المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لماذا اعتزل طاوس - العزلة والانفراد

[ابن أبي الدنيا]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ترجمة مختصرة لابن أبي الدنيا

- ‌وصف المخطوط وتوثيقه

- ‌طرة الغلاف

- ‌تراجم رجال هذا الإسناد:

- ‌1 - ترجمة أبي عليّ البَرْذعِي

- ‌2 - ترجمة أبي عبد الله بن دوست

- ‌3 - ترجمة أبي محمد التميمي

- ‌4 - ترجمة أبي الكرم الشهرزوري

- ‌5 - ترجمة أبي الحسن الأزجي

- ‌6 - ترجمة أبي العباس الأزدي

- ‌إسنادي الكتاب

- ‌الجزء الأول من كتابالعزلة ولإنفراد

- ‌رَبِّ يَسِّرْ بِرَحْمَتِكَ

- ‌مَا النَّجَاةُ

- ‌طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَه

- ‌مِنْ وَصَايَا ابْنِ مَسْعُودٍ

- ‌مِنْ وَصَايَا أَبِي الدَّرْدَاءِ

- ‌مَنْ أَعْجَبُ النَّاسِ

- ‌مِنْ أُمْنِيَاتِ ابْنِ مَسْعُودٍ

- ‌أَبُو الْجُهَيْمِ وَالْعُزْلَةُ

- ‌وَهَلْ يُفْسِدُ النَّاسَ إِلا النَّاسُ

- ‌الْعُزْلَةُ أَسْلَمُ

- ‌وَجَدْتُ مُجَالَسَةَ النَّاسِ شَرًّا

- ‌صِفَةُ خَيْرِ النَّاسِ

- ‌مِنْ كَلامِ الْفَارُوقِ فِي الْعُزْلَةِ

- ‌الْعُزْلَةُ عِبَادَةٌ

- ‌خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ

- ‌خَيْرُ مَعَايِشِ النَّاسِ

- ‌خَيْرُ النَّاسِ مَنْزِلَةً

- ‌الْعُزْلَةُ رَاحَةٌ

- ‌اتَّقُوا النَّاسَ

- ‌مِنْ كَلامِ دَاوُدَ الطَّائِيِّ فِي الْعُزْلَةِ

- ‌التَّرْغِيبُ فِي الْعُزْلَةِ

- ‌مِنْ كَلامِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي الْعُزْلَةِ

- ‌السَّلامَةُ فِي الْعُزْلَةِ

- ‌مَا يَحْمِلُكَ عَلَى الاعْتِزَالِ

- ‌أَبُو الْجُهَيْمِ وَالْعُزْلَةُ

- ‌مِنْ كَلامِ الْفُضَيْلِ فِي الْعُزْلَةِ

- ‌مِنْ آفَاتِ الْمُخَالَطَةِ

- ‌وَهَلِ الأُنْسُ الْيَوْمَ إِلا فِي الْوِحْدَةِ

- ‌مَعَ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ

- ‌الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ

- ‌تَفَقَّهْ ثُمَّ اعْتَزِلْ

- ‌مَعَ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ

- ‌فِرَّ مِنَ النَّاسِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ

- ‌الْعُزْلَةُ عِبَادَةٌ

- ‌اسْتِشَارَةٌ

- ‌نَصَائِحُ غَالِيَةٌ

- ‌الْعُزْلَةُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ

- ‌مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ وَالْعُزْلَةُ

- ‌خَيْرُ أَنِيسٍ

- ‌حَالُ الرَّجُلِ عِنْدَ ذِكْرِهِ لِلْقَبْرِ

- ‌مَعَ سُلَيْمَانَ الْخَوَّاصِ

- ‌مَنْ لَمْ يَأْنَسْ بِاللَّهِ لَمْ يَأْنَسْ بِشَيْءٍ

- ‌مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ

- ‌كُرْزُ بْنُ وَبْرَةَ وَالْعُزْلَةُ

- ‌مِنْ صِفَاتِ خَيْرِ النَّاسِ

- ‌حِكَايَاتُ مَالِكٍ عَنِ الْمُعْتَزِلِينَ

- ‌الْزَمْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ

- ‌مِنْ مَوَاعِظِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ

- ‌مِنْ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ

- ‌الْعُمَرِيُّ وَالْعُزْلَةُ

- ‌مِنْ أَدْعِيَةِ الْمُعْتَزِلِينَ

- ‌عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَالْعُزْلَةُ

- ‌مَعَ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ

- ‌مَعَ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ

- ‌عُزْلَةُ النَّاسِ مِنَ الْحِكْمَةِ

- ‌تَفْسِيرُ الْعُزْلَةِ

- ‌الْعُزْلَةُ فِي اللِّسَانِ

- ‌مِنْ مَوَاعِظِ الْحُكَمَاءِ

- ‌الْعُزْلَةُ وَالشُّعَرَاءُ

- ‌مِنْ وَصَايَا الأَبْرَارِ

- ‌خَيْرُ النَّاسِ مَنْزِلَةً

- ‌مِنْ كَلامِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي الْعُزْلَةِ

- ‌لِمَ خَلَوْتَ

- ‌لِمَاذَا اعْتَزَلَ طَاوُسٌ

- ‌مَعَ سَيِّدِ التَّابِعِينَ

- ‌الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِالْعُزْلَةِ والانفراد

- ‌رَبِّ يَسِّرْ بِرَحْمَتِكَ

- ‌لِمَاذا اعْتَزَلَ عُرْوَةُ

- ‌مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ

- ‌الْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ

- ‌مِنْ مَوَاعِظِ الصَّالِحِينَ

- ‌مِنْ مَوَاعِظِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ

- ‌مِنْ وَصَايَا دَاوُدَ الطَّائِيِّ

- ‌كُونُوا مَصَابِيحَ الْهُدَى

- ‌بِشْرِ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْعُزْلَةُ

- ‌مِنْ وَصَايَا إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ

- ‌مِنْ وَصَايَا سِمَاكِ بْنِ سَلَمَةَ

- ‌مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ

- ‌رَدُّ جَمِيلٍ

- ‌خَيْرُ النَّاسِ

- ‌مِنْ مَوَاعِظِ مُجَاهِدٍ

- ‌كَلامٌ فَاسِدٌ

- ‌مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ

- ‌مِنْ مَوَاعِظِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ

- ‌الثَّلاثُ الْمُنْجِيَاتُ

- ‌جَلِيسُ الصِّدْقِ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ

- ‌مَعَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ

- ‌مِنْ أُمْنِيَاتِ حُذَيْفَةَ

- ‌مِنْ وَصَايَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ

- ‌مَعَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عليهما السلام

- ‌مَعَ سَيِّدِ الْعَابِدِينَ

- ‌الْعُزْلَةُ وَالشُّعَرَاءَ

- ‌الْمَجَالِسُ الثَّلاثَةُ

- ‌كَيْفَ النَّجَاةُ

- ‌أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ

- ‌مِمَّ يَعْجَبُ رَبُّنَا عز وجل

- ‌مِنْ وَصَايَا رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم

- ‌مِنْ عَلامَاتِ السَّاعَةِ

- ‌مَنْ أَفْضَلُ النَّاسِ

- ‌وَصِيَّةٌ جَامِعَةٌ

- ‌أُوَيْسٌ وَالْعُزْلَةُ

- ‌الْقَبْرُ لا يَأْكُلُ الإِيمَانَ

- ‌مِنْ كَلامِ الْحُكَمَاءِ فِي الْعُزْلَةِ

الفصل: ‌لماذا اعتزل طاوس

111 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيُم بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ صَالِحٍ، قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا سِنَانٍ، قَالَ: فَسَأَلَنِي عَنْ مَنْزِلِي، فَقُلْتُ: بِبَنِي ثَوْرٍ، قَالَ: الْمَحِلِّ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، ثَوْرَ هَمَذَانَ هَهُنَا فِي بَطْنِ الْكُوفَةِ، قَالَ: فَأَسَرَّ إِلَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ مَنْزِلَكَ بَعِيدٌ فَاذْكُرِ اللَّهَ عز وجل، فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَنْ تَبْلُغَ.

ص: 49

‌لِمَاذَا اعْتَزَلَ طَاوُسٌ

؟

112 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا الْفِرْيَابِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: كَانَ طَاوُسٌ يَجْلِسُ فِي بَيْتِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: هِبْتُ حَيْفَ الأَمِيرِ، وَفَسَادَ النَّاسِ (1) .

(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية "(4/4) ، من طريق ابن أبي الدنيا، به

ص: 49

113 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَشْهَبَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ طَاوُسٌ يَرْجِعُ مِنَ الْحَجِّ فَيَدْخُلُ بَيْتَهُ، فَلا يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الْحَجِّ مِنْ قَابِلَ، قَالَ: وَكَانَ طَاوُسٌ يَصْنَعُ الطَّعَامَ وَيَدْعُو لَهُ الْمَسَاكِينَ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: لَوْ صَنَعْتَ طَعَامًا دُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لا يَكَادُونَ يَجِدُونَهُ (1) .

(1) إسناده ضعيف: فيه جهالة من حدّث ابن أبي الدنيا.

ص: 49

‌مَعَ سَيِّدِ التَّابِعِينَ

114 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الطُّفَاوِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ شُمَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ: شُمَيْطٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ الْعِجْلِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو الضَّحَّاكِ الْجَرْمِيُّ، عَنْ هَرِمِ بْنِ حَيَّانَ الْعَبْدِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَلَمْ يَكُنْ لِي هَمٌّ إِلا أُوَيْسٌ الْقَرْنِيُّ أَطْلُبُهُ وَأَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى سَقَطْتُ عَلَيْهِ جَالِسًا وَحْدَهُ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ نِصْفَ النَّهَارِ، يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ ثَوْبَهُ، فَعَرَفْتُهُ بِالنَّعْتِ

⦗ص: 50⦘

الَّذِي نُعِتَ لِي، فَإِذَا رَجُلٌ لَحِيمٌ، آدَمُ شَدِيدُ الأُدْمَةِ، أَشْعَرُ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، عَلَيْهِ إِزَارٌ مِنْ صُوفٍ، بِغَيْرِ حِذَاءٍ، كَرِيمُ الْوَجْهِ، مَهِيبُ الْمَنْظَرِ جِدًّا، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ وَنَظَرَ إِلَيَّ، فَقَالَ: حَيَّاكَ اللَّهُ مِنْ رَجُلٍ، وَمَدَدْتُ يَدِي إِلَيْهِ لأُصَافِحَهُ، فَأَبَى أَنْ يُصَافِحَنِي، فَقَالَ: وَأَنْتَ فَحَيَّاكَ اللَّهُ، فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أُوَيْسُ وَغَفَرَ لَكَ، كَيْفَ، أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ ثُمَّ خَنَقَتْنِي الْعَبْرَةُ مِنْ رَحْمَتِي إِيَّاهُ، وَرِقَّتِي لَهُ إِذْ رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِ مَا رَأَيْتُ، حَتَّى بَكَيْتُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: وَأَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ! كَيْفَ أَنْتَ يَا أَخِي، مَنْ دَلَّكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ، قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا [سورة الإسراء آية 108] ، فَعَجِبْتُ مِنْهُ حِينَ عَرَفَنِي وَسَمَّانِي، وَلا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ وَلا رَآنِي، قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ عَرَّفْتَنِي اسْمَ أَبِي؟ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُكَ قَطُّ قَبْلَ الْيَوْمِ، قَالَ: نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [سورة التحريم آية 3] ، عَرَفَتْ رُوحِي رُوحَكَ حَيْثُ كَلَّمَتْ نَفْسِي نَفْسُكَ، إِنَّ الأَرْوَاحَ لَهَا أَنْفُسٌ كَأَنْفُسِ الأَجْسَادِ، إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَتَحَابُّونَ بِرُوحِ اللَّهِ عز وجل، وَإِنْ لَمْ يَلْقَوْا وَيَتَعَارَفُوا وَيَتَكَلَّمُوا، وَإِنْ نَأَتْ بِهِمُ الدِّيَارُ، وَتَفَرَّقَتْ بِهِمُ الْمَنَازِلُ.

قُلْتُ: حَدِّثْنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، بِحَدِيثٍ مَعَهُ عَنْكَ، قَالَ: إِنِّي لَمْ أُدْرِكْ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ تَكُنْ لِي صُحْبَةٌ، وَلَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ رِجَالا قَدْ رَأَوْهُ، وَقَدْ بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِهِ كَبَعْضِ مَا بَلَغَكُمْ، وَلَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَفْتَحَ هَذَا الْبَابَ عَلَى نَفْسِي، لا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مُحَدِّثًا وَلا قَاصًّا وَلا مُفْتِيًا، لِي فِي نَفْسِي شُغْلٌ عَنِ النَّاسِ يَا هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ، قَالَ: قُلْتُ: أَيْ أَخِي! اقْرَأْ عَلَيَّ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، عز وجل، أَسْمَعُهُنَّ مِنْكَ، فَإِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ حُبًّا شَدِيدًا، أَوِ ادْعُ لِي بِدَعَوَاتٍ، أَوْ أَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ أَحْفَظُهَا عَنْكَ، فَأَخَذَ بِيَدِي عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ: ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً،

⦗ص: 51⦘

قَالَ: ثُمَّ بَكَى مَكَانَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَبِّي، وَأَحَقُّ الْقَوْلِ قَوْلُ رَبِّي وَأَصْدَقُ الْحَدِيثِ حَدِيثُهُ، وَأَحْسَنُ

الْكَلامِ كَلامُهُ: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [سورة الدخان آية 38] حَتَّى بَلَغَ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [سورة الدخان آية 42] . قَالَ: ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً، ثُمَّ سَكَنَ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَحْسَبُهُ قَدْ غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ! مَاتَ أَبُوكَ، وَيُوشِكُ أَنْ تَمُوتَ، وَمَاتَ أَبُو حَيَّانَ، فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَمَاتَ آدَمُ، وَمَاتَتْ حَوَّاءُ يَابْنَ حَيَّانَ، وَمَاتَ نُوحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ يَابْنَ حَيَّانَ، وَمَاتَ مُوسَى نَجِيُّ الرَّحْمَنِ يَابْنَ حَيَّانَ، وَمَاتَ دَاوُدُ خَلِيفَةُ الرَّحْمَنِ، وَمَاتَ مُحَمَّدٌ، رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ الْمُسْلِمِينَ يَابْنَ حَيَّانَ، وَمَاتَ أَخِي وَصَدِيقِي وَصَفِيِّي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ قَالَ: وَاعُمَرَاهُ! رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَعُمَرُ يَوْمَئِذٍ حَيٌّ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ خِلافَتِهِ، فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ! إِنَّ عُمَرَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ، قَالَ: بَلَى، إِن رَبِّي قَدْ نَعَاهُ إِلَيَّ، إِنْ كُنْتَ تَفْهَمُ، فَقَدْ عَلِمْتَ مَا قُلْتُ، وَأَنَا وَأَنْتَ فيِ الْمَوْتَى غَدًا، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَدَعَا بِدَعَوَاتٍ خِفَافٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ وَصِيَّتِي إِيَّاكَ يَا هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ: كِتَابُ اللَّهِ، عز وجل، وَبَقَايَا الصَّالِحِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، نَعَيْتُ لَكَ نَفْسِي وَنَفْسَكَ، فَعَلَيْكَ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، فَلا يُفَارِقْنَ قَلْبَكً طرفة عَيْنٍ مَا بَقِيتُ، وَأَنْذِرْ قَوْمَكَ إِذَا رَجَعْتَ

إِلَيْهِمْ، وَانْصَحْ لأَهْلِ مِلَّتِكَ جَمِيعًا، وَاكْدَحْ لِنَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ وَإِيَّاكَ أَنْ تُفَارِقَ الْجَمَاعَةَ، فَتُفَارِقَ دِينَكَ وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ، فَتَدْخُلَ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَا هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فِيكَ، وَزَارَنِي فِيكَ، مِنْ أَجْلِكَ عَرَفَنِي وَجْهُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَدْخِلْهُ عَلَيَّ زَائِرًا فِي دَارِكَ دَارِ السَّلامِ، وَاحْفَظْهُ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا حَيْثُ مَا كَانَ، وَضُمَّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَرَضِّهِ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ، وَمَا أَعْطَيْتَهُ مِنَ الدُّنْيَا، فَيَسِّرْهُ لَهُ، وَاجْعَلْهُ لِمَا تُعْطِيهِ مِنْ نِعَمِكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ، اجْزِهِ عَنِّي خَيْرَ الْجَزَاءِ، أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ يَا هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ، وَالسَّلامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.

⦗ص: 52⦘

ثُمَّ قَالَ: لا أَرَاكَ بَعْدَ الْيَوْمِ رَحِمَكَ اللَّهُ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الشُّهْرَةَ، وَالْوَحْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ، لأَنِّي كَثِيرُ الْغَمِّ، شَدِيدُ الْهَمِّ مَا دُمْتُ مَعَ هَؤُلاءِ النَّاسِ حَيًّا فِي الدُّنْيَا، وَلا تَسْأَلْ عَنِّي وَلا تَطْلُبْنِي، وَاعْلَمْ أَنَّكَ مِنِّي عَلَى بَالٍ، وَإِنْ لَمْ أَرَكَ وَلَمْ تَرَنِي، فَاذْكُرْنِي وَادْعُو لِي، فَإِنِّي سَأَذْكُرُكَ، وَأَدْعُو لَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، انْطَلِقْ هَهُنَا حَتَّى آخُذَ أَنَا هَهُنَا ، فَحَرَصْتُ عَلَى أَنْ أَمْشِيَ مَعَهُ سَاعَةً، فَأَبَى عَلَيَّ، فَفَارَقْتُهُ يَبْكِي وَأَبْكِي، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي قَفَاهُ حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ السِّكَكِ، فَكَمْ طَلَبْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَمَا وَجَدْتُ أَحَدًا يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ، وَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمُعَةٌ إِلا وَأَنَا أَرَاهُ فِي مَنَامِي مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَمَا قَالَ (1) .

آخِرُ الْجُزْءِ الأَوَّلِ مِنَ الأَصْلِ، وَيَتْلُوهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا وَكِيعٌ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ، كَتَبَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ سَاعَةٍ: الْعَبْدُ الضَّعِيفُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْغَنَائِمِ الْمُسْلِمِ بْنِ حَمَّادِ بْنِ مَيْسَرَةَ الأَزْدِيُّ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلأَبَوْيِه وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ أَجْمَعِينَ.

(1) القصة لا تصح، وفيها ما ينكر: والخبر في " زهد الثمانية من التابعين "(ص 79 ـ 87) ، رواية ابن أبي حاتم، وأبو نعيم في " الحلية "(2/84 ـ 85) ، والذهبي في " السير "(4/28 ـ 29)، وقال عقب إيرادها:" لم تصح، وفيها ما ينكر " اه. وانظر: هامش زهد الثمانية.

ص: 49