الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أهمية القدوة الحسنة]
أهمية القدوة الحسنة إن من الوسائل المهمة جدًا في تبليغ الدعوة إلى الله وجذب الناس إلى الِإسلام وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، القدوة الطيبة للداعي وأفعاله الحميدة وصفاته العالية وأخلاقه الزاكية مما يجعله أسوة حسنة لغيره، يكون بها أنموذجًا يقرأ فيه الناس معاني الِإسلام فيقبلون عليها وينجذبون إليها، لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالكلام وحده.
إن الِإسلام انتشر في كثير من بلاد الدنيا بالقدوة الطيبة للمسلمين التي كانت تبهر أنظار غير المسلمين وتحملهم على اعتناق الِإسلام، فالقدوة الحسنة التي يحققها الداعي بسيرته الطيبة هي في الحقيقة دعوة عملية للِإسلام يستدل بها سليم الفطرة راجح العقل من غير المسلمين على أن الِإسلام حق من عند الله.
ومن السوابق القديمة في أهمية السيرة الحسنة للداعي وأثرها في تصديقه والإِيمان بما يدعو إليه «أن أعرابيًا جاء إلى
النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال له: من أنت؟ قال: أنا محمد بن عبد الله قال الأعرابي: أأنت الذي يقال عنك إنك كذاب؟ فقال: أنا الذي يزعمونني كذلك فقال الأعرابي: ليس هذا الوجه وجه كذاب، ما الذي تدعو إليه؟ فذكر له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما يدعو إليه من أمور الِإسلام فقال له الأعرابي: آمنت بك وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله» .
فالأعرابي استدلَّ بسَمْت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووجهه المنير الكريم الذي يكون عليه أهل الصدق والأخلاق الكريمة، استدلَ بذلك على صدقه فيما يدعو إليه، صلى الله عليه وسلم.
وتكمن أهمية القدوة الحسنة في الأمور الآتية: 1 - المثال الحي المرتقي في درجات الكمال، يثير في نفس البصير العاقل قدرًا كبيرًا من الاستحسان والِإعجاب والتقرير والمحبة. ومع هذه الأمور تتهيج دوافع الغيرة المحمودة والمنافسة الشريفة، فإن كان عنده ميل إلى الخير،
وتطلع إلى مراتب الكمال، وليس في نفسه عقبات تصده عن ذلك، أخذ يحاول تقليد ما استحسنه وأعجب به، بما تولد لديه من حوافز قوية تحفزه لأن يعمل مثله، حتى يحتل درجة الكمال التي رآها في المقتدى به.
2 -
القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل العالية تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة، التي هي في متناول القدرات الإِنسانية وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال.
3 -
مستويات فهم الكلام عند الناس تتفاوت، ولكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين المجردة لمثال حي. فإن ذلك أيسر في إيصال المعاني التي يريد الداعية إيصالها للمقتدى. أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اتخذ النبي، صلى الله عليه وسلم، خاتمَا من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم:«إني اتخذت خاتمًا من ذهب فنبذه وقال: إني لن ألبسه أبدًا، فنبذ الناس خواتيمهم» .
قالت العلماء: " فدلَّ ذلك على أن الفعل أبلغ من القول ".
4 -
الأتباع ينظرون إلى الداعية نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم، فربَّ عمل يقوم به لا يلقي له بالًا يكون في حسابهم من الكبائر، وذلك أنهم يعدونه قدوة لهم، ولكي ندرك خطورة ذلك الأمر فلنتأمل هذه القصة. يروى أن أبا جعفر الأنباري صاحب الِإمام أحمد عندما أُخبر بحمل الإِمام أحمد للمأمون في الأيام الأولى للفتنة. عبر الفرات إليه فإذا هو جالس في الخان، فسلم عليه، وقال: يا هذا أنت اليوم رأسٌ والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبتَ إلى خلق القرآن ليجيبنَّ بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعنَّ خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل- يعني المأمون - إن لم يقتلك فأنت تموت، ولا بد من الموت فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء. فجعل أحمد يبكي ويقول: ما قلت؟ فأعاد عليه فجعل يقول: ما شاء الله، ما شاء الله.
وتمر الأيام عصيبة على الِإمام أحمد، ويمتحن فيها أشدّ الامتحان ولم ينس نصيحة الأنباري، فها هو المروزي أحد
أصحابه يدخل عليه أيام المحنة ويقول له: "يا أستاذ قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] فقال أحمد: يا مروزي اخرج، انظر أي شيء ترى!!! قال: فخرجتُ إلى رحبة دار الخليفة فرأيت خلقًا من الناس لا يحصي عددهم إلا الله والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر في أذرعتهم، فقال لهم المروزي: أي شيء تعملون؟ فقالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه، قال المروزي: مكانكم. فدخل إلى أحمد بن حنبل فقال له: رأيت قومًا بأيديهم الصحف والأقلام ينتظرون ما تقول فيكتبونه فقال: يا مروزي أضل هؤلاء كلهم!! أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء".
فمن أبرز أسباب أهمية القدوة أنها تساعد على تكوين الحافز في المتربي دونما توجيه خارجي، وهذا بالتالي يساعد المتربي على أن يكون من المستويات الجيدة في المسالك الفاضلة من حسن السيرة والصبر والتحمل وغير ذلك.