المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من خصائص دين الإسلام - الطريق إلى الإسلام

[محمد بن إبراهيم الحمد]

الفصل: ‌من خصائص دين الإسلام

‌من خصائص دين الإسلام

الإسلام دين الفطرة، ودين السلام والأمانِ، والبشريةُ لن تجد الراحة، ولن تحقق السعادة إلا بالأخذ بالإسلام، وتطبيقه في شتى الشؤون.

ومما يؤكد عظمة دين الإسلام ما يتميز به من خصائص لا توجد في غيره من المذاهب والأديان.

ومن تلك الخصائص التي تثبت تَمَيُّزَ الإسلام، ومدى حاجة الناس إليه مايلي:

1 -

أنه جاء من عند الله: والله عز وجل أعلم بما يصلح عباده، قال - تعالى -:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] .

2 -

أنه يبين بداية الإنسان ونهايته، والغاية التي خُلق من أجلها: قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء: 1]، وقال:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]، وقال:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .

3 -

أنه دين الفطرة: فلا يتنافى معها، قال - تعالى -:{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] .

4 -

أنه يعتني بالعقل ويأمر بالتفكر: ويذم الجهل، والتقليد الأعمى، والغفلة عن التفكير السليم، قال - تعالى -:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر: 9] .

ص: 30

وقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: 190، 191] .

5 -

الإسلام عقيدة وشريعة: فهو كامل في عقيدته وشرائعه؛ فليس ديناً فكرياً فحسب، أو خاطرة تمر بالذهن، بل هو كامل في كل شيء، مشتمل على العقائد الصحيحة، والمعاملات الحكيمة، والأخلاق الجميلة، والسلوك المنضبط؛ فهو دين فرد وجماعة، ودين آخرة وأولى.

6 -

أنه يعتني بالعواطف الإنسانية: ويوجهها الوجهة الصحيحة التي تجعلها أداء خير وتعمير.

7 -

أنه دين العدل: سواء مع العدو، أو الصديق، أو القريب، أو البعيد، قال - تعالى - {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] ، وقال:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152]، وقال:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] .

8 -

الإسلام دين الأُخُوَّة الصادقة: فالمسلمون إِخْوةٌ في الدين، لا تفرقهم البلاد، ولا الجنس، ولا اللون، فلا طبقية في الإسلام، ولا عنصرية، ولا عصبية لجنس أو لون أو عِرق، ومعيارُ التفاضل في الإسلام إنما يكون بالتقوى.

9 -

الإسلام دين العلم: فالعلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، والعلم يرفع صاحبه إلى أعلى الدرجات، قال - تعالى -:{يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] .

ص: 31

10 -

أن الله تكفل لمن أخذ بالإسلام وطبَّقه بالسعادة، والعزة، والنصرة فرداً كان أم جماعة: قال - تعالى -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} [النور: 55]، وقال:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] .

11 -

في الإسلام حل لجميع المشكلات: لاشتمال شريعته وأصولها على أحكام ما لا يتناهى من الوقائع.

12 -

أن شريعته أحكم ما تساس به الأمم: وأصلح ما يقضى به عند التباس المصالح، أو التنازع في الحقوق.

13 -

الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان، وأمة وحال، بل لا تصلح الدنيا بغيره: ولهذا كلما تقدمت العصور، وترقت الأمم ظهر برهان جديد على صحة الإسلام، ورفعة شأنه.

14 -

الإسلام دين المحبة، والاجتماع، والألفة، والرحمة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

وقال: "الراحمون يرحمهم الرحمن؛ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".

15 -

الإسلام دين الحزم والجد والعمل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك ولا تعجز، وإن

ص: 32

أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل".

16 -

الإسلام أبعد ما يكون عن التناقض: قال - تعالى -: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء: 82] .

17 -

أنه يحمي معتنقيه من الفوضى والضياع والتخبط: ويكفل لهم الراحة النفسية والفكرية.

18 -

الإسلام واضح ميسور: وسهل الفهم لكل أحد.

19 -

الإسلام دين مفتوح: لا يغلق في وجه من يريد الدخول فيه.

20 -

الإسلام يرتقي بالعقول، والعلوم، والنفوس، والأخلاق: فأهله المتمسكون به حق التمسك هم خير الناس، وأعقل الناس، وأزكى الناس.

21 -

الإسلام يدعو إلى أحسن الأخلاق والأعمال: قال - تعالى -: {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وقال:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34] .

22 -

الإسلام يحفظ العقول: ولهذا حرَّم الخمر، والمخدرات، وكل ما يؤدي إلى فساد العقل.

23 -

الإسلام يحفظ الأموال: ولهذا حثَّ على الأمانة، وأثنى على أهلها، ووعدهم بطيب العيش، ودخول الجنة، وحرَّم السرقة، وتوعد فاعلها بالعقوبة، وشرع حد السرقة وهو قطع يد السارق؛ حتى لا يتجرأ أحد على سرقة الأموال؛ فإذا لم يرتدع خوفاً من عقاب الآخرة، ارتدع خوفاً منن قطع اليد؛

ص: 33

ولهذا يعيش أهل البلاد التي تطبق حدود الشرع آمنين على أموالهم، بل إن قطع اليد قليل جداً؛ لقلة من يسرق.

ثم إن قطع يد السارق فيه حكمة الزجر للسارق من معاودة السرقة، وردع أمثاله عن الإقدام عليها، وهكذا تحفظ الأموال في الإسلام.

24 -

الإسلام يحفظ الأنفس: ولهذا حرَّم قتل النفس بغير الحق، وعاقب قاتل النفس بغير الحق بأن يقتل؛ ولأجل ذلك يقل القتل في بلاد المسلمين، التي تطبق شرع الله؛ فإذا علم الإنسان أنه إذا قَتَل شخصاً سيُقتل به كفَّ عن القتل، وارتاح الناس من شر المقاتلات.

ثم إن أهل القتيل لهم حق فإذا كان القاتل سيقتل ثم يخرج بعد ذلك يتمتع بالحياة كيفما شاء – كان ذلك – مغيظا لأهل المقتول وربما حملهم على الثأر فيزيد الأمر ضراوة وفتنة.

فإذا اقتص من القاتل ارتاحت نفوس أهل القتيل واشتفت صدورهم بأخذ حقهم.

ثم إن القصاص ليس الطريق الوحيد بل إن لورثة القتيل الحق في العفو أو أخذ الدية وهذا من التخفيف والرحمة.

بل إن الإسلام حث على العفو ورتب عليه الجزاء العظيم والثواب الجزيل من الله – عز وجل.

قال الله تبارك وتعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

ص: 34

وقال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}

25 -

الإسلام يحفظ الصحة: فالإشارات إلى هذا المعنى كثيرة جداً سواء في القرآن أو السنة النبوية، قال - تعالى -:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] .

قال العلماء: إن هذه الآية جمعت الطبَّ كلَّه؛ ذلك أن الاعتدال في الأكل والشرب من أعظم أسباب حفظ الصحة.

ومن الإشارات لحفظ الصحة أن الإسلام حرَّم الخمر، ولا يخفى ما في الخمر من أضرار صحية كثيرة، فهي تضعف القلب، وتفري الكلى، وتمزق الكبد إلى غير ذلك من أضرارها المتنوعة.

ومن ذلك: أن الإسلام حرَّم الفواحش من زناً ولواط، ولا يخفى ما فيهما من الأضرار الكثيرة، ومنها الأضرار الصحية التي عُرِفَتْ أكثر ما عُرِفَتْ في هذا العصر من: زهري، وسيلان، وهربس، وإيدز ونحوها.

ومن حِفظ الإسلام للصحة أنه حرَّم لحم الخنزير، الذي عُرِفَ الآن أنه يولِّد في الجسم أدواءً كثيرة، ومن أخصِّها الدودة الوحيدة، والشعرة الحلزونية، وعملهما في الإنسان شديد، وكثيراً ما يكونان السبب في موته.

ومن الإشارات في هذا الصدد ما عُرف من أسرار الوضوء، وأنه يمنع من أمراض الأسنان، والأنف، بل هو من أهم الموانع للسل الرئوي؛ إذ قال بعض الأطباء: إن أهم طريق لهذا المرض الفتاك هو الأنف، وإن أنوفاً تُغسَلُ في اليوم خمس عشرة مرة لجديرة بألا تبقى فيها جراثيم هذا الداء الوبيل، ولذا كان هذا

ص: 35

المرض في المسلمين قليلاً وفي الإفرنج كثيراً.

والسبب أن المسلمين يتوضئون للصلاة خمس مرات في اليوم، وفي كل وضوء يغسل المسلم أنفه مرة أو مرتين أو ثلاثاً.

36 -

الإسلام يتفق مع الحقائق العلمية: ولهذا لا يمكن أن تتعارض الحقائق العلمية الصحيحة مع النصوص الشرعية الصريحة.

وإذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة لها، وإما أن يكون النص غير صريح في معارضته؛ لأن النص وحقائق العلم كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين.

ولقد قرر هذه القاعدة كثير من علماء المسلمين، بل لقد قررها كثير من الكُتَّاب الغربيين المنصفين، ومنهم: الكاتب الفرنسي المشهور [موريس بوكاي] في كتابه [التوراة والإنجيل والقرآن] ، حيث بيَّن في هذا الكتاب أن التوراة المحرَّفة، والإنجيل المحرَّف الموجودين اليوم يتعارضان مع الحقائق العلمية، في الوقت الذي سجل فيه هذا الكتاب شهادات تفوق للقرآن الكريم سبق بها القرآنُ العلمَ الحديثَ.

وأثبت الكاتب من خلال ذلك أن القرآن لا يتعارض أبداً مع الحقائق العلمية، بل إنه يتفق معها تمام الاتفاق.

ولقد تضافرت البراهين الحسيَّة، والعلميَّة، والتجريبيَّة على صدْق ما جاء به الإسلام حتى في أشد المسائل بُعداً عن المحسوس، وأعظمها إنكاراً في العصور السابقة.

ص: 36

خذ على سبيل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أُولاهنَّ بالتراب".

ولقد جاء الطب باكتشافاته ومكبراته فأثبت أن في لعاب الكلب ميكروباتٍ وأمراضاً فتَّاكة لا يزيلها الماء وحده، وأظهرت البحوث العلمية الحديثة أنه يحصل من إنقاء التراب لهذه النجاسة ما لا يحصل بغيره.

وجاء - أيضاً - أن شرب الكلب في الإناء يسبب أمراضاً خطيرة، فالكلب كثيراً ما تكون فيه ديدان مختلفة الأنواع، ومنها: دودة شريطية صغيرة جداً، فإذا شرب في إناء، أو لمس إنسان جسد الكلب بيده أو بلباسه انتقلت بويضات هذه الديدان إليه، ووصلت إلى معدته في أكله، أو شربه، فتثقب جدرانها، وتصل إلى أوعية الدم، وتصل إلى الأعضاء الرئيسة، فتصيب الكبد، وتصيب المخ، فينشأ عنه صداع شديد، وقيءٌ متوالٍ، وفقد للشعور، وتشنجات، وشلل في بعض الأعضاء، وتصيب القلب، فربما مزَّقته، فيموت الشخص في الحال.

ثم إن العلوم الطبيعية تؤيد الإسلام، وتؤكد صحته على غير علم من ذويها.

مثال ذلك: تلقيح الأشجار الذي لم يُكتَشف إلا منذ عهد قريب، وقد نصَّ عليه القرآن الذي أُنزل على النبي الأمي منذ أربعة عشر قرناً في قوله - تعالى -:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]، وكذلك قوله - تعالى -:{وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7]، وقوله:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49]، وقوله:{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا} [يس: 36] .

فهذا كلام رب العالمين في القرآن قبل أن تبيَّن لنا العلوم الطبيعية أن في كل

ص: 37

نبات ذكراً وأنثى.

ولقد اعتنق بعض الأوربيين الإسلام لما وجد وصف القرآن للبحر وصفاً شافياً مع كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يركب البحر طول عمره، وذلك مثل قوله تعالى:{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40] .

27 -

الإسلام يكفل الحريات ويضبطها: فحرية التفكير في الإسلام مكفولة، وقد منح الله الإنسان الحواس من السمع، والبصر، والفؤاد؛ ليفكر، ويعقل، ويصل إلى الحق، وهو مأمور بالتفكير الجاد السليم، ومسئول عن إهمال حواسه وتعطيلها، كما أنه مسئول عن استخدامها فيما يضر.

والإنسان في الإسلام حُرٌّ في بيعه، وشرائه، وتجارته، وتنقلاته، ونحو ذلك ما لم يتعد حدود الله في غش، أو خداع، أو إفساد.

والإنسان في الإسلام حُرٌّ في الاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا من: مأكول، أو مشروب، أو مشموم، أو ملبوس، ما لم يرتكب محرماً يعود عليه أو على غيره بالضرر.

ثم إن الإسلام يضبط الحريات؛ فلا يجعلها مطلقة سائمة في مراتع البغي والتعدي على حريات الآخرين؛ فالشهوة على سبيل المثال لو أطلقت لا ندفع الإنسان وراء شهوته، التي تكون سبباً في هلاكه؛ لأن طاقته محدودة، فإذا استُنفِذت في اللهو والعبث والمجون - لم يبق فيها ما يدفعها إلى الطريق الجاد، ويدلها على مسالك الخير؛ فليس من الحرية - إذاً - أن يسترسل في شهواته

ص: 38

وملذاته غير مبالٍ بحلال أو حرام، وغير ناظر في العواقب.

إن نهايته ستكون وخيمة في العاجل قبل الآجل؛ إن ثرواته ستتبدد، وإن قواه ستنهار، وصحته ستزول، وبالتالي سيكون تعيساً محسوراً.

ثم هب أن الإنسان أطلق لشهواته العنان، هل سيجد الراحة والطمأنينة؟

الجواب: لا؛ وإذا أردت الدليل على ذلك فانظر إلى عالمنا المعاصر بحضارته المادية؛ لما أطلق حرية العبث والمجون، ولم يُحسن استخدامها - حدثت القلاقل، والمصائب، والأمراض الجسدية والنفسية، وشاع القتل، والنهب، والسلب، والانتحار، والقلق، وأمراض الشذوذ.

وليست الحرية - أيضاً - بالسير وراء الأطماع التي لا تقف عند حد دونما مبالاة في آثارها على الآخرين؛ فهل يعد من الحرية ما يقوم به الأقوياء من سطو على الضعفاء، واستخفاف بحقوقهم، ومصادرة لآرائهم كما هي حال الدول الكبرى في عالمنا المعاصر؟

الجواب: لا؛ فالحرية الحقة هي ما جاء به الإسلام، وهي الحرية المنضبطة التي تحكم تصرفات الإنسان، والتي يكون فيها الإنسان عبداً لربه وخالقه؛ فذلك سر الحرية الأعظم؛ فالإنسان إذا تعلق بربه خوفاً، وطمعاً، وحباً، ورجاء، وذلاً، وخضوعاً - تحرر من جميع المخلوقين؛ ولم يعد يخاف أحداً غير ربه، ولا يرجو سواه، وذلك عين فلاحه وعزته.

وبالجملة، فالإسلام دين الكمال والرفعة، ودين الهداية والسمو.

ص: 39

وإذا رأينا من بعض المنتمين إليه وَهَناً في العزم، أو بُعداً عن الهدى - فالتبعة تعود على أولئك، لا على الدين؛ فالدين براء، والتبعة تقع على من جهل الإسلام، أو نبذ هدايته وراء ظهره.

ص: 40