المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ابن عربي وختم الولاية - الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة

[عبد الرحمن بن عبد الخالق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعتين: الثالثة والرابعة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌الباب الأول:‌‌ الكتاب والسنة عقيدةومنهجا

- ‌ الكتاب والسنة عقيدة

- ‌الكتاب والسنة منهجًا

- ‌الباب الثاني: مجمل تاريخ الشريعة الصوفية

- ‌الفصل الأول: لمحة سريعة عن تاريخ التصوف

- ‌الفصل الثاني: لمحة عن العقيدة والشعائر الصوفية

- ‌عقيدتهم في الله

- ‌عقيدتهم في الرسول

- ‌عقيدتهم وفي الأولياء

- ‌عقيدتهم في الجنة والنار

- ‌عقيدتهم في إبليس وفرعون

- ‌اعتقادهم ففي العبادات

- ‌اعتقادهم في الحلال والحرام

- ‌اعتقادهم في الحكم والسلطان والسياسة

- ‌اعتقادهم في التربية

- ‌الباب الثالث: نشأة العقيدة الصوفية وتطورها

- ‌الفصل الأول: طريق الهداية الصوفي

- ‌الفصل الثاني: طلب الجنة والفرار من النار ليس هدفًا

- ‌الفصل الثالث: التنفير من الطريق الشرعي للهداية

- ‌الفصل الرابع: القول بالحلول

- ‌الفصل الخامس: القول بوحدة الوجود

- ‌الفصل السادس: طريقة المتصوفة في الإعراب عن عقيدتهم الباطنية

- ‌طريق الوصول إلى العلم الباطن

- ‌الذنب عند النابلسي

- ‌الفرق بين الصديق والزنديق

- ‌الشعر المنسوب إلى ابن عربي

- ‌الفصل السابع: الحقيقة المحمدية في الفكر الصوفي

- ‌الفصل الثامن: الخضر عليه السلام في الفكر الصوفي

- ‌الخضر في القرآن الكريم

- ‌الخضر في السنة

- ‌باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام

- ‌أول من افترى القصة الصوفية للخضر

- ‌الخضر يصلي على المذهب الشافعي

- ‌الخضر حنفي وليس شافعيًا

- ‌الخضر يعلم الأذكار الصوفية

- ‌الخضر الصوفي خرافة لا حقيقة

- ‌الفصل التاسع: الكشف الصوفي

- ‌الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌الغزالي وطريق الكشف

- ‌ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌ملك ينزل إلى الأرض على شكل خواجة

- ‌تاريخ بناء الأهرام عن طريق الكشف

- ‌الدباغ يكتشف نبيًا جديدًا اسمه هويد

- ‌أولياء أكثرهم أميون

- ‌دباغ يفضل نفسه على إبراهيم الدسوقي

- ‌دباغ يكتشف سر ليلة القدر

- ‌طبال ومغفل من أهل الكشف

- ‌الوحي الصوفي لا ينزل إذا كان أحد المنكرين حاضرًا

- ‌تقديم مذهب أبي حنيفة على سائر مذاهب الفقهاء بطريق الكشف

- ‌الفصل العاشر: المعراج الصوفي

- ‌معراج إسماعيل بن عبد الله السوداني

- ‌نفائس حقية من علوم ذوقية

- ‌كيفية صفة خلوة للمؤلف وغير ذلك من الأدعية المرجية

- ‌الفصل الحادي عشر: الولاية الصوفية

- ‌الولاية الرحمانية

- ‌الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌ابن عربي القطب الأعظم

- ‌الفصل الثاني عشر: ختم الولاية

- ‌ابن عربي وختم الولاية

- ‌محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌أحمد التجاني وختم الولاية

- ‌الفصل الثالث عشر: الديوان الصوفي الذي يحكم العالم

- ‌هيئة الديوان

- ‌زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌ساعة انعقاد الديوان

- ‌زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌لغة أهل الديوان

- ‌الديوان يعقد في صحراء السودان أحيانًا

- ‌الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌الباب الرابع: الشريعة الصوفية

- ‌الفصل الأول: الذكر الصوفي

- ‌كيفية تتلقى الأذكار عند الصوفية

- ‌التلقي من القبور

- ‌فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني: الشطح الصوفي

- ‌الفصل الثالث: قواعد التربية في المنهج الصوفي

- ‌أولًا ـ اتخاذ الشيخ

- ‌ثانيًا ـ مواصفات الشيخ

- ‌ثالثًا ـ آداب المريد

- ‌لا حركة ولا سكون للمريد إلا بإذن الشيخ

- ‌كتمان لشيء من الأسرار عن الشيخ

- ‌ترك العهد الصوفي كفر وردة

- ‌الفصل الرابع: الطرق الصوفية

- ‌تاريخ نشأة الطرق الصوفية

- ‌معنى الطريقة الصوفية

- ‌نماذج من الطرق الصوفية

- ‌الطريقة التجانية

- ‌ادعاء التجاني أن أتباعه يدخلون الجنة مهما عصوا

- ‌زعم التجانية رؤية الرسول في اليقظة والأخذ عنه

- ‌دعوة التجانية إلى الشرك الجلي

- ‌تفضيل التجاني نفسه على جميع الأولياء

- ‌أذكارهم وبدعهم الخاصة

- ‌الطريقة الرفاعية

- ‌من أقوال أحمد الرفاعي

- ‌الشعائر الخاصة للطريقة الرفاعية

- ‌الرفاعية في طور جديد

- ‌الدرة البيضاء

- ‌الطريقة الرفاعية والتشيع

- ‌وحدة الشعار بين الرفاعية والشيعة

- ‌الخلوة الأسبوعية

- ‌ادعاء الاختصاص بالرحمة

- ‌الفصل الخامس: مناظرة شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية للبطائحية الرفاعية

- ‌فصل فلما نهيتهم عن ذلك أظهروا الموافقة والطاعة

- ‌أنواع من تلبيسات الرفاعية

- ‌رجوع الرفاعية وإقرارهم العمل بالكتاب والسنة

- ‌فظائع الرفاعية في الصلاة

- ‌الباب الخامس: الصلة بين التصوف والتشيع

- ‌أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌أوجه التلاقي بين التصوف والتشيع

- ‌ادعاء العلوم الخاصة

- ‌الإمامة الشيعية والولاية الصوفية

- ‌القول بأن للدين ظاهرًا وباطنًا

- ‌تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌العمل على هدم الدولة الإسلامية

- ‌الحلاج والتشيع

- ‌الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌الطرق الصوفية والتشيع

- ‌الطريقة البكتاشية

- ‌الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌أصول الطريقة البكتاشية

- ‌التكية البكتاشية

- ‌آداب الطريقة البكتاشية

- ‌آداب زيارة التكية

- ‌الأوراد البكتاشية

- ‌وأما في ورد التولي والتبري فإنهم يقولون

- ‌دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌الباب السادس: أئمة الإسلام والتصوف

- ‌الإمام الشافعي:

- ‌الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌الإمام أبو اليسر

- ‌الإمام ابن الجوزي

- ‌الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌الإمام برهان الدين البقاعي

- ‌عقيدة ابن عربي وكيده للإسلام

- ‌منهاج الصوفية في الكيد بدعوتهم

- ‌مثالهم في الزندقة

- ‌شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌سبب خروجي من الطريقة التجانية

- ‌مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌مع الشيخ عبد العزيز بن إدريس

- ‌شهادة الشيخ عبد الرحمن الوكيل

الفصل: ‌ابن عربي وختم الولاية

مختومًا بختم الله، فكما كان محمد صلى الله عليه وسلم حجة على الأنبياء فكذلك يصير هذا الولي حجة على الأولياء، أعطيتكم ولايتي فلم تصونوها من مشاركة النفس. وهذا أضعفكم وأقلكم عمرًا قد أتى بجميع الولاية صدقًا، فلم يجعل للنفس فيها نصيبًا ولا تلبيسًا.

وكان ذلك في الغيب من منة الله تعالى على هذا العبد، حيث أعطاه الختم لتقر به عين محمد صلى الله عليه وسلم في الموقف حتى قعد الشيطان في معزل، وليست النفس فبقيت محجوبة، فيقر له الأولياء يومئذ بالفضل عليهم. فإذا جاءت تلك الأهوال لم يك مقصرًا. وجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالختم فيكون أمانًا لهم من ذلك الهول. وجاء هذا الولي بختمه فيكون أمانًا لهم بصدق الولاية، فاحتاج إليه الأولياء. . " ا. هـ

وهكذا يجعل الترمذي لهذا الولي المزعوم ما جعله الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. . وصدق الله سبحانه وتعالى في شأن المشركين {بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفًا منشرة} [المدثر: 52] .

وهؤلاء الزنادقة يريد كل منهم أن يوحى إليه كما يوحى إلى الرسول، بل لم يتركوا فضلًا مما فضل الله به عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلا انتحلوه لأنفسهم بل زادوا عليه، واحتقروا منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المنازل التي يزعمون أن الله قد بلغهم إياها.

لقد وضع الترمذي المسمى بالحكيم في الكتاب (ختم الولاية) بذور الشر الكبرى في الفكر الصوفي، وكل الذين جاؤوا بعده إنما هم عيال عليه وتبع له في كل هذا الباطل الذي بثه في كتابه، وخاصة في مسألة الختم الولاية فلم يأت متصوف بعد الترمذي هذا من مشهوري المتصوفة إلا وادعى ختم الولاية لنفسه. وها أنذا أسوق بعضًا من ذلك.

‌ابن عربي وختم الولاية

يقول ابن عربي المتوفي سنة 638هـ ـ مدعيًا لنفسه ختم الولاية:

" وأما ختم الولاية المحمدية فهي لرجل من العرب. من أكرمها أصلًا

ص: 253

ويدًا. وهو في زماننا اليوم موجود. عرفت به سنة خمس وتسعين وخمسمائة ورأيت العلامة التي له قد أخفاها الحق فيه من عباده، وكشفها لي بمدينة فاس، حتى رأيت خاتم الولاية منه ـ وهو خاتم النبوة المطلقة ـ لا يعلمها كثير من الناس وقد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه فيما يتحقق به من الحق في سره من العلم به. وكما أن الله ختم بمحمد صلى الله عليه وسلم نبوة الشرائع كذلك ختم الله بالختم المحمدي الولاية التي تحصل من الورث المحمدي لا التي تحصل من سائر الأنبياء فإن من الأولياء من إبراهيم وموسى وعيسى، فهؤلاء يوحدون بعد الختم المحمدي، وبعده فلا يوجد ولي على قلب محمد صلى الله عليه وسلم هذا معنى خاتم الولاية المحمدية " (الفتوحات ج2 ص49) .

ويقول في موضع آخر من فتوحاته الضالة: " ومنهم (يعني الأولياء) الختم، وهو واحد لا في كل زمان، بل واحد في العالم يختم الله به الولاية المحمدية فلا يكون في الأولياء المحمدية أكبر منه "(الفتوحات ج2 ص9) .

وهذه العقيدة المفتراة التي لم يأت بها كتاب ولا سنة، وإنما افتراها الترمذي وجاء هؤلاء الملاحدة لينسجوا على منواله، وكل منهم يريد فيها شيئًا، فبالرغم من أن الترمذي لم يفضل خاتم الأولياء المزعوم هذا على خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فإن ابن عربي جاء من بعده ليزعم أن خاتم الأولياء ـ يعني نفسه ـ أفضل من خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بناء على تفضيله الولي على النبي كما قال في شعره:

مقام النبوة في برزخ** فويق الرسول ودون الولي

ويأتي إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين) .

فيزعم أن اللبنة التي رآها الرسول هي لبنة فضة، وأما خاتم الأولياء فإنه يرى أن الجدار قد نقص لبنتين لبنة فضة ولبنة ذهب، وأنه يرى نفسه قد

ص: 254

انطبع موضع هاتين اللبنتين. يقول ابن عربي: " ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن، وقد كمل سوى موضع لبنة، فمكان الرسول صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة، غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها إلا كما قال: لبنة واحدة. وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرى في الحائط موضع اللبنتين واللبن، من ذهب وفضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين، فيكمل الحائط ".

والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين، أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر، وهو موضع اللبنة الفضية، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام. كما هو آخذ عن الله، في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن الله، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه - فلا بد أن يراه هكذا، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه آخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، الذي يوحى به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فصوص الحكم ا. هـ الفص الشيسي.

والذين جاؤوا بعد ابن عربي من المتصوفة السائرين في هذا الدرب المظلم رددوا هذه العقيدة في كتبهم وزاد كثير من مشايخهم فزعم لنفسه هذه الولاية الكبرى التي يتم بها -في زعمهم- الولاية، وقد تصدى الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى وـ رضي الله عنه لهذه المزاعم في أماكن كثيرة من كتبه ومن ذلك قوله:

" وكذا خاتم الأولياء لفظ باطل لا أصل له. وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي. وقد انتحله طائفة كل منهم يدعي أنه خاتم الأولياء: كابن حموي، وابن عربي، وبعض الشيوخ الضالين بدمشق وغيرها، وكل منهم يدعي أنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الوجوه، إلى غير ذلك من الكفر والبهتان، وكل ذلك طمعًا في رياسة خاتم الأولياء لما فاتتهم رياسة خاتم الأنبياء، وقد غلطوا، فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للأدلة الدالة على ذلك، وليس كذلك خاتم الأولياء، فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ـ رضي الله

ص: 255

عنه ـ ثم عمر رضي الله عنه ثم عثمان رضي الله عنه ثم علي رضي الله عنه وخير قرونها القرن الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن نقي يكون في الناس، وليس ذلك بخير الأولياء، ولا أفضلهم، بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم عمر اللذان ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما " (الفتاوي: ج11 ص444) .

وقال رحمه الله أيضًا:

". . إن دعوى المدعي وجود خاتم الأولياء، على ما ادعوه، باطل لا أصل له، ولم يذكر هذا أحد من المعروفين قبل هؤلاء إلا أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي الحكيم في كتاب (ختم الولاية) وقد ذكر في هذا الكتاب وهو خطأ وغلط مخالف للكتاب والسنة والإجماع. وهو رحمه الله تعالى وإن كان فيه فضل ومعرفة، ومن الكلام الحسن المقبول والحقائق النافعة أشياء محمودة (قلت: رحم الله ابن تيمية: أي شيء محمود في كتابه وقد بناه من أوله لآخره على أن الأولياء معصومون، وأن الله هو يختصهم ويختارهم، وأن التكليف ليس شرطًا في ولايتهم، وأنهم يعلمون الغيب كله. . بل أسس في كتابه ختم الولاية كل أصول الشر لمن جاء بعده) ، ففي كلامه من الخطأ ما يجب رده.

ومن أشنعها ما ذكره في ختم الولاية: مثل دعواه فيه أنه يكون في المتأخرين من درجته عند الله أعظم من درجة أبو بكر وعمر وغيرهما: ثم إنه تناقض في موضع آخر، لما حكى عن بعض الناس، أن الولي يكون منفردًا عن الناس، فأبطل ذلك واحتج بأبي بكر وعمر وقال: يلزم هذا أن يكون أفضل من أبي بكر وعمر " (وأبطل ذلك) .

ومنها أنه ذكر في كتابه ما يشعر أن ترك الأعمال الظاهرة، ولو أنها التطوعات المشروعة، أفضل في حق الكامل ذي الأعمال القلبية، وهذا أيضًا خطأ عند أئمة الطريق. فإن أكمل الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وما زال محافظًا على ما يمكنه من الأوراد والتطوعات البدنية إلى مماته. .

ص: 256

وقال أيضًا:

" ومنها ما ادعاه من خاتم الأولياء، الذي يكون في آخر الزمان وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، الذي يكون في آخر الزمان وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، وأنه يكون معهم خاتم الأنبياء مع الأنبياء، وهذا ضلال واضح، فإن أفضل أولياء الله من هذه الأمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأمثالهم، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، كما ثبت ذلك بالنصوص المشهورة، وخير القرون قرن صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح:(خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)

ولفظ خاتم الأولياء لا يوجد في كلام أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله، وموجب هذا اللفظ أنه آخر مؤمن تقي، (ومهما يكن الأمر) فإن الله يقول:{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [يونس: 62] . الآية.، فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا. وهم على درجتين: السابقون المقربون وأصحاب اليمين المقتصدون، كما قسمهم الله تعالى في سورة فاطر وسورة الواقعة والإنسان والمطففين. .

وإذا كان خاتم الأولياء آخر مؤمن تقي في الدنيا، فليس ذلك الرجل أفضل الأولياء ولا أكملهم، بل أفضلهم وأكملهم سابقوهم، الذين هم أخص بأفضل الرسل من غيرهم. . ".

وقد رد الإمام ابن تيمية رحمه الله أيضًا على ما ادعاه الترمذي (الحكيم) في ثبوت العصمة للأولياء بقوله:

". . وإن طائفة تدعي على أن الولي محفوظ وهو نظير ما يثبت للأنبياء من العصمة -والحكيم الترمذي قد أشار إلى هذا- فهذا باطل مخالف للسنة والإجماع، ولهذا اتفق المسلمون على أن من الناس من يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم. . وبهذا صار جميع الأولياء مفتقرين إلى الكتاب والسنة، لا بد لهم أن يزنوا جميع أمورهم بآثار الرسول فما وافق آثار الرسول فهو الحق وما خالف ذلك فهو باطل. . ".

ص: 257

وقال أيضًا: " ثم إن صاحب الفصوص (يعني ابن عربي) وأمثاله بنوا الأمر على أن الولي يأخذ عن الله بلا وساطة والنبي يأخذ بوساطة الملك. ولهذا صار خاتم الأولياء أفضل عندهم من هذه الجهة، وهذا باطل وكذب فإن الولي لا يأخذ عن الله إلا بوساطة الرسول وإن كان محدثًا (يشير الإمام ابن تيمية بقوله (محدثًا) إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنه اعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول (قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منم واحد، فإن عمر بن الخطاب منهم) قال ابن وهب: تفسير محدثون أي ملهمون (متفق عليه) ، فقد ألقي إليه بشيء وجب عليه أن يزنه بما جاء الرسول من الكتاب والسنة " ا. هـ

ولا يظنن ظان أن قول الإمام ابن تيمية أن الولي يكون (محدثًا) أن الله يكلمه، وإنما ذلك مجرد الإلهام الذي لا يستطيع الولي بأن يجزم بأنه من الله أو من الشيطان إلا بعرضه على ميزان الكتاب والسنة. وباطمئنان قلب المؤمن المتبع لشرع الله إلى مثل هذا الإلهام، وأما هذه المخاريق والخزعبلات والكفر والزندقة التي جاء بها المتصوفة فليست إلا وساوس شياطين إذ كيف يكون إلهامًا من الله وهو يدعي أنه خاتم الأولياء وأنه أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم وأنه يعلم الغيب كله وأنه يتصرف في الأكوان. . إلخ هذه الكفريات. ولذلك قال الإمام ابن تيمية في هذا الصدد:

" والأولياء وإن كان فيهم محدث، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [إنه كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم فعمر] فهذا الحديث يدل على أن أول المحدثين من هذه الأمة عمر، وأبو بكر أفضل منه إذ هو صديق، والمحدث وإن كان يلهم ويحدث من جهة الله تعالى فعليه أن يعرض ذلك على الكتاب والسنة فإنه ليس بمعصوم. . " ا. هـ

ولا شك بعد هذا أن دعوى ختم الولاية هي من الكفر الصريح الذي لا يجوز أن يماري فيها مؤمن يعي عن الله وعن الرسول صلى الله عليه وسلم لا سيما إذا انضاف إلى ذلك الزعم بتفضيل خاتم الأولياء هذا على خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم. وقد نص ابن تيمية رحمه الله في مواطن كثيرة على كفر من زعم ذلك كقوله:

ص: 258

" ومن الأنواع التي في دعواهم، أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء من بعض الوجوه، فإن هذا لم يقله أبو عبد الله الحكيم الترمذي (قلت: حقًا لم يقل هذا نصًا ولكن ما وصف به خاتم الأولياء المزعوم يجعله في منزلة فوق النبي نفسه) ولا غيره من المشايخ المعروفين. بل الرجل أجل قدرًا وأعظم إيمانًا من أن يفتري هذا الكفر الصريح ولكن أخطأ شبرًا ففرعوا على خطئه ما صار كفرًا.

وأعظم من ذلك زعم (ابن عربي) أن الأولياء والرسل، من حيث ولايتهم، تابعون لخاتم الأولياء وأخذوا من مشكاته. فهذا باطل بالعقل والدين فإن المتقدم لا يؤخذ من المتأخر، والرسل لا يأخذون من غيرهم، وأعظم من ذلك أنه جعلهم تابعين له في العلم بالله، الذي هو أشرف علومهم، وأظهر من ذلك أنه جعل العلم بالله هو مذهب أهل وحدة الوجود، القائلين بأن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق!

فليتدبر المؤمن هذا الكفر القبيح درجة بعد درجة (! ! . .) .

فقد زعم أنه أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن تقدمه عليه بالعلم بالله، وتقدم خاتم الأنبياء بالتشريع فقط. وهذا من أعظم الكفر الذي يقع فيه غالية المتفلسفة، وغالية المتصوفة، وغالية المتكلمة، الذين يزعمون أنهم في الأمور العلمية أكمل من الرسل. . وأن الرسل إنما تقدموا عليهم بالتشريع العام الذي جعل لصلاح الناس في دنياهم. وقد يقولون إن الشرائع قوانين عدلية، وضعت لمصلحة الدنيا، فأما المعارف والحقائق والدرجات العليا في الدنيا والآخرة فيفضلون فيها أنفسهم وطرقهم على الأنبياء وطرق الأنبياء " (حيق مذهب الاتحاديين لابن تيمية ص115-123) .

وأظن بعد هذا الكلام الصريح الواضح والدليل الناصع لا يرتاب مسلم مؤمن بالله في كفر هذه الطائفة المارقة التي فتحت الباب لكل زندقة وكفر ليدخل دين الإسلام، وللأسف إن ذلك كل يحدث باسم التقوى والصلاح والزهد والتصوف والتعبد وإصلاح القلوب، والوصول إلى غاية الدين. وهؤلاء

ص: 259