الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيأتي معنا في الرسالة الثانية «ماذا يعني تطبيق الشريعة الإسلامية في المذهب المالكي» نقل نصوص عديدة عن المالكية في إلزام الحاكم بجمع الزكاة إن شاء الله.
أول من بدل الزكاة الشرعية بضريبة الترتيب
.
وَقَفَ خَلْف إبدال الزكاة بالضريبة دول غربية على رأسها فرنسا وإنجلترا، بل تم التنصيص في المادة 11و 12 من اتفاقية مؤتمر مدريد سنة 1297هـ/1880م على إحداث ضريبة الترتيب (1).
وفي 30 مارس 1881 تم إقرار القانون المنظم لضريبة الترتيب تنفيذا لمقررات مؤتمر مدريد (2). لكنه لم يأت بديلا للزكاة والأعشار الشرعية. وهذا يشبه ما كان يفرض من المكوس سابقا.
وبعض المصادر (3) تذكر أن الوزير عبد الكريم بن سليمان الإسلامي أحد عملاء الاستعمار (4) هو الذي ابتدع هذه الضريبة على إثر سفارة قام بها لفرنسا وموسكو في عهد السلطان المولى الحسن الأول، أي: بإيعاز منهم.
(1) المغرب والاستعمار (63) والمخزن والضريبة والاستعمار (187). ضم هذا المؤتمر الدول التالية: فرنسا، ألمانيا، النمسا، المجر، بلجيكا، الدانمارك، إسبانيا، إنجلترا، إيطاليا، هولندا، البرتغال، السويد، الولايات المتحدة الإمريكية.
(2)
المخزن والضريبة والاستعمار (189).
(3)
فواصل الجمان (94 - وما بعدها). نقلا عن الوطنية في النثر المغربي الحديث (28) والمخزن والضريبة والاستعمار (248).
(4)
الذي أخرجه المغاربة من قبره بعد دفنه ثم قطعوا رأسه وعلقوها، ثم تركوا أشلاءه للكلاب. التاريخ السياسي (6/ 107 - 224).
وتذكر مصادر أخرى (1) أن وزير الحرب المنبهي تعهد للإنجليز بوضع الترتيب، وكان هذا من بين الشروط التي لم تفصح عنها اتفاقية المنبهي مع انجلترا يوم الجمعة 11 ربيع الأول 1319هـ/28 يونيو 1901م (2).
وبالفعل تم إنشاء ضريبة الترتيب بإشارة الإنجليز كما قال المؤرخ المشرفي (3).
فأصدر ظهيرا بذلك بتاريخ 10 جمادى 2 عام 1319هـ/ شتنبر 1901م (4).
ولقد لقي هذا الإجراء معارضة العلماء، بل أهم موجبات خلع السلطان عبد العزيز من قبل علماء مراكش وفاس هو إسقاط الأحكام الشرعية كتغيير الزكاة بالترتيب وإحداث البنك المؤدي للربا، واستسلاف الأموال العظيمة وصرفها في غير مصالحها وعقد الاتفاقيات المضرة بمصالح البلاد.
(1) الحلل البهية (2/ 250) والمخزن والضريبة والاستعمار (246 - 247) نقلا عن بوعشرين في التنبيه المعرب (67) والحجوي في انتحار المغرب الأقصى بيد ثواره (8).
(2)
الحلل البهية (2/ 250).
(3)
نفس المرجع (2/ 260).
تولى المولى عبد العزيز سنة 1311/ 1894 وعنده من العمر 11 سنة، ويوم أقر الترتيب كان عمره 18 سنة.
(4)
التاريخ السياسي (6/ 107). ونص الظهير في ص 124 منه، وفي مظاهر يقظة المغرب (2/ 85) والحلل البهية (2/ 260) والمخزن والضريبة والاستعمار (251 - 252). وانظر تاريخ المغرب في القرن العشرين (46).
هكذا جاء في الرسم المؤرخ بـ 28 ذو القعدة 1326هـ/2 يناير 1908م (1).
وفي جواب للعلامة السباعي ذكر من أسباب خلع بيعته (2) تعطيل ركن الزكاة وهي التهمة التي استوجبت عنده الكفر (3).
(1) الحركة الحفيظية (220) نقلا عن غنية الإنجاد في مسائل الجهاد لعبد الهادي المكناسي. الحسنية 12313. وهكذا في فتوى علماء فاس بذلك، كما سيأتي.
وقد عرف تاريخ المالكية نماذج عديدة لقيام العلماء ضد الحاكم في ثورة شعبية أو ما أشبهها:
منها: قيام علماء مراكش وفاس على السلطان عبد العزيز التي نتحدث عنها هنا.
ومنها: قيام مجموعة من علماء فاس منهم محمد بن إبراهيم الدكالي وأبو بكر المنجرة وغيرهم بخلع السلطان المولى سليمان لعجز السلطان عن تنفيذ الأحكام. المغرب قبل الاستعمار (321).
ومنها: قيام ثورة عام 1291هـ/1874م ضد السلطان الحسن الأول بسبب رفضه إسقاط المكوس. وذلك بتحريض وإفتاء من جماعة من العلماء المغاربة منهم: أحمد بن الطالب بن سودة المري، وعبد الله بن إدريس البدراوي الحسني، وعبد الواحد بن المواز السليماني الحسني. مظاهر يقظة المغرب (1/ 382 - 383).
ومنها: قيام 72 من العلماء والصلحاء على الحكم بن هشام منهم يحيى بن يحيى بن كثير المالكي الذي دارت عليه الفتوى بالأندلس وعيسى بن دينار ويحيى بن مضر القيسي اليحصبي. ترتيب المدارك (3/ 126 - 127 - 392) وتاريخ ابن الفرضي (429 - 432).
ومنها: قيام مظاهرات عديدة في سنة 1931 ضد الظهير البربري بقيادة جماعة من العلماء والسياسيين منهم محمد بن الحسن الوزاني ومحمد علال الفاسي وعبد الواحد الفاسي الفهري وإبراهيم بن أحمد الكتاني. إتحاف المطالع (2/ 457).
(2)
خلع المولى عبد العزيز يوم الجمعة سادس رجب عام 1325 بناء على فتوى علماء مراكش، وأعلن خلعه بفاس يوم 12 ذو القعدة عام 1325. الإتحاف (1/ 518).
(3)
نفس المصدر.
ولهذا كان من شروط البيعة الحفيظية: رفع المكوس (1).
جاء في وثيقة بيعة أهل مراكش لعبد الحفيظ أن من أسباب خلع عبد العزيز ترك جمع الزكاة وتعويضها بالضرائب، ونص ما جاء فيها: كيف ومن ذلك ما علم بالضرورة أن الصلاة والزكاة شقيقتان قرينتان، أو هما للدين بمنزلة الرأس من الجسد، وهما قواعد الدين وأساسه المعتمد، ومن فرق بينهما كفر بالكتاب والسنة وخرق الإجماع بدون خلاف ولا نزاع، وحيث توافق المتولون على نبذ الزكاة لفظا ومعنى وحكما، وبدلوا ذلك بقانون الكفرة من ضوابطهم وتسميتهم المشتهرة، أليس هذا من سلوكهم الكفر الصراح الذي السكوت عنه لا يحل ولا يباح (2).
فلله دركم يا علماء مراكش.
(1) نفس المصدر (1/ 524) ومظاهر يقظة المغرب (2/ 352).
وانظر نص بيعة أهل فاس للمولى عبد الحفيظ. الإتحاف (1/ 520) ومظاهر يقظة المغرب (2/ 349).
ونص بيعة أهل مراكش له. مظاهر يقظة المغرب (2/ 354).
(2)
مظاهر يقظة المغرب (2/ 356).
(3)
الوطنية في النثر المغربي الحديث (29 - 30) بتصرف يسير جدا.
وقد استنكر محمد بن محمد بن مصطفى المشرفي (1) الحسني الفاسي ت 1334هـ/1916م الترتيب واعتبره مخالفا للشريعة وجعله من سوء تدبير القائمين بأمر الدولة، وبيَّن سماحة الشريعة في الزكاة والتيسير على الناس بخلاف ضريبة الترتيب (2).
ونقل نصا جيدا من جامع المعيار -وهو فيه (11/ 127 - فما بعدها) - عن القاضي أبي عمر بن منظور في عدم جواز ما عدا ما أوجبه القرآن والسنة كالزكاة والفيء والركاز وإرث من لا وارث له، إلا للضرورة بشروط ذكرها.
(1) في مظاهر يقظة المغرب (2/ 393) سماه المشرقي وجعل وفاته سنة 1337/ 1919. والصواب ما ذكرت.
(2)
الحلل البهية (2/ 264).
(3)
نفس المرجع (2/ 264).
ونقل عن بعض أصحابه قصيدة في إنكار الترتيب ومحرضا على الدفاع وحماية بيضة الإسلام (1).
منها قوله:
ألا أيها الإسلام أهل المحبة
…
وإخواننا في الدين شرقا وقبلة
لقد ضاع هذا الدين أين أهيله
…
وحق لنا التغريد في كل بلدة
نرى الروم جاروا ثم نحن في غفلة
…
سكوتا نحاكي وصفنا كالبهيمة
أيا علماء الدين قوموا بوصفكم
…
وقولوا بقول الحق واخشوا من لعنة
أيا شرفاء الحل والعقد أنتم
…
حماة لهذا الدين من غير مرية
في أي كتاب جاءنا حل ترتيب
…
وترك زكاة بينوا وجه شبهة
دعائم هذا الدين صارت إلى ورا
…
ونحن سكارى في هوى وبلية
قوانين دين الكفر حلت بغربنا
…
فأين ولاة الأمر من خير نسبة
أما فيكم من ينصر دين ربنا
…
فناصره يحظى بنور وسطوة
أخفتم من الموت الذي يطلب الفتى
…
كلا إنه آت بوفق المشيئة
أخفتم به نقصا لدنياكم التي
…
بخلتم بها فالعذر أقبح زلة
دعوني من الخذلان وارعوا سؤالكم
…
إذا الناس في الحشر المهول وشدة
أليس صلاح الناس بالعالم الذي
…
يقول مقال الله من غير لومة
وبعده وال للأمور بعلمه
…
مشاور فيها مرة بعد مرة
وألا يكونا بالصفات فدعهما
…
فضرهما يسري وقل بقريحة
ألا أيها الإسلام صدقوا ربكم
…
بوعده في قتل العدو وجنة
(1) نفس المرجع (2/ 266 - 267).
فشمروا ياأهل الصحاري لثأركم
…
وقوموا بساق الجد المنية
وسارعوا للخيرات كيما تحوزها
…
فان رجال العز بين الأسنة
ولا تسمعوا قول الرعاع بغربنا
…
فليس لهم في الحرب بأس وشدة
لأنهم باعوه ثم تقهقروا
…
وصاروا حيارى ماسكين بعمية
ووسدوا أمرهم إلى غير أهله
…
وحكموا كل قاسط في الولاية
وشاوروا في الأمر المهم عدونا
…
ولا يخفى ما أبدى لنا من مكيدة
ألا أيها الحبر الكريم سلالة
…
وقاضي قضاة العدل من خير نصرة
فحرض جموع المسلمين وسلهم
…
وعظهم بما في الذكر أي وآية
وخير مقول العبد قول إلهنا
…
ولا تحسبن يا خبيرا بحكمة
وفي الخبر المروي من سن سنة
…
فأجر له فيها ليوم القيامة
ألا أيها الشيخ المهذب نسبة
…
وحائز سبق الفضل من آل رتبة
بلغت بفضل الله للخير كله
…
وكنت بهذا الجمع كاشف كربة
فيا معشر الشجعان قوموا بحقه
…
وسددوا فيما بينكم بالسوية
وشاوروا ذا رأي وصالح وقتنا
…
فإن لهم سرا مصونا وغيرة
فيا رب وفقهم وسدد عقولهم
…
وضاعف لهم أجرا كثيرا في جنة
ووفق جميع المسلمين لرشدهم
…
وعنهم على أعدائنا بني صفرة
بحرمة خير الخلق طه محمد
…
وآله والأصحاب أولي السماحة
عليه صلاة الله ثم سلامه
…
بعد النبات والحصى مع رملة
فهذا مقالي للأحبة كلهم
…
ولولا نيران القلب ما خضت لجة
وأحمد ربي الله ثم عليكم
…
سلامي بِعَدِّ الزائرين لطيبة
وطلب يوسف بن تاشفين من أهل البلاد المغربية والأندلسية المعاونة بشيء من المال على ما هو بصدده من الجهاد وكتب إلى قاضي المرية أبي عبد الله محمد بن يحيى عرف بابن البراء يأمره بفرض معونة المرية ويرسل بها إليه فامتنع محمد بن يحيى من فرضها وكتب إليه يخبره بأنه لا يجوز له ذلك فأجابه أمير المسلمين بأن القضاة عندي والفقهاء قد أباحوا فرضها وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد فرضها في زمانه فراجعه القاضي عن ذلك بكتاب يقول فيه: فقد بلغني ما ذكره أمير المسلمين من اقتضاء المعونة وتأخري عن ذلك، وأن أبا الوليد الباجي وجميع القضاة والفقهاء بالعدوة والأندلس أفتوه بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اقتضاها، فالقضاة والفقهاء إلى النار دون زبانية. فإن كان عمر اقتضاها فقد كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيره وضجيعه في قبره، ولا يشك في عدله، وليس أمير المسلمين بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بوزيره ولا بضجيعه في قبره، ولا ممن لا يشك في عدله. فإن كان القضاة والفقهاء أنزلوك منزلته في العدل فالله تعالى سائلهم وحسيبهم عن تقلدهم فيك. وما اقتضاها عمر رضي الله عنه حتى دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر من كان معه من الصحابة رضي الله عنهم وحلف أن ليس عنده في بيت مال المسلمين درهم واحد ينفقه عليهم. فليدخل أمير المسلمين المسجد الجامع بحضرة من هناك من أهل العلم وليحلف أن ليس عنده في بيت مال المسلمين درهم ينفقه عليهم. وحينئذ تجب معونته، والله تعالى على ذلك كله. والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. فلما بلغ كتابه إلى أمير المسلمين وعظه الله بقوله ولم يعد عليه في ذلك قولا، والأعمال بالنيات (1).
(1) الاستقصا (2/ 59 - طبعة دار الكتاب).
ومما أخذه عبد الحي الكتاني على عبد العزيز تبديله لأحكام الشرع، وتبديله قاعدة من قواعد الدين الخمسة، وهي الزكاة بالترتيب، مع إجماع الأمة على كفر من غيّر شيئا من معالم الدين وغير ذلك (1).
وبعد إقرار الضريبة دخل المغرب في أخطر أزمة مالية في تاريخه كانت السبب المباشر في الهيمنة الغربية عليه تمهيدا لاستعماره. فاقترض السلطان عبد العزيز في سنة 1903 مبلغ 22.5 مليون فرنك فرنسي من فرنسا وانجلترا واسبانيا، ليعود سنة 1904 ليقترض مبلغ 62.5 مليون فرنك، ليغرق البلاد في أزمة كبيرة (2).
وغالب هذه الأموال كانت لتلبية حاجات السلطان المراهق من الألعاب والمبتكرات العصرية.
وقد كان السلطان عبد العزيز يخالط الانجليز مخالطة مريبة، وكانوا يقيمون سهرات لهو معه تصاحبها أشياء أخرى مريبة، وكان العامة أساؤوا به الظن كثيرا، فكثر بذلك القيل والقال، وظن الناس به الظنون، وحكى العبيد والخدمة المطلعين على تلك الأحوال بما يوجب النفور منه، حسبما أفاد المشرفي وهو مؤرخ رسمي (3).
(1) مفاكهة ذوي النبل والإجادة (23) طبعة حجرية 1326/ 1908 العامة. نقلا عن الوطنية في النثر المغربي (97).
(2)
المغرب والاستعمار (78).
(3)
الحلل البهية (2/ 271).
…
=
=
…
كان السلطان عبد العزيز في بداية حكمه طفلا تستهويه الألعاب واللهو، التي كان يقضي فيها جل وقته. وقد حكى صديقه ومؤنسه غابرييل فير في كتابه في صحبة السلطان- المغرب (1901 - 1905) من ذلك أشياء كثيرة وغريبة.
وكان السلطان قد اتخذ بطانة سوء يستشيرهم. وخاصة الداهية الإنجليزي ماك لين (69) حتى أنه كان يستدعيه في ساعة متأخرة من الليل لاستشارته (75).
وقد عمل ماك لين على تسلية السلطان. (74) وجلب خمسة إنجليز آخرين لمساعدته في مهمته العسكرية بتدريب قوات المخزن (77).
وكان الصحفي والتربارتون هاريس من مخبري المفوضية الأوربية (78) هو الذي أشار على السلطان بإحداث ضريبة عامة على المواطنين، فاستحسنها السلطان (80).
كل هذا والمغرب يمر بأكبر أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، ويتربص به الطامعون من كل جانب.