المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معنى أن كل مجتهد مصيب - القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد

[الشوكاني]

الفصل: ‌معنى أن كل مجتهد مصيب

متقابلان

فَانْظُر كم الْفرق بَين المنزلتين فَإِن الْعَالم الَّذِي قَلّدهُ غَيره إِذا كَانَ قد اجهد نَفسه فِي طلب الدَّلِيل وَلم يجده ثمَّ اجهد رَأْيه فَهُوَ مَعْذُور وَهَكَذَا إِذا اخطأ فِي اجْتِهَاده فَهُوَ مَعْذُور بل مأجور للْحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ اجران وَإِن اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ اجْرِ فَإِذا وقف بَين يَدي الله وَتبين خطأه كَانَ بِيَدِهِ هَذِه الْحجَّة الصَّحِيحَة بِخِلَاف المقلدة فَإِنَّهُ لَا يجد حجَّة يُدْلِي بهَا عِنْد السُّؤَال فِي موقف الْحساب لِأَنَّهُ قلد فِي دين الله من هُوَ مُخطئ وَعدم مُؤَاخذَة الْمُجْتَهد على خطأه لَا يسْتَلْزم عدم مُؤَاخذَة من قَلّدهُ فِي ذَلِك الْخَطَأ لَا عقلا وَلَا شرعا وَلَا عَادَة

‌معنى أَن كل مُجْتَهد مُصِيب

فَإِن استروح الْمُقَلّد إِلَى مَسْأَلَة تصويب الْمُجْتَهد فالقائل بهَا إِنَّمَا قَالَ إِنَّمَا الْمُجْتَهد مُصِيب بِمَعْنى أَنه لَا يَأْثَم بالْخَطَأ بل يُؤجر على الْخَطَأ بعد تَوْفِيَة الِاجْتِهَاد حَقه وَلم يقل أَنه مُصِيب للحق الَّذِي هُوَ حكم الله فِي الْمَسْأَلَة فَإِن هَذَا خلاف مَا

ص: 87

نطق بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الحَدِيث حَيْثُ قَالَ إِن اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِن أَخطَأ فَلهُ أجر فَانْظُر هَذِه الْعبارَة النَّبَوِيَّة فِي هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح الْمُتَّفق عَلَيْهِ عِنْد أهل الصَّحِيح والملتقى بِالْقبُولِ بَين جَمِيع الْفرق فَإِنَّهُ قَالَ وَإِن اجْتهد فَأَخْطَأَ فقسم مَا يصدر عَن الْمُجْتَهد فِي الِاجْتِهَاد فِي مسَائِل الدّين إِلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا هُوَ مُصِيب فِيهِ وَالْآخر هُوَ مُخطئ فَكيف يَقُول قَائِل أَنه مُصِيب للحق سَوَاء أصَاب أَو أَخطَأ وَقد سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مخطئا فَمن زعم أَن مُرَاد الْقَائِل بتصويب الْمُجْتَهد من الْإِصَابَة للحق مُطلقًا فقد غلط عَلَيْهِم غَلطا بَينا وَنسب إِلَيْهِم مَا هم مِنْهُ برَاء وَلِهَذَا أوضح جمَاعَة من الْمُحَقِّقين مُرَاد الْقَائِلين بتصويب الْمُجْتَهدين بِأَن مقصودهم أَنهم مصيبون من الصَّوَاب الَّذِي لَا يُنَافِي الْخَطَأ لَا من الْإِصَابَة الَّتِي هِيَ مُقَابلَة للخطأ فَإِن لم يُخطئ فَهَذَا لَا بقول بِهِ عَالم وَمن لم يفهم هَذَا الْمَعْنى فَعَلَيهِ أَن يتهم نَفسه ويحيل الذَّنب على قصوره وَيقبل مَا أوضحه لَهُ من هُوَ اعرف مِنْهُ بفهم كَلَام الْعلمَاء وَإِن استروح الْمُقَلّد إِلَى الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} فَهُوَ يقْتَصر على سُؤال أهل الْعلم عَن الحكم الثَّابِت فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم حَتَّى يبينون لَهُ كَمَا أَخذ الله عَلَيْهِم من بَيَان أَحْكَامه لِعِبَادِهِ فَإِن معنى هَذَا

ص: 88