الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زمن التأليف
أحال المؤلف على كتابه هذا في ثلاثة مؤلفات له، كما سبق، ومنها:«إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان» ، الذي قال فيه (1/ 32):«وقد ذكرنا الكلام على أسرار هذين المثلين وما تضمَّناه من الحكم في كتاب المعالم وغيره» . يعني المثلين المائي والناري المذكورين في أول سور البقرة. وقد وصلت إلينا نسخة من «إغاثة اللهفان» مكتوبة في حياة المؤلف سنة 738، وهذا دليل قاطع على أن كتاب الإغاثة وكتاب المعالم كليهما أُلّف قبل هذا التاريخ.
وإذا فرضنا أن إحالته على كتاب المعالم في كتاب «الإغاثة» وكتاب «الفوائد» وكتاب «التبيان في أيمان القرآن» لم يلحقها المؤلف فيما بعد، فسيكون موضعه في ترتيب مؤلفاته قبل الكتب الثلاثة.
ولم نجد في كتابنا هذا ذكرًا لمؤلفات أخرى لابن القيم ما عدا كتابين أحال عليهما في موضع واحد (4/ 436): أحدهما كتاب «الفروسية» ، والآخر كتاب «بيان الاستدلال على بطلان اشتراط محلل السباق والنضال» . وذلك في مسألة جواز المسابقة بلا محلّل وإن أخرج المتسابقان. لم يصل إلينا الكتاب الأخير، غير أنه هو المقصود ــ فيما يبدو ــ في قول ابن كثيرفي «البداية والنهاية» (18/ 479):«ووقع كلام وبحث في مسألة اشتراط المحلِّل في المسابقة، وكان سببه أن الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صنف فيه مصنفًا من قبل ذلك، ونصر فيه ما ذهب إليه الشيخ تقي الدين ابن تيمية في ذلك» . ثم ذكر ابن كثير أن القاضي الشافعي ــ وهوتقي الدين السبكي كما ذكر ابن حجر في «الدرر الكامنة» ــ طلب ابن القيم، وحصل
بينهما كلام في ذلك، إلى أن أظهر ابن القيم موافقته للجمهور. وهذه الحادثة وقعت سنة 746.
أما كتاب «الفروسية» فهو مطبوع. وقد تناول فيه ابن القيم مسألة المسابقة بالتفصيل، وبعد ما استوفى وجوه القول فيها قال:«فتأمل أيها المنصف هذه المذاهب وهذه المآخذ، لتعلم ضعف بضاعة من قمَّش شيئا من العلم من غير طائل، وارتوى من غير مورد، وأنكر غير القول الذي قلَّده بلا علم، وأنكر على من ذهب إليه، وأفتى به، وانتصر له. فكأن مذهبه وقول من قلّده عيارًا (كذا، والصواب: عيار، بالرفع) على الأمة، بل عيارًا (كذا وقع هنا أيضا) على الكتاب والسنة» .
والظاهر أن هذا النص يشير إلى الحادثة المذكورة التي وقعت للمؤلف مع تقي الدين السبكي، ومن ثم استظهر محقق كتاب «الفروسية» في مقدمته (ص 13 - 14) أن ابن القيم ألَّفه سنة 746 أو بعدها بقليل، وقد يفهم منه أيضا أن كتاب «أعلام الموقعين» الذي ذكر فيه كتاب «الفروسية» ألَّفه بعد سنة 746.
قلنا: الظاهر من عبارة ابن كثير أن ابن القيم «صنَّف فيه مصنَّفًا من قبل ذلك» أي قبل سنة 746 بمدة، وليس بعدها. وقد ثبت من قبل بما لا ريب فيه أن «أعلام الموقعين» أُلِّف قبل سنة 738، فيكون تأليفه للفروسية بعد الأعلام، والإحالة عليه في الفروسية لا غبار عليها.
ولكن متى شرع في تأليف الكتاب، ومتى فرغ منه؟ لا سبيل لنا إلى الإجابة عن هذا السؤال، ولكن ما المانع من تحسُّس خبره؟ ولعل بارقة تلوح لنا!
أحال المؤلف في كتابيه: «تهذيب السنن» (3/ 137)، و «مفتاح دار السعادة» (1/ 155) على كتاب له في الاجتهاد والتقليد، وفي مسألة واحدة، وهي حكم داود وسليمان عليهما السلام في الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم، فقال في الكتاب الأول:«اختلف العلماء في مثل هذه القضية على أربعة أقوال: أحدها القول بالحكم السليماني في أصل الضمان وكيفيته، وهو أصح الأقوال وأشده مطابقة لأصول الشرع والقياس، كما قد بينّا ذلك في كتاب مفرد في الاجتهاد» . وقال في كتاب المفتاح: «وقد ذكرت الحكمين الداوودي والسليماني ووجههما، ومن صار من الأئمة إلى هذا ومن صار إلى هذا، وترجيح الحكم السليماني من عدة وجوه، وموافقته للقياس وقواعد الشرع في كتاب الاجتهاد والتقليد» . ولننظر الآن في الأمور الآتية:
- كتاب «أعلام الموقعين» بمباحثه الفقهية والأصولية يدور حول الاجتهاد والتقليد، ومبحث التقليد خاصة قد استغرق أكثر من مئة وخمسين صفحة (3/ 12 - 170).
- ما أشير إليه في نصَّي الإحالة وارد في الجملة في «أعلام الموقعين» (2/ 134).
- كانت مباحث كثيرة من «أعلام الموقعين» ــ ولا سيما بحث التقليد ــ جديرة بأن يحال فيها على كتاب الاجتهاد والتقليد، إن كان سبق تأليفه. ولكن لا نجد في كتابنا إشارة إلى هذا الكتاب.
- لم يشر ابن القيم إلى كتاب «الاجتهاد والتقليد» في كتاب آخر غير «تهذيب السنن» و «المفتاح» .
- لم يذكر الصفدي، ولا ابنا رجب هذا الكتاب.
- ألَّف «تهذيب السنن» سنة 732.
النظر في الأمور المذكورة يقودنا إلى احتمالين: إما أن يكون المقصود بكتاب «الاجتهاد والتقليد» كتابنا هذا نفسه، وبهذا سماه في البداية، ثم توسع فيه، فيكون الشروع في تأليفه قبل سنة 732، وهي سنة تأليف «تهذيب السنن» ؛ وإما أنه قد سوّد من قبل كتابًا بهذا الاسم، ولكن لما ألّف «أعلام الموقعين» أفرغ فيه مسودته كاملة، فلم يبق كتابًا مفردًا مستقلًّا يذكر اسمه. وهذا أشبه، ويؤيد ذلك ما ذكره الصفدي في حجم الكتاب، كما سبق في مبحث عنوان الكتاب. والله أعلم.
* * * *