المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل العاشر: المعراج الصوفي - الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة

[عبد الرحمن بن عبد الخالق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعتين: الثالثة والرابعة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌الباب الأول:‌‌ الكتاب والسنة عقيدةومنهجا

- ‌ الكتاب والسنة عقيدة

- ‌الكتاب والسنة منهجًا

- ‌الباب الثاني: مجمل تاريخ الشريعة الصوفية

- ‌الفصل الأول: لمحة سريعة عن تاريخ التصوف

- ‌الفصل الثاني: لمحة عن العقيدة والشعائر الصوفية

- ‌عقيدتهم في الله

- ‌عقيدتهم في الرسول

- ‌عقيدتهم وفي الأولياء

- ‌عقيدتهم في الجنة والنار

- ‌عقيدتهم في إبليس وفرعون

- ‌اعتقادهم ففي العبادات

- ‌اعتقادهم في الحلال والحرام

- ‌اعتقادهم في الحكم والسلطان والسياسة

- ‌اعتقادهم في التربية

- ‌الباب الثالث: نشأة العقيدة الصوفية وتطورها

- ‌الفصل الأول: طريق الهداية الصوفي

- ‌الفصل الثاني: طلب الجنة والفرار من النار ليس هدفًا

- ‌الفصل الثالث: التنفير من الطريق الشرعي للهداية

- ‌الفصل الرابع: القول بالحلول

- ‌الفصل الخامس: القول بوحدة الوجود

- ‌الفصل السادس: طريقة المتصوفة في الإعراب عن عقيدتهم الباطنية

- ‌طريق الوصول إلى العلم الباطن

- ‌الذنب عند النابلسي

- ‌الفرق بين الصديق والزنديق

- ‌الشعر المنسوب إلى ابن عربي

- ‌الفصل السابع: الحقيقة المحمدية في الفكر الصوفي

- ‌الفصل الثامن: الخضر عليه السلام في الفكر الصوفي

- ‌الخضر في القرآن الكريم

- ‌الخضر في السنة

- ‌باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام

- ‌أول من افترى القصة الصوفية للخضر

- ‌الخضر يصلي على المذهب الشافعي

- ‌الخضر حنفي وليس شافعيًا

- ‌الخضر يعلم الأذكار الصوفية

- ‌الخضر الصوفي خرافة لا حقيقة

- ‌الفصل التاسع: الكشف الصوفي

- ‌الإيمان بالغيب في الكتاب والسنة

- ‌الغيب في المعتقد الصوفي

- ‌ادعاء رؤية العوالم العلوية والسفلية

- ‌الغزالي وطريق الكشف

- ‌ابن عربي والكشف الصوفي

- ‌ملك ينزل إلى الأرض على شكل خواجة

- ‌تاريخ بناء الأهرام عن طريق الكشف

- ‌الدباغ يكتشف نبيًا جديدًا اسمه هويد

- ‌أولياء أكثرهم أميون

- ‌دباغ يفضل نفسه على إبراهيم الدسوقي

- ‌دباغ يكتشف سر ليلة القدر

- ‌طبال ومغفل من أهل الكشف

- ‌الوحي الصوفي لا ينزل إذا كان أحد المنكرين حاضرًا

- ‌تقديم مذهب أبي حنيفة على سائر مذاهب الفقهاء بطريق الكشف

- ‌الفصل العاشر: المعراج الصوفي

- ‌معراج إسماعيل بن عبد الله السوداني

- ‌نفائس حقية من علوم ذوقية

- ‌كيفية صفة خلوة للمؤلف وغير ذلك من الأدعية المرجية

- ‌الفصل الحادي عشر: الولاية الصوفية

- ‌الولاية الرحمانية

- ‌الولاية الصوفية الشيطانية

- ‌مراتب الولاية عند الصوفية

- ‌القطب الغوث واحد في الزمان فقط

- ‌مدة حكم القطب ووظيفته

- ‌ابن عربي القطب الأعظم

- ‌الفصل الثاني عشر: ختم الولاية

- ‌ابن عربي وختم الولاية

- ‌محمد عثمان الميرغني وختم الولاية

- ‌أحمد التجاني وختم الولاية

- ‌الفصل الثالث عشر: الديوان الصوفي الذي يحكم العالم

- ‌هيئة الديوان

- ‌زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان

- ‌ساعة انعقاد الديوان

- ‌زوجات النبي صلى الله عليه وسلم والديوان

- ‌زعمهم حضور الملائكة للديوان

- ‌لغة أهل الديوان

- ‌الديوان يعقد في صحراء السودان أحيانًا

- ‌الغوث الصوفي دكتاتور كبير

- ‌أولياء ينظرون في اللوح المحفوظ

- ‌الباب الرابع: الشريعة الصوفية

- ‌الفصل الأول: الذكر الصوفي

- ‌كيفية تتلقى الأذكار عند الصوفية

- ‌التلقي من القبور

- ‌فضائل مكذوبة للأذكار الصوفية

- ‌الفصل الثاني: الشطح الصوفي

- ‌الفصل الثالث: قواعد التربية في المنهج الصوفي

- ‌أولًا ـ اتخاذ الشيخ

- ‌ثانيًا ـ مواصفات الشيخ

- ‌ثالثًا ـ آداب المريد

- ‌لا حركة ولا سكون للمريد إلا بإذن الشيخ

- ‌كتمان لشيء من الأسرار عن الشيخ

- ‌ترك العهد الصوفي كفر وردة

- ‌الفصل الرابع: الطرق الصوفية

- ‌تاريخ نشأة الطرق الصوفية

- ‌معنى الطريقة الصوفية

- ‌نماذج من الطرق الصوفية

- ‌الطريقة التجانية

- ‌ادعاء التجاني أن أتباعه يدخلون الجنة مهما عصوا

- ‌زعم التجانية رؤية الرسول في اليقظة والأخذ عنه

- ‌دعوة التجانية إلى الشرك الجلي

- ‌تفضيل التجاني نفسه على جميع الأولياء

- ‌أذكارهم وبدعهم الخاصة

- ‌الطريقة الرفاعية

- ‌من أقوال أحمد الرفاعي

- ‌الشعائر الخاصة للطريقة الرفاعية

- ‌الرفاعية في طور جديد

- ‌الدرة البيضاء

- ‌الطريقة الرفاعية والتشيع

- ‌وحدة الشعار بين الرفاعية والشيعة

- ‌الخلوة الأسبوعية

- ‌ادعاء الاختصاص بالرحمة

- ‌الفصل الخامس: مناظرة شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية للبطائحية الرفاعية

- ‌فصل فلما نهيتهم عن ذلك أظهروا الموافقة والطاعة

- ‌أنواع من تلبيسات الرفاعية

- ‌رجوع الرفاعية وإقرارهم العمل بالكتاب والسنة

- ‌فظائع الرفاعية في الصلاة

- ‌الباب الخامس: الصلة بين التصوف والتشيع

- ‌أوائل المتصوفة وعلاقتهم بالتشيع

- ‌أوجه التلاقي بين التصوف والتشيع

- ‌ادعاء العلوم الخاصة

- ‌الإمامة الشيعية والولاية الصوفية

- ‌القول بأن للدين ظاهرًا وباطنًا

- ‌تقديس القبور وزيارة المشاهد

- ‌العمل على هدم الدولة الإسلامية

- ‌الحلاج والتشيع

- ‌الحلاج داعية الإسماعيلية في المشرق

- ‌شهادة العمار الحنبلي أن الحلاج قرمطي

- ‌الحلول عند الحلاج الصوفي وعند أبي الخطاب الشيعي

- ‌الطرق الصوفية والتشيع

- ‌الطريقة البكتاشية

- ‌الطريقة البكتاشية تنتشر في مصر

- ‌أصول الطريقة البكتاشية

- ‌التكية البكتاشية

- ‌آداب الطريقة البكتاشية

- ‌آداب زيارة التكية

- ‌الأوراد البكتاشية

- ‌وأما في ورد التولي والتبري فإنهم يقولون

- ‌دور الفرس في التشيع والتصوف

- ‌الباب السادس: أئمة الإسلام والتصوف

- ‌الإمام الشافعي:

- ‌الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌الإمام أبو زرعة الدمشقي

- ‌الإمام أبو اليسر

- ‌الإمام ابن الجوزي

- ‌الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌الإمام برهان الدين البقاعي

- ‌عقيدة ابن عربي وكيده للإسلام

- ‌منهاج الصوفية في الكيد بدعوتهم

- ‌مثالهم في الزندقة

- ‌شهادة الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي

- ‌سبب خروجي من الطريقة التجانية

- ‌مع الشيخ الفاطمي الشرادي

- ‌مع الشيخ عبد العزيز بن إدريس

- ‌شهادة الشيخ عبد الرحمن الوكيل

الفصل: ‌الفصل العاشر: المعراج الصوفي

‌الفصل العاشر: المعراج الصوفي

كثيرون من رجال التصوف ادعوا أنهم قد عرج بهم إلى السماوات العلى. فمنهم عبد الكريم الجيلي وقد ذكرنا بعضًا مما زعم مشاهدته في السماوات وذلك في باب الكشف الصوفي وقد سبق الجيلي من زعم مثل هذا، ويبدو أن أول من افترى ذلك هو أبو يزيد البسطامي الذي جعل لنفسه معراجًا كمعراج الرسول صلى الله عليه وسلم وراح يحدثنا كيف أنه عرج بروحه إلى السماوات سماءً سماءً وأن بغيته كانت في الفناء في الله، أو على حد قوله البقاء مع الله إلى الأبد.

وهذه هي الفكرة البرهمية الوثنية نفسها في الفناء في الذات الإلهية حسب زعمهم.

ولكن البسطامي أول من افتري له أو عليه ذلك. يدعي أنه عرج به إلى السماء السابعة فالكرسي، فالعرش، وأن الله قال له: إلي إلي، وأجلسه على بساط قدسه وقال له:(يا صفي ادن مني واشرف على مشارف بهائي، وميادين ضيائي واجلس على بساط قدسي. . إلخ) ، وهذا هو نص المعراج الكاذب المنسوب إلى أبي يزيد البسطامي.

" في رؤيا أبي يزيد: في القصد إلى الله تعالى وبيان قصته:

قال أبو القاسم العارف رضي الله عنه: اعلموا معاشر القاصدين إلى الله سبحانه وتعالى أن لأبي يزيد حالات ومقامات لا تحتملها قلوب أهل الغفلة وعامة الناس، وله مع الله أسرار لو اطلع عليها أهل الغرة لبهتوا فيها، وإني نظرت في كتاب فيه مناقب أبي يزيد، فإذا فيه أشياء من حالاته وأوقاته وكلامه، ما كلت الألسن عن نعته وصفته، فكل من أراد أن يعرف كماله

ص: 201

ومنزلته فلينظر إلى نومه ورؤياه التي هي أصح في المعنى، وأقرب في التحقيق من يقظة غيره، فهذا ما حكى أن خادم أبي يزيد رضي الله عنه قال: سمعت أبا يزيد البسطامي رضي الله عنه يقول: إني رأيت في المنام كأني عرجت إلى السماوات قاصدًا إلى الله، طالبًا مواصلة الله سبحانه وتعالى، على أن أقيم معه إلى الأبد، فامتحنت بامتحان لا تقوم له السماوات والأرض ومن فيهما، لأنه بسط لي بساط العطايا نوعًا بعد نوع، وعرض علي ملك كل سماء، ففي ذلك كنت أغض بصري عنها، لما علمت أنه بها يجربني، فكنت لا ألتفت إليها إجلالًا لحرمة ربي، وكنت أقول في ذلك: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، قال فقلت له: رحمك الله صف لي مما عرض عليك من ملك كل سماء قال: رأيت في المنام كأني عرجت إلى السماوات، فلما أتيت إلى السماء الدنيا فإذا أنا بطير أخضر، فنشر جناحًا من أجنحته، فحملني عليه وطار بي حتى انتهى بي انتهائي إلى صفوف الملائكة، وهم قيام متحرقة أقدامهم في النجوم يسبحون الله بكرة وعشيًا، فسلمت عليهم، فردوا علي السلام، فوضعني الطير بينهم ثم مضى فلم أزل أسبح الله تعالى بينهم، وأحمد الله تعالى بلسانهم وهم يقولون: هذا آدمي لا نوري إذ لجأ إلينا وتكلم معنا، قال: فألهمت كلمات، وقلت: باسم القادر على أن يغنيني عنكم، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن من نعته وصفته، فعلمت أن ربها يجربني، ففي ذلك كنت أقول: مرادي غير ما تعرض علي، فلم ألتفت إليها إجلالًا لحرمته، ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الثانية فإذا جاءني فوج فوج من الملائكة ينظرون إلي كما ينظر أهل المدينة إلى أمير يدخلها، ثم جاءني رأس الملائكة اسمه لاويد (اسم فارسي جعله اسمًا من أسماء الملائكة)، وقال: يا أبا يزيد، إن ربك يقرئك السلام، ويقول: أحببتني فأحببتك. فانتهى بي إلى روضة خضرة فيها نهر، يجري حولها ملائكة طيارة، يطيرون كل يوم إلى الأرض مائة ألف مرة، ينظرون إلى أولياء الله، وجوههم كضياء الشمس، وقد عرفوني معرفة الأرض، أي في الأرض،

ص: 202

فجاؤوني وحيوني، وأنزلوني على شط ذلك النهر، وإذا على حافيته أشجار من نور، ولها أغصان كثيرة متدلية في الهواء، وإذا على كل غصن منها وكر طير، أي من الملائكة، وإذا في كل وكر ملك ساجد، ففي كل ذلك أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، كن لي يا عزيزي جارًا من جميع المستجيرين وجليسًا من المجالسين، ثم هاج من سري شيء من عطش نارياق، حتى إن الملائكة مع هذه الأشجار، صارت كالبعوضة في جنب همتي، وكلهم ينظرون إلي متعجبين مدهوشين من عظم ما يرون مني.

ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليه إجلالًا لحرمة ربي، وكنت أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى من صدق الإرادة في القصد إليه، وتجردي عما سواه، فإذا أنا بملك قد مد يده فجذبني، ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الثالثة، فإذا جميع ملائكة الله تعالى بصفاتهم ونعوتهم قد جاؤوني يسلمون علي، فإذا ملك منهم له أربعة أوجه: وجه يلي السماء، وهو يبكي لا تسكن دموعه أصلًا، ووجه يلي الأرض ينادي: يا عباد الله اعلموا يوم الفراغ (لعلها الفزع) ، يوم الأخذ والحساب، ووجه يلي يمينه إلى الملائكة يسبح بلسانه، ووجه يلي يساره يبعث جنوده في أقطار السماوات يسبحون الله تعالى فيها، فسلمت عليه، فرد علي السلام، ثم قال: من أنت؟ إذ فضلت علينا، فقلت: عبد قد منّ الله تعالى عليه من فضله، قال: تريد أن تنظر إلى عجائب الله؟ قلت: بلى، فنشر جناحًا من أجنحته، فإذا على كل ريشة من ريشه قنديل أظلم ضياء الشمس من ضيئها، ثم قال: تعال يا أبا يزيد، واستظل في جناحي، حتى نسبح الله تعالى ونهلله إلى الموت، فقلت له: الله قادر على أن يغنيني عنك، ثم هاج من سري نور من ضياء معرفتي أظلم ضوءها: أي ضوء القناديل من ضوئي، فصار الملك كالبعوضة في جنب كمالي،

ص: 203

ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إلى ذلك إجلالًا لحرمته، وكنت أقول في ذلك: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده فرفعني ثم رأيت: كأني عرجت إلى السماء الرابعة، فإذا جميع الملائكة بصفاتهم وهيئاتهم ونعوتهم قد جاؤوني يسلمون علي، وينظرون إلي كما ينظر أهل البلد إلى أمير لهم في وقت الدخول، يرفعون أصواتهم بالتسبيح والتهليل من عظم ما يرون من انقطاعي إليه، وقلة التفاتي إليهم، ثم استقبلني ملك يقال له: نيائيل، فمد يده وأقعدني على كرسي له موضوع على شاطئ بحر عجاج، لا ترى أوائله ولا أواخره، فألهمت تسبيحه وانطلقت بلسانه، ولم ألتفت إليه، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليه إجلالًا لحرمته، وكنت أقول يا عزيزي، مرادي غير ما تعرض علي: فلما علم الله تعالى مني صدق الانفراد به في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده فرفعني إليه ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بملائكة قيام في السماء رؤوسهم في عنان السماء السادسة يقطر منهم نور تبرق منه السماوات، فسلموا كلهم علي بأنواع اللغات، فرددت عليهم السلام بكل لغة سلموا علي، فتعجبوا من ذلك، ثم قالوا: يا أبا يزيد: تعال حتى تسبح الله تعالى وتهلله ونعينك على ما تريد، فلم ألتفت إليهم من إجلال ربي، فعند ذلك هاج من سري عيون من الشوق، فصار نور الملائكة فيما التمع مني كسراج يوضع في الشمس، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، وكنت أقول يا عزيزي، مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في القصد إليه فإذا أنا بملك مد يده فرفعني إليه، ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء السادسة، فإذا أنا بالملائكة المشتاقين جاؤوني يسلمون علي ويتفخرون بشوقهم إلي، فافتخرت عليهم بشيء من طيران سري، ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليه، وكنت

ص: 204

أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي. فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في القصد إليه، فإذا أنا بملك مد يده فرفعني، ثم رأيت كأني عرجت إلى السماء السابعة، فإذا بمائة ألف صف من الملائكة استقبلني. كل صف مثل الثقلين ألف ألف مرة، مع كل ملك لواء من نور، تحت كل لواء ألف ألف ملك، طول كل ملك مسيرة خمسمائة عام، وكل على مقدمتهم ملك اسمه بريائيل، فسلموا علي بلسانهم ولغتهم، فرددت عليهم السلام بلسانهم فتعجبوا من ذلك، فإذا مناد ينادي: يا أبا يزيد: قف قف؛ فإنك قد وصلت إلى المنتهى، فلم ألتفت إلى قوله ثم لم يزل يعرض علي من الملك ما كلت الألسن عن نعته، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، وكنت أقول: يا عزيزي مرادي غير ما تعرض علي، فلما علم الله تعالى مني صدق الإرادة في مقصدي إليه صيرني طيرًا، كأن كل ريشة من جناحي أبعد من الشرق إلى الغرب ألف ألف مرة، فلم أزل أطير في الملكوت، وأجول في الجبروت، وأقطع مملكة بعد مملكة، وحجبًا بعد حجب، وميدانًا بعد ميدان، وبحارًا بعد بحار، وأستارًا بعد أستار، حتى إذا أنا بملك المرسى استقبلني، ومعه عمود من نور، فسلم علي ثم قال: خذ هذا العمود، فأخذته فإذا السماوات بكل ما فيها قد استظل بظل معرفتي، واستضاء بضياء شوقي، والملائكة كلهم صارت كالبعوضة عند كمال همتي في القصد إليه، ففي كل ذلك علمت أنه بها يجربني، فلم ألتفت إليها إجلالًا لحرمة ربي الله تعالى.

ثم لم أزل أطير وأجول مملكة بعد مملكة، وحجبًا بعد حجب، وميدانًا بعد ميدان، وبحارًا بعد بحار، وأستارًا بعد أستار، حتى انتهيت إلى الكرسي، فإذا قد استقبلني ملائكة لهم عيون بعدد نجوم السماوات، يبرق من كل عين نور تلمع منه، فتصير تلك الأنوار قناديل، أسمع من جوف كل قنديل تسبيحًا وتهليلًا، ثم لم أزل أطير كذلك حتى انتهيت إلى بحر من نور تلاطم أمواجه يظلم في جنبه ضياء الشمس، فإذا على البحر سفن من نور، يظلم في جنب نورها أنوار تلك الأبحر، فلم أزل أعبر بحارًا بعد بحار حتى انتهيت إلى البحر الأعظم الذي عليه عرش الرحمن، فلم أزل أسبح فيه حتى رأيت ما من العرش

ص: 205

إلا الثرى من الملائكة الكروبيين وحملة العرش، وغيرهم ممن خلق الله سبحانه وتعالى في السماوات والأرض، أصغر من حيث طيران سري في القصد إليه، من خردلة بين السماء والأرض، ثم لم يزل يعرض علي من لطائف بره وكمال قدرته وعظم مملكته ما كلت الألسن عن نعته وصفته، ففي كل ذلك كنت أقول: يا عزيزي مرادي في غير ما تعرض لي، فلم ألتفت إليه إجلالًا لحرمته فلما علم الله سبحانه وتعالى من صدق الإرادة في القصد إليه فنادى: إلي إلي، وقال: يا صفي ادن مني، وأشرف على مشرفات بهائي، وميادين ضيائي، واجلس على بساط قدسي حتى ترى لطائف صنعي في آنائي، أنت صفيي وحبيبي، وخيرتي من خلقي، فكنت أذوب عند ذلك كما يذوب الرصاص، ثم سقاني شربة من عين اللطف بكأس الأنس، ثم صيرني إلى حال لم أقدر على وصفه، ثم قربني منه، وقربني حتى صرت أقرب منه من الروح إلى الجسد، ثم استقبلني روح كل نبي يسلمون علي ويعظمون أمري ويكلمونني وأكلمهم، ثم استقبلني روح محمد صلى الله عليه وسلم ثم سلم علي، فقال: يا أبا يزيد: مرحبًا وأهلًا وسهلًا، فقد فضلك الله على كثير من خلقه تفضيلًا، إذا رجعت إلى الأرض اقرأ لأمتي مني السلام، وانصحهم ما استطعت، وادعهم إلى الله عز وجل، ثم لم أزل مثل ذلك حتى صرت كما كان من حيث لم يكن التكوين، وبقي الحق بلا كون ولا بين ولا أين ولا حيث ولا كيف، جل جلاله وتقدست أسماؤه.

قال أبو القاسم العارف رضي الله عنه: معاشر إخواني عرضت هذه الرؤيا على أجلاء أهل المعرفة فكلهم يصدقونها ولا ينكرونها، بل يستقبلونها عند مراتب أهل الانفراد في القصد إليه، ثم يحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن العبد لا يزال من الله والله منه ما لم يجزع فإذا جزع وجب عليه العتاب والحساب) وروي أيضًا عنه صلى الله عليه وسلم (أن من العلم كهيئة المخزون لا يعرفه إلا أهل العلم بالله ولا ينكره إلا أهل الغرة بالله) ا. هـ منه بلفظه (ملحق رقم (2) لكتاب المعراج منقول من مخطوطة حيدر آباد بعنوان القصد إلى الله) .

ص: 206