الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعلم أن هذا هو أساس الافتراق بين السنة والشيعة، فالمشرع عندنا واحد، والمشرعون عندهم ثلاثة عشر، وخروجهم عن هذا الإجماع الذي أجمع عليه المسلمون من أن المشرع هو الله ورسوله لا غيرهما، جعلهم يختلفون مع سائر المسلمين في كثير من الأحكام والفروع الفقهية، فهذا منشأ الخلاف، ومن هنا يعالج، وليس الحل بأن نلجأ إلى حل الخلافات الفرعية، ما دام الأصل مختلفا فيه، والمنبع متنازعا عليه.
ثانيا: علمهم الغيب:
إن من المجمع عليه بين أهل الإسلام، أن الله استأثر بعلم الغيب، فلا يُطلِع على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسله المبلغين عنه، قال تعالى «عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا» وقال «قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله» وقال على لسان نبيه نوح «ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب» وعلى لسان محمد صلى الله عليه وآله «ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير»
فهؤلاء أولوا العزم من الرسل يتبرؤون من دعوى علم الغيب، لكن الشيعة تزعم أن أئمتها تعلم الغيب، وبالغت في ذلك كأشد ما تكون المبالغة، ووضعت في ذلك من الأحاديث ما يُتعب أقلام الكتبة، ويُكِل أنامل الحسبة.
فمن ذلك ما أورد الكليني في كتابه الكافي، الذي هو بمثابة صحيح البخاري عندهم، الذي خصص فيه أبوابا في علمهم الغيب، ذكر منها:
باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون ما كان وما يكون، وأنهم لا يخفى عليهم الشيء (1)
وباب أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم (2)
وباب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام (3)
وتحت كل باب من هذه الأبواب عشرات الأحاديث، التي يجف القلم رهبة عند كتابتها، وترتعد الأصابع من هول ما فيها.
كهذه الرواية التي ينسبون إلى علي رضي الله عنه أنه يقول فيها: «ولقد أعطيت خصالا ما سبقني إليها أحد قبلي: علمت المنايا والبلايا، والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني، أبشر بإذن الله وأؤدي عنه، كل ذلك من الله مكنني فيه بعلمه» (4).
وفي رواية أخرى عن جعفر بن محمد، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: أعطيت تسعا لم يعط أحد قبلي سوى النبي صلى الله عليه وآله:
(1) ج1 ص260
(2)
ج1 ص258
(3)
ج1 ص255
(4)
الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 196 - 197
لقد فتحت لي السبل، وعلمت المنايا، والبلايا، والأنساب، وفصل الخطاب، ولقد نظرت في الملكوت بإذن ربي، فما غاب عني ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي، وإن بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم، وأتم عليهم النعم، ورضي لهم إسلامهم» (1)
بل يزعمون أن أئمتهم يطلعون على اللوح المحفوظ. يقول أحد معاصريهم وهو الشيخ غلام رضا: «يرى محققوا المفسرين أن الضمير في «لا يمسه» يعود إلى الكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ، فيستفاد حينئذ من الآية أن الأفراد الذين طهرهم الله قادرون على الاطلاع على اللوح المحفوظ وحقائقه وهي غيب السماوات والأرض» (3)
(1) أمإلي الطوسي ص205
(2)
عقائد الإمامية - الشيخ محمد رضا المظفر - ص 67 - 68
(3)
الرد على شبهات الوهابية - الشيخ غلام رضا كاردان - ص 17وهذا الرجل قد قابلته شخصيا في مدينة قم.
يقصد بذلك ما ورد في قوله تعالى «لا يمسه إلا المطهرون» أي اللوح المحفوظ، وقد ناقشته في هذه المسألة حينما قابلته في مدينة قم، وأكد لي بأن اللمس في القرآن حسي ومعنوي، فهذا اللمس هنا لمس معنوي، والمقصد من الآية أن الأئمة يطلعون على اللوح المحفوظ لأنهم هم المطهرون المرادون في الآية.
لذلك فهم يعلمون كل ما يحدث، كما ورد في رواياتهم «وما من ليلة تأتي علينا إلا وأخبار كل أرض عندنا وما يحدث فيها، وأخبار الجن وأخبار أهل الهوى من الملائكة، وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غيره إلا أتانا خبره، وكيف سيرته في الذين قبله، وما من أرض من ستة أرضين إلى السابعة إلا ونحن نؤتى بخبرهم» (1).
وهذا العلم التفصيلي للحوادث، هو مما اختص الله تعالى به، قال تعالى:«وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين» فلا يعلم ما يحدث في الكون على التفصيل إلا خالق الكون سبحانه، وكما رأيت فإن الشيعة ينسبون لأئمتهم مثل هذا العلم، ومن رواياتهم أن عليا رضي الله عنه -فيما يزعمون- قال لرجل: «أتدري ما حدث البارحة؟ وقع بيت بالصين، وانفرج برج ماجين، وسقط سور سرنديب، وانهزم بطرق الروم بأرمينية، وفقد ديان اليهود بأبلة،
(1) كامل الزيارات - جعفر بن محمد بن قولويه - ص 541 - 542
وهاج النمل بوادي النمل، وهلك ملك إفريقية، أكنت عالما بهذا؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. فقال: البارحة سعد سبعون ألف عالم، وولد في كل عالم سبعون الفا، والليلة يموت مثلهم». (1)
فانظر إلى بُعد المسافة ما بين الصين وإفريقية، بل إلى بُعد ما بين السماء والأرض، والإمام يعلم ما يحدث في هذه العوالم كلها، إن هذا يعني بأن نعيد النظر في دلالات كل الآيات التي قصرت علم الغيب على الله عز وجل، وجعلت هذا من خصائص ربوبيته، ومظاهر عظمته. بل إن هذا نقض صريح ومشاقة لكل تلك الآيات.
وقد ناقشت أحد آياتهم وهو السيد علي مددي في بيته مدة ست ساعات في هذه القضية، وأكد لي أن علم الإمام الغيب مما أجمعت عليه الشيعة، ولم يخالف في ذلك إلا مرجعهم الخوئي، فإنه قال إنهم يعلمون إذا شاؤوا أن يعلموا، وليس على الإطلاق.
(1) الاحتجاج للطبرسي ص 558