المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادس عشر: في بيان ما يقبل التأويل من الكلام وما لا يقبله - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط العاصمة - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: في معرفة حقيقة التأويل ومسماه لغة واصطلاحا

- ‌الفصل الثاني: انقسام التأويل إلى صحيح وباطل

- ‌الفصل الثالث: في أن التأويل إخبار عن مراد المتكلم لا إنشاء

- ‌الفصل الرابع: في الفرق بين تأويل الخبر وتأويل الطلب

- ‌الفصل الخامس: في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير وأن الأول ممتنع وقوعه في الخبر والطلب والثاني يقع فيهما

- ‌الفصل السادس في تعجيز المتأولين عن تحقيق الفرق بين ما يسوغ تأويله من آيات الصفات وأحاديثها وما لا يسوغ

- ‌الفصل السابع: في إلزامهم في المعنى الذي جعلوه تأويلا نظير ما فروا منه

- ‌الفصل الثامن: في بيان خطئهم في فهمهم من النصوص المعاني الباطلة التي تأولوها لأجلها فجمعوا بين التشبيه والتعطيل

- ‌الفصل التاسع: في الوظائف الواجبة على المتأول الذي لا يقبل منه تأويله إلا بها

- ‌الفصل العاشر: في أن التأويل شر من التعطيل فإنه يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص وإساءة الظن بها

- ‌الفصل الحادي عشر: في أن قصد المتكلم من المخاطب حمل كلامه على خلاف ظاهره وحقيقته ينافي قصد البيان والإرشاد والهدى وأن القصدين متنافيان وأن تركه بدون ذلك الخطاب خير له وأقرب إلى الهدى

- ‌الفصل الثاني عشر: في بيان أنه مع كمال علم المتكلم وفصاحته وبيانه ونصحه يمتنع عليه أن يريد بكلامه خلاف ظاهره وحقيقته وعدم البيان في أهم الأمور وما تشتد الحاجة إلى بيانه

- ‌الفصل الثالث عشر: في بيان أن تيسير القرآن للذكر ينافي حمله على التأويل المخالف لحقيقته وظاهره

- ‌الفصل الرابع عشر في أن التأويل يعود على المقصود من وضع اللغات بالإبطال

- ‌الفصل الخامس عشر: في جنايات التأويل على أديان الرسل وأن خراب العالم وفساد الدنيا والدين بسبب فتح باب التأويل

- ‌الفصل السادس عشر: في بيان ما يقبل التأويل من الكلام وما لا يقبله

الفصل: ‌الفصل السادس عشر: في بيان ما يقبل التأويل من الكلام وما لا يقبله

‌الفصل السادس عشر: في بيان ما يقبل التأويل من الكلام وما لا يقبله

لما كان وضع الكلام للدلالة على مراد المتكلم وكان مراده لا يعلم إلا بكلامه انقسم كلامه ثلاثة أقسام

أحدها ما هو نص في مراده لا يحتمل غيره

الثاني ما هو ظاهر في مراده وإن احتمل أن يريد غيره

الثالث ما ليس بنص ولا ظاهر في المراد بل هو مجمل يحتاج إلى البيان فالأول يستحيل دخول التأويل فيه وتحميله التأويل كذب ظاهر على المتكلم وهذا شأن عامة نصوص القرآن الصريحة في معناها كنصوص آيات الصفات

ص: 382

والتوحيد وأن الله سبحانه مكلم متكلم آمر ناه قائل مخبر موحي حاكم واعد موعد منبىء هاد داع إلى دار السلام فوق عباده علي على كل شيء مستو على عرشه ينزل الأمر من عنده ويعرج إليه وأنه فعال حقيقة وأنه كل يوم في شأن فعال لما يريد وأنه ليس للخلق من دونه ولي ولا شفيع ولا ظهير وأنه المنفرد بالربوبية والإلهية والتدبير والقيومية وأنه يعلم السر وأخفى وما تسقط من ورقة إلا يعلمها وأنه يسمع الكلام الخفي كما يسمع الجهر ويرى ما في السماوات والأرض ولا يخفى عليه منها ذرة واحدة وأنه على كل شيء قدير فلا يخرج مقدور واحد عن قدرته البتة كما لا يخرج عن علمه وتكوينه وأن له ملائكة مدبرات بأمره للعالم تصعد وتنزل وتتحرك وتنتقل من مكان إلى مكان وأنه يذهب بالدنيا ويخرب هذا العالم ويأتي بالآخرة ويبعث من في القبور جل جلاله إلى أمثال ذلك من النصوص التي هي في الدلالة على مرادها كدلالة لفظ العشرة والثلاثة على مدلوله وكدلالة لفظ الشمس والقمر والليل والنهار والبر والبحر والخيل والبغال والإبل والبقر والغنم والذكر والأنثى على مدلولها لا فرق بين ذلك البتة

ص: 383

ولهذا لما سلطت الجهمية التأويل على نصوص الصفات سلطت الباطنية التأويل على هذه الأمور وجعلوها أمثالا مضروبة اريد بها خلاف حقائقها وظواهرها وجعلوا القرآن والشرع كله مؤولا ولهم في التأويل كتب مستقلة نظير كتب الجهمية في تأويل آيات الصفات وأحاديثها فهذا القسم إن سلط التأويل عليه عاد الشرع كله متأولا لأنه أظهر أقسام القرآن ثبوتا وأكثرها ورودا ودلالة القرآن عليه متنوعة غاية التنوع فقبول ما سواه للتأويل أقرب من قبوله بكثير

فصل: القسم الثاني ما هو ظاهر في مراد المتكلم ولكنه يقبل التأويل

فهذا ينظر في وروده فإن أطرد استعماله على وجه واحد استحال تأويله بم يخالف ظاهره لأن التأويل إنما يكون لموضع جاء نادرا خارجا عن نظائره منفردا

ص: 384

عنها فيؤول حتى يرد إلى نظائره وتأويل هذا غير ممتنع لأنه إذا عرف من عادة المتكلم بإطراد كلامه في توارد استعماله معنى ألفه المخاطب فإذا جاء موضع يخالفه رده السامع بما عهد من عرف المخاطب إلى عادته المطردة هذا هو المعقول في الأذهان والفطر وعند كافة العقلاء وقد صرح أئمة العربية بأن الشيء إنما يجوز حذفه إذا كان الموضع الذي ادعى فيه حذفه قد استعمل فيه ثبوته أكثر من حذفه فلا بد أن يكون موضع ادعاء الحذف عندهم صالحا للثبوت ويكون الثبوت مع ذلك أكثر من الحذف حتى إذا جاء ذلك محذوفا في موضع علم بكثرة ذكره في نظائره أنه قد أزيل من هذا الموضع فحمل عليه فهذا شان من يقصد البيان والدلالة وأما من يقصد التلبيس والتعمية فله شأن آخر والقصد أن الظاهر في معناه إذا أطرد استعماله في موارده مستويا امتنع تأويله وإن جاز تأويل ظاهر

ص: 385

مالم يطرد في موارد استعماله ومثال ذلك إطراد قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه54]{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف54] في جميع موارده من أولها إلى آخرها على هذا اللفظ فتأويله باستولى باطل وإنما كان يصح أن لو كان أكثر مجيئه بلفظ استولى ثم يخرج موضع عن نظائره ويرد بلفظ استوى فهذا كان يصح تأويله باستولى فتفطن لهذا الموضع واجعله قاعدة فيما يمتنع تأويله من كلام المتكلم وما يجوز تأويله ونظير هذا إطراد النصوص بالنظر إلى الله هكذا ترون ربكم تنظرون إلى ربكم {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة 23] ولم يجىء في موضع واحد ترون ثواب ربكم فيحمل عليه ما خرج عن نظائره

ص: 386

ونظير ذلك إطراد قوله {وَنَادَيْنَاهُ} [مريم52]{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} [القصص62]{وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} [الأعراف22]{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} [القصص46]{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} [النازعات16} ونظائرها ولم يجىء في موضع واحد أمرنا من يناديه ولا ناداه ملكنا فتأويله بذلك عين المحال والباطل ونظير ذلك إطراد قوله: "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول...." في نحو ثلاثين حديثا كلها مصرحة

ص: 387

بإضافة النزول إلى الرب ولم يجىء موضع واحد بقوله ينزل ملك ربنا حتى يحمل ما خرج عن نظائره عليه وإذا تأملت نصوص الصفات التي لا تسمح الجهمية بأن يسموها نصوصا فإذا احترموها قالوا ظواهر سمعية وقد عارضتها القواطع العقلية وجدتها كلها من هذا الباب ومما يقضي منه العجب أن كلام شيوخهم ومصنفيهم عندهم نص في مراده لا يحتمل التأويل وكلام الموافقين عندهم نص لا يجوز تأويله حتى إذا جاءوا إلى كلام الله ورسوله وقفوه على التأويل ووقفوا التأويل عليه فقل ما شئت وحرف ما شئت أفترى بيان هؤلاء لمرادهم أتم من بيان الله ورسوله أم كانوا مستولين على بيان الحقائق التي سكت الله ورسوله عن بيانها بل أولئك هم الجاهلون المنهوكون.

ص: 388

فصل: القسم الثالث: الخطاب المجمل الذي أحيل بيانه على خطاب آخر

فهذا أيضا لا يجوز تأويله إلا بالخطاب الذي بينه وقد يكون بيانه معه وقد يكون منفصلا عنه والمقصود أن الكلام الذي هو عرضة التأويل قد يكون له عدة معان وليس معه ما يبين مراد المتكلم فهذا للتأويل فيه مجال واسع وليس في كلام الله ورسوله من هذا النوع شيء من الجمل المركبة وإن وقع في الحروف المفتتح بها السور بل إذا تأمل من بصره الله طريقة القرآن والسنة وجدها متضمنة لرفع ما يوهمه الكلام من خلاف ظاهره وهذا موضع لطيف جدا في فهم القرآن نشير إلى بعضه فمن ذلك قوله تعالى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء164] رفع سبحانه توهم المجاز في تكليمه لكليمة بالمصدر المؤكد الذي لا يشك عربي القلب واللسان أن المراد به إثبات تلك الحقيقة كما تقول العرب مات موتا ونزل نزولا ونظيره التأكيد بالنفس والعين وكل وأجمع والتأكيد بقوله حقا ونظائره

ص: 389

ومن ذلك قوله تعالى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة1] فلا يشك صحيح الفهم البتة في هذا الخطاب أنه نص صريح لا يحتمل التأويل بوجه في إثبات صفة السمع للرب تعالى حقيقة وأنه بنفسه سمع ومن ذلك قوله {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف42] فرفع توهم السامع أن المكلفين عملوا جميع الصالحات المقدور والمعجوز عنها كما يجوزه أصحاب تكليف ما لا يطاق رفع هذا التوهم بجملة اعترض بها بين المبتدأ وخبره يزيل الإشكال ونظيره قوله تعالى {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} [الأنعام152] ومن ذلك قوله تعالى {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَاّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء84]

ص: 390

فلما أمره بالقتال أخبره أنه لا يكلف بغيره بل إنما كلف نفسه ثم أتبع ذلك بقوله {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} لئلا يتوهم سامع أنه وإن لم يكلف بهم فإنه يهملهم ويتركهم ومن ذلك قوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور21] فتأمل كم في هذا الكلام من رفع إيهام وإزالة ما عسى أن يعرض للمخاطب من لبس فمنها

ص: 391

قوله {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} لئلا يتوهم أن الاتباع في نسب أو تربية أو حرية أو رق وغير ذلك ومنها قوله {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ} [الطور21] رفعا لوهم متوهم أنه يحط الآباء إلى درجة الأبناء ليحصل الإلحاق والتبعية فأزال هذا الوهم بقوله {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ} أي ما نقصنا الآباء بهذا الاتباع شيئا من عملهم بل رفعنا الذرية إليهم قرة لعيونهم وإن لم يكن لهم أعمال يستحقون بها تلك الدرجة ومنها قوله {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور21] فلا يتوهم أن هذا الاتباع حاصل في أهل الجنة وأهل النار بل هو للمؤمنين دون الكفار فإن الله سبحانه

ص: 392

لا يعذب أحدا إلا بكسبه وقد يثيبه من غير كسب منه ومنها قوله تعالى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب32] فلما أمرهن بالتقوى التي من شأنها التواضع ولين الكلام نهاهن عن الخضوع بالقول لئلا يطمع فيهن ذو المرض ثم أمرهن بعد ذلك بالقول المعروف رفعا لتوهم الإذن في الكلام المنكر لما نهين عن الخضوع بالقول ومن ذلك قوله {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة187] فرفع توهم فهم الخيطين من الخيوط بقوله {مِنَ الْفَجْرِ} ومن ذلك قوله تعالى {لمن شاء منكم أن يستقيم} [التكوير28]

ص: 393

فأثبت لهم مشيئة فلعل متوهما يتوهم استقلاله بها وأنه إن شاء أتى بها وإن شاء لم يأت بها فأزال سبحانه ذلك بقوله {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير29 الإنسان30] ثم لعل متوهما يتوهم أنه يشاء الشيء بلا حكمة ولا علم بمواقع مشيئته وحيث تصلح فأزال ذلك بقوله {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان30] ونظير ذلك قوله تعالى {كَلَاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر54 - 56]

ص: 394

ومن ذلك قوله {وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [التوبة111] فلعل متوهما بتوهم أن الله سبحانه يجوز عليه ترك الوفاء بما وعد به فأزال ذلك بقوله {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبه111] ومن ذلك قوله تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام158] فلما ذكر إتيانه سبحانه ربما توهم متوهم أن المراد إتيان بعض آياته أزال هذا الوهم ورفع الإشكال بقوله {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} فصار الكلام مع هذا التقسيم والتنويع نصا صريحا في معناه لا يحتمل غيره وإذا تأملت أحاديث الصفات رأيت هذا لائحا على صفحاتها باديا على ألفاظها كقوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم ترون ربكم عيانا كما ترى الشمس في الظهيرة

ص: 395

صحوا ليس دونها سحاب وكما يرى القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب" وقوله: "ما منكم إلا من سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان يترجم له ولا حاجب يحجبه" فلما كان تكليم الملوك قد يقع بواسطة الترجمان ومن وراء الحجاب أزال هذا الوهم من الأفهام وكذلك الحديث الآخر أنه قرأ {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} وضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه رفعا

ص: 396

لتوهم أن المراد بالسمع والبصر غير الصفتين المعلومتين وأمثال هذا كثير في القرآن والسنة كما في الحديث الصحيح أنه قال: "يقبض الله سماواته بيده والأرض باليد الأخرى" ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض يده ويبسطها تحقيقا لإثبات اليد وإثبات صفة القبض ومن هذا إشارته بأصبعه إلى السماء حين استشهد ربه تبارك وتعالى على الصحابة أنه قد بلغهم تحقيقا لإثبات صفة العلو وأن الرب الذي استشهده فوق العالم مستو على عرشه فهذه أمثلة يسيرة ذكرناها ليعرف الفهم المنصف القاصد للهدى والنجاة منها ما يقبل التأويل وما لا يقبله ولا عبرة بغيرة والله المستعان

ص: 397