المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تساؤل وبعد أن تبيَّن لك أيها القارىء الكريم من خلال الصفحات - الطريق إلى الإسلام

[محمد بن إبراهيم الحمد]

الفصل: ‌ ‌تساؤل وبعد أن تبيَّن لك أيها القارىء الكريم من خلال الصفحات

‌تساؤل

وبعد أن تبيَّن لك أيها القارىء الكريم من خلال الصفحات الماضية عظمةُ دين الإسلام، وشموله، وعدله، ومدى حاجة البشرية إليه - قد يخطر ببالك تساؤل فتقول:

إذا كان الإسلام بهذه العظمة والشموع والعدل - فلماذا لا نرى أهله في مقدمة الأمم في هذا العصر؟ ولماذا نرى كثيراً منهم بعيداً عن الاتصاف بما يأمر به الدين؟ وما مدى صحة ما يقال بأن الإسلام دين تطرف، وإرهاب؟.

والجواب عن ذلك يسير بحمد الله، وذلك من عدة وجوه:

1 -

أن حال المسلمين في عصورهم المتأخرة لاتمثل حقيقة الإسلام: فمن الظلم وقصور النظر أن تُجْعَلَ حالُ المسلمين في هذه العصور المتأخرة - هي الصورة التي تمثل الإسلام، فيُظنَّ أن الإسلام لم يَرْفَعْ عنهم الذلة، ولا التفرق، ولا الفقر؛ فعلى من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف أن ينظر إلى دين الإسلام من خلال مصادره الصحيحة من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف الأمة الصالح، وأن ينظر إلى الإسلام من خلال الكتب التي تتحدث عنه بعدل وعلم، فسيتبين له أن الإسلام يدعو إلى كل صلاح ديني ودنيوي، وأنه يحث على الاستعداد لتعلم العلوم النافعة، وأنه يدعو إلى تقوية العزائم، وجمع الكلمة.

ثم إن انحرافات بعض المنتسبين إلى الإسلام - قَلَّتْ أو كثرت - لا يجوز بحال من الأحوال أن تحسب على الدين، أو أن يعاب بها، بل هو براء منها، وتبعة الانحراف تعود على المنحرفين أنفسهم؛ لأن الإسلام لم يأمرهم بذلك؛ بل نهاهم

ص: 94

وزجرهم عن الانحراف عما جاء به.

ثم إن العدل يقتضي بأن يُنظر في حال القائمين بالدين حق القيام، والمنفذين لأوامره وأحكامه في أنفسهم وفي غيرهم؛ فإن ذلك يملأ القلوب إجلالاً ووقاراً لهذا الدين وأهله؛ فالإسلام لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من الإرشاد والتهذيب إلا حثَّ عليها، ولا رذيلة أو مفسدة إلا صدَّ عن سبيلها، وبذلك كان المعظمون لشأنه، المقيمون لشعائره في أعلى طبقة من أدب النفس، وتربيتها على محاسن الشيم، ومكارم الأخلاق، يشهد لهم بذلك القريب والبعيد، والموافق والمخالف.

أما مجرد النظر إلى حال المسلمين المفرِّطين في دينهم، الناكبين عن صراطه المستقيم - فليس من العدل في شيء، بل هو الظلم بعينه.

2 -

أن تأخر المسلمين سببه البعد عن الدين: فلم يتأخر المسلمون عن ركب الحضارة، ولم يتفرقوا ويُسْتذلوا إلا عندما فرطوا في دينهم، ونسوا حظاً مما ذُكِّروا به.

فالإسلام دين الرقي، والتقدم، والزكاء، وعندما كان المسلمون متمسكين بدينهم حق التمسك دانت لهم أمم الأرض قروناً متطاولة، فنشروا فيها لواء الحكمة، والعدل، والعلم.

وهل ترقت أمم الأرض، وبزَّت غيرها في الصناعات والاختراعات المذهلة إلا بعد أن استنارت عقول أهليها بعلوم المسلمين بعد الحروب الصليبية؟.

ألم تكن تلك الأمم في القرون التي يسمونها القرون المظلمة في غاية الجهل، والهمجية؟.

ص: 95

ألم يكن المسلمون هم سادة الخلق آنذاك؟.

ألم تكن مدنية الإسلام هي المدنية الزاهرة الحقيقية؛ حيث كان روحها الدين والعدل، والرحمة، حتى لقد شملت بظلها الظليل، وإحسانها المتدفق جميع الناس حتى المخالفين والأعداء؟.

فهل أخَّر المسلمين دينُهم الحقُّ؟ وهل منعهم من الرُّقي الحقيقي؟ وهل نفع الآخرين كُفْرُهم بالله في تلك القرون الطويلة؛ إذ كانوا هم الأذلين المخذولين؟.

ثم لما قصَّر المسلمون في التمسك بدينهم، وقصَّروا في الأخذ بالأسباب الموصلة إلى خيري الدنيا والآخرة - حلَّ بهم التفكك والدمار.

ثم إن التقدم المادي لا يكفي وحده، بل لابد معه من الدين الحق الذي يزكي النفوس، ويرتقي بالأخلاق؛ فها هي أمم الكفر لما ارتقت في علوم المادة وأغفلت جانب الروح - ها هي تتخبط في تيهها وضلالها؛ فهل أغنت عنها تلك المدنية المادية فتيلاً؟

ألم تكن حضارتها قائمة على الظلم، والجشع، والاستبداد، والاستعباد، والتسلط على الأمم الضعيفة؟

ألم ينتشر فيهم الخيانة، والسرقة، والانتحار، والقتل، والأمراض النفسية، والجنسية وغيرها؟.

فهذا أكبر برهان على أن الرقي المادي ينقلب ضرراً على أهله إذا خلا من الدين الحق الذي تستنير به العقول، وتزكو به النفوس.

ص: 96

3 -

أن القول بأن الإسلام دين تطرف وإرهاب مردود على من قاله: فهو محض افتراء، ومحاولة للصد عنه؛ فالإسلام دين الرحمة، والرفق، والتسامح، وما السيف الذي يأمر الإسلام بانتضائه للجهاد في سبيل الله إلا كمبضع طبيب ناصح يشرط به جسم العليل؛ لينزف دمه الفاسد؛ حرصاً على سلامته؛ فليس الغرض من الجهاد في الإسلام سفك الدماء، وإزهاق الأرواح، وإنما الغرض منه إعلاء كلمة الله، وتخليص البشرية من عبادة البشر، ودلالتهم على عبادة رب البشر، كي يعيشوا حياة كريمة.

وأمة الإسلام خير أمة أُخْرِجَت للناس، وخير أمة جاهدت في سبيل الله فانتصرت، وغلبت فرحمت، وحكمت فعدلت، وساست فأطلقت الحرية من عقالها، وفجَّرت ينابيع الحكمة بعد نضوبها.

واسأل التاريخ؛ فإنها قد استودعته من مآثرها الغُرِّ ما بَصُرَ بضوئه الأعمى، وازدهر في الأرض ازدهار الكواكب في كبد السماء.

فماذا فعل المسلمون حين انتصروا على خصومهم؟ هل تكبَّروا، وتسلطوا، واستبدوا؟ وهل انتهكوا الأعراض، وقتلوا الشيوخ، والنساء، والأطفال؟.

ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما انتصر على خصومه الذين كانوا يؤذونه أشد الأذى؟ ألم يكن يصفح عنهم؟ ويمنَّ عليهم بالسبي والأموال؟.

وماذا فعل المسلمون عندما انتصروا على كسرى وقيصر؟ هل خانوا وغدروا؟ هل تعرَّضوا للنساء؟ وهل أساءوا للرهبان في الأديرة؟ وهل عاثوا في الأرض فساداً؟ وهل هدموا المنازل، وقطعوا الأشجار؟.

ص: 97

وماذا فعل صلاح الدين لما انتصر على الصليبيين الذين فعلوا بالمسلمين الأفاعيل، ونكَّلوا بهم أيَّما تنكيل؟ فماذا فعل بهم صلاح الدين لما انتصر عليهم؟ ألم يصفح عن قائدهم؟ ويعالجه؟ ويطلق سراحه؟.

فهذه المواقف النبيلة وأمثالها كثير في تاريخ المسلمين، مما كان له أبلغ الأثر في محبة الناس للإسلام، والدخول فيه عن قناعة ويقين.

أفغير المسلمين يقوم بهذا؟ آلغرب يقدم مثل هذه النماذج؟.

الجواب ما تراه، وتسمعه؛ فمن أين خرج هتلر، وموسوليني، ولينين، وستالين، ومجرمو الصرب؟ أليست أوربا هي التي أخرجت هؤلاء وأمثالهم من الشياطين الذين قتلوا الملايين من البشر، ولاقت منهم البشرية الويلات إثر الويلات؟.

ألا يعد أولئك هم طلائع حضارة أوربا؟ فَمَنِ الهمج القساة العتاة إذاً؟.

ومن المتطرفون الإرهابيون حقيقة؟.

ثم من الذين صنعوا القنابل النووية، والعنقودية، والذرية، والجرثومية، وأسلحة الدمار الشامل؟.

ومن الذين لوَّثوا الهواء بالعوادم، والأنهار بالمبيدات؟.

ومن الذين يسلكون الطرق القذرة التي لا تمت إلى العدل، ولا إلى شرف

ص: 98

الخصومة بشيء؟.

من الذين يُعَقِّمون النساء؟ ويسرقون أموال الشعوب وحرياتهم، ومن الذين ينشرون الإيدز؟.

أليس الغرب، ومن يسير في ركابهم؟.

ومن الذي يدعم اليهود وهم في قمة التسلط والإرهاب؟.

هذه هي الحقيقة الواضحة، وهذا هو الإرهاب والتسلط.

أما جهاد المسلمين لإحقاق الحق، وقمع الباطل، ودفاعهم عن دينهم، وأنفسهم وبلادهم فليس إرهاباً، وإنما هو العدل بعينه.

وما يحصل من بعض المسلمين من الخطأ في سلوك سبيل الحكمة فقليل لا يكاد يذكر بجانب وحشية الغرب، وتبعته تعود على من أخطأ السبيل ولا تعود على الدين، ولا على المسلمين.

وقد يكون لهذا مسوغاته في بعض الأحيان؛ فظلم الكفار عليهم قد يوجد مثل هذه التصرفات.

وهكذا ينبغي للعاقل المنصف؛ أن ينظر إلى الأمور كما هي بعيداً عن الظلم والتزوير والنظرة القاصرة.

وبعد هذا فإن كان للإنسان عجب من شيء فإن عجبه من الأوربيين،

ص: 99

والأمريكان؛ حيث لم يكتشفوا حقيقة الدين الإسلامي فيما اكتشفوه، وهو أجلُّ من كل ما اكتشفوه، وأضمن للسعادة الحقيقية من كل ما وصلوا إليه؛ فهل هم جاهلون بحقيقة الإسلام حقاً؟ أو أنهم يتعامون ويصدون عنه؟!.

وإن كانت الأولى فهي مصيبة وإن كانت الثانية فهي مصيبتان!.

ص: 100