الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا فإن نصيب ذوي القدوة والأسوة من العناء والبلاء مكافئًا لما أوتوا من مواهب وما تحملوا من مشاق، يجسد هذا قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم:«أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى المرء على قدر دينه» .
وقد قال بعض حكماء القياديين: " لا تسأل الله أن يخفف حملك ولكن اسأله أن يقوي ظهرك ". وإن كان هذا فيه ما فيه لكنه يزيد المعنى الذي نقصد إليه وضوحًا.
[الرحمة]
الرحمة: الرحمة كمال في الطبيعة تجعل المرء يرقّ لآلام الخلق ويسعى لِإزالتها ويأسى لأخطائهم فيتمنى لهمَ الهدى. الرحمة عاطفة حية نابضة بالحب للناس والرأفة بهم والشفقة عليهم.
وربنا تبارك وتعالى هو أرحم الراحمين وخير الراحمين بل إن رحمته وسعت كل شيء، كما أن علمه قد وسع كل شيء، وملائكةُ الرحمنِ يلهجون بهذا الدعاء الشفوق من أجل المؤمنين:{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7]
[سورة غافر، الآية: 7] .
والرسول، صلى الله عليه وسلم، هو الرحمة المهداة للعالمين كلهم بل كأن الغاية من رسالته محصورة في الرحمة:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]
والرحمة المذكورة هنا يقصد بها الرحمة العامة لكل الخلق تراحما عاما ليلقى المسلم الناس قاطبة وقلبه لهم بالعطف مملوء وبالبر مكنون؛ لأن الرحمة الخاصة قد تتوفر في بعض الناس فيرق لأولاده حين يلقاهم ويهش لأصدقائه حين يجالسهم ولكن الرَحمةَ المطلوبة من القدوة أوسع من ذلك وأرحب: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» «ومن لا يَرحم لا يُرحم» بل إن الرحيم تنال رحمته الحيوان من غير البشر. والله يثيب على هذه الرحمة ويغفر بها الذنوب. فالذي سقى الكلب لما رآه يأكل الثرى من العطش شكر الله له فغفر له، والمرأة البغي من بني إسرائيل سقت كلبًا كان يطيف حول بئر في يوم حار، قد دلع لسانه من العطش فنزعت له خفها وسقته فغفر لها.
سبحان الله الرحيم لئن كانت الرحمة بكلب تغفر ذنوب البغايا، فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب، ولا تنزع الرحمة إلا