الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
وبعد، فهذه سلسلة متتابعة حول العلمانية أبدؤها بهذه الرسالة، التي جعلتها طليعة لباقي السلسلة، أي: بمثابة المقدمة العامة لها، تمهيدا لبحوثها وتأسيسا لمواضعها، ولهذا تمحورت حول مفهوم العلمانية وأسبابها ومظاهرها وتاريخها وتطورها وآثارها وغير ذلك.
وستتلوها إن شاء الله سلسلة تضم أبحاثا عديدة نَجَز بعضها، وبعضها في الطريق إلى الإنجاز. منها:
1.
الإسلام في نظر العلمانيين. وهو تحت الطبع بحمد الله.
2.
موقف القرآن من العلمانية. وقد فرغت منه.
3.
موقف السنة من العلمانية.
4.
ماذا تريد العلمانية؟. وقد فرغت منه.
5.
ماذا يعني تطبيق الشريعة؟
6.
العلمانية والمذهب المالكي.
7.
المذهب المالكي والقوانين المغربية.
8.
النصوص الواردة في الفقه السياسي الإسلامي.
9.
الأخبار الواردة في جمع المصحف وتدوينه. دراسة حديثية نقدية.
10.
الأخبار الواردة في الحنفاء: دراسة حديثية نقدية.
11.
الأخبار الواردة في الخلافة الراشدة. دراسة حديثية نقدية.
12.
المعتزلة والصوفية، والتوظيف العلماني.
وستصدر تباعا إن شاء الله، وقد يحصل فيها تقديم وتأخير.
هذا وتبقى بحوث كثيرة في حاجة إلى من يتصدى لها، لأنها تعتبر أحد أهم ركائز المشروع العلماني منها:
1 -
دراسة تاريخ الأديان، وبيان أن الأديان سماوية، وليست مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري، ودحض جميع الشبهات التي تثار حول الموضوع.
وعلم تاريخ الأديان علم غربي، نشأ في وسط إلحادي ينكر الأديان، ويبحث لها عن مبررات وجودها، ولهذا اصطبغ بصبغة إيديولوجية أكثر منها علمية معرفية.
فأغلب الباحثين الغربيين فيه وقبل كتابة بحوثهم لا يرون في الدين إلا خرافة نسجها العقل البشري، فكيف نتحدث عن نزاهة البحث العلمي وحياديته؟ هنا يكون البحث العلمي محكوما بآراء مسبقة يصعب تجاهلها (1).
2 -
دراسة علوم قراءة النص كالسميولوجيا، والهرمنيوطيقا، والألسنية، والأسلوبية، وعلم السرد، وبيان ما لها وما عليها وإبراز اختلاف اجتهادات رموزها، وأن ما فيها من مناهج صحيحة لقراءة النص لا يمكن أن تؤدي إلا إلى قراءة صحيحة للنص الديني، وأن الآفة من القارئ لا من المنهج، الذي يريد أن يقرأ ما يريد هو في النص لا ما يريد أن يقوله النص.
(1) وقد اعترف حسن حنفي بأن تاريخ علم الأديان فيه اجتهادات عديدة، وكلها آراء ظنية. الأسطورة والتراث (283).
وطالما تبجح أركون ونصر أبو زيد بهذه الآليات، وأن اعتمادها كاف لتجاوز النص الديني برمته.
وطوال عصور الإسلام الخالدة بما فيها عصور الضعف والانحطاط والوهن كان لا يسمع في أرجاء العالم الإسلامي إلا القرآن والسنة وأحكامهما وما تفرع عنهما من فقه واستنباط. ولم يكن يُرفع صوت فوق صوت القرآن والسنة، وأن أحكامهما فوق كل حكم وكل تشريع وكل قانون. وهكذا صار الحال في المغرب، فكان إلى فقهاء المالكية المفزع والمرجع في كل شيء، منهم القضاة والحكام، ولا نعرف في تاريخ المغرب خروجا عن أحكام المذهب المالكي لا في البيوع ولا في قضاء الأسرة، ولا في الحدود ولا غيرها. وهذه تواريخ المغرب مدونة ومنشورة. وهذه كتب النوازل والأحكام للونشريسي والعلمي والوزاني والبرزلي وغيرها، يظهر فيها جليا أن الشريعة الإسلامية هي الحكم في كل شيء.
وهذه كتب الوثائق وأحكام القضاء مدونة معروفة كتبصرة ابن فرحون والمتيطية وغيرها، بل حتى حكام المغرب إلى ما قبل الاستعمار لم يعرف في تاريخهم الطويل تحكيم غير الشريعة الإسلامية، ممثلة في المذهب المالكي، ولم يعرف عن واحد منهم أنه ألغى أحكام الشريعة واستبدلها بقوانين أخرى مناقضة لها ومعارضة لأحكامها.
إلى أن جاء الاستعمار فأحكم سيطرته، وفرض أحكامه، وألغى حكم الشريعة واستبدلها بقوانينه الوضعية، ثم بعد الاستقلال الصوري بقي الحال على ما هو عليه، وإلى الله المشتكى وحده لا شريك له.
وخلف الاستعمار خلفه فلولا من العلمانيين يسهرون على تنفيذ خططه والإجهاز على ما تبقى من أحكام الشريعة «مدونة الأسرة» ، ثم لا زالت شوكة
العلمانيين تشتد مع مرور الوقت إلى أن جاهروا بعقائدهم وآرائهم، فدافعوا على علمانية الدولة وفصلوا الشريعة التي حكمت المغرب لقرون عديدة عن الحياة العامة.
لهذه الأسباب شرعت في إصدار هذه السلسة التي ستستمر {حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} .
ولا يفوتني التنبيه هنا إلى ضرورة إنشاء مركز لدراسة العلمانية، من كافة جوانبها، ودراسة تطبيق الشريعة الإسلامية ومعوقاته ومشاكله وحلوله، ودراسة مناهج النقد الغربية المعاصرة والمذاهب الفلسفية التي لها علاقة بموضوع العلمانية، ومذاهب قراءة النص، ومذاهب المستشرقين.
فهذه ثلاثة محاور رئيسة مترابطة فيما بينها:
- العلمانية.
- تطبيق الشريعة.
- المذاهب الفلسفية والنقدية الغربية.
وإن كان الموضوع الأول كُتِبت فيه بحوث عديدة، فإن المبحث الثاني أقل عناية، والمبحث الثالث تقل فيه البحوث أكثر.
وإنما قلت مترابطة، لأن العلمانية تقف على أسس فلسفية غربية، كما سيأتي، وهدفها تنحية الشريعة من الوجود الفعلي وإقصاؤها. ولبلوغ هذا الإقصاء يتم استدعاء جملة من المناهج النقدية التفكيكية.
ويقوم المشروع العلماني في نقده للإسلام على ثلاث ركائز:
1 -
النصوص الدينية ومفاهيمها القروسطية (1) متناقضة ومختلة، وهذا دور الاستشراق وأذنابه العرب.
2 -
المناهج الإسلامية لقراءة النص الديني (أصول الفقه وعلوم اللغة وعلوم القرآن) أصبحت متجاوزة وغير علمية. بينما المناهج النقدية الغربية لقراءة النصوص فهي علمية وعلى درجة كبيرة من الاحترافية والمصداقية.
3 -
تطبيق النصوص الدينية عبر التاريخ لم يجلب للبشرية إلا الشر والخراب والدمار (2).
تحليل هذه المسائل ودراستها دراسة معمقة أكاديمية يمثل نقطة البدء في مواجهة المشروع العلماني وتفكيك خطابه من أجل تجاوزه وتهميشه.
وأنا أرى أن تأسيس مركز علمي أكاديمي راق لكشف حقيقة العلمانية وبيان خطرها على الإسلام والمسلمين أفضل عند الله من إفطار مليون مسلم، وخير من 1000 محاضرة. لأن ذاك واجب، وهذا مستحب.
(1) هذا المصطلح يستعمله عدد من العلمانيين اختصارا للقرون الوسطى.
(2)
ويرى علمانيون كأركون أن الإسلام لم يطبق طوال عهوده، وبالتالي فالمناداة بالدولة الإسلامية حلم لا غير. قضايا في نقد العقل الديني (127).
وهذا يحتاج إلى رصد تاريخي لمسألة تطبيق الشريعة الإسلامية عبر العصور المختلفة، وأنها طبقت بنسب متفاوتة، وأنها كانت حاضرة بقوة في كل المجالات الحيوية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وظل الإسلام هو المرجع الوحيد للخلفاء والتجار والحرفيين والصناع والعلماء وكافة طبقات المجتمع.
وأن الأمر ليس قاصرا على الأحوال الشخصية كما زعم خليل عبد الكريم في أعماله (225 - 363) وأركون في الإسلام الأخلاق والسياسة وغيرهم.
ولابد من حشد الطاقات العلمية اللازمة لهذا المركز منها مثلا:
- متخصصون في اللغة والترجمة التي لها علاقة بهذا الموضوع كالفرنسية والإنجليزية والألمانية.
- متخصصون في العلوم الإنسانية المعاصرة.
- متخصصون في الفلسفة وخاصة الغربية.
- متخصصون في العلمانية.
- متخصصون في التاريخ.
- متخصصون في الاستشراق.
- متخصصون في علوم الشريعة المختلفة.
ولابد من وضع خطة متكاملة للعمل، ووضع استراتيجية شاملة للمشروع.
ولابد من ضمان التمويل الضروري بعيدا عن الحكومات حتى لا يبقى المركز تحت سيطرة أحد أو لخدمة أجندة خاصة.
ولابد من توفير مكتبة متكالمة لهذه المهمة.
يكون المركز تحت إشراف هيئة رفيعة المستوى يرأسها مدير وتحته لجان متعددة متخصصة. ويجب أن يكون كل العاملين في المركز متفرغين.
والله أسأل التوفيق والسداد في هذه البحوث، عسى -إن لم أُوَفق للتمام فيها- أن أقاربه وأدانيه. وصلى الله وسلم على رسوله المبعوث رحمة للعالمين.