى الله عليه وسلم الخاصة، أو الخصائص، أو الشمائل، أو ما كان من أحداث غير الغزوات. عدا زواج زيد بن حارثة رضي الله عنه.
وبذلك فقد فاته ذكر آياتٍ كثيرة، تتعلق بالسيرة النبوية.
ثانياً: أنه لم يستوعب الآيات النازلة في بعض الغزوات مما ذكره ابن إسحاق، مثل: فتح مكة، وبني قريظة، وبعض الأحداث كنزول آيات في وفد النجاشي، ونصارى نجران، والرد على المنافقين والمشركين.
ثالثاً: أنه يفسِّر الآيات القرآنية التي يوردها فيما يتعلق بالمغازي في سياق واحد؛ فقد فسَّر سورة الأنفال كلها، وسورة الحشر كلها، وسورة المنافقون كلها، وسورة الفتح كلها، وأغلب سورة التوبة، ونصف سورة آل عمران.
وهذا يعدّ من أقدم التفاسير القرآنية (3) .
(1) سير أعلام النبلاء (9/454 – 469) وصحيح السيرة النبوية/محمد بن رزق بن طرهوني (27، 28) ومقدمة المغازي للواقدي (1/30) .
(2)
انظر الملحق (2) .ص: 104.
(3)
ينسب للواقدي كتاب في التفسير (هدية العارفين: 6/10، ومعجم المؤلفين لكحالة: 11/96) ولكن لم يثبت وجوده بطريق علمي (تاريخ التراث العربي لسزكين: 1 " 2 "/105) ولذا لم يذكره السيوطي والداودي في طبقات المفسرين.