المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثامن: في بيان خطئهم في فهمهم من النصوص المعاني الباطلة التي تأولوها لأجلها فجمعوا بين التشبيه والتعطيل - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط العاصمة - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: في معرفة حقيقة التأويل ومسماه لغة واصطلاحا

- ‌الفصل الثاني: انقسام التأويل إلى صحيح وباطل

- ‌الفصل الثالث: في أن التأويل إخبار عن مراد المتكلم لا إنشاء

- ‌الفصل الرابع: في الفرق بين تأويل الخبر وتأويل الطلب

- ‌الفصل الخامس: في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير وأن الأول ممتنع وقوعه في الخبر والطلب والثاني يقع فيهما

- ‌الفصل السادس في تعجيز المتأولين عن تحقيق الفرق بين ما يسوغ تأويله من آيات الصفات وأحاديثها وما لا يسوغ

- ‌الفصل السابع: في إلزامهم في المعنى الذي جعلوه تأويلا نظير ما فروا منه

- ‌الفصل الثامن: في بيان خطئهم في فهمهم من النصوص المعاني الباطلة التي تأولوها لأجلها فجمعوا بين التشبيه والتعطيل

- ‌الفصل التاسع: في الوظائف الواجبة على المتأول الذي لا يقبل منه تأويله إلا بها

- ‌الفصل العاشر: في أن التأويل شر من التعطيل فإنه يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص وإساءة الظن بها

- ‌الفصل الحادي عشر: في أن قصد المتكلم من المخاطب حمل كلامه على خلاف ظاهره وحقيقته ينافي قصد البيان والإرشاد والهدى وأن القصدين متنافيان وأن تركه بدون ذلك الخطاب خير له وأقرب إلى الهدى

- ‌الفصل الثاني عشر: في بيان أنه مع كمال علم المتكلم وفصاحته وبيانه ونصحه يمتنع عليه أن يريد بكلامه خلاف ظاهره وحقيقته وعدم البيان في أهم الأمور وما تشتد الحاجة إلى بيانه

- ‌الفصل الثالث عشر: في بيان أن تيسير القرآن للذكر ينافي حمله على التأويل المخالف لحقيقته وظاهره

- ‌الفصل الرابع عشر في أن التأويل يعود على المقصود من وضع اللغات بالإبطال

- ‌الفصل الخامس عشر: في جنايات التأويل على أديان الرسل وأن خراب العالم وفساد الدنيا والدين بسبب فتح باب التأويل

- ‌الفصل السادس عشر: في بيان ما يقبل التأويل من الكلام وما لا يقبله

الفصل: ‌الفصل الثامن: في بيان خطئهم في فهمهم من النصوص المعاني الباطلة التي تأولوها لأجلها فجمعوا بين التشبيه والتعطيل

‌الفصل الثامن: في بيان خطئهم في فهمهم من النصوص المعاني الباطلة التي تأولوها لأجلها فجمعوا بين التشبيه والتعطيل

هذا الفصل من عجيب أمر المتأولين فإنهم فهموا من النصوص الباطل الذي لا يجوز إرادته ثم أخرجوها عن معناها الحق المراد منها فأساءوا الظن بها وبالمتكلم بها وعطلوها عن حقائقها التي هي عين كمال الموصوف بها ونقتصر من ذلك على مثال ذكره بعض الجهمية ونذكر ما عليه فيه.

قال الجهمي: ورد في القرآن ذكر الوجه وذكر الأعين وذكر العين الواحدة وذكر الجنب الواحد وذكر الساق الواحد وذكر الأيدي وذكر اليدين وذكر اليد

ص: 238

الواحدة فلو أخذنا بالظاهر لزمنا إثبات شخص له وجه وعلى ذلك الوجه أعين كثيرة وله جنب واحد عليه أيد كثيرة وله ساق واحد ولا يرى في الدنيا شخص أقبح صورة من هذه الصورة المتخيلة ولا يظن أن عاقلا يرى أن يصف ربه بهذه الصفة.

قال السني المعظم لحرمات كلام الله قد ادعيت أيها الجهمي أن ظاهر القرآن الذي هو حجة الله على عباده والذي هو خير الكلام وأصدقه وأحسنه وأفصحه وهو الذي هدى الله به عباده وجعله شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ولم ينزل كتاب من السماء أهدى منه ولا أحسن ولا أكمل فانتهكت حرمته وعضهته ونسبته إلى أقبح النقص والعيب فادعيت أن ظاهره ومدلوله إثبات شخص له وجه وفيه أعين كثيرة وله جنب واحد وعليه أيد كثيرة وله ساق واحد فادعيت أن ظاهر ما وصفه الله بن نفسه في كتابه يدل على

ص: 239

هذه الصفة الشنعية المستقبحة فيكون سبحانه قد وصف نفسه بأشنع الصفات في ظاهر كلامه فأي طعن في القرآن أعظم من طعن من يجعل هذا ظاهره ومدلوله وهل هذا إلا من جنس قول الذين جعلوا القرآن عضين فعضهوه بالباطل وقالوا هو سحر أو شعر أو كذب مفترى بل هذا أقبح من قولهم من وجه فإن أولئك أقروا بعظمة الكلام وشرف قدره وعلوه وجلالته حتى قال فيه رأس الكفر والله إن لكلامه لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لجنى وإنه ليعلو وما يعلى وما يشبه كلام البشر.

ولم يدع أعداء الرسول الذين جاهروه بالمحاربة والعداوة أن ظاهر كلامه أبطل الباطل وأبين المحال وهو وصف الخالق سبحانه بأقبح الهيئات والصور

ص: 240

ولو كان ذلك ظاهر القرآن لكان ذلك من أقرب الطرق لهم إلى الطعن فيه وقالوا كيف يدعونا إلى عبادة رب له وجه عليه عيون كثيرة وجنب واحد وساق واحد وأيد كثيرة فكيف كانوا يسكتون له على ذلك وهم يوردون عليه ما هو أقل من هذا بكثير كما أوردوا عليه المسيح لما قال {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء98] فتعلقوا بظاهر ما لم يدل على ما أوردوه وهو دخول المسيح فيما عبد من دون الله إما بعموم لفظ ما وإما بعموم المعنى فأوردوا على هذا الظاهر هذا الإيراد.

ص: 241

وأورد أهل الكتاب على قوله {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} [مريم28] إن بين هارون عيسى ما بينهما وليس ظاهر القرآن أنه هارون بن عمران بوجه وكانوا يتفننون فيما يوردونه على القرآن هذا ودونه فكيف يجدون ما ظاهره إثبات رب شأنه وهيئته ما ذكره هذا الجهمي ولا يصيحون به على رؤوس الأشهاد ويشنعون عليه بإثباته في كل حاضر وباد فالقوم على شركهم وشدة عدواتهم لله ورسوله كانوا أصح أفهاما من الجهمية الذين نسبوا ظاهر القرآن إلى هذه الصفة القبيحة ولكن الأذهان الغلف والقلوب العمي والبصائر الخفاشية لا يكثر عليها أن تفهم هذا من ظاهر القرآن.

ص: 242

قال أنصار الله ونحن نبين أن هذه الصورة الشنيعة ليست تفهم من ظاهر القرآن من وجوه

أحدها: أن الله سبحانه إنما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر14] وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} [يس71] فدعوى الجهمي أن ظاهر هذا إثبات أعين كثيرة وأيد كثيرة فرية ظاهرة فإنه إن دل ظاهره على إثبات أعين كثيرة وأيد كثيرة دل على خالقين كثيرين فإن لفظ الأيدي مضاف إلى ضمير الجمع فأدع أيها الجهمي أن ظاهره إثبات أيد كثيرة لآلهة متعددة وإلا فدعواك أن ظاهره أيد كثيرة لذات واحدة خلاف الظاهر وكذلك قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر14] إنما ظاهره بزعمك أعين كثيرة على ذوات متعددة لا على ذات واحدة.

ص: 243

الثاني: أن يقال لك دعواك أن ظاهر القرآن إثبات أيد كثيرة في جنب واحد كذب آخر فأين في ظاهر القرآن أن الأيدي في الجنب وكأنك إنما أخذت هذا من القياس على بني آدم فشبهت أولا وعطلت ثانيا وكذلك جعلك الأعين الكثيرة في الوجه الواحد ليس في ظاهر القرآن ما يدل على هذا وإنما أخذته من التشبيه بالآدمي والحيوان ولهذا قال بعض أهل العلم إن كل معطل مشبه ولا يستقيم له التعطيل إلا بعد التشبيه.

الثالث: أن يقال أين في ظاهر القرآن إثبات ساق واحد لله وجنب واحد فإنه سبحانه قال {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم42] وقال {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر56] فعلى تقدير أن يكون الساق والجنب من الصفات فليس من ظاهر القرآن ما يوجب أنه لا يكون له إلا ساق واحد وجنب واحد فلو دل على ما ذكرت لم يدل على نفي ما زاد على ذلك لا بمنطوقه ولا بمفهومه حتى إن القائلين بمفهوم

ص: 244

اللقب لا يدل ذلك عندهم على نفي ما عدا المذكور لأنه متى كان للتخصيص بالذكر سبب غير الاختصاص بالحكم لم يكن المفهوم مرادا بالاتفاق وليس المراد بالآيتين إثبات الصفة حتى يكون تخصيص أحد الأمرين بالذكر مرادا بل المقصود حكم آخر وهو بيان تفريط العبد في حق الله وبيان سجود الخلائق إذا كشف عن ساق وهذا حكم قد يختص بالمذكور دون غيره فلا يكون له مفهوم.

الرابع: هب أنه سبحانه أخبر أنه يكشف عن ساق واحدة هي صفة فمن أين في ظاهر الآية أنه ليس له إلا تلك الصفة الواحدة وأنت لو سمعت قائلا يقول كشفت عن عيني وأبديت عن ركبتي وعن ساقي أو قدمي أو يدي هل يفهم منه أنه ليس له إلا ذلك الواحد فقط

ص: 245

فكم هذا التلبيس والتدليس فلو قال واحد من الناس هذا لم يكن ظاهر كلامه ذلك فكيف يكون ظاهر أفصح الكلام وأبينه ذلك.

الخامس: أن المفرد المضاف يراد به ما هو أكثر من واحد كقوله {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل18] وقوله {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} [التحريم12] وقوله {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة187] فلو كان الجنب والساق صفة لكان بمنزلة قوله {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك1]

ص: 246

و {بيدك الخير} [آل عمران26] و {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه39] السادس أن يقال من أين في ظاهر القرآن إثبات جنب واحد هو صفة الله ومن المعلوم أن هذا لا يثبته أحد من بني آدم وأعظم الناس إثباتا للصفات هم أهل السنة والحديث الذي يثبتون لله الصفات الخبرية ولا يقولون إن لله جنبا واحدا ولا ساقا واحدة قال عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي وادعى المعارض زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قول الله {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله} [الزمر56] إنهم يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو وليس ذلك على ما يتوهمونه.

ص: 247

قال الدارمي فيقال لهذا المعارض ما أرخص الكذب عندك وأخفه على لسانك فإن كنت صادقا في دعواك فأشربها إلى أحد من بني آدم قاله وإلا فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم بهذا التفسير منك وأبصر بتأويل كتاب الله منك ومن إمامك إنما تفسيرها عندهم تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله واختاروا عليها الكفر والسخرية بأولياء الله فسماهم الساخرين فهذا تفسير الجنب عندهم فمن أنبأك أنهم قالوا جنب من الجنوب فإنه لا يجهل هذا المعنى كثير من عوام المسلمين فضلا عن علمائهم. وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه الكذب مجانب للإيمان وقال ابن مسعود لا يجوز من الكذب

ص: 248

فهذا إخبار عما تقوله هذه النفس الموصوفة بما وصفت به وعامة هذه النفوس لا تعلم أن لله جنبا ولا تقر بذلك كما هو الموجود منها في الدنيا فكيف يكون ظاهر القرآن أن الله أخبر عنهم بذلك وقد قال عنهم {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر56] والتفريط فعل أو ترك فعل وهذا لا يكون قائما بذات الله لا في جنب ولا في غيره بل يكون منفصلا عن الله وهذا معلوم بالحس والمشاهدة وظاهر القرآن يدل على أن قول القائل {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} ليس أنه جعل فعله أو تركه في جنب يكون من صفات الله وأبعاضه فأين في ظاهر القرآن ما يدل على أنه ليس لله إلا جنب واحد يعني به الشق. السابع أن يقال هب أن القرآن دل ظاهره على إثبات جنب هو صفة فمن أين يدل ظاهره أو باطنه على أنه جنب واحد وشق واحد ومعلوم أن إطلاق مثل هذا لا يدل على أنه شق واحد كما قال النبي لعمران بن حصين صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن

ص: 250

لم تستطع فعلى جنب وهذا لا يدل على أنه ليس لعمران بن حصين إلا جنب واحد فإن قيل المراد على جنب من جنبيك قلنا فقد علم أن ذكر الجنب مفردا لا ينفي أن يكون معه غيره ولا يدل ظاهر اللفظ على ذلك بوجه.

ونظير هذا اللفظ القدم إذا ذكر مفردا لم يدل على أنه ليس لمن نسب إليه إلا قدم واحد كما في الحديث الصحيح "حتى يضع عليها رب العزة قدمه" وفي الحديث "أنا العاقب الذي يحشر الناس على قدمي ".

ص: 251

الثامن: أن نقول من أين في ظاهر القرآن أن لله ساقا وليس معك إلا قوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم42] والصحابة متنازعون في تفسير الآية هل المراد الكشف عن الشدة أو المراد بها أن الرب تعالى يكشف عن ساقه ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضع وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة لله لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه وإنما ذكره مجردا عن الإضافة منكرا والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه " فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجدا" ومن حمل الآية على ذلك قال قوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} [القلم42]

ص: 252

مطابق لقوله فيكشف عن ساقه فيخرون له سجدا وتنكيره للتعظيم والتفخيم كأنه قال يكشف عن ساق عظيمة جلت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه قالوا وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال كشفت الشدة عن القوم لا كشف عنها كما قال الله تعالى {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} [الزخرف50] وقال {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ} [المؤمنون75] فالعذاب والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه وأيضا فهناك تحدث الشدة وتشتد ولا تزال إلا بدخول الجنة وهناك لا يدعون إلى السجود وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشدة.

ص: 253

التاسع: أن دعوى الجهمي أن ظهر القرآن يدل على أن لله سبحانه أيديا كثيرة على جنب واحد وأعينا كثيرة على وجه واحد عضه للقرآن وتنقص له وذم ولا يدل ظاهر القرآن ولا باطنه على ذلك بوجه ما ولا فهمه من له عقل ولو كان ذلك ظاهر القرآن لكان المخبر به منفرا للمدعوين عن الإيمان بالله ورسوله ومطرقا لهم إلى الطعن عليه والله سبحانه قال {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر14] وقال {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود37] وقال {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور48] وقال {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} [يس71]

ص: 254

وقال في قصة موسى {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه39] فذكر العين المفردة مضافة إلى الضمير المفرد والأعين مجموعة مضافة إلى ضمير الجمع وذكر العين مفردة لا يدل على أنها عين واحدة ليس إلا كما يقول القائل أفعل هذا على عيني وأجيئك على عيني وأحمله على عيني ولا يريد به أن له عينا واحدة فلو فهم أحد هذا من ظاهر كلام المخلوق لعد أخرق وأما إذا أضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهرا أو مضمرا فالأحسن جمعها مشاكلة للفظ كقوله {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر14] وقوله {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود37] وهذا نظير المشاكلة في لفظ اليد المضافة إلى المفرد كقوله {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك1] و {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران26]

ص: 255

وإن أضيفت إلى ضمير جمع جمعت كقوله {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} [يس71] وكذلك إضافة اليد والعين إلى اسم الجمع الظاهر كقوله {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم41] وقوله {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ} [الأنبياء61] وقد نطق القرآن والسنة بذكر اليد مضافة إليه سبحانه مفردة ومثناة ومجموعة. وبلفظ العين مضافة إليه مفردة ومجموعة ونطقت السنة بإضافتها إليه مثناة كما قال عطاء عن أبي هريرة عن النبي إن العبد إذا قام في الصلاة قام بين عيني الرحمن فإذا التفت قال له ربه إلى من تلتفت إلى خير لك مني وقول النبي صلى الله عليه

ص: 256

وسلم: "إن ربكم ليس بأعور" صريح في أنه ليس المراد

ص: 258

إثبات عين واحدة ليس إلا فإن ذلك عور ظاهر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وهل يفهم من قول الداعي "اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام" أنها عين واحدة ليس إلا إلا ذهن أقلف وقلب أغلف.

قال خلف بن تميم حدثنا عبد الجبار بن كثير قال قيل لإبراهيم بن أدهم هذا السبع فنادى يا قسورة إن كنت أمرت فينا بشيء وإلا يعني فاذهب فضرب بذنبه وولى مدبرا فنظر إبراهيم إلى أصحابه وقال قولوا اللهم

ص: 259

احرسنا بعينك التي لا تنام وأكنفنا بكنفك الذي لا يرام وارحمنا بقدرتك علينا ولا نهلك وأنت الرجاء. قال عثمان الدارمي الأعور ضد البصير بالعينين وقد قال النبي في الدجال "إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور" وقد احتج السلف على إثبات العينين له سبحانه بقوله {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر14] وممن صرح بذلك إثباتا واستدلالا أبو الحسن الأشعري في كتبه كلها فقال في المقالات والموجز والإبانة وهذا لفظه فيها وجملة قولنا أن نقر بالله وملائكته

ص: 260

وكتبه ورسله إلى أن قال وإن الله مستوي على عرشه كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه5] وأن له وجها كما قال {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} [الرحمن27] وأن له يدين كما قال {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة64] وقال {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} [ص75] وأن له عينين بلا كيف كما قال:

ص: 261

{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر14] فهذا الأشعري والناس قبله وبعده ومعه لم يفهموا من الأعين أعينا كثيرة على وجه ولم يفهموا من الأيدي أيديا كثيرة على شق واحد حتى جاء هذا الجهمي فعضه القرآن وادعى أن هذا ظاهره وإنما قصد هذا وأمثاله التشنيع على من بدعه وضلله من أهل السنة والحديث وهذا شأن الجهمية في القديم والحديث وهم بهذا الصنيع على الله ورسوله وكتابه يشنعون {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة105] فما ذنب أهل السنة والحديث إذا نطقوا بما نطقت به النصوص وأمسكوا عما أمسكت عنه ووصفوا الله بما وصف به نفسه ووصفه رسوله وردوا تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين الذين عقدوا ألوية الفتنة وأطلقوا أعنة المحنة وقالوا على الله وفي الله بغير علم فردوا باطلهم وبينوا زيفهم وكشفوا إفكهم ونافحوا عن الله ورسوله

ص: 262

فلم يقدروا على أخذ الثأر منهم إلا بأن سموهم مشبهة ممثلة مجسمة حشوية ولو كان لهؤلاء عقول لعلموا أن التلقيب بهذه الألقاب ليس لهم وإنما هو لمن جاء بهذه النصوص وتكلم بها ودعى الأمة إلى الإيمان بها ومعرفتها ونهاهم عن تحريفها وتبديلها فدعوا التشنيع بما تعلمون أنتم وكل عاقل منصف أنه كذب ظاهر وإفك مفترى لا يعلم به قائل يناظر عن مقالته فهل تدفعون عن أنفسكم التعطيل ونفي حقائق صفات الكمال عن رب العالمين وأنها مجاز لا حقيقة لها وأن ظاهرها كفر وتشبيه وإلحاد فلو كان خصومكم كما زعمتم وحاشاهم مشبهة ممثلة مجسمة لكانوا أقل تنقصا لرب العالمين وكتابه وأسمائه وصفاته منكم بكثير كثير لو كان قولهم يقتضي التنقص فكيف وهو لا يقتضيه ولو صرحوا به فإنهم يقولون نحن أثبتنا لله غاية الكمال ونعوت الجلال ووصفناه بكل صفة كمال فإن لزم من هذا تجسيم أو تشبيه لم يكن هذا نقصا ولا عيبا ولا ذما بوجه من الوجوه فإن لازم الحق حق وما لزم من إثبات كمال الرب ليس بنقص وأما أنتم فنفيتم عنه صفات الكمال ولا ريب أن لازم هذا النفي وصفه بأضدادها من العيوب والنقائص فما سوى الله ولا رسوله ولا عقلاء عباده بين من

ص: 263

نفى كماله المقدس حذرا من التجسيم وبين من أثبت كماله الأعظم وصفاته العلى بلوازم ذلك كائنة ما كانت.

فلو فرضنا في الأمة من يقول له سمع كسمع المخلوق وبصر كبصره لكان أدنى إلى الحق ممن يقول لا سمع له ولا بصر.

ولو فرضنا في الأمة من يقول إنه متحيز على عرشه تحيط به الحدود والجهات لكان أقرب إلى الصواب من قول من يقول ليس فوق العرش إله يعبد ولا رب يصلى له ويسجد ولا ترفع إليه الأيدي ولا ينزل من عنده شيء ولا يصعد إليه شيء ولا هو فوق خلقه ولا محايثهم ولا مباينهم.

ولو فرضنا في الأمة من يقول إنه يتكلم كما يتكلم الآدمي وأن كلامه بآلات وأدوات تشبه آلات الآدميين وأدواتهم لكان خيرا ممن يقول إنه ما تكلم ولا يتكلم ولا قال ولا يقول ولا يقوم به كلام البتة فإن هذا القائل يشبهه بالأحجار والجمادات التي لا تعقل وذلك المشبه وصفه بصفات الأحياء الناطقين.

وكذلك لو فرضنا في الأمة من يقول له يدان كأيدينا لكان خيرا ممن يقول ليس له يدان فإن هذا معطل مكذب لله

ص: 264

راد على الله ورسوله وذلك المشبه غالط مخطىء في فهمه فالمشبه على زعمكم الكاذب لم يشبهه تنقيضا له وجحدا لك8ماله بل ظنا إن إثبات الكمال لا يمكن إلا بذلك فقابلتموه بتعطيل كماله وذلك غاية التنقص.

العاشر: أنك أيها الجهمي في فهمك عن الله أن ظاهر كلامه إثبات أيد متعددة على جنب واحد وعيون متعددة في وجه واحد قد ضاهيت النصارى الذين احتجوا على تثليثهم وإثبات آلهة متعددة بظاهر قوله {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا} [ق43] وأمثاله. وفي هؤلاء أنزل الله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران7] وفي الصحيح عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا عائشة إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه

ص: 265

فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" وهذا الفهم الفاسد إنما أتى من قبل عجم القلوب والألسن فهم الذين أفسدوا الدين وشوشوا على الناس وإلا فلغة العرب متنوعة في إفراد المضاف وتثنيته وجمعه بحسب أحوال المضاف إليه فإن أضافوا الواحد المتصل إلى مفرد أفردوه وإن أضافوه إلى اسم جمع ظاهر أو مضمر جمعوه وإن أضافوه إلى اسم مثنى فالأفصح من لغتهم جمعه لقوله تعالى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم4] وإنما هما قلبان لا غير وقوله {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة38] وتقول العرب إضرب أعناقهما واقطع ألسنتهما وهذا أفصح استعمالهم وتارة يفردون المضاف فيقولون

ص: 266

لسانهما وقلبهما وظهرهما وتارة يثنونه كقوله ظهراهما مثل ظهور الترسين والقرآن إنما نزل بلغة العرب لا بلغة العجم والطماطم والأنباط الذين أفسدوا الدين وتلاعبوا بالنصوص وانتهكوا حرماتها وجعلوها عرضة لتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وإذا كان من لغتهم وضع الجمع موضع التثنية لئلا يجمعوا في لفظ واحد بين

ص: 267

تثنيتين ولا لبس هناك فلأن يوضع الجمع موضع التثنية فيما إذا كان المضاف إليه مجموعا أولى بالجواز يدل عليه أنك لا تكاد تجد في كلامهم عينينا ويدينا ونحو ذلك ولا يلبس على السامع قول المتكلم نراك بأعيننا ونأخذك بأيدينا ونحو ذلك ولا يفهم منه بشر على وجه الأرض عيونا كثيرة على وجه واحد وأيديا متعددة على بدن واحد فهل قدر القرآن حق قدره من زعم أن هذا ظاهره.

الوجه الحادي: عشر لفظ اليد جاء في القرآن على ثلاثة أنواع مفردا ومثنى ومجموعا فالمفرد كقوله {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك1] والمثنى كقوله {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص75] والمجموع كقوله {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس71] فحيث ذكر اليد مثناة أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد وعدى الفعل بالباء إليهما فقال {خَلَقْتُ بِيَدَيّ} [ص75]

ص: 268

وحيث ذكرها مجموعة أضاف العمل إليها ولم يعد الفعل بالباء فهذه ثلاثة فروق فلا يحتمل {خَلَقْتُ بِيَدَيّ} [ص75] من المجاز ما يحتمله عملت أيدينا فإن كل أحد يفهم من قوله عملت أيدينا ما يفهمه من قوله عملنا وخلقنا كما يفهم ذلك من قوله {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى30] وأما قوله {خَلَقْتُ بِيَدَيّ} [ص75] فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذكر اليد بعد نسبة الفعل إلى الفاعل معنى فكيف وقد دخلت عليها الباء فكيف إذا ثنيت.

وسر الفرق أن الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد والمراد الإضافة إليه كقوله

ص: 269

{بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج10]{فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى30] وأما إذا أضيف إليه الفعل ثم عدي بالباء إلى يده مفردة أو مثناة فهو ما باشرته يده ولهذا قال عبد الله بن عمرو إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثا خلق آدم بيده وغرس جنة الفردوس بيده وذكر الثالثة فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على شيء مما خلق بالقدرة وقد أخبر النبي أن أهل الموقف يأتونه يوم القيامة فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا إلى ربك فذكروا أربعة أشياء كلها خصائص وكذلك قال

ص: 270

آدم لموسى في محاجته له اصطفاك الله بكلامه وخط لك الألواح بيده وفي لفظ آخر كتب لك التوراة بيده وهو من أصح الأحاديث وكذلك الحديث الآخر المشهور "أن الملائكة قالوا يا رب خلقت بني آدم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة فقال الله تعالى لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان" وهذا التخصيص إنما فهم من قوله {خَلَقْتُ بِيَدَيّ} [ص75] فلو كانت مثل قوله {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} لكان هو والأنعام في ذلك سواء فلما فهم المسلمون أن قوله {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} موجبا له تخصيصا

ص: 271

وتفضيلا بكونه مخلوقا باليدين على من أمر أن يسجد له وفهم ذلك أهل الموقف حين جعلوه من خصائصه كانت التسوية بينه وبين قوله {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} [يس71] خطأ محضا.

وكذلك قول النبي في الحديث الصحيح "يقبض الله سماواته بيده والأرض باليد الأخرى" وقوله "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء

ص: 272

الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإنه لم يغض ما في يمينه وبيده الأخرى القسط يخفض ويرفع" وقال تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة64] وفي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه في أعلى أهل الجنة منزلة: " أولئك الذين غرست كرامتهم بيدي وختمت

ص: 273

عليها " وقال أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله جنة عدن وغرس أشجارها بيده فقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون" وقال عبد الله بن الحارث قال النبي: "إن الله خلق ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده ثم قال وعزتي لا يسكنها مدمن خمر ولا ديوث " وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: " تكون الأرض يوم القيامة خبزة

ص: 274

واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في استفتاح الصلاة: "لبيك وسعديك والخير كله في يديك" وفي الصحيح أيضا عنه صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".

وقال عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيدي ثلاثة فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها

ص: 275

ويد السائل السفلى" وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" وفي المسند وغيره من

ص: 276

حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللع عليه وسلم: "لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد لله فحمد الله بإذن الله فقال له ربه رحمك ربك يا آدم وقال له إذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقل السلام عليكم فذهب فقالوا وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ثم رجع إلى ربه فقال هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم فقال الله تعالى ويداه مقبوضتان إختر أيهما شئت فقال اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم وذريته" وذكر الحديث.

وقال عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلق الله آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون.

ص: 277

وقال هشام بن حكيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أخذ ذرية بني آدم من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم ثم أفاض بهم في كفيه فقال هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار".

ص: 278

وقال عبد الله بن عمرو ولما خلق الله آدم نفضه نفض المزود فخرج منه مثل الذر فقبض قبضتين فقال لما في اليمين في الجنة ولما في الأخرى في النار.

وقال أبو موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فمنهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والطيب والخبيث".

ص: 279

وقال سلمان الفارسي إن الله تعالى خمر طينة آدم أربعين ليلة أو أربعين يوما ثم ضرب بيده فيها فخرج كل طيب بيمينه وكل خبيث بيده الأخرى ثم خلط بينهما.

وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربوا في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل متفق على صحته ".

وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن

ص: 280

الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف فقال أبو بكر زدنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهكذا وجمع يديه قال زدنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهكذا قال زدنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر حسبك فقال أبو بكر دعني يا عمر وما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا قال عمر إن شاء الله أدخل خلقه الجنة بكف واحدة فقال النبي صدق عمر".

وقال نافع بن عمر سألت ابن أبي مليكة عن يد

ص: 281

الله أواحدة أم اثنتان فقال لا بل اثنتان. وقال ابن عباس ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم.

وقال ابن عمر وابن عباس أول شيء خلقه الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين فكتب الدنيا وما فيها من عمل معمول في بر وبحر ورطب ويابس فأحصاه عنده. وقال ابن عباس في قوله تعالى {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} يقبض الله عليها فيرى طرفاها في يده.

ص: 282

وقال ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر فقال: "إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة جمع السموات والأرض في قبضته ثم قال هكذا ومد يده وبسطها ثم يقول أنا الله أنا الرحمن" وذكر الحديث. وقال ابن وهب عن أسامة عن نافع عن

ص: 283

ابن عمر أن النبي قرأ على المنبر {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر67] قال: "مطوية في كفه يرمي بها كما يرمي الغلام بالكرة".

وقال عبيد الله بن مقسم نظرت إلى عبد الله بن عمر كيف صنع حيث يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يأخذ الله سماواته وأرضه بيده فيقول أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها ويقول أنا الرحمن الرحيم أنا الملك" حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه

ص: 284

حتى إني أقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال زيد بن أسلم لما كتب الله التوراة بيده قال بسم الله هذا كتاب من الله بيده لعبده موسى يسبحني ويقدسني ولا يحلف بإسمي آثما فإني لا أزكي من حلف باسمي آثما.

ص: 285

وإنما ذكرنا هذه النصوص التي هي غيض من فيض ليعلم الواقف عليها أنه لا يفهم أحد من عقلاء بني آدم منها شخصا له شق واحد وعليه أيد كثيرة وله ساق واحد وله وجه واحد وفيه عيون كثيرة فهذه نصوص القرآن والسنة كما ترى هل يفهم منها مسلم ما ذكره هذا الجهمي أو أحد ممن له أدنى فهم ومن هذا قدر النصوص عنده فهو حقيق بأن لا يقبل منها شيئا ولا ينال منها هدى ولا يظفر منها بعلم وهي في حقه كما قال الله تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَاّ خَسَاراً} [الإسراء82] وقوله تعالى {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة125 ، 124]

ص: 286

وقوله {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت44] وقوله {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَاّ الْفَاسِقِينَ} [البقرة26] والله يعلم أن هذا من أعظم العضه لها والتنقص بها والطعن على من تكلم بها وجاء بها أو يقال له هذا ظاهر كلامك وحقيقته فانظر إلى أقبح التشبيه والتمثيل الذي ادعوا أنه ظاهر النصوص وإلى التعطيل الذي سطوا به عليها وسموه تأويلا فصح أنهم جمعوا بين فهم التشبيه منها واعتقاد التعطيل ونسبة قائلها إلى قصد ما يضاد البيان والإرشاد والله المستعان.

ص: 287