الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى امتداد صفحات كتب أركون لا تراه يحيل إلا على المصادر الأجنبية، حتى لبيان أبحاث في مسائل من صلب تاريخنا وفقهنا الإسلامي. ولهذا تعجب أنه لما سرد مراجعه في آخر كتابه الأنسنة والإسلام لم يذكر إلا الكتب الغربية فهي عنده مصدر العلم والبحث والنقد. وأما كتب أهل الإسلام فهي مجال للدراسة لا مرجعا للبحث.
ويتعلق هاشم صالح وإخوانه بفلاسفة الغرب تعلقا مُريديَّا كتعلق مريدي الطرق الصوفية بشيوخهم. قال هاشم صالح: من هنا تركيزي على مفكري عصر النهضة والتنوير الأوروبي الذين أتعلق بهم وبأفكارهم وطروحاتهم كخشبة خلاص تنقذني من الظلام اللاهوتي المرعب الذي يلف طفولتي ويلف العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه أيضا في هذه اللحظة. فعند هؤلاء المفكرين النهضويين أو التنويريين أجد ضالتي، أجد نفسي، بهجتي، أفقي المنفتح، بهم أستعين لكي أزيح الكابوس الأخطبوطي المرعب عن حياتي ووجودي (1).
فالرجل كان يعاني من أزمة نفسية حادة، ظهرت آثارها في كتاباته، أكثر مما هو يمارس التفكير والبحث العلمي.
أو لنقل إنه يمارس التلوين الإيديولوجي النفعي.
العلمانيون العرب والانبهار بالمستشرقين
.
تقدم معنا أن كتابات العلمانيين العرب لا تعدو أن تكون صدى شاحبا وباهتا للغاية للفكر الغربي والفلسفة الغربية وكتابات المستشرقين بالذات. أو
(1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (21 - 22).
على حد تعبير العلماني اللبناني علي حرب: الخطاب العربي الحديث الذي هو صدى خافت أو صورة مشوهة عن الخطاب الغربي (1).
ولهذا حظي عندهم المستشرقون بالتقدير والتبجيل، وقد أخذ علينا أركون نحن المسلمين بأننا ننظر إلى ديننا وتاريخنا نظرة احتفالية تبجيلية، وفاته أن كتابات إخوانه المستشرقين تتميز بنظرة انتهازية احتقارية.
يبدي أركون إعجابا كبيرا بالمستشرقين وأبحاثهم ويتحسر على المسلمين كيف رفضوا تلك الأبحاث ووقفوا منها موقفا عدائيا، ووصف كتب المستشرقين التي مُلِئت حقدا وطعنا في الإسلام بالأبحاث الاستشراقية القيمة (2).
وقال عن العلماء المسلمين: يرفضون هذه الأبحاث العلمية والتاريخية للأساتذة المستشرقين الأكاديميين المتبحرين في العلم (3).
واعتبر أن الغربيين هم الذين يقدمون البحوث التاريخية الرصينة عن التراث الإسلامي وليس المسلمين (4).
(1) الممنوع والممتنع (222).
(2)
نحو نقد العقل الإسلامي (191). وانظر قضايا في نقد العقل الديني (47 - 54 - 59 - 64 - 65 - 66 - 67 - فما بعدها- 304 - 305 - 306 - 307) ونحو نقد العقل الإسلامي (243 - 271).
(3)
نحو نقد العقل الإسلامي (191).
(4)
نفس المرجع (284).
وتأسف مرارا لعدم ترجمة كتبهم عن الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم وعن القرآن (1). بل اعتبر مرة من العار ألا يترجم كتاب اللاهوت والمجتمع في العصور الأولى للإسلام لمستشرق ألماني (2).
وحاول أن يضفي الشرعية على الاستشراق، فحور اسمه إلى الإسلامياتي. تاريخية الفكر العربي (203).
فربطه بالإسلام ليكتسب شرعية ما، وبين مترجمه بإشرافه هاشم صالح (203) ذلك قائلا: يستخدم أركون عادة كلمة إسلامياتي Islamologie عوضا عن كلمة مستشرق المشحونة بالقيم السلبية والجدالية في الوعي العربي والإسلامي.
ومما يثير الدهشة والاستغراب أن أركون تأسف مرارا في كتبه على مستشرقين لا ينقدون نقدا جذريا، بل كتبوا مقالات تبجيلية باردة تدافع عن الإسلام، وجعل هذا مؤسفا ومخيبا للآمال. الفكر الإسلامي (184).
فلا يرضى أركون إلا على الحاقدين منهم، الذين همهم كما هو همه أيضا الإجهاز على الإسلام والقضاء على التدين عموما وإحلال العلمانية الغربية محله تحت ستار النقد التاريخي والدراسة الانتروبولوجية والسيميائية والدلالية للنص الديني.
وانظر مثلا ما قاله عن برنارد لويس في تاريخية الفكر العربي (256).
(1) القرآن من التفسير الموروث له (8) والفكر الإسلامي (281).
(2)
قضايا في نقد العقل الديني (306).
وكذا فعل تلميذه، بل بوقه هاشم صالح العلماني السوري ذو الأصول الشيعية، فقد أظهر في كتابه الإسلام والانغلاق اللاهوتي (21 - 22 - 28) إعجابا منقطع القرين بالمستشرقين، وأن من أراد أن يقرأ الدين الإسلامي وتاريخه فعليه بكتبهم وإلا فلن يفهم تراثه على حقيقته (1).
وهكذا فعل خليل عبد الكريم في الأعمال الكاملة (201) فقد تهجم بعنف على كتاب غربيين دافعوا عن الإسلام بطريقة أو بأخرى كموريس بوكاي في كتابه: الثورة والقرآن والعلم، وروجيه جارودي في: وعود الإسلام، والفريد هوفمان في الإسلام هو البديل.
(1) وانظر تعليقه على قضايا في نقد العقل الديني (59) في دفاعه عن الاستشراق صراحة فيما يتعلق بنقد القرآن.