المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - ما بعد الحداثة - العلمانية المفهوم والمظاهر والأسباب

[مصطفى باحو]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة

- ‌حقيقة العلمانية

- ‌العلمانية لغة

- ‌العلمانية اصطلاحا

- ‌مظاهر العلمانية

- ‌1 - في المعرفة والفكر والفلسفة

- ‌2 - العلمانية في السياسة:

- ‌3 - العلمانية في الاقتصاد:

- ‌4 - العلمانية في المواطنة:

- ‌5 - العلمانية في التربية والأخلاق:

- ‌6 - العلمانية في الاجتماع:

- ‌7 - العلمانية في الإعلام:

- ‌8 - العلمانية في الرياضة:

- ‌9 - العلمانية في الفن:

- ‌10 - العلمانية في القانون:

- ‌11 - العلمانية في التعليم:

- ‌علمانية حسب الطلب

- ‌أسباب العلمانية

- ‌1 - الطغيان الكنيسي:

- ‌2 - السبب الثاني: الصراع بين الكنيسة والعلم

- ‌3 - السبب الثالث: طبيعة الدين المسيحي:

- ‌4 - السبب الرابع: الفصل بين الدين والدولة من سمات المسيحية حتى قبل انتشار العلمانية

- ‌5 - السبب الخامس: الحروب الدينية

- ‌أسباب انتقال العلمانية للعالم الإسلامي

- ‌الحكومة الدينية

- ‌الإسلام وممانعة العلمنة

- ‌جرائم العلمانية

- ‌العلمانيون العرب والغربالغزل المتبادل

- ‌العلمانيون العرب والانبهار بالمستشرقين

- ‌مغالطات علمانية

- ‌1 - العلمانية وامتلاك الحقيقة المطلقة

- ‌2 - هل ترتكز العلمانية على أسس فلسفية وعقلية قطعية

- ‌3 - هل العلمانية والديمقراطية توأمان لا ينفصلان

- ‌4 - ما بعد الحداثة

- ‌5 - مغالطات:

- ‌المراجع

الفصل: ‌4 - ما بعد الحداثة

فهل علينا أن نقبل بمثل هذه القرارات (ابتداء من الإبادة النازية وانتهاء بالمخدرات والإباحية) أم ينبغي أن نرفض مثل هذه القرارات الديمقراطية استنادا إلى مرجعية أخلاقية، متجاورة للإجراءات الديمقراطية؟ (1).

‌4 - ما بعد الحداثة

.

ونظرا لكل الاعتبارات المتقدمة. أعني كل المآسي التي جلبتها العلمانية معها لم يعد هناك بد من الاعتراف بأزمة الحداثة.

ولهذا شاع في الغرب الحديث عن ما بعد الحداثة أو نهاية الحداثة كما قال محمد الشيخ في «ما معنى أن يكون المرء حداثيا» (165).

وقد ذكر الجابري في التراث والحداثة (16) أن في أوروبا يتحدثون اليوم عن ما بعد الحداثة باعتبار أن الحداثة ظاهريا انتهت مع نهاية القرن التاسع عشر بوصفها مرحلة تاريخية قامت في أعقاب عصر الأنوار (القرن الثامن عشر). هذا العصر الذي جاء هو نفسه في أعقاب عصر النهضة (القرن السادس عشر).

وهذا ما أكده أركون في مواطن عديدة من كتبه، منها قوله: يمكن اعتبار مدرسة فرانكفورت أو أبحاث ميشيل فوكو وآلان تورين ويورغين هابرماس .. إلخ بمثابة الأعمال الفكرية التي تجسد مرحلة ما بعد الحداثة، فهي التي قامت بعودة نقدية راديكالية على عقل التنوير والعقل الوضعي الذي ساد القرن التاسع عشر وحتى ما بعد الحرب العالمية الثانية (2).

(1) نفس المرجع.

(2)

قضايا في نقد العقل الديني (261). وانظر (220 - 307) منه، والفكر الإسلامي له (59) ونحو نقد العقل الإسلامي (321) له، والإسلام والانغلاق اللاهوتي لتلميذه ومقلده هاشم صالح (47).

ص: 149

وتحدث أركون في «نحو نقد العقل الإسلامي» (265) عن تحول الليبرالية إلى دين في الغرب له زواياه الغامضة، حيث يتراكم اللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه.

ومن أكثر الفلاسفة نقدا للحداثة الغربية نيتشه، حسب هاشم صالح، ولهذا انتقد عقلانية ديكارت وكانط وهيغل، واعتبر أنها تخفي وراءها غايات شخصية أو مصالح منفعية، وشكك في كل النظم الفلسفية السابقة باعتبار أنها تخفي غير ما تظهر (1).

وذكر الدكتور جوتفرايد كونزلن أن العلمانية باعتبارها دين حل محل الدين المسيحي يفهم الوجود بقوة دنيوية هي العقل والعلم

وذكر أن العلمانية عجزت عن الإجابة عن أسئلة الإنسان التي كان الدين يقدم لها الإجابات، فالقناعات العقلية أصبحت مفتقرة إلى اليقين

وغدت الحداثة العلمانية غير واثقة من نفسها، بل وتفكك أنساقها - العقلية والعلمية- عدمية ما بعد الحداثة

فدخلت الثقافة العلمانية في أزمة بعد أن أدخلت الدين المسيحي في أزمة.

وقال: وتحققت نبوءة نيتشه (1844 - 1900م) عن إفراز التطور الثقافي الغربي لأناس يفقدون نجمهم الذي فوقهم، ويحيون حياة تافهة ذات بعد واحد لا يعرف الواحد منهم شيئا خارج نطاقه. وبعبارة ماكس فيبر (1864 - 1920م): لقد أصبح هناك أخصائيون لا روح لهم، وعلماء لا قلوب لهم (2).

(1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (48).

ومن الكتب الغربية في نقد الحداثة: خيانة التنوير للفرنسي جان كلود غيبو. باريس 1996.

وزوال العلمانية لـ: بيتر برجر Desecularisation of word.

(2)

مأزق المسيحية والعلمانية في أوروبا (17 - 18).

ص: 150

وقد اعترف أركون بفشل جهود العلمنة التي بدأت على يد طه حسين والبستاتي ويعقوب صروف وفرح أنطون وسلامة موسى وغيرهم (1).

وكذا أكد على هذا مراد وهبة، وزاد أنه جاء بعدهم نفر من العلمانيين مثل نجيب محفوظ ولويس عوض ومحمد أركون وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد، تم قال: والنتيجة فشل العلمانية في العالم العربي (2).

بل زاد في صراحة يحسد عليها أن علمانيته في الطريق إلى الاندحار (3).

وقال عادل ضاهر: إن العلمانية في حالة تراجع كبير في العالم العربي اليوم، والقوى العلمانية يتقلص ويتهمش دورها وتأثيرها الفاعل على الأحداث باطراد متزايد (4).

وأكد سعيد لكحل أن مصطلح العلمانية يعاني أزمة، وقال: إن عموم المثقفين والديمقراطيين يتحرجون من تداول هذا المفهوم، إذ صارت العلمانية تعني خطأ (5) معاداة الدين (6).

وكذا أكد فشلها عادل الجندي (7).

في حين أكد فؤاد زكريا أن العلمانية أصبحت سيئة السمعة الآن وهي كلمة تعيسة الحظ تطلق على أناس تعساء الحظ أيضا (8).

(1) قضايا في نقد العقل الديني (196 - 197).

(2)

العلمانية مفاهيم ملتبسة (260 - 261).

(3)

نفس المرجع (264).

(4)

الأسس الفلسفية للعلمانية (5).

(5)

كلا، بل حقيقة، كما سنبين للكحل في الكتاب الثاني.

(6)

العلمانية مفاهيم ملتبسة (280).

(7)

العلمانية مفاهيم ملتبسة (316).

(8)

مناظرة فؤاد زكريا مع البهنساوي. الإسلام لا العلمانية (42).

ص: 151

واعترف كذلك بأن جهوده وجهود أمثاله من العلمانيين لم يكن من ورائها طائل، وأن الناس لم يستوعبوا حرفا مما يقول منذ سنوات، وأن أي مهيج أصبح بمقدوره أن يقول للناس كلاما إنشائيا لا قيمة له، بحيث يمحو تماما تأثير كل ما أجهد نفسه فيه (1).

وعبر عبد العلي بنعمور عن خيبة أمل كبيرة عن حال علمانيتهم، قال: هكذا نجد أنفسنا قد وصلنا إلى جو مظلم ومشحون بنسمات الرعب، جو أصبح فيه المثقف الزمني (أي: العلماني) إنسانا مخيفا وخائفا في نفس الآن (2).

كما تحدث حسن حنفي عن أزمة علمانيتهم وفشل مشروع الأنوار الغربي في مقدمته لكتاب لسنج تربية الجنس البشري (14).

وشرح كيف أن مفاهيم الأنوار الثلاثة: العقل والحرية والتقدم تحولت إلى نقيضها، فالعقل تخلى عن وظيفته التحريرية للوجدان والتصوف، وأصبح خاضعا لتحكم الآلة وحسابها.

والحرية تحولت إلى حرية عابثة، تعبر عن أزمات الإنسان أكثر مما تعبر عن غائيته (16).

ومفهوم التقدم انتهى في الفلسفة الغربية المعاصرة إلى محنة واحتضار ومأساة وضياع (17)(3).

واعتبر صلاح عيسى أن علمانيتهم تعاني من أزمة حتى على مستوى الإفصاح عن نفسها.

(1) المفترون (79).

(2)

العلمانية مفاهيم ملتبسة (247).

(3)

التفكير في العلمانية (20 - 21).

ص: 152

قال: بل الأكثر من ذلك فإن أي حزب سياسي عربي لا يستطيع اليوم القول إنه حزب علماني، كما أنه يتهرب من مناقشة الموضوع خوفا من أن يفقد أصوات المتدينين في الانتخابات (1).

وقال: رغم أن الكثيرين لا يمتلكون الجرأة والاستعداد للدفاع عن فكرة العلمانية، إن تيار العلمانية تيار مكتوم وخائف (2).

وقال محمد سبيلا العلماني المغربي: لم تستطع العلمانية أن تخترق المجتمعات العربية نظرا لهيمنة الثقافة الدينية التقليدية (3).

وقال: إلى درجة أن الباحثين اليوم يتحدثون عن الاستثناء الإسلامي من حيث أن الإسلام هو الاستثناء الوحيد لثقافة لم تندمج بعد ولم تتصالح تصالحا كاملا مع زمن العالم الحديث ومتطلبات الحداثة (4).

وقال عن القوى العلمانية: وهذه الأخيرة تعتبر قوة ضئيلة ومحدودة وتشكل نخبا تجد نفسها محاصرة من الجميع، حتى أنها لا تتوفر على أي دعم من أي جهة ما (5).

وحسب علي حرب فقد تحول المشروع العلماني إلى أزمة، وقال: وأما الأزمة فأعني بها ما آل إليه وضع المثقف من العزلة والعجز والهشاشة (6).

(1) العلمانية مفاهيم ملتبسة (210).

(2)

نفس المرجع (214).

(3)

نفس المرجع (224).

(4)

نفس المرجع (225).

(5)

نفس المرجع (225). وسبح ضد التيار حميد لشهب وشاكر النابلسي. نفس المرجع (115 - 137).

(6)

أوهام النخبة (95).

ص: 153

وأن إخوانه تحولوا إلى مجرد باعة للأوهام كما عبر ريجيس دوبربه (1). بل المشروع كله مني بالفشل الذريع والإحباط المميت كما قال حرب (2).

وأقر في كتاب آخر أن مشاريع النهضة والتقدم والحرية والعقلانية والحداثة فشلت، وأنها انقلبت إلى أضدادها (3).

وقد ظل المشروع العلماني العربي يعاني من الانحسار والانكماش لكونه قفز خارج المنظومة المعرفية للمجتمعات الإسلامية، فتحول إلى نخبة تمثل قشرة سطحية طافية فوق السطح.

والعجيب أنهم ليسوا منبوذين من قبل مجتمعاتهم فحسب، بل من قبل أولياء نعمتهم كذلك.

ولنضرب لذلك مثالا ناصعا فيه عبرة لمن يعتبر، ألا وهو محمد أركون، وهو أحد أكثر العلمانيين تطرفا.

فقد عبر عن أسفه عن عدم وجود جمهور له في الغرب وفي الشرق (4)، وأكد أنه بنقده للإسلام خسر جمهورا هنا، ولكون أولياء نعمته صنفوه هناك باعتباره مثقفا إسلاميا. فخسر جمهورا هناك (5).

(1) أوهام النخبة (97).

(2)

أوهام النخبة (98).

(3)

الممنوع والممتنع (195) وانظر (199 - فما بعد) منه في أزمة العلمانيين العرب وأن مشاريعهم لم تأت بنتيجة.

(4)

قضايا في نقد العقل الديني (20).

(5)

نفس المرجع (21).

ص: 154

وكم تعجب من التمييز الذي طاله من قبل الأكاديميين الغربيين بل وصف ما جرى له بأسى بالغ. وأكد أن الغرب يتهمه بأنه فقط يردد بشكل ناقص أفكار وانتقادات الغرب تجاه تراثهم الديني، وأنه لم يأت بشيء جديد، بل كل ما يفعله تافه عفا عليه الزمن (1).

وأنهم قالوا: اذهب وصدر هذه الأفكار الساذجة إلى أبناء قومك (2).

وذكر أشياء كثيرة، وقال: لطالما سمعت هذه الانتقادات في شتى العواصم الأوربية

في كل مكان أذهب إليه في الغرب أو في الجامعات الغربية أسمع التعليقات نفسها والانتقادات إياها (3).

وفي كتاب آخر له تأسف كثيرا لأن أبحاثه في نقد العقل الإسلامي لا تحظى بالقبول والاحتفاء رغم أنه باحث مفكر نقدي كما زعم (4).

وقال: فالأبواب تظل بالطبع مغلقة أمامي سواء من جهة الإسلام المحافظ أو الإسلام الحركي السياسي على حد سواء، أو قل: إسلام السلطة وإسلام المعارضة. كلاهما يرفض مشروعي الفكري ودراساتي التجديدية للتراث الإسلامي (5).

(1) قضايا في نقد العقل الديني (23).

(2)

نفس المرجع.

(3)

نفس المرجع (24).

(4)

نحو نقد العقل الإسلامي (55).

(5)

نفس المرجع (173).

ص: 155