الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
إن الحمد لله نحمده ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلَاّ الله وحده لا شريك له، وأشهذ أن محمدًا عبده ورسوله.
أمّا بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: فهذا كتاب للإمام الحافظ الواعظ ابن أبي الدنيا، فيه حثٌّ على العزلة، وترغيب في الإنفراد، وترك المخالطة.
والعُزلة اختلف فيها الناس بين مؤيد لها، وبين رافض لها.
فذهب إلى اختيار العزلة، وتفضيلها على المخالطة: سفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم، وداود الطائي، وفضيل بن عياض، وسليمان الخواص، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشي، وبشر الحافي، كذا في " الإحياء "(2/22) .
أمّا من رفضها وفضل المخالطة: سعيد بن المسيب، والشَّعبي، وابن أبي ليلى، وهشام بن عروة، وابن شبرمة، وشُريح القاضي، وشريك بن عبد الله، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد ابن جنبل، وجماعة. الإحياء (2/222) .
وقد احتجَّ هؤلاء بما رواه مسلم وغيره، من حديث أبي هريرة، مرفوعًا بلفط:" من ترك الجماعة فمات فميتته جاهلية ".
قال الغزالي أبو حامد في " الإحياء "(2/222) : " وهذا ضعيف ـ أي رأي ضعيف وليس الحديث ـ لأن المراد به: الجماعة التي اتفقت آراؤهم على لإمام بعقد البيعة، فالخروج عليهم بغي، وذلك مخالفة بالرأي وخروج عليهم، وذلك محظور لاضطرار الخلق إلى الإمام يجمع رأيهم، ولا يكون ذلك إلَاّ بالبيعة
من الأكثر، فالمخالفة تشويش مثير للفتنة، فليس في هذا تعرض للعزلة اهـ.
وللمزيد انظر: الإحياء (2/222 ـ 224) .
وعن فوائد العزلة، يقول الغزالي في: الإحياء " (2/226 ـ وما بعدها) :
الفائدة الأولى: التفرغ للعبادة والفكر والاستئناس بمناجات الله تعالى عن مناجاة الخلق.
الفائدة الثانية: التخلص بالعزلة عن المعاصي التي يتعرض الإنسان لها غالبًا بالمخالطة، ويسلم منها في الخلوة، وهي أربع " الغيبة، والنميمة، والرياء، والسكوت عن الأمر بالمعروف الونهي عن المنكر، ومسارقة الطبع من الأخلاق الرديئة، والأعمال الخبيثة التي يوجبها الحرص على الدنيا.
الفائدة الثالثة: الخلاص من الفتن والخصومات وصيانة الدين والنفس عن الخوض فيها والتعرض لأخطارها، وقلما تخلو البلاد عن تعصبات وفتن وخصومات، فالمعتزل عنهم في سلامة منها.
الفائدة الرابعة: الخلاص من شر الناس.
الفائدة الخامسة: أن ينقطعَ الناسُ عنك، وينقطع طمعك عن الناس.
الفائدة السادسة: الخلاص من مشاهدة الثقلاء، والحمقى، ومقاساة حمقهم وأخلاقهم، فإن رؤية الثقيل هي العمى الأصغر. اهـ بتصرف.
وقال أبو حاتم بن حِبَّان في " روضة العقلاء "(ص 81) : " الواجب على العاقل لزوم الاعتزال عن الناس عامًا، مع توقي مخالطتهم؛ إذ الاعتزال من الناس لو يُكَدِّر وجود السلامة بلزوم السبب المؤدي إلى المناقشة ".
وللمزيد انظر: مختصر منهاج القاصدين (ص 111 ـ 114) ، وموعظة المؤمنين للقاسمي (2/132) ، والأمر بالعزلة، لابن الوزير (ص 27 ـ وما بعده / ط. دار الصحابة للتراث) .
آفات العزلة:
أمّا آفات العزلة فهي سبع، في العزلة حرمان منها وابتعاد عنها وهي:
1 -
التعليم والتعلم، وهما أعظم العبادات، والعزلة قبل تعلم العلم المفروض عصيان.
2 -
النفع والانتفاع، لأن كلاٌّ منهما بالمخالطة.
3 -
التأديب والتأدب، بقهر الشهوات، وهو أفضل من العزلة لمن لم تتهذب بعد أخلاقه.
4 -
الاستئناس والإيناس، وذلك قد يكون حرامًا، كمجالس الغيبة واللهو وقد يكون مباحًا في الدين، كمجالسة المشايخ، وأهل العلم.
5 -
في نيل الثواب وإنالته، وذلك بحضور الصلوات الخمس في جماعة، وصلاة العيدين، وعيادة المريض، وحضرو الجنائز، وغيرها، وهذا لا يأتي إلَاّ بالمخالطة.
6 -
التجارب في كل شيء، وهذا لا يأتي إلَاّ بالمخالطة.
7 -
التواضع، ولايقدر عليه من الوحدة، وقد يكون أيضًا أكبر سبب في اختيار العزلة.
وانظر للمزيد " الإحياء (2/236 ـ 134) .
قلت: وجملة القول في هذه المسألة ما قاله عليُّ ملا القاريّ في " مرقاة المفاتيح "(4/743) : " والمختار هو: التوسط بين العُزلةِ عن أكثر الناسِ وعوامِّهم، والخُلطة بالصاحين، والاجتماع مع عامتهم في نحو جمعهم وجماعتهم " اهـ.
وكتابنا هذا سيوضح هذا الموضوع بجلاء، والله الموفق لما فيه الخير.
كتبه
مسعد عبد الحميد محمد السعدنى
عفا الله عنه وعن والديه