الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير وأن الأول ممتنع وقوعه في الخبر والطلب والثاني يقع فيهما
ذكر الله سبحانه التحريف وذمه حيث ذكره وذكر التفسير وذكر التأويل فالتفسير هو إبانة المعنى وإيضاحه قال الله تعالى {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان33] وهذا غاية الكمال أن يكون المعنى في نفسه حقا والتعبير عنه أفصح تعبير وأحسنه وهذا شأن القرآن وكلام الرسول والتحريف العدول بالكلام عن وجهه وصوابه إلى غيره وهو نوعان تحريف لفظه وتحريف معناه والنوعان مأخوذان من الأصل عن اليهود فهم الراسخون فيهما وهم
شيوخ المحرفين وسلفهم فإنهم حرفوا كثيرا من ألفاظ التوراة وما غلبوا عن تحريف لفظه حرفوا معناه ولهذا وصفوا بالتحريف في القرآن دون غيرهم من الأمم ودرج على آثارهم الرافضة فهم أشبه بهم من القذة بالقذة والجهمية فإنهم سلكوا في تحريف النصوص الواردة في الصفات مسالك إخوانهم من اليهود ولما لم يتمكنوا من تحريف نصوص القرآن حرفوا معانيه وسطوا عليها وفتحوا باب التأويل لكل ملحد يكيد الدين فإنه جاء فوجد بابا مفتوحا وطريقا مسلوكة ولم يمكنهم أن يخرجوه من باب أو يردوه من طريق قد شاركوه فيها وإن كان الملحد قد وسع بابا هم فتحوه وطريقا هم اشتقوه فهما بمنزلة رجلين ائتمنا على مال فتأول أحدهما وأكل منه دينارا فتأول الآخر وأكل منه عشرة فإذا أنكر عليه صاحبه قال إن حل
أكل الدينار بالتأويل حل أكل العشرة به ولا سيما إذا زعم آكل الدينار أن الذي ائتمنه إنما أراد منه التأويل وأن المتأول أعلم بمراده من المالك فيقول له صاحبه أنا أسعد منك وأولى بأكل هذا المال.
والمقصود أن التأويل يتجاذبه أصلان التفسير والتحريف فتأويل التفسير هو الحق وتأويل التحريف هو الباطل فتأويل التحريف من جنس الإلحاد فإنه هو الميل بالنصوص عن ما هي عليه إما بالطعن فيها أو بإخراجها عن حقائقها مع الإقرار بلفظها وكذلك الإلحاد في أسماء الله تارة يكون بجحد معانيها حقائقها وتارة يكون بإنكار المسمى بها وتارة يكون بالتشريك بينه وبين غيره فيها فالتأويل الباطل هو إلحاد وتحريف وإن سماه أصحابه تحقيقا وعرفانا وتأويلا.
فمن تأويل التحريف والإلحاد تأويل الجهمية قوله تعالى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء164] أي جرح قلبه بالحاكم والمعارف تجريحا ومن تحريف اللفظ تحريف إعراب قوله {وَكَلَّمَ اللَّهُ} في الرفع إلى النصب وقال وكلم الله أي موسى كلم الله ولم يكلمه
الله وهذا من جنس تحريف اليهود بل أقبح منه واليهود في هذا الموضع أولى بالحق منهم ولما حرفها بعض الجهمية هذا التحريف قال له بعض أهل التوحيد فكيف تصنع بقوله {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف43] فبهت المحرف.
ومن هذا أن بعض الفرعونية سأل بعض أئمة العربية هل يمكن أن يقرأ العرش بالرفع في قوله 2 {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه5] وقصد الفرعوني بهذا التحريف أن يكون الاستواء صفة للمخلوق لا للخالق ولو تيسر لهذا الفرعوني هذا التحريف في هذا الموضع لم يتيسر له في سائر الآيات.
ومن تأويل التحريف تأويل قوله إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات كجر السلسلة على الصفوان فيصعفون فيكون أول من يفيق جبريل.
قالوا تأويله إذا تكلم ملك الله بالوحي لا أن الله يتكلم فجعلوا صعق الملائكة وخرورهم سجدا لكلام جبريل الذي قد صعق معهم من كلام نفسه.
ومن تأويل التحريف تأويل القدرية المجوسية نصوص القدر بما أخرجها عن حقائقها ومعانيها وتأويل الجهمية نصوص الصفات بما أخرجها عن حقائقها وأوجب تعطيل الرب جل جلاله عن صفات كماله كما عطلته القدرية عن كمال قدرته ومشيئته فنحن لا ننكر التأويل بل حقيقة العلم هو التأويل والراسخون في العلم هم أهل التأويل ولكن أي التأويلين فنحن أسعد بتأويل التفسير من غيرنا وغيرنا أشقى بتأويل التحريف منا والله الموفق للصواب.