الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُوَيْسٌ وَالْعُزْلَةُ
206 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ هَارُونَ الْبُرْجُمِيِّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ سَابُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ، عَنْ هَرِمِ بْنِ حَيَّانَ، قَالَ: قَالَ أُوَيْسٌ الْقَرْنِيُّ: " الْوَحْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ "(1) .
(1) ضعيف: أخرجه ابن سعد (7/131 ـ 132) ، وعبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد "(345) ، من طريق سيف بن هارون، به قلت: وسيف ضعيف، وفيه راوٍ مجهول.
الْقَبْرُ لا يَأْكُلُ الإِيمَانَ
207 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا النُّعْمَانِ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ يَغْشَى السُّلْطَانَ وَيُصِيبُ مِنْهُمْ، فَتَرَكَ ذَلِكَ، وَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ، فَأَتَاهُ أَهْلُهُ وَبَنُوهُ، فَقَالُوا: تَرَكْتَ السُّلْطَانَ وَحَظَّكَ مِنْهُ؟ فَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ لَتَمُوتَنَّ هَرْسًا، فَقَالَ: يَا بَنِيَّ! وَاللَّهِ لأَنْ أَمُوتَ مُؤْمِنًا مَهْرُوسًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ مُنَافِقًا سَمِينًا، قَالَ الْحَسَنُ رحمه الله: عَلِمَ وَاللَّهِ، أَنَّ الْقَبْرَ يَأْكُلُ الشَّحْمَ وَاللَّحْمَ، وَلا يَأْكُلُ الإِيمَانَ (1) .
(1) إسناده صحيح: وأبو النعمان هو ـ محمد بن الفضل عارم السدوسي.
مِنْ كَلامِ الْحُكَمَاءِ فِي الْعُزْلَةِ
208 -
قَالَ الْحُسَيْنُ: قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَكَانَ مِنَ الْحُكَمَاءِ: لَمْ نَجِدْ شَيْئًا أَبْلَغَ فِي الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا مِنْ ثَبَاتِ حُزْنِ الآخِرَةِ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ، وَمَنْ ثَبُتَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ، آنَسَهُ بِالْوَحْدَةِ، فَأَنِسَ بِهَا، وَاسْتَوْحَشَ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَذَلِكَ حِينَ يَرَى عُذُوبَةَ حُبِّ الْخَلْوَةِ فِي أَعْضَائِهِ كَمَا يَجْرِي الْمَاءُ فِي أُصُولِ الشَّجَرَةِ فَأَوْرَقَتْ أَغْصَانُهَا،
وَأَثْمَرَتْ عِيدَانُهَا، وَلَزِمَهُ حُزْنُ مَا يُحْزِنُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَخَالَطَ سُوَيْدَاءَ قَلْبِهِ، فَهَاجَ مِنَ الْخَلْوَةِ فُنُونٌ مِنْ أُصُولِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا صَارَ الْعَبْدُ إِلَى دَرَجَةِ الْخَلْوَةِ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَدَامَ عَلَيْهِ، نَقَلَهُ ذَلِكَ إِلَى حُبِّ الْخَلْوَةِ، فَأَوَّلُ مَا يَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: طَلَبُ الْعَبْدِ الإِخْلاصَ وَالصِّدْقَ فِي جَمِيعِ قَوْلِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَوَرَّثَتْهُ الْخَلْوَةُ رَاحَةَ الْقَلْبِ مِنْ غُمُومِ الدُّنْيَا، وَتَرْكَ مُعَامَلَةِ الْمَخْلُوقِينَ فِي الأَخْذِ وَالإِعْطَاءِ. وَسَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمُدَاهَنَةُ النَّاسِ. وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: خُمُولُ النَّفْسِ، وَالإِغْمَاضُ فِي النَّاسِ، وَهُوَ أَوَّلُ طَرِيقِ الصِّدْقِ، وَمِنْهُ الإِخْلاصُ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: الزُّهْدُ فِي مَعْرِفَةِ النَّاسِ، وَالأُنْسُ بِاللَّهِ وَالاسْتِثْقَالُ بِمُجَالَسَةِ غَيْرِ أَهْلِ الذِّكْرِ، وَيُورِثُ حُبُّ الْخَلْوَةِ، طُولَ الصَّمْتِ فِي غَيْرِ تَكَلُّفٍ، وَغَلَبَةَ الْهَوَى، وَهُوَ الصَّبْرُ، وَمِنْهَا يَظْهَرُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: شُغْلُ الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ، وَقِلَّةُ اشْتِغَالِهِ بِذِكْرِ غَيْرِهِ، وَطَلَبُ السَّلامَةِ مِمَّا فِيهِ النَّاسُ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: كَثْرَةُ الْهُمُومِ وَالأَحْزَانِ، مِنْهُ مَا يُهَيِّجُ الْفِكْرَ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ وَمَخْرَجُهُ مِنْ خَالِصِ الذِّكْرِ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: الأَعْمَالُ الَّتِي تَغِيبُ عَنْ أَعْيُنِ الْعِبَادِ وَتَظْهَرُ لِلَّهِ، وَقَلِيلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الصِّدْقِ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: التَّيَقُّظُ مِنْ غَفْلَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَفَقْدُ أَخْبَارِ مَا يُذْكَرُ مِنْهَا فِي الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَيُورِثُ حُبُّ الْخَلْوَةِ: قِلَّةَ الرِّيَاءِ، وَالتَّزَيُّنِ لِلْمَخْلُوقِينَ، وَذَلِكَ مِنْ دَوَاعِي الإِخْلاصِ، وَهُوَ مَحْضُ الصِّدْقِ.
وَيُورِثُ حُبُّ الْخَلْوَةِ: تَرْكَ الْخُصُومَةِ وَالْجِدَالِ، وَهُمَا يَنْفِيَانِ طَلَبَ الرِّئَاسَةِ، وَيُسْلِمَانِ إِلَى الصِّدْقِ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: إِمَاتَةُ الطَّمَعِ وَدَوَاعِيهِ مِنَ الْحِرْصِ وَالرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَفِيهِ قُوَّةٌ لِلْعَمَلِ، وَيُورِثُ حُبُّ الْخَلْوَةِ: قِلَّةَ الْغَضَبِ، وَالْقُوَّةَ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ، وَتَرْكَ الْحِقْدِ وَالشَّحْنَاءِ، وَالْعَمَلَ بِسَلامَةِ الصَّدْرِ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: رِقَّةُ الْقُلُوبِ وَالرَّحْمَةُ، وَهُمَا يَنْفِيَانِ الْغِلْظَةَ وَالْقَسْوَةَ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: تَذَكُّرُ النِّعَمِ وَطَلَبُ الإِلْهَامِ لِتُشْكَرَ، وَالزِّيَادَةَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَيَهِيجُ مِنْ حُب
الْخَلْوَةِ: وُجُودُ حَلاوَةِ الْعَمَلِ، وَالنَّشَاطُ فِي الدُّعَاءِ بِحُزْنٍ مِنَ الْقَلْبِ وَتَضَرُّعٍ وَاسْتِكَانَةٍ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: الْقُنُوعُ، وَالتَّوَكُّلُ، وَالرِّضَى بِالْكَفَافِ، وَالاسْتِغْنَاءِ بِالْعَفَافِ عَنِ النَّاسِ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: عُزُوفُ النَّفْسِ عَنِ الدُّنْيَا، وَالشَّوْقُ إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ، عز وجل، وَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ، وَخَوْفِ النَّقْصِ فِي الدِّينِ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: حَيَاةُ الْقَلْبِ، وَضِيَاءُ نُورِهِ وَنَفَاذُ بَصَرِهِ بِعُيُوبِ الدُّنْيَا، وَمَعْرِفَتُهُ بِالنَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ فِي دِينِهِ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: الإِنْصَافُ لِلنَّاسِ، وَالإِقْرَارُ بِالْحَقِّ، وَإِذْلالُ النَّفْسِ بِالتَّوَاضُعِ، وَتَرْكُ الْعُدْوَانِ.
وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: خَوْفُ وُرُودِ الْفِتَنِ الَّتِي فِيهَا ذَهَابُ الدِّينِ، وَالشَّوْقُ إِلَى الْمَوْتِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُسْلَبَ الإِسْلامُ، وَيَهِيجُ مِنْ حُبِّ الْخَلْوَةِ: الْوَحْشَةُ مِنَ النَّاسِ، وَالاسْتِثْقَالُ لِكَلامِهِمْ، وَالأُنْسُ بِكَلامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ نُورًا وَشِفَاء لِلْمُؤْمِنِينَ وَحُجَّةً وَوَبَالا عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَاجْعَلْهُ مَفْزَعَكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَلْجَأُ، وَحِصْنَكَ الَّذِي بِهِ تَعْتَصِمُ، وَكَهْفَكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَأْوِي، وَدَلِيلَكَ الَّذِي بِهِ تَهْتَدِي، وَشِعَارَكَ وَدِثَارَكَ وَمَنْهَجَكَ وَسَبِيلَكَ، وَإِذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكَ الطُّرُقُ، وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْكَ الأُمُورُ، وَصِرْتَ فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِكَ، وَضَاقَ بِهَا صَدْرُكَ، فَارْجِعْ إِلَى عَجَائِبِ الْقُرْآنِ الَّذِي لا حَيْرَةَ فِيهِ، فَقِفْ عَلَى دَلائِلِهِ مِنَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّشْوِيقِ، وَإِلَى مَا نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الطَّاعَةِ وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، فَإِنَّكَ تَخْرُجُ مِنْ حَيْرَتِكَ، وَتَرْجِعُ عَنْ جَهَالَتِكَ، وَتَأْنَسُ بَعْدَ وَحْدَتِكَ، وَتَقْوَى بَعْدَ ضَعْفِكَ، فَلْيَكُنْ دَلِيلَكَ دُونَ الْمَخْلُوقِينَ، تَفُزْ مَعَ الْفَائِزِينَ، وَلا تَهُذَّهُ كَهَذِّ الشِّعْرِ، وَقِفْ عِنْدَ عَجَائِبِه، وَمَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ، فَرُدَّهُ إِلَى عَالِمِهِ، وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (1) .
(1) إسناده ضعيف جدًّا:
فيه: يحي بن سعيد العطار الأنصاري، ضعَّفه جماهير العلماء، انظر " تهذيب الكمال "(31/343 ـ 346) ، وأبو عبد الله الباهلي، لم أهتد إليه.
الهذ: الإسراع في قراءة القرآن وهو غير محمود.
آخِرُ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْعُزْلَةِ، وَهُوَ آخِرُ الْكِتَابِ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
ِِ
كَتَبَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ سَمَاعِهِ وَالَّذِي قَبْلَهُ: الْعَبْدُ الضَّعِيفُ الرَّاجِي عَفْوَ اللَّهِ، تَعَالَى: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْغَنَائِمِ الْمُسْلِمِ بْنِ حَمَّادِ بْنِ مَيْسَرَةَ الأَزْدِيُّ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلأَبَوَيْهِ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَوَافَقَ الْفَرَاغَ مِنْ تَعْلِيقِهِ فِي لَيْلَةٍ يُسْفِرُ صَبَاحُهَا عَنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَالِثَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الأُولَى عَامَ 624 هـ بِدِمَشْقَ، حَرَسَهَا اللَّهُ، تَعَالَى، وَسَائِرَ بِلادِ الإِسْلامِ (1) .
(1) تم التحقيق والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ونسأل الله تعالى أن نلقاكم في مؤلَّف آخر للواعظ المحدث ابن أبي الدنيا.
ونسأله تعالى التوفيق والهداية لنا ولكم