المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. وبعد، فهذا - العلمانية والمذهب المالكي

[مصطفى باحو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌العلمانية والمذهب المالكي

- ‌المذهب المالكي عبادة وشريعة

- ‌إنكار المالكية للحرية بمفهومها العلماني:

- ‌السياسة إذا لم تتقيد بالشريعة فهي مرفوضة:

- ‌توقيف العمل بأحكام الشريعة في المغرب

- ‌الحفاظ على الأحكام الشرعية أهم واجب على السلطان

- ‌تحريم المالكية التحاكم إلى غير الكتاب والسنة:

- ‌إنكار المالكية لتبديل الزكاة بالضريبة:

- ‌أول من بدل الزكاة الشرعية بضريبة الترتيب

- ‌تطبيق الحدود الشرعية في عهد الدولة العلوية

- ‌الخمر

- ‌الدعارة

- ‌عناية الدولة العلوية بجمع الجزية من اليهود

- ‌مناهضة المالكية للبنوك الربوية

- ‌أحكام أخرى:

- ‌الظهير البربري أهم مظاهر العلمنة في المغربوموقف المغاربة منه

- ‌علمنة القانون

- ‌1 - فرنسة البربر أحد أهم أهداف السياسة البربرية

- ‌2 - الإخراج من الإسلام والقضاء على القرآن:

- ‌3 - تنصير البربر:

- ‌الاحتجاج ضد السياسة

- ‌عود على بدء

- ‌ماذا يعني تطبيق الشريعة في المذهب المالكي

- ‌من الناحية السياسية:

- ‌ومن الناحية الإعلامية:

- ‌ومن الناحية الاجتماعية:

- ‌ومن الناحية القانونية:

- ‌ومن الناحية الاقتصادية:

- ‌ملحق:

- ‌قرار رقم: 146 (4/ 16)بشأنالقراءة الجديدة للقرآن وللنصوص الدينية

- ‌المراجع

الفصل: ‌ ‌مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. وبعد، فهذا

‌مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

وبعد، فهذا هو الكتاب الثالث من هذه السلسلة، بعد الكتاب الأول:

«العلمانية، المفهوم والمظاهر والأسباب» وهو الذي جعلته طليعة للسلسلة. وقد طبع في الرباط، ونشرته جريدة «السبيل» المغربية في غشت 2011.

والكتاب الثاني: «العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام» . وقد طبع في المكتبة الإسلامية بمصر.

أبحث في هذه الرسالة موضوعين هامين، لهما ارتباط بموضوع العلمانية:

الأول: العلمانية والمذهب المالكي.

والثاني: ماذا يعني تطبيق الشريعة في المذهب المالكي؟

وهما موضوعان مترابطان متداخلان يكمل أحدهما الآخر، فتطبيق الشريعة الإسلامية يعني رفض العلمانية، والعكس صحيح. ولذلك جمعت بينهما في هذه الرسالة. ولا تخفى أهمية هذين الموضوعين في إطار تعرضنا لموضوع العلمانية وبحث موضوعاتها المختلفة وتناولها من زوايا مختلفة، لعلنا نسلط الضوء على أهم جوانبها وأبرز تجلياتها، متجنبا الاشتباك مع معارضي ومخالفي، مفسحا المجال للعرض الهادئ لنصوص واضحة بينة لا لبس فيه لعلماء المذهب المالكي، الذي طالما تغنى أهل بلدنا بالدفاع عنه والإشادة به.

ص: 5

بينت في الرسالتين أن المذهب المالكي عبادة وشريعة، علاقة بين العبد وربه، وعلاقة بين العبد ومحيطه، وأنه لا حجة عند المغاربة على مر تاريخهم إلا في الشريعة، ولا مرجع إلا هي، وأنه لا يجوز التحاكم عند المالكية إلا إلى القرآن والسنة. وأن السياسة إذا لم تتقيد بالشريعة فهي مرفوضة، وأن المذهب المالكي ظل يحكم المغرب في شتى مجالات الحياة: السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، إلى أن جاء الاستعمار فغيَّر وبدَّل وأوقف العمل بأحكام الشريعة في عدة مجالات.

وبينت كيف أن الحفاظ على الأحكام الشرعية أهم واجب على السلطان عند علماء وسلاطين المغرب.

وتكلمت عن عناية السلاطين العلويين بالزكاة الشرعية وإلغاء المكوس، وإنكار المالكية لتبديل الزكاة بالضريبة، وأنه وَقَفَ خَلْفها دول غربية على رأسها فرنسا وإنجلترا. وأنها أحد أهم أسباب خلع السلطان عبد العزيز من قبل علماء مراكش وفاس.

ثم بينت أن الدول التي حكمت المغرب كانت حريصة على تطبيق الشريعة ومن ضمنها الحدود الشرعية. بل إن بعض الحكام مثل يعقوب المنصور كان يقيم الحدود حتى في أهله وعشيرته الأقربين.

وظل هذا دأب الدولة العلوية الحاكمة في المغرب منذ نشأتها إلى ما قبل الحماية ودخول الاستعمار، حتى أنكر السلطان العلوي محمد بن عبد الله تبديل الحدود الشرعية بالقوانين الوضعية وقال: وذلك من المنكر الذي لا يرضاه الله ورسوله والمؤمنون، لأنه خرق للشريعة وإبطال لأحكام القرآن.

ص: 6

وظل الخمر ممنوعا طوال تاريخ المغرب، ولم يرخص لغير اليهود والنصارى ببيعه وشربه، ولم يعرف أن الدولة المغربية أعطت ترخيصا لمسلم لبيع الخمر إلا بعد مجيء الاستعمار.

كما تكلمت عن عناية الدولة العلوية بجمع الجزية من اليهود. ومناهضة علماء المالكية للبنوك الربوية. وأن الربا لم يدخل في صورة منظمة ومؤسسة إلا لما سقط المغرب فريسة للتدخلات الأجنبية، في عهد السلطان عبد العزيز. وكان إحداثه للبنك الربوي أحد أهم أسباب خلعه وتعيين السلطان عبد الحفيظ مكانه.

ثم تحدثت عن علمنة القانون في تاريخ المغرب وبينت أن الظهير البربري أهم مظاهر العلمنة في المغرب. وأن المحاكم الإسلامية المعتمدة على المذهب المالكي كانت تشمل جميع المخالفات سواء كانت الأحوال الشخصية أو الجنائية أو غيرها. وأول من فصل بين القضاء الشرعي المعتمد على الشريعة والقضاء الجنائي وغيره هو المقيم العام ليوطي.

وفي ظل الاحتلال والحماية الفرنسية تم إقصاء الشريعة الإسلامية وإحلال القانون العلماني الوضعي محلها.

وبينت كذلك أن أهم أهداف السياسة البربرية هي:

1 -

فرنسة البربر.

2 -

إخراجهم من الإسلام والقضاء على القرآن.

3 -

تنصيرهم.

ص: 7

وفي الرسالة الثانية بينت ماذا يعني تطبيق الشريعة في المذهب المالكي؟ من الناحية السياسية والإعلامية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية. ونقلت نصوص المالكية في ذلك.

هذا، ولا يفتأ العلمانيون في اختراع الشبهات تجاه تطبيق الشريعة الإسلامية، واتخذوا ذرائع شتى لذلك، كان من إبرازها: اتخاذ الأقليات أداة اعتراض على حاكمية الشريعة واستعملوها ورقة ضغط وعقبة في وجهها. مع أن الشريعة ظلت تحكم خلال قرون عديدة، ولم تشكل مسألة الأقليات أية مشكلة أو عائق في وجه الشريعة. ولم تنتقص الشريعة شيئا من تدين هذه الأقليات، لأن شرائع هذه الأقليات ليس فيها فقه معاملات مدنية. فالشريعة الإسلامية ليست بديلا لشريعة مدنية نصرانية، وإنما هي بديل للقانون الوضعي العلماني الذي جاء به الغزاة القاهرون للأغلبيات والأقليات جميعا (1).

فليس للنصارى تشريع قانوني يهدده تطبيق الشريعة. بل العلمانية هنا هي المذهب الند للإسلام والنصرانية معا لا النصرانية. وتطبيق الشريعة يكفل للنصارى حرية تَدَيُّن أكثر مما يكفلها لهم النظام العلماني. وبالتالي فعلى النصارى دعم تطبيق الشريعة الإسلامية بدل التخويف منها.

وطالما روج العلمانيون أن العلمانية هي الحل المثالي لتجاوز التشظي المذهبي، وليست هذه إلا ذريعة لتجاوز الإسلام وقيمه وشرائعه. فهاهو لبنان الجريح مثال صارخ لتلك العلمانية البئيسة المفلسة. ولا توجد دولة تعيش حالة

(1) الشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية (46).

وانظر في كون تطبيق الشريعة لا يهدد الوحدة الوطنية: تهافت العلمانية في الصحافة العربية (239).

ص: 8

من الاضطراب والفوضى وانعدام الأمن والتناحر السياسي بدون أدنى هدف مثل لبنان، لا يجتمع أهلها يوما إلا تفرقوا في اليوم الموالي أكثر مما كانوا قبل اتفاقهم. ولم تجلب لهم العلمانية إلا الضعف والوهن.

وقد حاول العلمانيون إسكات جميع الأصوات المخالفة لهم، ولهذا أضحت أصواتهم أعلى وأكثر انتشارا على الساحة الإعلامية في مغربنا، لكن عادة الأكثر ضجيجا وغوغائية أن يكون أكثر ظهورا وبروزا والأقل استمرارية وثباتا، ومن سنة الله في خلقه أن السنابل الفارغة تكون دائما أكثر بروزا وأعلى رؤوسا، بينما السنابل الممتلئة -والتي هي أَمَلُ الفلاح البسيط المسكين- تكون منحنية وأقل ظهورا من تلك الشامخة إلى أعلى. ولن تجد لسنة الله تبديلا.

ومهما استأسدوا علينا وتغطرسوا فإن لنا عزاء في قوله تعالى: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ} الرعد17.

وقوله: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} القصص5.

وقد حاولت في هاتين الرسالتين التركيز أكثر على السلاطين العلويين الحاكمين إلى اليوم في بلدنا لقرب العهد، ولعله يكون عبرة لأهل زماننا، مدللا على أن ما ندعو إليه ليس بدعا من الكلام ولا مذهبا استوردناه من شرق أو غرب، كما يوسوس بذلك كثير من الحريصين على مصالحهم الشخصية التي يُغَلِّفُونها بالحفاظ على الأمن الروحي للمواطنين!

ص: 9

ولهذا فأنا أتحدى مخالفينا أن يذكر لنا شيئا نتبناه أو تتبناه الحركة الإسلامية عموما ولا أصل له في مذهبنا المالكي وتطبيقاته التاريخية، بل ما ندعو له هو الأصل الذي اتفقت عليه أغلب المصادر التاريخية والفقهية المغربية.

وختاما لا يخفى أن التأليف كما ذكر عدد من العلماء داخل في «علم ينتفع به» ، بل هو أظهر فيه أكثر من غيره (1).

ولهذا «لم أزل مولعا بالتأليف، راغبا في التصنيف، جعلته هِجِّيراي، وقطعت به دنياي، دون تقرب به لرئيس، ولو سمح فيه بمال نفيس» (2).

والله الهادي إلى الصراط المستقيم.

(1) انظر أقوالا كثيرة في ذلك في الصوارم والأسنة (160 - 161).

(2)

كما قال محمد بن أحمد بن عامر أبو عامر السالمي. الذيل والتكملة (6/ 8).

ص: 10