الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر) ".
قلت: هذا إبليس والزنادقة لم يصل إلى هذا الحد في الكفر فالمقصود بقول رسول الله [إن الله هو الدهر] هو أنه سبحانه وتعالى مقدر المقادير؛ فسب الأيام سب لله لأنه هو مقدر المقادير سبحانه وتعالى والزمان لا دخل له في ذلك. فنهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن سب الزمان لأن هذا من ثم يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى. وليس مقصود الرسول حتمًا أن الله هو الزمان لأن الله جل وعلا هو خالق الزمان والمكان والخالق غير المخلوق. وأما الدهرية فإنهم لا يؤمنون بإله أصلًا والجيلي يجعل هؤلاء الملاحدة عبادًا لله. . انظر. .
الغزالي وطريق الكشف
لعل من العجائب والغرائب أن يسقط رجل في طريق التصوف كالغزالي رحمه الله وعفا عنه. وعلى ما كان منه فقد كان من علماء الشريعة. ولكن لقصر باعه رحمه الله في علم السنة ومعرفة صحيح الحديث من ضعيفه فقد اغتر بما عليه الصوفية من ظاهرهم، وما يبدونه ويعلقونه من الورع والتقوى، ولما كان عنده من الفلسفة الأولى التي دخل في بطنها ولم يستطع الخروج منها على حد قول تلميذه الإمام ابن العربي المالكي رحمه الله فإنه قد دون للمتصوفة ما دون في كتابه إحياء علوم الدين. ومن ذلك ما نقله عنهم في زعمهم بالكشف حيث يقول:
" فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر، وفاض على صدورهم النور، لا بالتعليم والدراسة والكتابة للكتب، بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها، وتفريغ القلب من شواغلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى. فمن كان لله، كان الله له - وزعموا أن الطريق في ذلك، أولًا بانقطاع علائق الدنيا بالكلية، وتفريغ القلب منها، وبقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن، وعن العالم والولاية والجاه، بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود الشيء وعدمه. ثم يخلوا بنفسه في زاوية مع الاقتصار على الفرائض
والرواتب، ويجلس فارغ القلب، ولا يفرق فكره بقراءة قرآن، ولا بالتأمل في تفسيره، ولا يكتب حديثًا ولا غيره. بل يجتهد أن لا يخطر بباله شيء سوى الله تعالى. فلا يزال، بعد جلوسه في الخلوة، قائلًا بلسانه: الله. . الله. . على الدوام، مع حضور القلب، حتى ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية على لسانه. ثم يصير عليه إلى أن يمحي عن القلب صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلمة، ويبقي معنى الكلمة مجردًا في قلبه حاضرًا فيه، كأنه لازم له، لا يفارقه، وله اختيار إلى أن ينتهي إلى هذا الحد، واختيار في استدامة هذه الحالة بدفع الوسواس. وليس له اختيار في استجلاب رحمة الله تعالى. بل هو بما فعله صار متعرضًا لنفحات رحمة الله، فلا يبقى إلا الانتظار لما يفتح الله من الرحمة، كما فتحها على الأنبياء والأولياء بهذه الطريق.
وعند ذلك إذا صدقت إرادته، وصفت همته، وحسنت مواظبته، فلم تجاذبه شهواته، ولم يشغله حديث النفس بعلائق الدنيا - تلمع لوامع الحق في قلبه، ويكون في ابتدائه كالبرق الخاطف ثم يلبث ثم يعود وقد يتأخر. وإن عاد فقد يثبت، وقد يكون مختطفًا. وإن ثبت قد يطول ثباته وقد لا يطول، وقد يتظاهر أمثاله على التلاحق وقد يقتصر على فن واحد.
ومنازل الأولياء الله تعالى فيه لا تحصر، كما لا يحصى تفاوت خلقهم وأخلاقهم - وقد رجع هذا الطريق إلى تطهير محض من جانبك، وتصفية وتجليات، ثم استعداد وانتظار فقط " ا. هـ
فانظر قول الغزالي عن الصوفي الذي يريد الوصول إلى الكشف (ويجلس فارغ القلب، مجموع الهم، ولا يفرق فكره بقراءة القرآن ولا بالتأمل في تفسير ولا يكتب حديثًا ولا غيره. . بل يقول. . الله الله على الدوام. .) فهل وجد مثل هذا الأمر في كتاب أو سنة أو أنه عمل مبتدع يريد به صاحبه غاية لا تحصل له، وهي رؤية الله أو أنوار الله، أو الملائكة أو رسول الله؟ !
وهل يرى الصوفي من وراء هذا الذكر المبتدع غير طوالع نار الشياطين، وبوارق كيدهم، ولوائح طلوعهم على من جعل له غاية غير غايات الدين وطريقًا غير طريق المؤمنين الذي سنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسن لنا الرسول أن يجلس أحدنا في زاوية مظلمة ولا يجعل على خاطره شيئًا غير الله وينتظر أن ينزل عليه الوحي والكشف. . وبالطبع من جعل له غاية غير غايات الكتاب والسنة تلاعبت به الشياطين وظن أن ما تنزل عليه إنما هو من الله وما هو من الله. . والغزالي الذي قرر هذا الكلام للصوفية وساعد في نشر زندقتهم وكفرهم لم يتقدم فيما أعلمه خطوة أخرى وجعل من تنزل الملائكة على الصوفية وذلك فيما أظن وأعلم أن الرجل يعلم أن من قال بنزول الوحي عليه بعد النبي فقد كفر ولذلك أنكر الغزالي أن تكون الملائكة تنزل على الأولياء والصوفية كما تنزل على الأنبياء، واكتفى بما ذكرناه عنه آنفًا أن الأولياء والصوفية تشرق على قلوبهم هذه العلوم التي يقولونها إشراقًا من الغيب فضلًا من الله لهم ورحمة -في زعمه- بهم. لقد اكتفى الغزالي في تقريره الكشف الصوفي بإشراق العلوم في القلب وسماع الصوت أيضًا كما قال: " الخلوة لا تكون إلا في بيت مظلم فإن لم يكن له مكان مظلم فليلق رأسه بجيبه، أو يتدثر بكساء أو إبراز ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال - الحضرة البوبية) (إحياء علوم الدين ج2 ص66) .
وعلى الرغم من أن الغزالي جارى الصوفية في مزاعمهم هذه، وقرر ما ابتدعوه من الخلوة والظلام ولف الرأس وانتظار العلوم إلا أن إنكاره نزول الملك على الصوفي لم يعجب كبار الصوفية، وأهل الحقيقة منهم، ولذلك عنفوه وجهلوه وجعلوا هذا منه لقلة الذوق وعدم التحقق بنفسه وعدم مقابلته لمن هو أعلى منه مقامًا، وأحسن منه حالًا، وأنه لو التقى بمن هو أعظم منه وأكبر منه في هذا الطريق لعلم أن الملائكة ينزلون على أولياء الصوفية تمامًا كما ينزلون على الأنبياء وأنه لا فرق إلا في نوع العلوم فقط لا في كيفية النزول
ولذلك كتب عبد الوهاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر اعتراض الغزالي وإنكاره لنزول الملك على الصوفي وأتى بالجواب من ابن عربي الذي خطأ الغزالي ورد عليه في عدم جواز نزول الملك على الصوفي فقال:
" (فإن قلت) قد ذكر الغزالي في بعض كتبه أن من الفرق بين تنزل الوحي على قلب الأنبياء وتنزله على قلوب الأولياء نزول الملك فإن الولي يلهم ولا ينزل عليه قط، والنبي لا بد له من الوحي من نزول الملك به فهل ذلك صحيح؟
(فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الرابع والستين وثلاثمائة أن ذلك غلط والحق أن الكلام في الفرق بينهما إنما هو في كيفية ما ينزل به الملك لا في نزول الملك إذ الذي ينزل به الملك على الرسول أو النبي خلاف ما ينزل به الملك على الولي التابع فإن الملك لا ينزل على الولي التابع إلا بالاتباع لنبيه وبإفهام ما جاء به بما لم يتحقق له علمه كحديث قال العلماء بضعفه مثلًا فيخبره ملك الإلهام بأنه صحيح فللولي العمل به في حق نفسه بشروط يعرفها أهل الله عز وجل لا مطلقًا. وقد ينزل الملك على الولي ببشرى من الله بأنه من أهل السعادة كما قال تعالى في الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا؛ وهذا وإن كان إنما يقع عند الموت فقد يعجل الله تعالى به لمن يشاء من عباده *قال الشيخ: وسبب غلط الغزالي وغيره في منع تنزل الملك على الولي عدم الذوق وظنوا بأنهم قد علموا بسلوكهم جميع المقامات فلما ظنوا ذلك بأنفسهم ولم يروا ملك الإلهام نزل عليهم أنكروه وقالوا ذلك خاص بالأنبياء فذوقهم صحيح وحكمهم باطل مع أنهؤلاء الذين منعوا قائلون بأن زيادة الثقة مقبولة وأهل الله كلهم ثقات. قال ولو أن أبا حامد وغيره اجتمعوا في زمانهم بكامل من أهل الله وأخبرهم بتنزل الملك على الولي لقبلوا ذلك ولم ينكروه. قال وقد نزل علينا ملك الإلهام بما لا يحصى من العلوم وأخبرنا بذلك جماعات كثيرة ممن كان لا يقول بقولنا فرجعوا إلينا فيه ولله الحمد ".
وهكذا يقرر ابن عربي، الفيلسوف الصوفي والذي يسمونه الشيخ الأكبر، جواز، بل وقوع نزول الملائكة على شيوخ الصوفية وأن هذا قد وقع له ومد لمشايخ كثيرين ممن هم على شاكلته من أهل الكذب والزيغ. وإليك في