المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من الناحية السياسية: - العلمانية والمذهب المالكي

[مصطفى باحو]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌العلمانية والمذهب المالكي

- ‌المذهب المالكي عبادة وشريعة

- ‌إنكار المالكية للحرية بمفهومها العلماني:

- ‌السياسة إذا لم تتقيد بالشريعة فهي مرفوضة:

- ‌توقيف العمل بأحكام الشريعة في المغرب

- ‌الحفاظ على الأحكام الشرعية أهم واجب على السلطان

- ‌تحريم المالكية التحاكم إلى غير الكتاب والسنة:

- ‌إنكار المالكية لتبديل الزكاة بالضريبة:

- ‌أول من بدل الزكاة الشرعية بضريبة الترتيب

- ‌تطبيق الحدود الشرعية في عهد الدولة العلوية

- ‌الخمر

- ‌الدعارة

- ‌عناية الدولة العلوية بجمع الجزية من اليهود

- ‌مناهضة المالكية للبنوك الربوية

- ‌أحكام أخرى:

- ‌الظهير البربري أهم مظاهر العلمنة في المغربوموقف المغاربة منه

- ‌علمنة القانون

- ‌1 - فرنسة البربر أحد أهم أهداف السياسة البربرية

- ‌2 - الإخراج من الإسلام والقضاء على القرآن:

- ‌3 - تنصير البربر:

- ‌الاحتجاج ضد السياسة

- ‌عود على بدء

- ‌ماذا يعني تطبيق الشريعة في المذهب المالكي

- ‌من الناحية السياسية:

- ‌ومن الناحية الإعلامية:

- ‌ومن الناحية الاجتماعية:

- ‌ومن الناحية القانونية:

- ‌ومن الناحية الاقتصادية:

- ‌ملحق:

- ‌قرار رقم: 146 (4/ 16)بشأنالقراءة الجديدة للقرآن وللنصوص الدينية

- ‌المراجع

الفصل: ‌من الناحية السياسية:

منظومة متكاملة من القيم والقوانين والتشريعات التي تشمل كافة النواحي المتصلة بحياة الإنسان، وذلك ما سنحاول إجمال القول فيه من خلال النقط التالية:

‌من الناحية السياسية:

يعني تطبيق الشريعة أن يكون الإسلام هو دين الدولة الرسمي. كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ} آل عمران 19.

وأن تكون أحكام الشريعة الإسلامية والفقه المالكي خاصة المصدر الأساس للتشريعات القانونية. كما قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً} النساء 59.

قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره (5/ 261): {فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} أي: ردوا ذلك الحكم إلى كتاب الله أو إلى رسوله بالسؤال في حياته، أو بالنظر في سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

وقال الشاطبي في الاعتصام (2/ 755): وقوله: {فِي شَيْءٍ} نكرة في سياق الشرط فهي صيغة من صيغ العموم. فتنتظم كل تنازع على العموم.

قال أبو العباس القرطبي في المفهم (12/ 86): وقوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ} أي: الردُّ إلى كتاب الله تعالى وسُنّة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خير من الردّ إلى التحكّم بالهوى، و {خَيْرٌ} للمفاضلة التي على منهاج قولهم: العسل أحلى من الخل. ومنه قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} الفرقان 24

ص: 133

و {خَيْرٌ} هنا بمعنى: الواجب. أي: ذلك الواجب عليكم، و {تَاوِيلاً} أي: مآلاً، ومرجعًا. قاله قتادة وغيره.

وقال الشاطبي في الاعتصام (2/ 309 - 310): فكل اختلاف صدر من مكلف فالقرآن هو المهيمن عليه قال الله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً} فهذه الآي وما أشبهها صريحة في الرد إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة نبيه لأن السنة بيان الكتاب وهو دليل على أن الحق فيه واضح وأن البيان فيه شاف لا شيء بعده يقوم مقامه وهكذا فعل الصحابة رضي الله عنهم لأنهم كانوا إذا اختلفوا في مسألة ردوها إلى الكتاب والسنة وقضاياهم شاهدة بهذا المعنى لا يجهلها من زاول الفقه فلا فائدة في جلبها إلى هذا الموضع لشهرتها فهو إذا مما كان عليه الصحابة.

وقال (2/ 45): ومثال ما يقع في العقل أن الشريعة بينت أن حكم الله على العباد لا يكون إلا بما شرع في دينه على ألسنة أنبيائه ورسله ولذلك قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} وقال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} وقال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلّهِ} وأشباه ذلك من الآيات والأحاديث.

إن الإسلام عقيدة وشريعة، ولذلك لا يقبل منا -كما يقول خريج القرويين علال الفاسي في كتابه «دفاع عن الشريعة الإسلامية» (51) - أن نكتفي بالإيمان بالله ونصلي ونزكي ونقوم بالحج والصيام وفعل المبرات، ولكنه يطالبنا بأن نفعل ذلك ونفعل معه تطبيق أحكام الشرع في معاملاتنا وفي قضايانا وإدارتنا وحكومتنا.

ص: 134

إلى أن قال (51 - 52): وما شرعت الدولة إلا لمصلحة الدين. وما جعلت الخلافة إلا لتنفيذ أحكام الشريعة. ومهما كان النظام الذي تسير عليه الأمة المسلمة في عصورها وبلدانها فالذي يهم ليس هو الشكل، ولكن هو الدستور الذي تسير عليه والقانون الذي تحكم بمقتضاه. ولا يقبل الإسلام أن يكونا (1) خارجين عن نطاق أصول الشريعة التي جاءت بها المصادر الشرعية وهي القرآن والسنة الصحيحة قبل غيرهما. ولا يتصور الإسلام فصل الدين عن الدولة، لأنه إذا فصل عنها وجب أن تزول ويبقى هو. والإسلام يعتبر الدولة خادمة للناس. والناس مجموعة من أفراد ولا يتصور الإسلام أن يكون الفرد المسلم منفصلا عن الدين. وتبعا لذلك لا يتصور أن يكون المسلم النائب عن الأمة المسلمة يدبر أمورها بغير الشرع ولا الوزير أو الملك أو رئيس الجمهورية يمضون على غير ما يفكر به نواب الأمة وما ترضى عنه الأمة المسلمة وهي لا ترضى -إذا كانت ما تزال مسلمة- بغير أحكام الشريعة.

وأن يقوم الحاكم بواجبه في الحفاظ على الدين الإسلامي عقيدة وشريعة والدفاع عنه.

قال ابن المناصف المراكشي في تنبيه الحكام (329): قد تقدم القول في بيان تأكيد الوجوب في القيام بتغيير المناكر، وحماية معالم الشرع، وحفظ شعائر الإسلام على الولاة والحكام، فإنه يجب عليه من تفقد أحوال الناس، وتعرف ما يكون من المناكر، والبحث على مظانها، والسعي في حسم موادها، وقطع

(1) أي: الدستور والقانون.

ص: 135

علائقها، وإظهار الترهيب في ذلك، والتنكيل في العقوبة، والقهر المانع من التهاون بها، والمجاهرة بأسبابها، ما لا يجب على غيرهم من آحاد الرعية.

وقال ابن بطال المالكي في شرح البخاري (9/ 293 - 294): وأجمعت الأمة على أن ذلك فرض على الأئمة والأمراء أن يقوموا به ويأخذوا على أيدي الظالمين وينصفوا المظلومين ويحفظوا أمور الشريعة حتى لا تغير ولا تبدل.

وقال الناصري في الاستقصا (3/ 166): وكان المنصور (أي: السلطان الموحدي) يشدد في إلزام الرعية بإقامة الصلوات الخمس، وقتل في بعض الأحيان على شرب الخمر، وقتل العمال الذين تشكوهم الرعايا

وكان يعاقب على ترك الصلوات، ويأمر بالنداء في الأسواق بالمبادرة إليها، فمن غفل عنها أو اشتغل بمعيشته عزره تعزيرا بليغا.

وقال أحمد بن محمد الرهوني في «نصح المؤمنين بشرح قول ابن أبي زيد"والطاعة لأئمة المسلمين"» (1)(289): ثم انعقادها لفاقد بعض الشروط مشروط بالقدرة على تنفيذ الأحكام وحفظ حدود الإسلام وإلا فقد تردد السعد في انعقاد البيعة له حيث قدمه أهل الحل والعقد.

وأن يحرص الحاكم على العدل بين الرعايا ولو من غير المسلمين.

وأن يكون الجميع متساوين أمام القانون. لا فرق بين عربي ولا عجمي ومسلم ولا كافر.

(1) مخطوط الخزانة العامة بالرباط (2160د).

ص: 136

قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} . [النحل90].

وقال تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} . [الحجرات9].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} . [النساء135].

وأن يحرص الحاكم على تطبيق أحكام الشريعة في الميادين المختلفة.

قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (الأعراف:3).

قال القرطبي في تفسيره (7/ 161): قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} يعني الكتاب والسنة.

وقال ابن العربي في أحكام القرآن (3/ 491) قال علماؤنا: معناه أحلوا حلاله وحرموا حرامه، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، واستبيحوا مباحه، وارجوا وعده، وخافوا وعيده، واقتضوا حكمه، وانشروا من علمه علمه، واستجسوا خباياه، ولجوا زواياه، واستثيروا جاثمه، وفضوا خاتمه، وألحقوا به ملائمه.

وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} النساء 105.

ص: 137

قال القرطبي في تفسيره (5/ 376): قوله تعالى: {بِمَا أَرَاكَ الله} معناه على قوانين الشرع، إما بوحي ونص، أو بنظر جار على سنن الوحي.

وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} النساء 65.

قال ابن كثير في تفسيره (2/ 349 - دار طيبة): وقوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا. ولهذا قال:{ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث:«والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» (1).

لما ترك السلطان العلوي عبد العزيز جهاد المستعمر الفرنسي لما احتل الدار البيضاء ووجدة خلعه علماء فاس وغيرهم فكان من جوابهم في هذه الحادثة ما يلي: قال القاضي أبو القاسم ابن سلمون الغرناطي: الإمامة عبارة عن

(1) رواه ابن أبي عاصم في السنة (15) وغيره. وفي سنده نعيم بن حماد مختلف فيه وخرج له البخاري ووثقه أبو حاتم وأحمد بن حنبل وابن معين في أكثر النقول عنه والعجلي وابن حبان. وضعفه النسائي وأبو عروبة الحراني وغيرهما. وأما نقل الدولابي اتهامه بالوضع فلا يقبل لأنه نقله عن مجهول. وهو مذكور بالتعصب فلا يقبل قوله فيه. وكذا ما نقله الأزدي عن مجهولين، والأزدي متكلم فيه.

ولعله لهذا صحح الحديث النووي وغيره. وخرجه الحافظ أبو نعيم في كتاب «الأربعين» وشرط في أوله أن تكون الأحاديث التي يخرجها من صحاح الأخبار. والله أعلم.

ص: 138

خلافة شخص الرسول عليه الصلاة والسلام في إقامة قوانين الشرع وحفظ الملة (1).

وجاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم: 48 (10/ 5)(2) بشأن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 - 6 جمادى الأولى 1409 الموافق 10 - 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988 ما يلي:

إن أول واجب على من يلي أمور المسلمين تطبيق شريعة الله فيهم.

ويناشد جميع الحكومات في بلاد المسلمين المبادرة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتحكيمها تحكيماً تاماً كاملاً مستقراً، في جميع مجالات الحياة، ودعوة المجتمعات الإسلامية، أفراداً وشعوباً ودولاً، للالتزام بدين الله تعالى، وتطبيق شريعته، باعتبار هذا الدين عقيدة وشريعة وسلوكاً ونظام حياة. انتهى.

ولا بأس بالتدرج في تطبيق الشريعة، أعني أن يتدرج في تطبيق حكم بعينه، ويتدرج في تطبيق حكم قبل حكم. ولا يلزم تطبيق الجميع دفعة واحدة، استعمالا لفقه التيسير والرفق بالناس، ولأن المصلحة الشرعية تقتضي ذلك، وقد نص الحافظ ابن رجب في فتح الباري (4/ 199 - 200) على أنه قد يتساهل مع من أسلم في ترك بعض الأمور الواجبة حتى يدخل. ولا فرق بين هذا وذاك.

(1) أشرف الأماني بترجمة الشيخ سيدي محمد الكتاني لمحمد الباقر الكتاني (386). وهو في جواب علماء فاس في تأييدهم لخلع السلطان المولى عبد العزيز. نص الجواب في التاريخ السياسي (6/ 215).

(2)

مجلة المجمع (العدد الخامس، ج4 ص 3471).

ص: 139

قال ابن رجب: وقد كان أحيانا يتألف على الإسلام من يريد أن يسامح بترك بعض حقوق الإسلام، فيقبل منهم الإسلام، فإذا دخلوا فيه رغبوا في الإسلام فقاموا بحقوقه وواجباته كلها. كما روى عبد الله بن فضالة الليثي عن أبيه قال: علمني رسول الله فكان فيما علمني: «وحافظ على الصلوات الخمس» . قال: قلت: إن هذه ساعات لي فيها أشغال، فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني. قال:«حافظ على العصرين» . وما كانت من لغتنا قلت: وما العصران؟ قال: «صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها» . خرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم (1).

وظن أن فضالة هو ابن عبيد، ووهم في ذلك. فليس هذا فضالة بن عبيد: قاله ابن معين وغيره. وفي المسند من حديث قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم أنه أتى النبي فأسلم على أن يصلي صلاتين، فقبل منه. وفي رواية: على أن لا يصلي إلا صلاتين، فقبل منه (2). وفيه

(1) رواه أبو داود (1/ 428) والحاكم (1/ 51)(1/ 717)(3/ 6637) وابن حبان (5/ 1742) والبيهقي (1/ 466) وابن أبي عاصم (2/ 939) والطبراني (18/ 319) من طريق خالد بن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة عن أبيه.

وخالد هو ابن عبد الله الطحان أبو الهيثم الواسطي ثقة ثبت. وباقي رجاله ثقات.

ورواه أحمد (4/ 344) والحاكم (1/ 50) وابن حبان (5/ 1741) من طريق هشيم قال أخبرنا داود بن أبي هند قال حدثني أبو حرب بن أبي الأسود عن فضالة الليثي.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه

في هذا الإسناد عن داود بن أبي هند خلاف لا يضر الحديث بل يزيده تأكيدا.

ثم ذكر الإسناد المتقدم.

والحديث ذكره الألباني في الصحيحة (4/ 1813).

(2)

رواه أحمد (5/ 24) ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن رجل منهم. ورجاله ثقات إلا الرجل المبهم فالظاهر أنه صحابي.

ص: 140

أيضا عن جابر أن ثقيفاً إذ بايعت اشترطت على رسول الله أن لا صدقة عليها ولا جهاد. قال رسول الله: «يصدقون ويجاهدون إذا أسلموا» (1). قال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: إذا أسلم على أن يصلي صلاتين يقبل منه، فإذا دخل يؤمر بالصلوات الخمس. وذكر حديث قتادة عن نصر بن عاصم الذي تقدم.

ونص علماء المالكية على أن من شروط الإمامة إقامة الحدود الشرعية التي نص الله عليها أو رسوله.

بداية أؤكد أن الشريعة الإسلامية لها مجالات مختلفة ومتعددة تطال جميع أشكال الحياة: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والقضائية وغيرها. وليست الحدود إلا جزءا من نظام قضائي شامل. والنظام القضائي جزء من أنظمة متعددة داخل الشريعة الإسلامية.

وقد جاءت الشريعة بحفظ الكليات الخمس: حفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ الدين، وحفظ النسل، وحفظ المال.

ولهذا رتبت الشريعة عقوبات زاجرة لكل إخلال بهذه الكليات:

فلحفظ النفس شرعت القتل والقصاص والحرابة. ولحفظ العقل شرعت حد الخمر. ولحفظ الدين شرعت حد الردة، ولحفظ النسل شرعت الرجم والجلد، ولحفظ المال شرعت حد السرقة: القطع.

(1) رواه أبو داود (2/ 3025) بسند حسن. ورواه أحمد (3/ 341) بسند فيه ابن لهيعة.

ص: 141

وهذه الحدود الشرعية ليست بمعزل عن نظام اجتماعي واقتصادي متكامل يضمن للفرد المستهدف بهذه العقوبات: العيش الكريم والسلم الاجتماعي وإشباع الرغبات المختلفة وفق ضوابط الشريعة.

ويحاول العلمانيون فصل الحدود عن النظام التشريعي والاقتصادي والاجتماعي العام الذي جاء به الإسلام، لكي يسهل عليهم استهدافها بالنقد والسخرية والاستهزاء، وتصويرها على أنها نظام عقابي متخلف همجي يستند إلى ثقافة القرون الوسطى، كما قد حكيت عنهم ذلك بتفصيل في كتابي: العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام.

فهل تتصور مثلا السرقة في ظل مجتمع يلزم الإسلامُ الحاكمَ فيه بتحقيق الأمن الغذائي للمواطنين، ويلزمه بجمع الزكاة من الأغنياء وتوزيعها على الفقراء؟.

وهل يمكن تصور وجود الزنا في ظل مجتمع يقوم على الفضيلة والحشمة والأخلاق الفاضلة وعدم التبرج مع إعلام منضبط بضوابط الشريعة، مع تشجيع للزواج الشرعي بكافة السبل؟

المشكلة هي عندما يتحدث البعض عن حلول ترقيعية لمشكل جزئي في ظل نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي مختلف.

فالإسلام له نظام متكامل من جميع جوانبه، وليس حدودا فقط أو منع تبرج فقط. ولهذا فمن أخذ جزءا من الإسلام ورام تطبيقه بمعزل عن استراتيجية متكاملة للشريعة، وتقديم ما حقه التقديم وتأخير ما حقه التأخير فجنايته على الإسلام أعظم وأشد.

ص: 142

وعلى كل حال فالحدود أحد الأحكام الشرعية التي طالما أكد علماء المالكية على أن على الحاكم المسلم إقامتها بشروطها المعتبرة:

قال ابن عطية في المحرر الوجيز (1/ 192): وإن الحكام وأولي الأمر فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (14/ 396): حد الزاني حق من حقوق الله على الحاكم إقامته.

وذكر أبو عبد الله القرطبي في تفسيره (1/ 270) من شروط الإمامة: أن يكون ممن لا تلحقه رقة في إقامة الحدود ولا فزع من ضرب الرقاب ولا قطع الأبشار والدليل على هذا كله إجماع الصحابة رضي الله عنهم، لأنه لا خلاف بينهم أنه لا بد من أن يكون ذلك كله مجتمعا فيه، ولأنه هو الذي يولي القضاة والحكام، وله أن يباشر الفصل والحكم، ويتفحص أمور خلفائه وقضاته، ولن يصلح لذلك كله إلا من كان عالما بذلك كله قيما به. والله أعلم.

وقال (1/ 271): وذلك أن الإمام إنما نصب لدفع العدو وحماية البيضة وسد الخلل واستخراج الحقوق وإقامة الحدود وجباية الأموال لبيت المال وقسمتها على أهلها.

وقال (1/ 271): لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في أمورهم إلى غير ذلك مما تقدم ذكره.

وقال كذلك (2/ 245): لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر، فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك.

ص: 143

وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (1/ 125): وأهل السنة مجمعون على أن المتغلب يقوم مقام الإمام العدل في إقامة الحدود وجهاد العدو، وإقامة الجمعات والأعياد وإنكاح من لا ولي لها.

وقال (8/ 407) معلقا على قول النبي صلى الله عليه وسلم «إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا يقيمون الحد على الوضيع، ويتركون الشريف، والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة فعلت ذلك لقطعت يدها» : قال المهلب: هذا يدل أن حدود الله لا يحل للأئمة ترك إقامتها على القريب والشريف، وأن من ترك ذلك من الأئمة فقد خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغب عن اتباع سبيله.

وقال (4/ 500): ولا يمنع الحرم من إقامة الحدود عند مالك، واحتج بعض أصحابه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة من القتل، وهذا القول أولى بالصواب. لأن الله تعالى أمر بقطع السارق، وجلد الزاني، وأوجب القصاص أمرا مطلقا ولم يخص به مكانا دون مكان، فإقامة الحدود تجب في كل مكان على ظاهر الكتاب.

وجعل أبو العباس القرطبي في المفهم (12/ 89) من أسباب خلع الحاكم ترك إقامة قاعدة من قواعد الدين أو أباح المحرمات كترك إقامة الحدود قال: قوله: «على المرء المسلم السمع والطاعة» . ظاهر في وجوب السمع والطاعة للأئمة، والأمراء، والقضاة. ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية. فإن أمر بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولا واحدا، ثم إن كانت تلك المعصية كفرا: وَجَبَ خَلْعُه على المسلمين كلهم. وكذلك: لو ترك إقامة قاعدة من قواعد الدين. كإقام الصلاة، وصوم رمضان، وإقامة الحدود، ومنع من ذلك. وكذلك لو أباح شرب الخمر، والزنى، ولم يمنع منهما، لا يختلف في وجوب خَلْعِه. فأما

ص: 144