المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ الإيمان بالكتب

ثالثاً:‌

‌ الإيمان بالكتب

فهذا هو الركن الثالث من أركان الإيمان.

والمراد بالكتب: هي الكتب التي أنزلها الله على رسله؛ رحمة بالخلق، وهداية لهم؛ ليصلوا إلى سعادة الدنيا والآخرة.

والغاية التي أنزلت من أجلها الكتب: هي أن يُعْبَد الله وحده لا شريك له، ولتكون منهج حياة للبشر تقودهم بما فيها من هداية إلى كل خير، وتحيي نفوسهم، وتنير لهم دروب الحياة.

والإيمان بالكتب يتضمن مايلي:

1 -

الإيمان بأنها منزلة من عند الله حقاً.

2 -

الإيمان بما علمنا اسمه منها كالقرآن الذي نزل على محمد، والإنجيل الذي نزل على عيسى، والتوراة التي أنزلت على موسى، والزبور الذي أوتيه داود، وما لم نعلمه نؤمن به إجمالاً.

3 -

تصديق ما صح من أخبارها، والعمل بآخرها وهو القرآن؛ لأنه آخرها، ولأنه ناسخ لها.

والكتب السماوية تتفق في أمور: فتتفق في وحدة المصدر؛ فكلها من عند الله، وتتفق في وحدة الغاية، وفي مسائل الاعتقاد، وأنها تدعو إلى العدل، والقسط، ومكارم الأخلاق، ومحاربة الظلم، والفساد، والانحراف، وتتفق في كثير من التشريعات، وتختلف في بعض التشريعات وتفاصيلها؛ فلكل أمة شريعة تلائمها وتناسبها.

ص: 61

منزلة القرآن الكريم من الكتب السماوية

القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية، وخاتمها، وأطولها، وأشملها، وهو الحاكم عليها؛ فهو مشتمل على ما اشتملت عليه الكتب السماوية السابقة، ويزيد عليها من المطالب الإلهية، والأخلاق النفسية.

والقرآن فيه نبأ السابقين، واللاحقين، وفيه الحكم، والحكمة، والأحكام.

والقرآن هو الحاكم المهيمن على الكتب السابقة؛ فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما حكم عليه بالرد فهو مردود قد دخله التحريف والتبديل.

والقرآن جاء في الذروة من الفصاحة والبلاغة والإعجاز؛ فهو معجز في لفظه، ومعناه، وفي فصاحته، وإخباره عن الغيوب السابقة واللاحقة، وهو معجز في حكمه وأحكامه وفي كل ما جاء به.

ولهذا يخضع له كل متمسك بالكتب المتقدمة؛ لأنها دلَّت عليه، وبشَّرت به.

فالعمل - إذاً - يكون بالقرآن، ولا يُقبل من أحد دينٌ إلا ما جاء في هذا القرآن؛ فهو رسالة الله الأخيرة للبشرية، بل هو عامٌّ للجن والإنس؛ بخلاف الكتب السماوية الأخرى التي كانت خاصة بأقوام معينين، وفترات معينة.

ثم إن القرآن محفوظ من الزيادة، والنقص، والتحريف؛ فلقد تكفل الله - سبحانه - بحفظه، قال - تعالى -:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ، والذكر هو القرآن، والسنة النبوية.

والقرآن له أثر عظيم في القلوب؛ فما يسمعه أحد وهو ملقٍ سمعه إلا يجد أن له تأثيراً عظيماً في نفسه، ولو لم يفهم معانيه أو دلالاته، حتى ولو لم يكن

ص: 62

يعرف اللغة العربية.

وهذا سرٌّ من أسرار القرآن التي تبيِّن عظمته.

ثم إن القرآن له أبلغ الأثر في رُقي الأمم وفلاحها؛ فهو الذي أخرج الله به من أمة العرب أعلام الحكمة والهدى، وجعلهم خير أمة أُخرجت للناس، بعد أن كانوا يتخبطون في دياجير الجهالة.

ومن خصائص القرآن: أن عجائبه لا تنقضي، وأنه لا يَخْلَق من كثرة الرد؛ فكلما أكثر الإنسان من قراءته زادت حلاوته مرة بعد مرة.

ومن خصائصه: أن الله يسَّر تعلمه وحفظه؛ ولهذا فإن كثيراً من أطفال المسلمين يحفظونه كاملاً عن ظهر قلب.

ومن خصائصه: أنه مشتمل على أعدل الأحكام، وأعظمها، وأشرفها، وأشملها، فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وأحاط بها إجمالاً وتفصيلاً، ويشهد بذلك كل منصف عاقل، حتى ولو لم يكن مسلماً.

يقول السير "وليم مور" في كتابه المسمى [حياة محمد] : "إن القرآن ممتلىء بأدلة من الكائنات المحسوسة والدلائل العقلية على وجود الله - تعالى - وأنه الملك القدوس، وأنه سيجزي المرء بعمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وأن اتباع الفضائل، واجتناب الرذائل فرض على العالمين، وأن الواجب على كل مكلف أن يعبد الله - تعالى - وهي علة سعادته".

ويقول جيون: "إن أوامر القرآن ليست محصورة في الفروض الدينية والأدبية فقط، إن القرآن عليه مدار الأمور الأخروية والدنيوية من الفقه، والتوحيد،

ص: 63

والأحكام الحقوقية، والجزائية، وما به انتظام الكون، وقمع الظالم، وصيانة الحقوق، وذلك أمر إلهي لا مرية فيه.

وبعبارة أخرى: إن القرآن المجيد هو الدستور العمومي لكل العالم الإسلامي، وهو دستور الدين الإسلامي، فهو نظام الكون في المعاش والمعاد، وبه النجاة الأبدية، وحفظ الصحة البدنية، والمصالح العمومية والشخصية، وما يترتب على ذلك من الفضائل الأدبية، والإجراءات الجزائية الدنيوية والأخروية، وكل ذلك منظم في القرآن المجيد".

وبالجملة فالشهادات في هذا السياق كثيرة جداً، ولو استمر الكاتب في سردها لطال به المقام.

ص: 64

السنة النبوية

السنة النبوية: هي كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو وصف، أو تقرير.

والسنة شقيقة القرآن، تفسره، وتبينه، وتعبر عنه، وتدل عليه، وتفصِّل مجمله، وتدل على أحكام سكت عنها القرآن، فهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، وهي من الذكر الذي تكفل الله بحفظه.

والأحاديث التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً، ولقد اعتنى بها العلماء غاية العناية، حيث ميزوا صحيحها من ضعيفها، ونقلوها إلينا بالأسانيد من طريق الرواة الثقاة العدول.

ثمرات الإيمان بالكتب:

1 -

العلم بعناية الله: حيث أنزل على كل قوم كتاباً يهديهم.

2 -

العلم بحكمة الله: حيث شرع لكل قوم ما يلائمهم.

3 -

التحرر من الهوى والنقص الذي يعتري أفكار البشر وتشريعاتهم.

ص: 65