المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌الردة عن الإسلام

‌الردة عن الإسلام

مر بنا فيما مضى حديث عن الحرية وأن الإسلام يكفل الحريات ويحفظها ويضبطها بالضوابط التي تجعل منها أداة خير وتعمير ولا معول هدم وتدمير.

ومما ينافي هذه الحرية الردة عن الإسلام بعد الدخول فيه ومما يحفظ هذه الحرية منع الداخل في الإسلام أن يرتد عنه.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث إحداها: التارك لدينه المفارق للجماعة".

وقال عليه الصلاة والسلام: "من بدل دينه فاقتلوه".

وقت المرتد ليس من التدخل في الشؤون الشخصية ولا من الإرهاب بل إن الردة وإصرار المرتد عليها ضرر على الآخرين كما سيأتي بيان ذلك.

وإنما جبر على البقاء في الإسلام وحكم بقتله إذا رفض لأسباب وحكم عظيمة منها:

أن تركه على الردة سيكون سببا في هد بنيان نظام الأمة وتخلخل خير أمة أخرجت للناس فالمبيح قتله هو الكفر بعد الإيمان وهو نوع خاص من الكفر فإنه لو لم يقتل ذلك لكان الداخل في الدين يخرج منه فقتله حفظ لأهل الدين وللدين فإن ذلك يمنعهم من النقص ويمنعهم من الخروج

ص: 80

بخلاف من لم يدخل فيه.

ومما ينبغي أن يعلم أن الإسلام جاء بما يسمى بحفظ الضروريات الخمس وحرم التعدي عليها وهي: الدين والنفس والعرض والعقل والمال وأهم هذه الضروريات الدين.

وإذا كان التعدي على النفس أو العرض أو العقل أو المال يعد جرما عظيما فإن التعدي على الدين بالردة أعظم منه وأشد.

وذلك لما مضى ذكره من الأسباب وأن من ارتد عن الإسلام بعد دخوله فيه وإدراكه له كان خارجا عن الحق والمنطق ومنكرا للدليل والبرهان وحائدا عن العقل السليم والفطرة السوية.

وحين يصل الإنسان إلى هذا المستوى يكون قد هوى إلى أقصى دركات الانحطاط.

ومثل هذا الإنسان لا ينبغي المحافظة على حياته ولا الحرص على بقائه لأن حياته ليست لها غاية كريمة ولا مقصد نبيل.

وبالجملة فإن الارتداد عن الإسلام خروج على العقيدة وشذوذ عن الجماعة وإضعاف للأمة وتكثير لسواد الأعداء وإفشاء لأسرار المسلمين.

ثم إن في جعل عقوبة المرتد إباحة دمه زاجرا للأمم الأخرى عن الدخول في الدين نفاقا لأهله وباعثا لهم على التثبيت من أمره فلا يدخلونه إلا على بصيرة وسلطان مبين لأن الداخل في الدين نفاقا يتعسر عليه الاستمرار على الإسلام وإقامة شعائره.

ص: 81

وإذا نظرت في تاريخ الإسلام الطويل تبحث عن حال من ارتدوا بعد الإسلام لا تجد من ارتد عن الدين رغبة عنه وسخطة عليه.

وإذا وجدت فلا تجد سوى طائفتين: منهم من دخل الإسلام منافقا قضى وطره أو انقطع أمله انقلب على وجهه خاسرا وذلك كحال من يسلم لمكيد يقصد بها الصد عن دين الله كما حصل من بعض اليهود في أول عهد الدعوة حينما تمالأ نفر منهم بأن يؤمنوا أول النهار ويكفروا آخره من أجل إحداث بلبلة في صفوف المؤمنين لأن اليهود أهل كتاب فإذا حصل منهم الردة وقع في بعض النفوس الضعيفة أن هؤلاء اليهود لو لم يتبينوا خطأ هذا الدين لما رجعوا عنه.

ومنهم من لم يعرف حقائق الدين ولم يتلق عقائده ببراهين تربط على قلبه ليكون من الموقنين فمتى عرضت له شبهة من الباطل تزلزلت عقيدته وأصبح في ريبه مترددا.

وقد يكون ممن يريد إطلاق العنان لشهواته أيا كانت فلا يريد أن يقف الدين عائقا له عن ذلك.

ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا لاصدد أن للإنسان قبل أن يؤمن بالإسلام الحق في أن يؤمن أو يكفر فإذا رغب في اعتناق أي دين من الأديان فلا اعتراض عليه ويبقى له حق الحياة والأمن والعيش بسلام.

وإذا رغب في الإسلام ودخل فيه وآمن به فعليه أن يخلص له ويتجاوب معه.

ص: 82

فإذا ارتد عن الإسلام بعد ذلك ونبذ قواعده وسفه شعائره ومقدساته – فهل من حقه أن يطالب المسلمين بأن يهيؤا له الحياة الكريمة؟!

إن محاولة إقناع المسلمين بهذا الوضع سفه وضلال.

وأخيرا فإن المرتد لا تثبت ردته إلا بشهادة اثنين أو اعترافه أو نطقه بذلك.

وإذا ثبتت ردته طولب بالعودة والرجوع إلى الدين.

وإذا أصر فليس لأي أحد أن يقوم بقتله وإنما ذلك لولي أمر المسلمين.

ص: 83