الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفائدة الثامنة والثلاثون: إذا سأل المستفتي عن مسألة لم تقع، فهل تستحَبُّ إجابته، أو تُكرَه، أو يخيَّر؟ فيه ثلاثة أقوال. وقد حكي عن كثير من السلف
(1)
أنه كان لا يتكلَّم فيما لم يقع. وكان بعض السلف إذا سأله الرجل عن مسألة قال: هل كان ذلك؟ فإن قال: نعم، تكلَّف له الجواب، وإلا قال: دعنا في عافية
(2)
.
وقال الإمام أحمد لبعض أصحابه: إياك أن تتكلَّم في مسألة ليس لك فيها إمام
(3)
.
والحقُّ: التفصيل. فإن كان في المسألة نصٌّ من كتاب الله أو سنَّةٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أثرٍ عن الصحابة لم يُكرَه الكلام فيها. وإن لم يكن فيها نصٌّ ولا أثر، فإن كانت بعيدة الوقوع أو مقدَّرةً لا تقع لم يُستحَبَّ له الكلام فيها. وإن كان وقوعها غير نادر ولا مستبعد، وغرضُ السائل الإحاطةُ بعلمها ليكون منها على بصيرة إذا وقعت= استُحِبَّ له الجواب بما يعلم، لا سيما إن كان السائل يتفقَّه بذلك، ويعتبر بها نظائرها، ويفرِّع عليها. فحيث كانت مصلحة الجواب راجحةً كان هو الأولى. والله أعلم.
الفائدة التاسعة [207/ب] والثلاثون:
لا يجوز للمفتي تتبُّعُ الحيل
المحرَّمة والمكروهة، ولا تتبُّع الرخص لمن أراد نفعه. فإن تتبَّعَ ذلك فسَقَ، وحرُم استفتاؤه وإن
(4)
حسن قصدُه في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة
(1)
في «صفة الفتوى» (ص 30): «بعض السلف» .
(2)
تقدم في الفائدة الأولى.
(3)
تقدم في أول الكتاب.
(4)
في النسخ المطبوعة: «فإن» .
لتخليص
(1)
المستفتي بها من حرجٍ جاز ذلك، بل استُحِبَّ. وقد أرشد الله سبحانه نبيَّه أيوب إلى التخلُّص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثًا، فيضرب به المرأة ضربة واحدة
(2)
.
وأرشد النبيُّ صلى الله عليه وسلم بلالًا إلى بيع التمر بدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمرًا آخر، فيتخلَّص من الربا
(3)
. فأحسنُ المخارج ما خلص من المآثم، وأقبحُ الحيل ما أوقع في المحارم، أو أسقط ما أوجبه الله ورسوله من الحقِّ اللازم. وقد ذكرنا من النوعين ما لعلك لا تظفر بجملته في غير هذا الكتاب. والله الموفق للصواب.
الفائدة الأربعون في حكم رجوع المفتي عن فتياه:
إذا أفتى المفتي بشيءٍ ثم رجع عنه، فإن علِم المستفتي برجوعه ولم يكن عمِل بالأول فقيل: يحرُم عليه العمل به
(4)
. وعندي في المسألة تفصيل، وأنه لا يحرم عليه الأول بمجرَّد رجوع المفتي، بل يتوقَّف حتى يسأل غيرَه. فإن أفتاه بموافقة الأول استمرَّ على العمل به، وإن أفتاه بموافقة الثاني، ولم يُفْتِه أحدٌ بخلافه، حرُم عليه العمل بالأول. وإن لم يكن في البلد إلا مفتٍ واحد سأله عن رجوعه عما أفتاه به، فإن رجع إلى اختيار خلافه مع تسويغه لم يحرُم عليه. وإن رجع لخطأٍ بان له، وأن ما أفتاه به لم يكن صوابًا، حرُم عليه العمل بالأول.
(1)
ب: «ليخلص» ، وكذا في المطبوع.
(2)
انظر: «أدب المفتي» (ص 111) و «صفة الفتوى» (ص 32).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
انظر: «أدب المفتي» (ص 109) و «صفة الفتوى» (ص 30).
هذا إذا كان رجوعه لمخالفة دليل شرعي. فإن كان رجوعه لمجرَّد ما بان له أن ما أفتى به
(1)
خلافُ مذهبه لم يحرُم على المستفتي ما أفتاه به أولًا، إلا أن تكون المسألة إجماعية. فلو تزوَّج بفتواه ودخل، ثم رجع المفتي، لم يحرُم عليه إمساك امرأته إلا بدليل شرعي يقتضي تحريمها. ولا يجب عليه مفارقتها بمجرَّد رجوعه، ولا سيَّما إن كان إنما رجع لكونه تبيَّن له أن ما أفتى به خلافُ مذهبه، وإن وافق مذهب غيره. هذا هو الصواب.
وأطلق بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي وجوبَ مفارقتها عليه، وحكوا في ذلك وجهين، ورجَّحوا وجوب المفارقة. قالوا: لأن المرجوع عنه ليس مذهبًا له، كما لو تغيَّر اجتهادُ من قلَّده في القبلة في أثناء الصلاة، فإنه يتحوَّل مع الإمام في الأصح
(2)
.
فيقال لهم: المستفتي قد دخل بامرأته دخولًا صحيحًا سائغًا، ولم يقُمْ ما يوجب مفارقته لها من نصٍّ ولا إجماع، فلا يجب عليه مفارقتها بمجرَّد تغيُّر اجتهاد المفتي. وقد رجع عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن القول بالتشريك، وأفتى بخلافه، ولم يأخذ المال من الذين شرَّك بينهم أولًا
(3)
.
وأما قياسكم ذلك على من تغيَّر اجتهاده في معرفة القبلة، فهو حجة عليكم؛ فإنه لا يبطل ما فعله المأموم بالاجتهاد الأول، ويلزمه التحوُّل ثانيًا لأنه مأمور بمتابعة الإمام. بل نظير مسألتنا: ما لو تغيَّر اجتهاده بعد الفراغ من الصلاة، فإنه لا تلزمه الإعادة، ويصلِّي الثانية بالاجتهاد الثاني.
(1)
ك، ب:«أفتاه به» ، وكذا في المطبوع.
(2)
انظر المصدرين المذكورين.
(3)
تقدَّم تخريجه.
وأما قول أبي عمرو بن الصلاح
(1)
، وأبي عبد الله بن حمدان
(2)
من أصحابنا: «إذا كان المفتي إنما يفتي على مذهب [208/أ] إمام معيَّن، فإذا رجع لكونه بان له قطعًا أنه خالف في فتواه نصَّ مذهب إمامه، فإنه يجب نقضُه، وإن كان ذلك في محل الاجتهاد؛ لأن نصَّ مذهب إمامه في حقِّه كنصِّ الشارع في حقِّ المفتي المجتهد المستقل» ؛ فليس كما قالا. ولم ينصَّ على هذه المسألة أحد من الأئمة، ولا تقتضيها أصول الشريعة. ولو كان نصُّ إمامه بمنزلة نصِّ الشارع لَحرُم عليه وعلى غيره مخالفته، وفسَقَ بخلافه.
ولم يوجب أحد من الأئمة نقضَ حكم الحاكم ولا إبطالَ فتوى المفتي بكونه خلاف قول زيد أو عمرو، ولا يُعلَم أحدٌ سوَّغ النقضَ بذلك من الأئمة والمتقدمين من أتباعهم، وإنما قالوا: يُنقَض من حكم الحاكم ما خالف نصَّ كتاب أو سنة أو إجماع الأمة، ولم يقل أحد: يُنقَض من حكمه ما خالف قول فلان أو فلان. وينقض من فتوى المفتي ما ينقض من حكم الحاكم، فكيف يسوغ نقضُ أحكام الحكام وفتاوى أهل العلم بكونها خالفت قولَ واحدٍ من الأئمة، ولا سيَّما إذا وافقت نصًّا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فتاوى الصحابة؟ أيسوغ نقضُها لمخالفة قول فلان وحده، ولم يجعل الله ولا رسوله ولا أحد من الأئمة قولَ فقيه من الأمة بمنزلة نصِّ الله ورسوله بحيث يجب اتباعُه ويحرُم خلافه؟
فإذا بان للمفتي أنه خالف إمامه ووافق قول الأئمة الثلاثة لم يجب على الزوج أن يفارق امرأته، ويخرِّب بيتَه، ويشتِّت شملَه وشملَ أولاده، بمجرَّد كون المفتي ظهر له أن ما أفتى به خلافُ نصِّ إمامه. ولا يحِلُّ له أن يقول له:«فارِقْ أهلَك» بمجرَّد ذلك، ولا سيما إن كان النص مع قول الثلاثة.
وبالجملة فبطلان هذا القول أظهر من أن نتكلَّف بيانه.
فإن قيل: فما تقولون لو تغيَّر اجتهاد المفتي، فهل يلزمه إعلام المستفتي؟
قيل: اختُلِف في ذلك. فقيل: لا يلزمه إعلامه، فإنه عمل أولًا بما يسوغ له، فإذا لم يعلم بطلانه لم يكن آثمًا، فهو في سعة من استمراره. وقيل: بل يلزمه إعلامه، لأن ما رجع عنه قد اعتقد بطلانه، وبان له أنَّ ما أفتاه
(1)
ليس من الدين، فيجب عليه إعلامه؛ كما جرى لعبد الله بن مسعود حين أفتى رجلًا بحِلِّ أم امرأته التي فارقها قبل الدخول، ثم سافر إلى المدينة وتبيَّن له خلاف هذا القول، فرجع إلى الكوفة، وطلب الرجل
(2)
، وفرَّق بينه وبين أهله
(3)
. وكما جرى للحسن بن زياد اللؤلؤي لما استُفتي في مسألة، فأخطأ فيها، ولم يعرف الذي أفتاه
(4)
، فاستأجر مناديًا ينادي أن الحسن بن زياد استُفْتي يومَ
(5)
كذا وكذا في مسألة، فأخطأ. فمن كان أفتاه الحسن بن زياد
(1)
في النسخ المطبوعة بعده: «به» .
(2)
في النسخ المطبوعة: «هذا الرجل» .
(3)
تقدَّم تخريجه.
(4)
في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «به» .
(5)
في النسخ المطبوعة: «في يوم» بزيادة «في» .
بشيء فليرجع إليه. ثم لبث أيامًا لا يُفتي حتى وجد
(1)
صاحبَ الفتوى، فأعلمه أنه قد أخطأ، وأن الصواب خلاف ما أفتاه به
(2)
.
قال القاضي أبو يعلى في «كفايته»
(3)
: من أفتى بالاجتهاد ثم تغيَّر اجتهاده لم يلزمه إعلامُ المستفتي بذلك إن كان قد عمل به، وإلا أعلَمه.
والصواب: التفصيل. فإن كان المفتي ظهر له الخطأ قطعًا بكونه
(4)
خالف نصَّ الكتاب أو السنة التي لا معارض لها، أو خالف إجماعَ الأمة، وجب عليه
(5)
إعلام المستفتي. وإن كان [208/ب] إنما ظهر له أنه خالف مجرَّدَ مذهبه أو نصَّ إمامه لم يجب عليه إعلام المستفتي.
وعلى هذا تُخرَّج قصة ابن مسعود، فإنه لما ناظر الصحابةَ في تلك المسألة بيَّنوا له أن صريح الكتاب يحرِّمها، لكون الله أبهمها فقال:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} ، وظنَّ عبد الله أن قوله:{اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] راجع إلى الأول والثاني. فبيَّنوا له أنه إنما يرجع إلى أمهات
(1)
في النسخ المطبوعة: «جاء» ، وفي مصادر التخريج كما أثبت من النسخ الخطية هنا وفيما سبق.
(2)
«أدب المفتي والمستفتي» (ص 110). وقد رواه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1209) ــ وعنه ابن الجوزي في «تعظيم الفتيا» (34) ــ من طريق علي بن محمد النخعي، عن محمد بن أحمد بن الحسن بن زياد، عن أبيه، وفيه مَن لا أعرف.
(3)
نقله منه ابن حمدان في «صفة الفتوى» (ص 31).
(4)
في النسخ المطبوعة: «لكونه» .
(5)
في النسخ المطبوعة: «الأمة فعليه» .
الربائب خاصّةً، فعرَف أنه الحقُّ، وأن القول بحِلِّها خلافُ كتاب الله، ففرَّق بين الزوجين. ولم يفرِّق بينهما بكونه تبيَّن له أن ذلك خلاف قول زيد أو عمرو. والله أعلم.
الفائدة الحادية والأربعون: إذا عمل المستفتي بفتيا مفتٍ في إتلاف نفس أو مال، ثم بان خطؤه.
فقال
(1)
أبو إسحاق الإسفراييني من الشافعية: يضمن المفتي إن كان أهلًا للفتوى وخالف القاطعَ. وإن لم يكن أهلًا فلا ضمان عليه، لأن المستفتي قصَّر في استفتائه وتقليده
(2)
. ووافقه على ذلك أبو عبد الله بن حمدان في كتاب «أدب المفتي والمستفتي»
(3)
له، ولم أعرف هذا لأحد من الأصحاب قبله. ثم حكى وجهًا آخر في تضمين من ليس بأهل، قال: لأنه تصدَّى لما ليس له بأهل، وغرَّ من استفتاه بتصدِّيه لذلك.
قلت: خطأ المفتي كخطأ الحاكم والشاهد، وقد اختلفت الرواية في خطأ الحاكم في النفس أو الطرف. فعن الإمام أحمد في ذلك روايتان
(4)
، إحداهما: أنه في بيت المال، لأنه يكثر منه الحكم
(5)
فلو حملته العاقلة لكان
(1)
في النسخ المطبوعة: «قال» .
(2)
نقله عن أبي إسحاق أبو عمرو ابن الصلاح في «أدب المفتي» (ص 111).
(3)
في النسخ المطبوعة: «آداب
…
». وهو مطبوع بعنوان «صفة الفتوى والمفتي والمستفتي» (ص 31).
(4)
انظر: «الهداية» لأبي الخطاب (ص 535).
(5)
في النسخ المطبوعة: «ذلك الحكم» .
ذلك إضرارًا عظيمًا بهم. والثانية: أنه على عاقلته، كما لو كان الخطأ بسبب غير الحاكم. وأما خطؤه في المال فإذا حكَم بحقٍّ، ثم بان كفرُ الشهود أو فسقُهم، نُقِض حكمُه، ثم رجع المحكوم عليه ببدل المال على المحكوم له. وكذلك إن
(1)
كان الحكم بقود رجع أولياء المقتول ببدله على المحكوم له.
وإن
(2)
كان الحكمُ بحقٍّ لله
(3)
بإتلاف مباشر أو بالسِّراية، ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الضمان على المزكِّين، لأن الحكم إنما وجب بتزكيتهم.
والثاني: يضمنه الحاكم، لأنه لم يتثبت، بل فرَّط في المبادرة إلى الحكم، وترك البحث والسؤال.
والثالث: أن للمستحقِّ تضمين أيهما شاء، والقرارُ على المزكِّين، لأنهم ألجؤوا الحاكمَ إلى الحكم. فعلى هذا إن لم يكن ثمَّ تزكية، فعلى الحاكم.
وعن أحمد رواية أخرى: أنه لا ينقض بفسقهم، فعلى هذا لا ضمان
(4)
. وعلى هذا إذا استفتى الإمام أو الوالي مفتيًا، فأفتاه، ثم بان
(5)
خطؤه فحكمُ المفتي مع الإمام حكمُ المزكِّين مع الحاكم.
وإن عمل المستفتي بفتواه، من غير حكم حاكم ولا إمام، فأتلف نفسًا
(1)
في النسخ المطبوعة: «إذا» .
(2)
في النسخ المطبوعة: «وكذلك إن» ، و «كذلك» زائدة.
(3)
في النسخ المطبوعة: «بحق الله» .
(4)
انظر: «المحرر» (2/ 211).
(5)
في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «له» .
أو مالًا؛ فإن كان المفتي أهلًا فلا ضمان عليه، والضمان على المستفتي. وإن لم يكن أهلًا فعليه الضمان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من تطبَّب ولم يُعرَف منه طبٌّ فهو ضامن»
(1)
. وهذا يدل على أنه إذا عُرِف منه طبٌّ وأخطأ لم يضمن. والمفتي أولى بعدم الضمان من الحاكم والإمام، لأن المستفتي مخيَّر بين قبول فتواه وردِّها، فإن قوله لا يلزم، بخلاف حكم الإمام والحاكم
(2)
.
وأما خطأ الشاهد، فإما أن يكونوا شهودًا بمال أو طلاق أو عتق أو حدٍّ أو قود، فإن بان خطؤهم قبل الحكم بذلك لم يحكم به
(3)
. [209/أ] فإن
(4)
بان بعد الحكم باستيفاء القوَد وقبل استيفائه لم يستوفَ قطعًا. وإن بان بعد استيفائه فعليهم دية ما تلف، ويتقسَّط الغرم على عددهم. وإن بان خطؤهم قبل الحكم بالمال لغَتْ شهادتهم ولم يضمنوا. وإن بان بعد الحكم به نُقِض حكمه، كما لو شهدوا بموت رجلٍ باستفاضة، فحكم الحاكم بقَسْمِ ميراثه، ثم بانت حياته، فإنه يُنقَض حكمه.
وإن بان خطؤهم في شهادة الطلاق من غير جهتهم، كما لو شهدوا أنه
(1)
رواه أبو داود (4586)، والنسائي (4830)، وابن ماجه (3466) من طريق الوليد، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وقال أبو داود: هذا لم يروه إلا الوليد، لا ندري هو صحيح أم لا. وقوَّى الدارقطني وابن حجر الإرسالَ. انظر:«سنن الدارقطني» (3439) و «بلوغ المرام» (357). وهو ثابت عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز من قوله عند ابن أبي شيبة (28164) وانظر ما بعده.
(2)
في النسخ المطبوعة: «الحاكم والإمام» .
(3)
في النسخ المطبوعة: «قبل الحكم لم يحكم بذلك» .
(4)
في النسخ المطبوعة: «وإن» .
طلَّق يوم كذا وكذا، وظهر للحاكم أنه في ذلك اليوم كان محبوسًا لا يصل إليه أحد، أو كان مغمًى عليه= فحكمُ ذلك حكمُ ما لو بان كفرهم أو فسقهم، فيُنقَض
(1)
حكمُه، وتُرَدُّ المرأة إلى الزوج ولو تزوجت بغيره؛ بخلاف ما إذا قالوا: رجعنا عن الشهادة، فإن رجوعهم إن كان قبل الدخول ضمنوا نصفَ المسمَّى، لأنهم قرَّروه عليه، ولا تعود إليه الزوجة إذا كان الحاكم قد
(2)
حكم بالفرقة. وإن رجعوا بعد الدخول، ففيه روايتان، إحداهما: أنهم لا يغرمون شيئًا، لأن الزوج استوفى المنفعة بالدخول، فاستقرَّ عليه عوضُها. والثانية: يغرمون المسمَّى كلَّه، لأنهم فوَّتوا عليه البُضْعَ بشهادتهم. وأصلها
(3)
أن خروج البضع من يد الزوج هل هو متقوِّم أم لا
(4)
؟
وأما شهود العتق فإن بان خطؤهم تبيَّنَّا أنه لا عتق. وإن قالوا: رجعنا غرموا للسيِّد قيمة العبد.
الفائدة الثانية والأربعون: ليس للمفتي الفتوى في حال غضب شديد، أو جوع مفرط، أو همٍّ مقلق، أو خوف مزعج، أو نعاس غالب، أو شغلِ قلب مستولٍ عليه، أو حال مدافعة الأخبثين. بل متى أحسَّ من نفسه بشيء
(5)
من ذلك يُخرجه عن حال اعتداله وكمال تثبُّته وتبيُّنه
(6)
أمسك عن الفتوى. فإن
(1)
في النسخ المطبوعة: «فإنه ينقض» .
(2)
لم يرد «قد» في ز.
(3)
يعني: المسألة. وفي النسخ المطبوعة: «وأصلهما» .
(4)
وانظر: «بدائع الفوائد» (ص 1114).
(5)
في النسخ المطبوعة: «شيئًا» .
(6)
المطبوع: «اعتداله وطمأنينته وتثبيته» .
أفتى في هذه الحال
(1)
بالصواب صحَّت فتياه
(2)
.
ولو حكم في هذه الحال
(3)
فهل ينفذ حكمه أو لا ينفذ؟ فيه ثلاثة أقوال: النفوذ، وعدمه، والفرق بين أن يعرض له الغضب بعد فهم الحكومة فينفذ، وبين أن يكون سابقًا على فهم الحكومة فلا ينفذ. والثلاثة في مذهب الإمام أحمد
(4)
.
الفائدة الثالثة والأربعون: لا يجوز له أن يفتي في الأقارير والأيمان والوصايا وغيرها، مما يتعلَّق باللفظ بما اعتاده هو من فهم تلك الألفاظ، دون أن يعرف عرف أهلها والمتكلِّمين بها، فيحملها على ما اعتادوه وعرفوه، وإن كان مخالفًا لحقائقها الأصلية. فمتى لم يفعل ذلك ضلَّ وأضلَّ
(5)
.
فلفظ «الدينار» عند طائفة اسم لثمانية دراهم، وعند طائفة اسم لاثني عشر درهمًا، و «الدرهم» عند غالب البلاد اليوم اسم للمغشوش. فإذا أقرَّ له بدراهم، أو حلَف لَيعطينَّه
(6)
إياها، أو أصدقها امرأةً
(7)
= لم يجُز للمفتي ولا
(1)
في النسخ المطبوعة: «الحالة» .
(2)
انظر: «أدب المفتي» (ص 113) و «صفة الفتوى» (ص 34).
(3)
في المطبوع: «في مثل هذه الحالة» .
(4)
انظر: «المغني» (14/ 26).
(5)
انظر: «أدب المفتي والمستفتي» (ص 115) و «صفة الفتوى» (ص 36).
(6)
في النسخ المطبوعة: «ليعطيه» ، وهو خطأ.
(7)
في المطبوع: «امرأته» .
للحاكم أن يلزمه بالخالصة. فلو كان في بلد إنما يعرفون الخالصة لم يجُز له أن يُلزم المستحقَّ بالمغشوشة.
وكذلك في ألفاظ الطلاق والعتاق. فلو جرى عرفُ أهل بلد أو طائفة في استعمالهم لفظ «الحرية» في العفة دون العتق، فإذا قال أحدهم عن مملوكه:«إنه حرٌّ» أو عن جاريته: «إنها حرَّة» ، وعادتُه استعمال ذلك [209/ب] في العفة، لم يخطر بباله غيرُها= لم يعتِق بذلك قطعًا، وإن كان اللفظ صريحًا عند مَن ألِفَ استعماله في العتق.
وكذلك إذا جرى عرفُ طائفة في الطلاق بلفظ التسميح بحيث لا يعرفون لهذا المعنى غيره، فإذا قالت:«اسمح لي» ، فقال:«سمحتُ لك» ، فهذا صريح في الطلاق عندهم. وقد تقدَّم الكلام في هذا الفصل مشبعًا، وأنه لا يسوغ أن يُقبَل تفسيرُ من قال:«لفلان عليَّ مال جليل أو عظيم» بدانق أو درهم ونحو ذلك، ولا سيما إن كان المفسِّر من الأغنياء المكثرين أو الملوك
(1)
.
وكذلك لو أوصى له بقوس في محلَّة لا يعرفون إلا أقواس النَّدْف
(2)
أو الأقواس العربية أو أقواس الرِّجل
(3)
، أو حلف لا يشَمُّ الريحان في محلٍّ لا يعرفون الريحان إلا هذا الفارسي، أو حلف لا يركب دابة في موضعٍ عرفُهم بلفظ الدابة الحمار أو الفرس، أو حلف لا يأكل ثمرًا في بلدٍ عرفهُم في
(1)
انظر ما سبق في «المثال الثامن مما تتغير به الفتوى لتغير العرف والعادة» .
(2)
في النسخ المطبوعة: «البندق» . وقوس الندف غير قوس البندق. انظر: «المغني» (8/ 570).
(3)
انظر وصفها في «الفروسية المحمدية» (ص 380 - 381).
الثمار نوع واحد منها لا يعرفون غيره، أو حلف لا يلبس ثوبًا في بلدٍ عرفُهم من
(1)
الثياب القُمُص وحدها دون الأردية والأُزُر والجِباب ونحوها= تقيَّدت يمينُه بذلك وحده في جميع هذه الصور، واختصَّت بعرفه دون موضوع اللفظ لغةً أو في عرف غيره.
بل لو قالت المرأة لزوجها الذي لا يعرف التكلُّم بالعربية ولا يفهمها: «قل لي: أنتِ طالق ثلاثًا» ، وهو لا يعلم ما
(2)
موضوع هذه الكلمة، فقال لها= لم تطلُق قطعًا في حكم الله ورسوله.
وكذلك لو قال الرجل لآخر: «أنا عبدك ومملوكك» على جهة
(3)
الخضوع له كما يقوله الناس لم يستبح ملكَ رقبته بذلك. ومن لم يراع المقاصد والنيات والعرف في الكلام فإنه يلزمه أن يجوز له بيعُ هذا القائل وملكُ رقبته بمجرَّد هذا اللفظ.
وهذا باب عظيم يقع فيه المفتي الجاهل، فيغرُّ الناسَ، ويكذب على الله ورسوله، ويغيِّر دينه، ويحرِّم ما لم يحرِّمه الله، ويوجب ما لم يوجبه الله. والله المستعان.
الفائدة الرابعة والأربعون: يحرم عليه إذا جاءته مسألة فيها تحيُّل [على]
(4)
إسقاط واجب، أو تحليل محرَّم، أو مكر أو خداع= أن يعين
(1)
في النسخ المطبوعة: «في» .
(2)
«ما» ساقطة من النسخ المطبوعة.
(3)
في المطبوع: «على سبيل» .
(4)
من النسخ المطبوعة.
المستفتي فيها، أو يرشده
(1)
إلى مطلوبه، أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصَّل به إلى مقصده. بل ينبغي له أن يكون بصيرًا بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم. ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذِرًا فطِنًا، فقهُه
(2)
في أحوال الناس وأمورهم يوازن فقهَه
(3)
في الشرع؛ وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ.
وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل، وباطنها مكر وخداع وظلم! فالغِرُّ ينظر إلى ظاهرها، ويقضي بجوازه. وذو البصيرة ينقد مقصدها وباطنها. فالأول يروج عليه زغَلُ المسائل، كما يروج على الجاهل بالنقد زغلُ الدراهم. والثاني يُخرج زيفها، كما يُخرج الناقد زيف النقود.
وكم من باطل يُخرِجه الرجل بحسن لفظه وتنميقه وإبرازه في صورة حقٍّ! وكم من حقٍّ يُخرِجه بتهجينه وسوء [210/أ] تعبيره في صورة باطل! ومن له أدنى فطنة وخبرة لا يخفى عليه ذلك؛ بل هذا أغلب أحوال الناس، ولكثرته وشهرته يستغني عن الأمثلة. بل من تأمل المقالات الباطلة والبدع كلَّها وجدها قد أخرجها أصحابها في قوالب مستحسنة، وكسَوها ألفاظًا يقبلها بها من لم يعرف حقيقتها، ولقد أحسن القائل
(4)
:
(1)
في النسخ المطبوعة: «ويرشده» .
(2)
ز: «فقيه» ، تصحيف.
(3)
في المطبوع: «فقيهًا بأحوال الناس وأمورهم يؤازره فقهٌ» ، وفي الطبعات السابقة: «
…
فقهُه». والصواب ما أثبت من النسخ الخطية.
(4)
هو ابن الرومي. انظر: «ديوانه» (3/ 1144). وهي ثلاثة أبيات ذكرت في «وفيات الأعيان» (1/ 33) وغيره دون عزو.
تقول هذا جنيُّ النحل تمدحه
…
وإن تشأ قلتَ ذا قيءُ الزنابير
(1)
مدحًا وذمًّا وما جاوزتَ وصفهما
…
والحقُّ قد يعتريه سوءُ تعبير
(2)
ورأى بعض الملوك كأن أسنانه قد سقطت، فعبَّرها له معبِّرٌ بموت أهله وأقاربه؛ فأقصاه وطرَده. واستدعى آخر، فقال له: لا عليك، تكون أطولَ أهلِك عمرًا؛ فأعطاه وأكرمه وقرَّبه
(3)
. فاستوفى المعنى، وغيَّر له العبارة، وأخرج المعنى في قالب حسن.
والمقصود أنه لا يحِلُّ له أن يفتي بالحيل المحرَّمة، ولا يعين عليها، ولا يدل عليها؛ فيضادَّ الله في أمره. قال تعالى:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54]. وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل: 50 - 51]. وقال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]. وقال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]. وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142].
(1)
«جنيُّ النحل» كذا في النسخ الخطية، و «مفتاح دار السعادة» (1/ 397)، و «الصواعق المرسلة» (3/ 944). وفي النسخ المطبوعة:«جناء النحل» ، وهو خطأ. ولعل بعضهم قرأ «جَنَى النحل» فرأى الوزن مكسورًا، فغيَّره. والرواية:«مُجاج النحل» .
(2)
هذا البيت ملفَّق من بيتين، فالشطر الأول عجزه:
سحرُ البيان يُرِي الظلماءَ كالنورِ
وهو آخر الأبيات الثلاثة. والشطر الثاني صدره في «الديوان» وهو أول الأبياتِ:
في زُخرف القول ترجيحٌ لقائله
(3)
انظر: «الإشارات» لغرس الدين ابن شاهين (ص 873).
وقال تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}
(1)
[البقرة: 9]. وقال تعالى: {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 123].
وقال تعالى في حقِّ أرباب الحيل المحرَّمة: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 65 - 66].
وفي «صحيح مسلم»
(2)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ملعون من ضارَّ مسلمًا أو مكَر به» .
وقال: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلُّوا محارمَ الله بأدنى الحِيَل»
(3)
.
وقال: «المكر والخديعة في النار»
(4)
.
وفي «سنن ابن ماجه»
(5)
وغيره عنه صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يلعبون بحدود
(1)
ز، ك:«وما يخادعون إلا أنفسهم» ، وهي قراءة أبي عمرو والحرميين من السبعة. انظر:«الإقناع» لابن الباذش (2/ 597).
(2)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة. ولم يرد الحديث في «صحيح مسلم» . وإنما رواه الترمذي (1941) وقال: حديث غريب.
(3)
تقدَّم تخريجه.
(4)
رواه ابن عدي في «الكامل» (2/ 584)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (5268) من حديث قيس بن سعد. وقال ابن الملقن في «التوضيح» (14/ 359) والحافظ في «الفتح» (4/ 356): وإسناده لا بأس به. وله شواهد، انظر:«الصحيحة» (1057).
(5)
برقم (2017) ورواه ابن حبان (4265)، والبيهقي (7/ 322) من حديث أبي موسى الأشعري، وفيه مؤمَّل، ضعيف. لكن تابعه أبو حذيفة عند البيهقي (7/ 322). قال البزار (8/ 116):«وهذا الحديث لا نعلم أحدًا أسنده عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى إلا الثوري، ورواه عن الثوري مؤمَّل وأبو حذيفة» . وحسنه شيخ الإسلام في «بيان الدليل» (512) والمؤلف في «إغاثة اللهفان» (1/ 503).
الله، ويستهزئون بآياته: طلَّقتُكِ راجعتُكِ، طلَّقتُكِ راجعتُكِ!». وفي لفظ
(1)
: «خلعتُكِ راجعتُك، خلعتُك راجعتُك» .
وفي «الصحيحين»
(2)
عنه صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود، حُرِّمت عليهم الشحوم، فجمَلوها، وباعوها، وأكلوا أثمانها» .
وقال أيوب السختياني: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان
(3)
.
وقال ابن عباس: من يخادع الله يخدَعْه
(4)
.
وقال بعض السلف: ثلاثٌ من كنَّ فيه كنَّ عليه: المكر، والبغي، والنَّكث. وقال تعالى
(5)
: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]. وقال تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23]. وقال تعالى: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: 10]
(6)
.
(1)
رواه ابن بطة في «إبطال الحيل» (ص 99).
(2)
البخاري (2223) ومسلم (1582)، وقد سبق مرتين.
(3)
تقدَّم تخريجه.
(4)
تقدَّم تخريجه.
(5)
كذا في النسخ، ولعل الصواب حذف الواو كما في «سنن سعيد بن منصور» و «شعب الإيمان» وغيرهما. وأثبت في المطبوع:«وقرأ» ، كما جاء في «ذم البغي» .
(6)
رواه سعيد بن منصور (1057 - التفسير) من طريق فرَج بن فَضالة، حدثني ربيعة بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، أنه سمع قاصًّا في مسجد منى يقول
…
، بأتم من هذا. وفيه:«ثم قال: ثلاث خلال لا يعذبكم الله ما عملتم بهن: الشكر والدعاء والاستغفار. ثم قرأ: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: 147]، {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77]، {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]. ورواه ابن أبي الدنيا في «ذم البغي» (34) عن محمد بن كعب القرظي من قوله، وفيه عقبة، لا يعرف. ولعله تصحيف شعبة إذ لم أجد في طبقته من يروي عن بديل بن ميسرة ويروي عنه موسى بن إسماعيل. ورواه أبو نعيم في «الحلية» (5/ 181) عن مكحول من قوله نحوه. ورواه أيضًا في «أخبار أصبهان» (2/ 70) ــ ومن طريقه الخطيب في «تاريخه» ــ عن أنس مرفوعًا، وحكم الحافظان الذهبي وابن حجر عليه بالنكارة. «الميزان» (4/ 91، 92) و «اللسان» (8/ 29).
وقال الإمام أحمد
(1)
: هذه الحيل التي وضعها هؤلاء: عمدوا إلى السنن، فاحتالوا في نقضها. أتوا إلى الذي قيل لهم إنه حرام، فاحتالوا فيه حتى حلَّلوه.
وقال
(2)
: ما أخبثهم! [210/ب]ــ يعني أصحاب الحيل ــ يحتالون لنقض سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال
(3)
: من احتال بحيلة فهو حانث.
وقال
(4)
: إذا حلف على شيء، ثم احتال بحيلة، فصار إليها، فقد صار إلى الذي حلف عليه بعينه.
وقد تقدَّم بسطُ الكلام في هذه المسألة مستوفًى
(5)
فلا حاجة إلى إعادته.
(1)
في رواية أبي الحارث الصائغ. وقد تقدمت.
(2)
في رواية أبي داود، وقد تقدمت أيضًا.
(3)
في رواية بكر بن محمد، وقد تقدمت أيضًا.
(4)
في رواية بكر بن محمد أيضًا، وقد تقدمت.
(5)
(4/ 47 وما بعدها).
الفائدة الخامسة والأربعون: في أخذه
(1)
الأجرة والهدية والرزق على الفتوى، فهذه
(2)
ثلاث صور مختلفة السبب والحكم.
فأما أخذه الأجرة، فلا يجوز له لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله، فلا تجوز المعاوضة عليه؛ كما لو قال له: لا أعلِّمك الإسلام أو الوضوء أو الصلاة إلا بأجرة، أو سئل عن حلال أو حرام، فقال للسائل: لا أجيبك عنه إلا بأجرة= فهذا حرام قطعًا، ويلزمه ردُّ العوض، ولا يملكه.
وقال بعض المتأخرين
(3)
: إن أجاب بالخطِّ، فله أن يقول للسائل: لا يلزمني أن أكتب لك خطِّي إلا بأجرة؛ وله أخذُ الأجرة. وجعَلَه بمنزلة أجرة الناسخ، فإنه يأخذ الأجرة على خطِّه، لا على جوابه، وخطُّه قدر زائد على جوابه.
والصحيح: خلاف ذلك، وأنه يلزمه الجواب مجّانًا لله بلفظه وخطِّه، ولكن لا يلزمه الورق ولا الحبر.
وأما الهدية، ففيها تفصيل. فإن كانت بغير سبب الفتوى كمن عادته يهاديه، أو من لا يعرف أنه مفتٍ، فلا بأس بقبولها؛ والأولى أن يكافئ عليها. وإن كانت بسبب الفتوى، فإن كانت سببًا إلى أن يفتيه بما لا يفتي به غيرَه ممن لا يُهدي له لم يجُز له قبول هديته. وإن كان لا فرق بينه وبين غيره عنده في الفتيا، بل يفتيه بما يفتي به الناس، كُرِه له قبول الهدية لأنها تشبه المعاوضة على الإفتاء.
(1)
ك، ب:«أخذ» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(2)
في النسخ المطبوعة: «فيه» !
(3)
هو أبو حاتم القزويني الشافعي. انظر: «أدب المفتي والمستفتي» (ص 114).
وأما أخذ الرزق من بيت المال، فإن كان محتاجًا إليه جاز له ذلك. وإن كان غنيًّا عنه، ففيه وجهان. وهذا فرع متردِّد بين عامل الزكاة وعامل اليتيم، فمن ألحقه بعامل الزكاة قال: النفع فيه عامٌّ، فله الأخذ. ومن ألحقه بعامل اليتيم منَعه من الأخذ. وحكمُ القاضي في ذلك حكمُ المفتي، بل القاضي أولى بالمنع. والله أعلم.
الفائدة السادسة والأربعون: إذا أفتى في واقعة ثم وقعت له مرة أخرى، فإن ذكرها وذكر مستندها، ولم يتجدَّد له ما يوجب تغيُّرَ اجتهاده أفتى بها من غير نظر ولا اجتهاد. وإن ذكرها ونسي مستندها، فهل له أن يفتي بها دون تجديد نظر واجتهاد؟ فيه وجهان لأصحاب الإمام أحمد والشافعي
(1)
. أحدهما: أنه يلزمه تجديد النظر، لاحتمال تغيُّر اجتهاده وظهور ما كان خافيًا عنه. والثاني: لا يلزمه تجديد النظر، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان. وإن ظهر له ما يغيِّر اجتهاده لم يجُز له البقاء على القول الأول، ولا يجب عليه نقضه. ولا يكون اختلافه مع نفسه قادحًا في علمه، بل هذا من كمال علمه وورعه. ولأجل هذا خرج عن الأئمة في المسألة قولان فأكثر.
وسمعت شيخنا رحمه الله تعالى يقول: حضرتُ عقدَ مجلسٍ عند نائب السلطان في وقفٍ، أفتى فيه قاضي البلد بجوابين مختلفين. فقُرئ
(2)
جوابه الموافق للحقِّ، فأخرج بعض الحاضرين جوابه الأول، وقال: هذا جوابك
(1)
انظر: «أدب المفتي والمستفتي» (ص 117)، و «صفة الفتوى» (ص 37)، و «المسودة» (ص 542).
(2)
كذا رسمها في النسخ الخطية، وفي النسخ المطبوعة:«قرأ» .
[211/أ] بضِّد هذا، فكيف تكتب جوابين متناقضين في واقعة واحدة؟ فوجَم الحاكم. فقلت: هذا من علمه ودينه، أفتى أولًا بشيء، ثم تبيَّن له الصواب، فرجع إليه؛ كما يفتي إمامه بقول، ثم يتبيَّن له خلافه، فيرجع إليه، ولا يقدح ذلك في علمه ولا دينه. وكذلك سائر الأئمة. فسُرَّ القاضي بذلك، وسُرِّي عنه.
الفائدة السابعة والأربعون: قول الشافعي رحمه الله تعالى: «إذا وجدتم في كتابي خلاف سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولوا بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودَعُوا ما قلته»
(1)
، وكذلك قوله: «إذا صحَّ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقلتُ أنا قولًا، فأنا راجعٌ عن قولي، قائلٌ
(2)
بذلك الحديث»
(3)
، وقوله:«إذا صحَّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضربوا بقولي الحائطَ»
(4)
، وقوله:«إذا رويتُ حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أذهب إليه، فاعلموا أنَّ عقلي قد ذهب»
(5)
، وغير ذلك من كلامه في هذا المعنى= صريحٌ في مدلوله، وأن مذهبه ما دلَّ عليه الحديث
(6)
، لا قول له غيره. ولا يجوز أن ينسب إليه ما خالف الحديث، ويقال: هذا مذهب الشافعي. ولا يحِلُّ الإفتاء بما خالف الحديثَ على أنه مذهب الشافعي، ولا الحكم به. صرَّح بذلك جماعة من أئمة أتباعه، حتى
(1)
انظر: «أدب المستفتي» (ص 117) و «صفة الفتوى» (ص 37).
(2)
في النسخ المطبوعة: «وقائل» .
(3)
«أدب المستفتي» (ص 119) و «صفة الفتوى» (ص 38).
(4)
تقدَّم مرتين.
(5)
تقدَّم أيضًا.
(6)
انظر: «صفة الفتوى» (ص 38).
كان منهم من يقول للقارئ إذا قرأ عليه مسألةً من كلامه: قد صحَّ الحديث بخلافها. اضرب على هذه المسألة، فليست مذهبه.
وهذا هو الصواب قطعًا، ولو لم ينصَّ عليه؛ فكيف إذا نصَّ عليه، وأبدى فيه وأعاد، وصرَّح به
(1)
بألفاظ كلُّها صريحة في مدلولها؟ فنحن نشهد بالله أن مذهبه وقوله الذي لا قول له سواه ما وافق الحديث، دون ما خالفه؛ وأن من نسب إليه خلافه فقد نسب إليه خلاف مذهبه، ولا سيما إذا ذكر هو ذلك الحديث، وأخبر أنه إنما خالفه لضعفٍ في سنده أو لعدم بلوغه له من وجهٍ يثق به، ثم ظهر للحديث سندٌ صحيحٌ لا مطعن فيه، وصحَّحه أئمة الحديث من وجوه لم تبلغه= فهذا لا يشكُّ عالم ولا يماري في أنه مذهبه قطعًا.
وهذا كمسألة الجوائح
(2)
، فإنه علَّل حديث سفيان بن عيينة بأنه كان ربما ترك ذكر الجوائح. وقد صحَّ الحديث من غير طريق سفيان صحةً لا مرية فيها ولا علة ولا شبهة بوجه؛ فمذهبُ الشافعي وضعُ الجوائح. وبالله التوفيق.
وقد صرَّح بعض أئمة الشافعية بأن مذهبه أن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وأن وقت المغرب يمتدُّ إلى [مغيب]
(3)
الشفق، وأن من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليُّه، وأن أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء. وهذا بخلاف الفطر بالحجامة، وصلاة المأموم قاعدًا إذا صلَّى إمامُه كذلك؛ فإن الحديث
(1)
في النسخ المطبوعة: «فيه» .
(2)
تقدَّم الكلام عليها مع تخريج الحديث.
(3)
من النسخ المطبوعة.
وإن صحَّ في ذلك فليس بمذهب له
(1)
، فإنه
(2)
رواه وعرف صحته، ولكن خالفه لاعتقاده نسخَه. وهذا شيء، وذاك شيء. ففي هذا القسم يقع النظر في النسخ وعدمه، وفي الأول يقع النظر في صحة الحديث وثقة السند، فاعرفه.
الفائدة الثامنة والأربعون: [211/ب] إذا كان عند الرجل «الصحيحان» ، أو أحدهما، أو كتاب من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم موثوق بما فيه= فهل له أن يفتي بما يجده فيه؟ فقالت طائفة من المتأخرين: ليس له ذلك، لأنه قد يكون منسوخًا، أو له معارض، أو يُفهَم من دلالته خلافُ ما يدل عليه، أو يكون أمرَ ندبٍ فيفهم منه الإيجاب، أو يكون عامًّا له مخصِّص، أو مطلقًا له مقيِّد. فلا يجوز له العمل ولا الفتيا به حتى يسأل أهل الفقه والفتيا.
وقالت طائفة: بل له أن يعمل به، ويفتي به. بل يتعيَّن عليه، كما كان الصحابة يفعلون، إذا بلغهم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدَّث به بعضهم بعضًا بادروا إلى العمل به من غير توقُّف ولا بحث عن معارض، ولا يقول أحد منهم قط
(3)
: هل عمل بهذا فلان وفلان؟ ولو رأوا من يقول ذلك لأنكروا عليه أشدَّ الإنكار. وكذلك التابعون. وهذا معلوم بالضرورة لمن له أدنى خبرة بحال القوم وسيرتهم، وطول العهد بالسنَّة وبُعد الزمان وعتقها، لا يسوغ تركُ [العملِ بها والأخذُ] بغيرها
(4)
. ولو كانت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
في النسخ المطبوعة: «بمذهبه» .
(2)
في النسخ المطبوعة: «فإن الشافعي قد» .
(3)
لاحظ استعمال «قط» لغير الزمان الماضي، وقد تقدم مثله.
(4)
ب: «ترك الأخذ بعينها» ، ولعله تصحيح ما ورد في (ز، ك)، وما بين المعقوفين اقتراح لبعض قراء ك. وفي النسخ المطبوعة:«تركُ الأخذ بها والعمل بغيرها» .
لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان أو فلان
(1)
لكان قول فلان وفلان عِيارًا على السنن، ومزكِّيًا لها، وشرطًا في العمل بها؛ وهذا من أبطل الباطل. وقد أقام الله الحجة برسوله، دون آحاد الأمة. وقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بتبليغ سنته، ودعا لمن بلَّغها
(2)
؛ فلو كان من بلغته لا يعمل بها حتى يعمل بها الإمام فلان والإمام فلان لم يكن في تبليغها فائدة، وحصل الاكتفاء بقول فلان وفلان.
قالوا: والنسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة، بل ولا شطرها! فتقدير وقوع الخطأ في الذهاب إلى المنسوخ أقلُّ بكثير من وقوع الخطأ في تقليد من يصيب ويخطئ، ويجوز عليه التناقض والاختلاف، ويقول القولَ ويرجع عنه، ويُحكى عنه في المسألة الواحدة عدة أقوال. ووقوعُ الخطأ في فهم كلام المعصوم أقلُّ بكثير من وقوع الخطأ في فهم كلام الفقيه المعيَّن. فلا يُفرَض احتمالُ خطأ لمن عمل بالحديث وأفتى به إلا وأضعافُ أضعافِ أضعافِه حاصلٌ لمن أفتى بتقليد من لا يُعلَم خطؤه من صوابه.
والصواب في هذه المسألة: التفصيل؛ فإن كانت دلالة الحديث ظاهرةً بينةً لكلِّ من سمعه لا تحتمل غير المراد، فله أن يعمل به، ويفتي به، ولا يطلب له التزكية من قول فقيه أو إمام، بل الحجةُ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن
(1)
ب: «وفلان» .
(2)
رواه أحمد (4157)، والترمذي (2657، 2658)، وابن ماجه (232) من حديث ابن مسعود. صححه الترمذي، وابن حبان (680)، وأبو نعيم في «الحلية» (7/ 386)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (21/ 276)، وغيرهم.
خالفه من خالفه. وإن كانت دلالته خفيَّةً لا يتبيَّن له المراد منها لم يجُز له أن يعمل ولا يفتي بما يتوهَّمه مرادًا، حتَّى يسأل ويطلب بيان الحديث ووجهه.
وإن كانت دلالةً
(1)
ظاهرةً، كالعامِّ على أفراده، والأمر على الوجوب، والنهي على التحريم؛ فهل له العمل والفتوى به؟ يخرَّج على أصلٍ، وهو العمل بالظواهر قبل البحث عن المُعارض. وفيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره: الجواز، والمنع، والفرق بين العامِّ
(2)
فلا يُعمَل به قبل البحث عن المخصِّص، والأمرِ [212/أ] والنهيِ فيُعمَل به قبل البحث عن المعارض. وهذا كلُّه إذا كان ثَمَّ نوعُ أهليّةٍ، ولكنه قاصر في معرفة الفروع وقواعد الأصوليين والعربية. وإذا لم تكن ثمة أهليةٌ قطُّ ففرضُه ما قال الله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «ألَّا سألوا إذا لم يعلموا، إنما شفاءُ العِيِّ السؤال»
(3)
. وإذا جاز اعتماد المستفتي على ما يكتبه المفتي من كلامه أو كلام شيخه، وإن علا صُعُدًا
(4)
فمن كلام إمامه؛ فلَأن يجوزَ اعتمادُ الرجل على ما كتبه الثقات من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالجواز. وإذا قُدِّر أنه لم يفهم الحديث كما لو لم يفهم
(1)
في النسخ المطبوعة: «دلالته» .
(2)
في النسخ المطبوعة بعده: «والخاص» . أثبته الشيخ محمد محيي الدين بين معقوفين، وقال في تعليقه:«زيادة في نسخة، ولا داعي لها» . قلت: بل أخطأ مَن زادها إذ لم يفهم السياق ولم يدر أن المعطوف هو «الأمر والنهي» . وقد أثبتها في المطبوع أيضًا، ونقل تعليق الشيخ، وقال:«ما بين المعقوفتين سقط من (ت)، و (ط)، و (ق)» !
(3)
تقدَّم تخريجه.
(4)
في النسخ المطبوعة: «وصعد» .
فتوى المفتي فيسأل من يُعرِّفه معناه، كما يسأل من يُعرِّفه معنى جواب المفتي. وبالله التوفيق.
الفائدة التاسعة والأربعون: هل للمنتسب إلى تقليد إمام معيَّن أن يفتي بقول غيره؟
لا يخلو الحال
(1)
من أمرين: إما أن يُسأل عن مذهب ذلك الإمام فقط، فيقال له: ما مذهب الشافعي مثلًا في كذا وكذا؟ أو يُسأل عن حكم الله الذي أدَّاه إليه اجتهاده. فإن سئل عن مذهب ذلك الإمام لم يكن له أن يخبره بغيره إلا على وجه الإضافة إليه. وإن سئل عن حكم الله من غير أن يقصد السائلُ قولَ فقيه معيَّن، فهاهنا يجب عليه الإفتاء بما هو راجح عنده وأقرب إلى الكتاب والسنة من مذهب إمامه أو مذهب من خالفه، لا يسعه غير ذلك. فإن لم يتمكَّن منه وخاف أن يؤذَى ترَكَ الإفتاءَ في تلك المسألة، ولم يكن
(2)
له أن يفتي بما لا يعلم أنه صواب؛ فكيف بما يغلب على ظنِّه أن الصواب في خلافه؟ ولا يسع الحاكمَ والمفتيَ غيرُ هذا البتة، فإن الله سائلهما عن رسوله وما جاء به، لا عن الإمام المعيَّن وما قاله. وإنما يُسأل الناس في قبورهم ويوم معادهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فيقال له في قبره: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بُعِث فيكم؟ ويوم القيامة يناديهم
(3)
{فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ
(1)
«الحال» ساقط من ب.
(2)
في النسخ المطبوعة: «خاف أن يؤدِّي إلى ترك
…
ولم يكن». صحَّف بعضهم «يُؤذَى» فزاد «إلى» ثم حذف واو العطف قبل «لم يكن» . وفي المطبوع أثبت الصواب في الحاشية.
(3)
كذا في النسخ والطبعات القديمة، وقد ضمَّن المصنف كلامه جزءًا من الآية، فغيَّره الشيخ عبد الرحمن الوكيل إلى «يوم يناديهم» ، وقال:«والصواب ما أثبتُّه» وتابعه في المطبوع.
الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]. ولا يُسأل أحدٌ قطُّ عن إمام ولا شيخ ولا متبوع غيره، بل يُسأل عمن اتبعه وائتمَّ به غيره، فلينظر بماذا يجيب؟ وليُعِدَّ للجواب صوابًا، وكأنْ قَدْ
(1)
.
وسمعتُ شيخنا رحمه الله يقول: جاءني بعض الفقهاء من الحنفية فقال: أستشيرك في أمر. قلت: ما هو؟ قال: أريد أن أنتقل عن مذهبي. قلتُ له: ولم؟ قال: لأني أرى الأحاديث الصحيحة كثيرًا تخالفه. واستشرتُ في هذا بعضَ أئمة أصحاب الشافعي، فقال لي: ولو رجعتَ عن مذهبك لم يرتفع ذلك من المذهب، وقد تقرَّرت المذاهب، ورجوعك غير مفيد. وأشار عليَّ بعضُ مشايخ التصوف بالافتقار إلى الله، والتضرُّع إليه، وسؤال الهداية لما يحبُّه ويرضاه. فماذا تشير به أنت عليَّ؟ قال: فقلت له: اجعل المذهب ثلاثة أقسام: قسمٌ الحقُّ فيه ظاهرٌ بيِّن موافقٌ للكتاب والسنة، فاقضِ به، وأفتِ به طيِّبَ النفس منشرحَ الصدر. وقسمٌ مرجوحٌ، ومخالِفُه معه الدليل، فلا تُفْتِ
(1)
يعني: وكأن قد متَّ، وقُبِرتَ، وسئلتَ. فأعِدَّ جوابَك! قال النابغة الذبياني من قصيدته المشهورة (ديوانه: 89):
أفِد الترحُّل غير أنَّ ركابنا
…
لمّا تزُل برحالنا وكأنْ قدِ
يعني: وكأن قد زالت. فهذا الأسلوب يدل على شدة القرب. وقد تقدَّم في هذا الكتاب نفسه قول المصنف: «
…
ولابد من أحد الجوابين، وكأن قد». ولكن خفي السياق هنا على بعض الناشرين ــ فيما يظهر ــ فقرأ «وكان قد» موصولًا بما بعده:«وسمعتُ شيخنا» ، فأشكل عليه، فحذف وغيَّر وأثبت:«وقد سمعت شيخنا» ، وتابعه كلُّ من جاء بعده حتى محقق المطبوع الذي أثبت الصواب في الحاشية!
به، ولا تحكم به، وادفعه عنك. وقسمٌ من مسائل الاجتهاد التي الأدلَّةُ فيها متجاذبة، فإن شئت [212/ب] أن تفتي به، وإن شئت أن تدفعه عنك. فقال: جزاك الله خيرًا، أو كما قال.
وقالت طائفة أخرى، منهم أبو عمرو بن الصلاح
(1)
، وأبو عبد الله بن حمدان
(2)
: من وجد حديثًا يخالف مذهبه، فإن كملت آلة الاجتهاد فيه مطلقًا، أو في مذهب إمامه، أو في ذلك النوع، أو في تلك المسألة؛ فالعملُ بذلك الحديث أولى. وإن لم تكمل آلته، ووجد في قلبه حزازةً من مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفيه عنه
(3)
جوابًا شافيًا؛ فلينظر: هل عمِل بذلك الحديث إمامٌ مستقِلّ أم لا؟ فإن وجده فله أن يتمذهب بمذهبه في العمل بذلك الحديث، ويكون ذلك عذرًا له في ترك مذهب إمامه في ذلك. والله أعلم.
الفائدة الخمسون: هل للمفتي المنتسب إلى مذهب إمام بعينه أن يفتي بمذهب غيره إذا ترجَّح عنده؟
فإن كان سالكًا سبيل ذلك الإمام في الاجتهاد ومتابعة الدليل أين كان ــ وهذا هو المتَّبِع للإمام حقيقةً ــ فله أن يفتي بما ترجَّح عنده من قول غيره. وإن كان مجتهدًا متقيِّدًا بأقوال ذلك الإمام لا يعدوها إلى غيرها، فقد قيل: ليس له أن يفتي بغير قول إمامه. فإن أراد ذلك حكاه عن قائله حكاية محضة.
(1)
في «أدب المفتي والمستفتي» (ص 121).
(2)
في «صفة الفتوى» (ص 38).
(3)
في النسخ المطبوعة: «لمخالفته عنده» . وفي «أدب المفتي» كما أثبت من النسخ الخطية.
والصواب: أنه إذا ترجَّح عنده قولُ غير إمامه بدليل راجح، فلا بد أن يخرِّج على أصول إمامه وقواعده، فإن الأئمة متفقة على أصول الأحكام. ومتى قال بعضهم قولًا مرجوحًا فأصوله تردُّه وتقتضي القول الراجح. فكلُّ قول صحيح فهو يخرَّج على قواعد الأئمة بلا ريب. فإذا تبيَّن لهذا المجتهد المقيَّد رجحانُ هذا القول وصحةُ مأخذه خرَّج على قواعد إمامه، فله أن يفتي به. وبالله التوفيق.
وقد قال القفال: لو أدَّى اجتهادي إلى مذهب أبي حنيفة قلت: مذهب الشافعي كذا، لكني أقول بمذهب أبي حنيفة؛ لأن السائل إنما سألني
(1)
عن مذهب الشافعي، فلا بدَّ أن أعرِّفه أن الذي أفتيته به غير مذهبه
(2)
. فسألتُ شيخنا قدَّس الله روحه عن ذلك، فقال: أكثر المستفتين لا يخطر بقلبه مذهب معيَّن عند الواقعة التي سأل عنها، وإنما سؤاله عن حكمها وما يعمل به فيها، فلا يسع المفتيَ أن يفتيه بما يعتقد الصواب في خلافه.
الفائدة الحادية والخمسون: إذا اعتدل عند المفتي قولان ولم يترجَّح له أحدُهما على الآخر، فقال القاضي أبو يعلى: له أن يفتي بأيهما شاء، كما يجوز له أن يعمل بأيهما شاء. وقيل: بل يخيِّر المستفتي فيقول له: أنت مخيَّر بينهما، لأنه إنما يفتي بما يراه، والذي يراه هو التخيير. وقيل: بل يفتيه بالأحوط من القولين
(3)
.
(1)
في النسخ المطبوعة: «يسألني» .
(2)
انظر: «أدب المفتي» (ص 122) و «صفة الفتوى» (ص 39).
(3)
انظر: «صفة الفتوى» (ص 42).
قلت: الأظهر أنه يتوقَّف، ولا يفتيه بشيء حتى يتبيَّن له الراجح منهما، لأن أحدهما خطأ، فليس له أن يفتيه بما لا يعلم أنه صواب، وليس له أن يخيِّره بين الخطأ والصواب. وهذا كما إذا تعارض عند الطبيب في أمر المريض أمران: خطأ وصواب، ولم يتبيَّن له [213/أ] أحدهما= لم يكن له أن يُقْدِم على أحدهما، ولا يخيِّره. وكما لو استشاره في أمر، فتعارض عنده الخطأ والصواب من غير ترجيح، لم يكن له أن يشير بأحدهما، ولا يخيِّره. وكما لو تعارض عنده طريقان: مُهلِكة ومُوصِلة، ولم يتبيَّن له طريق الصواب، لم يكن له الإقدام ولا التخيير. فمسائل الحلال والحرام أولى بالتوقف. والله أعلم.
الفائدة الثانية والخمسون: أتباع الأئمة يفتون كثيرًا بأقوالهم القديمة التي رجعوا عنها.
وهذا موجود في سائر الطوائف. فالحنفية يفتون بلزوم المنذورات
(1)
التي مخرَجُها مخرجُ اليمين كالحج والصدقة والصوم
(2)
، وقد حكوا هم عن أبي حنيفة أنه رجع قبل موته بثلاثة أيام إلى التكفير
(3)
. والحنابلة يفتي كثير منهم بوقوع طلاق السكران، وقد صرَّح الإمام أحمد بالرجوع عنه إلى عدم الوقوع كما تقدَّم حكايته. والشافعية يفتون بالقول القديم في مسألة التثويب، وامتداد وقت المغرب، ومسألة التباعد عن النجاسة في الماء الكثير، وعدم استحباب قراءة السورة في الركعتين الأخيرتين، وغير ذلك من
(1)
ك، ب:«المندوبات» ، تصحيف.
(2)
في النسخ المطبوعة: «والصوم والصدقة» .
(3)
في «المبسوط» للسرخسي (8/ 136) أنه رجع عنه قبل موته بسبعة أيام.
المسائل، وهي أكثر من عشرين مسألة
(1)
. ومن المعلوم أن القول الذي صرَّح بالرجوع عنه لم يبق مذهبًا له، فإذا أفتى المفتي به، مع نصِّه على خلافه لرجحانه عنده، ولم يُخرجه
(2)
ذلك عن التمذهب بمذهبه= فما الذي يحرِّم عليه أن يفتي بقول غيره من الأئمة الأربعة وغيرهم إذا ترجَّح عنده؟
فإن قيل: الأول قد كان مذهبًا له مرَّةً، بخلاف ما لم يقل به قط.
قيل: هذا فرق عديم التأثير، إذ ما قال به وصرَّح بالرجوع عنه بمنزله ما لم يقله. وهذا كلُّه مما يبيِّن أن أهل العلم لا يتقيدون بالتقليد المحض الذي يهجرون لأجله قولَ كلِّ من خالف من قلَّدوه. وهذه طريقة ذميمة وخيمة، حادثة في الإسلام، مستلزمة لأنواع من الخطأ ومخالفة الصواب. والله أعلم.
الفائدة الرابعة والخمسون
(3)
: يحرم على المفتي أن يفتي بضد لفظ النص، وإن وافق مذهبه.
ومثاله: أن يُسأل عن رجل صلَّى من الصبح ركعةً ثم طلعت الشمس، هل يُتِمُّ صلاته أم لا؟ فيقول: لا يتمُّها. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فليُتِمَّ
(1)
انظر: «أدب المفتي» (ص 128) و «صفة الفتوى» (ص 43).
(2)
في النسخ المطبوعة: «لم يخرجه» دون الواو قبله، حذفوها إذ توهموا أنه جواب إذا، مع أن جوابها:«فما الذي يحرِّم» .
(3)
كذا وقع في ز، ك، ثم «الخامسة والخمسون» وهلم جرًّا إلى آخرها، وهي «الفائدة السبعون» . فلا أدري أسقطت فائدة هنا في النسخ أم سها المؤلف نفسه في الترقيم، كما سها في «طريق الهجرتين» (2/ 555) وغيره. وفي ب:«الثالثة والخمسون» ، و «الرابعة والخمسون» وهكذا إلى آخرها وهي «التاسعة والستون» .
صلاته»
(1)
.
ومثل أن يُسأل عمن مات عليه صيام: هل يصوم عنه وليُّه؟ فيقول: لا يصوم عنه وليُّه. وصاحبُ الشرع صلى الله عليه وسلم يقول
(2)
: «من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليُّه»
(3)
.
ومثل أن يُسأل عن رجل باع متاعه، ثم أفلس المشتري، فوجده بعينه؛ هل هو أحقُّ به؟ فيقول: ليس أحقَّ به. وصاحب الشرع يقول: «فهو أحقُّ به»
(4)
.
ومثل أن يُسأل عن رجلٍ أكل في رمضان أو شرب ناسيًا، هل يُتِمُّ صومه؟ فيقول: لا يتمّ صومه. وصاحب الشرع يقول: «فليتمَّ صومه»
(5)
.
ومثل أن يُسأل عن أكل كلِّ ذي ناب من السباع، هل هو حرام؟ فيقول: ليس بحرام. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أكلُ كلِّ ذي ناب من السباع حرام»
(6)
.
ومثل [213/ب] أن يُسأل عن الرجل: هل له منعُ جاره من غَرْزِ خشبةٍ في جداره؟ فيقول: له أن يمنعه. وصاحبُ الشرع يقول «لا يمنعه»
(7)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
ب: «قال» .
(3)
رواه البخاري (1952) ومسلم (1147) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4)
تقدَّم تخريجه.
(5)
تقدَّم تخريجه.
(6)
تقدَّم تخريجه.
(7)
تقدَّم تخريجه.
ومثل أن يسأل: هل تُجزئ صلاةُ من لا يقيم صلبه من ركوعه وسجوده؟ فيقول: تجزئه صلاته. وصاحبُ الشرع صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تجزئ صلاةٌ لا يقيم الرجلُ فيها صلبَه بين ركوعه وسجوده»
(1)
.
ومثل أن يُسأل
(2)
عن مسألة التفضيل بين الأولاد في العطية: هل يصلح
(3)
أو لا يصلح؟ وهل هو جور أم لا؟ فيقول: يصلح، وليس بجور. وصاحب الشرع يقول:«إن هذا لا يصلح»
(4)
ويقول: «لا تُشْهِدني على جور»
(5)
.
ومثل أن يسأل عن الواهب: هل يحِلُّ له أن يرجع في هبته؟ فيقول: نعم، يحِلُّ له
(6)
إلا أن يكون والدًا أو قرابةً، فلا يرجع. وصاحب الشرع يقول:«لا يحِلُّ لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالدَ فيما يهب لولده»
(7)
.
ومثل أن يُسأل عن رجل له شرك في أرض أو دار أو بستان: هل يحِلُّ له
(8)
أن يبيع حصته قبل إعلام شريكه بالبيع وعرضها عليه؟ فيقول: نعم،
(1)
تقدَّم تخريجه.
(2)
في النسخ المطبوعة: «أو يسأل» في موضع «ومثل أن يسأل» .
(3)
في النسخ المطبوعة: «يصح» هنا وفيما يأتي خلافًا للنسخ الخطية.
(4)
تقدَّم تخريجه.
(5)
تقدَّم تخريجه.
(6)
في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «أن يرجع» .
(7)
تقدَّم تخريجه.
(8)
ك، ب:«هل له» .
يحِلُّ له أن يبيع قبل إعلامه. وصاحب الشرع يقول: «من كان له شرك في أرض أو رَبْعة أو حائط لا يحِلُّ له أن يبيع حتى يؤذِنَ شريكه»
(1)
.
ومثل أن يُسأل عن قتل المسلم بالكافر، فيقول: نعم، يُقتَل المسلم بالكافر. وصاحب الشرع يقول:«لا يُقتَل مسلمٌ بكافر»
(2)
.
ومثل أن يُسأل عمن زرع في أرض قومٍ بغير إذنهم، فهل الزرع له أم لصاحب الأرض؟ فيقول: الزرع له. وصاحب الشرع يقول: «من زرَع في أرض قومٍ بغير إذنهم فليس له من الزرع شيءٌ، وله نفقته»
(3)
.
ومثل أن يُسأل: هل يصح تعليق الولاية بالشرط؟ فيقول: لا يصح. وصاحب الشرع يقول: «أميركم زيد، فإن قُتِل فجعفر، فإن قُتِل فعبد الله بن رواحة»
(4)
.
ومثل أن يُسأل: هل يحِلُّ القضاء بالشاهد واليمين؟ فيقول: لا يجوز. وصاحب الشرع قضى بالشاهد واليمين
(5)
.
ومثل أن يُسأل عن الصلاة الوسطى: هل هي صلاة العصر أم لا؟ فيقول: ليست العصر. وقد قال صاحب الشريعة: «صلاة الوسطى صلاة العصر» .
ومثل أن يُسأل عن يوم الحجِّ الأكبر: هل هو يوم النحر أم لا؟ فيقول:
(1)
تقدَّم تخريجه.
(2)
تقدَّم تخريجه.
(3)
تقدَّم تخريجه.
(4)
تقدَّم تخريجه.
(5)
تقدَّم تخريجه.
ليس يوم النحر. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم الحج الأكبر يوم النحر»
(1)
.
ومثل أن يُسأل: هل يجوز الوتر بركعة واحدة؟ فيقول: لا يجوز الوتر بركعة واحدة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا خشيتَ الصبح فأَوتِرْ بواحدة»
(2)
.
ومثل أن يُسأل: هل يسجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] فيقول: لا يسجد
(3)
. وقد سجد فيهما
(4)
رسول الله صلى الله عليه وسلم
(5)
.
ومثل أن يُسأل عن رجل عضَّ يدَ رجل، فانتزعها مِن فيه، فسقطت أسنانه؛ فيقول: له ديتها. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا دية له»
(6)
.
ومثل أن يُسأل عن رجل اطلَّع في بيت رجل، فخذَفه، ففقأ عينه: هل
(1)
رواه أبو داود (1945)، وابن ماجه (3058)، والحاكم (2/ 331) من حديث ابن عمر. ورواه الترمذي (957، 3088) من حديث علي، ورواه أيضًا (958، 3089) موقوفًا عليه، ورجَّح الوقف. ورواه الطحاوي في «مشكل الآثار» (1458) من حديث أبي بكرة من طريق ابن عون عن ابن سيرين، ولكن أصحاب ابن عون وابن سيرين رووه بدون هذه الزيادة. وهو عند البخاري (3177) ومسلم (1347) عن أبي هريرة موقوفًا.
(2)
رواه البخاري (473) ومسلم (749) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
في ب بعده: «فيها» . وفي ك: «فيهما» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(4)
ز، ب:«فيها» .
(5)
رواه مسلم (578/ 108) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
تقدم تخريجه.
عليه جناح؟ فيقول: نعم عليه جناح، [214/أ] وتلزمه دية عينه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لو فعل ذلك لم يكن عليه جناح
(1)
.
ومثل أن يُسأل عن رجل اشترى شاة أو بقرة أو ناقة، فوجدها مصرَّاة، فهل له ردُّها وردُّ صاعٍ من تمر معها، أم لا؟ فيقول: لا يجوز له ردُّها وردُّ الصاع من التمر معها. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن سخِطَها ردَّها وصاعًا من تمر»
(2)
.
ومثل أن يُسأل عن الزاني البكر: هل عليه مع الجلد تغريب؟ فيقول: لا تغريب عليه، وصاحب الشرع يقول:«عليه جلد مائة وتغريب عام»
(3)
.
ومثل أن يُسأل عن الخضراوات: هل فيها زكاة؟ فيقول: يجب فيها الزكاة. وصاحب الشرع يقول: «لا زكاة في الخضراوات»
(4)
.
(1)
رواه البخاري (6888) ومسلم (2158) من حديث أبي هريرة.
(2)
تقدَّم غير مرَّة.
(3)
تقدَّم أيضًا.
(4)
رواه الترمذي (638) من حديث معاذ، من طريق عيسى بن طلحة عنه. وفيه الحسن بن عمارة، ضعيف، وبه ضعفه الترمذي، وقال:«وليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا» . وهذا المرسل رواه عبد الرزاق (7185). ورواه البزار (3/ 156) عن موسى بن طلحة عن أبيه مرفوعًا، وقال عقِبه:«وهذا الحديث رواه جماعة عن موسى بن طلحة مرسلًا، ولا نعلم أحدًا قال فيه: عن موسى عن أبيه، إلا الحارث بن نبهان عن عطاء بن السائب. ولا نعلم روى عطاء عن موسى بن طلحة عن أبيه، إلا هذا الحديث» . وانظر: «علل الدارقطني» (4/ 204 - 205) و «العلل المتناهية» (2/ 498).
أو يُسأل عما دون خمسة أوسُق: هل فيه زكاة؟ فيقول: نعم، تجب فيه الزكاة. وصاحب الشرع يقول:«لا زكاة فيما دون خمسة أوسق»
(1)
.
أو يُسأل عن امرأة أنكحَتْ نفسَها بدون إذن وليِّها، فيقول: نكاحها صحيح. وصاحب الشرع يقول: «فنكاحها باطل»
(2)
.
أو يُسأل عن المحلِّل والمحلَّل له: هل يستحِقَّان اللعنة؟ فيقول: لا يستحقَّان اللعنة. وقد لعنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير وجه
(3)
.
أو يُسأل: هل يجوز إكمال عِدَّة شعبان ثلاثين يومًا ليلة الإغمام، فيقول: لا يجوز إكماله ثلاثين يومًا. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن غُمَّ عليكم فأكمِلوا عدَّة شعبان ثلاثين يومًا»
(4)
.
أو يُسأل عن المطلَّقة المبتوتة: هل لها نفقة وسكنى؟ فيقول: نعم، لها النفقة والسكنى. وصاحبُ الشرع يقول:«لا نفقة لها ولا سكنى»
(5)
.
أو يُسأل عن الإمام: هل يُستحَبُّ له أن يسلِّم في الصلاة تسليمتين؟ فيقول: يُكرَه ذلك، أو لا يُستحَبُّ
(6)
. وقد روى خمسة عشر نفسًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلِّم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام
(1)
تقدَّم تخريجه.
(2)
في النسخ المطبوعة: «باطل باطل باطل» ثلاث مرات. والحديث قد تقدَّم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
رواه البخاري (1909) ومسلم (1081) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
تقدَّم تخريجه.
(6)
يعني أو يقول: لا يستحب. وفي ك: «ولا يستحب» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
عليكم ورحمة الله
(1)
.
أو يُسأل عمن رفَع يديه عند الركوع والرفع
(2)
عنه: هل صلاته مكروهة أو ناقصة
(3)
؟ فيقول: نعم، تُكرَه صلاته، أو هي ناقصة؛ وربما غلا، فقال: باطلة. وقد روى بضعة وعشرون نفسًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه عند الافتتاح، وعند الركوع، وعند الرفع منه، بأسانيد صحيحة لا مطعن فيها
(4)
.
أو يُسأل عن بول الغلام الذي لم يأكل الطعام: هل يجزئ فيه الرشُّ أم يجب الغسل؟ فيقول: لا يجزئ فيه الرشُّ. وصاحب الشرع يقول: «يُرَشُّ من بول الغلام»
(5)
. ورشَّه بنفسه ولم يغسله
(6)
.
(1)
تقدَّم تخريجه.
(2)
ز، ب:«أو الرفع» .
(3)
في النسخ المطبوعة: «أو هي ناقصة» بزيادة «هي» .
(4)
تقدَّم بعضها، وللمؤلف رحمه الله كتاب مفرد في المسألة:«رفع اليدين في الصلاة» ، وقد طُبع ضمن مشروعنا هذا.
(5)
بهذا اللفظ رواه أبو داود (376)، والنسائي (304)، وابن ماجه (526) من حديث أبي السمح، وفيه يحيى بن الوليد الطائي، فيه لين. وله شاهد صحيح من حديث علي عند أحمد (563، 757، 1148، 1149) والترمذي (610) وابن ماجه (525)، وفيه:«ينضح عليه» . ورواه أبو داود (377) موقوفًا عليه، ولا يضر. انظر:«فتح الباري» (1/ 326) و «العلل الكبير» (ص 44). وأصله في «الصحيحين» .
(6)
«ولم يغسله» ساقط من النسخ المطبوعة. وانظر في رشِّ النبي صلى الله عليه وسلم من بول الغلام حديث أم قيس بنت مِحصَن في «صحيح البخاري» (223) و «صحيح مسلم» (287).
أو يُسأل عن التيمم: هل يكفي بضربة واحدة إلى الكُوعين، فيقول: لا يكفي ولا يجزئ. وصاحب الشرع قد نصَّ على أنه يكفي نصًّا صريحًا صحيحًا
(1)
لا مدفع له
(2)
.
أو يُسأل عن بيع الرُّطَب بالتمر: هل يجوز؟ فيقول: نعم، يجوز. وصاحبُ الشرع يُسأل عنه فيقول:«لا آذن»
(3)
.
أو يُسأَل عن رجلٍ أعتق ستةَ عبيد لا يملك غيرَهم عند موته: هل تكمل الحرية في اثنين منهم، أو يعتِقُ من كلِّ واحد سدسُه؟ فيقول: لا يجوز تكميل الحرية
(4)
في اثنين منهم. وقد أقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكمَّل الحرية في اثنين، وأرقَّ [214/ب] أربعةً
(5)
.
أو يُسأل عن القرعة: هل هي جائزة أم باطلة؟ فيقول: بل
(6)
هي باطلة، وهي من أحكام الجاهلية. وقد أقرَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأمرَ بالقرعة في غير موضع.
أو يُسأل عن الرجل يصلِّي خلف الصفِّ وحده: هل له صلاة أم لا
(7)
؟ وهل يؤمر بالإعادة؟ فيقول: نعم، له صلاة، ولا يؤمر بالإعادة. وقد قال
(1)
ب: «صحيحًا صريحًا» ، وكذا في المطبوع.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
في النسخ المطبوعة: «لا تكمل الحرية» .
(5)
تقدَّم تخريجه.
(6)
في النسخ المطبوعة: «لا بل» .
(7)
في النسخ المطبوعة بعدها زيادة: «صلاة له» .
صاحب الشريعة: «لا صلاة له» ، وأمره بالإعادة
(1)
.
أو يُسأل: هل للرجل رخصة في ترك الجماعة من غير عذر؟ فيقول: نعم له رخصة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا أجد لك رخصة»
(2)
.
أو يُسأل عن رجل أسلف رجلًا مالَه وباعه سلعةً: هل يحِلُّ ذلك؟ فيقول: نعم يحِلُّ ذلك. وصاحبُ الشرع يقول: «لا يحِلُّ سلف وبيع»
(3)
.
ونظائر ذلك كثيرة جدًّا. وقد كان السلف الطيِّب يشتدُّ نكيرهم وغضبهم على من عارض حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان، أو قول أحد من الناس كائنًا من كان؛ ويهجرون فاعل ذلك. وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوِّغون غيرَ الانقياد له والتسليم والتلقِّي بالسمع والطاعة. ولا يخطر بقلوبهم التوقُّف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان. بل كانوا عاملين بقوله:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، وبقوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا
(1)
تقدَّم تخريجه.
(2)
رواه بهذا اللفظ أحمد (15490)، وأبو داود (552)، وابن ماجه (792)، من حديث ابن أبي مكتوم، فيه أبو رزين ــ مسعود بن مالك الأسدي ــ لم يسمع منه. انظر:«جامع التحصيل» (ص 343) و «تهذيب التهذيب» (10/ 119). ومع ذلك صححه ابن خزيمة (1480)، والحاكم (1/ 247)، وحسنه النووي في «المجموع» (4/ 191)، وابن الملقن في «تحفة المحتاج» (ص 432). وأصل الحديث في مسلم (653) من حديث أبي هريرة: «أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل أعمى
…
».
(3)
تقدَّم تخريجه.
مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وبقوله:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] وأمثالها. فدُفِعنا إلى زمانٍ إذا قيل لأحدهم: «ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا» يقول: من قال بهذا؟ ويجعل هذا دفعًا في صدر الحديث، ويجعل جهله بالقائل به حجةً له في مخالفته وتركِ العمل به. ولو نصَح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحِلُّ له دفعُ سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل. وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة. وهذا سوءُ ظنٍّ بجماعة المسلمين، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع، وهو جهلُه وعدمُ علمه بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة. والله المستعان.
ولا يُعرَف إمامٌ من أئمة الإسلام البتة قال: لا يُعمَل
(1)
بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يُعرَف مَن عمل به. فإن جهِل مَن بلغه الحديث مَن عمِلَ به لم يحِلَّ له أن يعمل به، كما يقول هذا القائل.
الفائدة الخامسة والخمسون: إذا سئل عن تفسير آية من كتاب الله أو سنةٍ عن رسول الله
(2)
صلى الله عليه وسلم، فليس له أن يُخرجها عن ظاهرها بوجوه التأويلات الفاسدة لموافقة نِحلته وهواه. ومَن فعل ذلك استحقَّ المنعَ من الإفتاء، والحجرَ عليه. وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرَّح به أئمة الإسلام [215/أ] قديمًا وحديثًا.
(1)
في النسخ المطبوعة: «لا نعمل» ، وكذا «حتى نعرف» فيما يأتي.
(2)
في النسخ المطبوعة: «سنة رسول الله» .
قال أبو حاتم الرازي: حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: الأصل قرآن أو سنَّة. فإن لم يكن، فقياسٌ عليهما. وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحَّ الإسناد منه
(1)
، فهو المنتهى. والإجماع أكبر من الخبر الفرد
(2)
. والحديث على ظاهره، وإذا احتمل المعاني فما أشبهَ منها ظاهرَه أولاها به. وإذا
(3)
تكافأت الأحاديث فأصحُّها إسنادًا أولاها. وليس المنقطع بشيء، ما عدا منقطعَ ابن المسيِّب
(4)
. ولا يقاس أصل على أصل، ولا يقال لأصل: لم؟ وكيف؟ وإنما يقال للفرع: لم؟ فإذا صحَّ قياسُه على الأصل صحَّ، وقامت به الحجة. رواه الأصمُّ عن أبي حاتم
(5)
.
وقال أبو المعالي الجويني في «الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية»
(6)
: ذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرَّبِّ تعالى. والذي نرتضيه
(1)
في النسخ المطبوعة: «به» .
(2)
ك: «المفرد» . وأثبت في المطبوع: «المنفرد» لأنه «كذا عند أبي حاتم» !
(3)
في النسخ المطبوعة: «فإذا» .
(4)
ك، ب:«سعيد بن المسيب» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(5)
ز: «ابن أبي حاتم» ، والظاهر أنه سهو. ولم أقف على رواية الأصم، ولكن نقله ابن أبي حاتم في «مناقب الشافعي» (ص 177 - 178). ونقله المؤلف في «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ص 242) من كتاب «الكفاية» للخطيب (ص 437). وانظر:«الفقيه والمتفقه» له (1/ 533).
(6)
المطبوعة بعنوان «العقيدة النظامية
…
» (ص 32 - 34). وقد نقل النص الذهبي أيضًا في «سير أعلام النبلاء» (18/ 473 - 474).
رأيًا، وندين الله به عقدًا
(1)
: اتباعُ سلف الأمة. فالأول
(2)
الاتباع، وترك الابتداع. والدليل السمعي القاطع في ذلك: أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة. وقد درَج صحبُ الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم على تركِ التعرُّضِ لمعانيها ودركِ ما فيها. وهم صفوة الإسلام، والمستقلُّون بأعباء الشريعة. وكانوا لا يألون جهدًا في ضبط قواعد الملَّة والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها. ولو كان تأويل هذه الظواهر مسوغًا أو محتومًا لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة. وإذا انصرم
(3)
عصرُهم وعصرُ التابعين لهم على الإضراب عن التأويل كان ذلك قاطعًا بأنه الوجه المتَّبَع. فحقٌّ على ذي الدين أن يعتقد تنزُّهَ
(4)
الباري عن صفات المحدَثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرَّبِّ تعالى. وعند إمام القُرَّاء وسيِّدهم الوقوفُ على قوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} من العزائم، ثم الابتداء بقوله:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}
(5)
[آل عمران: 7]. ومما استُحْسِن من كلام مالك إذ
(6)
سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
(1)
في مطبوعة «النظامية» : «عقلًا» ، وهو تحريف.
(2)
كذا في النسخ و «النظامية» . وفي «السير» والنسخ المطبوعة: «فالأولى» .
(3)
ب: «تصَّرم» ، وكذا في «السير» .
(4)
كذا في النسخ و «النظامية» . وفي النسخ المطبوعة: «تنزيه» .
(5)
زيد في النسخ المطبوعة: «يقولون آمنا به» .
(6)
في النسخ المطبوعة: «أنه» ، وكذا في مطبوعة «النظامية» ..
فلتُجْرَ آيةُ الاستواء والمجيء، وقولُه:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وقولُه: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] وقولُه: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14]، وما صحَّ من أخبار الرسول كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا. انتهى كلامه.
وقال أبو حامد الغزالي: الصواب للخلَف: سلوكُ مسلك [السلف]
(1)
في الإيمان المرسل والتصديق المجمل وما قاله الله ورسوله، بلا بحث وتفتيش
(2)
.
وقال في كتاب «التفرقة»
(3)
: الحقُّ: الاتباع والكفُّ عن تغيير الظاهر
(4)
رأسًا، والحذرُ عن ابتداع
(5)
تأويلات لم تصرِّح بها الصحابة، وحسمُ باب السؤال رأسًا، والزجرُ عن الخوض في الكلام والبحث. إلى أن قال: ومن الناس من يبادر إلى [215/ب] التأويل ظنًّا لا قطعًا. فإن كان فتحُ هذا الباب والتصريح به يؤدِّي إلى تشويش قلوب العوامِّ بُدِّع صاحبُه. وكلُّ ما لم يؤثر عن السلف ذكرُه وما يتعلَّق من هذا الجنس بأصول العقائد المهمة، فيجب تكفير من يغيِّر الظواهر بغير برهان قاطع.
(1)
لفظ «السلف» ساقط من النسخ الثلاث، وقد أثبت من النسخ المطبوعة.
(2)
أثبت في المطبوع: «ولا تفتيش» .
(3)
انظره ضمن «مجموعة رسائل الإمام الغزالي» (ص 263 - 264)، وقد نقله المؤلف بتصرف.
(4)
في المطبوع: «الظواهر» .
(5)
ب: «اتباع» وكذا في النسخ المطبوعة. والمثبت من (ك، ز) موافق لما في مصدر النقل.
وقال أيضًا
(1)
: كلُّ ما لم يحتمل التأويل في نفسه، وتواتَر نقلُه ولم يُتصوَّر أن يقوم على خلافه برهانٌ= فمخالفته تكذيب محض. وما تطرَّق إليه احتمالُ تأويل ولو بمجاز بعيد، فإن كان برهانه قاطعًا وجب القول به. وإن كان البرهان يفيد ظنًّا غالبًا ولا يعظُم ضررُه في الدين فهو بدعة. وإن عظم ضررُه في الدين فهو كفر.
قال
(2)
: ولم تجر عادة السلف بالدعوة بهذه المجادلات، بل شدَّدوا القول على من يخوض في الكلام، ويشتغل بالبحث
(3)
والسؤال.
وقال أيضًا
(4)
: الإيمان المستفاد من الكلام ضعيف، والإيمان الراسخ إيمانُ العوامِّ الحاصلُ في قلوبهم في الصِّبا بتواتر السماع، وبعد البلوغ بقرائن يتعذَّر التعبيرُ عنها.
قال
(5)
: وقال شيخنا أبو المعالي: يحرص الإمامُ ما أمكنه على جمع عامَّة الخلق على سلوك سبيل السلف في ذلك. انتهى.
وقد اتفقت الأئمة الأربعة على ذمِّ الكلام وأهله. وكلام الإمام الشافعي ومذهبه فيهم معروف عند جميع أصحابه، وهو أنهم يُضرَبون ويُطاف بهم في قبائلهم وعشائرهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على
(1)
في (ص 266).
(2)
في (ص 270).
(3)
ز: «في البحث» .
(4)
في (ص 270).
(5)
لم أجده في الكتاب المطبوع ضمن مجموعة الرسائل.
الكلام
(1)
.
وقال: لقد اطلعتُ من أهل الكلام على شيءٍ ما كنتُ أظنُّه. وقال: لأن يُبتلى العبدُ بكلِّ شيء نُهي عنه غير الكفر أيسَرُ من أن يُبتلَى بالكلام
(2)
.
وقال لحفص الفرد: أنا أخالفك في كلِّ شيء حتى في قول لا إله إلا الله. أنا أقول: لا إله إلا الله الذي يُرى في الآخرة، والذي كلَّم موسى تكليمًا. وأنت تقول: لا إله إلا الله الذي لا يُرى في الآخرة ولا يتكلَّم
(3)
.
وقال البيهقي في «مناقبه»
(4)
: ذكر الشافعيُّ إبراهيمَ بن إسماعيل بن عُليَّة، فقال: أنا مخالف له في كلِّ شيء، وفي قوله: لا إله إلا الله. لست أقول كما يقول. أنا أقول: لا إله إلا الله الذي كلَّم موسى من وراء حجاب، وذاك يقول: لا إله إلا الله الذي خلق كلامًا أسمَعَه موسى من وراء حجاب.
وقال في أول خطبة «رسالته»
(5)
: «الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسَه، وفوق ما يصفه به الواصفون من خلقه» . وهذا تصريح بأنه لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنه يتعالى ويتنَّزه عما يصفه به المتكلمون وغيرهم مما لم يصِفْ به نفسه.
(1)
انظر: «مناقب الشافعي» للبيهقي (1/ 462).
(2)
انظر المصدر السابق (1/ 453 - 454).
(3)
لم أقف عليه. أما مناظرة الشافعي لحفص الفرد في خلق القرآن فهي مشهورة.
(4)
(1/ 409).
(5)
النص في «الرسالة» المطبوعة (ص 8): «
…
يصفه به خلقُه». وقبله: «ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته» .
وقال أبو نصر أحمد بن محمد بن حامد
(1)
السِّجزي: سمعتُ أبي يقول: قلت لأبي العباس بن سريج: ما التوحيد؟ فقال: توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وتوحيدُ أهل الباطل: الخوضُ في الأعراض والأجسام، وإنما بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك
(2)
.
وقال بعض أهل العلم: كيف لا يخشى الكذبَ على الله ورسوله من يحمل كلامه على التأويلات المستنكرة والمجازات المستكرهة التي هي بالألغاز والأحاجي أولى منها بالبيان والهداية؟ وهل يأمن على نفسه أن يكون ممن قال الله فيهم: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]؟ قال الحسن: هي والله [216/أ] لكلِّ واصفٍ كذبًا إلى يوم القيامة
(3)
. وهل يأمن أن يتناوله قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152]؟ قال ابن عيينة: هي لكلِّ مفترٍ من هذه الأمة إلى يوم القيامة
(4)
.
وقد نزَّه سبحانه نفسه عن كلِّ ما يصفه به خلقُه إلا المرسلين، فإنهم إنما يصفونه بما أذِن لهم أن يصفوه به، فقال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا
(1)
كذا في النسخ الثلاث ومصادر التوثيق. وفي النسخ المطبوعة: «خالد» .
(2)
رواه عن أبي نصر السجزي أبو عبد الرحمن السلمي في «ردِّه على أهل الكلام» كما في «منتخب أبي الفضل المقرئ» (ص 86 - 87). ومن طريق السلمي في «الحجة» للتيمي (ص 107) و «ذم الكلام وأهله» للهروي (4/ 385 - 386).
(3)
رواه ابن أبي شيبة (36369)، والبيهقي في «الشعب» (4563) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن الحسن، وإسناده صحيح.
(4)
لم أجده مسندًا، وقد عزاه السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 565) إلى أبي الشيخ.
يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 180 - 181]، وقال تعالى:{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 159 - 160].
ويكفي المتأولين كلامَ الله ورسوله بالتأويلات التي لم يُرِدها ولم يدلَّ عليها كلامُ الله أنهم قالوا برأيهم على الله، وقدَّموا آراءهم على نصوص الوحي، وجعلوا آراءهم
(1)
عيارًا على كلام الله ورسوله. ولو علموا أيَّ بابِ شرٍّ فتحوا على الأمة بالتأويلات الفاسدة، وأيَّ بناءٍ للإسلام هدموا بها، وأيَّ معاقل وحصون استباحوها= لكان أحدُهم أن يخِرَّ
(2)
من السماء إلى الأرض أحبُّ إليه من أن يتعاطى شيئًا من ذلك.
وكلُّ
(3)
صاحبِ باطلٍ قد جعل ما تأوَّله المتأولون عذرًا له فيما تأوَّله هو، وقال: ما الذي حرَّم عليَّ التأويل وأباحه لكم؟ فتأولت الطائفة المنكرة للمعاد نصوص المعاد ــ وكان تأويلهم من جنس تأويل منكري الصفات، بل أقوى منه لوجوه عديدة يعرفها من وازن بين التأويلين ــ وقالوا: كيف نحن نعاقَب على تأويلنا وتؤجَرون أنتم على تأويلكم؟ قالوا: ونصوص الوحي بالصفات أظهر وأكثر من نصوصه بالمعاد، ودلالة النصوص عليها أبيَن، فكيف يسوغ تأويلها بما يخالف ظاهرَها، ولا يسوغ لنا تأويل نصوص المعاد؟
(1)
في النسخ المطبوعة: «وجعلوها» .
(2)
ز: «وكان أحدهم لأن يخِرَّ» . وفي ك، ب: «وكان
…
أن يخرّ». وكذا في نسخ أخرى كما يظهر من تعليق المطبوع، فلا يبعد أن يكون جواب لو قد سقط من النسخ، وعليه كان عطفُ هذه الجملة: «وكان أحدهم
…
».
(3)
في النسخ المطبوعة: «فكلّ» .
وكذلك فعلت الرافضة في أحاديث فضائل الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة. وكذلك فعلت المعتزلة في تأويل أحاديث الرؤية والشفاعة، وكذلك القدرية في نصوص القدر، وكذلك الحرورية وغيرهم من الخوارج في النصوص التي تخالف مذاهبهم. وكذلك القرامطة والباطنية طردت البابَ، وطمَّت
(1)
الواديَ على القَريِّ، وتأولت الدينَ كلَّه!
فأصلُ خراب الدنيا والدين
(2)
إنما هو من التأويل الذي لم يُرِده الله ورسوله بكلامه، ولا دلَّ على
(3)
أنه مراده. وهل اختلفت الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل؟ وهل وقعت في الأمة فتنة كبيرة أو صغيرة إلا بالتأويل؟ فمن بابه دُخِل إليها. وهل أريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل؟
وليس هذا مختصًّا بدين الإسلام فقط، بل سائر أديان الرسل لم تزل على الاستقامة والسداد، حتَّى دخلها
(4)
التأويل، فدخل عليها من الفساد ما لا يعلمه إلا ربُّ العباد.
(1)
كذا ورد الفعل في النسخ الخطية والمطبوعة بتعديته إلى «الوادي» . ونحوه في كتاب «الروح» (2/ 724): «وجاءت طائفة الاتحادية، فطمُّوا الواديَ على القَري» . والمثل: «طمَّ الوادي على القري» ، أي جرى سيله، فدفن القريَّ وأتى عليه. والقري: مجرى الماء في الروضة. فالوادي هو الذي يطُمُّ. ولا يقال: طممتُه على الشيء، فلا يصح «طمَّ فلانٌ الواديَ على القري». وانظر تعليقي على كتاب «الروح». ويضرب المثل عند تجاوز الشرِّ حدَّه. انظر:«مجمع الأمثال» (1/ 282).
(2)
في النسخ المطبوعة: «الدين والدنيا» .
(3)
ك، ب:«عليه» وكذا في النسخ المطبوعة، والصواب ما أثبت من ز.
(4)
ما عدا ز: «دخل عليها» .
وقد تواترت البشارات بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدِّمة، ولكن سلَّطوا عليها التأويلاتِ فأفسدوها ــ كما أخبر سبحانه عنهم ــ من التحريف والتبديل والكتمان. فالتحريف: تحريف المعاني بالتأويلات التي لم يُرِدها المتكلم
(1)
، والتبديل: تبديل لفظ بلفظ آخر. والكتمان: جحدُه. وهذه الأدواء الثلاثة منها غُيِّرت الأديان والملل. وإذا تأملت دين المسيح وجدت النصارى إنما [216/ب] تطرَّقوا إلى فساده
(2)
بالتأويل بما لا يكاد يوجد
(3)
مثلُه في شيء من الأديان، ودخلوا إلى ذلك من باب التأويل.
وكذلك زنادقة الأمم جميعهم إنما تطرَّقوا إلى إفساد ديانات الرسل بالتأويل، ومن بابه دخلوا، وعلى أساسه بنَوا، وعلى نقطه خطُّوا.
والمتأولون أصناف عديدة، بحسب الباعث لهم على التأويل، وبحسب قصور أفهامهم ووفورها. وأعظمُهم توغُّلًا في التأويل الباطل مَن فسد قصدُه وفهمُه، فكلَّما ساء قصدُه وقصَر فهمُه كان تأويله أشدَّ انحرافًا. فمنهم من يكون تأويله لنوع هوًى من غير شبهة، بل يكون على بصيرة من الحق. ومنهم من يكون تأويله لنوع شبهةٍ عرضت له أخفَتْ عليه الحقَّ
(4)
. ومنهم من يجتمع له الأمران: الهوى في القصد، والشبهة في العلم.
(1)
في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «بها» .
(2)
في النسخ المطبوعة: «إفساده» .
(3)
في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «قط» .
(4)
بعده في النسخ المطبوعة زيادة: «ومنهم من يكون تأويله لنوع هدى من غير شبهة، بل يكون على بصيرة من الحق» . قلت: أولًا: لفظ «هدى» في هذه الزيادة تحريف «هوى» ، ثم هذه العبارة هي السابقة بعينها قبل سطر، فلا معنى لتكرارها.
وبالجملة، فافتراق أهل الكتابين وافتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة إنما أوجبه التأويل. وإنما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصِفِّين والحَرَّة وفتنة ابن الزبير وهلمَّ جرًّا بالتأويل. وإنما دخل أعداء الإسلام من المتفلسفة والقرامطة والباطنية والإسماعيلية والنصيرية من باب التأويل. فما امتُحِن الإسلام بمحنة قطُّ إلا وسببها التأويل، فإنَّ محنته إمَّا من المتأولين، وإما أن يسلَّط عليهم الكفارُ، بسبب ما ارتكبوا من التأويل، وخالفوا فيه
(1)
ظاهرَ التنزيل، وتعلَّلوا بالأباطيل.
فما الذي أراق دماءَ بني جَذيمة ــ وقد أسلموا ــ غيرُ التأويل حتى رفع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يديه وتبرَّأ إلى الله من فعل المتأوِّل بقتلهم وأخذ أموالهم؟
(2)
.
وما الذي أوجب تأخُّرَ الصحابة رضي الله عنهم يومَ الحديبية عن موافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرُ التأويل، حتى اشتدَّ غضبه لتأخُّرهم عن طاعته، حتى رجعوا عن ذلك التأويل؟
وما الذي سفَكَ دمَ أمير المؤمنين عثمان ظلمًا وعدوانًا وأوقع الأمة فيما أوقعها فيه حتى الآن غيرُ التأويل؟
وما الذي سفَك دمَ عليٍّ رضي الله عنه وابنه الحسين وأهل بيته غيرُ التأويل؟
وما الذي أراق دمَ عمار بن ياسر وأصحابه غيرُ التأويل؟
وما الذي أراق دمَ [ابن]
(3)
الزبير وحُجْر بن عدي وسعيد بن جبير
(1)
في النسخ الخطية: «في» ، ولعل الصواب ما أثبت. وفي النسخ المطبوعة:«وخالفوا ظاهر التنزيل» .
(2)
تقدَّم غير مرة.
(3)
ما بين المعقوفين ساقط من النسخ الخطية.
وغيرهم من سادات الأمة غيرُ التأويل؟
وما الذي أريقت عليه دماء العرب في فتنة أبي مسلم غيرُ التأويل؟
وما الذي جرَّد الإمامَ أحمد بين العقابين وضرب السياط حتى عجَّت الخليقة إلى ربِّها غيرُ التأويل؟
وما الذي قتل الإمام أحمد بن نصر الخزاعي وخلَّد خلقًا من العلماء في السجون حتى ماتوا غيرُ التأويل؟
وما الذي سلَّط سيوفَ التتار على دار الإسلام حتى ردُّوا أهلها غيرُ التأويل؟
وهل دخلت طائفة الإلحاد من أهل الحلول والاتحاد إلا من باب التأويل؟
وهل فُتِح بابُ التأويل إلا مضادّةً ومناقضةً لحكم الله في تعليمه عبادَه البيان الذي امتنَّ
(1)
في كتابه على الإنسان بتعليمه إياه؟ فالتأويل بالألغاز والأحاجي والأغلوطات أولى منه بالبيان والتبيين. وهل فرقٌ بين دفع [217/أ] حقائق ما أخبرت به الرسل عن الله وأمرت به بالتأويلات الباطلة المخالفة له، وبين ردِّه وعدم قبوله؟ ولكن هذا ردُّ جحود ومعاندة، وذاك ردُّ خداع ومصانعة!
قال أبو الوليد بن رشد المالكي في كتابه المسمَّى بـ «الكشف عن مناهج الأدلة»
(2)
، وقد ذكر التأويل وجنايته على الشريعة، إلى أن قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
(1)
في النسخ المطبوعة زيد بعده لفظ الجلالة: «امتن الله» .
(2)
(ص 148 - 149).
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}
(1)
[آل عمران: 7] وهؤلاء أهل الجدل والكلام. وأشدُّ ما عرض على الشريعة من هذا الصنف أنهم تأولوا كثيرًا مما ظنُّوه ليس على ظاهره، وقالوا: إن هذا التأويل هو المقصود به، وإنما أمر الله
(2)
به في صورة المتشابه ابتلاءً لعباده واختبارًا لهم. ونعوذ بالله من هذا الظن بالله، بل نقول: إن كتاب الله العزيز إنما جاء معجِزًا من جهة الوضوح والبيان، فما أبعد
(3)
من مقصد الشارع مَن قال فيما ليس بمتشابه: إنه متشابه، ثم أوَّل ذلك المتشابه بزعمه، وقال لجميع الناس: إن فرضكم هو اعتقاد هذا التأويل! مثل ما قالوه في آية الاستواء على العرش وغير ذلك مما قالوا: إن ظاهره متشابه.
ثم قال
(4)
: وبالجملة، فأكثر التأويلات التي زعم القائلون بها أنها المقصود من الشرع إذا تُؤُمِّلت وُجِدت ليس يقوم عليها برهان.
إلى أن قال
(5)
: ومثالُ مَن أوَّلَ شيئًا من الشرع وزعم أن ما أوَّله هو الذي قصده الشرعُ مثالُ مَن أتى إلى دواءٍ قد ركَّبه طبيب ماهر، ليحفظ صحة جميع الناس أو الأكثر، فجاء رجل، فلم يلائمه ذلك الدواء الأعظم، لرداءة
(1)
في النسخ: «وأما» .
(2)
كذا في النسخ. وفي «الكشف» : «أتى الله» ، فأثبت ذلك في المطبوع بدلًا مما في النسخ الخطية.
(3)
أثبت في المطبوع: «فإذا ما أبعد» كما جاء في «الكشف» ، وزعم أن ما في النسخ غير مستقيم.
(4)
في (ص 149).
(5)
في (ص 149 - 150).
مزاجٍ كان به ليس يعرض إلا للأقلِّ من الناس، فزعم أن بعض تلك الأدوية التي
(1)
صرَّح باسمه
(2)
الطبيبُ الأول في ذلك الدواء العامِّ المنفعة لم يُرِد به ذلك الدواء العامَّ الذي جرت العادة في اللسان أن يدل بذلك الاسم عليه، وإنما أراد به دواءً آخر مما يمكن أن يدل عليه بذلك باستعارة بعيدة. فأزال ذلك الدواء الأول من ذلك المركَّب الأعظم، وجعل فيه بدله الدواءَ الذي ظنَّ أنه قصده الطبيب، وقال للناس: هذا هو الذي قصده الطبيب الأول. فاستعمل الناس ذلك الدواء المركَّب على الوجه الذي تأوله عليه هذا المتأوِّل، ففسدت أمزجة كثير من الناس. فجاء آخرون، فشعروا بفساد أمزجة الناس من ذلك الدواء المركَّب، فراموا إصلاحه بأن بدَّلوا بعض أدويته بدواء آخر غير الدواء الأول، فعرض من ذلك للناس نوعٌ من المرض غير النوع الأول.
فجاء ثالث، فتأول في أدوية ذلك المركب غير التأويل الأول والثاني، فعرض من ذلك للناس
(3)
نوع ثالث من المرض غير النوعين المتقدمين. فجاء متأول رابع، فتأول دواءً آخر غير الأدوية المتقدمة؛ فعرض منه للناس نوع رابع من المرض غير الأمراض المتقدمة.
(1)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة، و «درء التعارض» (6/ 220)، وكذا في مطبوعة «الكشف» نفسه، وهو غريب! فإن الصواب:«الذي» ، وهو صفة لكلمة «بعض» ، والعائد: الضمير المذكر في «باسمه» . وكذا في «مختصر الصواعق» (1/ 152).
(2)
في النسخ المطبوعة: «باسمها» ، والظاهر أن بعض الناشرين غيَّر ما في النسخة من أجل «التي» غير ناظر إلى تذكير الدواء المقصود من ذلك الدواء العامّ المركَّب في سائر الكلام الآتي.
(3)
ب: «للناس من ذلك» ، وكذا في النسخ المطبوعة. والمثبت من (ز، ك) موافق لما في مصدر النقل.
فلما طال الزمان بهذا الدواء المركَّب الأعظم، وسلَّط الناس التأويل على أدويته، وغيَّروها وبدَّلوها= عرض منه للناس أمراض شتَّى، حتى فسدت [217/ب] المنفعة المقصودة بذلك الدواء المركب في حقِّ أكثر الناس. وهذه هي حالة الفرق الحادثة في هذه الشريعة
(1)
مع الشريعة، وذلك أن كلَّ فرقة منهم تأولت غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى، وزعمت أنه هو الذي قصده صاحبُ الشرع، حتى تمزَّق الشرعُ كلَّ ممزَّق، وبعد جدًّا عن موضوعه
(2)
الأول.
ولما علم صاحبُ الشرع صلوات الله وسلامه عليه أن مثل هذا يعرض ــ ولا بدَّ ــ في شريعته قال: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلا واحدة»
(3)
، يعني بالواحدة: التي سلكت ظاهر الشرع، ولم تؤوِّله.
وأنت إذا تأمَّلتَ ما عرض في هذه الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها من قبل التأويل تبيَّنتَ أن هذا المثال صحيح.
وأول من غيَّر هذا الدواء الأعظم هم الخوارج، ثم المعتزلة بعدهم، ثم الأشعرية، ثم الصوفية. ثم جاء أبو حامد، فطمَّ الوادي على القَريِّ
(4)
.
(1)
أثبت في المطبوع: «الطريقة» ، وأحال على «الكشف» . وفي الطبعة التي بين يديَّ كما هنا وفي «درء التعارض» (6/ 221) و «الصواعق» (2/ 415).
(2)
ب: «موضعه» ، وكذا في طبعة «الكشف» ، ولعله تحريف. وفي «درء التعارض» (6/ 222) و «الصواعق» (2/ 416) كما أثبت من (ز، ك).
(3)
رواه أحمد (12208، 12479)، وابن ماجه (3993) من حديث أنس، والحديث حسن بشواهده. انظر:«السلسلة الصحيحة» (203) وتعليق محققي «المسند» .
(4)
سبق هذا المثل قريبًا.
هذا كلامه بلفظه
(1)
.
ولو ذهبنا نستوعب ما جناه التأويل على الدنيا والدين وما نال الأممَ قديمًا وحديثًا بسببه من الفساد لاستدعى ذلك عدَّة أسفار
(2)
. والله المستعان.
الفائدة السادسة والخمسون: لا يجوز له
(3)
العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئنَّ نفسه، وحاك في صدره من فتواه
(4)
، وتردَّد فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «استفتِ نفسَك
…
وإن أفتاك الناس وأفتَوك»
(5)
، فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولًا. ولا تخلِّصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من قضيتُ له بشيء من حقِّ أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار»
(6)
.
والمفتي والقاضي في هذا سواء. فلا يظنَّ
(7)
المستفتي أن مجرَّدَ فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه، إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء
(1)
نقله المؤلف في «الصواعق» (2/ 404 - 417) بأطول مما هنا. وانظر: «درء التعارض» (6/ 212 - 222).
(2)
وقال في «شفاء العليل» (ص 82): «وسنفرد إن شاء الله كتابًا نذكر فيه جناية المتأويلن على الدنيا والدين» . وانظر: «ابن قيم الجوزية» للشيخ بكر أبو زيد (ص 248).
(3)
«له» ساقط من النسخ المطبوعة.
(4)
ب: «قبوله» ، وكذا في النسخ المطبوعة. والظاهر أنه تصحيف ما أثبت من ز.
(5)
تقدَّم تخريجه.
(6)
تقدَّم تخريجه.
(7)
في النسخ المطبوعة: «ولا يظن» .
تردَّد أو حاك في صدره لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكِّه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جهلَ المفتي، أو محاباتَه في فتواه، أو عدمَ تقيُّده
(1)
بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرُّخَص المخالفة للسنة وغير ذلك، من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها. فإن كان عدمُ الثقة والطمأنينة لأجل المفتي سأل ثانيًا وثالثًا حتى تحصل له الطمأنينة
(2)
. فإن لم يجد فلا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها، والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة.
فإن كان في البلد مفتيان أحدهما أعلم من الآخر، فهل يجوز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل؟ فيه قولان للفقهاء، وهما وجهان لأصحاب الشافعي وأحمد. فمن جوَّز ذلك رأى أنه يُقبَل قولُه إذا كان وحده، فوجود من هو أفضل منه لا يمنع من قبول قوله كالشاهد. ومن منع استفتاءه قال: المقصود حصول ما يغلِّب على الظن الإصابة، وغلبةُ الظن بفتوى الأعلم أقوى، فيتعيَّن. والحقُّ: التفصيل بأن المفضول إن ترجَّح بديانة [218/أ] وورع وتحرٍّ
(3)
للصواب، وعدِمَ ذلك الفاضلُ، فاستفتاء المفضول جائز إن لم يتعيَّن. وإن استويا فاستفتاءُ الأعلم أولى
(4)
. والله أعلم.
الفائدة السابعة والخمسون: إذا لم يعرف المفتي لسان السائل، أو لم يعرف المستفتي لسان المفتي، أجزأ ترجمةُ واحد بينهما، لأنه خبر محض
(1)
في النسخ المطبوعة: «تقييده» .
(2)
انظر: «صفة الفتوى» (ص 56).
(3)
في النسخ المطبوعة: «أو ورع أو تحرٍّ» .
(4)
انظر: «أدب المفتي والمستفتي» (ص 134).
فيكتفَى فيه بواحد، كأخبار الديانات
(1)
. وطردُ هذا الاكتفاء بترجمة الواحد في الجرح والتعديل، والرسالة، والدعوى، والإقرار والإنكار بين يدي الحاكم، والتعريف، في إحدى الروايتين. وهي مذهب أبي حنيفة، واختارها أبو بكر إجراءً لها مجرى الخبر
(2)
.
والرواية الثانية: لا يقبل في هذه المواضع أقلُّ من اثنين، إجراءً لها مجرى الشهادة، وسلوكًا بها سبيلها، لأنها تُثبت الإقرار عند الحاكم، وتُثبت عدالة الشهود وجرحهم، فافتقرت إلى العدد؛ كما لو شهد على إقراره شاهد واحد، فإنه لا يكتفى به. وهذا بخلاف ترجمة الفتوى والسؤال، فإنه خبر محض، فافترقا.
الفائدة الثامنة والخمسون: إذا كان السؤال محتملًا لصور عديدة، فإن لم يعلم
(3)
الصورةَ المسؤولَ عنها لم يُجب عن صورة واحدة منها. وإن علم الصورة المسؤول عنها فله أن يخصَّها بالجواب، ولكن يقيِّد لئلا يتوهم أن الجواب عن غيرها، فيقول: إن كان الأمر كيت وكيت، أو كان المسؤول عنه كذا وكذا، فالجواب كذا
(4)
. وله أن يُفرد كلَّ صورة بجواب، فيفصِّل الأقسام المحتملة، ويذكر حكمَ كلِّ قسم.
ومنع بعضهم من ذلك لوجهين. أحدهما: أنه ذريعة إلى تعليم الحِيَل، وفتحُ بابٍ لدخول المستفتي وخروجه من حيث شاء. الثاني: أنه سبب
(1)
بعده في النسخ المطبوعة زيادة: «والطب» .
(2)
يعني: أبا بكر عبد العزيز غلام الخلال. انظر: «المغني» (14/ 84).
(3)
في النسخ المطبوعة بعدها زيادة: «المفتي» .
(4)
في النسخ المطبوعة: «كذا وكذا» .
لازدحام أحكام تلك الأقسام على فهم العامِّي، فيضيع مقصوده
(1)
.
والحقُّ: التفصيل. فيكره حيث استلزم ذلك، ولا يكره ــ بل يستحَبُّ ــ إذا كان فيه زيادة إيضاح وبيان، وإزالة لبس. وقد فصَّل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في كثير من أجوبته بقوله: إن كان كذا فالأمر كذا، كقوله في الذي وقع على جارية امرأته: إن كان استكرهها فهي حُرَّة، وعليه لسيدتها مثلُها، وإن كانت مطاوعتَه
(2)
فهي [له، وعليه لسيدتها مثلُها]
(3)
.
الفائدة التاسعة والخمسون، وهي مما ينبغي التفطن له: إن رأى المفتي خلال السطور بياضًا يحتمل أن يُلحَق به ما يُفسد الجواب فليحترز منه، فربما دخل من ذلك عليه مكروه. فإما أن يأمره
(4)
بكتابة غير الورقة، وإما أن يخُطَّ على البياض أو يشغله بشيء، كما يحترز منه كُتَّابُ الوثائق والمكاتيب
(5)
.
وبالجملة، فليكن حذرًا فطنًا، ولا يُحسن ظنه بكلِّ أحد. وهذا الذي حمل بعضَ المفتين على أنه كان يقيِّد السؤال عنده في ورقة، ثم يجيب في ورقة السائل. ومنهم من كان [218/ب] يكتب السؤال في ورقة من عنده، ثم
(1)
انظر: «أدب المفتي» (ص 135) و «صفة الفتوى» (ص 57).
(2)
كذا في النسخ. وقد سبق الحديث غير مرة بلفظ «طاوعته» .
(3)
في موضع ما بين المعقوفين بياض في النسخ الثلاث. وقد أكمل الحديث في النسخ المطبوعة مع زيادة: «وهذا كثير في فتاويه صلى الله عليه وسلم» أخذًا مما سبق في الفائدة الثامنة عشرة فيما أظن.
(4)
ك: «يلزمه» . وفي النسخ المطبوعة: «يأمر» .
(5)
انظر: «أدب المفتي» (ص 137) و «صفة الفتوى» (ص 58).
يكتب الجواب. وليس شيء من ذلك بلازم، والاعتماد على قرائن الأحوال ومعرفة الواقع والعادة.
الفائدة الستون: إن كان عنده من يثق بعلمه ودينه، فينبغي له أن يشاوره
(1)
. ولا يستقلَّ بالجواب ذهابًا بنفسه، وارتفاعًا بها أن يستعين على الفتاوى بغيره من أهل العلم. وهذا من الجهل، فقد أثنى سبحانه على المؤمنين بأنَّ أمرهم شورى بينهم، وقال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159].
وقد كانت المسألة تنزل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيستشير لها من حضر من الصحابة، وربما جمعهم وشاورهم، حتى كان يشاور ابنَ عباس وهو إذ ذاك أحدَثُ القوم سنًّا. وكان يشاور عليًّا وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم
(2)
، ولا سيَّما إذا قصَد بذلك تمرينَ أصحابه، وتعليمهم، وشحذ أذهانهم.
قال البخاري في «صحيحه»
(3)
: «باب إلقاء العالمِ المسألةَ على أصحابه»
(4)
.
(1)
انظر: «أدب المفتي» (ص 138) و «صفة الفتوى» (ص 58).
(2)
رواه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (193)، والبيهقي في «المدخل» (803)، وهو ثابت عنه في غير قصة، وتقدم البعض.
(3)
في كتاب العلم قبل الحديث (61).
(4)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة. ولفظ الباب في «الصحيح» : «باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم» ولم ترد إشارة إلى اختلاف في اللفظ في النسخ المذكورة في الطبعة الأميرية (1/ 22).
وأولى ما ألقى عليهم: المسألة التي سئل عنها. هذا ما لم يعارِض ذلك مفسدةٌ من إفشاء سرِّ السائل أو تعريضه للأذى، أو مفسدة لبعض الحاضرين، فلا ينبغي له أن يرتكب ذلك.
وكذلك الحكم في عابر الرؤيا. فالمفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطَّلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره.
الفائدة الحادية والستون: حقيق بالمفتي أن يُكثِر الدعاء بالحديث الصحيح: «اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة؛ أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»
(1)
وكان شيخنا كثير الدعاء بذلك. وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول: «يا معلِّمَ إبراهيم
(2)
»، ويُكثر الاستعانة
(3)
بذلك اقتداءً بمعاذ بن جبل رضي الله عنه
(4)
حيث قال لمالك بن يُخامِر السَّكسَكي عند موته، وقد رآه يبكي، فقال: والله ما أبكي على دنيا كنتُ أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللذين كنتُ أتعلَّمهما منك. فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما. اطلب العلم عند أربعة: عند
(1)
رواه مسلم (770) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
في ز بعده: «علِّمني» ، ولكن فوقه حرف الحاء، يعني: محذوف.
(3)
ك، ب:«الاستغاثة» ، وكذا في المطبوع.
(4)
ذكره ابن رُشيِّق في رسالته «أسماء مؤلفات ابن تيمية» (ضمن الجامع لسيرة شيخ الإسلام: ص 283). وانظر: «العقود الدرية» (ص 38 - 39).
عويمر أبي الدرداء، وعند عبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري ــ وذكر الرابع ــ
(1)
، فإن عجز عنه هؤلاء، فسائرُ أهل الأرض عنه أعجَز، فعليك بمعلِّم إبراهيم
(2)
.
وكان بعض السلف يقول عند الإفتاء: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32]
(3)
.
وكان مكحول يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله
(4)
.
وكان مالك يقول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله
(5)
.
وكان بعضهم يقول: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 25 - 28]
(6)
.
وكان بعضهم يقول: اللهم وفِّقني، واهدِني، وسدِّدني، واجمع لي بين
(1)
هو عبد الله بن سلام، كما سبق.
(2)
تقدم في أول الكتاب.
(3)
انظر: «أدب المفتي» (ص 140) و «صفة الفتوى» (ص 60).
(4)
انظر: «أدب المفتي» (ص 140) و «صفة الفتوى» (ص 59 - 60). وقد روى الترمذي (3601)، وابن أبي شيبة (30447) من طريق هشام بن الغاز، عن مكحول، قال: من قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا ملجأ من الله إلا إليه، دفع الله عنه سبعين بابًا من الضر، أدناها الفقر. وإسناده صحيح.
(5)
انظر: «ترتيب المدارك» (1/ 192). وفي «أدب المفتي» و «صفة الفتوى» كما ذكر عن مكحول.
(6)
انظر: «أدب المفتي والمستفتي» (ص 140).
الصواب والثواب، وأعِذني من الخطأ والحرمان
(1)
.
وكان بعضهم يقرأ الفاتحة. وجرَّبنا نحن ذلك
(2)
، فرأيناه من أقوى أسباب الإصابة.
والمعوَّل في ذلك كلِّه على حسن النية، وخلوص القصد، وصدق التوجُّه في الاستمداد من المعلِّم الأول معلِّم الرسل والأنبياء فإنه لا يرُدُّ مَن صدَق في [219/أ] التوجه إليه لتبليغ دينه، وإرشاد عبيده ونصيحتهم، والتخلُّص من القول عليه بلا علم. فإذا صدقت نيته ورغبته في ذلك لم يعدَم أجرًا، إن فاته أجران. والله المستعان.
وسئل الإمام أحمد، فقيل له: ربما اشتدَّ علينا الأمر من جهتك، فلمن نسأل بعدك؟ فقال: سلُوا عبد الوهاب الورَّاق، فإنه أهل أن يوفَّق للصواب
(3)
.
واقتدى الإمام أحمد بقول عمر بن الخطاب: اقربوا
(4)
من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون؛ فإنهم تجلى لهم أمور صادقة، وذلك لقرب قلوبهم من الله. وكلما قرب القلب من الله زالت عنه معارضات السوء، وكان نورُ كشفِه للحقِّ أتمَّ وأقوى. وكلما بعد من الله كثرت عليه المعارضات، وضَعُف نورُ كشفه للصواب، فإن العلم نور يقذفه الله في
(1)
انظر: «أدب المفتي والمستفتي» (ص 141). وأخرج مسلم (2735) مرفوعًا: «قل اللهم اهدني وسدِّدني، واذكر بالهدى هدايتَك الطريق، والسداد سدادَ السهم» .
(2)
في المطبوع: «ذلك نحن» .
(3)
انظر: «طبقات الحنابلة» (2/ 202)، «العدَّة» (5/ 1572).
(4)
في النسخ المطبوعة: «اقتربوا» .
القلب، يفرِّق به العبد بين الخطأ والصواب
(1)
.
وقال مالك للشافعي رضي الله عنهما في أول ما لقيه: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تطفئه بظلمة المعصية
(2)
.
وقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] ومن الفرقان: النور الذي يفرِّق به العبدُ بين الحق والباطل، وكلما كان قلبه أقرب إلى الله كان فرقانه أتمَّ. وبالله التوفيق.
الفائدة الثانية والستون: قد تكرَّر لكثير من أهل الإفتاء الإمساكُ عما يفتون بها مما يعلمون أنه الحق، إذا خالف غرضَ السائل ولم يوافقه. وكثير منهم يسأله عن غرضه، فإن صادفه عنه كتَب له، وإلا دلَّه على مفتٍ أو مذهبٍ يكون غرضه عنده. وهذا غير جائز على الإطلاق، بل لا بدَّ فيه من تفصيل:
فإن كان المسؤول عنه من مسائل العلم والسنة والمسائل العمليات
(3)
التي فيها نصٌّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسَع المفتيَ تركُه إلى غرض السائل، بل لا يسعه توقفُه في الإفتاء به على غرض السائل، بل ذلك إثم عظيم. وكيف يسعه من الله أن يقدِّم غرضَ السائل على الله ورسوله؟
وإن كانت المسألة من المسائل الاجتهادية التي يتجاذب أعِنَّتَها الأقوال
(1)
لم أجده، وهو أبعد شيء من كلام عمر بن الخطاب أو غيره من الصحابة، وإنما هو من كلام بعض المتصوفة، ولا أدري كيف ذهب ذلك على المصنف.
(2)
«مناقب الشافعي» (1/ 104).
(3)
ز: «العلميات» . وفي النسخ المطبوعة: «أو من المسائل
…
».
والأقيسة، فإن لم يترجَّح له قول منها لم يسَعْ له أن يرجِّح بغرض
(1)
السائل. وإن ترجَّح له قول منها وظنَّ أنه الحق فأولى بذلك، فإن السائل إنما يسأل عما يلزمه في الحكم ويسعه عند الله. فإن عرفه المفتي أفتاه به سواءً وافق غرضَه أو خالفه. ولا يسعه ذلك أيضًا إذا علم أن السائل يدور على من يفتيه بغرضه في تلك المسألة، فيجعل استفتاءه تنفيذًا لغرضه، لا تعبُّدًا لله بأداء حقِّه. ولا يسعه أن يدلَّه على غرضه أين كان، بل ولا يجب عليه أن يفتي هذا الضربَ من الناس؛ فإنهم لا يستفتون ديانةً، وإنما يستفتون توصُّلًا إلى حصول أغراضهم بأيِّ طريق اتفق
(2)
. فلا يجب على المفتي مساعدتهم، فإنهم لا يُربُّون
(3)
الحقَّ، بل يُربُّون أغراضهم
(4)
. ولهذا إذا وجدوا أغراضهم في أيِّ مذهب اتفق اتبعوه في ذلك الموضع، وتمذهبوا به، كما يفعله أرباب الخصومات بالدعاوى عند الحكام. ولا يقصد أحدهم حاكمًا بعينه، بل أيُّ حاكم نفذ غرضه عنده صار إليه.
وقال شيخنا مرةً: أنا مخيَّر بين [219/ب] إفتاء هؤلاء وتركهم، فإنهم لا يستفتون للدين، بل لوصولهم إلى أغراضهم حيث كانت، ولو وجدوها عند غيري لم يجيئوا إليَّ، بخلاف من يسأل عن دينه. وقد قال الله تعالى لنبيِّه في
(1)
في المطبوع: «لغرض» .
(2)
ك، ب:«وافق» ، وكذا في المطبوع.
(3)
كذا في ز، ب هنا وفي الجملة التالية، وقد ضبط في ز بضم الراء والباء. فإن صح، فلعله من قولهم: يُربُّون العلَم، أي يقومون به. وفي ك:«يرون» في الموضعين. وفي النسخ المطبوعة: «يريدون» .
(4)
في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «بأي طريق وافق» .
حقِّ من جاءه يتحاكم إليه لأجل غرضه، لا لالتزامه لدينه صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا} [المائدة: 42]. فهؤلاء لما لم يلتزموا دينه لم يلزمه الحكمُ بينهم. والله أعلم.
الفائدة الثالثة والستون: عاب بعضُ الناس ذكرَ الاستدلال في الفتوى، وهذا العيب أولى بالعيب
(1)
! بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل، فكيف يكون ذكرُ كلام الله ورسوله وإجماع المسلمين وأقوال الصحابة والقياس الصحيح عيبًا؟ وهل ذكرُ قول الله ورسوله إلا طراز الفتاوى؟ وقولُ المفتي ليس بموجِب للأخذ به، فإذا ذكر الدليلَ فقد حرُم على المستفتي أن يخالفه، وبرِئ هو من عهدة الفتوى بلا علم.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأَل عن المسألة، فيضرب لها الأمثال، ويشبِّهها بنظائرها. هذا، وقوله وحده حجة، فما الظنُّ بمن ليس قوله بحجَّة، ولا يجب الأخذ به! وأحسن أحواله وأعلاها أن يسوغ
(2)
قبول قوله، وهيهات أن يسوغ بلا حجة!
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل أحدُهم عن مسألة أفتى بالحجة نفسها، فيقول: قال الله كذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعل كذا؛ فيُشفَى السائل، ويبلِّغ القائل. وهذا كثير جدًّا في فتاويهم لمن تأمَّلها. ثم جاء التابعون والأئمة بعدهم، فكان أحدهم يذكر الحكم ثم يستدل عليه، وعلمه
(1)
في المطبوع: «بالمعيب» .
(2)
في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «له» .
يأبى أن يتكلَّم بلا حجة، والسائل يأبى قبول قوله بلا دليل.
ثم طال الأمد، وبعد العهد بالعلم، وتقاصرت الهمم، إلى أن صار بعضهم يجيب بـ «نعم» أو «لا» فقط، ولا يذكر للجواب دليلًا ولا مأخذًا، ويعترف بقصوره وفضلِ من يفتي بالدليل.
ثم نزلنا درجةً أخرى إلى أن وصلت الفتوى إلى عيب من يفتي بالدليل وذمِّه. ولعله أن يحدث للناس طبقة أخرى لا يُدرى ما حالهم في الفتاوى! والله المستعان.
الفائدة الرابعة والستون: هل يجوز للمستفتي تقليد الميت إذا علم عدالته وأنه مات عليها من غير أن يسأل الحي؟ فيه وجهان لأصحاب أحمد والشافعي، أصحُّهما: له ذلك، فإن المذاهب لا تبطل بموت أصحابها، ولو بطلت بموتهم لبطل ما بأيدي الناس من الفقه عن أئمتهم، ولم يسُغ لهم تقليدهم والعمل بأقوالهم. وأيضًا لو بطلت أقوالهم بموتهم لم يُعتدَّ بهم في الإجماع والنزاع
(1)
. ولهذا لو شهد الشاهدان، ثم ماتا بعد الأداء وقبل الحكم بشهادتهما، لم تبطل شهادتهما. وكذلك الراوي لا تبطل روايته بموته، فكذلك المفتي لا تبطل فتواه بموته.
ومن قال: تبطل فتواه بموته قال: أهليته زالت بموته. ولو عاش لوجب عليه تجديد الاجتهاد، ولأنه قد يتغيَّر اجتهاده.
وممن حكى الوجهين في المفتي: أبو الخطاب
(2)
فقال: إن مات
(1)
انظر: «أدب المفتي» (ص 160)، و «صفة الفتوى» (ص 70 - 71).
(2)
في «التمهيد في أصول الفقه» (4/ 394). ونقل عنه في «صفة الفتوى» .
المفتي قبل عمل المستفتي، فله [220/أ] العملُ بها. وقيل: لا يعمل بها. والله أعلم.
الفائدة الخامسة والستون: إذا استفتاه عن
(1)
حكم حادثة، فأفتاه، وعمل بقوله، ثم وقعت له مرة ثانية؛ فهل له أن يعمل بتلك الفتوى الأولى أم يلزمه الاستفتاء مرة ثانية؟
فيه وجهان لأصحاب أحمد والشافعي
(2)
. فمن لم يُلزمه بذلك قال: الأصل بقاء ما كان على ما كان، فله أن يعمل بالفتوى وإن أمكن تغيُّر اجتهاده
(3)
، كما أن له أن يعمل بها بعد مدة من وقت الإفتاء وإن جاز تغيُّر اجتهاده.
ومن منعه من ذلك قال: ليس على ثقة من بقاء المفتي على اجتهاده الأول، فلعله أن يرجع عنه، فيكون المستفتي قد عمل بما هو خطأ عند من استفتاه. ولهذا رجَّح بعضُهم العمل بقول الميت على قول الحي، واحتجُّوا بقول ابن مسعود: من كان منكم مستنًّا فليستَنَّ بمن قد مات، فإن الحيَّ لا تؤمن عليه الفتنة
(4)
.
الفائدة السادسة والستون: هل يلزم المستفتي أن يجتهد في أعيان المفتين، ويسأل الأعلم والأديَن، أم لا يلزمه ذلك؟
(1)
ب: «في» ، وكذا في المطبوع.
(2)
انظر: «أدب المفتي» (ص 167) و «صفة الفتوى» (ص 82).
(3)
في المطبوع: «تغير الاجتهاد» .
(4)
تقدَّم تخريجه.
فيه مذهبان
(1)
كما سبق، وبيَّنَّا مأخذهما. والصحيح أنه يلزمه، لأنه المستطاع من تقوى الله تعالى المأمور بها كلُّ أحد. وتقدَّم أنه إذا اختلف عليه مفتيان: أورع، وأعلم
(2)
، فأيُّهما يجب تقليده؟ فيه ثلاثة مذاهب سبق توجيهها.
وهل يلزم العامِّيَّ أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان:
أحدهما: لا يلزمه. وهو الصواب المقطوع به، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يُوجِب الله ورسوله
(3)
على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة، فيقلِّدَه دينَه دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة مبرَّأةً، مبرَّأً أهلُها من هذه النسبة. بل لا يصح للعامِّيِّ مذهبٌ ولو تمذهب به. فالعامّي لا مذهب له، لأن المذهب إنما يكون لمن له نوعُ نظر واستدلال وبصر
(4)
بالمذاهب على حسبه، أو لمن قرأ كتابًا في فروع ذلك المذهب، وعرف فتاوى إمامه وأقواله. وأما من لم يتأهَّل لذلك البتة، بل قال: أنا شافعي، أو حنبلي، أو غير ذلك، لم يصِرْ كذلك بمجرَّد القول؛ كما لو قال: أنا فقيه، أو نحوي، أو كاتب، لم يصِر كذلك بمجرَّد قوله.
يوضِّحه أن القائل إنه شافعي أو مالكي أو حنفي يزعم أنه متَّبع لذلك الإمام، سالك طريقه، وهذا إنما يصح له إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة
(1)
ب: «وجهان» .
(2)
في النسخ المطبوعة: «أحدهما أورع والآخر أعلم» .
(3)
في النسخ المطبوعة: «ولا رسوله» .
(4)
في النسخ المطبوعة: «واستدلال ويكون بصيرًا» .
والاستدلال. فأما مع جهله وبعده جدًّا عن سيرة الإمام وعلمه وطريقه، فكيف يصح له الانتساب إليه إلا بالدعوى المجرَّدة والقول الفارغ من [كلِّ]
(1)
معنى؟ فالعامِّيّ
(2)
لا يُتصوَّر أن يصحَّ له مذهب، ولو تصوِّر ذلك لم يلزمه ولا لغيره. ولا يلزم أحدًا قطُّ أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة
(3)
بحيث يأخذ أقواله كلَّها، ويدع أقوال غيره.
وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمة، لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام، وهم أعلى رتبةً، وأجلُّ قدرًا، وأعلم بالله ورسوله، من أن يُلزموا الناس بذلك. وأبعَدُ منه قولُ من قال: يلزمه أن يتمذهب بمذهب [220/ب] عالم من العلماء. وأبعَدُ منه قولُ من قال: يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة.
فيالله العجب! ماتت مذاهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أئمة الإسلام، وبطلت جملةً إلا مذاهبَ أربعة أنفس فقط من بين سائر الأئمة والفقهاء! وهل قال ذلك أحد من الأئمة، أو دعا إليه، أو دلت عليه لفظة واحدة من كلامه عليه؟ والذي أوجبه الله ورسوله على الصحابة والتابعين وتابعيهم هو الذي أوجبه على من بعدهم إلى يوم القيامة. لا يختلف الواجب ولا يتبدَّل. وإن اختلفت كيفيته أو قدره باختلاف القدرة والعجز والزمان والمكان والحال، فذلك أيضًا تابع لما أوجبه الله ورسوله.
(1)
من النسخ المطبوعة.
(2)
في النسخ المطبوعة: «والعامي» .
(3)
ب: «الأئمة» .
ومن صحَّح للعامي مذهبًا قال: هو قد اعتقد أن هذا المذهب الذي انتسب إليه هو الحق، فعليه الوفاء بموجب اعتقاده. وهذا الذي قاله هؤلاء لو صحَّ للزم منه تحريمُ استفتاء أهل غير المذهب الذي انتسب إليه، وتحريمُ تمذهبه بمذهب نظير إمامه أو أرجح منه، أو غير ذلك من اللوازم التي يدلّ فسادُها على فساد ملزوماتها. بل يلزم منه أنه إذا رأى نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قول خلفائه الأربعة مع غير إمامه= أن يترك النص وأقوال الصحابة، ويقدِّم عليها قول من انتسب إليه.
وعلى هذا، فله أن يستفتي من شاء من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم، ولا يجب عليه ولا على المفتي أن يتقيَّد بالأربعة
(1)
بإجماع الأمة، كما لم يجب
(2)
على العالم أن يتقيَّد بحديث أهل بلده أو غيره من البلاد، بل إذا صحَّ الحديث وجب عليه العمل به حجازيًّا كان أو عراقيًّا أو شاميًّا أو بصريًّا
(3)
أو يمنيًّا.
وكذلك لا يجب على الإنسان التقيُّد بقراءة السبعة المشهورين باتفاق المسلمين، بل إذا وافقت القراءةُ رسمَ المصحف الإمام، وصحَّت في العربية، وصحَّ سندها= جازت القراءة بها، وصحَّت الصلاة بها اتفاقًا. بل لو قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان، وقد قرأ بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة
(4)
بعده، جازت القراءة بها، ولم تبطل الصلاة بها على أصحِّ
(1)
في النسخ المطبوعة: «بأحد من الأئمة الأربعة» .
(2)
في النسخ المطبوعة: «لا يجب» .
(3)
في النسخ المطبوعة: «مصريًّا» .
(4)
في النسخ المطبوعة: «والصحابة» .
الأقوال. والثاني تبطل الصلاة بها. وهاتان روايتان منصوصتان عن الإمام أحمد. والثالث: إن قرأ بها في ركن لم يكن مؤدِّيًا لفرضه، وإن قرأ بها في غيره لم تكن مبطلة. وهذا اختيار أبي البركات ابن تيمية
(1)
، قال: لأنه لم يتحقق الإتيان بالركن في الأول ولا الإتيان بالمبطل في الثاني.
ولكن ليس له أن يتبع رُخَصَ المذاهب، وأخذَ غرضه من أيِّ مذهب وجده فيه، بل عليه اتباع الحقِّ بحسب الإمكان.
الفائدة السابعة والستون: فإن اختلف عليه مفتيان فأكثر، فهل يأخذ بأغلظ الأقوال، أو بأخفِّها، أو يتخيَّر، أو يأخذ بقول الأعلم أو الأورع، أو يعدل إلى مفتٍ آخر، فينظر من يوافق من الأولين، فيعمل بالفتوى التي يوقع عليها، أو يجب عليه أن يتحرَّى ويبحث عن [221/أ] الراجح بحسبه؟ فيه سبعة مذاهب
(2)
، أرجحها السابع؛ فيعمل كما يعمل عند اختلاف الطريقين أو الطبيبين أو المشيرين، كما تقدَّم. وبالله التوفيق.
الفائدة الثامنة والستون: إذا استفتى، فأفتاه المفتي، فهل تصير فتواه موجبةً على المستفتي العملَ بها بحيث يكون عاصيًا إن لم يعمل بها أو لا يوجب عليه العمل؟
فيه أربعة أوجه لأصحابنا وغيرهم
(3)
:
أحدها: أنه لا يلزمه العمل بها إلا أن يلتزمه هو.
(1)
نقله عنه شيخ الإسلام. انظر: «مجموع الفتاوى» (13/ 398).
(2)
انظر: «أدب المفتي» (ص 164 - 165) و «صفة الفتوى» (ص 80 - 81).
(3)
انظر: «أدب المفتي» (ص 166 - 167) و «صفة الفتوى» (ص 81 - 82).
والثاني: أنه يلزمه إذا شرع في العمل، فلا يجوز له حينئذ الترك.
والثالث: أنه إن وقع في قلبه صحة فتواه وأنها حقٌّ لزمه العمل بها.
والرابع: أنه إذا لم يجد مفتيًا آخر لزمه الأخذ بفتياه، فإن فرضه التقليد وتقوى الله ما استطاع، وهذا هو المستطاع في حقِّه، وهو غاية ما يقدر عليه. وإن وجد مفتيًا آخر، فإن وافق الأول فأبلغ في لزوم العمل. وإن خالفه، فإن استبان له الحق في إحدى الجهتين لزمه العمل به. وإن لم يستبن له الصواب فهل يتوقَّف، أو يأخذ بالأحوط، أو يتخيَّر، أو يأخذ بالأسهل؟ فيه وجوه تقدَّمت.
الفائدة التاسعة والستون: يجوز له العمل بخط المفتي وإن لم يسمع الفتوى من لفظه، إذا عرف أنه خطُّه، أو أعلَمَه به من يسكن إلى قوله. ويجوز له قبول قول الرسول: إن هذا خطُّه، وإن كان عبدًا أو امرأةً أو صبيًّا أو فاسقًا؛ كما يقبل قوله في الهدية والإذن في دخول الدار اعتمادًا على القرائن والعرف.
وكذا يجوز اعتماد الرجل على ما يجده من كتاب الوقف
(1)
على كتاب أو رباط، أو خان ونحوه
(2)
، فيدخله، وينتفع به. وكذا يجوز له الاعتماد على ما يجده بخطِّ أبيه في برنامجه
(3)
أن له على فلان كذا وكذا، فيحلف على الاستحقاق. وكذا يجوز للمرأة الاعتماد على خطِّ الزوج أنه أبانها، فلها أن
(1)
ك، ب:«كتابة الوقف» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(2)
في النسخ المطبوعة: «أو نحوه» .
(3)
«البرنامج» : الورقة الجامعة للحساب. معرَّب عن «برنامَك» بالكاف الفارسية. وبالفارسية الحديثة: برنامه.
تتزوَّج بناءً على الخط. وكذا الوصي والوارث يعتمد على خطِّ الموصي، فينفِّذ ما فيه، وإن لم يشهد شاهدان. وكذا إذا كتب الراوي إلى غيره حديثًا جاز له أن يعتمد عليه ويعمل به، ويرويه بناءً على الخط إذا تيقَّن ذلك كلَّه.
هذا عمل الأمة قديمًا وحديثًا من عهد نبيِّها
(1)
صلى الله عليه وسلم وإلى الآن، وإن أنكره من أنكره. ومن العجب أن من أنكر ذلك وبالغ في إنكاره، ليس معه فيما يفتي به ويقضي به إلا مجرَّد كتابٍ قيل: إنه كتاب فلان، فهو يقضي به ويفتي به
(2)
، ويُحِلُّ ويحرِّم، ويقول: هكذا في الكتاب. والله الموفِّق
(3)
. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل كتبه إلى الملوك وإلى الأمم يدعوهم إلى الإسلام فتقوم عليهم الحجة بكتابه. وهذا أظهر من أن ينكر. وبالله التوفيق.
الفائدة السبعون: إذا حدثت حادثة ليس فيها قول لأحد من العلماء، فهل يجوز الاجتهاد فيها بالإفتاء والحكم أم لا؟
فيه ثلاثة أوجه
(4)
:
أحدها: يجوز. وعليه تدل فتاوى الأئمة وأجوبتهم، فإنهم كانوا يُسألون عن حوادث لم تقع قبلهم، فيجتهدون فيها. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر»
(5)
. وهذا يعُمُّ ما
(1)
في النسخ المطبوعة: «نبينا» .
(2)
«به» ساقط من النسخ المطبوعة.
(3)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة، وكأن ما بعده أضافه المؤلف فيما بعد ونسي أن يحذف «والله الموفق» من هنا. وقد سبق مثل ذلك.
(4)
انظر: «صفة الفتوى» (ص 104 - 105).
(5)
رواه البخاري (7352) ومسلم (1716) من حديث عمرو بن العاص.
اجتهد فيه مما لم يعرف فيه قولَ من قبله، وما [221/ب] عرف فيه أقوالًا، واجتهد في الصواب منها. وعلى هذا درج السلف والخلف. والحاجة داعية إلى ذلك لكثرة الوقائع واختلاف الحوادث. ومن له مباشرة لفتاوى الناس يعلم أن المنقول، وإن اتسع غاية الاتساع، فإنه لا يفي بوقائع العالم جميعًا. وأنت إذا تأملت الواقعَ
(1)
رأيت مسائل كثيرة واقعة، وهي غير منقولة، ولا يُعرف فيها كلامٌ لأئمة المذاهب ولا لأتباعهم.
والثاني: لا يجوز له الإفتاء، ولا الحكم، بل يتوقف حتى يظفر فيها بقائل. قال الإمام أحمد لبعض أصحابه: إياك أن تتكلَّم في مسألة ليس لك فيها إمام
(2)
.
والثالث: يجوز ذلك في مسائل الفروع، لتعلُّقها بالعمل، وشدة الحاجة إليها، وسهولة خطرها. ولا يجوز في مسائل الأصول.
والحق: التفصيل، وأن ذلك يجوز، بل يستحبُّ أو يجب عند الحاجة وأهليَّة المفتي والحاكم. فإن عُدِم الأمران لم يجُز، وإن وُجد أحدهما دون الآخر احتمل الجواز، والمنع، والتفصيل؛ فيجوز للحاجة دون عدمها. والله أعلم.
- - - -
(1)
في النسخ المطبوعة: «الوقائع» .
(2)
تقدَّم توثيقه.
فصل
ونختم
(1)
الكتاب بذكر فصولٍ يسيرٍ قدرُها، عظيمٍ أمرُها، من فتاوى إمام المفتين ورسول ربِّ العالمين، تكون روحًا لهذا الكتاب، ورَقْمًا على حُلَّة
(2)
هذا التأليف:
فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن رؤية المؤمنين ربَّهم تبارك وتعالى، فقال:«هل تضارُّون في رؤية الشمس صحوًا في الظهيرة، ليس دونها سحاب؟» . قالوا: لا. فقال: «هل تضارُّون في رؤية القمر ليلة البدر صحوًا، ليس دونه سحاب؟» . قالوا: لا. قال: «فإنكم ترونه كذلك» . متفق عليه
(3)
.
وسئل: كيف نراه، ونحن ملءُ الأرض، وهو واحد؟ فقال:«أنبِّئكم عن ذلك في آلاء الله: الشمس والقمر آية منه صغيرة، ترونهما ويريانكم ساعةً واحدةً لا تضارُّون في رؤيتهما. ولَعَمْرُ إلهك لهو أقدَرُ على أن يراكم وترونه» . ذكره أحمد
(4)
.
(1)
في النسخ المطبوعة: «ولنختم» .
(2)
يعني: وشيًا عليها. وفي ك، ب:«جلة» بالجيم، وكذا في النسخ المطبوعة، وهو تصحيف ظاهر.
(3)
البخاري (4581)، مسلم (182) من حديث أبي سعيد.
(4)
كذا قال. بل رواه عبد الله في «زوائد المسند» (26/ 124) ضمن حديث طويل (16206)، وابن أبي عاصم في «السنة» (649)، وابن خزيمة في «التوحيد» (2/ 460)، والطبراني (19/ 477)، والدارقطني في «الرؤية» (191) مختصرًا، والحاكم (4/ 561). وفيه دَلْهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي، ضعيف، وأبوه مجهول. ضعفه الذهبي في «العلو» (1/ 276)، وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» (7/ 339):«هذا حديث غريب جدًّا، وألفاظه في بعضها نكارة» . ومع ذلك حسن إسناده ابن حجر في «الإصابة» (9/ 271) والألباني في «الصحيحة» (2810)، وصححه المصنف في «زاد المعاد» (3/ 677) وذكر أنه حديث كبير خارج من مشكاة النبوة، ورواه الأئمة ولم ينكروه، وذكرقول ابن منده بأنه لا ينكره إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة. وانظر:«حادي الأرواح» (1/ 536) و «مختصر الصواعق» (3/ 1183 - 1186).
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن مسألة القدر
(1)
، وما يعمل الناس فيه، أمر قد قُضي وفُرِغ منه أم أمر يُستأنف؟ فقال:«بل أمرٌ قد قضي وفُرغ منه» . فسئل حينئذ: ففيم العمل؟ فأجاب بقوله: «اعملوا، فكُلٌّ ميسَّر لما خُلِق له. أما من كان من أهل السعادة فسيُيَسَّر لعمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فيُيَسَّر لعمل أهل الشقاوة» . ثم قرأ قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} إلى آخر الآيتين [الليل: 5 - 10]. ذكره مسلم
(2)
.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عما يكتمه الناس في ضمائرهم، هل يعلمه الله؟ فقال:«نعم» . ذكره مسلم
(3)
.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أين كان ربنا قبل أن تخلق السموات والأرض؟
(1)
في حاشية ز بخط ناسخها: «صوابه: عن ساعة القدر» .
(2)
قوله: «اعملوا
…
» إلخ رواه البخاري (4949) ومسلم (2647) من حديث علي رضي الله عنه، ولكن لم أقف عليه بالسياق الذي أورده المصنف.
(3)
برقم (974/ 103) من حديث عائشة في قصة البقيع. وفيه أن قوله «نعم» من قول عائشة، وهو عند أحمد (25855) والنسائي (3963، 3964) من قول النبي صلى الله عليه وسلم. قال النووي في «شرحه» (7/ 44): هكذا في الأصول ــ أي أصول صحيح مسلم ــ وهو صحيح، وكأنها لما قالت:«مهما يكتم الناس يعلمه الله» صدقت نفسها، فقالت:«نعم» .
فلم ينكر على السائل، وقال:«كان في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء» . ذكره أحمد
(1)
.
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن مبدأ تخليق هذا العالم، فأجاب بأن قال:«كان الله، ولم يكن شيءٌ غيرُه. وكان عرشه على الماء. وكَتب في الذكر كلَّ شيء» . ذكره البخاري
(2)
.
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أين يكون الناس يوم تبدَّل الأرض؟ فقال: «على الصراط» . وفي لفظ آخر: «هم في الظلمة دون الجسر» . فسئل: من أول الناس إجازة؟ فقال: «فقراء المهاجرين» ذكره مسلم
(3)
. ولا تنافي بين [222/أ] الجوابين فإن الظلمة أول الصراط، فهناك مبدأ التبديل؛ وتمامُه وهم على الصراط.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الإنشقاق: 8] فقال: «ذاكِ العرض» . ذكره مسلم
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن أول طعام يأكله أهل الجنة؟ فقال: «زيادة كبد الحوت» . فسئل صلى الله عليه وسلم: ما غذاؤهم على أثره؟ فقال: «ينحَر لهم ثورُ الجنة الذي كان يأكل
(1)
في «المسند» (16188، 16200). ورواه الترمذي (3119)، وابن ماجه (182) من حديث أبي رزين العقيلي. وفيه وكيع بن حدس، ضعيف. ضعف الحديث ابن قتيبة في «مختلف الحديث» (415) وابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 617).
(2)
برقم (3191) من حديث عمران بن حصين.
(3)
قوله: «على الصراط» رواه مسلم (2791) من حديث عائشة، واللفظ الآخر من حديث ثوبان (315).
(4)
من حديث عائشة رضي الله عنها (2876).
من أطرافها». فسئل صلى الله عليه وسلم: ما شرابهم عليه
(1)
؟ قال
(2)
: «من عينٍ فيها تسمَّى سلسبيلًا» . ذكره مسلم
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: هل رأيتَ ربَّك؟ فقال: «نورٌ أنَّى أراه!» . ذكره مسلم
(4)
. فذكر الجواب
(5)
ونبَّه على المانع من الرؤية، وهو النور الذي هو حجاب الرَّبِّ تبارك وتعالى، الذي لو كشفه لم يقم له شيء.
وسئل صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، كيف يجمعنا ربُّنا بعدما تُمزِّقنا الرياح والبلى والسباع؟ فقال للسائل: «أنبِّئك بمثل ذلك في آلاء الله: الأرضُ أشرفتَ عليها وهي مَدَرة بالية، فقلتَ: لا تحيا أبدًا. ثم أرسل ربُّك عليها السماء، فلم تلبث عليك إلا أيامًا، ثم أشرفتَ عليها وهي شَرْبة
(6)
واحدة! ولَعَمْرُ إلهِك لهو أقدَرُ
(1)
بعده في النسخ المطبوعة زيادة: «فيها» .
(2)
في النسخ المطبوعة: «فقال» .
(3)
من حديث ثوبان (315).
(4)
من حديث أبي ذر (178).
(5)
في النسخ المطبوعة: «الجواز» .
(6)
ذكر الصغاني في «العباب» (1/ 324 طبعة باكستان) أربع روايات: شُرْبة وشَرْبة وشَرَبَة وشَرْية. قال: «فالأولى والثانية أي كثير الماء، فمن حيث أردت أن تشرب شربت. والثالثة المراد بها الحوض في أصل النخلة. والرابعة: الحنظلة، أي أن الأرض تخضرُّ بالنبات، فتصير في اخضرار الحنظلة ونضارتها» . وقال ابن قتيبة في «غريب الحديث» (1/ 534): «ووصف الأرض بالنبات في هذا أشبه بالمعنى من اللفظين الأولين» يعني الشَّرْبة والشَّرَبَة. وانظر: «منال الطالب» لابن الأثير (ص 238). وضبطت في مطبوعة «المسند» : «شَرَبَّة» ، بتشديد الباء دون إشارة إلى ما في النسخ الخطية.
على أن يجمعهم من الماء على أن يجمع نبات الأرض». ذكره أحمد
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه؟ فقال: «تُعرَضون عليه باديةً له صفحاتكم، لا تخفى عليه خافية منكم. فيأخذ ربُّك عز وجل بيده غَرفةً من الماء، فينضح بها قِبَلَكم، فلعمرُ إلهك ما يخطئ وجهَ واحدٍ منكم منها قطرة. فأما المسلم فتدع وجهَه مثل الرَّيطة البيضاء، وأما الكافر فتخْطِمه
(2)
بمثل الحميم الأسود». ذكره أحمد
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: بم نبصر وقد حبس الشمس والقمر؟ فقال للسائل: «بمثل بصرك ساعتَك هذه. وذلك مع طلوع الشمس. وذلك في يومٍ أشرقت فيه الأرض، ثم واجهته الجبال» .
فسئل صلى الله عليه وسلم: بم نجزى من حسناتنا وسيئاتنا؟ فقال: «الحسنة بعشرة أمثالها، والسيئة بمثلها أو يعفو» .
فسئل صلى الله عليه وسلم: علامَ نطَّلع من الجنة؟ فقال: «على أنهار من عسل مصفًى، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغيَّر طعمه، وماء غير آسن، وفاكهة لَعمرُ إلهك مما تعلمون وخيرٌ من مثله معه، وأزواج مطهرة» . فسئل صلى الله عليه وسلم: ألنا فيها أزواج؟ فقال: «الصالحات للصالحين، تلَذُّوا بهن مثل لذاتكم في الدنيا، ويَلذُّوا بكم
(4)
، غير أن لا توالد». ذكره أحمد
(5)
.
(1)
من حديث لقيط بن عامر. وهو من زيادات عبد الله بن أحمد. وقد تقدَّم.
(2)
يعني: فتصيب أنفه. انظر: «النهاية» (2/ 50).
(3)
من الحديث السابق.
(4)
كذا في النسخ. وفي مطبوعة «المسند» : «تلذُّونهم
…
ويلذَذْن بكم»، وفي بعض نسخه:«تلذُّونهن» ، «وتلذُّون بهن». وفي النسخ المطبوعة:«تلذونهن» ، «ويلذونكم» .
(5)
من حديث لقيط السابق.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن كيفية إتيان الوحي إليه، فقال:«يأتيني أحيانًا مثل صلصلة الجرس، وهو أشدُّه عليَّ، فيُفصَم عنِّي، وقد وعيتُ ما قال. وأحيانًا يتمثَّل لي الملكُ رجلًا» . متفق عليه
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن شبه الولد بأبيه تارةً، وبأمِّه تارةً، فقال:«إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان الشبه له. وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل فالشبه لها» . متفق عليه
(2)
.
وأما ما رواه مسلم في «صحيحه»
(3)
أنه قال: «إذا علا ماءُ الرجل ماءَ المرأة أذكَرَ الرجلُ بإذن الله، وإذا علا ماءُ المرأة ماءَ الرجل آنَثَ بإذن الله» ، فكان شيخنا يتوقَّف في كون هذا اللفظ [222/ب] محفوظًا، ويقول: المحفوظ هو اللفظ الأول
(4)
.
والإذكار والإيناث ليس له سبب طبيعي، وإنما هو بأمر الربِّ تبارك وتعالى للملَك أن يخلقه كما يشاء. ولهذا جُعِل مع الرزق والأجل والسعادة والشقاوة
(5)
.
قلت: فإن كان هذا اللفظ محفوظًا، فلا تنافيَ بينه وبين اللفظ الأول،
(1)
البخاري (2) ومسلم (2333) من حديث عائشة.
(2)
انظر: حديث أنس في «صحيح البخاري» (3938) وحديث أم سليم في «صحيح مسلم» (311)، ولفظ الأخير: «فمن أيهما علا أو سبق
…
».
(3)
من حديث ثوبان (315).
(4)
ذكر المصنف قول شيخه في «الطرق الحكمية» (2/ 584) وأشار إليه في «التبيان» (ص 511) أيضًا.
(5)
يعني: في حديث ابن مسعود، الذي رواه البخاري (3332) ومسلم (2645).
ويكون سبقُ الماء سببًا للشَّبه، وعلوُّه على ماء الآخر سببًا للإذكار والإيناث
(1)
. والله أعلم.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين، يبيَّتون، فيصاب من ذراريِّهم ونسائهم، فقال:«هم منهم» . حديث صحيح
(2)
. ومراده صلى الله عليه وسلم بكونهم منهم التبعية في أحكام الدنيا وعدم الضمان، لا التبعية في عقاب الآخرة، فإن الله سبحانه لا يعذِّب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13]، فقال:«إنما هو جبريل عليه السلام. لم أره على صورته التي خُلِقَ عليها غير هاتين المرَّتين» . ذكره مسلم
(3)
.
ولما نزل قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 30 - 31] سئل: يا رسول الله، أيكرَّر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواصِّ الذنوب؟ فقال:«نعم، لَيكرَّرنَّ عليكم حتى تؤدُّوا إلى كلِّ ذي حقٍّ حقَّه» . فقال الزبير: والله إن الأمر لشديد!
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: كيف يُحشَر الكافر على وجهه؟ فقال: «أليس الذي أمشاه
(1)
وانظر: «التبيان» (ص 510 - 514)، و «تحفة المودود» (394 - 397)، و «مفتاح دار السعادة» (2/ 734 - 738).
(2)
رواه البخاري (3012) ومسلم (1745) من حديث الصعب بن جثَّامة.
(3)
من حديث عائشة رضي الله عنها (177).
(4)
رواه أحمد (1434)، والحميدي (60)، والترمذي (3236) من حديث الزبير بن العوام. صححه الترمذي والحاكم (2/ 435).
في الدنيا على رجليه قادرًا
(1)
أن يُمْشِيه في الآخرة على وجهه؟»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: هل تذكرون أهاليكم يوم القيامة؟ فقال: «أمَّا في ثلاث مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدًا: حيث يوضع الميزان، حتَّى يَعلم أيثقل ميزانه أم يخفُّ. وحيث يتطاير الكتب، حتَّى يعلم كتابه في يمينه أو في شماله
(3)
، أو من وراء ظهره. وحيث يوضع الصراط على جسر جهنم، [على]
(4)
حافتيه كلاليب وحَسَك، يحبس الله به من شاء
(5)
من خلقه، حتى يعلم أينجو أم لا ينجو»
(6)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، الرجلُ يحبُّ القومَ، ولمَّا يعمل بأعمالهم؟ فقال:«المرء مع من أحبَّ»
(7)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الكوثر، فقال:«هو نهرٌ أعطانيه ربِّي في الجنة، هو أشدُّ بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل. فيه طيورٌ أعناقها كأعناق الجُزُر» . قيل: يا رسول الله، إنها لناعمة! قال:«آكِلُها أنعَمُ منها»
(8)
.
(1)
في النسخ المطبوعة: «قادر» .
(2)
رواه البخاري (4760) ومسلم (2806) من حديث أنس بن مالك.
(3)
في النسخ المطبوعة: «من يمينه أو من شماله» .
(4)
ما بين المعقوفين من النسخ المطبوعة.
(5)
في النسخ المطبوعة: «يشاء» .
(6)
رواه أحمد (24696) مختصرًا، وأبو داود (4755)، والحاكم (4/ 578) من حديث عائشة رضي الله عنها من طرق لا تخلو من الضعف.
(7)
رواه البخاري (6168) ومسلم (2640) من حديث ابن مسعود.
(8)
رواه أحمد (13306، 13475، ومواضع)، والترمذي (2547)، والحاكم (2/ 537) من حديث أنس. والحديث صحيح لغيره. انظر:«الصحيحة» (2514).
وسئل عن أكثر ما يُدخِل الناسَ النارَ، فقال:«الأجوفان: الفم، والفرج» . وعن أكثر ما يُدخلهم الجنة، فقال:«تقوى الله، وحسن الخلق»
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن المرأة تتزوج الرجلين والثلاثة، مع من تكون منهم يوم القيامة؟ فقال:«تُخَيَّر، فتكون مع أحسنهم خُلقًا»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذنب أعظم؟ فقال: «أن تجعل لله ندًّا، وهو خلَقَك» . قيل: ثم ماذا؟ قال: «أن تقتل ولدك خشيَة أن يطعَم معك» . قيل: ثم ماذا؟ قال: «أن تُزاني
(3)
بحليلة جارك»
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال: «الصلاة على وقتها» . وفي لفظ: «لأول وقتها» . قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» . قيل: ثم ماذا؟ قال: «برُّ الوالدين»
(5)
.
(1)
رواه أحمد (9696، 9096، 7907)، والترمذي (2004)، وابن ماجه (4246) من حديث أبي هريرة. صححه الترمذي، وابن حبان (476)، والحاكم (4/ 324).
(2)
رواه البزار (6631) والطبراني (23/ 222) من حديث أنس عن أم حبيبة، وفيه عبيد بن إسحاق، قال البخاري في «التاريخ الأوسط» (4/ 964): منكر الحديث، وقال ابن عدي في «الكامل» (5/ 348): عامة ما يرويه منكر. ورواه أيضًا الطبراني في «الكبير» (23/ 368) و «الأوسط» (3141) من حديث أم سلمة، وفيه سليمان بن أبي كريمة، ضعفه أبو حاتم وابن عدي، وقال ابن عدي (3/ 262): وهذا الحديث أيضًا منكر. انظر: «مجمع الزوائد» ط. دار المنهاج (14/ 422 - 423، 15/ 45).
(3)
في النسخ المطبوعة: «تزني» .
(4)
رواه البخاري (4477) ومسلم (86) من حديث ابن مسعود.
(5)
رواه البخاري (527) ومسلم (85) من حديث ابن مسعود.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28]، [223/أ] وبين عيسى وموسى عليهما السلام ما بينهما، فقال:«كانوا يسمُّون بأنبيائهم وبالصالحين قبلهم»
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن أول أشراط الساعة، فقال:«نارٌ تحشُر الناس من المشرق إلى المغرب» . وهذه إحدى مسائل عبد الله بن سلام الثلاث. والمسألة الثانية: ما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ والثالثة: سببُ شبَه الولد بأبيه وأمه. فولَّدها الكذَّابون، وجعلوها كتابًا مستقلًّا سمَّوه «مسائل عبد الله بن سلام»
(2)
. وهي هذه الثلاثة في «صحيح البخاري»
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فقال:«شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجُّ البيت»
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال:«أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت»
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه
(1)
رواه مسلم (2135) من حديث المغيرة بن شعبة.
(2)
وقد وضعه أحمد بن عبد الله الجويباري الهروي الكذاب. وللبيهقي رسالة في بيان وضعه، نشرها مشهور بن حسن آل سلمان ضمن المجموعة الثانية من «مجموعة أجزاء حديثية» .
(3)
من حديث أنس (3329).
(4)
من حديث جبريل الذي رواه البخاري (50) ومسلم (9) عن أبي هريرة.
(5)
من حديث جبريل السابق.
فإنه يراك»
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60]، فقال:«هم الذين يصومون، ويصلُّون، ويتصدَّقون ويخافون أن لا يُقبَل منهم»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}
(3)
الآية [الأعراف: 172]، فقال: «إن الله تعالى خلق آدم، ثم مسح ظهره
(4)
بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقتُ هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقتُ هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون». فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال:«إن الله إذا خلق العبدَ للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل الجنة، فيدخله الجنة. وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل النار، فيدخل النار»
(5)
.
(1)
من الحديث السابق.
(2)
رواه الحميدي (277)، وإسحاق بن راهويه (1643)، وأحمد (25263، 25705)، والترمذي (3175)، وابن ماجه (4198)، من حديث عائشة. وفيه عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني لم يدرك عائشة. وله شواهد ومتابع قوّى بها الألباني في «الصحيحة» (162)، وضعَّف الجميعَ محققو «المسند» .
(3)
ز: «ذرياتهم» على قراءة أبي عمرو. وهي قراءة نافع وابن عامر أيضًا. انظر: «الإقناع» لابن الباذش (2/ 651).
(4)
في النسخ المطبوعة: «على ظهره» هنا وفيما يأتي.
(5)
رواه مالك (2/ 898)، وأبو داود (4703)، والترمذي (3075)، والنسائي في «الكبرى» (11126) من حديث مسلم بن يسار الجهني عن عمر. صححه ابن حبان (6166)، وابن منده في «الرد على الجهمية» (49)، والحاكم (1/ 27). ورجح الدارقطني الوصلَ في «العلل» (2/ 222).
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105]، فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهَوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا، وهوًى متَّبعًا، ودنيا مؤثَرةً، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه؛ فعليك بخاصَّة نفسِك، ودع العوامَّ
(1)
»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الأدوية والرُّقَى، هل ترُدُّ من القدر شيئًا؟ فقال:«هي من القدر»
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عمن يموت من أطفال المشركين، فقال:«الله أعلم بما كانوا عاملين» . وليس هذا قولًا
(4)
بالتوقُّف كما ظنَّه بعضهم، ولا قولًا بمجازاة الله
(1)
ب: «أمر العوام» ، وهو لفظ ابن ماجه. وفي النسخ المطبوعة:«عنك أمر العوام» . وسيأتي الحديث مرة أخرى.
(2)
جزء حديث رواه أبو داود (4341)، والترمذي (3058)، وابن ماجه (4014)، من حديث أبي ثعلبة الخشني، من طريق عتبة بن أبي حكيم عن عمرو بن جارية اللخمي عن أبي أمية الشعباني. وقال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن حبان (385). وله شاهد صحيح ــ للقدر المذكور ــ من حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد (7063) وأبي داود (4342) وابن ماجه (3957).
(3)
رواه أحمد (15472 - 15474)، والترمذي (2148)، وابن ماجه (3437) من طريق ابن أبي خزامة عن أبيه، والصحيح: عن أبي خزامة عن أبيه كما هو عند الترمذي (2065) ــ وصوبه ــ وأحمد (15475) والبيهقي (9/ 348 - 349)، وأبو خزامة مجهول. وله شاهد عند الحاكم (1/ 32، 4/ 199)، لكنه خطأ.
(4)
في النسخ: «قولنا» هنا وفيما بعد. ولعله سبق قلم.
لهم على ما يعلمه منهم أنهم عاملوه لو كانوا عاشوا. بل هو جوابٌ فصلٌ، وأن الله سبحانه يعلم ما هم عاملوه، وسيجازيهم على معلومه فيهم، بما يظهر منهم يوم القيامة، لا على مجرَّد علمه؛ كما صرَّحت به سائر الأحاديث، واتفق عليه أهل الحديث أنهم يُمتَحنون يوم القيامة؛ فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن سبأ: هل هو أرض أم امرأة؟ فقال: «ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولَد عشرةً من العرب، فتيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة. فأما الذين تشاءموا، فلَخْم وجُذام وغسان وعاملة. وأما الذين [223/ب] تيامنوا، فالأزد والأشعرون
(2)
وحمير وكِندة ومذحِج وأنمار». فقال رجل: يا رسول الله، وما أنمار؟ فقال:«الذين منهم خَثعم وبَجِيلة»
(3)
.
(1)
قد أفاض المؤلف الكلام على هذه المسألة في «أحكام أهل الذمة» (2/ 1137 - 1158) و «طريق الهجرتين» (2/ 864 - 877) و «تهذيب السنن» (3/ 206). وانظر: «الروح» (1/ 266).
(2)
كذا في النسخ. وهو صواب محض. وبهذا اللفظ رواه ابن أبي شيبة في «مسنده» (713) والإمام أحمد في «فضائل الصحابة» (1616). وفي النسخ المطبوعة: «والأشعريون» .
(3)
رواه عبد الله في «زوائد المسند» (24009/ 87، 89، 90)، أبو داود (3988)، والترمذي (3222)، من حديث فروة بن مسيك المرادي الغُطَيفي، وفيه أبو سبرة النخعي ــ وهو عبد الله بن عابس ــ فيه لين. حسنه الترمذي، وابن عبد البر في «الاستيعاب» (3/ 1261)، وابن كثير في تفسير سورة «سبأ» ، وصححه الحاكم (2/ 424). وله شاهد حسن من حديث ابن عباس عند أحمد (2898) وفيه ابن لهيعة، ورواية أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ عنه صحيحة، و لكن وقع عند الحاكم (2/ 423):«عبد الله بن عياش» بدل «عبد الله بن لهيعة» ، وهو صدوق يغلط.
وسئل عن قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64]، فقال صلى الله عليه وسلم:«هي الرؤيا الصالحة، يراها المؤمن أو تُرى له»
(1)
.
وسئل عن أفضل الرقاب، يعني في العتق، فقال:«أنفَسُها عند أهلها، وأغلاها ثمنًا»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الجهاد، فقال:«من عُقِرَ جوادُه، وأريق دمُه»
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصدقة، فقال:«أن تتصدَّق، وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى»
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الكلام أفضل؟ فقال: «ما اصطفى الله للملائكة: سبحان
(1)
رواه الطيالسي (584)، وأحمد (22687، 22688، 22740)، والدارمي (2182)، والترمذي (2275)، وابن ماجه (3898)، من حديث عبادة بن الصامت، وأبو سلمة لم يسمع منه. ورواه أحمد (22767) من طريق حميد بن عبد الرحمن اليزني عن عبادة، وهو حسن إن سمع من عبادة. وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند ابن أبي شيبة (31092) والترمذي (2273) وحسنه، وفيه رجل مبهم. والحديث بمعناه عند مسلم (479) من حديث ابن عباس بدون السؤال. وانظر:«الصحيحة» (1786).
(2)
رواه البخاري (2518) ومسلم (84) من حديث أبي ذر الغفاري.
(3)
رواه الطيالسي (1777)، وأحمد (2368)، والدارمي (2437)، من حديث جابر بن عبد الله. صححه ابن حبان (4639) وأبو نعيم في «الحلية» (8/ 285).
(4)
رواه البخاري (1419) ومسلم (1032) من حديث أبي هريرة.
الله وبحمده»
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: متى وجبت لك النبوة؟ وفي لفظ: متى كنتَ نبيًّا؟ فقال: «وآدمُ بين الروح والجسد»
(2)
. هذا هو اللفظ الصحيح. والعوامُّ يروونه: «بين الماء والطين» . قال شيخنا
(3)
: وهذا باطل، وليس بين الماء والطين مرتبة، واللفظ المعروف ما ذكرناه.
وذكر الإمام أحمد في «مسنده»
(4)
أن أعرابيًّا سأله: يا رسول الله، أخبِرْنا
(5)
عن الهجرة، إليك أينما كنتَ، أم لقوم خاصَّةً، أم إلى أرض معلومة، أم إذا متَّ انقطعَتْ؟ فسأل ثلاث مرات، ثم جلس. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيرًا، ثم قال:«أين السائل؟» . قال: ها هو ذا حاضر يا رسول الله. قال:
(1)
رواه مسلم (2731) من حديث أبي ذر الغفاري.
(2)
رواه أحمد (20596)، والطحاوي «شرح مشكل الآثار» (5977)، والطبراني (20/ 353)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (2/ 129) من حديث ميسرةَ الفجر رضي الله عنه، من طريق عبد الله بن شقيق. صححه الحاكم (2/ 608)، واختاره الضياء (9/ 143). ورواه أيضًا أحمد (16623، 23212) من طريق عبد الله بن شقيق عن رجل، وصحح إسنادَه ابن حجر. وانظر للتفصيل:«الإصابة» (10/ 361) طبعة هجر، و «الصحيحة» (1856).
(3)
انظر: «جامع المسائل» (4/ 306 - 307)، و «مجموع الفتاوى» (2/ 147، 238)، (18/ 125، 369، 380).
(4)
برقم (7095) من حديث عبد الله بن عمرو. ورواه أيضًا الطيالسي (2391)، ومن طريقه البزار (2434). وفيه حنان بن خاجة، مجهول الحال. انظر:«بيان الوهم والإيهام» (4/ 35) و «الضعيفة» (2383).
(5)
في النسخ المطبوعة: «أخبرني» .
«الهجرة أن تهجُرَ الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة؛ ثم أنت مهاجر وإن متَّ بالحضَر
(1)
». فقام آخر، فقال: يا رسول الله، أخبِرني عن ثياب أهل الجنة، أتُخلَق خَلقًا أو
(2)
تُنسَج نَسجًا؟ قال: فضحك بعض القوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تضحكون من جاهلٍ يسأل عالمًا؟» . فأَسكتَ
(3)
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم قال:«أين السائل عن ثياب أهل الجنة؟» . قال: ها هو ذا يا رسول الله. قال: «لا، بل تنشقُّ عنها ثمارُ الجنة» ثلاث مرات.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أنفضي إلى نسائنا في الجنة؟ وفي لفظ آخر: هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ فقال: «إي والذي نفسي بيده، إنَّ الرجل لَيُفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء»
(4)
. قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي
(5)
: رجال
(1)
في النسخ المطبوعة: «في الحضر» .
(2)
غيِّر في ب إلى «أم» . وكذا في النسخ المطبوعة.
(3)
في النسخ المطبوعة: «فاستلبث» .
(4)
ذكره الضياء المقدسي في «صفة الجنة» (ص 128)، والمؤلف صادر عنه. ورواه البزار (17/ 311)، والطبراني في «الأوسط» (718، 5267) و «الصغير» (795) وقال: تفرَّد به الجعفي، وأبو نعيم في «صفة الجنة» (373)، من حديث أبي هريرة، من طريق حسين الجعفي عن زائدة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عنه. عدّه أبو حاتم وأبو زرعة في «العلل» (2129) خطأً من قِبل حسين، وذكرا أن الصواب: هشام بن حسان عن زيد العمي عن ابن عباس. وبهذا الإسناد رواه هناد بن السري في «الزهد» (88)، وأبو نعيم في «صفة الجنة» (374)، وأبو يعلى (2436)، وفيه زيد العمي، ضعيف. ومع ذلك صححه الألباني في «الصحيحة» (367).
(5)
في «صفة الجنة» (ص 128).
إسناده عندي على شرط الصحيح.
وسئل: أنطأ في الجنة؟ فقال: «نعم، والذي نفسي بيده، دَحْمًا دَحْمًا، فإذا قام عنها رجعَتْ مطهَّرةً بِكْرًا»
(1)
. ورجالُ إسناده شرطُ
(2)
وفي «معجم الطبراني» أنه سئل: هل يتناكح أهل الجنة؟ فقال: «بذكَرٍ لا يَملُّ، وشهوةٍ لا تنقطع، دحمًا دحمًا»
(3)
.
قال الجوهري
(4)
: الدحم: الدفع الشديد.
وفيه أيضًا أنه سئل صلى الله عليه وسلم: أيجامع أهل الجنة؟ فقال: «دحمًا دحمًا، ولكن لا منيَّ ولا منيّة»
(5)
.
(1)
«صفة الجنة» للمقدسي (ص 131). رواه ابن حبان (7402، 7403)، وأبو نعيم في «صفة الجنة» (393)، من حديث أبي هريرة، وإسناده حسن لأجل درّاج. وله شاهد عند الطبراني في «الصغير» (249)، وأبي نعيم (392)، وفيه معلى بن عبد الرحمن الواسطي، كذاب. ضعفه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 448).
(2)
في النسخ المطبوعة: «على شرط» .
(3)
«صفة الجنة» للمقدسي (ص 132). رواه الطبراني (8/ 160، 172)، أبو نعيم في «صفة الجنة» (368)، بإسنادين من حديث أبي أمامة. وفي أحدهما إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي شيخ الطبراني، غير معتمد، وسليمان الخبائري، متروك؛ وفي الآخر هاشم بن زيد ضعيف. ورواه أبو نعيم (366) بإسناد آخر، فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وعمارة بن راشد الكناني، فيهما لين. ضعف الحديث العقيلي في «الضعفاء» (2/ 233) والذهبي في «الميزان» (2/ 562).
(4)
في «الصحاح» (5/ 1917 - دحم).
(5)
«صفة الجنة» للمقدسي (ص 132). رواه الطبراني (8/ 96)، من حديث أبي أمامة، وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك، ضعيف. ورواه أبو نعيم في «صفة الجنة» (369) من طريق آخر، وفيه عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد الألهاني، روايته عنه خاصة ضعيفة. والحديث ضعفه ابن عساكر (16/ 296)، وابن القيسراني في «ذخيرة الحفاظ» (2/ 65)، والذهبي في «الميزان» (1/ 645).
وسئل صلى الله عليه وسلم: أينام أهل الجنة؟ فقال: «النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون»
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: هل في الجنة خيل؟ فقال: «إن دخلتَ الجنة أُتيتَ بفرسٍ من ياقوتةٍ له جناحان، فحُمِلتَ عليه، فطار بك في الجنة حيث شئتَ»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم[224/أ]: هل في الجنة إبل؟ فلم يقل للسائل مثل ما قال للأول. قال
(3)
: «إن يُدخِلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسُك
(1)
«صفة الجنة» للمقدسي (ص 134). رواه الطبراني في «الأوسط» (919)، وأبو نعيم في «صفة الجنة» (90)، والبيهقي في «الشعب» (4416) من حديث جابر. وله طرق وشاهد، انظر:«الصحيحة» (1087)، وصححه ابن حزم في «الأصول والفروع» (ص 188).
(2)
«صفة الجنة» للمقدسي (ص 144). رواه الترمذي (2544) وضعفه، والطبراني (4/ 180) ــ ومن طريقه أبو نعيم في «صفة الجنة» (423)، من حديث أبي أيوب الأنصاري، وفيه أبو سورة، منكر الحديث. وله شاهد عند ابن قانع في «معجم الصحابة» (1103)، وفيه عبد الرحمن بن ساعدة، مجهول. والصواب فيه الإرسال، انظر:«علل ابن أبي حاتم» (2213) وتعليق المحققين عليه. وله شاهد آخر عند أحمد والترمذي من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه، وفيه المسعودي، مختلط. انظر التخريج التالي.
(3)
في النسخ المطبوعة: «بل قال» . زادوا لفظ «بل» .
ولذَّت
(1)
عينُك»
(2)
.
وفي «معجم الطبراني» : أن أم سلمة رضي الله عنه سألته، فقالت: يا رسول الله، أَخبِرني عن قول الله عز وجل:{وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22]، قال: «حور: بيض. عِين: ضخام العيون. شُفْرُ
(3)
الحوراء بمنزلة جناح النسر». قلت: أخبرني عن قول الله عز وجل: {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ}
(4)
[الطور: 24]، فقال:«صفاؤهن صفاء الدُّرِّ الذي في الأصداف الذي لم تمسَّه الأيدي» . قلت: أخبرني عن قوله عز وجل: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن: 70]، قال:«خيرات الأخلاق، حسان الوجوه» . قلت: أخبرني عن قوله عز وجل: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49]، قال:«رقّتهن كرقّة الجلد الذي رأيتِ في داخل البيضة مما يلي القشرة» . قلت: أخبرني يا رسول الله عن قوله: {عُرُبًا أَتْرَابًا}
(1)
في ك: «وات» ، وفي ب:«ورأت» . وفي النسخ المطبوعة: «وقرّت» ، والصواب ما أثبت من ز.
(2)
«صفة الجنة» (ص 145). رواه الطيالسي (806)، وأحمد (22982)، والترمذي (2543) من حديث سليمان بن بريدة بن الحصيب عن أبيه، وفيه المسعودي مختلط، ويزيد بن هارون سمع منه بعد الاختلاط، وكذلك قد اختلف فيه على علقمة بن مرثد. وانظر: تعليق محققي «المسند» .
(3)
في النسخ المطبوعة: «شعر» ، تصحيف.
(4)
في النسخ الثلاث: {كأنهن لؤلؤ مكنون} . والآية الواردة في «المعجم الكبير» من سورة الطور كما أثبت. وكذا في «حادي الأرواح» (1/ 497). ولما كان سياق الحديث في صفات الحور استبدل بها ــ فيما أظن ــ في النسخ المطبوعة قوله تعالى: {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 23].
[الواقعة: 37]، قال: «هن اللواتي قُبضن في دار الدنيا عجائزَ رُمْصًا
(1)
شُمْطًا، خلقهن الله بعد الكِبر، فجعلهن عذارى، عُرُبًا: متعشِّقات محبَّبات
(2)
، أترابًا: على ميلاد واحد». قلت: يا رسول الله، نساءُ الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال:«بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظِّهارة على البِطانة» .
قلت: يا رسول الله، وبم ذاك؟ قال:«بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله، ألبس الله وجوهَهن النورَ وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خُضر الثياب، صُفر الحُليّ، مجامرُهن الدُّرُّ، وأمشاطهن الذهب، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدًا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدًا، ونحن الراضيات فلا نسخط أبدًا، طوبى لمن كنَّا له وكان لنا!» . قلت: يا رسول الله، المرأة منَّا تتزوج الزوجين والثلاثة والأربعة، ثم تموت، فتدخل الجنة ويدخلون معها= من يكون زوجها؟ قال:«يا أم سلمة، إنها تخيَّر، فتختار أحسنَهم خُلُقًا، فتقول: يا ربِّ، إنَّ هذا كان أحسنهم معي خلقًا في دار الدنيا، فزوِّجنيه. يا أم سلمة ذهب حسنُ الخلق بخير الدنيا والآخرة»
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(1)
جمع رمصاء. وهي التي اجتمع في مؤق عينها الرمَص، وهو وسخ أبيض جامد.
(2)
ب: «محبات» ، وما أثبت من ز، ك موافق لما في «المعجم الكبير» و «حادي الأرواح». وفي النسخ المطبوعة:«متحببات» .
(3)
«صفة الجنة» للمقدسي (ص 114). رواه الطبراني (23/ 367) والعقيلي في «الضعفاء» (2/ 138). وفيه سليمان بن أبي كريمة، ضعيف. ضعف الحديث العقيلي، وابن عدي في «الكامل» (3/ 112).
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]، أين الناس يومئذ؟ قال:«على جسر جهنم»
(1)
.
وسئل عن الإيمان، فقال:«إذا سرَّتك حسناتك، وساءتك سيئاتك، فأنت مؤمن»
(2)
.
وسئل عن الإثم، فقال:«إذا حاك في قلبك شيء، فدَعْه»
(3)
.
وسئل عن البر والإثم، فقال:«البِرُّ: ما اطمأنَّ إليه القلب، واطمأنت إليه النفس. والإثم: ما حاك في القلب وتردَّد في الصدر»
(4)
.
وسأله عمر: هل نعمل في شيء نأتنِفُه
(5)
، أم في شيء قد فُرِغ منه؟ قال:«بل في شيء قد فُرِغ منه» . قال: ففيم العمل؟ قال: «يا عمر، لا يُدرَك ذاك
(6)
إلا بالعمل». قال: إذن نجتهد يا رسول الله
(7)
.
(1)
رواه أحمد (24856)، والترمذي (3254)، والنسائي في «الكبرى» (11389)، من حديث ابن عباس عن عائشة رضي الله عنهما. صححه الترمذي، والحاكم (2/ 437)، وابن الملقن في «التوضيح» (19/ 78).
(2)
رواه عبد الرزاق (20104)، وأحمد (22166)، من حديث أبي أمامة. صححه ابن حبان (176)، والحاكم (1/ 14). وانظر: تعليق محققي «المسند» .
(3)
جزء من الحديث السابق.
(4)
تقدَّم تخريجه.
(5)
في النسخ المطبوعة: «نستأنفه» . وفي «صحيح ابن حبان» كما أثبت من النسخ الخطية.
(6)
في النسخ المطبوعة: «ذلك» .
(7)
رواه ابن حبان (108) من حديث ابن عمر عن أبيه. ورواه الطيالسي (62)، والبخاري في «الأدب المفرد» (903)، والترمذي (2135)، وأبو يعلى (5463)، بنحوه. صححه الترمذي وابن حبان.
وكذلك سأله سُراقة بن جُعْشُم، فقال: يا رسول الله، أخبِرنا عن أمرنا كأننا ننظر إليه، أبما جرت به الأقلام وثبتت به المقادير، أم بما يستأنف؟ فقال:«لا، بل بما جرت [224/ب] به الأقلام، وثبتت به المقادير» . قال: ففيم العمل إذن؟ قال: «اعملوا، فكلٌّ ميسَّر» . قال سراقة: فلا أكون أبدًا أشدَّ اجتهادًا في العمل مني الآن!
(1)
.
فصل
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر، فقال: «هو الطهور ماؤه، الحِلُّ
(2)
ميتته»
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن وضوئه
(4)
من بئر بضاعة ــ وهي بئرٌ يلقى فيها الحِيَض والنتن ولحوم الكلاب ــ فقال: «الماء طهور لا ينجِّسه شيء»
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بالفلاة وما ينوبه من الدَّوابِّ والسِّباع، فقال: «إذا
(6)
كان الماء قلَّتين لم ينجِّسه شيء»
(7)
.
(1)
رواه بهذا اللفظ ابن حبان (337). وأصله عند مسلم (2648).
(2)
في النسخ المطبوعة: «والحِل» .
(3)
تقدَّم تخريجه.
(4)
في النسخ المطبوعة: «الوضوء» .
(5)
تقدَّم تخريجه.
(6)
ك: «إن» .
(7)
رواه أحمد (4803)، وأبو داود (63، 64، 65)، والترمذي (67)، والنسائي (52)، وابن ماجه (517، 518) من حديث عبد الله بن عمر عن أبيه. صححه الترمذي، والطبري في «مسند ابن عباس» (2/ 736)، وابن خزيمة (92)، وابن حبان (1249)، والخطابي في «معالم السنن» (1/ 30)، والحاكم (1/ 132)، والنووي في «المجموع» (1/ 115)، وابن الملقن في «البدر المنير» (1/ 404)، والعيني في «نخب الأفكار» (1/ 120)، وجوّد إسناده ابن معين عند الدوري (1/ 217). وفصَّل الكلام فيه البيهقي في «الخلافيات» (3/ 146 - 178). وبعضهم أعلوه بالاضطراب والوقف والإرسال، ولكن الراجح صحة الحديث. وانظر:«البدر المنير» (1/ 404 - 421).
وسأله أبو ثعلبة فقال: إنَّا بأرض قومٍ أهلِ كتاب، وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر، فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم؟ فقال:«إن لم تجدوا غيرَها فارحَضُوها بالماء، واطبخوا فيها، واشربوا»
(1)
.
وفي «الصحيحين»
(2)
: إنا بأرض قومٍ أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ قال:«لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرَها، فاغسلوها، ثم كلُوا فيها» .
وفي «المسند» و «السنن»
(3)
: أفتِنا في آنية المجوس إذا اضطُرِرنا إليها، فقال:«إذا اضطُررتم إليها فاغسِلوها بالماء، واطبخوا فيها» .
وفي «الترمذي»
(4)
: سئل صلى الله عليه وسلم عن قدور المجوس، فقال: «أَنقوْها
(1)
رواه أحمد (17737)، وأبو داود (3839)، والترمذي (1560)، من حديث أبي ثعلبة. صححه الترمذي، والحاكم (1/ 143)، والألباني في «الإرواء» (1/ 75).
(2)
البخاري (5478) ومسلم (1930).
(3)
رواه أحمد (6725)، وأبو داود (2857)، والبيهقي (9/ 237)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. حسنه ابن عبد الهادي في «التنقيح» (3/ 450)، والألباني في «الإرواء» (1/ 76).
(4)
(1564، 1801)، وتقدم الكلام عليه.
غَسلًا، واطبخوا فيها».
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال:«لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا»
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن المذي، قال:«يجزئ منه الوضوء» . فقال له السائل: فكيف بما أصاب ثوبي منه؟ فقال: «يكفيك أن تأخذ كفًّا من ماء، فتنضَح به ثوبَك حيث ترى أنه أصاب منه»
(2)
. صحَّحه الترمذي.
وسئل صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، فقال:«ذاك المَذْي، وكلُّ فحل يَمذي. فتغسِلُ من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضَّأْ وضوءَك للصلاة»
(3)
.
وسألته فاطمة بنت أبي حُبيش، فقالت: إني امرأة أُستحاضُ، فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال:«لا، إنما ذلك عِرقٌ، وليس بحَيضة. فإذا أقبلت حَيضتك فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، ثم صلِّي»
(4)
.
وسئل عنها أيضًا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت
(1)
تقدَّم تخريجه.
(2)
رواه أبو داود (210)، والترمذي (115)، وابن ماجه (506)، من حديث سهل بن حُنَيف. صححه الترمذي، وابن خزيمة (291)، وابن حبان (1103).
(3)
رواه أحمد (19007)، وأبو داود (211)، وابن الجارود (7)، من حديث حَرَام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري، فيه ضعف من أجل حرام، ولكن له شواهد. انظر:«صحيح أبي داود - الأم» (1/ 381 - 383).
(4)
رواه البخاري (228) ومسلم (333) من حديث عائشة رضي الله عنها.
تحيض فيها، ثم تغتسل، وتتوضأ عند كلِّ صلاة، وتصوم، وتصلِّي»
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الغنم فقال: «إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ» . وسئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال:«نعم، توضأ من لحوم الإبل» . وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال:«نعم، صلُّوا فيها» . وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال:«لا»
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل لقي امرأةً لا يعرفها، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئًا
(3)
إلا قد أتاه منها، غير أنه لم يجامعها. فأنزل الله عز وجل هذه الآية {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. فقال له النبيُّ صلى الله [225/أ] عليه وسلم: «توضَّأ، ثم صلِّ» . فقال معاذ: فقلت: يا رسول الله، أله خاصَّةً أم للمؤمنين عامَّةً؟ فقال:«بل للمؤمنين عامَّة»
(4)
.
(1)
رواه أبو داود (297)، والترمذي (126)، وابن ماجه (625)، من حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جدِّه. فيه أبو اليقظان، وبه ضعفه الدارقطني في «سؤالات البرقاني» (10) وقال عن حديثه: يُخرج، رواه الناس قديمًا. وكذلك ضعف إسناده ابن حجر في «التلخيص الحبير» ط. أضواء السلف (2/ 461). ولكنه صحيح بشواهده. انظر:«الإرواء» (207، 2118، 2119) و «صحيح أبي داود - الأم» (2/ 30)، و «البدر المنير» (3/ 125 - 131).
(2)
رواه مسلم (360) من حديث جابر بن سمرة.
(3)
في النسخ الخطية والمطبوعة: «شيء» ، والتصحيح من «المسند» .
(4)
رواه أحمد (22112)، وعبد بن حميد (110)، والترمذي (3113)، من حديث معاذ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ. وبه أعلّ الترمذي وابن عبد البر في «الاستذكار» (1/ 325)، ورجح الترمذي الإرسال. وأصل الحديث في البخاري (526، 4687) ومسلم (2763) من حديث ابن مسعود.
وسألته أم سليم، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نعم، إذا رأت الماء» . فقالت أم سلمة: أوتحتلم المرأة؟ فقال: «تربت يداكِ، فبمَ يشبهها ولدُها؟»
(1)
. وفي لفظ
(2)
أن أمَّ سليم سألت نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا رأت المرأة ذلك فلتغتسل» .
وفي «المسند»
(3)
: أن خولة بنت حكيم سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال:«ليس عليها غسل حتى تنزل، كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل» .
وسأله علي بن أبي طالب عن المَذْي، فقال:«من المذي الوضوء، ومن المني الغسل» . وفي لفظ: «إذا رأيت المذي فتوضَّأ، واغسل ذكرك، وإذا رأيت فَضْخَ الماءِ
(4)
فاغتسل». ذكره أحمد
(5)
.
(1)
رواه البخاري (130) ومسلم (313).
(2)
رواه مسلم (311) من حديث أنس عن أم سليم.
(3)
برقم (27312). ورواه أيضًا إسحاق بن راهويه (2147) وابن ماجه (602) من حديث خولة بنت حكيم، وفيه زيد بن جدعان، ضعيف. ضعفه مغلطاي في «شرح ابن ماجه» (2/ 265). وله شواهد يتقوى بها. انظر:«الصحيحة» (2187).
(4)
يعني: دفق المني.
(5)
في «المسند» (868، 1028، 1029، 1238)، والترمذي (114)، وابن ماجه (504) من حديث علي. صححه الترمذي وابن حبان (1104). وأصل الحديث في البخاري (132) ومسلم (303).
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا، فقال:«يغتسل» . وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولم يجد البلل، فقال:«لا غسل عليه» . ذكره أحمد
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يُكسِل، وعائشة جالسة، فقال:«إني أفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسل» . ذكره مسلم
(2)
.
وسألته أم سلمة، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أشُدُّ ضَفْرَ رأسي، أفأنقُضه لغسل الجنابة؟ فقال:«لا، إنما يكفيك أن تَحْثِي على رأسك ثلاثَ حَثَيات، ثم تفيضين عليك الماء» . ذكره مسلم
(3)
. وعند أبي داود
(4)
: «واغمزي
(5)
قُرونَك عند كلِّ حَفنة».
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: يا رسول الله إن لنا طريقًا إلى المسجد منتنةً، فكيف نفعل إذا مُطِرنا؟ فقال:«أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟» . قلت: بلى يا رسول الله، قال:«هذه بهذه» . وفي لفظ: «أليس بعده ما هو أطيب
(1)
في «المسند» (26195)، وأبو داود (236)، والترمذي (113)، وابن ماجه (612)، من حديث عائشة، وفيه عبد الله بن عمر العمري، ضعيف. ضعف الحديث الترمذي، والخطابي في «معالم السنن» (1/ 68)، والنووي في «المجموع» (2/ 142).
(2)
برقم (350) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
برقم (330).
(4)
برقم (252)، وفيه أسامة بن زيد، قد وهِم فيه. انظر: تعليق محققي «مسند أحمد» على (26477).
(5)
في النسخ المطبوعة: «اغمزي» دون الواو.
منه؟». قلت: بلى، قال:«فإن هذا يذهب بذاك» . ذكره أحمد
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم، فقيل له: إنا نريد المسجد، فنطأ الطريق النجسة، فقال:«الأرض يطهِّر بعضُها بعضًا» . ذكره ابن ماجه
(2)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة، كيف تصنع به؟ فقال: «تحُتُّه، ثم تقرُصه [بالماء]
(3)
، ثم تنضَحه، ثم تصلي فيه». متفق عليه
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن، فقال:«ألقُوها وما حولها، وكلوا سمنكم» . ذكره البخاري. ولم يصح عنه
(5)
التفصيل بين الجامد والمائع
(6)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم ميمونة
(7)
عن شاة ماتت، فألقوا إهابها، فقال: «هلا أخذتم
(1)
برقم (27452). ورواه أيضًا أبو داود (384)، وابن ماجه (533) من حديث امرأة من بني عبد الأشهل. ومن أعله بجهالة المرأة فليس بصحيح، لأنها صحابية. انظر:«صحيح أبي داود - الأم» (2/ 237).
(2)
برقم (532). ورواه أيضًا ابن عدي (1/ 236)، والبيهقي (2/ 406) من حديث أبي هريرة، وفيه إبراهيم بن إسماعيل اليشكري، ضعيف. وضعف الحديث ابن عدي، والبيهقي، والبوصيري في «الزوائد» (1/ 133).
(3)
ما بين المعقوفين من «الصحيحين» .
(4)
البخاري (227) ومسلم (291) من حديث أسماء.
(5)
في النسخ المطبوعة: «فيه» .
(6)
تقدَّم الحديث مرتين مع إنكار التفصيل.
(7)
كذا في النسخ الخطية. واللفظ الآتي من حديث سودة. وانظر حديث ميمونة في «المسند» (26852).
مَسْكَها
(1)
!» فقالت: نأخذ مَسْكَ شاةٍ قد ماتت؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما قال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145]. وإنكم لا تطعمونه إن تدبُغوه تنتفعوا به» . فأرسلت إليها، فسلخَتْ مَسْكَها، فدبغته، فاتخذت منه قِربةً، حتى تخرَّقت عندها. ذكره أحمد
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن جلود الميتة، فقال:«ذكاؤها [225/ب] دباغها» . ذكره النسائي
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة، فقال:«أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار: حجران للصفحتين، وحجر للمَسْرَبة؟»
(4)
. حديث حسن.
(1)
أي جلدها.
(2)
برقم (3026). ورواه أبو يعلى (2334، 2364)، وابن حبان (1280، 1281)، والطبراني (11765، 11766)، والبيهقي (1/ 18) من حديث سودة، ورواية سماك عن عكرمة مضطربة، ولكنه توبع. انظر: تعليق محققي «المسند» . وروى البخاري (6686) طرفًا منه.
(3)
برقم (4244). ورواه أيضًا أحمد (25214) والدارقطني (106) وابن حبان (1290) من حديث عائشة، وفيه شريك النخعي، سيئ الحفظ، لكنه توبع. انظر تعليق محققي «المسند» ومحقق «الخلافيات» للبيهقي (1/ 219). صححه ابن حبان، والنووي في «المجموع» (1/ 218)، وابن الملقن في «البدر المنير» (1/ 608).
(4)
رواه الدارقطني (153)، والطبراني (6/ 121)، والبيهقي (1/ 114)، من حديث أُبَيّ بن العباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده. حسنه الدارقطني، وأقره البيهقي.
وعن مالك
(1)
مرسلًا: «أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟» . ولم يزد.
وسأله سُراقة عن التغوُّط، فأمره أن يتنكَّب القبلة، ولا يستقبلها، ولا يستدبرها، ولا يستقبل الريح؛ وأن يستنجي بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع، أو ثلاثة أعواد، أو ثلاث
(2)
حثَيات من تراب. ذكره الدارقطني
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء، فقال:«أَسبِغ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالِغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» . ذكره أبو داود
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمرو بن عَبَسة، فقال: كيف الوضوء؟ قال: «أما الوضوء فإنك إذا توضَّأتَ، فغسلت كفَّيك، فأنقيتهما= خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك. فإذا مضمضتَ
(5)
، واستنشقت، وغسلت وجهك ويديك
(1)
في «الموطأ» (1/ 28)، والحميدي (433)، من حديث هشام بن عروة عن أبيه مرسلًا. وفصّل القول فيه البيهقي في «الخلافيات» (2/ 79)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (1/ 230) و «التمهيد» (22/ 310)، ورجحا الإرسال.
(2)
في النسخ المطبوعة: «بثلاث» .
(3)
برقم (154) من حديث عائشة. ورواه أيضًا ابن عدي (6/ 419). وفيه مبشر بن عبيد، متروك، قاله الدارقطني. وضعف الحديث ابن عدي وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/ 330).
(4)
برقم (142، 143) من حديث لقيط بن صبرة. ورواه أيضًا أحمد (16384)، والترمذي (788). وعند أحمد (16381)، والنسائي (150)، وابن ماجه (448)، الطرف الأول منه. صححه الترمذي، وابن خزيمة (150، 168)، وابن حبان (1054، 1087، 4510).
(5)
ك، ب:«تمضمضت» ، وكذا في النسخ المطبوعة. وفي «سنن النسائي» ما أثبت من ز.
إلى المرفقين، ومسحت رأسك، وغسلت رجليك= اغتسلتَ من عامَّة خطاياك كيوم ولدتك أمك». ذكره النسائي
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أعرابيٌّ عن الوضوء، فأراه ثلاثًا، ثم قال:«هكذا الوضوء. فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدَّى وظلم» . ذكره أحمد
(2)
.
وسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم أعرابيٌّ، فقال: يا رسول الله، الرجل منَّا يكون في الصلاة فيكون منه الرويحة، ويكون في الماء قِلَّة، فقال:«إذا فسا أحدكم فليتوضأ. ولا تأتوا النساء في أعجازهن، فإن الله لا يستحيي من الحقِّ» . ذكره الترمذي
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن المسح على الخفين، فقال:«للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يومًا وليلة»
(4)
.
(1)
برقم (147) من حديث عمرو بن عبسة، وكذلك رواه أحمد (17019). صححه ابن خزيمة، والحاكم (1/ 131). وأصله في «صحيح مسلم» (832).
(2)
(6684)، والنسائي (140)، وابن ماجه (422)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. صححه ابن خزيمة (174).
(3)
برقم (1164). ورواه أحمد (24009/ 33 و 34)، وأبو داود (205)، والنسائي في «الكبرى» (8974 - 8977) من حديث علي بن طلق اليمامي. حسنه الترمذي. وله شواهد، انظر: نزهة الألباب (4/ 1868 - 1879)، وتعليق محققي «المسند» .
(4)
رواه الترمذي (95) من حديث خزيمة بن ثابت بهذا السياق. وفيه أبو عبد الله الجدلي، قال البخاري: لا يصح عندي حديث خزيمة بن ثابت في المسح، لأنه لا يعرف لأبي عبد الله الجدلي سماع من خزيمة بن ثابت. انظر:«العلل الكبير» (ص 55 - 57). وله شاهد صحيح رواه مسلم (276) من حديث عائشة عن علي رضي الله عنهما. وفي الباب عن عدة من الصحابة، انظر:«نزهة الألباب» (1/ 334 - 343).
وسأله صلى الله عليه وسلم أُبيّ بن عُمارة
(1)
، فقال: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ فقال: «نعم» . قال: يومًا؟ قال: «ويومين» . قال: وثلاثة أيام؟ قال: «نعم، وما شئت» . ذكره أبو داود
(2)
. فطائفة من أهل العلم أخذت بظاهره وجوَّزوا المسح بلا توقيت. وطائفة قالت: هذا مطلق، وأحاديث التوقيت مقيَّدة، والمقيد يقضي على المطلق
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أعرابي، فقال: أكون في الرمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر، ويكون فينا النفساء والحائض والجنب، فما ترى؟ قال:«عليك بالتراب» . ذكره أحمد
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ذر: إني أعزُب
(5)
عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فقال:«إن الصعيد طهورٌ ما لم تجد الماء، عشرَ حِجج. فإذا وجدت الماء فأمِسَّه بشَرتَك»
(6)
حديث حسن.
(1)
في النسخ: «ابن أبي عمارة» مع علامة الإشكال: «ظ» عليه في ز.
(2)
برقم (158). ورواه أيضًا ابن ماجه (557)، والطبراني (1/ 202)، والحاكم (1/ 170). وإسناده مسلسل بثلاثة مجاهيل. ضعف الحديث أبو داود، والدارقطني (765). انظر:«نصب الراية» (1/ 177).
(3)
وانظر: «تهذيب السنن» للمؤلف (1/ 109).
(4)
برقم (7747) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا عبد الرزاق (911) والبيهقي (1/ 216)، وفيه المثنى بن الصباح، ضعيف. وبه أعلّه البيهقي، وابن دقيق العيد في «الإمام» (3/ 127)، وابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (1/ 369)، والهيثمي في «المجمع» (1/ 266).
(5)
في النسخ المطبوعة: «أغرب» بالغين والراء.
(6)
تقدم تخريجه.
وسأله صلى الله عليه وسلم عليُّ بن أبي طالب، فقال: انكسرت إحدى زَنديَّ؛ فأمره أن يمسح على الجبائر. ذكره ابن ماجه
(1)
.
وقال ثوبان: استفتوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الغسل من الجنابة، فقال: «أما الرجل فلينشُر رأسه، فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر. وأما المرأة، فلا عليها أن لا تنقضه. لِتغرِفْ على رأسها ثلاثَ غَرفات بكفَّيها
(2)
» ذكره أبو داود
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني اغتسلت من الجنابة، وصلّيت الصبح. ثم أصبحت، فرأيتُ قدرَ موضع الظفر لم يُصبه [226/أ] ماء. فقال:«لو كنتَ مسحتَ عليه بيدك أجزأك» . ذكره ابن ماجه
(4)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة عن الحيض، فقال: «تأخذ إحداكن ماءها وسدرها
(1)
برقم (657). ورواه أيضًا عبد الرزاق (623)، والدارقطني (878)، والبيهقي (1/ 228)، وفيه عمرو بن خالد، وضاع كذاب. وضعف الحديث أحمد في «العلل» (3/ 16)، وأبو حاتم في «العلل» (1/ 46)، والدارقطني، والبيهقي، وابن حزم في «المحلي» (2/ 75) وغيرهم. انظر لآثار السلف في جواز المسح عليها:«مصنف عبد الرزاق» (1/ 160 - باب المسح على العصائب والجروح)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (1/ 135 - في المسح على الجبائر)، و «الأوسط» لابن المنذر (2/ 142).
(2)
ب: «تكفيها» ، وكذا في النسخ المطبوعة، وهو تصحيف.
(3)
برقم (255)، والطبراني في «مسند الشاميين» (1686). صححه الألباني. انظر:«صحيح أبي داود - الأم» (2/ 7، 8) فله فيه بحث لطيف.
(4)
برقم (664) من حديث علي، وفيه محمد بن عبيد الله، ضعيف. وضعف الحديث البيهقي في «الخلافيات» (3/ 16)، والذهبي في «الميزان» (3/ 636)، والبوصيري في «الزوائد» (1/ 145).
فتَطهَّر فتُحِسن الطهور، ثم تصبُّ على رأسها، فتدلُكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصبُّ عليها الماء، ثم تأخذ فِرْصةً ممسَّكةً
(1)
، فتطهَّر بها»
(2)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم عن غسل الجنابة، فقال:«تأخذ ماءً، فتَطهَّر، فتُحسن الطهور، ثم تصبُّ الماء على رأسها، فتدلُكه حتى يبلغ شؤون رأسها، ثم تُفيض الماءَ عليها»
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: ما يحِلُّ لي من امرأتي، وهي حائض؟ فقال:«تشُدُّ عليها إزارَها، ثم شأنَك بأعلاها» . ذكره مالك
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن مواكلة الحائض، فقال:«واكِلْها» . ذكره الترمذي
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: كم تجلس النفساء؟ فقال: «تجلس أربعين يومًا، إلا أن ترى
(1)
الفِرصة: قطعة من صوف أو قطن. والممسَّكة: المطيبة بالمسك.
(2)
رواه البخاري (314) ومسلم (332) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
من حديث عائشة رضي الله عنها السابق عند مسلم (332).
(4)
في «الموطأ» (1/ 57) مرسلًا. ورواه موصولًا أبو داود (212)، والبيهقي (1/ 312) من حديث حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري بمعناه، فيه هارون بن محمد بن بكار، صدوق. ويشهد له ما رواه البخاري (303) ومسلم (294) من حديث ميمونة.
(5)
برقم (133). ورواه أحمد (19007، 19008)، وأبو داود (212)، وابن ماجه (651)، من حديث حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد. والحديث صحيح. انظر:«صحيح أبي داود - الأم» (206، 207).
الطهر قبل ذلك». ذكره الدارقطني
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم ثوبان عن أحبِّ الأعمال إلى الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «عليك بكثرة السجود لله عز وجل، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجةً وحطَّ عنك بها
(2)
خطيئة». ذكره مسلم
(3)
.
وسأله عبد الله بن سعد: أيُّما أفضل: الصلاة في بيتي، أو الصلاة في المسجد؟ فقال:«ألا ترى إلى بيتي، ما أقربه من المسجد؟ فلأن أصلِّي في بيتي أحبُّ إليَّ من أن أصلِّي في المسجد، إلا أن تكون صلاةً مكتوبةً» . ذكره ابن ماجه
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل في بيته، فقال:«نوِّروا بيوتكم» . ذكره ابن ماجه
(5)
.
(1)
برقم (866) من حديث أم سلمة. وفيه عبد الرحمن العرزمي عن أبيه، وكلاهما ضعيف؛ ومُسَّة، مجهولة. ورواه أبو داود (311)، والترمذي (139)، وابن ماجه (648) والدارقطني (862) من طريق مُسَّة أيضًا بدون السؤال، أعلَّه بها البخاري في «العلل الكبير» (1/ 193)، وابن حزم (2/ 204)، وعبد الحق في «الوسطى» (1/ 218)، وغيرهم.
(2)
في النسخ المطبوعة: «بها عنك» . وفي «الصحيح» كما أثبت من النسخ.
(3)
برقم (488).
(4)
برقم (1378). ورواه أيضًا أحمد (19007) بأتم منه، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (865). صححه ابن خزيمة (1202)، والبوصيري (1/ 246).
(5)
برقم (1375) من حديث عمر، وهو السائل. ورواه أيضًا الطيالسي (49)، وأحمد (86)، وغيرهما. ومدار الحديث على عاصم بن عمرو البجلي، وقد اختُلِف عليه؛ تارة يروي عن عمر، ولم يلقه، وتارة عن عُمير مولى عمر، ضعيف، وتارة عن رجل عن القوم الذين سألوا عمر. انظر:«علل الدارقطني» (2/ 196). وضعفه الألباني في «ضعيف الترغيب» (237).
وسئل صلى الله عليه وسلم: متى يصلِّي الصبي؟ فقال: «إذا عرف يمينه من شماله، فمُروه بالصلاة»
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قتل رجل مخنَّث يتشبَّه بالنساء، فقال:«إنّي نُهيتُ عن قتل المصلِّين» . ذكره أبو داود
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة، فقال للسائل:«صلِّ معنا هذين اليومين» . فلما زالت الشمس أمرَ بلالًا، فأذَّن، ثم أمره فأقام الظهر. ثم أمره، فأقام العصر، والشمسُ مرتفعة بيضاء نقية. ثم أمره، فأقام المغرب حين غابت الشمس. ثم أمره، فأقام العشاء حين غاب الشفق. ثم أمره، فأقام الفجر حين
(1)
رواه أبو داود (497) من حديث امرأة معاذ بن عبد الله الجهني عن رجل يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك، فيه جهالة الرجل هذا، وأيضًا فيه هشام بن سعد، ضعيف. وقال أبو زرعة في «علل ابن أبي حاتم» (542) عن شاهد لحديثنا هذا من رواية الزهري عن أنس: الصحيح عن الزهري قَطْ قوله. انظر: «البدر المنير» (3/ 241).
…
لكنه ثابت عن ابن عمر وابن سيرين من قولهما كما رواه ابن أبي شيبة (3504، 3514) وابن المنذر في «الأوسط» (4/ 448).
(2)
برقم (4928)، ومن طريقه البيهقي (8/ 224) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا أبو يعلى (6126)، والدارقطني (1758). وفيه أبو يسار وأبو هاشم، قال الدارقطني في «العلل» (11/ 230):«مجهولان، ولا يثبت الحديث» . وروي مثل هذا من حديث أبي سعيد الخدري عند الطبراني في «الأوسط» (5058)، وفيه الخَصِيب بن جحدر، كذاب. انظر:«لسان الميزان» (3/ 359، 360)، وقال العقيلي في «الضعفاء» (2/ 264) أحاديثه مناكير لا أصل لها، ثم ذكر حديثه هذا.
طلع الفجر. فلما كان اليوم الثاني أمره، فأبرَدَ بالظهر. وصلَّى العصر والشمسُ مرتفعة، أخَّرها فوق الذي كان. وصلَّى المغرب قبل أن يغيب الشفق. وصلَّى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل. وصلَّى الفجر، فأسفر بها. ثم قال:«أين السائل عن وقت الصلاة؟» . فقال الرجل: أنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: «وقتُ صلاتكم بين
(1)
ما رأيتم». ذكره مسلم
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: هل من ساعةٍ أقربُ إلى الله من الأخرى؟ قال: «نعم، أقرَبُ ما يكون الربُّ عز وجل من العبد جوفَ الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكُنْ»
(3)
.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة الوسطى، فقال:«هي صلاة العصر»
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: هل في ساعات الليل والنهار ساعةٌ تُكرَه الصلاةُ فيها؟ فقال: «نعم، إذا صلَّيتَ الصبحَ فدع الصلاة حتى تطلع الشمس، فإنها تطلعُ بين قرنَي شيطان. ثم صلِّ، فإن الصلاة محضورة متقبَّلة، حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح، فدع الصلاة، فإن تلك الساعة تُسجَر جهنَّمُ،
(1)
في المطبوع: «ما بين» ، وقال:«هو في الصحيح» !
(2)
برقم (613).
(3)
رواه الترمذي (3579) هذا القدر، والنسائي (572) بأتم منه، من حديث عمرو بن عبسة. صححه الترمذي وابن خزيمة (1147)، والحاكم (1/ 309). ورواه أحمد (17026) بأتم من هذا، والنسائي (584)، وابن ماجه (1364) مختصرًا، بإسناد فيه اضطراب، غير أن فيه يزيد بن طلق، مجهول، وعبد الرحمن بن البيلماني، ضعيف.
(4)
تقدَّم تخريجه.
وتُفتَح فيها أبوابها، حتى ترتفع الشمس عن حاجبك [226/ب] الأيمن. فإذا زالت الشمس فالصلاة محضورة متقبَّلة حتى تصلِّي العصر، ثم دع الصلاة حتى تغيب الشمس». ذكره ابن ماجه
(1)
. وفيه دليل على تعلُّق النهي بفعل صلاة الصبح لا بوقتها.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن، فعلِّمني ما يجزئني. فقال:«قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله» . فقال: يا رسول الله، هذا لله، فما لي؟ فقال:«قل اللهم ارحمني، وعافِني، واهدني، وارزقني» . فقال بيده هكذا، وقبَضها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أمَّا هذا فقد ملأ يديه من الخير» . ذكره أبو داود
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين ــ وكان به بواسير ــ عن الصلاة، فقال:«صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبك» . ذكره البخاري
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: أقرأ خلف الإمام أو أُنصِت؟ قال: «بل أَنصِتْ، فإنه
(1)
برقم (1252) من حديث أبي هريرة، والسائل صفوان بن المعطَّل. ورواه أيضًا البزار (15/ 168)، وابن حبان (1542)، والبيهقي (2/ 455). وإسناده حسن، حسنه البوصيري في «الزوائد» (1/ 229). وله شاهد صحيح عند ابن وهب في «الجامع» ط. دار الوفاء (331)، ومن طريقه ابنُ خزيمة (1275) وأبو يعلى (6581)، ثم من طريق أبي يعلى ابنُ حبان (1550).
(2)
برقم (832) من حديث عبد الله بن أبي أوفى. ورواه أيضًا أحمد (19110)، وابن خزيمة (544). وفيه يزيد أبو خالد الدالاني وإبراهيم السكسكي، فيهما لين. وله شاهد يتقوى به. انظر:«أصل صفة الصلاة» (1/ 324).
(3)
برقم (1117).
يكفيك». ذكره الدارقطني
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم حطَّابةٌ
(2)
، فقالوا: يا رسول الله، إنَّا لا نزال سَفْرًا، فكيف نصنع بالصلاة؟ فقال:«ثلاث تسبيحات ركوعًا، وثلاث تسبيحات سجودًا» . ذكره الشافعي مرسلًا
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص، فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بين صلاتي وبين قراءتي يَلْبِسُها عليَّ. فقال: «ذاك شيطان يقال له خِنْزَب
(4)
، فإذا أحسستَه فتعوَّذ بالله، واتفِلْ على يسارك ثلاثًا». قال: ففعلتُ ذلك، فأذهبه الله. ذكره مسلم
(5)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: أصلِّي في ثوبي الذي آتي فيه أهلي؟ قال: «نعم، إلا أن ترى فيه شيئًا، فتغسلَه»
(6)
.
(1)
(1248). رواه أيضًا ابن حبان في «المجروحين» (2/ 263)، والبيهقي في «القراءة خلف الإمام» (412). قال الدارقطني عقب الحديث:«تفرد به غسان وهو ضعيف، وقيس ومحمد بن سالم ضعيفان، والمرسل الذي قبله (1247) أصح منه، والله أعلم» .
(2)
وهم الذين يحتطبون.
(3)
من طريقه في «معرفة السنن» (2/ 447، 448). ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (2580) والبيهقي في «الكبرى» (2/ 86)، وهو مرسل صحيح. وانظر:«أصل صفة الصلاة» (2/ 656).
(4)
كذا ضبط في ز، وفيه لغات أخرى ذكرها النووي في «شرح مسلم» (14/ 190).
(5)
برقم (2203).
(6)
رواه أحمد (20825، 20920، 20921)، وابن ماجه (542)، وأبو يعلى (7460)، وابن حبان (2333)، من حديث جابر بن سمرة. ولكن رجح الوقف أحمد عقب (20825) وأبو حاتم في «العلل» لابنه (1/ 192). وله شاهد صحيح من حديث معاوية بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند أحمد (26760، 27404)، وابن خزيمة (776)، وغيرهما.
وسأله صلى الله عليه وسلم معاوية بن حَيدة: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال:«احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» . قال: قلت: يا رسول الله، الرجل يكون مع الرجل، قال:«إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل» . قال: قلت: فالرجل يكون خاليًا، قال:«الله أحقُّ أن يُستحيا منه» . ذكره أحمد
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد، قال:«أوكلُّكم يجد ثوبين؟» . متفق عليه
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم سلمة بن الأكوع: يا رسول الله، إني أكون في الصيد، فأصلِّي وليس عليَّ إلا قميص واحد. فقال:«فازرُرْه، وإن لم تجد إلا شوكةً» . ذكره أحمد. وعند النسائي: إني أكون في الصيف، وليس عليَّ إلا قميص
(3)
.
(1)
برقم (20034). ورواه أيضًا أبو داود (4017)، والترمذي (2769)، والنسائي في «الكبرى» (8923)، وابن ماجه (1920)، من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده. حسنه الترمذي، وابن حجر في «هُدى الساري» (ص 20)، وصححه الحاكم (4/ 179)، والمؤلف في «تهذيب السنن» (3/ 54).
(2)
البخاري (365) ومسلم (515) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
رواه أحمد (16520)، وأبو داود (632)، والنسائي في «الكبرى» (843) من حديث سلمة بن الأكوع، من طريق عطاف عن موسى بن إبراهيم عن سلمة، قال البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 297): هذا لا يصح، وفي حديث القميص نظر. وانظر:«تغليق التعليق» (2/ 201).
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: يا رسول الله، أصلِّي في الفِراء؟ قال:«فأين الدِّباغ»
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في القوس والقَرَن، فقال:«اطرح القَرَن، وصلِّ في القوس» . ذكره الدارقطني
(2)
. والقَرَن بالتحريك: الجَعْبة.
وسألته أم سلمة: هل تصلِّي المرأة في درع وخمار، وليس عليها إزار؟ فقال: «إذا كان الدرع سابلًا يغطِّي ظهورَ
(3)
قدميها». ذكره أبو داود
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ذر عن أول مسجد وُضِع في الأرض، قال:«المسجد الحرام» . فقال: ثم أيُّ؟ قال: «المسجد الأقصى» . فقال: كم بينهما؟ قال:
(1)
رواه أحمد (19060)، وابن أبي شيبة (25261)، والبيهقي (1/ 24) من حديث أبي ليلى الأنصاري، وفيه علي بن هاشم ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فيهما لين. والحديث ضعفه الهيثمي في «المجمع» (1/ 218)، والبوصيري في «الإتحاف» (2/ 122).
(2)
برقم (1486) من حديث سلمة بن الأكوع. ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (6318)، والطبراني (7/ 28)، والحاكم (1/ 335)، والبيهقي (3/ 255). ومدار الحديث على عقبة بن خالد وموسى بن محمد، وكلاهما ضعيفان. وضعف الحديث البيهقي، وابن القطان في «بيان الوهم» (5/ 537)، والهيثمي في «المجمع» (2/ 57).
(3)
ب: «ظهر» ، وكذا في النسخ المطبوعة. وفي «السنن» كما أثبت من (ز، ك).
(4)
برقم (639) من حديث أم سلمة. ورواه أيضًا الدارقطني (1785)، والحاكم (1/ 250). وفيه أُمُّ محمدِ بن زيد بن المهاجر بن قُنفُذ، وهي أم حرام، لا تُعرَف. والصواب الوقف، قاله أبو داود، والدارقطني، وابن عبد البر في «التمهيد» (6/ 397)، كما رواه مالك (1/ 142)، ومن طريقه وأبوداود (638) وغيرهما.
«أربعون عامًا، ثم الأرض لك مسجد، حيث أدركتك الصلاةُ فصَلِّ» . متفق عليه
(1)
.
وذكر الحاكم [227/أ] في «مستدركه»
(2)
أن جعفر بن أبي طالب سأله عن الصلاة في السفينة فقال: «صلِّ فيها قائمًا إلا أن تخاف الغرق» .
وسئل صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة، فقال:«واحدةً، أو دَعْ»
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم جابر عن ذلك، فقال: «واحدة، ولَأن تُمسِك عنها خيرٌ لك من مائة ناقة كلُّها سودُ الحَدَق
(4)
».
قلت
(5)
: المسجد كان مفروشًا بالحصباء، فكان أحدهم يمسحه بيديه لموضع سجوده، فرخَّص النبيُّ في مسحة واحدة، وندبهم إلى تركها.
(1)
البخاري (3425) ومسلم (520).
(2)
(1/ 275)، ومن طريقه البيهقي (3/ 155). حسنه البيهقي، وصححه الحاكم، والألباني في «أصل صفة الصلاة» (1/ 101).
(3)
رواه أحمد (21446)، وعبد الرزاق (2403)، وابن خزيمة (916)، من حديث أبي ذر، وفيه ابن أبي ليلى (وهو محمد)، ضعف. ورواه الطيالسي (472) وعبد الرزاق (2404) بدون زيادة «أوْ دَعْ» ، من طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي ذر. وقال الطيالسي عقبه:«وقال سفيان عن الأعمش عن مجاهد عن ابن أبي ليلى (وهو عبد الرحمن) عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم» ، قال عنه الدارقطني في «العلل» (1111) إنه أصح من الأول، وقال محققو «المسند» (35/ 352) إنه على شرط الشيخين. وانظر:«الإرواء» (2/ 98، 99).
(4)
ز، ك:«الحلق» ، تصحيف.
(5)
في النسخ المطبوعة: «فقلت» ، وهو خطأ.
والحديث في «المسند»
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال:«هو اختلاسٌ يختلسه الشيطان من صلاة العبد»
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يصلِّي أحدنا في منزله الصلاةَ، ثم يأتي المسجد، وتقام الصلاةُ، أفأصلِّي معهم؟ فقال:«لك سهمُ جَمْعٍ» . ذكره أبو داود
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ذرٍّ عن الكلب الأسود يقطع الصلاة دون الأحمر والأصفر، فقال:«الكلب الأسود شيطان»
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، إني صلَّيتُ، فلم أدر أشفعت أم
(5)
أوترت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم أن يتلعَّب بكم الشيطان في صلاتكم،
(1)
(14204، 14514). ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (7911)، وعبد بن حميد (1145)، وابن خزيمة (897)، وفيه شرحبيل بن سعد، ضعيف. ويغني عنه ما رواه البخاري (1207) ومسلم (546) ــ وهو عند أحمد (1511) ــ من حديث معيقيب، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد: «إن كنت فاعلًا فواحدة» .
(2)
رواه البخاري (751) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
برقم (578) من حديث أبي أيوب الأنصاري. ورواه مالك (1/ 133) ــ ومن طريقه البيهقي (2/ 300)، والطبراني (4/ 158)، وفيه رجل من بني أسد، مبهم، وعفيف السهمي، فيه لين.
(4)
تقدَّم تخريجه.
(5)
في النسخ المطبوعة: «أو» .
من صلَّى، فلم يدر أشفَع أم أوتر، فليسجد سجدتين، فإنهما تمام صلاته». ذكره أحمد
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: لأيِّ شيء [سمِّي]
(2)
يوم الجمعة؟ فقال: «لأن فيها طُبعت طينة أبيك آدم، وفيها الصعقة والبعثة، وفيها البطشة، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعةٌ من دعا الله فيها استُجيب له»
(3)
.
وسئل أيضًا عن ساعة الإجابة، فقال:«حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها»
(4)
.
ولا تنافي بين الحديثين، لأن ساعة الإجابة، وإن كانت آخر ساعة بعد العصر، فالساعةُ التي تقام فيها الصلاة أولى أن تكون ساعة الإجابة، كما أن المسجد الذي أُسِّس على التقوى هو مسجد قباء، ومسجدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
رواه أحمد (450، 451)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (285)، وأورده البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 355)، وفيه يزيد بن أبي كبشة، وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات.
(2)
ما بين المعقوفين من «المسند» ، وهو ساقط من النسخ الثلاث. ولعل من أسقط ظنَّه تكرارًا للفظ السابق «شيء» لتشابههما في الرسم. وفي النسخ المطبوعة أثبتوا مكانه «فضلت» !
(3)
رواه أحمد (8102) من حديث أبي هريرة، وفيه علي بن أبي طلحة، فيه لين، ولم يسمع من أبي هريرة. انظر:«إتحاف المهرة» (15/ 427).
(4)
رواه عبد بن حميد (291)، والترمذي (489)، وابن ماجه (1138)، من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، وكثير ضعيف جدًّا. وضعف الحديث ابن عبد البر في «التمهيد» (19/ 21)، والنووي في «المجموع» (4/ 550)، والحافظ في «الفتح» (2/ 486).
أولى بذلك منه. وهذا
(1)
أولى مِن جَمْع مَن جمعَ
(2)
بينهما بتنقُّلها، فتأمل!
وسئل صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أخبِرنا عن الجمعة
(3)
، ما فيها من الخير؟ فقال:«فيه خمسُ خلال: فيه خُلِق آدم، وفيه أُهبِط آدم إلى الأرض، وفيه توفَّى الله آدم. وفيه ساعةٌ لا يسأل الله العبدُ فيها شيئًا إلا أعطاه إياه، ما لم يسأل إثمًا أو قطيعةَ رحم. وفيه تقوم الساعة، فما من ملكٍ مقرَّبٍ ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا حجر إلا وهو مشفق من يوم الجمعة» . ذكره أحمد والشافعي
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال:«مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتِرْ بواحدة» . متفق عليه
(5)
.
وسأله أبو أمامة: بكم أُوتِر؟ قال: «بواحدة» . قال: إني أطيق أكثر من
(1)
في النسخ المطبوعة: «وهو» .
(2)
ز: «أولى من جمع بينهما» ، وكذا في النسخ المطبوعة. والظاهر أن بعض النساخ ظن «من جمع» مكررًا، فحذفه.
(3)
في النسخ المطبوعة: «يوم الجمعة» .
(4)
رواه الشافعي في «الأم» (2/ 434)، وأحمد (22457)، وابن ماجه (1084)، من حديث سعد بن عبادة، وفيه ثلاثة فيهم لين. وله شاهد صحيح من حديث أبي هريرة، رواه مالك (1/ 108) ــ ومن طريقه الشافعي في «الأم» (2/ 434) ــ، وأحمد (10303)، وأبو داود (1046)، والترمذي (491)، والنسائي (1766)، وابن حبان (2772)، والحاكم (1/ 278، 279)، والبيهقي (3/ 250، 251). وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(5)
تقدَّم في الفائدة الثالثة والخمسين.
ذلك. قال: «ثلاث»
(1)
، ثم قال:«بخمس» ، ثم قال:«بسبع»
(2)
.
وفي «الترمذي»
(3)
: أنه سئل عن الشفع والوتر، فقال:«هي الصلاة، بعضها شَفْع وبعضها وتر» .
وفي «سنن الدارقطني»
(4)
أنَّ رجلًا سأله عن الوتر، [227/ب] فقال:«افصِلْ بين الواحدة والثنتين بالسلام» .
وسئل صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» . ذكره أحمد
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ القيام أفضل؟ قال: «نصف الليل، وقليل فاعله»
(6)
.
(1)
كذا في النسخ، وضبط في ز بجرِّ «ثلاثٍ» .
(2)
رواه الدارقطني (1648) من حديث أبي أمامة، وفيه معتمر، لم أجد من ترجم له، وأبو غالب متكلم فيه.
(3)
برقم (3353) من حديث عمران بن حصين. ورواه أيضًا أحمد (19919). وفيه جهالة الرواي عن عمران بن حصين. وضعف الحديث ابن العربي في «عارضة الأحوذي» (6/ 396) والحافظ في «الفتح» (8/ 572).
(4)
برقم (1677، 1678) من حديث عبد الله بن عمر من طريقين عن ابن لهيعة. وفي الثاني الراوي عنه أبو الأسود، وكان راوية عن ابن لهيعة، لعله من أجل ذلك قوّاه الحافظ في «فتح الباري» (2/ 558).
(5)
(14233، 15210) من حديث جابر. ورواه أيضًا الترمذي (387)، وابن ماجه (1421). وصححه الترمذي، وابن خزيمة (1155)، وابن حبان (1758). ورواه مسلم (756) بدون ذكر السؤال.
(6)
رواه ابن المبارك في «الزهد» (1217)، وابن نصر المروزي في «مختصر قيام الليل» (ص 93)، وأحمد (21555)، والنسائي في «الكبرى» (1310)، والطبراني في «الأوسط» (2624)، والبيهقي (3/ 4) من حديث أبي ذر. مداره على مهاجر أبي خالد، فيه لين. ورواه مسلم (1163/ 203) وغيره من حديث أبي هريرة، بدون زيادة:«وقليل فاعله» .
وسئل صلى الله عليه وسلم: هل من ساعة أقرب إلى الله من الأخرى؟ قال: «نعم، جوف الليل الأوسط» . ذكره النسائي
(1)
.
فصل
وسئل صلى الله عليه وسلم عن موت الفجاءة، فقال:«راحة للمؤمن، وأَخْذةُ أَسَفٍ للفاجر» . ذكره أحمد
(2)
.
ولهذا لم يكره أحمد موت الفجاءة في إحدى الروايتين عنه. وقد روي عنه كراهتها. وروى في «مسنده»
(3)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بجدار أو حائط مائل، فأسرع المشيَ، فقيل له في ذلك، فقال:«إني أكره موتَ الفَوات» . ولا
(1)
برقم (584) من حديث عمرو بن عبسة. ورواه أيضًا أحمد (17026)، وابن ماجه (1251، 1364). وفيه طلق بن يزيد، مجهول، وعبد الرحمن بن البَيْلماني، ضعيف. ولفظ أحمد والنسائي:«جوف الليل الآخر» .
(2)
برقم (25042) من حديث عائشة رضي الله عنها. ورواه أيضًا البيهقي (3/ 379)، وفي «شعب الإيمان» (9740) فيه عبيد الله بن الوليد، متروك، وعبد الله بن عبيدالله بن عُمير لم يسمع من عائشة. وله شواهد لا تخلو من ضعف، والحديث لا يثبت. انظر:«العلل» للدارقطني (5/ 272)، و «العلل المتناهية» (1463)، و «الضعيفة» (663).
(3)
برقم (8666) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. و رواه أبو يعلى (6612)، والبيهقي في «الشعب» (1297). وفيه إبراهيم بن الفضل، منكر الحديث. والحديث ضعفه العقيلي (1/ 61)، وابن حبان في «المجروحين» (1/ 105)، وابن عدي (1/ 375)، والبيهقي، وابن الجوزي في «العلل» (1492)، والذهبي في «الميزان» (1/ 19، 52).
تنافي بين الحديثين، فتأمَّلْه.
وسئل: تمرُّ بنا جنازة الكافر، أفنقوم لها؟ قال:«نعم، إنكم لستم تقومون لها، إنما تقومون إعظامًا للذي يقبض النفوس» . ذكره أحمد
(1)
.
وقام لجنازة يهودية، فسئل عن ذلك، فقال:«إن للموت فزعًا، فإذا رأيتم جنازةً فقوموا»
(2)
.
وسئل عن امرأة أوصت أن يعتق عنها رقبة مؤمنة، فدعا بالرقبة، فقال:«من ربُّك؟» . قالت: الله. قال: «من أنا؟» . قالت: رسول الله. قال: «أعتِقْها فإنها مؤمنة» . ذكره أبو داود
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه: هل تُرَدُّ إلينا عقولُنا في القبر وقت السؤال؟
(1)
برقم (6573) من حديث عبد الله بن عمرو. ورواه أيضًا ابن حبان (3053)، والحاكم (1/ 357) من طريق ربيعة بن سيف، فيه لين. وصحح الحديث ابن حبان والحاكم، وحسنه العيني في «نخب الأفكار» (7/ 275)، وأحمد شاكر في «تحقيق المسند» (10/ 79). وأصل القيام للجنازة رواه البخاري (1311) ومسلم (960).
(2)
رواه أحمد (14812)، وأبو داود (3174)، والنسائي (1922)، من حديث جابر بن عبد الله. والحديث صحيح. أصله عند البخاري (1311) ومسلم (960)، وعندهما أنه كان جنازة يهودي. ورواه أحمد (19707)، وأبو داود (3175)، والنسائي (1923) من حديث علي ــ واللفظ للنسائي:«إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية، ثم لم يعُد بعد ذلك» . وأصله عند مسلم (962).
(3)
برقم (3283) من حديث الشريد بن سويد الثقفي. ورواه أيضًا أحمد (17945)، والنسائي (3653). وفيه محمد بن عمرو، حسن الحديث. والحديث صححه ابن حبان (189)، والذهبي في «العلو» (27)، وحسنه الألباني في «الصحيحة» (3161).
فقال: «نعم، كهيئتكم اليوم» . ذكره أحمد
(1)
.
وسئل عن عذاب القبر، فقال:«نعم، عذاب القبر حقٌّ»
(2)
.
فصل
وسئل صلى الله عليه وسلم عن صدقة الإبل، قال: «ما من صاحبِ إبل لا يؤدِّي حقَّها ــ ومن حقِّها حَلَبُها يوم وردها ــ إلا إذا كان يومُ القيامة بُطِحَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ
(3)
أوفرَ ما كانت، لا يفقِد منها فصيلًا واحدًا، تطؤه بأخفافها وتعضُّه بأفواهها، كلَّما مرَّ عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضَى بين العباد، فيرَى سبيلَه إما إلى الجنة وإما إلى النار».
وسئل صلى الله عليه وسلم عن البقر، فقال: «ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدِّي حقَّها، إلا إذا كان يومُ القيامة بُطِح لها بقاعٍ قرقرٍ، لا يفقد منها شيئًا، ليس فيها عقصاء
(4)
ولا جلحاء
(5)
ولا عضباء
(6)
، تنطَحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها. كلَّما مرَّت أولاها رُدَّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضَى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار».
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الخيل فقال: «الخيل ثلاثة، هي لرجلٍ وِزْرٌ، ولرجل سِتْر،
(1)
برقم (6603) من حديث عبد الله بن عمرو. ورواه أيضًا ابن حبان (3115). وفيه حيي بن عبد الله، ضعيف.
(2)
رواه البخاري (1372) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
أي أُلقي صاحبُ المال على وجهه لتلك الإبل في مكان مستوٍ.
(4)
ملتوية القرنين.
(5)
لا قرن لها.
(6)
مكسورة القرن.
ولرجلٍ أجر. فأما الذي له أجر، فرجلٌ ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مَرْج أو روضة، فما أصابت في طِيَلِها
(1)
ذلك من المَرْج أو الروضة كانت له حسنات، ولو أنه انقطع طِيَلُها فاستنَّت شَرَفًا أو شَرَفَين
(2)
كانت له آثارها وأرواثها حسنات. ولو أنها مرَّت بنهر، فشربت منه، ولم يُرد أن يسقيها [228/أ] كانت له حسنات، فهي لذلك الرجل أجر. ورجلٌ ربطها تغنِّيًا وتعفُّفًا، ثم لم ينسَ حقَّ الله في رقابها ولا في ظهورها، فهي لذلك الرجل سِتْر. ورجل ربَطها فخرًا ورياءً ونِواءً
(3)
لأهل الإسلام، فهي على ذلك وزر».
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الحُمُر؛ فقال: «ما أُنزل
(4)
عليَّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذَّة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]. ذكره مسلم
(5)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم أم سلمة فقالت: إني ألبس أوضاحًا
(6)
من ذهب، أكنز هو؟ قال:«ما بلغ أن تؤدَّى زكاته، فزُكِّي، فليس بكنز» . ذكره مالك
(7)
.
(1)
الطِّيَل والطِّوَل: الحبل الطويل الذي شُدَّ أحد طرفيه في يد الفرس، والآخر في وتد أو غيره.
(2)
أي جرت شوطًا أو شوطين.
(3)
يعني: مناوأة.
(4)
ك، ب:«أنزل الله تعالى» .
(5)
برقم (987) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
جمع وَضَح، وهو نوع من الحلي.
(7)
لم أجده في «الموطَّأ» ، ولكنه عنده بنحوه عن ابن عمر وأبي هريرة موقوفًا عليهما (1/ 256). والحديث رواه أبو داود (1564) من حديث أم سلمة، وفيه عتاب بن بشير، فيه لين، وعطاء لم يسمع من أم سلمة. ورواه أيضًا الطبراني (23/ 281)، والدارقطني (1950)، والحاكم (1/ 390) ــ ومن طريقه البيهقي (4/ 82) ــ بإسناد كلهم ثقات، غير أنه منقطع كما سلف. ورواه ابن عبد البر في «الاستذكار» (9/ 126) مستشهدًا به، وقال: وإن كان في إسناده مقال، فإنه يشهد بصحته ما قدمنا ذكره، أي من آثار الصحابة. وانظر:«التمهيد» (17/ 146). وحسنه ابن القطان (5/ 363)، وابن الملقن في «التوضيح» (10/ 439). وحسّن الألباني المرفوع منه، انظر:«الصحيحة» (559).
وسئل صلى الله عليه وسلم: أفي المال حقٌّ سوى الزكاة؟ قال: «نعم، ثم قرأ {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177]» . ذكره الدارقطني
(1)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إنَّ لي حُلِيًّا، وإن زوجي خفيف ذات اليد، وإن لي ابن أخ، أفيجزئ عنِّي أن أجعل زكاة الحُلِيِّ فيهم؟ قال:«نعم»
(2)
.
(1)
برقم (1952) من حديث فاطمة بنت قيس. وفيه أبو بكر الهذلي، قال الدارقطني: متروك، ولم يأتي به غيره. ورواه أيضًا الترمذي (659، 660)، وفيه شريك النخعي، فيه لين، وأبو حمزة ميمون الأعور، ضعيف. وضعف الحديث الترمذي، والزيلعي في «تخريج الكشاف» (1/ 107).
(2)
أصله ما رواه البخاري (1466) ومسلم (1000) من حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود، والسائلة زينبُ وامرأةٌ أخرى أنصاريةٌ، وفيه:«نعم، لها أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة» . وبلفظ المؤلف رواه الدارقطني (1958) من حديث عبد الله بن مسعود، وقال:«هذا وهْم، والصواب عن إبراهيم عن عبد الله، هذا مرسل موقوف» . ورواه موقوفًا من طريق إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عبدُ الرزاق (7056)، والبيهقي (4/ 139) وقال:«وقد روي هذا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بشيء» ، وليس فيه ذكر الزوج.
وذكر ابن ماجه
(1)
أن أبا سيَّارة سأله فقال: إنّ لي نحْلًا، فقال:«أدِّ العشر» . فقلت: يا رسول الله، احمِها لي، فحماها لي.
وسأله صلى الله عليه وسلم العباس عن تعجيل زكاته قبل أن يحول الحول، فأذِن له في ذلك. ذكره أحمد
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن زكاة الفطر، فقال: «هي على كلِّ مسلم، صغيرأو كبير، حرّ أو عبد، صاعًا من تمر أو شعير
(3)
أو أَقِط»
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أصحاب الأموال فقالوا: إن أصحاب الصدقة يعتدُون علينا،
(1)
برقم (1823) من حديث أبي سيارة المُتَعِيّ. ورواه أيضًا أحمد (18069)، وعبد الرزاق (6973)، وابن أبي شيبة (10145)، والبيهقي (4/ 126). أعلَّه البخاري بأن سليمان بن موسى لم يلق أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. انظر:«العلل الكبير» (ص 107). وقد روي عدة أحاديث في زكاة العسل، لا تخلو من ضعف. وقد ذكرها المؤلف في «زاد المعاد» (2/ 12 - 17) مع الكلام عليها. قال البخاري في «العلل الكبير»: وليس في زكاة العسل شيءٌ يصِحّ.
(2)
برقم (822) من حديث علي بن أبي طالب. ورواه أيضًا أبو داود (1624)، والترمذي (678)، وابن ماجه (1795)، والراجح فيه الإرسال. قاله أبو حاتم في «العلل» (623)، وأبو داود، والدارقطني في «العلل» (3/ 188)، والبيهقي (4/ 111). وجواز التعجيل مأثور عن السلف، انظر:«مصنف ابن أبي شيبة» (10195) وما بعده.
(3)
في النسخ المطبوعة: «صغيرًا أو كبيرًا، حرًّا أو عبدًا» . وكذا: «أو صاعًا من شعير» . وفي «سنن الدارقطني» ما أثبتنا من النسخ الخطية.
(4)
أصله عند البخاري (1503) ومسلم (985) من حديث ابن عمر. وبلفظ المؤلف رواه الدارقطني (2068) من حديث علي بن الحسين. ضعفه الزيلعي (2/ 411) بجهالة بعض الرواة.
أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدُون علينا؟ قال: «لا» . ذكره أبو داود
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني ذو مال كثير، وذو أهل وولد وحاضرة، فأَخبِرني كيف أنفق؟ وكيف أصنع
(2)
؟ فقال: «تُخرج الزكاة من مالك، فإنها طُهْرة تطهِّرك، وتصِلُ بها رحمك وأقاربك، وتعِرفُ حقَّ السائل والجار والمسكين» . فقال: يا رسول الله أقلِلْ فيَّ
(3)
، قال:«فآتِ ذا القربى حقَّه والمسكين وابن السبيل ولا تبذِّر تبذيرًا»
(4)
. فقال: حسبي. وقال: يا رسول الله إذا أدَّيتُ الزكاة إلى رسولك فقد برئتُ منها إلى الله ورسوله؟ قال رسول الله: «نعم، إذا أدَّيتَها إلى رسولي فقد برئت منها، ولك أجرُها، وإثمُها على من بدَّلها» . ذكره أحمد
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصدقة على أبي رافع مولاه، فقال: «إنَّا آل محمد، لا
(1)
برقم (1587) من حديث بشير بن الخصاصيَّة، ورواه أيضًا عبد الرزاق (6818)، والبيهقي (4/ 104)، وفيه ديسم، مجهول. وله شاهد من حديث جرير بن عبد الله البجلي عند مسلم (989) وأبي داود (1589)، وغيرهما.
(2)
في النسخ المطبوعة: «أمنع» ، تصحيف.
(3)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة، وضبط في (ز، ك) بتشديد الياء. وفي «المسند» و «المستدرك» : «لي» .
(4)
كذا في النسخ و «المسند» وغيره. وقد ضمَّن النبي صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة. وفيها: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ
…
}. وقد أثبتوا في النسخ المطبوعة نصَّ الآية.
(5)
(12394) من حديث أنس بن مالك. ورواه أيضًا الحاكم (2/ 360)، والبيهقي (4/ 97)، وسعيد بن أبي هلال لم يسمع من أنس. انظر:«تهذيب التهذيب» (4/ 94).
تحِلُّ لنا الصدقة، وإنَّ مولى القوم من أنفسهم». ذكره أحمد
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر عن أرضه بخيبر، واستفتاه ما يصنع فيها، وقد أراد أن يتقرَّب بها إلى الله. فقال:«إن شئتَ حبستَ أصلَها، وتصدَّقت بها» . ففعَل
(2)
.
وتصدَّق عبد الله بن زيد بحائط له، فأتى
(3)
أبواه، فقالا: يا رسول الله إنها كانت قيِّمَ وجوهِنا
(4)
، ولم يكن لنا مالٌ غيره. فدعا عبدَ الله، فقال:«إن الله قد قبِل منك صدقتك، ورُدَّها على أبويك» . فتوارثناها
(5)
بعد ذلك، ذكره النسائي
(6)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الصدقة أفضل؟ فقال: «المنيحة: أن يمنح أحدكم [228/ب] الدرهمَ، أو ظهرَ الدابة، أو لبنَ الشاة، أو لبنَ البقرة» . ذكره
(1)
برقم (23872، 27182) من حديث أبي رافع. ورواه أيضًا أبو داود (1650)، والترمذي (656)، والنسائي (2612). صححه الترمذي، وابن خزيمة (2344)، وابن حبان (3293)، والحاكم (1/ 404)، وابن الملقن في «البدر المنير» (7/ 388).
(2)
رواه البخاري (2737) ومسلم (1632).
(3)
في النسخ المطبوعة: «فأتاه» .
(4)
يعني: «قوام عيشنا» كما في «سنن الدارقطني» (4451).
(5)
في النسخ الخطية والمطبوعة: «فتوارثاها» ، والصواب من «سنن الدارقطني» .
(6)
في «الكبرى» (6219) مختصرًا من حديث عبد الله بن زيد. ورواه الدارقطني (4449) ــ وعنه صدر المصنف ــ، والحاكم (3/ 36، 4/ 348). وهو منقطع، قاله الدارقطني. وانظر:«إتحاف المهرة» (6/ 652).
أحمد
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم مرةً عن هذه المسألة، فقال:«جُهْدُ المُقِلّ، وابدأ بمن تعُول» . ذكره أبو داود
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم مرةً أخرى عنها، فقال:«أن تتصدَّق، وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى»
(3)
.
وسئل مرة أخرى عنها فقال: «سقيُ الماء»
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم مرةً
(5)
أخرى عنها، فقال: [
…
]
(6)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم سُراقة بن مالك عن الإبل تغشى حياضَه: هل له من أجرٍ في سقيها؟ فقال: «نعم، في كلِّ كبد حرَّى أجرٌ» . ذكره أحمد
(7)
.
(1)
برقم (4415) من حديث ابن مسعود. ورواه أيضًا أبو يعلى (5121)، وفيه إبراهيم، وهو الهجري، ضعيف.
(2)
برقم (1677) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه أيضًا أحمد (8702). صححه ابن خزيمة (2444)، وابن حبان (3346)، والحاكم (1/ 414).
(3)
تقدَّم قريبًا.
(4)
رواه أحمد (22459)، والنسائي (3664)، من حديث سعد بن عبادة، والحسن لم يدرك سعد. ورواه أبو داود (1681) من طريق أبي إسحاق عن رجل عن سعد. وكذلك رواه (1681) من طريق سعيد بن المسيب والحسن عن سعد، بدون قصة أم سعد، وابن المسيب كذلك لم يلق سعدًا. وانظر للتفصيل: تعليق محققي «المسند» .
(5)
لفظ «مرَّة» ساقط من ك.
(6)
في النسخ الثلاث هنا بياض، وهو في ز بقدر تسع كلمات. وكتب فوق «فقال» بخط صغير:«كذا» .
(7)
برقم (17581) من حديث سراقة. ورواه أيضًا ابن ماجه (3686)، وابن حبان (542)، والبيهقي (4/ 186)، والحاكم (3/ 619) من أوجه مختلفة ومتعارضة، ومع ذلك صححه الألباني في «الصحيحة» (2152). وانظر: تعليق محققي «المسند» .
وسألته
(1)
صلى الله عليه وسلم امرأتان عن الصدقة على أزواجهما، فقال: «لهما أجران
(2)
: أجر القرابة، وأجر الصدقة». متفق عليه
(3)
.
وعند ابن ماجه
(4)
: أتجزئ عني من النفقة الصدقةُ على زوجي وأيتامٍ في حِجْري؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لها أجران: أجر الصدقة، وأجر القرابة» .
وسألته صلى الله عليه وسلم أسماء، فقالت: ما لي مالٌ إلا ما أدخل عليَّ الزبيرُ، أفأتصدَّق؟ فقال:«تصدَّقي، ولا تُوعي فيُوعَى عليك» . متفق عليه
(5)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم مملوك: أتصدَّق من مال مولاي بشيء؟ فقال: «نعم، والأجر بينكما نصفان» . ذكره مسلم
(6)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه عن شِرى
(7)
فرس تصدَّق به، فقال
(8)
: «لا
(1)
في النسخ المطبوعة: «وسأله» .
(2)
«أجران» ساقط من ك.
(3)
البخاري (1466) ومسلم (1000) من حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود، والمرأتان: هي وامرأة أنصارية، وقد سألتا عن طريق بلال.
(4)
من حديث زينب امرأة عبد الله (1834)، إسناده صحيح. وأصله في الصحيحين كما سبق ولكن من سؤال بلال.
(5)
البخاري (2590) ومسلم (1029).
(6)
من حديث عمير مولى آبي اللحم (1025).
(7)
في النسخ المطبوعة: «شراء» .
(8)
ك: «فقال له» ، وكذا في المطبوع.
تشتره، ولا تعُدْ في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم؛ فإن العائد في صدقته
(1)
كالعائد في قيئه». متفق عليه
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن المعروف، فقال: «لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تعطي صِلةَ الحبل، ولو أن تعطي شِسْعَ النعل، ولو أن تنزِع
(3)
من دلوك في إناء المستقي
(4)
، ولو أن تنحِّي الشيءَ من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهُك إليه منطلق
(5)
، ولو أن تلقى أخاك فتسلِّم عليه، ولو أن تؤنس الوَحْشان
(6)
في الأرض». ذكره أحمد
(7)
.
فللَّه ما أجلَّ هذه الفتاوى، وما أحلاها، وما أنفعها، وما أجمعها لكلِّ
(1)
في النسخ المطبوعة: «هبته» ، وهو خطأ.
(2)
البخاري (1490) ومسلم (1620).
(3)
كذا في النسخ الثلاث، وبعض نسخ «المسند» كما ذكر محققه. وفي النسخ المطبوعة:«تفرغ» .
(4)
في النسخ المطبوعة: «المستسقي» كما في مطبوعة «المسند» .
(5)
في النسخ المطبوعة: «طلق» . وفي «المسند» كما أثبت من النسخ.
(6)
هو الحزين المغتمَّ.
(7)
رواه أحمد (15955) من حديث أبي تميمة الهجيمي عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه سعيد بن إياس الجريري، سمع منه ابن علية بعد الاختلاط. وله شاهد رواه النسائي في «الكبرى» (9611 - 9614، 9616)، وابن حبان (522) من طرق عدة، من حديث سليم بن جابر أبي جري الهجيمي، ولعله هو الرجل المبهم في حديث أحمد. وإسناد ابن حبان صحيح، وله شواهد. وقد أطال الألباني نفسه في بيان صحة الحديث. انظر:«الصحيحة» (3422).
خير! فوالله لو أن الناس صرفوا هممَهم إليها لأغنتهم عن فتاوى فلان وفلان، والله المستعان.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني تصدَّقتُ على أمِّي بعبد، وإنها ماتت، فقال:«وجبت صدقتك، وهو لك بميراثك» . ذكره الشافعي
(1)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إني تصدَّقتُ على أمِّي بجارية، وإنها ماتت، فقال: «وجب أجرك
(2)
، وردَّها عليك الميراث». ذكره مسلم
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إن أمِّي توفِّيت، أفينفعها إن تصدَّقتُ
(4)
عنها؟ قال: «نعم» . ذكره البخاري
(5)
.
وسأله آخر، فقال: إن أمِّي افتُلِتَتْ نفسُها
(6)
، وأظنُّها لو تكلَّمت تصدَّقت، فهل لها أجر إن تصدَّقتُ عنها؟ قال:«نعم» . متفق عليه
(7)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم آخر، فقال: إن أبي مات ولم يُوصِ، أفينفعه أن أتصدَّق عنه؟ قال:«نعم» . ذكره مسلم
(8)
.
(1)
في «الأم» (5/ 117) من حديث بريدة بن الحصيب، وإسناده حسن. وله شاهد حسن رواه أحمد (6731) وابن ماجه (2395) من حديث عبد الله بن عمرو، ولكن بإهداء الحديقة. انظر:«السلسلة الصحيحة» (2409).
(2)
ك، ب:«وجبت صدقتك» .
(3)
برقم (1149) من حديث بريدة.
(4)
ك، ب:«أن أتصدَّق» .
(5)
برقم (2756) من حديث ابن عباس.
(6)
أي ماتت فجأة. و «نفسها» يضبط بضم السين وفتحها.
(7)
البخاري (1388) ومسلم (1004) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(8)
برقم (1630) من حديث أبي هريرة.
وسأله صلى الله عليه وسلم حكيم بن حِزام فقال: يا رسول الله، أمورٌ كنت أتحنَّث بها في الجاهلية من صلة
(1)
وعتاقة وصدقة، هل لي فيها أجر؟ فقال
(2)
: «أسلمتَ على ما سلَف
(3)
لك من خير». متفق عليه
(4)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن ابن جُدْعان، وأنه كان في الجاهلية يصل الرَّحِم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ فقال:«لا ينفعه. إنه لم يقل يومًا: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين» . ذكره مسلم
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الغِنى الذي يحرِّم المسألة، فقال:«خمسون درهمًا، أو قيمتها من الذهب» . ذكره أحمد
(6)
.
ولا ينافي هذا جوابَه للآخر
(7)
(8)
، فإن هذا غنى اليوم، وذاك غنى العام بالنسبة إلى حال ذلك السائل. والله أعلم.
(1)
ز، ك:«صلاة» ، والتصحيح من ب.
(2)
في النسخ المطبوعة: «قال» .
(3)
ك، ب:«أسلفت» .
(4)
البخاري (1436) ومسلم (123).
(5)
برقم (214).
(6)
برقم (3675) من حديث ابن مسعود. ورواه أيضًا أبو داود (1626)، والترمذي (649)، والنسائي (2592)، وابن ماجه (1840)، وفيه حكيم بن جبير، ضعيف. والحديث ضعفه شعبة كما في «تاريخ بغداد» (3/ 424)، والبزار (5/ 294)، وأبو حاتم في «الجرح والتعديل» (3/ 201)، وابن حبان في «المجروحين» (1/ 299).
(7)
ك، ب:«الآخر» .
(8)
رواه أحمد (17625) وأبو داود (1629) من حديث سهل ابن الحنظلية. صححه ابن حبان (545، 3394).
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه، وقد أرسل إليه بعطاء، فقال: أليس أخبرتنا أنَّ خيرًا لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئًا؟ فقال: «إنما ذلك عن المسألة
(1)
، فأما ما كان عن غير مسألة فإنما هو رزقٌ رزَقكه الله». فقال عمر: والذي نفسي بيده لا أسأل أحدًا شيئًا، ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته. ذكره مالك
(2)
.
فصل
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الصوم أفضل؟ فقال: «شعبان لتعظيم رمضان» . قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: «صدقة في رمضان
(3)
». ذكره الترمذي
(4)
.
والذي في الصحيح أنه سئل: أيُّ الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: «شهر الله الذي تدعونه المحرَّم» . قيل: فأيُّ الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: «الصلاة في جوف الليل»
(5)
.
(1)
ك: «من» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(2)
(2/ 998) من طريق عطاء مرسلًا. وروى البخاري (7163) ومسلم (1045) من حديث عمر بمعناه.
(3)
ك: «صدقة رمضان» ، وكذا في النسخ المطبوعة. وفي «جامع الترمذي» كما أثبت من (ز، ب).
(4)
برقم (663)، وأبو يعلى (3431)، من حديث أنس. وفيه صدقة بن موسى، ضعيف. ضعفه الترمذي، والألباني في «الإرواء» (889).
(5)
رواه مسلم (1163) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ولفظه: «صيام شهر الله المحرَّم» . وما ذكره المؤلف لفظ «مسند أحمد» (8/ 129) و «سنن ابن ماجه» (1742).
قال شيخنا
(1)
: ويحتمل أن يريد بشهر الله المحرَّم أول العام، وأن يريد به الأشهر الحرم. والله أعلم.
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، فقالت: يا رسول الله، دخلتَ عليَّ وأنت صائم، ثم أكلت حَيْسًا. فقال:«نعم، إنما منزلة من صام في غير رمضان أو قضى رمضان في التطوع بمنزلة رجلٍ أخرج صدقةً من ماله، فجاد منها بما شاء فأمضاه، وبخِل بما شاء فأمسكه» . ذكره النسائي
(2)
.
ودخل صلى الله عليه وسلم على أم هانئ فشرِب، ثم ناوَلَها فشربت، فقالت: إني كنت صائمة. فقال: «الصائم المتطوِّع أميرُ نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر» . ذكره أحمد
(3)
.
وذكر الدارقطني
(4)
أن أبا سعيد صنع طعامًا، فدعا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنع لك أخوك
(1)
في «شرح العمدة» (3/ 453).
(2)
برقم (2323)، وابن ماجه (1701)، فيه شريك النخعي، سيئ الحفظ، وطلحة بن يحيى، قال البخاري: منكر الحديث. وفي رواية ابن ماجه السائل مجاهد والمسؤول عائشة.
(3)
برقم (26893) من حديث أم هانئ، وفيه جعدة وهو ابن ابن أم هانئ. قال البخاري في «التاريخ» (2/ 239): لا يعرف إلا بحديث فيه نظر. وله شاهد رواه الترمذي (731، 732) وقال: في إسناده مقال. والنسائي في «الكبرى» (3295) وقال: وهذا الحديث مضطرب، ثم فصل القول فيه.
(4)
(2239) من حديث أبي سعيد، وقال هذا مرسل. انظر للتفصيل:«تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (3/ 330 - 334)، و «البدر المنير» (8/ 26 - 29). حسنه الألباني بمجموع طرقه في «الإرواء» (1952).
طعامًا، وتكلَّف لك أخوك. أفطِرْ، وصُمْ يومًا
(1)
مكانه».
وذكر أحمد
(2)
أن حفصة أهديت لها شاة، فأكلت منها هي وعائشة، وكانتا صائمتين، فسألتا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:«أبدِلا يومًا مكانَه» .
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: قد اشتكت
(3)
عيني، أفأكتحل
(4)
وأنا صائم؟ قال: «نعم» . ذكره الترمذي
(5)
.
وذكر الدارقطني
(6)
أنه سئل: أفريضةٌ الوضوءُ من القيء؟ فقال: «لا، لو كان فريضةً لوجدتَه في القرآن» .
وفي إسناد الحديثين مقال.
(1)
زادوا في النسخ المطبوعة بعده: «آخر» .
(2)
برقم (25094، 26007) من حديث عائشة. ورواه أيضًا الترمذي (735) والنسائي في «الكبرى» (3279)، والبيهقي (4/ 280). وفيه سفيان بن حسين، حديثه عن الزهري ضعيف. والحديث ضعفه الترمذي والنسائي والبيهقي. وانظر:«السنن الكبرى» للنسائي (3/ 362 - ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث).
(3)
في النسخ المطبوعة: «اشتكيت» . وفي «جامع الترمذي» كما أثبت من النسخ الثلاث.
(4)
ك: «فأكتحل» .
(5)
برقم (725) من حديث أنس. وفيه أبو عاتكة، ضعيف. ضعفه الترمذي، وابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (25/ 234)، وابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (3/ 247) وقال:«هذا الحديث انفرد به الترمذي، وإسناده واهٍ جدًا» .
(6)
(595، 2272) من حديث ثوبان. وكذلك رواه البيهقي في «الخلافيات» (2/ 351). فيه عتبة بن السكن، منكر الحديث ومتروكه، قاله الدارقطني. وقال البيهقي:«هذا حديث منكر» .
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلَمة، أيقبِّل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«سل هذه» لأم سلمة، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك
(1)
. قال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنِّي لأتقاكم لله، وأخشاكم له» . ذكره مسلم
(2)
.
وعند الإمام أحمد أنَّ رجلًا قبَّل امرأتَه وهو صائم في رمضان، فوجِد من ذلك وجدًا شديدًا، فأرسل امرأته، فسألت أمَّ سلمة عن ذلك، فأخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله. فأخبرت زوجَها، فزاده ذلك شرًّا، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله يُحِلُّ لرسوله ما شاء. ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة، فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«ما هذه المرأة؟» . فأخبرته أم سلمة، فقال:«ألَّا أخبرتيها أني أفعل ذلك» . قالت: قد أخبرتُها، فذهبت إلى زوجها، فزاده ذلك شرًّا، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن الله يُحِلُّ لرسوله ما شاء. فغضِب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:«والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده» . ذكره مالك والشافعي وأحمد
(3)
رضي الله عنهم
(4)
.
(1)
ك، ب:«يفعله» .
(2)
برقم (1108).
(3)
في النسخ المطبوعة قدِّم أحمد على الشافعي.
(4)
رواه مالك (1/ 291)، ومن طريقه الشافعي (معرفة السنن - 6/ 277)، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلًا. ورواه أيضًا عبد الرزاق (7412) عن ابن جريج عن زيد عن عطاء عن رجل من الأنصار، وقد عنعن ابنُ جُرَيج. ورواه مختصرًا أحمد (26498، 26646) من حديث أم سلمة، وفيه: أنها كانت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلان من إناء واحد من الجنابة وكان يقبلها وهو صائم. إسناده صحيح، وقال الهيثمي (3/ 166): رجاله رجال الصحيح.
وذكر أحمد
(1)
أن شابًّا سأله، فقال: أُقبِّل وأنا صائم؟ قال: «لا» . وسأله شيخ: أقبِّل وأنا صائم؟ قال: «نعم» . ثم قال: «إن الشيخ يملك نفسه» .
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله أكلتُ وشربتُ ناسيًا وأنا صائم، فقال:«أطعمَك الله وسقاك» . ذكره أبو داود
(2)
.
وعند الدارقطني
(3)
فيه بإسناد صحيح: «أتِمَّ صومَك، فإن الله أطعمك وسقاك. ولا قضاء عليك» . وكان أول يوم من رمضان.
وسألته صلى الله عليه وسلم عن ذلك امرأة أكلت معه، فأمسكت، فقال:«ما لكِ؟» . فقالت: كنت صائمةً، فنسيتُ. فقال ذو اليدين: الآن بعد ما شبعتِ! فقال النبيُّ
(4)
صلى الله عليه وسلم: «أتِمِّي صومَكِ، فإنما هو رزقٌ ساقه الله إليك» . ذكره أحمد
(5)
.
(1)
برقم (6739، 7055) من حديث عبد الله بن عمرو. ورواه أيضًا أبو داود (2387)، وابن ماجه (1688)، بأسانيد كلها ضعيفة. انظر:«مصباح الزجاجة» (1/ 301)، و «الصحيحة» (1606).
(2)
برقم (2398) من حديث أبي هريرة. وكذلك رواه البيهقي (4/ 229). صححه ابن حبان (3522). وأصله عند البخاري (1933، 6669) ومسلم (1155) من حديث أبي هريرة بدون السؤال.
(3)
(2249، 2250) من حديث أبي هريرة، من طريق ابن خزيمة «صاحب الصحيح» . وفيه الحكم بن عبد الله، قال ابن خزيمة: وأنا أبرأ من عهدته، وقال الدارقطني: ضعيف الحديث.
(4)
لفظ: «النبي» لم يرد في النسخ المطبوعة.
(5)
برقم (27069) من حديث أم إسحاق مولاة أم حكيم بنت دينار. ورواه أيضًا الطبراني (25/ 411)، وفيه بشار بن عبد الملك ضعيف، وأم حكيم مجهولة. ضعفه الزيلعي (2/ 446).
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الخيط الأبيض والخيط الأسود، فقال:«هو بياض النهار وسواد الليل» . ذكره النسائي
(1)
.
ونهاهم عن الوصال، وواصَلَ، فسألوه عن ذلك، فقال:«إني لستُ كهيئتكم، إنِّي يُطعِمني ربِّي ويَسقيني» . متفق عليه
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، تدركني الصلاة وأنا جنُب، أفأصوم
(3)
؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب، فأصوم» . فقال: لستَ مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر. فقال:«والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمَكم بما أتَّقي» . ذكره مسلم
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر، فقال:«إن شئتَ صمتَ، و إن شئتَ أفطرتَ» . وسأله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عمرو، فقال: إني أجد بي
(5)
قوةً على الصيام في السفر، فهل عليَّ جناح؟ فقال: «هي رخصة الله
(6)
، فمن أخذ بها فحسَنٌ، ومن أحبَّ أن يصوم فلا جناح عليه». ذكرهما مسلم
(7)
.
(1)
برقم (2169) من حديث عدي بن حاتم. ورواه أيضًا البخاري (4510) ومسلم (1090).
(2)
البخاري (1964) ومسلم (1105) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
ز: «فأصوم» .
(4)
برقم (1110) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5)
في النسخ المطبوعة: «فيَّ» .
(6)
لفظ الجلالة ساقط من (ك، ب).
(7)
الأول من حديث عائشة رضي الله عنها (1121/ 103) والثاني من حديث حمزة بن عمرو (1121/ 107).
وسئل صلى الله عليه وسلم عن تقطيع قضاء رمضان، فقال:«ذلك إليك، أرأيت لو كان على أحدكم دَينٌ قضى الدرهم والدرهمين، [230/أ] ألم يكن ذلك قضاء؟ فالله أحقُّ أن يعفو ويغفر» . ذكره الدارقطني
(1)
، وإسناده حسن.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إنَّ أمِّي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ فقال: «أرأيت لو كان على أمِّكِ دَين فقضَيتيه
(2)
، أكان يؤدِّي ذلك عنها؟». قالت: نعم، قال:«فصومي عن أمِّكِ» . متفق عليه
(3)
.
وعند أبي داود
(4)
أنّ امرأةً ركبت البحر، فنذرت إنِ اللهُ عز وجل نجَّاها أن تصوم شهرًا. فنجَّاها الله، فلم تصم حتى ماتت. فجاءت ابنتها أو أختها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تصوم عنها.
وسألته صلى الله عليه وسلم حفصة، فقالت: إني أصبحتُ أنا وعائشة صائمتين
(1)
رواه أبو بكر بن أبي شيبة (9206) ــ ومن طريقه الدارقطني (2333)، ثم من طريقه البيهقي (4/ 259) ــ عن يحيى بن سليم عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر مرسلًا. حسنه الدارقطني وقال:«وقد وصله غير أبي بكر (أي ابن أبي شيبة) عن يحيى بن سليم، إلا أنه جعله عن موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر، ولا يثبت متصلًا» ، ثم أسنده (2334). وضعفه البيهقي، وابن عبد الهادي في «التنقيح» (2/ 343).
(2)
ز: «فقضيته» . والمثبت من غيرها موافق لما في مطبوعة «صحيح مسلم» .
(3)
من حديث ابن عباس. علَّق البخاري أوله (1953)، ورواه مسلم (1148).
(4)
برقم (3308) من حديث ابن عباس. ورواه أيضًا الطيالسي (2752)، وأحمد (1861). صححه ابن خزيمة (2054)، والنووي في «المجموع» (6/ 369)، وابن دقيق العيد في «الاقتراح» (98)، وأحمد شاكر في «تحقيق المسند» (3/ 260).
متطوعتين، فأُهدي لنا طعامٌ، فأفطرنا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اقضيا مكانه»
(1)
. ذكره أحمد
(2)
.
ولا ينافي هذا قوله: «الصائم المتطوِّع أميرُ نفسه»
(3)
، فإنَّ القضاء أفضل.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: هلكتُ، وقعتُ على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبةً تُعتِقها
(4)
؟». قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» . قال: لا. قال: «هل تجد إطعامَ ستِّين مسكينًا؟» . قال: لا. قال: «اجلس» . فبينا نحن على ذلك، إذ أُتيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تمر ــ والعَرَق: المِكْتَل الضخم
(5)
ــ فقال: «أين السائل؟» . قال: أنا. قال: «خذ هذا، فتصدَّقْ به» . فقال الرجل: أعلى أفقَرَ منِّي يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها ــ يريد الحَرَّتين ــ أهلُ بيت أفقَرُ من أهل بيتي. فضحك النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه. ثم قال: «أطعِمْه أهلَك» . متفق عليه
(6)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: أيَّ شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان؟ فقال: «إن كنتَ صائمًا بعد رمضان فصُم المحرَّم، فإنه شهرٌ فيه تاب الله
(7)
على قوم،
(1)
ب: «يومًا مكانه» . وفي النسخ المطبوعة: «مكانه يومًا» .
(2)
تقدَّم قريبًا.
(3)
تقدَّم في أول الفصل.
(4)
ك، ب:«فتعتقها» .
(5)
لفظ: «الضخم» ساقط من ك.
(6)
البخاري (1936، 6709) ومسلم (1111) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
ك: «تاب الله فيه» .
ويتوب على قوم آخرين
(1)
». ذكره أحمد
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، لم نَرَك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم في شعبان؟ فقال: «ذاك شهرٌ يغفُل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ
(3)
تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائم». ذكره أحمد
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين، فقال: «ذاك يومٌ وُلِدتُ فيه، وفيه أُنزِل عليَّ
(5)
». ذكره مسلم
(6)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أسامة، فقال: يا رسول الله، إنك تصوم لا تكاد تُفطر، وتفطر
(1)
ك: «ويتوب على آخرين» . ب: «ويتوب فيه على آخرين» .
(2)
برقم (1322، 1335) من حديث علي بن أبي طالب. ورواه أيضًا الترمذي (741)، والبزار (2/ 279). وفيه عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد، كلاهما ضعيف. وضعف الحديث ابن عدي في «الكامل» (5/ 498)، وأحمد شاكر في «تحقيق المسند» (2/ 338).
(3)
لفظ: «شهر» ساقط من ك.
(4)
برقم (21753) من حديث أسامة بن زيد الطويل. ورواه أيضًا النسائي (2754)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (3540)، وفيه ثابت بن قيس، حسن الحديث. والحديث اختاره الضياء (1320، 1356)، وصححه ابن حجر في «فتح الباري» (4/ 236) في أثناء ذكر صيام الاثنين والخميس، وحسنه الألباني في «الصحيحة» (1898) و «الإرواء» (4/ 103).
(5)
في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «القرآن» .
(6)
برقم (1162) من حديث أبي قتادة الأنصاري.
حتى لا تكاد تصوم، إلا يومين إن دخلا في صيامك، وإلا صمتَهما. قال: أيّ يومين؟ قال: يوم الاثنين ويوم الخميس. قال: «ذانك يومان تُعرَض فيهما الأعمال على ربِّ العالمين، فأُحِبُّ أن يُعرَض عملي وأنا صائم» . ذكره أحمد
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله، إنك تصوم الاثنين والخميس. فقال:«إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكلِّ مسلم إلا مهتجرين» ، يقول:«حتَّى يصطلحا» . ذكره ابن ماجه
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر؟ [230/ب] قال:«لا صام ولا أفطر» أو قال: «لم يصم ولم يفطر» . قال: كيف بمن يصوم يومين ويفطر يومًا؟ قال: «ويطيق ذلك أحد؟» . قال: كيف بمن يصوم يومًا ويفطر يومًا؟ قال: «ذاك صوم داود» . قال: كيف بمن يصوم يومًا ويفطر يومين؟ قال: «وددتُ أني طُوِّقتُ ذلك» . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كلِّ شهر، ورمضان إلى رمضان= هذا صيام الدهر كلِّه. صيامُ يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده. وصيامُ يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي بعده» . ذكره مسلم
(3)
.
(1)
برقم (21753)، وقد تقدَّم قبل حديث.
(2)
برقم (1740) من حديث أبي هريرة. وفيه محمد بن رفاعة، فيه لين. وأصل الحديث في مسلم (2565) بلفظ «تُعرَض الأعمال في كلِّ يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم، لكل امرئٍ لا يُشرِك بالله شيئًا، إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال: اركُوا هذين حتى يصطلحا، اركُوا هذين حتى يصطلحا» .
(3)
برقم (1162) من حديث أبي قتادة.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: أصوم يومَ الجمعة ولا أكلِّم أحدًا؟ فقال: «لا تصُمْ يوم الجمعة إلا في أيامٍ هو أحدُها، أو في شهر. وأمَّا أن لا تكلِّم أحدًا، فلَعمري أن تكلِّم بمعروف أو تنهى عن منكر خيرٌ من أن تسكت» . ذكره أحمد
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فقال: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يومًا في المسجد الحرام، فكيف ترى؟ فقال:«اذهب، فاعتكف يومًا»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، أفي رمضان أو في غيره؟ قال:«بل في رمضان» . فقيل: تكون مع الأنبياء ما كانوا، فإذا قُبِضوا رُفِعت أم هي إلى يوم القيامة؟ قال:«بل هي إلى يوم القيامة» . قيل: في أيِّ رمضان هي؟ قال: «التمِسوها في العشر الأول، أو العشر
(3)
الآخر». فقيل: في أيِّ العشرين؟ قال: «ابتغوها في العشر الأواخر. لا تسألَنَّ
(4)
عن شيء بعدها». فقال: أقسمتُ عليك بحقِّي عليك لمَّا أخبرتَني في أيِّ العشر هي؟ فغضِب غضبًا شديدًا، وقال: «التمسوها في السبع الأواخر. لا تسألَنَّ عن شيء
(1)
برقم (21954) من حديث بشير ابن الخصاصية. ورواه أيضًا عبد بن حميد (428)، والبيهقي في «الشعب» (7171). وفيه ليلى امرأة بشير ابن الخصاصية، اختلف في صحبتها، ذكرها ابن حبان في الصحابة، فقال: يقال لها: صحبة، ثم ذكرها في ثقات التابعين. انظر:«الإصابة» (13/ 254، 14/ 186). والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2945).
(2)
رواه البخاري (2032، 2042، 6697) ومسلم (1656) من حديث ابن عمر.
(3)
في النسخ المطبوعة: «في العشر» .
(4)
في النسخ المطبوعة: «لا تسألني» .
بعدها». ذكره أحمد
(1)
، والسائل أبو ذَرٍّ.
وعند أبي داود
(2)
أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن ليلة القدر فقال: «في كلِّ رمضان» .
وسئل عنها أيضًا، فقال:«كم الليلة؟» . فقال السائل: ثنتان وعشرون. قال: «هي الليلة» . ثم رجع، فقال:«أو القابلة» . يريد ثلاثًا وعشرين. ذكره أبو داود
(3)
.
وسأل صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُنَيس: متى نلتمس هذه الليلة المباركة؟ فقال: «التمسوها هذه الليلة» ، وذلك مساء ليلة ثلاث وعشرين
(4)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها: إن وافقتها فبم أدعو؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ، فاعفُ عنِّي» . حديث صحيح
(5)
.
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
برقم (1387) من حديث ابن عمر، والطحاوي في «معاني الآثار» (3/ 84)، والبيهقي (4/ 307)، ورجح الثلاثة الوقفَ.
(3)
برقم (1379) من حديث عبد الله بن أنيس. ورواه أيضًا النسائي في «الكبرى» (3387) والبيهقي (4/ 309). وفيه ضمرة بن عبد الله بن أنيس، لم يوثقه إلا ابن حبان، وروى عنه الثقات. وتابعه مثيله عبد الله بن عبد الله بن خبيب عند ابن نصر المروزي في «قيام الليل» (ص 110) وأحمد (16046)، فيتقوّى. صححهما ابن خزيمة (200 و 2185، 2186) ولاءً. انظر: «صحيح أبي داود - الأم» (1248).
(4)
رواه أحمد (16406)، وهو الحديث السابق.
(5)
رواه أحمد (25384)، والترمذي (3522)، والنسائي في «الكبرى» (10642)، وابن ماجه (3850) من حديث عائشة. صححه الترمذي، والحاكم (1/ 529)، والألباني في «الصحيحة» (3337). وانظر: تعليق محققي «المسند» .
فصل
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، فقالت: نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد؟ قال:«لكنَّ أفضل الجهاد وأجمله حجٌّ مبرورٌ» . ذكره البخاري
(1)
. وزاد أحمد
(2)
: «هو لكُنَّ
(3)
جهاد».
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة: ما يعدل حَجَّةً معك؟ فقال: «عمرة في رمضان» . ذكره أحمد
(4)
، وأصله في «الصحيح»
(5)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم أم معقل، فقالت: يا رسول الله، [31/أ] إنَّ عليَّ حَجَّةً، وإنَّ لأبي معقل بَكْرًا. فقال أبو معقل: صدقَتْ، قد جعلتُه في سبيل الله. فقال:«أعطِها فَلْتَحُجَّ عليه، فإنه في سبيل الله» . فأعطاها البكر، فقالت: يا رسول الله، إنِّي امرأة قد كبرتْ سنِّي وسقِمتُ، فهل من عمل يجزئ عني من حَجَّتي؟ فقال: «عمرة في رمضان تجزئ حجَّة
(6)
». ذكره أبو داود
(7)
.
(1)
برقم (1520).
(2)
في «المسند» (24424)، وفيه يزيد يعني ابن عطاء، فيه لين.
(3)
ك، ب:«لكن هو» .
(4)
برقم (2808) من حديث عبد الله بن عباس، لكن بدون السؤال. وبسياق المؤلف رواه أبو داود (1990)، وابن خزيمة (3077)، والبيهقي (6/ 164). صححه ابن خزيمة (3077)، والحاكم (1/ 483)، و النووي في «المجموع» (6/ 212).
(5)
انظر: حديث ابن عباس في «صحيح البخاري» (1782، 1863) ومسلم (1256).
(6)
في النسخ المطبوعة: «عن حجة» ، وفي «سنن أبي داود» كما أثبت من النسخ.
(7)
برقم (1988) وأحمد (45/ 71) من طريق إبراهيم بن مهاجر، وهو ضعيف. ينظر للتفصيل تعليق شعيب الأرناؤوط على «المسند» .
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني أُكري في هذا الوجه، وكان الناس يقولون: ليس لك حجٌّ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]، فأرسل إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه، وقال:«لك حجٌّ» . ذكره أبو داود
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الحجِّ أفضل؟ قال: «العَجُّ والثَّجُّ» . فقيل: ما الحاج؟ قال: «الشَّعِثُ التَّفِل» . قال: ما السبيل؟ قال: «الزاد والراحلة» . ذكره الشافعي
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: «لا. وإن تعتمر فهو أفضل» . قال الترمذي
(3)
: صحيح.
(1)
برقم (1733) من حديث ابن عمر. ورواه أيضًا أحمد (6434). وصححه الحاكم (1/ 448). وانظر: «صحيح أبي داود - الأم» (1523).
(2)
في «الأم» (3/ 289، 290) من حديث ابن عمر. ورواه أيضًا الترمذي (812)، وابن ماجه (2896)، والدارقطني (2/ 215). انظر للتفصيل:«نصب الراية» (3/ 7). والحديث ضعيف من جميع الطرق، ضعفه البيهقي (4/ 330)، وابن عبد البر في «التمهيد» (3/ 462)، وابن عبد الهادي في «رسالة لطيفة» (29)، وابن حجر في «البلوغ» (199)، والألباني في «الإرواء» (988).
(3)
برقم (931) من حديث جابر بن عبد الله. ورواه أحمد (14397)، وأبو يعلى (1938)، والدارقطني (2724). وفيه الحجاج بن أرطاة، ضعيف. وضعَّف الحديث البيهقي (4/ 349)، والحافظ في «الفتح» (3/ 597). وانظر:«نصب الراية» (3/ 150).
وعند أحمد أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: «لا. وأن تعتمروا خير لكم»
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إن أبي أدركه الإسلام، وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرَّحل، والحجُّ مكتوبٌ علينا، أفأحُجُّ عنه؟ قال:«أنت أكبر ولده؟» . قال: نعم. قال: «أرأيتَ لو كان على أبيك دينٌ، فقضيته عنه، أكان ذلك يُجزئ عنه؟» . قال: نعم. قال: «فحُجَّ عنه» . ذكره أحمد
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو رَزِين فقال: إنَّ أبي شيخ كبير لا يستطيع الحجَّ ولا العمرة ولا الظَّعْنَ، فقال له:«حُجَّ عن أبيك، واعتمِرْ»
(3)
. قال الدارقطني
(4)
: إسناده كلُّهم ثقات.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إن أبي مات ولم يحجَّ، أفأحجُ عنه؟ فقال:«أرأيت إن كان على أبيك دَين، أكنتَ قاضيه؟» . قال: نعم قال: «فدَين الله أحقُّ» ذكره أحمد
(5)
.
(1)
وهو الحديث السابق.
(2)
تقدَّم تخريجه.
(3)
رواه أحمد (16184، ومواضع)، وأبو داود (1810)، والترمذي (930)، والنسائي (2621)، وابن ماجه (2906)، من حديث أبي رَزِين. صححه الترمذي، وابن خزيمة (2040)، وابن حبان (3991)، والدارقطني (2710)، والحاكم (1/ 481).
(4)
في «السنن» (2710) دون لفظ «إسناده» . وفي النسخ المطبوعة: «رجال إسناده
…
».
(5)
برقم (2336) من حديث ابن عباس، لكن بذكر الأم دون الأب، وإسناده صحيح. وبسياق المؤلف رواه النسائي (2639)، وفيه الحكم بن أبان، فيه لين. وله شاهد صححه ابن حبان (3992). وصحح الحديث ابن حزم في «حجة الوداع» (464).
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إنَّ أمي ماتت ولم تحجَّ، أفأحجُّ عنها؟ قال:«نعم، حُجِّي عنها» . حديث صحيح
(1)
.
وعند الدارقطني
(2)
أنَّ رجلًا سأله، فقال: هلك أبي ولم يحُجَّ، قال:«أرأيتَ لو كان على أبيك دَين، فقضيتَه، أيُقبَل منك؟» قال: نعم. قال: «فاحجُجْ عنه» . وهو يدل على أن السؤال والجواب إنما كانا عن القبول والصحة، لا عن الوجوب. والله أعلم.
وأفتى صلى الله عليه وسلم رجلًا سمعه يقول: لبيَّك عن شُبْرُمة، قريبٍ له، فقال:«أحججتَ عن نفسك؟» قال: لا. قال: «حُجَّ عن نفسك، ثم حُجَّ عن شبرمة» . ذكره الشافعي وأحمد
(3)
.
وسألته امرأة عن صبيٍّ رفعته إليه، فقالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: «نعم، ولك أجر» . ذكره مسلم
(4)
.
(1)
رواه مسلم (1149) من حديث بريدة. وقد تقدَّم جزء منه.
(2)
برقم (2611) من حديث أنس. وكذلك رواه الطبراني في «الأوسط» (1/ 38) وقال: لم يروه عن ثابت إلا عباد بن راشد. قال عنه الحافظ: صدوق له أوهام.
(3)
رواه الشافعي في «الأم» (3/ 307) موقوفًا على ابن عباس، وذكره أحمد مرفوعًا محتجًّا به في «مسائله» رواية صالح (2/ 139)، ورواه أبو داود (1811)، وابن ماجه (2903)، والدارقطني (2642)، وصححه ابن خزيمة (3039) وابن حبان (3988). وصوَّب أحمد وابن المنذر الوقفَ كما في «التلخيص الحبير» (4/ 1512)، ورجّح الدارقطني الإرسال كما في «علله» (3874). وانظر:«معرفة السنن والآثار» (7/ 28 وما بعدها)، و «إرواء الغليل» (994).
(4)
برقم (1336) من حديث ابن عباس.
وسأله رجل، فقال: إن أختي نذرت أن تحُجَّ، وإنها ماتت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لو كان عليها دَين أكنت قاضيَه؟» قال: نعم. قال: «فاقض الله فهو أحقُّ بالقضاء» . متفق عليه
(1)
.
وسئل: ما يلبس المحرم في إحرامه؟ فقال: «لا يلبس القميص، ولا العمامة، ولا البُرْنُس، ولا السراويل، ولا ثوبًا مسَّه وَرْسٌ ولا زعفران، ولا الخفَّين، إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين» متفق عليه
(2)
.
[231/ب] وسأله صلى الله عليه وسلم رجل عليه جبَّة، وهو مضمَّخ
(3)
بالخَلوق، فقال: أحرمتُ بعمرة، وأنا كما ترى، فقال:«انزع عنك الجبَّة، واغسل عنك الصفرة» . متفق عليه. وفي بعض طرقه: «واصنع في عمرتك ما تصنع في حجَّتك»
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو قتادة عن الصيد الذي صاده وهو حلال، فأكل أصحابه منه وهم مُحْرِمون، فقال:«هل معكم منه شيء؟» ، فناوله العضد، فأكلها وهو مُحرم. متفق عليه
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عما يقتل المُحْرِم، فقال: «الحية، والعقرب، والفُوَيْسِقة،
(1)
لم يروه مسلم. وإنما رواه البخاري (6699) من حديث ابن عباس.
(2)
البخاري (5806) ومسلم (1177) من حديث ابن عمر.
(3)
في النسخ المطبوعة: «متضمخ» .
(4)
رواه البخاري (1536) ومسلم (1180) من حديث يعلى بن أمية.
(5)
البخاري (2570) ومسلم (1196).
والكلب العقور، والسبع العادي». زاد أحمد:«ويُرمى بالغراب ولا يُقتل»
(1)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم ضُباعة بنت الزبير، فقالت: إني أريد الحج وأنا شاكية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حُجِّي واشترِطي أنَّ محِلِّي حيث حبستَني» . ذكره مسلم
(2)
.
واستفتته أمُّ سلمة في الحجِّ، وقالت: إني أشتكي، فقال:«طوفي من وراء الناس وأنت راكبة»
(3)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة، فقالت: يا رسول الله ألا أدخل البيت، فقال:«ادخلي الحِجْرَ، فإنه من البيت»
(4)
.
واستفتاه صلى الله عليه وسلم عروة بن مضرِّس، فقال: يا رسول الله جئتُ من جبلي طيئ، أذللتُ
(5)
مطيتي، وأتعبتُ نفسي، والله ما تركتُ من حَبْل
(6)
إلا وقفت عليه،
(1)
رواه أحمد (10990)، وأبو داود (1848)، والبيهقي (9/ 316). وفيه يزيد بن أبي زياد، ضعيف. وثبت قتل الغراب للمحرم عند عبد الرزاق (8385)، وعند النسائي (2829)«الغراب الأبقع» . وأصل الحديث عند البخاري (1829) ومسلم (1198).
(2)
برقم (1207).
(3)
رواه البخاري (464) ومسلم (1276).
(4)
رواه الطيالسي (1562)، والنسائي (2911)، وأبو عوانة (3164)، من حديث عائشة بهذا اللفظ. صححه الألباني في «الإرواء» (1106). وأصل الحديث عند البخاري (1584) ومسلم (1333). انظر لطرق الحديث وألفاظه «الإرواء» .
(5)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة، وكذا في مطبوعة «المعجم الكبير» للطبراني (387). ويبدو أنه تصحيف «أكللتُ» ، وهي الرواية المشهورة. ويروى:«أنضيت» .
(6)
في النسخ المطبوعة: «جبل» ، تصحيف. والحبل: المستطيل من الرمل. وقيل: الضخم منه. انظر: «النهاية في غريب الحديث» (1/ 333)، و «جامع الترمذي» عقب (891).
هل لي من حجٍّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك معنا هذه الصلاة ــ يعني صلاة الفجر ــ وأتى عرفاتَ قبل ذلك ليلًا أو نهارًا تمَّ حجُّه وقضى تفثَه» . حديث صحيح
(1)
.
واستفتاه صلى الله عليه وسلم ناس من أهل نجد فقالوا: يا رسول الله كيف الحجُّ؟ فقال: «الحجُّ عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر [ليلةَ جَمْعٍ فقد تمَّ حجُّه. أيام منًى ثلاثة، فمن تعجَّلَ في يومين فلا إثم عليه]
(2)
، ومن تأخَّر فلا إثم عليه»، ثم أردف رجلًا خلفه ينادي بهن. ذكره أحمد
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: لم أشعر فحلقتُ قبل أن أذبح، فقال:«اذبح ولا حرَج» . وسأله صلى الله عليه وسلم آخر، فقال: لم أشعر فنحرتُ قبل أن أرمي، فقال:«ارمِ ولا حرج» . فما سئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن شيء قدِّم ولا أخِّر إلا قال:
(1)
رواه أحمد (18300)، وأبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (3039)، وابن ماجه (3016)، من حديث عروة بن مُضرِّس الطائي. صححه الترمذي، وابن خزيمة (2820)، وابن حبان (3850)، والحاكم (1/ 463)، وابن حزم في «حجة الوداع» (180)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (3/ 582).
(2)
ما بين المعقوفين من «المسند» ، ويبدو أنه سقط في النقل. وفي النسخ المطبوعة مكانه:«تمَّ حجُّه» فقط.
(3)
برقم (18774) من حديث عبد الرحمن بن يعمر الدِّيلي. ورواه أيضًا أبو داود (1949)، والترمذي (889)، والنسائي (3016)، وابن ماجه (3015). صححه ابن خزيمة (2822)، وابن حبان (3892)، والحاكم (1/ 464).
«افعل ولا حرج» . متفق عليه
(1)
.
وعند أحمد
(2)
: فما سئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور على بعض وأشباهها إلا قال: «افعل ولا حرج» . وفي لفظ: حلقت قبل أن أنحر، قال:«اذبح ولا حرج» . وسأله صلى الله عليه وسلم آخر قال: حلقتُ ولم أرم، قال:«ارمِ ولا حرج» . وفي لفظ: أنه سئل عمن ذبح قبل أن يحلق أو حلق قبل أن يذبح قال: «لا حرج» . وكان
(3)
الناس يأتونه، فمن قائلٍ: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، وأخَّرت شيئًا وقدَّمت شيئًا، فكان يقول:«لا حرج إلا على رجلٍ اقترض عِرضَ مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حَرِجَ وهَلَك» . ذكره أبو داود
(4)
.
وأفتى صلى الله عليه وسلم كعب بن عُجْرة أن يحلِقَ رأسه وهو مُحْرم لأذى القَمْل: أن ينسُك بشاة، أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام
(5)
. وأفتى صلى الله عليه وسلم من أهدى بدنةً أن يركبها
(6)
. متفق عليهما
(7)
.
(1)
البخاري (83) ومسلم (1306) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
(2)
برقم (6484). وهو عند البخاري (1736) ومسلم (2418).
(3)
في النسخ المطبوعة: «وقال: كان» بزيادة «قال» .
(4)
برقم (2015) من حديث أسامة بن شريك. صححه ابن خزيمة (2774)، وأعلَّه الدارقطني (2565) والبيهقي (5/ 146) بتفرد جرير عن الشيباني بقوله:«سعيت قبل أن أطوف» .
(5)
رواه البخاري (1814) ومسلم (1201).
(6)
رواه البخاري (1689) ومسلم (1322) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
ك، ب:«متفق عليه» . والصواب ما أثبت من ز.
وسأله صلى الله عليه وسلم ناجية الخُزاعي: ما يصنع بما عَطِب من الهدي؟ فقال: «انحَرْها، واغمِسْ نعلها في دمها، واضرب به صفحتها
(1)
، وخلِّ بينها وبين الناس فيأكلوها، ولا [232/أ] يأكل منه هو ولا أحد من أهل رُفقته»
(2)
.
وسأله عمر فقال: إني أَهدَيتُ نجيبًا، فأُعطيتُ بها ثلاثمائة دينار، فأبيعها فأشتري بها بُدْنًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا، انحرها إياها»
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم: ما هذه الأضاحي؟ فقال: «سنة أبيكم إبراهيم» . قالوا
(4)
: فما لنا منها؟ قال: «بكلِّ شعرة حسنة» . قالوا: يا رسول الله فالصوف؟ قال: «بكلِّ شعرة من الصوف حسنة» . ذكره أحمد
(5)
.
(1)
في النسخ المطبوعة: «صفحاتها» .
(2)
رواه أحمد (18943)، وأبو داود (1762)، والترمذي (910)، وابن ماجه (3106)، من حديث ناجية الخزاعي. صححه الترمذي، وابن خزيمة (2577)، وابن حبان (4023)، والحاكم (1/ 447).
(3)
رواه أبو داود (1756)، وابن خزيمة (2911)، والبيهقي (5/ 241). وفيه جهم بن الجارود عن سالم، والحديث ضعيف لجهالة جهم والانقطاع بينه وبين سالم. انظر:«ضعيف أبي داود» - الأم (30).
(4)
ك، ب:«فقالوا» . وفي النسخ المطبوعة: «قال» .
(5)
رواه أحمد (19283)، وابن ماجه (3127)، والحاكم (2/ 389)، والبيهقي (9/ 261) من حديث زيد بن أرقم. وفيه عائذ الله المُجاشعي وأبو داود نُفيع بن الحارث الأعمى الكوفي، ضعيفان. وضعّف الحديث البخاري عند البيهقي، والعقيليُّ (3/ 415)، وابن حبان في «المجروحين» (2/ 98)، وابن حجر في «الإتحاف» (4/ 597)، والبوصيري في «المصباح» (2/ 156).
وسأله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عن يوم الحج الأكبر، فقال:«يوم النحر» . ذكره الترمذي
(1)
.
وعند أبي داود
(2)
بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجَّة التي حجَّ فيها، فقال:«أي يوم هذا؟» . قالوا: يوم النحر. فقال: «هذا يوم الحجِّ الأكبر» .
وقد قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3]. وإنما أذَّن المؤذِّن بهذه البراءة يوم النحر، وثبت في «الصحيح» عن أبي هريرة أنه قال: يوم الحج الأكبر يوم النحر
(3)
.
وأفتى صلى الله عليه وسلم أصحابه بجواز فسخهم الحجَّ إلى العمرة، ثم أفتاهم باستحبابه، ثم أفتاهم بفعله حتمًا. ولم ينسخه شيء بعده. والذي ندين الله به أن القول بوجوبه أقوى وأصحُّ من القول بالمنع منه. وقد صح عنه صحةً لا شك فيها أنه قال:«من لم يكن أهدى فَلْيُهِلَّ بعمرة، ومن كان أهدى فَلْيُهِلَّ بحجٍّ مع عمرة»
(4)
. وأما ما فعله هو فإنه صحَّ عنه أنه قرَن بين الحج والعمرة
(1)
برقم (957)، وقد تقدم.
(2)
برقم (1945) من حديث ابن عمر، وقد تقدم.
(3)
رواه البخاري (4656) ومسلم (1347) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
رواه أحمد (14944) من حديث جابر. من طريق قطن، بلفظ قريب من لفظ المصنف، ولم أعرفه. قال محققو «المسند»: لعله محرَّف عن فطر وهو ابن خليفة. ويغني عنه ما في البخاري (1691).
من بضعة وعشرين وجهًا. رواه عنه ستة عشر نفسًا من أصحابه
(1)
. ففعل القِرانَ، وأمر بفعله من ساق الهدي، وأمر بفسخه إلى التمتُّع من لم يسُق الهدي. وهذا من فعله وقوله كأنه رأي عين. وبالله التوفيق.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: أرأيتَ إن لم أجد إلا منيحةً أنثى، أفأضحِّي بها؟ قال: «لا، ولكن خُذ من شعرك وأظفارك، وتقُصُّ
(2)
شاربك، وتحلِق عانتك. فذلك
(3)
تمام أضحيتك عند الله». ذكره أبو داود
(4)
.
والمنيحة: الشاة التي أعطاه إياها غيرُه لينتفع بلبنها، فمنعت من التضحية بها لأنها ليست ملكه. وإن كان قد منحها هو غيره وقتًا معلومًا لزم الوفاء له بذلك، فلا يضحِّي بها أيضًا.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعةً من أصحابه كانوا معه، فأخرج كلُّ واحد منهم درهمًا، فاشتروا أضحية، فقالوا: يا رسول الله لقد أغلينا بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها» . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رَجُلٌ برِجْلٍ، ورجلٌ برِجْلٍ، ورجُلٌ بيد، ورجُلٌ بيد، ورجُلٌ بقَرْن، ورجُلٌ بقَرْن، وذبحها
(1)
انظر: «تهذيب السنن» (1/ 311) و «زاد المعاد» (2/ 102 - 111).
(2)
في النسخ: «بعض» ، وبتشديد الضاد في ك. والظاهر أنه تصحيف ما أثبت من «السنن». وفي النسخ المطبوعة:«قصَّ» .
(3)
في النسخ المطبوعة: «وذلك» .
(4)
برقم (2789) من حديث عبد الله بن عمرو. ورواه أيضًا أحمد (6575). صححه ابن حبان (5914)، والحاكم (4/ 223)، وضعفه الألباني في «ضعيف أبي داود» - (482) لأجل جهالة عيسى بن هلال، وللاضطراب.
السابع، وكبَّروا عليها جميعًا. ذكره أحمد
(1)
.
نزل هؤلاء النفر منزلة أهل البيت الواحد في إجزاء الشاة عنهم، لأنهم كانوا رفقة واحدة.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إنَّ عليَّ بدنة، وأنا موسِرٌ بها، ولا أجدها فأشتريها. فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبعَ شياهٍ، فيذبحهن. ذكره أحمد
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم زيد بن خالد عن جَذَعٍ من المعز، فقال:«ضحِّ به» . ذكره أحمد
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو بُردة بن نِيار عن شاة ذبحها يوم العيد فقال: «أَقَبْل الصلاة؟» ، قال [232/ب]: نعم. قال: «تلك شاةُ لحمٍ» . قال: عندي عَنَاقٌ
(1)
برقم (15494) من حديث أبي الأشدِّ السلمي عن أبيه عن جده. ورواه أيضًا الحاكم (4/ 231)، والبيهقي (5/ 268)، وأبو الأشد أبوه في عداد المجاهيل. وضعف الحديث الحافظ في «الإتحاف» (16/ 814) والألباني في «الضعيفة» (1678).
(2)
برقم (2839، 2851) من حديث ابن عباس. ورواه أيضًا ابن ماجه (3136)، والبيهقي (5/ 169)، وفيه ابن جريج، مدلس ولم يصرِّح بالتحديث، وفيه عطاء الخراساني، يهِم كثيرًا ولم يلقَ ابن عباس. ضعف الحديث ابن القطان في «بيان الوهم» (2/ 394)، والضياء المقدسي في «السنن والأحكام» (4/ 120)، والألباني في «الإرواء» (1062).
(3)
برقم (21690) من حديث زيد بن خالد الجهني. ورواه أيضًا أبو داود (2798)، وابن حبان (5899). وفيه عُمَارة بن عبد الله بن طُعمَة، ذكره ابن حبان في «الثقات» (7/ 260) وروى عنه جمعٌ. وحسن الحديث النووي في «المجموع» (8/ 395)، وابن حجر في «موافقة الخبر» (2/ 13). وانظر:«فتح الباري» (10/ 14، 15).
جَذَعة هي أحبُّ إليَّ
(1)
من مُسِنَّة. قال: «تجزئ عنك، ولن تجزئ عن أحد بعدك» . ذكره أحمد
(2)
. وهو صحيح صريح في أن الذبح قبل الصلاة لا يجزئ، سواء دخل وقتها أو لم يدخل. وهذا الذي ندين الله به قطعًا، ولا يجوز غيره.
وفي «الصحيحين»
(3)
من حديث جُنْدَب بن سفيان البَجَلي عنه صلى الله عليه وسلم: «من كان ذبَح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى. ومن لم يكن ذبح حتى صلَّينا فليذبح باسم الله» .
وفي «الصحيحين»
(4)
من حديث أنس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان ذبح قبل الصلاة فَلْيُعِدْ» . ولا قول لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو سعيد، فقال: اشتريتُ كبشًا أضحِّي به، فعدا الذئب، فأخذ أَلْيَتَه، فقال:«ضحِّ به» . ذكره أحمد
(5)
.
وأفتى صلى الله عليه وسلم من أراد الخروج إلى بيت المقدس للصلاة أن يصلِّي في مكة. ذكره أحمد
(6)
.
(1)
ك، ب:«إلينا» .
(2)
(27/ 15، 30/ 625)، وقد تقدَّم.
(3)
البخاري (985) ومسلم (1960).
(4)
البخاري (954) ومسلم (1962).
(5)
برقم (11274) من حديث أبي سعيد الخدري. ورواه أيضًا الطيالسي (2351) وابن ماجه (3146)، وفيه جابر الجعفي، ضعيف. وضعف الحديث الذهبي في «الميزان» (4/ 16)، وابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 320 - 322).
(6)
برقم (24009/ 1) من حديث الأرقم بن أبي الأرقم، وفيه يحيى بن عمران وعبد الله بن عثمان بن الأرقم، في عداد المجاهيل. ورواه أيضًا الحاكم (3/ 504)، والضياء (1300 - 1302). انظر للطرق والاختلاف فيها: تعليق محققي «مسند أحمد» .
وسأله صلى الله عليه وسلم آخر يوم فتح مكة، فقال: إني نذرتُ إن فتح الله عليك مكة أن أصلِّي في بيت المقدس، فقال:«صلِّ هاهنا» . ثم سأله، فقال:«شأنك إذن» . ذكره أبو داود
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ذر: أيُّ مسجد وُضِع في الأرض أولَ؟ قال: «المسجد الحرام» . قال: ثم أيٌّ؟ قال: «المسجد الأقصى» . قال: كم بينهما؟ قال: «أربعون عامًا» . متفق عليه
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ المسجدين أُسِّس على التقوى؟ قال: «مسجدكم هذا» يريد مسجد المدينة. ذكره مسلم
(3)
. وزاد الإمام أحمد
(4)
: «وفي ذلك خير كثير» . يعني مسجد قباء.
فصل
وسئل: أيُّ آية في القرآن أعظم؟ فقال: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
(1)
برقم (3305) من حديث جابر. ورواه أيضًا أحمد (14919)، والدارمي (2339)، وأبو يعلى (2116، 2224). صححه الحاكم (4/ 304)، وابن عبد الهادي في «المحرر» (773)، وابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 509).
(2)
تقدَّم في فتاوى الصلاة.
(3)
برقم (1398) من حديث أبي سعيد.
(4)
(11864) من حديث أبي سعيد. ورواه أيضًا الترمذي (323). صححه الترمذي، وابن حبان (1626)، والحاكم (1/ 487).
[البقرة: 255]. ذكره أبو داود
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ضربتُ خِبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا قبرُ إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر» . ذكره الترمذي
(2)
، وقال ابن عبد البر: هو صحيح
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: أقرئني سورة جامعة. فأقرأه {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] حتى فرغ منها، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدًا. ثم أدبر الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفلح الرُّويجِلُ» مرتين.
(1)
برقم (4003) من حديث واثلة بن الأسقع. ورواه أيضًا البخاري في «التاريخ» (8/ 430)، والطبراني (1/ 334). وفيه مولى لابن الأسقع، مجهول. ضعفه به الهيثمي في «المجمع» (6/ 321). وله شاهد رواه مسلم (810) من قصة أُبَيّ.
(2)
برقم (2890) من حديث ابن عباس. ورواه ايضًا الطبراني (12/ 135)، والبيهقي في «الشعب» (2510). وفيه يحيى بن عمرو، ضعيف. ضعف الحديث ابن عدي في «الكامل» (9/ 37)، والبيهقي في «الدلائل» (7/ 41). وله شواهد وطرق، انظر:«العلل» للدارقطني (5/ 54)، و «الصحيحة» (1140).
(3)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة ولم أقف على قول ابن عبد البر. ولما أورد المصنف هذا الحديث في كتاب «الروح» (1/ 235) ذكر قولَ الترمذي: «هذا حديث حسن غريب» ، ثم نقل حديثًا عن «مسند عبد بن حميد» ، ثم قال:«قال أبو عمر بن عبد البر: وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن سورة ثلاثين آية شفعت في صاحبها حتى غُفِر له» الحديث. فأخشى أن يكون المقصود هنا هذا الحديث وقد سقط سهوًا.
ذكره أبو داود
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: إني أحبُّ سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فقال: «حبُّك إياها أدخلك الجنة»
(2)
.
وقال له عُقبة بن عامر: أقرأ سورة هود وسورة يوسف؟ فقال: «لن تقرأ شيئًا أبلغ عند الله من {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]» . ذكره النسائي
(3)
.
وفي الترمذي
(4)
عنه أنه صلى الله عليه وسلم سئل: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال:
(1)
برقم (1399) من حديث عبد الله بن عمرو. ورواه أيضًا أحمد (6575)، والنسائي في «الكبرى» (7973، 10484)، وابن حبان (773). وفيه عيسى بن هلال، مجهول.
(2)
رواه أحمد (12432) والترمذي (2901) من حديث أنس. صححه الترمذي، وابن حبان (794)، والحاكم (1/ 240)، وابن تيمية في «جامع الرسائل» (2/ 257)، وحسنه الألباني في «أصل صفة الصلاة» (1/ 401).
(3)
برقم (953) من حديث عقبة بن عامر الجهني. ورواه أيضًا أحمد (17341، 17455). وعند غير النسائي بقراءة «الفلق» فقط، وعند غير الحاكم «أَقرِئْني» بدل «أقرأ» . صححه ابن حبان (795)، والحاكم (2/ 540)، والألباني في «صحيح الموارد» (1487).
(4)
برقم (2948) من حديث ابن عباس. ورواه أيضًا الطبراني (12/ 168)، والحاكم (1/ 568)، كلهم من طريق صالح المرِّي مرفوعًا. ورواه الدارمي (3519) من طريق صالح المرِّي مرسلًا، وصالح ضعيف. وضعف الحديث الترمذي ورجح الإرسال، والذهبي في «السير (4/ 516)، وابن مفلح في «الآداب» (2/ 302).
«الحالُّ المرتحِل» . وفهم من هذا بعضهم
(1)
أنه إذا فرغ من ختم القرآن قرأ فاتحة الكتاب وثلاث آيات من سورة البقرة، لأنه حلَّ بالفراغ وارتحل بالشروع. وهذا لم يفعله أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا استحبَّه أحد من الأئمة. والمراد بالحديث: الذي كلَّما حلَّ من غزاة ارتحل في أخرى، أو كلما حلَّ من عمل ارتحل إلى غيره تكميلًا له كما كمَّل الأول. وأما هذا [233/أ] الذي يفعله بعض القراء فليس مراد الحديث قطعًا. وبالله التوفيق.
وقد جاء تفسيرُ الحديث متصلًا به: «أن يضرب من أول القرآن إلى آخره، كلما حلَّ ارتحل» ، وهذا له معنيان، أحدهما: أنه كلما حلَّ من سورة أو جزء ارتحل في غيره. والثاني: أنه كلما حلَّ من ختمة ارتحل في أخرى.
وسئل عن أهل الله: من هم؟ فقال: «هم أهل القرآن، أهل الله وخاصَّته» . ذكره أحمد
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص: في كم أقرأ القرآن؟ فقال: «في شهر» فقال: أطيق أفضل من ذلك. فقال: «في عشرين» . فقال: أطيق أفضل من ذلك. فقال: «في خمس عشرة» . فقال: أطيق أفضل من ذلك: قال: «في
(1)
في النسخ المطبوعة: «بعضهم من هذا» .
(2)
برقم (12292) من حديث أنس. ورواه أيضًا الطيالسي (2238)، وابن ماجه (215)، والبزار (13/ 520)، والنسائي في «الكبرى» (7977). وفيه بديل، حسن الحديث. صححه الحاكم (1/ 556)، والمنذري في «الترغيب» (2/ 303)، والبوصيري في «الزوائد» (1/ 29)، وحسنه العراقي في «تخريج الإحياء» (1/ 363).
عشر
(1)
». فقال: أطيق أفضل من ذلك. قال: «في خمس» . قال: أطيق أفضل من ذلك. قال: «لا يفقه القرآن من قرأه في أقلَّ من ثلاث» . ذكره أحمد
(2)
.
واختلف رجلان في آيةٍ كلٌّ منهما أخذها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألاه عنها، فقال لكل منهما:«هكذا أُنزلت» . ثم قال: «أُنزل القرآن على سبعة أحرف» . متفق عليه
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أي المجاهدين أعظم أجرًا؟ قال: «أكثرهم ذكرًا لله» . قيل: فأيُّ الصائمين أعظم أجرًا؟ قال: «أكثرهم لله ذكرا» . ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة، كلّ ذلك يقول:«أكثرهم لله ذكرًا» . فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: ذهب الذاكرون بكلِّ خير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أجَلْ» . ذكره أحمد
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن المُفْردين الذين هم أهل السَّبق، فقال:«الذاكرون الله كثيرًا»
(5)
. وفي لفظ: «المستهتَرون
(6)
بذكر الله. يضع الذكر عنهم أثقالهم،
(1)
في النسخ المطبوعة: «عشرة» .
(2)
برقم (6546). وأصل الحديث عند البخاري (5052) ومسلم (1159).
(3)
البخاري (2419) ومسلم (818) من حديث عمر رضي الله عنه.
(4)
برقم (15615) من حديث معاذ بن أنس. وكذلك رواه الطبراني (20/ 407)، والبيهقي في «الشعب» (554). وفيه ابن لهيعة وزبان، فيهما لين. ضعفه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 74) والبوصيري في «الإتحاف» (6/ 38).
(5)
رواه مسلم (2676) من حديث أبي هريرة.
(6)
رسمه في النسخ يشبه «المستهدون» ، وفي النسخ المطبوعة:«المشتهرون» ، وكلاهما تصحيف ما أثبت من «جامع الترمذي» وغيره.
فيأتون يوم القيامة خِفافًا». ذكره الترمذي
(1)
.
وسئل عن رياض الجنة، فقال:«حِلَقُ الذكر»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن أهل الكرم الذين يقال لهم يوم القيامة: سيُعلَم أهلُ الجمع مِن أهلِ الكرم. فقال: «هم أهل الذكر في المساجد» . ذكره أحمد
(3)
.
وسئل: ما
(4)
غنيمة مجالس الذكر؟ فقال: «غنيمة مجالس الذكر: الجنة» . ذكره أحمد
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوم غزوا، فقالوا: ما رأينا أفضل غنيمةً ولا أسرع رجعةً
(1)
برقم (3596) من حديث أبي هريرة. و عند أحمد (8290): «الذين يهترون في ذكر الله» . صححه ابن حبان (858)، والحاكم (1/ 495).
(2)
رواه أحمد (12523)، والترمذي (3510)، وأبو يعلى (3432)، وأبو نعيم (6/ 228)، من حديث أنس، من طرق لا تخلو من ضعف. انظر للتفصيل:«السلسلة الصحيحة» (2562).
(3)
(11652، 11722) من حديث أبي سعيد. ورواه أيضًا أبو يعلى (1046)، وابن حبان (816). وفيه دراج، روايته عن أبي الهيثم خاصة ضعيفة. ضعفه الألباني في «ضعيف الموارد» (293).
(4)
في النسخ المطبوعة: «عن» .
(5)
برقم (6651، 6777) من حديث عبد الله بن عمرو. وفيه ابن لهيعة، فيه لين، وراشد المعافري، مجهول. وله شاهد عند الطبراني (21/ 36)، وفيه رشدين، ضعيف. وحسنه بهما الألباني في «الصحيحة» (3335). وحسنه أيضا المنذري في «الترغيب» (2/ 334)، والهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 81).
منهم. فقال: «أدلُّكم على قوم أفضل غنيمةً
(1)
وأسرع رجعةً: قوم شهدوا صلاةَ الصبح، ثم جلسوا يذكرون الله حتى طلعت الشمس، فأولئك أسرع رجعةً وأفضل غنيمةً». ذكره الترمذي
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن خيار الناس، فقال:«الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ الله» . ذكره أحمد
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن خير الأعمال وأزكاها عند الله، وأرفعها في الدرجات. فقال:«ذكرُ الله» . ذكره أحمد
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أي الدعاء أسمع؟ فقال: «جوفَ الليل الآخر، ودُبُرَ
(1)
في النسخ المطبوعة بعدها زيادة: «منهم» .
(2)
برقم (3561) من حديث عمر بن الخطاب. وفيه حماد بن أبي حميد، ضعيف. والحديث ضعفه الترمذي وابن عدي في «الكامل» (2/ 658). وله شاهد عند أبي يعلى (6559) من حديث أبي هريرة، إسناده حسن لأجل حاتم بن إسماعيل وحميد بن صخر. وشاهد آخر عند أحمد (6638) من حديث عبد الله بن عمرو، وفيه ابن لهيعة. فالحديث حسن إن شاء الله.
(3)
برقم (27599) من حديث أسماء بنت يزيد. ورواه أيضًا البخاري في «الأدب المفرد» (323) وابن ماجه (4119). وفيه شهر بن حوشب، ضعيف. وله شواهد صححه بها الألباني. انظر:«الصحيحة» (2849).
(4)
برقم (21702) من أبي الدرداء. ورواه أيضًا الترمذي (3377) وابن ماجه (3790). اختُلف في رفعه ووقفه، واتصاله وإرساله. انظر:«جامع الترمذي» . ورواه مالك (1/ 211) موقوفًا. ورجح الحافظ الوقف والإرسال. انظر: «نتائج الأفكار» (1/ 95) و «علل ابن أبي حاتم» (2039).
الصلوات المكتوبات». ذكره أحمد
(1)
.
وقال: «الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُرَدُّ» . قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: «سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة» . ذكره الترمذي
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: بأي شيء يختم الدعاء؟ فقال: «بآمين» . ذكره أبو داود
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن تمام النعمة، فقال:«الفوز بالجنة، والنجاة من [231/ب] النار» . ذكره الترمذي
(4)
. فنسأل الله تمام نعمته بالفوز بالجنة والنجاة من النار.
(1)
لم أجده عند أحمد. وقد رواه عبد الرزاق (3948)، والترمذي (3499)، والنسائي في «الكبرى» (9856) من حديث أبي أمامة. وفيه عنعنة ابن جريج، والانقطاع بين ابن سابط وأبي أمامة. وضعَّف الحديث ابن القطان في «بيان الوهم» (2/ 385)، والحافظ في «نتائج الأفكار» (2/ 247).
(2)
برقم (3594) من حديث أنس. وفيه يحيى بن اليمان، صدوق يخطئ كثيرًا، وقد تفرد بهذا اللفظ. ورواه أحمد (12584)، وأبو داود (521)، والترمذي (212)، من حديث أنس، دون مسألة العافية. صححه ابن خزيمة (425 - 427)، وابن حبان (1696)، وحسنه العراقي في «تخريج الإحياء» (1/ 403).
(3)
برقم (938) من حديث أبي زهير النميري. ورواه أيضًا البخاري في «التاريخ الكبير» (9/ 32) والطبراني (22/ 756). وفيه صُبيح بن محرز الحمصي، مجهول.
(4)
برقم (3527) من حديث معاذ بن جبل. ورواه أيضًا أحمد (22056) والبخاري في «الأدب المفرد» (746)، وفيه إياس الجريري، قد أمن اختلاطه لأن سفيان قد سمع منه قبل الاختلاط. وفيه أبو الورد بن ثمامة، قال ابن سعد: كان معروفًا قليل الحديث. وذكر أحمد في «العلل» (1/ 172) أن الجريري حدَّث عنه أحاديث حسانًا. انظر: «الضعيفة» (3416، 4520).
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الاستعجال المانع من إجابة الدعاء، فقال: «يقول: قد دعوتُ، قد دعوتُ، فلم أرَ يستجيب
(1)
لي؛ فيستحسِرُ عند ذلك، ويدَعُ الدعاء». ذكره مسلم
(2)
. وفي لفظ: «يقول قد سألتُ، قد سألتُ، فلم أُعطَ شيئًا»
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الباقيات الصالحات، فقال:«التكبير، والتهليل، والتسبيح، والتحميد، ولا حول ولا قوة إلا بالله» . ذكره أحمد
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه أن يعلِّمه دعاءً يدعو به في صلاته، فقال:«قل: اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم» . متفق عليه
(5)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم الأعرابيُّ الذي علَّمه أن يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك
(1)
في النسخ المطبوعة: «فلم يستجب» . وفي «الصحيح» كما أثبت من النسخ.
(2)
برقم (2735) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
رواه الترمذي (3604/ 4) من حديث أبي هريرة. فيه يحيى بن عبيد الله، ضعيف جدًا.
(4)
برقم (11713)، ورواه النسائي في «الكبرى» (10617)، وابن حبان (840)، والحاكم (1/ 512)، من حديث أبي سعيد الخدري. وفيه دراج، روايته عن أبي الهيثم خاصة ضعيفة. وله شواهد، انظر:«الدعاء للطبراني» (1595، 1598، 1599). والحديث حسنه ابن القطان في «بيان الوهم» (4/ 377)، والمنذري في «الترغيب» (2/ 355)، والحافظ في «الأمالي المطلقة» (221). وانظر:«الصحيحة» (3264).
(5)
البخاري (834) ومسلم (2705).
له، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله ربِّ العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم». فقال: هذا لربِّي، فما لي؟ فقال: «قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني
(1)
؛ فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك». ذكره مسلم
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رياض الجنة، فقال:«المساجد» ، فسئل صلى الله عليه وسلم عن الرتع فيها، فقال:«سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» . ذكره الترمذي
(3)
.
واستفتاه صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا فعلِّمني ما يجزئني. قال: «قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله» . قال: يا رسول الله، هذا لله، فما لي؟ قال:«قل: اللهم ارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني» . فقال هكذا بيده، وقبضها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أمّا هذا، فقد ملأ يده من الخير» . ذكره أبو داود
(4)
.
ومرَّ صلى الله عليه وسلم بأبي هريرة
(5)
وهو يغرس غرسًا، فقال: «ألا أدلُّك على غِراسٍ خيرٍ لك من هذا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ يُغْرَسْ
(1)
في النسخ المطبوعة بعده: «وعافني» .
(2)
برقم (2696) من حديث سعد بن أبي وقاص.
(3)
برقم (3518) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا محمد بن عاصم في «جزئه» (35). وفيه حميد المكي، ضعيف. والحديث ضعَّفه ابن حجر في «نتائج الأفكار» (1/ 26).
(4)
برقم (832)، وقد تقدم.
(5)
ك، ب:«على أبي هريرة» .
لك بكلِّ واحدةٍ شجرةٌ في الجنة». ذكره ابن ماجه
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: كيف يكسِبُ أحدُنا كلَّ يوم ألفَ حسنة؟ قال: «يسبِّحُ مائة تسبيحة، يُكتَبُ له ألفُ حسنة أو يُحَطُّ عنه ألفُ خطيئة» . ذكره مسلم
(2)
.
وأفتى صلى الله عليه وسلم من قال له: لدغتني عقرب، بأنه لو قال حين أمسى:«أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق» لم تضرَّه. ذكره مسلم
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل أن يعلِّمه تعوُّذًا يتعوذ به، فقال: «قل: اللهم إني أعوذ بك من شرِّ سمعي، وشرِّ بصري، وشرِّ لساني، وشرِّ قلبي، وشرِّ مَنيِّي
(4)
»، يعني الفرْج. ذكره النسائي
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن كيفية الصلاة عليه، فقال:«قولوا: اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد» . متفق عليه
(6)
.
(1)
برقم (3807). ورواه أيضًا الحاكم (1/ 512). وفيه عيسى بن سنان، ضعيف. وله شواهد، انظر:«الصحيحة» (105، 2880). وانظر لعلل بعض الشواهد: «علل ابن أبي حاتم» (2005).
(2)
برقم (2698) من حديث سعد بن أبي وقاص.
(3)
برقم (2709) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
في النسخ الثلاث: «هَني» ، ولكن في مصادر التخريج كلها ما أثبت. ونقل النسائي عن سعد بن أوس قال:«والمني ماؤه» .
(5)
برقم (5444) من حديث شَكَل بن حميد. ورواه أيضًا أحمد (15541)، وأبو داود (1551)، والترمذي (3492) وحسنه. صححه الحاكم (1/ 532).
(6)
البخاري (3370) ومسلم (406) من حديث كعب بن عجرة.
وقال له صلى الله عليه وسلم معاذ: يا رسول الله، أخبِرني بعمل يُدخلني الجنة ويُباعدني من النار. قال:«لقد سألتَ عن عظيم! وإنه ليسيرٌ على من يسَّره الله عليه: تعبُد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، [232/أ] وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجُّ البيت» . ثم قال: «ألا أدلُّك على أبواب الخير؟» . قلت: بلى يا رسول الله. قال: «الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل» . ثم قال: «ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذِروة سنامه؟ رأسُ الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد
(1)
». ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلِّه؟» . قلت: بلى يا رسول الله. قال: «كُفَّ عليك هذا» وأشار إلى لسانه. قلت: يا نبيَّ الله، وإنَّا لمؤاخَذون بما نتكلَّم به؟ فقال:«ثكلتك أمُّك يا معاذ! وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم؟»
(2)
. حديث صحيح.
وسأله صلى الله عليه وسلم أعرابي، فقال: دُلَّني على عملٍ إذا عملتُه دخلت الجنة. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان» . فقال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فلما ولَّى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل
(1)
زيد في النسخ المطبوعة: «في سبيل الله» .
(2)
رواه أحمد (22016)، والترمذي (2621)، والنسائي في «الكبرى» (10214)، وابن ماجه (3973)، من حديث معاذ بن جبل، وأبو وائل شقيق بن سلمة لم يسمع منه. وبيّن الدارقطني طرق الحديث في «العلل» (6/ 73 - 79)، ورجح أنه حديث شهر بن حوشب، وهوضعيف. وهو الذي رحجه الألباني في «الإرواء» (413) دون قوله:«ذروة سنامه الجهاد» .
الجنة فلينظر إلى هذا». متفق عليه
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل آخر، فقال: أخبرني بعمل يُدخلني الجنة ويباعدني من النار. فقال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة، وتصل الرحم» . متفق عليه
(2)
.
وسأله أعرابي، فقال: علِّمني عملًا يدخلني الجنة. فقال: «لئن كنتَ أقصرتَ الخطبة لقد أعرضتَ المسألة. أعتِق النسمة، وفُكَّ الرقبة» . قال: أوليسا واحدًا؟ قال: «لا، عتقُ النسمة أن تفرَّد
(3)
بعتقها، وفكُّ الرقبة أن تعين في عتقها. والمنحةُ الوَكوف
(4)
، والفيءُ على ذي الرحم الظالم. فإن لم تُطِق ذلك فأطعمِ الجائع، واسقِ الظمآن، وَأْمُرْ بالمعروف، وَانْهَ عن المنكر. فإن لم تُطِق ذلك فكُفَّ لسانك إلا من خير». ذكره أحمد
(5)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: ما الإسلام؟ فقال: «أن يُسلم
(6)
قلبُك لله، وأن يَسلم المسلمون من لسانك ويدك». قال: فأيُّ الإسلام أفضل؟ قال: «الإيمان» . قال: وما الإيمان؟ قال: «تؤمنُ بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت» . قال: فأيُّ الإيمان أفضل؟ قال: «الهجرة» . قال: وما الهجرة؟ قال:
(1)
البخاري (1397) ومسلم (14) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
البخاري (1396) ومسلم (13) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
(3)
في النسخ المطبوعة: «تنفرد» .
(4)
الوَكوف: الغزيرة اللبن.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
في النسخ الخطية: «تُسلم» بالتاء، ولكن في «المسند» كما أثبت.
«أن تهجر السوءَ» . قال: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: «الجهاد» . قال: وما الجهاد؟ قال: «أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم» . قال: فأيُّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عُقِر جوادُه وأهريقَ دمُه. ثم عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلهما: حجَّة مبرورة أو عمرة» . ذكره أحمد
(1)
.
وسئل: أيُّ الأعمال أفضل؟ فقال: «الإيمان بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجة مبرورة تفضُل سائرَ العمل كما بين مطلع الشمس ومغربها» . ذكره أحمد
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم أيضًا: أيُّ الأعمال أفضل؟ فقال: «أن تحِبَّ لله، وتُبغض لله، وتُعْمِل لسانَك في ذكر الله» . قال السائل: وماذا يا رسول الله؟ قال: «وأن تحِبَّ للناس ما تحِبُّ لنفسك، وأن تقول خيرًا أو تصمُتَ»
(3)
.
(1)
برقم (17027) من حديث عمرو بن عبسة. ورواه أيضًا عبد الرزاق (20107) ومن طريقه عبد بن حميد (301). وفيه أبو قلابة لم يدرك عمرًا.
(2)
برقم (19010) من حديث ماعز (غير الأسلمي). ورواه أيضًا البخاري في «التاريخ» (8/ 37) والطبراني (20/ 811). وفيه أبو سعيد إياس الجريري، ووهيب وشعبة سمعا منه قبل الاختلاط. وثق رجاله المنذري في «الترغيب» (2/ 166)، والهيثمي في «المجمع» (3/ 207)، والحافظ في «الإصابة» (3/ 337).
(3)
رواه أحمد (22131، 22133) من حديث معاذ بن أنس الجهني عن معاذ بن جبل. والصحيح أنه من حديث معاذ بن أنس كما رواه أحمد (15617، 15638) والطبراني (20/ 425، 426). وعلى كل حال، فيه زبان عن سهل بن معاذ، وزبان ضعيف، وروايته عن سهل ضعيفة خاصة. ورواه البيهقي في «الشعب» (573)، وفيه مجهول. انظر للتفصيل:«المتجر الرابح» (282)، و «مجمع الزوائد» (1/ 66، 94)، و «الإصابة» (1/ 89).
واختلف نفر من الصحابة في أفضل الأعمال، فقال بعضهم: سقاية الحاج، وقال بعضهم: عمارة المسجد الحرام، وقال بعضهم: الحج، وقال بعضهم: الجهاد
(1)
في سبيل الله. فاستفتى عمر في ذلك رسول الله [232/ب]صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} إلى قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 19 - 20]
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، شهدتُ أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصلَّيتُ الخمس، وأدَّيتُ زكاة مالي، وصمتُ شهر رمضان. فقال:«من مات على هذا كان مع النبيِّين والصدِّيقين والشهداء يوم القيامة هكذا ــ ونصَب أصابَعه ــ ما لم يعُقَّ والديه» . ذكره أحمد
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم آخر، فقال: أرأيتَ إذا صلَّيتُ المكتوبة، وصمتُ رمضان، وأحللتُ الحلال، وحرَّمتُ الحرام، ولم أزد على ذلك شيئًا= أدخل الجنة؟
(1)
«وقال بعضهم: الجهاد» ساقط من ك.
(2)
رواه مسلم (1879) من حديث النعمان بن بشير، وليس فيه ذكر الحج ولا في غيره من المصادر.
(3)
برقم (24009/ 81) من حديث عمرو بن مرّة الجهني. فيه ابن لهيعة، وفيه لين. وله شاهد عند ابن خزيمة (2212)، وابن حبان (3438) دون قوله:«ما لم يعق والديه» ، صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والمنذري في «الترغيب» (3/ 301)، والهيثمي (8/ 150).
قال: «نعم» . قال: والله لا أزيد على ذلك
(1)
شيئًا. ذكره مسلم
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال خير؟ قال: «أن تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف» . متفق عليه
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة، فقال: إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرَّت عيني، فأَنبِئْني عن كلِّ شيء. فقال:«كلُّ شيء خُلِق من ماء» . قال: أنبئني عن أمر إذا أخذتُ به دخلتُ الجنة. قال: «أَفشِ السلام، وأَطعِمِ الطعام، وصِلِ الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام» . ذكره أحمد
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم آخر، فشكا إليه قسوة قلبه، فقال:«إذا أردتَ أن يلين قلبُك فأطعِمِ المسكينَ وامسَحْ رأسَ اليتيم»
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: «طول القيام» . قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: «جُهْد المُقِلّ» . قيل: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: «من هجر ما حرَّم الله عليه» . قيل: فأيُّ الجهاد أفضل؟ قال: «من جاهد المشركين بماله ونفسه» . قيل: فأيُّ القتل أشرف؟ قال: «من أُهْرِيقَ دمُه وعُقِرَ جوادُه» . ذكره
(1)
ك، ب:«على هذا» .
(2)
برقم (15) من حديث جابر.
(3)
البخاري (12) ومسلم (39) من حديث عبد الله بن عمرو.
(4)
برقم (7932، 8295، 10399) من حديث أبي هريرة. صححه ابن حبان (508، 2559)، والحاكم (4/ 129). انظر:«الإرواء» (777).
(5)
رواه أحمد (7576، 9018)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (500)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (1/ 214)، والبيهقي (4/ 60)، من حديث أبي هريرة، من طرق لا تخلو من ضعف. انظر للتفصيل:«الصحيحة» (854).
أبو داود
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان لا شك فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحج مبرور»
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ذر، فقال: من أين أتصدَّق وليس لي مال؟ قال: «إن من أبواب الصدقة: التكبير، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وأستغفر الله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوكةَ عن طريق الناس والعظمَ والحجرَ، وتهدي الأعمى، وتُسمِع الأصمَّ والأبكم حتى يفقه، وتدلّ المستدِلَّ على حاجة له قد علمتَ مكانها، وتسعى بشدَّة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدَّة ذراعيك مع الضعيف= كلُّ ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك. ولك من جماعك لزوجتك أجرٌ» . فقال أبو ذر: كيف
(3)
يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتَ لو كان لك ولد ورجوتَ أجرَه، فمات، أكنت تحتسب به؟» . قلت: نعم. قال: «أنتَ خلقتَه؟» . قلتُ: بل الله خلقه. قال: «فأنت هديته؟» . قلتُ: بل الله هداه. قال: «فأنت كنتَ رزقتَه؟» . قلتُ: بل الله كان يرزقه. قال: «فكذلك، فضعه
(4)
في حلاله، وجنِّبه حرامَه، فإن شاء الله أحياه، وإن شاء الله أماته، ولك أجرٌ». ذكره
(1)
برقم (1325) من حديث عبد الله بن حُبشي الخثعمي. ورواه أيضًا أحمد (15401) والدارمي (1464). قال الدارقطني في «الإلزامات» (102): هو على رسم الشيخين. وحسنه الحافظ في «نتائج الأفكار» (2/ 105) و «الإصابة» (2/ 285).
(2)
هو جزء من الحديث المتقدم.
(3)
في النسخ المطبوعة: «فكيف» .
(4)
رسمه في النسخ يحتمل قراءة «تضعه» .
أحمد
(1)
.
وسأل صلى الله عليه وسلم أصحابَه يومًا: «من أصبح منكم [233/أ] اليوم صائما؟» . قال أبو بكر: أنا. قال: «من اتبع منكم اليوم جنازةً؟» . قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن
(2)
أطعم منكم اليوم مسكينًا؟». قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟» . قال أبو بكر: أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن في رجل إلا دخل الجنة» . ذكره مسلم
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، الرجلُ يعمل العملَ، فيُسِرُّه، فإذا اطُّلِعَ عليه أعجبه. فقال:«له أجران: أجرُ السِّرِّ، وأجرُ العلانية» . ذكره الترمذي
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ذر: يا رسول الله، أرأيتَ الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه؟ قال:«تلك عاجلُ بشرى المؤمن» . ذكره مسلم
(5)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: أيُّ العمل أفضل؟ فقال: «الإيمان بالله، وتصديقٌ به، وجهادٌ في سبيله» . قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله. قال: «السماحة،
(1)
برقم (21484) من حديث أبي ذر. ورواه أيضًا النسائي في «الكبرى» (8978)، والبيهقي في «الشعب» (10657). وأبو سلّام ممطور لم يلق أبا ذر. انظر:«تهذيب الكمال» (28/ 486). ومع ذلك صححه الألباني في «الصحيحة» (575).
(2)
ك: «من» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(3)
برقم (1028) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
برقم (2384) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا الطيالسي (2552) وابن ماجه (4226). ورجَّح الترمذي والدارقطني في «العلل» (8/ 184) وأبو نعيم في «الحلية» (8/ 257) الإرسالَ.
(5)
برقم (2642).
والصبر». قال: أريد أهون من ذلك، قال:«لا تتَّهِمِ الله تعالى في شيء قُضي لك» . ذكره أحمد
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عُقبة عن فواضل الأعمال، فقال:«يا عقبة، صِلْ مَن قطعك، وأعطِ مَن حرمك، وأعرِضْ عمن ظلمك» . ذكره أحمد
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: كيف لي أن أعلم إذا أحسنتُ أني قد أحسنتُ، وإذا أسأتُ أني قد أسأت؟ فقال:«إذا قال جيرانك: إنك قد أحسنت فقد أحسنت، وإذا قالوا: قد أسأتَ فقد أسأتَ» . ذكره ابن ماجه
(3)
.
وعند الإمام أحمد
(4)
: «إذا سمعتهم يقولون: قد أحسنتَ، فقد أحسنت. وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأتَ، فقد أسأتَ» .
(1)
برقم (22717) من حديث عبادة بن الصامت، وفيه ابن لهيعة، فيه لين. ورواه أيضًا البخاري في «خلق الأفعال» (163) مختصرًا، وفيه سويد بن إبراهيم، ضعيف. وللحديث شواهد يتقوى بها. انظر:«الصحيحة» (3334).
(2)
برقم (17334) من حديث عقبة بن عامر، وفيه علي بن يزيد الألهاني، ضعيف، ومعان بن رفاعة، فيه لين. ورواه ابن أبي الدنيا في «المكارم» (20) من طريق آخر، وفيه إسماعيل بن عياش الشامي، وقد روى عن غير بلديّه. وله شواهد، انظر:«إتحاف المهرة» (11/ 230، 235، 239)، و «الصحيحة» (891). وصححه الألباني.
(3)
برقم (4222)، وكذلك البيهقي (10/ 125)، من حديث كلثوم الخزاعي، تابعي، فالحديث مرسل. انظر:«الاستيعاب» (633) و «الإصابة» (5/ 462).
(4)
برقم (3808) من حديث ابن مسعود. ورواه أيضًا ابن ماجه (4223). صححه ابن حبان (525)، والبوصيري في «المصباح» (2/ 343)، حسنه ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (2/ 112)، والعراقي في «تخريج الإحياء» (2/ 268).
فصل
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الكسب أفضل؟ قال: «عملُ الرجل بيده، وكلُّ بيع مبرور» . ذكره أحمد
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إنَّ لي مالًا وولدًا، وإنَّ أبي يريد أن يجتاح مالي. قال:«أنت ومالُك لأبيك. إنَّ أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم، فكلوه هنيئًا» . ذكره أبو داود وأحمد
(2)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إنَّا كَلٌّ على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا، فما يحِلُّ لنا من أموالهم؟ قال:«الرَّطْب تأكُلْنَه وتُهدينه» . ذكره أبو داود
(3)
، وقال عقبه: «الرَّطْب: [الخبز والبقل والرُّطَب]
(4)
». يعني به: ما يفسُد إذا بقي.
وسئل صلى الله عليه وسلم: إنَّا نأخذ على كتاب الله أجرًا، فقال: «إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه
(1)
برقم (17265) من حديث رافع بن خديج. ورواه أيضًا البزار (9/ 183)، والحاكم (2/ 10)، والبيهقي (5/ 263) متصلًا ومرسلًا. ورجح البخاري (كما قال البيهقي)، والبيهقي، وأبو حاتم في «العلل» 02/ 443) الإرسال.
(2)
تقدَّم تخريجه.
(3)
برقم (1686) من حديث سعد الأنصاري (غير ابن أبي وقاص. انظر: «تهذيب التهذيب»: 3/ 486). ورواه أيضًا عبد بن حميد (147)، والحاكم (4/ 14)، والبيهقي من طرق. أعلَّه بالاضطراب أبو حاتم في «العلل» (2/ 305)، والدارقطني في «العلل» (4/ 382).
(4)
ما بين المعقوفين زدته من «السنن» ، فهو ما قاله أبو داود عقب الحديث، ولا أرى أن ما ورد في النسخ «يعني
…
بقي» يكون من كلام أبي داود في نسخة من السنن تخالف المطبوع. والظاهر أن قول أبي داود سقط من نسخ كتابنا لانتقال النظر. والعبارة «يعني
…
بقي» من كلام ابن القيم، وهو مأخوذ من «معالم السنن» (2/ 79).
أجرًا كتابُ الله». ذكره البخاري
(1)
في قصة الرقية.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن أموال السلطان، فقال:«ما آتاك الله منها من غير مسألة ولا إشراف فكُلْه وتموَّلْه» . ذكره أحمد
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن أجرة الحجام، فقال:«أعلِفْه ناضحَك وأطعِمْه رقيقَك» . ذكره مالك
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل عن عَسْب الفحل، فنهاه، فقال: إنَّا نُطْرِقُ الفحلَ، فنُكْرَم، فرخَّص له في الكرامة. حديث حسن، ذكره الترمذي
(4)
.
ونهى عن القُسَامة بضم القاف، فسئل عنها، فقال:«الرجل يكون على الفئام من الناس، فيأخذ من حظِّ هذا وحظِّ هذا» . ذكره أبو داود
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الصدقة أفضل؟ قال: «سقي الماء»
(6)
.
(1)
برقم (5737) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
(21699) من حديث أبي الدرداء. وفيه إبهام الراوي عن أبي الدرداء. وله شاهد عند البخاري (7164) ومسلم (1045).
(3)
(2/ 974)، وكذلك أحمد (39/ 96)، وأبو داود (3422)، والترمذي (1280) من حديث ابن محيصة أخي حارثة عن أبيه، إلا أن مالكًا رواه بدون ذكر الأب، وهو خطأ. وهو مع ذكر الأب مرسل. ذكره مفصلًا ابن عبد البر في «التمهيد» (11/ 77).
(4)
برقم (1277)، وقد تقدَّم تخريجه.
(5)
رواه أبو داود (2784) ومن طريقه البيهقي (6/ 356) من حديث عطاء بن يسار مرسلًا. وله شاهد رواه أبو داود (2783) ومن طريقه البيهقي (6/ 356) من حديث أبي سعيد الخدري، وفيه الزبير بن عثمان، مجهول.
(6)
تقدم تخريجه.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: يا رسول الله إني أُحِبُّ الصلاة معك، قال:«قد علمتُ أنك تحبِّين الصلاة [233/ب] معي. وصلاتُكِ في بيتكِ خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي» . فأمرَتْ، فبُنِيَ لها مسجدٌ في أقصى شيء من بيتها وأظلمه
(1)
، فكانت تصلِّي فيه حتى لقيت الله
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ البقاع شرٌّ؟ قال: «لا أدري حتى أسأل جبريل» . فسأل جبريل فقال: لا أدري حتى أسأل ميكائيل. فجاء، فقال:«خير البقاع المساجد، وشرُّها الأسواق»
(3)
.
(1)
في النسخ الخطية والمطبوعة: «وأظلم» ، والصواب ما أثبت من مصادر التخريج.
(2)
رواه أحمد (27090) من حديث أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي. صححه ابن خزيمة (1689) وابن حبان (2217). وحسنه الحافظ في «الفتح» (2/ 350). وله شاهد عند الطبراني (25/ 356) والبيهقي (3/ 132). انظر: «مجمع الزوائد» (2/ 34)، وأشار ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/ 414) إلى التحسين.
(3)
رواه ابن حبان (1599)، والحاكم (1/ 90)، والبيهقي (3/ 65)، من حديث ابن عمر. وفي إسناده ضعف لأن جرير بن عبد الحميد سمع من عطاء بن السائب بعد الاختلاط. وروى نحوه أحمد (16744)، والبزار (1252 - كشف الأستار)، وأبو يعلى (7403)، من حديث جبير بن مطعم. وفيه زهير بن محمد له مناكير، وعدّ الذهبي في «تلخيص المستدرك» (2/ 7) هذا الحديث منها. وفيه أيضًا عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، ضعيف. وفيه أن جبريل سأل الله عز وجل لا ميكائيل. وله شاهد عند مسلم (671) من حديث أبي هريرة، بلفظ:«أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها» .
وقال: «في الإنسان ستون وثلاثمائة مَفْصِل، عليه أن يتصدَّق عن كلِّ مفصل صدقة» . فسألوه: من يطيق ذلك؟ قال: «النُّخاعةُ تراها في المسجد فتَدفنها، أو الشيءُ فتنحِّيه عن الطريق، فإن لم تجد فركعتا الضحى تجزئانك
(1)
»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة قاعدًا، فقال:«من صلَّى قائمًا فهو أفضل، ومن صلَّى قاعدًا فله نصفُ أجر القائم، ومن صلَّى نائمًا فله نصف أجر القاعد»
(3)
.
قلت: وهذا له محملان، أحدهما: أن يكون في النافلة عند من يجوِّزها مضطجعًا. والثاني: على المعذور، فيكون له بالفعل النصف، والتكميل بالنية.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: ما يمنعني أن أتعلَّم القرآن إلا خشية أن لا أقوم به. فقال: «تعلَّم القرآن، واقرأه، وارقُدْ؛ فإنَّ مثل القرآن لمن تعلَّمه، فقرأه، وقال به= كمثَلِ جِرابٍ محشوٍّ مسكًا يفوح ريحه على كلِّ مكان. ومن تعلَّمه، ورقَد وهو في جوفه، كمثل جِرابٍ وُكِيَ على مسك»
(4)
.
(1)
في النسخ المطبوعة: «يجزئانك» ، وفي مصادر التخريج غير ابن حبان:«تجزئك» .
(2)
رواه أحمد (23037) من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي. ورواه أيضًا أبو داود (5242). صححه ابن خزيمة (1226)، وابن حبان (1642)، والألباني في «الإرواء» (461).
(3)
رواه البخاري (1115) من حديث عمران بن حصين.
(4)
رواه الترمذي (2876)، والنسائي في «الكبرى» (8696)، وابن ماجه (217)، من حديث أبي هريرة. وفيه عطاء مولى أبي أحمد، لا يعرف، وقد تفرد به. انظر:«مسند البزار» (15/ 108). ورجَّح الترمذي والنسائي الإرسال.
وقال عن رجل من أصحابه توفِّي: «ليته مات في غير مولده» . فسئل: لم ذلك؟ فقال: «إن الرجل إذا مات في غير مولده قِيسَ له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة»
(1)
. ذكر هذه الأحاديث أبو حاتم ابن حبَّان في «صحيحه» .
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيغني الدواء شيئًا؟ فقال: «سبحان الله، وهل أنزل الله تبارك وتعالى من داء في الأرض إلا جعل له شفاء»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرُّقَى والأدوية: هل ترُدُّ من قدر الله شيئًا؟ قال: «هي من قدر الله»
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ من المسلمين طعن رجلًا من المشركين في الحرب، فقال: خذها، وأنا الغلام الفارسي
(4)
، فقال: «لا بأس في ذلك،
(1)
رواه أحمد (6656)، والنسائي (1238)، وابن ماجه (1614)، وابن حبان (2934) من حديث عبد الله بن عمرو. وفيه حيي بن عبد الله المعافري، صدوق. صححه ابن حبان (2934) وأحمد شاكر في «تحقيق المسند» (10/ 141)، وحسنه الألباني في «أحاديث مشكلة الفقر» (36).
(2)
رواه أحمد (38/ 227) من حديث رجل من الأنصار. صححه الألباني. انظر للشواهد والتفصيل: «الصحيحة» (517).
(3)
تقدَّم تخريجه.
(4)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة. والصواب في هذا الحديث: «الغلام الغفاري» . أما الذي قال: «خذها وأنا الغلام الفارسي» فهو أبو عقبة الفارسي الذي كان مولى بني معاوية من الأنصار، وضرب رجلًا من المشركين يوم أحد. ولما بلغت كلمته النبي صلى الله عليه وسلم قال:«هلَّا قلتَ: خذها وأنا الغلام الأنصاري» . وقد رواه الإمام أحمد في «مسنده» (37/ 193) وأخشى أن يكون المصنف ذكر القصتين هنا، فسقطت هذه لانتقال النظر من أجل كلمة «الغلام» وهما المقصودان بقوله عقب الحديث:«ذكرهما أحمد» . أما أن يقصد الحديث الأخير والحديث السابق عن الرقى فهو بعيد، فإن حديث الشفاء الذي قبلهما في «المسند» أيضًا، فكان ينبغي أن يقول:«ذكرها أحمد» . والله أعلم.
يُحمَد ويؤجر»
(1)
. ذكرهما أحمد.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل أن يعلِّمه ما ينفعه، فقال:«لا تحقِرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تُفرغ من دلوك في إناء المستقي، ولو أن تكلِّم أخاك ووجهُك منبسط إليه. وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المخيلة، ولا يحبُّها الله. وإن امرؤ شتَمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلَم منه، فإن أجره لك، ووباله على من قاله»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحُمُر الأهلية، فقال:«لا تحِلُّ لمن شهد أني رسول الله» ذكره أحمد
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الأمراء الذين يؤخِّرون الصلاة عن وقتها، كيف نصنع
(4)
معهم؟ فقال: «صلِّ الصلاةَ لوقتها، ثم صلِّ معهم، فإنها لك نافلة» . حديث صحيح
(5)
.
(1)
رواه أحمد (17622)، وأبو داود (4089)، وابن ماجه (2784) من حديث سهل ابن الحنظلية. وفيه قيس بن بشر وأبوه، في عداد المجاهيل.
(2)
رواه أحمد (20633)، والبخاري في «التاريخ» (2/ 206)، من حديث أبي جُرَيّ الهُجيمي. صححه ابن حبان (522)، والألباني في «صحيح الموارد» (1211).
(3)
برقم (17741) من حديث أبي ثعلبة الخشني. ورواه أيضًا النسائي في «الكبرى» (4834). وفيه بقية بن الوليد، يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن.
(4)
في النسخ المطبوعة: «يصنع» .
(5)
رواه مسلم (648) من حديث أبي ذر.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة صفوان بن المعطَّل السُّلَمي، فقالت: إنه يضربني إذا صلَّيتُ، ويفطِّرني إذا صمتُ، ولا يصلِّي صلاة الفجر حتى [234/أ] تطلع الشمس. فسأله عما قالت امرأته، فقال: أمَّا قولها: يضربني إذا صليتُ، فإنها تقرأ بسُورتي، وقد نهيتها عنها
(1)
. فقال صلى الله عليه وسلم: «لو كانت سورةً واحدةً لكفتِ الناسَ» . وأما قولها: يفطِّرني إذا صمتُ، فإنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شابٌّ ولا أصبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ:«لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها» . قال: وأما قولها: لا أصلِّي حتى تطلع الشمس، فإنَّا أهلُ بيتٍ لا نكاد أن نستيقظ حتى تطلع الشمس. فقال:«صلِّ إذا استيقظتَ» . ذكره ابن حبان
(2)
.
قلت: ولهذا صادف أمَّ المؤمنين في قصة الإفك، لأنه كان في آخر الناس. ولا ينافي هذا الحديث قوله في حديث الإفك:«والله ما كشفتُ كنَفَ أنثى قطُّ»
(3)
، فإنه إلى ذلك الوقت لم يكشف كنَفَ أنثى قطُّ، ثم تزوَّج بعد ذلك
(4)
.
(1)
كذا في النسخ الخطية وفي «صحيح ابن حبان» الذي نقل منه المصنف. وفي «شرح مشكل الآثار» (5/ 286): «تقوم بسورتي التي أقرأ بها، فتقرأ بها» . وأثبتوا في النسخ المطبوعة: «بسورتين وقد نهيتها عنهما» ، ونحوه في «المسند» (18/ 223) و «المستدرك». وفي «السنن»:«بسورتيَّ وقد نهيتها» .
(2)
برقم (1488) من حديث أبي سعيد الخدري. ورواه أيضًا أحمد (11759)، وأبو داود (2459)، وأبو يعلى (1037). صححه ابن حبان، والحاكم (1/ 436)، والحافظ في «الإصابة» (3/ 357).
(3)
رواه البخاري (4757) ومسلم (2770) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4)
انظر تعليق الذهبي على قول صفوان: «إنا أهل بيت لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس» في «سير أعلام النبلاء» (2/ 550) إذ يشكُّ في كونه صفوان بن المعطل الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم على ساقة الجيش.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قتل الوزَغ، فأمر بقتله. ذكره ابن حبان
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل نذَر أن يمشي إلى الكعبة، فجعل يُهادَى بين رجلين، فقال:«إنَّ الله لغنيٌّ عن تعذيب هذا نفسَه» ، وأمره أن يركب
(2)
.
واستفتاه صلى الله عليه وسلم رجل في جار له يؤذيه، فأمره بالصبر، ثلاث مرات، فقال له في الرابعة:«اطرَحْ متاعَك في الطريق» . ففعل، فجعل الناس يمرُّون به ويقولون: ما له؟ ويقول: آذاه جاره، فجعلوا يقولون: لعنه الله. فجاءه جارُه فقال: رُدَّ متاعَك، والله لا أؤذيك أبدًا. ذكره أحمد وابن حبان
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني أذنبت ذنبًا كبيرًا، فهل لي من توبة؟ فقال له:«ألك والدان؟» قال: لا. قال: «فلك خالة؟» قال: نعم. قال: «فبَرَّها
(4)
». ذكره ابن حبان
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل قد أوجب، فقال:«أعتقِوا عنه رقبةً يُعتِق الله بكلِّ عضوٍ منها عضوًا منه من النار» . ذكره ابن حبان أيضًا
(6)
.
(1)
برقم (5631) من حديث أم شريك. وهو عند مسلم (2237/ 143).
(2)
رواه البخاري (1865) ومسلم (1642) من حديث أنس.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
بفتح الباء، فعل أمر من بَرَّ فلانًا يبَرُّه أي أحسن إليه.
(5)
برقم (435) من حديث ابن عمر، وكذلك أحمد (4624)، والترمذي (1904/م 1)، والحاكم (4/ 155)، من طريق محمد بن خازم عن محمد بن سوقة متصلًا. ورواه الترمذي (1904/م 2) من طريق ابن عيينة مرسلًا، ورجَّح الإرسال، لأن ابن عيينة أوثق من ابن خازم، وابن خازم مضطرب الحديث في غير الأعمش.
(6)
برقم (4307) من حديث واثلة بن الأسقع. ورواه أيضًا النسائي في «الكبرى» (4872) من طريق عبد الله بن الديلمي. ورواه أيضًا أحمد (16012)، وأبو داود (3964)، والنسائي في «الكبرى» (4871) من طريق الغريف بن عياش. وفيه اضطراب على أوجه. انظر:«التلخيص الحبير» (4/ 38) و «الضعيفة» (907).
«أوجب» : أي استوجب النار بذنب عظيم ارتكبه.
وسأله رجل، فقال: إنَّ أبوَيَّ قد هلكا، فهل بقي من بعد موتهما شيء؟ فقال: «نعم، الصلاةُ عليهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهودهما
(1)
من بعدهما، وإكرامُ صديقهما، وصلةُ رحمهما التي لا رحم لك إلا من قبلهما». قال الرجل: ما أكثرَ
(2)
هذا وأطيبه! قال: «فاعمل به»
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل شدَّ على رجل من المشركين ليقتله، فقال: إني مسلم، فقتَلَه. فقال فيه قولًا شديدًا، فقال: إنما قاله تعوُّذًا من السيف، فقال:«إنَّ الله حرَّم عليَّ أن أقتل مؤمنًا» . حديث صحيح
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، أخبِرْنا بخيرنا من شرِّنا. فقال:
(1)
ك: «عودهما» ، سبق قلم. وفي النسخ المطبوعة:«عقودهما» . وفي «صحيح ابن حبان» ــ واللفظ هنا له ــ كما أثبت من ز.
(2)
في النسخ المطبوعة: «ألذ» ، ولعله تحريف.
(3)
رواه أحمد (16059)، وأبو داود (5142)، وابن ماجه (3664)، وابن حبان (418) ــ واللفظ له ــ، من حديث أبي أُسيد الساعدي، وفيه علي بن عبيد، مجهول. ضعفه الألباني في «الضعيفة» (597).
(4)
رواه أحمد (17008)، وأبو يعلى (6829)، وابن حبان (5972) ــ واللفظ له ــ، من حديث عقبة بن مالك. صححه ابن حبان (5972)، والحاكم (1/ 18). ووثق رجاله الهيثمي في «المجمع» (1/ 27)، وأحمد شاكر في «عمدة التفسير» (1/ 553).
«خيركم من يُرجى خيرُه ويؤمن شرُّه. وشرُّكم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شرُّه» . ذكره ابن حبان
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: ما الذي بعثك الله به؟ فقال: «الإسلام» . قال: وما الإسلام؟ قال: «أن تُسْلِم قلبَك لله، وأن توجِّه وجهَك لله، وأن تصلِّي الصلاة المكتوبة، وتؤدِّي الزكاة المفروضة، أخوان نصيران
(2)
، لا يقبل الله من عبدٍ توبةً أشرَكَ بعد إسلامه». ذكره ابن حبان أيضًا
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم الأسود بن [234/ب] سريع
(4)
، فقال: أرأيتَ إن لقيتُ رجلًا من المشركين فقاتلني، فضرب إحدى يديَّ بالسيف، فقطَعَها، ثم لاذ منِّي بشجرة، فقال: أسلمتُ لله، أفأقتله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تقتله» . فقلت: يا رسول الله، إنه قطع إحدى يَديَّ، ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ قال:«لا تقتله، فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» . حديث صحيح
(5)
.
(1)
برقم (527) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا أحمد (8812)، والترمذي (2263). صححه الترمذي وابن حبان.
(2)
توضيحه في الرواية الأخرى عند أحمد (33/ 237): «وكلُّ مسلمٍ على مسلمٍ محرَّم، أخوان نصيران» .
(3)
برقم (160) من حديث معاوية بن حيدة جدِّ بهز بن حكيم. ورواه أيضًا عبد الرزاق (20115)، وأحمد (20022)، وابن ماجه (2536). صححه ابن حبان، والحاكم، والعراقي في «تخريج الإحياء» (2/ 242).
(4)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة، والصواب: المقداد بن الأسود.
(5)
رواه البخاري (4019) ومسلم (95) من حديث المقداد بن الأسود.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله مررتُ برجل فلم يُضِفْني ولم يَقْرِني، أفأَحْتَكِم؟ قال:«بل اقْرِه» . ذكرهما ابن حبان
(1)
. وقوله: «أحتكم» أي أُعامله إذا مرَّ بي بمثل ما عاملني به.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ذر، فقال: الرجل يحبُّ القومَ، ولا يستطيع أن يعمل بعملهم. قال:«يا أبا ذر، أنت معَ من أحببت» . قال: فإني أُحِبُّ الله ورسوله. قال: «أنت يا أبا ذر مع من أحببتَ»
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم ناس من الأعراب، فقالوا: أفتِنا في كذا، أفتِنا في كذا، أفتِنا في كذا، أفتِنا في كذا. فقال: «أيها الناس، إن الله قد وضع عنكم الحرج، إلا امرأً
(3)
اقترض من عِرض أخيه فذلك الذي حرِجَ وهلَكَ». قالوا: أفنتداوى يا رسول الله؟ قال: «نعم، إن الله لم يُنزل داءً إلا أنزل له دواءً، غيرَ داءٍ واحدٍ» . قالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: «الهرم
(4)
». قالوا: فأيُّ الناس أحبُّ إلى الله يا رسول الله؟ قال: «أحبُّ الناس إلى الله أحسَنُهم خُلُقًا» . ذكره أحمد وابن حبان
(5)
.
(1)
ذكر هذا الحديث برقم (3410) من حديث مالك بن نضلة والد أبي الأحوص عوف. ورواه أيضًا أحمد (15888، 15891) مطولًا، والترمذي (2011) مختصرًا. صححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم (1/ 24)، وابن حجر في «الأمالي المطلقة» (30).
(2)
رواه أحمد (21379)، والدارمي (2829)، وأبو داود (5126)، وابن حبان (556) واللفظ له. صححه ابن حبان، ووثَّق رجاله الحافظ في «الفتح» (10/ 575).
(3)
في النسخ المطبوعة: «إلا من» .
(4)
ز: «الذم» ، وفي ك، ب:«الدم» ، وكلاهما تحريف.
(5)
رواه ابن حبان (486) من حديث أسامة بن شريك بسياق المؤلف مطولًا. ورواه مختصرًا أحمد (18454)، والترمذي (2038)، وابن ماجه (3436)، وابن حبان (6061). صححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم (4/ 399)، والبوصيري في «المصباح» (2/ 250). وقد سبق بعض أجزاء الحديث.
وسأله صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم، فقال: إن أبي كان يصل الرحم، وكان يفعل ويفعل. فقال:«إنَّ أباك أراد أمرًا، فأدركه» يعني الذكر. قال: قلت: يا رسول الله، إني أسألك عن طعام لا أدعه إلا تحرُّجًا. قال: «لا تدَعْ شيئًا ضارعتَ
(1)
النصرانيةَ فيه». قال: قلت: إني أرسل كلبي المعلَّم، فيأخذ صيدًا فلا أجد ما أذبح به إلا المَرْوة والعصا. قال: «أَمِرِ
(2)
الدمَ بما شئت، واذكر اسم الله». ذكره ابن حبان
(3)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة عن ابن جُدعان وما كان يفعل في الجاهلية من صلة الرحم وحسن الجوار وقِرى الضيف، هل ينفعه؟ فقال:«لا، لأنه لم يقُلْ يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم سفيان بن عبد الله الثقفي أن يقول له قولًا لا يسأل عنه أحدًا بعده، فقال:«قل: آمنتُ بالله، ثم استقِمْ»
(5)
.
(1)
في النسخ الخطية والمطبوعة: «ضارع» ، والمثبت من مصادر التخريج.
(2)
في النسخ المطبوعة: «أهرق» خلافًا لما في النسخ وفي مصدر النقل وهو «صحيح ابن حبان» . وقد ضبط فيه اللفظ هكذا من أمار، وضبط في «المسند» وغيره «أمِرَّ» من الإمرار، ويرى الخطابي أن الصواب:«اِمْرِ» من مَرَى يمري. انظر: «معالم السنن» (4/ 280) و «غريب الخطابي» (3/ 234) ولكن جاء في «سنن أبي داود» : «أمْرِرْ» .
(3)
برقم (332) من حديث عدي بن حاتم. ورواه مختصرًا أحمد (18250)، وأبو داود (2824)، والنسائي (4304). صححه ابن حبان (332)، وابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 251).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
رواه مسلم (38).
وسئل صلى الله عليه وسلم: من أكرم الناس؟ قال
(1)
: «أتقاهم لله» . قالوا: لسنا عن هذا نسألك. قال: «فعن معادن العرب تسألوني؟ خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقِهوا»
(2)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إني نذرتُ إن ردَّك الله سالمًا أن أضرب على رأسك بالدُّفِّ. فقال: «إن
(3)
نذرتِ فافعلي، وإلا فلا». قالت: إني كنتُ نذرتُ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربت بالدُّفِّ. حديث صحيح
(4)
. وله وجهان:
أحدهما: أن يكون أباح لها الوفاء بالنذر المباح تطييبًا لقلبها وجبرًا وتأليفًا لها على زيادة الإيمان وقوته وفرحها بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن يكون هذا النذر قربةً لما تضمَّنه من السرور والفرح [235/أ] بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم سالمًا مؤيدًا منصورًا على أعدائه، قد أظهره الله وأظهر دينه. وهذا من أفضل القُرَب، فأُمِرت بالوفاء به.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، الرجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي من عرض الدنيا، فقال:«لا أجر له» . فأعظَمَ ذلك الناسُ، فقالوا
(1)
في النسخ المطبوعة: «فقال» .
(2)
رواه البخاري (3353) ومسلم (2378) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
ب: «إن كنت» ، وكذا في النسخ المطبوعة وبعض مصادر التخريج.
(4)
رواه أحمد في «المسند» (23011، 22989) و «فضائل الصحابة» (480)، والترمذي (3690)، من حديث بريدة بن الحصيب. صححه الترمذي وابن حبان (4386). وقوَّاه الذهبي في «المهذب» (8/ 4054)، ووثق رجاله ابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 647). انظر:«الإرواء» (2588).
للرجل: أعِدْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعلك لم تُفهمه. فقال الرجل: يا رسول الله، رجلٌ يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي من عرض الدنيا. فقال:«لا أجر له» . فأعظم ذلك الناس، فقالوا: أعِدْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعاد. فقال:«لا أجر له»
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: أُقاتل أو أُسلِم؟ فقال: «أسْلِمْ ثم قاتِلْ» . فأسلم، ثم قاتل، فقُتِل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«هذا عمِلَ قليلًا وأُجِرَ كثيرًا»
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: ما أكثرُ ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسانه، ثم قال:«هذا»
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: قل [لي]
(4)
قولًا ينفعني الله به، وأَقلِلْ لعلِّي أعقله. قال:«لا تغضَبْ» . فعاد
(5)
مرارًا. كلَّ ذلك يقول له: «لا تغضب»
(6)
.
(1)
رواه أحمد (7900) وأبو داود (2516) من حديث أبي هريرة. وفيه ابن مِكْرَز، مجهول، ضعفه به المزي في «تهذيب الكمال» (2/ 419). وله شاهد عند الحاكم (2/ 371). انظر للشواهد والكلام عليها «الصحيحة» (52). والحديث صححه ابن حبان (4637) والحاكم (2/ 85)، وحسنه العراقي في «تخريج الإحياء» (4/ 384).
(2)
رواه البخاري (2808) ومسلم (1900) نحوه من حديث البراء.
(3)
رواه أحمد (15417، 15418)، والترمذي (2410)، وابن ماجه (3972)، من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي. وفيه محمد بن عبد الرحمن بن ماعز، حسن الحديث. صححه الترمذي، وابن حبان (5698 - 5700)، والحاكم (4/ 313).
(4)
ما بين المعقوفين من مصادر التخريج وكذا في النسخ المطبوعة.
(5)
في النسخ المطبوعة: «فردَّد» .
(6)
رواه أحمد (15964) من حديث جارية بن قدامة، والحديث فيه اختلاف، بيَّنه الحافظ في «الإصابة» (1/ 556). صححه ابن حبان (5689، 5690) والحاكم (3/ 615)، وابن عبد البرفي «التمهيد» (7/ 246). وحسنه الحافظ في «المطالب» (3/ 147).
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إنَّ لي ضرَّةً، فهل عليَّ جناح إن استكثرتُ من زوجي بما لا يعطيني؟ فقال:«المتشبِّع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبَي زُور»
(1)
.
وكلُّ هذه الأحاديث في «الصحيح» .
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إن شرائع الإسلام قد كثُرت علي، فأوصِني بشيء أتشبَّث به، فقال:«لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله» . ذكره أحمد
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله، أُرْسِلُ ناقتي، وأتوكَّل
(3)
؟ فقال: «بل
(4)
اعقِلْها وتوكَّلْ». ذكره ابن حبان والترمذي
(5)
.
(1)
رواه البخاري (5219) ومسلم (2130) من حديث أسماء.
(2)
من حديث عبد الله بن بُسْر (17698)، والترمذي (3375)، وابن ماجه (3793)، وابن حبان (814)، والحاكم (1/ 495) من طريق عمرو بن قيس. وسنده صحيح، صححه ابن حبان والحاكم، وحسنه ابن مفلح في «الآداب» (1/ 425)، والحافظ في «نتائج الأفكار» (1/ 93).
(3)
زيد بعده في النسخ المطبوعة: «على الله» .
(4)
لم ترد «بل» في ك، ب.
(5)
رواه الترمذي (2517) من حديث أنس، من طريق عمرو بن علي الفلاس، ونقل عنه عقبه: قال يحيى (القطان): وهذا عندي منكر. ورواه ابن حبان (731) من حديث عمرو بن أمية الضمري عن أبيه. صححه ابن حبان، والحاكم (3/ 623). وقال الزرقاني في «مختصر المقاصد الحسنة» (113):«صحيح من حديث عمرو بن أمية الضمري، ضعيف من حديث أنس» .
وقال له صلى الله عليه وسلم رجل: ليس عندي يا رسول الله ما أتزوَّج به. قال: «أوَليس معك {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؟» . قال: بلى. قال: «ربع القرآن
(1)
. أليس معك {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ؟». قال: بلى. قال: «ربع القرآن
(2)
. أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ} ؟». قال: بلى. قال: «ربع القرآن. أليس معك {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ}؟» . قال: بلى. قال: «ربع القرآن. أليس معك آية الكرسي؟» . قال: بلى. قال: «ربع القرآن. تزوَّج، تزوَّج، تزوَّج» ثلاث مرات. ذكره أحمد
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم معاذ، فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن كان
(4)
علينا أمراء لا يستنُّون بسنتك ولا يأخذون بأمرك، فما تأمر
(5)
في أمرهم؟ فقال: «لا طاعة لمن لم يُطِعِ الله»
(6)
.
(1)
كذا في النسخ الخطية ومصدر النقل وهو «المسند» . وفي النسخ المطبوعة: «ثلث القرآن» كما في «جامع الترمذي» وغيره. ولعله من تصرف بعض الناشرين.
(2)
في النسخ المطبوعة بعده: «قال» ، وكذا فيما يأتي بعد «ربع القرآن» .
(3)
برقم (13309) من حديث أنس. ورواه أيضًا الترمذي (2895) والبيهقي في «الشعب» (2285). وفيه سلمة بن وردان، منكر الحديث. انظر للطرق والكلام عليه:«الصحيحة» (586) و «الضعيفة» (1342).
(4)
ز: «كانت» .
(5)
في النسخ المطبوعة: «تأمرنا» . وفي «المسند» كما أثبت من النسخ الخطية.
(6)
رواه أحمد (13225)، وأبو يعلى (4046)، والبخاري في «التاريخ» (6/ 332)، من حديث أنس بن مالك عن معاذ بن جبل. وفيه عمرو بن زينب، مجهول. ويغني عنه ما رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) من حديث علي بن أبي طالب. ولمزيد من الشواهد، انظر تعليق محققي «المسند» .
وسأله صلى الله عليه وسلم أنس أن يشفع له، فقال:«إني فاعل» . قال: فأين أطلبك يوم القيامة؟ قال: «اطلبني أولَ ما تطلبني على الصراط» . قلت: فإذا لم ألقك على الصراط؟ قال: «فأنا على الميزان» . قلت: فإن لم ألقك عند الميزان. قال: «فأنا عند الحوض، لا أخطئ هذه الثلاث مواطنَ يوم القيامة»
(1)
. ذكرهما أحمد.
وسأله صلى الله عليه وسلم الحجاج بن عِلاط، فقال: إنَّ لي بمكة مالًا، وإنَّ لي بها أهلًا، وإنِّي أريد أن آتيهم، فأنا في حِلٍّ إن أنا نلتُ منك أو قلت شيئًا؟ فأذِن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء. ذكره أحمد
(2)
.
وفيه دليل على أن الكلام إذا لم يُرد به قائلُه معناه، إما لعدم قصده
(3)
، أو لعدم علمه به، أو أنه أراد به غيرَ معناه= لم يلزمه ما لم يُرده بكلامه. وهذا هو دين الله [235/ب] الذي أرسل به رسوله. ولهذا لم يلزم المُكرَهَ على التكلُّم بالكفر الكفرُ، ولم يلزم زائلَ العقل بجنون أو نوم أو سكر ما تكلَّم به، ولم يلزم الحجاجَ بن عِلاط حكمُ ما تكلَّم به؛ لأنه أراد به غير معناه، ولم يعقد قلبه عليه. وقد قال تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]. وفي الآية الأخرى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ
(1)
رواه أحمد (12825)، والترمذي (2433)، والضياء المقدسي (7/ 246). قال الترمذي: حسن غريب. وقال محققو «المسند» : رجاله رجال الصحيح، ومتنه غريب.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
ك، ب:«قصده له» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]. فالأحكام في الدنيا والآخرة مرتَّبةٌ على ما كسبه القلب، وعقد عليه، وأراده من معنى كلامه.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: يا رسول الله، إنَّ نساءً أسعدْننا في الجاهلية
(1)
، يعني في النَّوح، أفَنُسعِدهن في الإسلام؟ قال: «لا إسعادَ في الإسلام، ولا شِغارَ في الإسلام، ولا عَقْرَ في الإسلام، ولا جَلَبَ في الإسلام
(2)
، [ولا جَنَبَ]
(3)
، ومن انتهب فليس منَّا». ذكره أحمد
(4)
.
والإسعاد: إسعاد المرأة في مصيبتها بالنَّوح.
والشغار: أن يزوِّج الرجلُ ابنته على أن يزوِّجَه الآخرُ ابنته.
والعَقْر: الذبح على قبور الموتى.
والجَلَب: الصياح على الفرس في السباق.
والجَنَب: أن يجنُب فرسًا فإذا أعيَتْ فرسُه انتقل إلى تلك في المسابقة.
(1)
في المطبوع: «في الجاهلية أسعدتنا» . وفي «المسند» كما أثبت.
(2)
«ولا جلب في الإسلام» ساقط من ك، ب.
(3)
ما بين المعقوفين ساقط من النسخ الخطية والمطبوعة، بدليل تفسيره بعد إيراد الحديث.
(4)
برقم (13032) من حديث أنس. ورواه أيضًا النسائي (1852) وابن حبان (3146)، كلهم من طريق معمر عن ثابت. ورواية معمر عن ثابت ضعيفة. قال البخاري في «العلل الكبير» للترمذي (ص 283 - 284): لا أعلم أحدًا رواه عن ثابت غير معمر. وبمثله قال الدارقطني في «أطراف الأفراد» (1/ 172). وقال أبو حاتم في «العلل» (1096): منكر جدًّا. واعتمده ابن عبد الهادي في «المحرر» (534).
وسأله صلى الله عليه وسلم بعض الأنصار، فقالوا: قد كان لنا جملٌ نَسْني
(1)
عليه، وإنه قد استصعَبَ علينا، ومنعنا ظهرَه، وقد عطِش الزرع والنخل. فقال لأصحابه:«قوموا» . فقاموا. فدخل الحائط، والجمل في ناحيته، فمشى النبيُّ صلى الله عليه وسلم نحوه، فقالت الأنصار: يا نبيَّ الله إنه قد صار مثل الكَلْب الكَلِب، وإنا نخاف عليك صولته، فقال:«ليس عليَّ منه بأس» . فلما نظر الجملُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خرَّ ساجدًا بين يديه. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذلَّ ما كان قطُّ حتى أدخَلَه في العمل. فقال له أصحابه
(2)
: يا نبيَّ الله، هذا بهيمة لا تعقل، تسجد لك؛ ونحن نعقل، فنحن أحقُّ أن نسجد لك. قال: «لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر. ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقِّه عليها. والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مَفْرِق رأسه يتبجَّس
(3)
بالقَيح والصديد ثم استقبلته تلحَسُه ما أدَّتْ حقَّه». ذكره أحمد
(4)
.
(1)
في النسخ الخطية والمطبوعة: «نسير» ، وهو تصحيف ما أثبت من «المسند» (12614). وفي أول الحديث فيه: «كان أهل بيت من الأنصار لهم جملٌ يسنُون عليه
…
». والواوي أشهر من اليائي. ويسنون عليه، أي يسقون عليه.
(2)
ك: «الصحابة» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(3)
أثبت في المطبوع: «تتبجَّس» من «المسند» ، وذهب عليه أنه فيه صفة للقرحة.
(4)
برقم (12614) من حديث أنس. ورواه أيضًا أبو نعيم في «الدلائل» (287)، والضياء (1895). وفيه خلف بن خليفة، وكان قد اختلط. وله شاهد مختصر عند الترمذي (1161)، وابن حبان (4162) .. حسَّنه المنذري في «الترغيب» (3/ 99)، وابن كثير في «البداية» (6/ 141). وقال محققو «المسند»: «صحيح لغيره دون قوله: «والذي نفسي بيده لو كان من قدمه
…
حقَّه». وهذا الحرف تفرَّد به حسين المرُّوذي عن خلف بن خليفة، وخلف كان قد اختلط قبل موته».
فأخذ المشركون مع مريديهم بسجود الجمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركوا قوله:«لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر» ! وهؤلاء شرٌّ من الذين يتَّبعون المتشابه ويدَعُون المحكم.
وسئل صلى الله عليه وسلم، فقيل له: إن أهل الكتاب يتخفَّفون، ولا ينتعلون. يعني: في الصلاة. قال: «فتخفَّفُوا
(1)
، وانتعلوا، وخالفوا أهل الكتاب». قالوا: فإن أهل الكتاب يقصُّون عثانينهم، ويوفِّرون سِبالهم. فقال:«قُصُّوا سِبالَكم، ووفِّروا عثانينكم، وخالفوا أهلَ الكتاب» . ذكره أحمد
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا نبيَّ الله، مررتُ بغارٍ فيه شيءٌ من ماء، فحدَّثتُ نفسي بأن أقيم فيه، فيقوتني ما فيه من ماء، وأصيبُ ما حوله من البقل، وأتخلَّى عن الدنيا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إني لم أُبعَث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بُعِثْتُ بالحنيفية السمحة. والذي نفسُ محمد بيده، لَغَدوةٌ أو رَوحةٌ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولَمَقامُ أحدكم في الصفِّ خيرٌ من صلاته ستين سنة»
(3)
.
(1)
في النسخ الخطية: «يتحفون
…
فتحفوا» بإهمال الحاء. وفي الطبعات القديمة: «يحتفون
…
فاحتفوا». وفي المطبوع: «يحتفون
…
فتحفوا». والصواب ما أثبت من «المسند» وغيره. و «يتخفَّفون» أي يلبسون الخفّ. فإن صح ما في النسخ فهو: «يتخفَّون فتخَفَّوا» ، مثل تظنَّى من تظنَّن، وتقضَّى من تقضَّض. قلب الحرف الأخير ياءً لتوالي الأمثال.
(2)
برقم (22283) من حديث أبي أمامة. ورواه أيضًا الطبراني (8/ 236)، والبيهقي في «الشعب» (5987). وفيه زيد بن يحيى، حسن الحديث. انظر:«مجمع الزوائد» (5/ 131).
(3)
رواه أحمد (22291) والطبراني (8/ 216) من حديث أبي أمامة. وفيه معان بن رفاعة وعلي بن يزيد، فيهما لين. ضعفه الهيثمي (5/ 279)، والعيني في «عمدة القاري» (14/ 129).
فصل
[236/أ] وأخبرهم أن الله سبحانه وتعالى حرَّم عليهم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام
(1)
، فسألوه، وقالوا: أرأيت شحوم الميتة، فإنه يُطلى بها السفن، ويُدهَن بها الجلود، ويستصبح بها الناس. فقال:«هو حرام» . ثم قال: «قاتَل الله اليهود، فإن الله لما حرَّم عليهم شحومها جمَلوه
(2)
، ثم باعوه وأكلوا ثمنه»
(3)
.
وفي قوله: «هو حرام» قولان، أحدهما: أن هذه الأفعال حرام. والثاني: أن البيع حرام وإن كان المشتري يشتريه لذلك. والقولان مبنيَّان على أن السؤال منهم هل وقع عن البيع لهذا الانتفاع أو وقع عن الانتفاع
(4)
المذكور؟ والأول اختيار شيخنا
(5)
. وهو الأظهر، لأنه لم يخبرهم أولًا عن تحريم هذا الانتفاع حتى يذكروا له حاجتهم إليه، وإنما أخبرهم عن تحريم البيع، فأخبروه أنهم يتبايعونه
(6)
لهذا الانتفاع. فلم يرخِّص لهم في البيع،
(1)
أثبت في المطبوع: «الأنصاب» خلافًا لما في النسخ وفي «الصحيحين» .
(2)
أي أذابوه واستخرجوا دهنه.
(3)
رواه البخاري (2236) ومسلم (1581) من حديث جابر.
(4)
«أو وقع عن الانتفاع» سقط من ز لانتقال النظر، فصار النص: «
…
لهذا الانتفاع المذكور» فلما استدرك الساقط في بعض النسخ الخطية أو المطبوعة زيد بعد ذلك «أو وقع عن الانتفاع المذكور» ، فتكررت كلمة «المذكور» في النسخ المطبوعة.
(5)
انظر: «زاد المعاد» (5/ 664).
(6)
في النسخ المطبوعة: «يبتاعونه» .
ولم ينههم عن الانتفاع المذكور. ولا تلازم بين جواز البيع وحِلِّ المنفعة. والله أعلم.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو طلحة عن أيتام ورثوا خمرًا، فقال:«أَهْرِقْها» . قال: أفلا أجعلها خلًّا؟ قال: «لا» . حديث صحيح
(1)
. وفي لفظ: أن أبا طلحة قال: يا رسول الله، إني اشتريتُ خمرًا لأيتامٍ في حِجْري، فقال:«أهرِقِ الخمرَ، واكسِر الدِّنَان»
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام، فقال: الرجل يأتيني ويريد مني البيع، وليس عندي ما يطلب؛ أفأبيع منه، ثم أبتاع من السوق؟ قال:«لا تبِعْ ما ليس عندك» . ذكره أحمد
(3)
.
(1)
رواه أحمد (12189)، وأبو داود (3675)، وأبو يعلى (4051)، والدارقطني (4/ 265)، والبيهقي (6/ 37) من حديث أنس. صححه النووي في «المجموع» (2/ 575) وابن الملقن في «البدر المنير» (6/ 630).
(2)
رواه الترمذي (1293)، والطبراني (5/ 99)، والدارقطني (4/ 265) من حديث أنس عن أبي طلحة. وفيه ليث بن أبي سليم، ضعيف. وله شاهد مختصر عند الطحاوي في «مشكل الآثار» (3339)، وفيه قيس بن الربيع، ضعيف أيضًا.
(3)
برقم (15311) من حديث حكيم بن حزام. ورواه أيضًا أبو داود (3503)، والترمذي (1232)، والنسائي (4613)، وابن ماجه (2187). وفيه يوسف بن ماهك لم يسمع من حكيم بن حزام، قاله أحمد (جامع التحصيل- ص 377)، وأشار إليه البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 158)، وكذلك ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 126). انظر للطرق:«نصب الراية» (4/ 32). وصححه ابن حبان (4983)، والنووي في «المجموع» (9/ 259)، وابن الملقن في «البدر المنير» (6/ 488)، والحافظ في «التلخيص» (3/ 5).
وسأله صلى الله عليه وسلم أيضًا، فقال: إني أبتاع هذه البيوع، فما يحِلُّ لي منها، وما يحرُم عليَّ منها؟ قال:«يا ابن أخي لا تبيعنَّ شيئًا حتى تقبضه» . ذكره أحمد
(1)
.
وعند النسائي
(2)
: ابتعتُ طعامًا من طعام الصدقة، فربحتُ فيه قبل أن أقبضه. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فقال:«لا تبعه حتى تقبضه» .
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الإشقاح الذي إذا وُجِد جاز بيعُ الثمار، فقال:«تحمارُّ، وتصفارُّ، ويؤكل منها» . متفق عليه
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ما الشيء الذي لا يحِلُّ منعُه
(4)
؟ قال: «الماء» . قال: ما الشيء الذي لا يحِلُّ منعه؟ قال: «الملح» . قال: ثم ماذا؟ قال: «النار»
(5)
. ثم سأله صلى الله عليه وسلم: ما الشيء الذي لا يحِلُّ منعه؟ قال: «أن تفعل الخيرَ
(1)
عن حكيم بن حزام (4603)، والطبراني (3/ 197)، وابن حبان (4985)، من طريق عطاء عن حكيم. انظر:«إرواء الغليل» (1292).
(2)
رواه البخاري (2196) ومسلم (1536) من حديث جابر بن عبد الله، ولفظه: «قال: قلت لسعيد: ما تشقح؟ قال: تحمار
…
». فالسائل سليم بن حيان، والمجيب سعيد بن ميناء الراوي عن جابر. وانظر:«فتح الباري» (4/ 397).
(3)
ك، ب:«بيعه» .
(4)
لم أجد ذكر النار في هذا الحديث في «سنن أبي داود» وغيرها. نعم، ذكرت في حديث عائشة في «سنن ابن ماجه» (2474).
(5)
برقم (15316) من حديث حكيم بن حزام. ورواه أيضًا النسائي في «الكبرى» (6151)، وابن حبان (4983). وفيه عبد الله بن عصمة بين يوسف بن ماهك وحكيم بن حزام، وعبد الله ضعيف. وانظر الحديث السابق.
خيرٌ لك». ذكره أبو داود
(1)
.
وسئل أن يُحْجَر على رجل يُغْبَن في البيع لضعفٍ في عُقْدته
(2)
، فنهاه عن البيع، فقال: لا أصبر عنه. فقال: «إذا بايعتَ فقل: لا خلابة. وأنت في كلِّ سلعة ابتعتَها بالخيار ثلاثًا»
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل ابتاع غلامًا، فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيبًا، فردَّه عليه. فقال البائع: يا رسول الله قد استغلَّ غلامي، فقال:«الخراج بالضمان» . ذكره أبو داود
(4)
.
(1)
برقم (1669). ورواه أيضًا أحمد (25/ 293)، وابن ماجه (2474)، والدارمي (2655) من حديث أبي بهيسة، والحديث ضعيف. انظر:«بيان الوهم» (3/ 262)، و «تحفة الأشراف» (11/ 229)، و «التلخيص الحبير» (3/ 65)، و «الضعيفة» (120).
(2)
يعني: في عقله.
(3)
تقدَّم تخريجه.
(4)
رواه أبو داود (3510) من حديث عائشة. قال البخاري في «العلل الكبير» للترمذي (ص 203): إنما رواه مسلم بن خالد الزنجي، ومسلم ذاهب الحديث.
ورواه أيضًا أحمد (24224، 25999) وأبو داود (3508، 3509) والترمذي (1285) والنسائي (4490) وابن ماجه (2242). وفيه مخلد بن خفاف، قال البخاري في «العلل الكبير» (ص 202):«لا أعرف له غير هذا الحديث، وهذا حديث منكر» ، وقال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 347): «وليس هذا بإسناد تقوم به الحجة
…
غير أني أقول به لأنه أصلح من أراء الرجال».
ورواه الترمذي (1286) من طريق عمر بن علي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، واستغربه البخاري وضعفه. انظر:«العلل الكبير» (ص 203). وقال أحمد كما في «العلل المتناهية» (2/ 597): لا أرى لهذا الحديث أصلًا.
وذكر الطحاوي في «معاني الآثار» (4/ 21) أن العلماء تلقوا هذا الخبر بالقبول. ويؤيده تفسير الترمذي لقوله: «الخراج بالضمان» عقب الحديث. ويشهد له ما روي من آثار السلف، انظر:«مصنف عبدالرزاق» (8/ 176 - باب: الضمان مع النماء) و «مصنف ابن أبي شيبة» (21538 وبعده - في الرجل يشتري العبد أو الدار فيستغلها). وانظر لمن يقول به من الأئمة: «الأوسط» لابن المنذر (10/ 243).
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إني امرأة أبيع وأشتري، فإذا أردت أن أبتاع الشيءَ سُمْتُ به أقلَّ مما أريد، ثم زدت حتى أبلغ الذي أريد. وإذا أردتُ أن أبيع الشيء سُمْتُ به أكثرَ من الذي أريد، ثم وضعتُ حتى أبلغ الذي أريد. فقال:«لا تفعلي. إذا أردتِ أن تبتاعي شيئًا فاستامي به الذي تريدين، أُعطيتِ أو مُنعتِ. وإذا أردتِ أن تبيعي شيئًا فاستامي به الذي تريدين، أُعطيتِ [236/ب] أو مُنعتِ» . ذكره ابن ماجه
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم بلال عن تمر رديء باع منه صاعين بصاع جيد، فقال:«أَوَّهْ، عينُ الربا، لا تفعل. ولكن إذا أردت أن تشتري فبعِ التمر بيعًا آخرَ، ثم اشتر بالثمن» . متفق عليه
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب، فقال: اشتريتُ أنا وشريكي شيئًا يدًا بيدٍ ونسيئةً، فسألنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «أما ما كان يدًا بيدٍ فخذوه، وما كان نسيئةً
(1)
برقم (2204). ورواه أيضًا الطبراني (8/ 418)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (7817)، من حديث قَيْلَة. والحديث ضعيف، ضعفه المزي في «تحفة الأشراف» (12/ 477)، والبوصيري في «المصباح» (2/ 13)، والألباني في «الضعيفة» (2156).
(2)
البخاري (2312) ومسلم (1594) من حديث أبي سعيد، وقد تقدَّم.
فذروه». ذكره البخاري
(1)
. وهو صريح في تفريق الصفقة. وعند النسائي
(2)
عن البراء قال: كنت وزيد بن أرقم تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عن الصرف، فقال:«إن كان يدًا بيد فلا بأس، وإن كان نسيئةً فلا يصلح» .
وسأله صلى الله عليه وسلم فَضالة بن عُبيد عن قلادة اشتراها يوم خيبر باثني عشر دينارًا فيها ذهَب وخَرَز، ففصَّلها، فوجد فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فقال:«لا تباع حتى تُفصَّل» . ذكره مسلم
(3)
.
وهو يدل على أن مسألة «مُدُّ عَجْوة»
(4)
لا تجوز إذا كان أحد العوضين فيه ما في الآخر وزيادة، فإنه صريح الربا. والصواب أن المنع مختصٌّ بهذه الصورة التي جاء فيها الحديث وما شابهها من الصور.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن بيع الفرس بالأفراس، والنجيبة بالإبل، فقال:«لا بأس إذا كان يدًا بيد» . ذكره أحمد
(5)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم ابن عمر، فقال: أشتري الذهب بالفضة؟ فقال: «إذا أخذتَ واحدًا منهما فلا يفارِقْك صاحبُك، وبينك وبينه لَبْسٌ» . وفي لفظ: كنت أبيع الإبل، وكنت آخذ الذهب من الفضة، والفضة من الذهب، والدنانير من الدراهم، والدراهم من الدنانير؛ فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«إذا أخذتَ أحدهما، وأعطيتَ الآخر، فلا يفارِقْك صاحبُك، وبينك وبينه لَبْسٌ» . ذكره
(1)
برقم (2497).
(2)
برقم (4576)، وهو في البخاري (2060، 2061).
(3)
برقم (1591).
(4)
سبقت أكثر من مرة.
(5)
من حديث ابن عمر (10/ 125). وقد تقدَّم جزء منه.
ابن ماجه
(1)
.
وتفسير هذا ما في اللفظ الذي عند أبي داود
(2)
عنه: قلت: يا رسول الله، إني أبيع الإبل بالبقيع
(3)
، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير. آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه. فقال:«لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء» . ذكره أحمد
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن اشتراء التمر بالرُّطَب، فقال:«أينقص الرُّطَب إذا يبس؟» . قالوا: نعم. فنهى عن ذلك. ذكره أحمد والشافعي ومالك رضي الله عنه
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل أسلف في نخل، فلم يُخرِجْ تلك السنَة، فقال:«اردد عليه ماله» . ثم قال: «لا تُسلِفوا في النخل حتى يبدو صلاحه»
(6)
.
(1)
برقم (2262) من حديث عبد الله بن عمر. والأول لفظ أحمد (4883). ورواه أيضًا الترمذي (1242)، والنسائي (4583)، من طريق سماك، والصواب وقفه. رجح الوقف الترمذي، والدارقطني في «العلل» (13/ 184)، والبيهقي (5/ 284)، وابن حجر في «التلخيص الحبير» (3/ 26).
(2)
برقم (3354). ورواه أيضًا أحمد (6239)، والترمذي (1245)، وابن ماجه (2262). والصواب فيه الوقف. انظر الحديث السابق، و «نصب الراية» (4/ 34)، و «بيان الوهم» (4/ 54).
(3)
في النسخ المطبوعة: «بالنقيع» . وفي «السنن» كما أثبت من النسخ الخطية.
(4)
انظر التخريج السابق.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
رواه أحمد (5067)، وأبو داود (3467) واللفظ له، والبيهقي (6/ 24)، من حديث ابن عمر، وفيه رجل نجراني مبهم. ضعفه ابن عدي في «الكامل» (7/ 301)، وعبد الحق في «الأحكام الوسطى» (3/ 277)، والحافظ في «الفتح» (4/ 433).
وفي لفظ
(1)
: أن رجلًا أسلَمَ في حديقة نخلٍ قبل أن يُطلِع النخلُ، فلم يُطِلع النخلُ شيئًا ذلك العام، فقال المشتري: هو لي حتى يُطلِع، وقال البائع: إنما بعتك النخل هذه السنة. فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال للبائع:«أخذ من نخلك شيئًا؟» . قال: لا. قال: «فبم تستحِلُّ ماله؟ اردد عليه ماله» . ثم قال: «لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه» .
وهو حجة لمن لم يجوِّز السلم إلا في موجود الجنس حالَ العقد، كما يقوله الأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي.
[237/أ] وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إن بني فلان قد أسلموا ــ لقوم
(2)
من اليهود ــ وإنهم قد جاعوا، فأخاف أن يرتدُّوا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«من عنده؟» . قال رجل من اليهود: عندي كذا وكذا ــ لشيءٍ سمَّاه ــ أراه قال: ثلاثمائة دينار بسعر كذا وكذا من حائط بني فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسعر كذا وكذا، وليس من حائط بني فلان» . ذكره ابن ماجه
(3)
.
فصل
وسأله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب فقال: اجعلني على شيء أعيش به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا حمزة، نفسٌ تُحييها أحبُّ إليك، أم نفسٌ تُميتها؟» .
(1)
لابن ماجه (2284). وانظر التخريج السابق.
(2)
في النسخ الخطية: «القوم» ، وهو خطأ.
(3)
برقم (2281) من حديث عبد الله بن سلام. وفيه الوليد بن مسلم، وصرح بالسماع، فالحديث صحيح. صححه ابن حبان (288)، والحاكم (3/ 604)، وثق رجاله الحافظ في «الإصابة» (2/ 501)، وحسنه المزي في «تهذيب الكمال» (3/ 347).
فقال: نفسٌ أحييها. قال: «عليك نفسَك» . ذكره أحمد
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: ما عملُ الجنة؟ قال: «الصدق، فإذا صدَق العبدُ برَّ، وإذا برَّ آمن، وإذا آمن دخل الجنة»
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: ما عمل النار
(3)
؟ قال: «الكذب، إذا كذَب العبدُ فجَر، وإذا فجَر كفَر، وإذا كفَر دخل النار»
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال؟ فقال: «الصلاة» . قيل: ثمَّ مَه؟ قال: «الصلاة» ثلاث مرات. فلما غلب عليه قال: «الجهاد في سبيل الله» . قال الرجل: فإن لي والدين. قال: «آمرك بالوالدين خيرًا» . قال: والذي بعثك بالحق نبيًّا، لأجاهدنَّ ولأتركهما
(5)
. فقال: «أنت أعلم» . ذكره أحمد
(6)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الغُرف التي في الجنة، يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، لمن هي؟ قال: «لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وبات لله
(1)
برقم (6639) من حديث عبدالله بن عمرو. وفيه ابن لهيعة، فيه لين. وضعف الحديث المنذري في «الترغيب» (3/ 181)، والهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/ 202).
(2)
رواه أحمد (6641) من حديث عبد الله بن عمرو. وفيه ابن لهيعة، فيه لين. وضعف به الحديث الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 92).
(3)
في النسخ المطبوعة: «أهل النار» ، ولعله تصرف من بعض الناشرين.
(4)
من الحديث السابق.
(5)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة. وفي مطبوعة «المسند» : «ولأتركنَّهما» .
(6)
رواه أحمد (6602) وابن حبان (1722) من حديث عبد الله بن عمرو. وفيه ابن لهيعة. وقال الألباني في «الضعيفة» (5819): منكر.
قائمًا والناس نيام»
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: أرأيت إن جاهدتُ بنفسي ومالي، فقُتِلتُ صابرًا محتسبًا مقبلًا غيرَ مدبر، أدخل الجنة؟ قال:«نعم» . فقال ذلك مرتين أو ثلاثًا. قال: «إلا إن متَّ وعليك دَينٌ ليس
(2)
عندك وفاؤه»
(3)
.
وأخبرهم بتشديدٍ أُنزِل، فسألوه عنه، فقال:«الدَّين. والذي نفسي بيده، لو أن رجلًا قُتِل في سبيل الله، ثم عاش، ثم قتل في سبيل الله، ثم عاش، ثم قُتل في سبيل الله، ما دخل الجنةَ حتى يُقضى دينُه»
(4)
.
ذكرهما أحمد.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل عن أخيه مات وعليه دَين، فقال:«هو محبوس بدَينه، فاقضِ عنه» . فقال: يا رسول الله، قد أدَّيتُ عنه إلا دينارين ادَّعتْهما امرأةٌ وليس لها بينة. فقال:«أعطِها فإنها مُحِقّة» . ذكره أحمد
(5)
.
(1)
تقدَّم تخريجه.
(2)
في النسخ المطبوعة: «وليس» .
(3)
رواه أحمد (14490)، والبزار (1337 - كشف الأستار)، وأبو يعلى (1857) من حديث جابر بن عبد الله. وفيه عبد الله بن عقيل، حسن الحديث. وحسن الحديث الهيثمي (4/ 127). وله شاهد عند مسلم (1885).
(4)
رواه أحمد (22493)، والنسائي (4684)، والطبراني (19/ 560)، والحاكم (2/ 25) من حديث محمد بن عبد الله بن جحش. وفيه مولاه أبو كثير، لم يوثقه غير ابن حبان، وروى عنه ثلاثة من الثقات. وقال الحافظ في «التقريب» (8325): ثقة، وقال في «الفتح» (1/ 479): روى عنه جماعةٌ، لكن لم أجد فيه تصريحًا بتعديل.
(5)
برقم (20076) من حديث سعد بن الأطول. ورواه أيضًا ابن ماجه (2433) وأبو يعلى (1510)، وفيه عبد الملك أبو جعفر، وهو مجهول. ورواه البخاري في «التاريخ» (4/ 45) والبيهقي (10/ 142)، من طريق الجريري، قد اختلط، لكن رواه حماد قبل ذلك. وحسن الحديث البوصيري في «الإتحاف» (3/ 369)، والألباني في «الإرواء» (1667). وانظر للشواهد: تعليق محققي «المسند» .
وفيه دليل على أن الوصي إذا علم ثبوتَ
(1)
الدَّين على الميت جاز له وفاؤه وإن لم تقم به بينة.
وسألوه صلى الله عليه وسلم أن يسعِّر لهم، فقال:«إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق. وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتُها إياه في دم أو مال» . ذكره أحمد
(2)
.
فصل
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: أرضي ليس لأحد فيها شَرِكةٌ ولا قِسْمةٌ إلا الجار. فقال: «الجار أحقُّ بصَقَبه» . ذكره أحمد
(3)
.
والصواب العمل بهذه الفتوى إذا اشتركا في طريق أو حقٍّ من حقوق الملك
(4)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: [237/ب] أيُّ الظلم أعظم؟ قال: «ذراع من الأرض ينتقصه من حقِّ أخيه. وليست حصاةٌ من الأرض أخَذَها إلا طُوِّقَها يوم القيامة إلى
(1)
في النسخ المطبوعة: «بثبوت» .
(2)
(12591) من حديث أنس. ورواه أيضًا أبو داود (3451)، والترمذي (1314)، وابن ماجه (2200). صححه الترمذي وابن حبان (4935).
(3)
برقم (19461) من حديث الشريد بن سويد، واللفظ للنسائي (4703)، وقد تقدَّم.
(4)
سبق الكلام عليه مع ذكر أقوال الفقهاء والترجيح.
قعر الأرض، ولا يعلم قعرَها إلا الذي خلقها». ذكره أحمد
(1)
.
وأفتى صلى الله عليه وسلم في شاة ذُبحت بغير إذن صاحبها وقُدِّمت إليه= أن تُطْعَم الأسارى. ذكره أبو داود
(2)
.
فصل
وأفتى صلى الله عليه وسلم بأنَّ ظهرَ الرهن يُركَب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبنَ الدَّرِّ يُشرَب بنفقته إذا كان مرهونًا؛ وعلى الذي يركب ويشرب: النفقة. ذكره البخاري
(3)
.
وأخذ أحمد وغيره من أئمة الحديث بهذه الفتوى، وهو الصواب
(4)
.
وأفتى صلى الله عليه وسلم بأن الرَّهن لا يُغلَق من صاحبه الذي رهَنه. له غُنْمه، وعليه غُرْمه. حديث حسن
(5)
.
وأفتى صلى الله عليه وسلم في رجلٍ أصيب في ثمار ابتاعها، فكثُر دينُه؛ فأمر أن يتصدَّق عليه، فلم يُوفِ ذلك دينَه، فقال للغرماء: «خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا
(1)
برقم (3767، 3773)، والطبراني (10/ 216)، من حديث عبدالله بن مسعود. وفيه ابن لهيعة، فيه لين، وأيضًا أبو عبدالرحمن الحُبُلي لم يسمع من ابن مسعود. انظر: تعليق أحمد شاكر على «المسند» (3767)، و «الضعيفة» (6762).
(2)
برقم (3332) وقد تقدَّم.
(3)
برقم (2512) وقد تقدَّم.
(4)
سبق الكلام على المسألة.
(5)
تقدَّم تخريجه.
ذلك». ذكره مسلم
(1)
.
وأفتى صلى الله عليه وسلم من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس، فهو أحقُّ به من غيره. متفق عليه
(2)
.
فصل
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة عن حُليٍّ لها تصدَّقت به، فقال لها:«لا يجوز لامرأة عطيةٌ في مالها إلا بإذن زوجها»
(3)
.
وفي لفظ: «لا يجوز للمرأة أمرٌ في مالها إذا ملك زوجُها عصمتَها» . ذكره أهل السنن
(4)
.
وعند ابن ماجه
(5)
: أن خَيْرةَ امرأة كعب بن مالك أتته بحُلِيٍّ، فقالت:
(1)
برقم (1556) وقد تقدم.
(2)
البخاري (2402) ومسلم (1559)، وقد سبق غير مرة.
(3)
رواه أحمد (6727)، وأبو داود (3547)، والنسائي (3757)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وإسناده صحيح، صححه البيهقي (6/ 60)، وابن الملقن في «تحفة المحتاج» (2/ 261)، وحسنه البوصيري في «الإتحاف» (1/ 461).
(4)
رواه أحمد (7058)، وأبو داود (3546)، والنسائي (3756)، وابن ماجه (2388) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وإسناده صحيح، صححه البيهقي (6/ 60)، وأحمد شاكر في «تحقيق المسند» (12/ 18). وانظر الحديث السابق.
(5)
برقم (2389) من حديث خيرة امرأة كعب بن مالك. ورواه أيضًا الطبراني (24/ 654). وفيه عبد الله بن يحيى بن كعب بن مالك وأبوه، في عداد المجاهيل. ضعف الحديث الحافظ في «الإصابة» (8/ 124)، والبوصيري في «المصباح» (2/ 40). وضعفه الطحاوي وابن عبد البر. انظر:«الصحيحة» (825).
تصدَّقتُ بهذا. فقال: «هل استأذنتِ كعبًا؟» . فقالت: نعم. فبعث إلى كعب، فقال:«هل أذِنتَ لخيرة أن تتصدَّق بحُليِّها هذا؟» . فقال: نعم. فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: ليس لي مال، ولي يتيم. فقال:«كُلْ من مال يتيمك غيرَ مسرف، ولا مبذِّر، ولا متأثِّل مالًا، ومن غير أن تقيَ مالَك ــ أو قال: تفدي مالَك ــ بماله»
(1)
.
ولما نزلت {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] عزلوا أموال اليتامى، حتى جعل الطعامُ يفسُد، واللحمُ يُنْتِن. فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220]. ذكره أحمد وأهل السنن
(2)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن لُقَطة الذهب والورق، فقال:«اعرِفْ وِكاءها وعِفاصَها، ثم عرِّفها سنةً. فإن لم تعرف فاستنفِقها، ولتكن وديعةً عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدِّها إليه» . فسئل صلى الله عليه وسلم عن ضالَّة الإبل. قال: «ما لك ولها؟ دَعْها، فإن معها حذاءها وسقاءها، ترِد الماءَ، وتأكل الشجر حتى يجدها
(1)
رواه أحمد (6747)، وأبو داود (2872)، والنسائي (3668)، وابن ماجه (2718)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وإسناده صحيح، وقال الحافظ في «العجاب» (2/ 833): رجاله إلى عمرو ثقات. وصححه أحمد شاكر في «تحقيق المسند» (11/ 192)، وحسنه الألباني في «الإرواء» (1456).
(2)
رواه أحمد (3000)، وأبو داود (2871)، والنسائي (3670)، من حديث عبدالله بن عباس. وفيه عطاء بن السائب، قد اختلط. والراجح فيه الإرسال، رجحه الحافظ في «الفتح» (5/ 463) وفي «العجاب» (1/ 550).
ربُّها». فسئل صلى الله عليه وسلم عن الشاة. فقال: «خذها، فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب» . متفق عليه
(1)
.
وفي لفظ لمسلم
(2)
: «فإن جاء صاحبها فعرِّف عِفاصَها وعددَها ووِكاءَها، فأعطها إياه، وإلا فهي لك» .
وفي لفظ لمسلم
(3)
: «ثم كُلْها، فإن جاء صاحبها فأدِّها إليه» .
وقال أُبيُّ بن كعب: وجدتُ صُرَّةً على عهد النبي
(4)
صلى الله عليه وسلم، فيها مائة دينار. فأتيتُ بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«عرِّفها حولًا» . فعرَّفتها حولًا، ثم أتيتُه بها، فقال:«عرِّفها حولًا» . فعرَّفتها [238/أ] ثم أتيته بها، فقال:«عرِّفها حولًا» . فعرَّفتُها حولًا
(5)
، ثم أتيته
(6)
الرابعة، فقال:«اعرف عِدَّتها ووكاءها ووعاءها، فإن جاء صاحبُها، وإلا فاستمتِع بها» . فاستمتعتُ
(7)
. متفق عليه
(8)
، واللفظ للبخاري.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل من مُزَينة عن الضالَّة من الإبل، قال: «معها حذاؤها
(1)
البخاري (91) ومسلم (1722) من حديث زيد بن خالد الجهني. وقد تقدَّم الجزء الأول منه والكلام على اللقطة غير مرة.
(2)
برقم (1722/ 6).
(3)
برقم (1722/ 7).
(4)
في النسخ المطبوعة: «رسول الله» .
(5)
«حولًا» ساقط من النسخ المطبوعة.
(6)
بعده في النسخ المطبوعة زيادة: «بها» .
(7)
هنا أيضًا زيد في النسخ المطبوعة: «بها» .
(8)
البخاري (2437) ومسلم (1723).
وسقاؤها، تأكل الشجر، وترِدُ الماء، فدَعْها حتى يأتيها باغيها». قال: الضالَّة من الغنم؟ قال: «لك أو لأخيك أو للذئب، تجمعها حتى يأتيها باغيها» . قال: الحريسة
(1)
التي توجد في مراتعها؟ قال: «فيها ثمنُها مرتين، وضربُ نكال. وما أُخِذ من عَطَنه
(2)
، ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمنَ المِجَنّ». قال: يا رسول الله، فالثمار وما أُخذ منها في أكمامها؟ قال: «ما أخَذ بفمه، فلم يتخذ خُبْنةً
(3)
، فليس عليه شيء. وما احتمَل فعليه ثمنُه مرتين وضربًا ونكالًا. وما أُخِذ من أجرانه
(4)
ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمنَ المِجَنّ». قالوا: يا رسول الله، فاللقطة يجدها في سبيل العامرة؟ قال:«عرِّفها حولًا، فإن وجدتَ باغيها فأدِّها إليه، وإلا فهي لك» . قال: ما يوجد في الخَرِب العاديِّ؟ قال: «فيه وفي الرِّكاز الخُمْس» . ذكره أحمد وأهل السنن
(5)
.
والإفتاء بما فيه متعيِّن، وإن خالفه من خالفه؛ فإنه لم يعارضه ما يوجب تركه.
وأفتى بأن من وجد لقطة فليُشْهِد ذوي عدل، وليحفَظْ عِفاصَها ووِكاءها. ثم لا يكتُمْ ولا يُغيِّبْ، فإن جاء ربُّها فهو أحقُّ بها، وإلا فهو مال الله
(1)
يعني الشاة المسروقة من المرعى.
(2)
في النسخ الخطية: «وطنه» ، والتصحيح من «المسند» .
(3)
أي لم يأخذه في ثوبه.
(4)
الأجران جمع الجَرين وهو موضع تجفيف التمر.
(5)
رواه أحمد (6683) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، بهذا الطول. ورواه مختصرًا مقتصرًا على بعض ألفاظه أبو داود (1708)، والترمذي (1289) وحسنه، وابن ماجه (2596). وإسناده صحيح، صححه ابن خزيمة (2327)، والحاكم (2/ 65). ولبعضه شاهد عند البخاري (6112).
يؤتيه من يشاء
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل جلس لحاجته، فأخرج جُرَذٌ من جُحْر دينارًا، ثم أخرج آخر
(2)
، حتى أخرج سبعة عشر دينارًا، ثم أخرج طرفَ خرقةٍ حمراء. فأتى بها السائلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبرَها، وقال: خذ صدقتها. قال: «ارجع بها، لا صدقة فيها، بارك الله لك فيها» . ثم قال: «لعلك أهويتَ بيدك في الجُحر» . قلت
(3)
: لا، والذي أكرمك بالحق. فلم يَفْنَ آخرُها حتى مات
(4)
.
وقوله ــ والله أعلم ــ: «لعلك أهويتَ بيدك في الجُحْر» ، إذ لو فعل ذلك لكان في حكم الرِّكاز. وإنما ساق الله هذا المال إليه بغير فعل منه، أخرجته له الأرض، بمنزلة ما يخرج من المباحات. ولهذا ــ والله أعلم ــ لم يجعله لقطة، إذ لعله علِم أنه من دفن الكفار.
(1)
رواه أحمد (18336)، وأبو داود (1709)، والنسائي في «الكبرى» (5776)، وابن ماجه (2505)، من حديث عِيَاض بن حمار. صححه ابن حبان (4894)، وابن عبد الهادي في «التنقيح» (3/ 108)، وابن الملقن في «البدر المنير» (7/ 153)، والحافظ في «مختصر البزار» (1/ 542).
(2)
في النسخ المطبوعة: «ثم أخرج آخر» مرة أخرى.
(3)
القائل والسائل: المقداد بن عمرو، والحديث روته ضباعة بنت الزبير، وكانت تحت المقداد.
(4)
رواه أبو داود (3087)، وابن ماجه (2508)، والطبراني (20/ 611)، والبيهقي (4/ 155)، من حديث ضُباعة بنت الزبير. وفيه موسى بن يعقوب الزمعي، مختلف فيه، وقريبة وكريمة، مجهولتان. ضعف الحديث الحافظ في «النكت الظراف» (8/ 54).
فصل
وأهدى له صلى الله عليه وسلم عياض بن حمار إبلًا قبل أن يُسلِم، فأبى أن يقبلها، وقال:«إنَّا لا نقبل زَبْدَ المشركين» . قال: قلتُ
(1)
: وما زبدُ المشركين؟ قال: رِفْدُهم وهديتهم
(2)
. ذكره أحمد
(3)
.
ولا ينافي هذا قبوله هديةَ أُكَيْدِر وغيره من أهل الكتاب، لأنهم أهل كتاب، فقبِل
(4)
هديتَهم، ولم يقبل هدية المشركين.
وسأله صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت، فقال: رجل أهدى إليَّ قوسًا ممن كنتُ أعلِّمه الكتاب والقرآن، وليست بمال، وأرمي عليها في سبيل الله. فقال:«إن كنتَ تحبُّ أن تطوَّقَ طوقًا من نار فاقبلها»
(5)
.
ولا ينافي هذا قوله: «إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتابُ الله»
(6)
في قصة
(1)
يوهم هذا السياق أن السائل عياض والمجيب هو النبي صلى الله عليه وسلم. ويتبين من رواية ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/ 516) أن السائل ابن عون والمجيب هو الحسن البصري.
(2)
في «المسند» دون واو العطف.
(3)
برقم (17482)، وكذلك أبو داود (3057)، والترمذي (181) من حديث عياض بن حمار. صححه الترمذي، والطبري في «مسند علي» (209)، وابن دقيق العيد في «الاقتراح» (100)، وابن الملقن في «البدر المنير» (7/ 125).
(4)
ز: «فتقبل» .
(5)
رواه أحمد (22689)، وأبو داود (3416)، وابن ماجه (2157)، والحاكم (2/ 41) من حديث عبادة بن الصامت. وفي طرق الحديث اختلاف واضطراب، ضعف الحديث ابن المديني كما نقل البيهقي (6/ 125)، والبيهقي، والحافظ في «التلخيص» (4/ 7). وانظر:«علل ابن أبي حاتم» (2/ 74) و «الصحيحة» (256).
(6)
ذكره البخاري وقد تقدَّم.
الرقية، لأن تلك جعالة على الطب، فطبَّه بالقرآن، فأخذ الأجرَ
(1)
على الطب، لا على تعليم القرآن. وهاهنا منعه من أخذ الأجرة على تعليم القرآن، فإن الله تعالى قال لنبيه:{قُلْ لَا [240/ب] أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: 90]، وقال تعالى:{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: 47]، وقال تعالى:{اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس: 21]. فلا يجوز أخذ الأجرة على تبليغ الإسلام والقرآن.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو النعمان بن بشير أن يشهد على غلامٍ نحَلَه لابنه، فلم يشهد، وقال:«لا تُشْهِدْني على جَور» . وفي لفظ: «إن هذا لا يصلح» . وفي لفظ: «أكلَّ ولدك نحلتَه مثلَ هذا؟» . قال: لا. قال: «فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم» . وفي لفظ: «فارجعه» . وفي لفظ: «أشهِدْ على هذا غيري» . متفق عليه
(2)
.
وهذا أمرُ تهديد قطعًا، لا أمرُ إباحة، لأنه سمَّاه جورًا وخلاف العدل، وأخبر أنه لا يصلح، وأمر بردِّه. ومحالٌ مع هذا أن يأذن
(3)
في الإشهاد على ما هذا شأنه. وبالله التوفيق.
وسأله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال
(4)
، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدَّق بثلثي
(1)
في النسخ المطبوعة: «الأجرة» .
(2)
البخاري (2586) ومسلم (1623) وقد تقدَّم غير مرة.
(3)
يعني في قوله: «أشهد على هذا غيري» . وفي ك، ب:«يأذن الله» ، وفي النسخ المطبوعة:«يأذن الله له» . والصواب ما أثبت من ز.
(4)
في النسخ المطبوعة: «رجل ذو مال» بزيادة «رجل» ، ولم ترد الزيادة في «الصحيحين» .
مالي؟ قال: «لا» . قلت: فالشطر يا رسول الله؟ قال: «لا» . قلت: فالثلث؟ قال: «الثلث، والثلث كثير. إنك أن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكفَّفون الناس، وإنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلا أُجِرتَ بها، حتى ما تجعل في في امرأتك» متفق عليه
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فقال: يا رسول الله، إن أبي أوصى أن يُعتَق عنه مائةُ رقبة، فأعتق ابنُه هشامٌ خمسين، وبقيت عليه خمسون رقبة، أفأُعتِق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنه لو كان مسلمًا، فأعتقتم عنه، أو تصدَّقتم عنه، أو حججتم عنه، بلغه ذلك» . ذكره أبو داود
(2)
.
فصل
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إن ابن ابني مات، فما لي من ميراثه؟ فقال:«لك السدس» . فلما أدبر دعاه، فقال:«لك سدس آخر» . فلما ولَّى دعاه وقال: «إن السدس الآخر طُعْمَة» . ذكره أحمد
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الكلالة، فقال: «يكفيك من
(1)
البخاري (1295) ومسلم (1628).
(2)
رواه أبو داود (2883)، والبيهقي (6/ 279)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وفيه الوليد بن مَزْيَد عن الأوزاعي، فإسناده حسن.
(3)
برقم (19848) من حديث عمران بن حصين. ورواه أيضًا أبو داود (2896) والترمذي (2104). وفي سماع الحسن عن عمران اختلاف. صححه الترمذي، وضعف بالانقطاع بينهما ابن المديني وأبو داود كما في «المحرر» (343)، وابن عدي في «الكامل» (9/ 182)، وابن حزم (9/ 291).
ذلك
(1)
الآية التي أنزلت في الصيف في آخر سورة النساء». ذكره مالك
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم جابر: كيف أقضي في مالي، ولا يرثني إلا كلالة؟ فنزلت {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]. ذكره البخاري
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم تميم الداري: يا رسول الله، ما السنَّة في الرجل من المشركين يُسلم على يد رجل من المسلمين؟ فقال:«هو أولى الناس بمحياه ومماته» . ذكره أبو داود
(4)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: كنت تصدَّقتُ على أمي بوليدة، وإنها ماتت وتركت الوليدة. قال:«قد وجب أجرك، ورجعَتْ إليك في الميراث» . ذكره أبو داود
(5)
. وهو ظاهر جدًّا في القول بالرد، فتأمله.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، فقال:«ما خلا الولد والوالد» . ذكره أبو عبد الله المقدسي في «أحكامه»
(6)
.
(1)
في ز بعده زيادة: «ما نزل في» .
(2)
في «الموطأ» وقد تقدَّم.
(3)
برقم (5651).
(4)
برقم (2918) من حديث تميم الداري. ورواه أيضًا أحمد (16944)، والترمذي (2112)، والنسائي في «الكبرى» (6378)، وابن ماجه (2752). وعبد الله بن موهب لم يدرك تميمًا. ضعف الحديث البخاري في «التاريخ» (5/ 198 - 199)، والترمذي، والأوزاعي، والخطابي، وابن المنذر. انظر:«فتح الباري» (12/ 46 - 47).
(5)
برقم (1656). وقد سبق نقله من «صحيح مسلم» (1149).
(6)
برقم (5315) عن البراء قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ أو سئل ــ عن الكلالة فقال. قال المقدسي: رواه أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل بإسناد ثقات.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة سعد، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد، قُتِل معك يوم أحد، وإنَّ عمَّهما أخذ جميعَ ما ترك أبوهما، وإن المرأة لا تُنكَح إلا على مالها. فسكت النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى أنزلت آية الميراث. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخا سعد بن الربيع، فقال:«أعطِ ابنتي سعد ثلثي ميراثه، وأعطِ امرأته الثمن، وخذ أنت ما بقي» . [241/أ] ذكره أحمد
(1)
.
وسئل أبو موسى الأشعري عن ابنة وابنة ابن وأخت، فقال: للبنت النصف، وللأخت النصف. وأْتِ ابنَ مسعود فسيتابعني. فسئل ابن مسعود وأُخْبِرَ بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللتُ إذًا وما أنا من المهتدين! أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملةَ الثلثين، وما بقي فللأخت. ذكره البخاري
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: عندي ميراث رجل من الأزد، ولست أجد أزديًّا أدفعه إليه، فقال:«اذهب، فالتمس أزديًّا حولًا» . فأتاه بعد الحول، فقال: يا رسول الله، لم أجد أزديًّا أدفعه إليه. قال:«فانطلق فانظُر أول خزاعيٍّ تلقاه فادفعه إليه» . فلما ولَّى قال: «عليَّ بالرجل» . فلما جاءه قال: «انظر كُبْرَ خزاعة
(3)
(1)
برقم (14798) من حديث جابر بن عبد الله، واللفظ لابن ماجه كما صرَّح الضياء المقدسي في كتابه المذكور آنفًا (5317) ومنه ينقل المصنف. وقد رواه أيضًا أبو داود (2892)، والترمذي (2092)، وابن ماجه (2720). صححه الترمذي، والحاكم (4/ 334)، وحسنه الألباني (1677).
(2)
برقم (6736).
(3)
يعني أقعدهم في النسب. وهو أن ينتسب إلى جدِّه الأكبر بآباء أقلَّ عددًا من باقي عشيرته. انظر: «النهاية في غريب الحديث» (4/ 141). وأثبت في المطبوع: «كبير خزاعة» ، وكذا في ب.
فادفعه إليه». ذكره أحمد
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل مات ولم يدع وارثًا إلا غلامًا له كان أعتقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هل له أحد؟» . قالوا: لا، إلا غلامًا له كان أعتقه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه له. ذكره أحمد وأهل السنن
(2)
. وهو حسن
(3)
. وبهذه الفتوى نأخذ.
وأفتى صلى الله عليه وسلم بأن «المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنَتْ عليه» . ذكره أحمد وأهل السنن
(4)
. وهو حديث حسن
(5)
، وبه نأخذ.
وأفتى صلى الله عليه وسلم بأن «المرأة ترث من دية زوجها وماله، وهو يرث من ديتها ومالها، ما لم يقتل أحدهما صاحبه
(6)
. فإذا قتل أحدُهما صاحبه عمدًا لم
(1)
برقم (22944) من حديث بريدة. واللفظ لأبي داود (2903) كما صرَّح المقدسي في «أحكامه» (5336)، ثم نقل قول النسائي: والحديث منكر. وقد تقدَّم مختصرًا.
(2)
رواه أحمد (1930)، وأبو داود (2905)، والترمذي (2106)، والنسائي في «الكبرى» (6376)، وابن ماجه (2741)، من حديث ابن عباس. وفيه عَوْسَجَة، لا يُعرَف. والحديث ضعفه الألباني في «الإرواء» (1669).
(3)
قاله الترمذي. وانظر: «أحكام المقدسي» (5337).
(4)
رواه أحمد (16004) من حديث واثلة بن الأسقع. ورواه أيضًا أبو داود (2906)، والترمذي (2115)، والنسائي في «الكبرى» (6327)، وابن ماجه (2742). وفيه عمر بن رؤبة، ضعيف. والحديث ضعفه ابن عبد الهادي في «التنقيح» (3/ 132)، والذهبي في «التنقيح» (2/ 164)، والألباني في «الإرواء» (1576).
(5)
كذا قال. وقد نقل المقدسي (5338) قول الترمذي: «حديث حسن غريب» .
(6)
بعده في النسخ المطبوعة زيادة: «عمدًا» .
يرث من ديته وماله شيئًا. وإن قتل أحدُهما صاحبه خطأً ورث من ماله ولم يرث من ديته». ذكره ابن ماجه
(1)
، وبه نأخذ.
وأفتى صلى الله عليه وسلم بأنه «أيُّما رجلٍ عاهرٍ بحُرَّة أو أمة، فالولد ولد زنا، لا يرِث ولا يورث» . ذكره الترمذي
(2)
.
وقضى صلى الله عليه وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث أمَّه وترثه أمُّه، ومن قذفها
(3)
جُلِد ثمانين، ومن دعاه ولد زنا جُلِد ثمانين. ذكره أحمد
(4)
(1)
برقم (2736) من حديث عبد الله بن عمرو. ورواه أيضًا الدارقطني (4074، 4075)، والبيهقي (6/ 221). وفيه محمد بن سعيد، اختلف فيه. قال الدارقطني إنه الثقفي ثقة، وتبعه البيهقي، وهو صدوق. ونصّ المزي في «تهذيب الكمال» (21/ 367) أنه محمد بن سعيد (ووقع في بعض نسخ ابن ماجه عمرو بن سعيد، وهو خطأ)، مجهول. ورواه عبد الرزاق (17774) من طريق ابن جريج مرسلًا، وقد عنعن. ونقل البيهقي عن الشافعي أنه لا يثبت. وقال بعض الحفاظ: منكر. انظر: «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (3/ 122).
(2)
برقم (2113) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو، وفيه ابن لهيعة، وقد روى عنه قتيبة، فأُمِن اختلاطه. ورواه أيضًا أحمد (6699)، وأبو داود (2265)، وابن ماجه (2745)، وعندهم فيه محمد بن راشد المكحولي وسليمان بن موسى الأشدق، كلاهما صدوق. فالحديث صحيح لغيره إن شاء الله. والحديث حسَّنه البوصيري في «الزوائد» (2/ 104).
(3)
ك: «قفالها» ، وفي ب:«نفاها» ، وهما تصحيف «قفاها» أي قذفها.
(4)
رواه أحمد (7028) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وفيه ابن إسحاق وقال: وذكر عمرو بن شعيب
…
، وهو مدلس، فهو منقطع. انظر:«مجمع الزوائد» (6/ 283).
وأبو داود
(1)
. وعند أبي داود: وجعل ميراث ولد الملاعنة لأمه، ولورثتها من بعدها
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم الشَّريد بن سُويَد، فقال: إن أمي أوصت أن تُعتَق عنها رقبةٌ مؤمنةٌ، وعندي جارية سوداء نوبية، فأُعتِقها
(3)
عنها؟ فقال: «ائتِ بها» . فقال لها: «من ربُّكِ؟» . قالت: الله، قال:«من أنا؟» . قالت
(4)
: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: «أعتِقْها فإنها مؤمنة» . ذكره أهل السنن
(5)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: عليَّ عتقُ رقبة مؤمنة، وأتاه بجارية سوداء أعجمية، فقال لها:«أين الله؟» . فأشارت إلى السماء بإصبعها السبَّابة. فقال لها: «من أنا» . فأشارت بإصبعها إلى رسول الله، وإلى السماء، أي أنت رسول الله. فقال:«أعتِقْها» . ذكره أحمد
(6)
.
(1)
لم يخرج أبو داود هذا الحديث، والمقدسي (5370) أيضًا ــ ومنه النقل ــ لم يذكر أبا داود مع أحمد.
(2)
رواه أبو داود (2908) والبيهقي (6/ 259)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وفيه عيسى بن موسى، وأعلَّ البيهقي به الحديث، وفيه العلاء بن الحارث، قد اختلط. ورواه أيضًا الدارمي (3010) وأبو داود (2907) من طريق مكحول مرسلًا.
(3)
ك، ب:«أفأعتقها» ، وكذا في النسخ المطبوعة. وفي «المسند» كما أثبت من ز.
(4)
زاد في المطبوع بعده: «أنت» .
(5)
رواه أبو داود (3283)، والنسائي (3653)، وأحمد (17945)، من حديث الشريد بن سويد. صححه ابن حبان (189). وانظر الحديث القادم.
(6)
برقم (7906) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا أبو داود (3284) وابن خزيمة في التوحيد (123، 124) من طريق المسعودي على وجهين، وهو مختلط. انظر للطرق والكلام على هذا الحديث مفصَّلًا:«الصحيحة» (3161، 7/ 456 - 480).
وسأله معاوية بن الحكم السُّلَمي، فقال: كانت لي جارية ترعى غنمًا لي قِبلَ أُحُد والجوَّانية
(1)
، فاطلعتُ ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجلٌ من بني آدم آسَفُ كما يأسفون، فصككتُها صَكَّةً. فعظَّم
(2)
عليَّ ذاك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم[241/ب]، فقلت: أفلا أُعتِقها؟ فقال: «ائتني بها» . فقال لها: «أين الله؟» . قالت: في السماء. قال: «من أنا؟» . قالت: أنت رسول الله. قال: «أَعتِقْها فإنها مؤمنة»
(3)
.
قال الشافعي: فلما وصفت الإيمان وأن ربها تبارك وتعالى في السماء، قال:«أَعتِقْها فإنها مؤمنة» ، فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أين الله»
(4)
.
وسأل صلى الله عليه وسلم: «أين الله؟» فأجاب من سأله بأن الله في السماء، فرضي جوابه، وعلم به أنه حقيقة الإيمان لربِّه. وأجاب هو صلى الله عليه وسلم من سأله: أين الله؟ ولم ينكر هذا السؤال عليه. وعند الجَهْمي أن السؤال بأين الله كالسؤال بما لونه؟ وما طعمه؟ وما جنسه؟ وما أصله؟ ونحو ذلك من الأسئلة المحالة الباطلة.
وسألته صلى الله عليه وسلم ميمونةُ أمُّ المؤمنين، فقالت: أشَعَرْتَ أني أعتقتُ وليدتي؟
(1)
في المطبوع: «نجد الجوانية» . وفي الطبعات القديمة: «نجد والجوابية» . والصواب ما أثبت من (ز، ك) وكذا في «صحيح مسلم» وغيره من كتب الحديث. والجوانية: موضع في شمالي المدينة بقرب أحد. انظر: شرح النووي (5/ 23).
(2)
كذا في ز مع ضبط «فعظَّم» ، وهو صحيح. وفي ك، ب:«فعظم ذلك على» وكذا في النسخ المطبوعة.
(3)
تقدم الحديث مختصرًا مع تعليق الشافعي عليه.
(4)
تقدَّم قول الشافعي (3/ 208). وقد نقله المؤلف في «زاد المعاد» (5/ 308) و «الصواعق المرسلة» (4/ 1301) أيضًا.
قال: «لو أعطيتِها أخوالَكِ كان أعظمَ لأجرك» . متفق عليه
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم نفر من بني سُليم عن صاحبٍ لهم قد أوجب، يعني النار بالقتل، فقال:«أعتِقُوا عنه يُعتِق الله بكلِّ عضو منه عضوًا من النار» . ذكره أبو داود
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: كم أعفو عن الخادم؟ فصمَتَ عنه. ثم قال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فقال:«اعفُ عنه كلَّ يوم سبعين مرة» . ذكره أبو داود
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن ولد الزنا، فقال:«لا خير فيه. نعلان أجاهد فيهما في سبيل الله أحبُّ إليَّ من أن أُعتِق ولدَ الزنا» . ذكره أحمد
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر، أفيجزئ عنها
(1)
البخاري (2592) ومسلم (999).
(2)
برقم (3964) وقد تقدم.
(3)
برقم (5164) من حديث ابن عمر. ورواه أيضًا أحمد (5635)، والترمذي (1949، 1954)، والبخاري في «التاريخ» (7/ 4). وبيَّن البخاري والترمذي اختلاف الرواة، وضعفه البخاري، وقال الترمذي: حسن غريب، وفيه الانقطاع. انظر «السنن الكبرى» للبيهقي (8/ 10)، وتعليق محققي «المسند» .
(4)
برقم (27624) من حديث ميمونة بنت سعد. ورواه أيضًا ابن ماجه (2531)، والحاكم (4/ 41). وفيه زيد بن جبير، ضعيف جدًا، وأبو يزيد الضَّنِّي، مجهول. والحديث ضعفه ابن حزم في «المحلى» (9/ 209)، والبوصيري في «المصباح» (2/ 298)، والألباني في «الضعيفة» (4691).
أن أُعتِق عنها؟ قال: «أعتِقْ عن أمك» . ذكره أحمد
(1)
.
وعند مالك
(2)
: إن أمي هلكت، فهل ينفعها أن أُعتِقَ عنها؟ فقال:«نعم» .
واستفتته صلى الله عليه وسلم عائشة، فقالت: إني أردت أن أشتري جارية فأُعتِقها، فقال أهلها: نبيعكها على أنَّ ولاءَها لنا، فقال:«لا يمنعكِ ذلك، إنما الولاء لمن أعتَق» . والحديث في الصحيح
(3)
.
فقالت طائفة: يصح الشرط والعقد، ويجب الوفاء به. وهو خطأ.
وقالت طائفة: يبطل العقد والشرط، وإنما صح عقد عائشة لأن الشرط لم يكن في صلب العقد، وإنما كان متقدِّمًا عليه، فهو بمنزلة الوعد لا يلزم الوفاء به. وهذا وإن كان أقرب من الذي قبله، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يعلِّل به، ولا أشار في الحديث إليه بوجه ما. والشرط المتقدِّم كالمقارِن.
وقالت طائفة: في الكلام إضمارٌ تقديره: اشترطي لهم الولاء، أو لا تشترطيه، فإن اشتراطه لا يفيد شيئًا؛ لأن الولاء لمن أعتق. وهذا أقرب من الذي قبله مع مخالفته لظاهر اللفظ.
وقالت طائفة: اللام بمعنى على، أي اشترطي عليهم الولاء؛ فإنك أنتِ
(1)
برقم (23846) من حديث سعد بن عبادة. ورواه أيضًا النسائي (3656) والطبراني (6/ 18). وفيه سليمان بن كثير، روايته عن الزهري ضعيفة. وتابعه سفيان عند الحاكم (3/ 254). وأصل الحديث عند البخاري (2761) ومسلم (1638).
(2)
في «الموطأ» (2/ 779)، وسعيد بن منصور (418)، والبيهقي (6/ 279)، من حديث سعد بن عبادة، وهو منقطع بين القاسم بن محمد وبينه، وبه أعله البيهقي.
(3)
رواه البخاري (456) ومسلم (1504).
التي تُعتقين، والولاء لمن أعتق. وهذا وإن كان أقلَّ تكلُّفًا مما تقدَّم، ففيه إلغاء الاشتراط. فإنها لو لم تشترطه لكان الحكم كذلك.
وقالت طائفة: هذه الزيادة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي من قول هشام بن عروة. وهذا جواب الشافعي نفسه
(1)
.
وقال شيخنا
(2)
: بل الحديث على ظاهره، ولم يأمرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم باشتراط الولاء تصحيحًا لهذا الشرط، ولا إباحةً له، ولكن عقوبةً لمشترطه، إذ أبى أن يبيع جاريةً للعِتق
(3)
إلا باشتراط ما يخالف حكم الله [242/أ] تعالى وشرعه. فأمَرها أن تدخل تحت شرطهم الباطل ليظهر به حكم الله ورسوله، لأن
(4)
الشروط الباطلة لا تغيِّر شرعه، وإنَّ مَن شرَط ما يخالف دينه لم يجُز أن يوفَى له بشرطه، ولا يبطُل البيع به. وإنَّ مَن عَرف فساد الشرط وشَرطَه أُلغي اشتراطُه ولم يُعتبر. فتأمَّل هذه الطريقة وما قبلها من الطرق. والله تعالى أعلم.
فصل
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ النساء خير؟ فقال: «التي تسُرُّه إذا نظر، وتُطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله» . ذكره أحمد
(5)
.
(1)
نحوه في «زاد المعاد» (5/ 150). وانظر: «الأم» للشافعي (8/ 79).
(2)
انظر: «مجموع الفتاوى» (29/ 337 - 340).
(3)
في النسخ المطبوعة: «للمعتق» .
(4)
أثبت في المطبوع: «في أن» !
(5)
برقم (7421، 9658) من حديث أبي هريرة. ورواه أيضًا النسائي (3231) والحاكم (2/ 161). وفيه محمد بن عجلان قد اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة. والحديث ضعفه ابن عدي في «الكامل» (6/ 317).
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ المال يُتَّخَذ؟ فقال: «ليتخذ أحدُكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجةً مؤمنةً تُعين أحدكم على أمر الآخرة» . ذكره أحمد والترمذي وحسَّنه
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني أصبتُ امرأةً ذاتَ حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوَّجها؟ قال:«لا» . ثم أتاه الثانية، فنهاه. ثم أتاه الثالثة، فقال: «تزوَّجوا الودود الولود
(2)
، فإني مُكاثِرٌ بكم الأمم»
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة رضي الله عنه
، فقال: إني رجل شابّ، وإني أخاف الفتنة، ولا أجد ما أتزوج به، أفلا أختصي؟ قال: فسكت عني. ثم قلت، فسكت عني. ثم قال:«يا أبا هريرة، جفَّ القلم بما أنت لاقٍ، فاختصِ على ذلك أو ذَرْ» . ذكره البخاري
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم آخر، فقال: يا رسول الله ائذن لي أن أختصي. قال: «خِصاءُ
(1)
رواه أحمد (22437) واللفظ له، والترمذي (3094)، وابن ماجه (1856)، من حديث ثوبان. وسالم بن أبي الجعد لم يلق ثوبان. والحديث ضعفه البخاري كما ذكره الترمذي، والحافظ في «الكاف الشاف» (128)، وأعلَّه الزيلعي في «تخريج الكشاف» (2/ 68) بالاضطراب.
(2)
في النسخ المطبوعة: «الولود الودود» .
(3)
رواه أبو داود (2050) والنسائي (3227) من حديث معقل بن يسار. وفيه المستلم، حسن الحديث. صححه ابن حبان (4056)، والحاكم (2/ 162). انظر للشواهد:«البدر المنير» (7/ 495)، و «الصحيحة» (2383)، و «الإرواء» (1118).
(4)
برقم (5076).
أمتي الصيامُ». ذكره أحمد
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم ناس من أصحابه، فقالوا: ذهب أهل الدُّثور بالأجور. يصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدَّقون بفضول أموالهم. قال:«أوليس قد جعل الله لكم ما تَصَدَّقون به؟ إنَّ بكلِّ تسبيحة صدقة، وكلِّ تكبيرة صدقة، وكلِّ تحميدة صدقة، وكلِّ تهليلة صدقة. وأمرٌ بمعروف صدقة، ونهيٌ عن منكر صدقة. وفي بُضْع أحدكم صدقة» . قالوا: يا رسول الله، يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو
(2)
وضَعَها في حرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضَعها في الحلال كان له أجر». ذكره مسلم
(3)
.
وأفتى صلى الله عليه وسلم من أراد أن يتزوج امرأة بأن ينظر إليها
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة عن امرأة خطبها، فقال:«اذهب، فانظر إليها، فإنه أجدر أن يُؤْدَمَ بينكما» . فأتى أبويها، فأخبرهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنهما كرها ذلك. فسمعت ذلك المرأةُ، وهي في خِدْرها، فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرك أن تنظر، فانظر، وإلا فإني أنشُدك! كأنها عظَّمت ذلك عليه. قال: فنظرتُ إليها، فتزوجتُها. فذكر من موافقتها له. ذكره أحمد
(1)
برقم (6612)، وابن عدي في «الكامل» (2/ 855) من حديث عبدالله بن عمرو. وفيه ابن لهيعة، فيه لين. والحديث ضعَّفه ابن القيسراني في «ذخيرة الحفاظ» (2/ 650) والبوصيري في «الإتحاف» (1/ 422). انظر للشواهد والكلام عليها:«الصحيحة» (1830).
(2)
في النسخ المطبوعة: «لو كان» بزيادة «كان» .
(3)
برقم (1006).
(4)
رواه مسلم (1424) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأهل السنن
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم جرير عن نظرة الفجاءة، فقال:«اصرِفْ بصرَك» . ذكره مسلم
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: عوراتنا، ما نأتي منها وما نذر؟ قال:«احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك» . قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال
(3)
: «إن استطعت أن لا يرينَّها أحد [242/ب] فلا يرينَّها» . قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال:«الله أحقُّ أن يُستَحيا منه» . ذكره أهل السنن
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل أن يزوِّجه امرأةً، فأمره أن يُصْدِقَها شيئًا ولو خاتمًا من حديد. فلم يجده، فقال:«ما معك من القرآن؟» . قال: معي سورة كذا وسورة كذا. قال: «تقرؤهن عن ظهر قلبك؟» . قال: نعم. قال: «اذهب، فقد ملَّكتكها بما معك من القرآن» . متفق عليه
(5)
.
(1)
رواه أحمد (18137)، والترمذي (1087)، وابن ماجه (1866)، من حديث المغيرة بن شعبة. ورواه ابن ماجه (1865) من حديث أنس بن مالك قصة المغيرة بن شعبة. صححه ابن حبان (4043)، والحاكم (2/ 165)، والألباني في «التعليقات الرضية» (2/ 154).
(2)
برقم (2159). واللفظ لأحمد (19197).
(3)
في النسخ المطبوعة: «فقال» .
(4)
تقدَّم تخريجه.
(5)
البخاري (5029) ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد الساعدي.
واستأذنته صلى الله عليه وسلم أمُّ سلمة في الحِجامة، فأمر أبا طيبة أن يحجُمَها. قال
(1)
: حسبتُ أنه كان أخاها من الرضاعة، أو غلامًا لم يحتلم. ذكره مسلم
(2)
.
وأمر صلى الله عليه وسلم أم سلمة وميمونة أن يحتجبا من ابن أم مكتوم، فقالتا: أليس
(3)
أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ قال: «أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟» . ذكره أهل السنن، وصحَّحه الترمذي
(4)
.
فأخذت طائفة بهذه الفتوى، وحرَّمت على المرأة نظرها إلى الرجل. وعارضت طائفة أخرى هذا الحديث بحديث عائشة في «الصحيحين»
(5)
أنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد. وفي هذه المعارضة نظر، إذ لعل قصة الحبشة كانت قبل نزول الحجاب. وخصَّت طائفةٌ أخرى ذلك بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
يعني: جابرًا راوي الحديث.
(2)
برقم (2206) من حديث جابر رضي الله عنه
.
(3)
بعده في النسخ المطبوعة زيادة: «هو» .
(4)
رواه أحمد (26537)، وأبو داود (4112) واحتجّ به، والترمذي (2778)، والنسائي (359)، من حديث أم سلمة. وفيه نبهان مولى أم سلمة، لم يوثقه غير ابن حبان. صححه الترمذي، وابن حبان (5575، 5576)، وابن الملقن في «البدر المنير» (7/ 512). وقال ابن حجر:«وإسناده قوي، وأكثر ما علِّل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان؛ وليست بعلة قادحة. فإنّ مَن يعرِّفه الزهري ويصِفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحدٌ لا تُرَدّ روايتُه» . انظر: «فتح الباري» (9/ 337). وضعفه الألباني في «الضعيفة» (5958). ولابن عبدالبر كلام لطيف يُرجَع إليه، انظر:«التمهيد» (19/ 155) و «الاستذكار» (18/ 79).
(5)
البخاري (988) ومسلم (892).
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنه عن الجارية يُنكِحها أهلُها، أتُسْتأمر أم لا؟ فقال:«نعم، تُستأمر» . قالت عائشة رضي الله عنه: فإنها تستحيي. فقال رسول الله
(1)
صلى الله عليه وسلم: «فذلك إذنها إذا هي سكتت» . متفق عليه
(2)
.
وبهذه الفتوى نأخذ، وأنه لا بد من استئمار البكر.
وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم: «الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليها، والبِكْرُ تُستَأمر في نفسها، وإذنها صُماتها» . وفي لفظ: «والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنُها صُماتها»
(3)
.
وفي «الصحيحين»
(4)
عنه صلى الله عليه وسلم: «لا تُنكَح البكر حتى تُستأذن» . قالوا: وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت» .
وسألته صلى الله عليه وسلم جاريةٌ بِكْرٌ، فقالت: إن أباها زوَّجها وهي كارهة، فخيَّرها النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
.
فقد أمر باستئذان البكر، ونهى عن نكاحها
(6)
بدون إذنها، وخيَّر صلى الله عليه وسلم من
(1)
لم يرد لفظ «رسول الله» في النسخ المطبوعة.
(2)
البخاري (6946) ومسلم (1420/ 65) واللفظ له.
(3)
كلا اللفظين في «صحيح مسلم» (1421) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
البخاري (5136) ومسلم (1419) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
رواه أحمد (2469)، وأبو داود (2096)، والنسائي في «الكبرى» (5366)، وابن ماجه (1875)، من حديث ابن عباس. ورواه أبو داود (2097) والبيهقي (7/ 117) عن عكرمة مرسلًا، وهو المحفوظ. رجح الإرسال أبو داود، والبيهقي، وأبو حاتم في «العلل» (1/ 417)، والدارقطني في «السنن» (3560).
(6)
في النسخ المطبوعة: «إنكاحها» .
نُكِحت، ولم تُستأذن= فكيف بالعدول عن ذلك كلِّه ومخالفته بمجرَّد مفهوم قوله:«الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليها» ؟ كيف ومنطوقه صريح في أن هذا المفهوم الذي فهمه من قال: تُنكَح بغير اختيارها، غيرُ مراد؟ فإنه قال عقيبه:«والبكر تستأذن في نفسها» .
بل هذا احتراز منه صلى الله عليه وسلم من حملِ كلامه على ذلك المفهوم، كما هو المعتاد في خطابه، كقوله:«لا يُقتَل مسلمٌ بكافر، ولا ذو عهد في عهده»
(1)
، فإنه لما نفى قتل المسلم بالكافر أوهمَ ذلك إهدارَ دم الكافر، وأنه لا حرمة له، فرفَع هذا الوهم بقوله:«ولا ذو عهد في عهده» . ولما كان الاقتصار على قوله: «ولا ذو عهد» يوهم أنه لا يُقتَل إذا ثبت له العهدُ من حيث الجملة رفَع هذا الوهمَ بقوله: «في عهده» ، وجعل ذلك قيدًا لعصمة العهد فيه.
وهذا كثير في كلامه صلى الله عليه وسلم لمن تأمَّله، كقوله:«لا تجلسوا على القبور، ولا تصلُّوا إليها»
(2)
. فإن نهيه عن الجلوس عليها لما كان ربما يوهم [243/أ] التعظيم المحذور رفَعه بقوله: «ولا تصلُّوا إليها» .
والمقصود: أن أمره باستئذان البكر، ونهيه عن نكاحها بدون إذنها، وتخييرها حيث لم تستأذن= لا معارض له، فيتعين القول به. وبالله التوفيق.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن صداق النساء، فقال:«هو ما اصطلح عليه أهلوهم» . ذكره الدارقطني
(3)
.
(1)
تقدم تخريجه والكلام عليه.
(2)
تقدَّم أيضًا.
(3)
برقم (3592) من حديث أبي سعيد. ورواه أيضًا البيهقي (7/ 239). وفيه أبو هارون العبدي، ضعيف جدًّا. والحديث ضعفه به البيهقي.
وعنده
(1)
مرفوعًا: «أنكِحُوا اليتامى» . قيل: يا رسول الله، ما العلائق بينهم؟ قال: «ما تراضى عليه الأهلون، ولو قضيبٌ
(2)
من أراك».
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إن أبي زوَّجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيستَه. فجعَل الأمرَ إليها، فقالت: قد أجزتُ ما صنَع أبي، ولكن أردتُ أن يعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء. ذكره أحمد والنسائي
(3)
.
ولما هلك عثمان بن مظعون ترك ابنة له، فزوَّجها عمُّها قُدامة من عبد الله بن عمر، ولم يستأذنها. فكرهت نكاحه، وأحبَّت أن يتزوجها المغيرة بن شعبة. فنزعها من ابن عمر، وزوَّجها المغيرة، وقال: إنها يتيمة ولا تُنكَح إلا بإذنها. ذكره أحمد
(4)
.
(1)
برقم (3600) من حديث ابن عباس. فيه عبدالرحمن البيلماني، ضعيف جدًا، وقد اختلف عليه، انظر:«السنن الكبرى» للبيهقي (7/ 239). والحديث ضعفه ابن القطان في «بيان الوهم» (2/ 149)، والهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 280)، والحافظ في «التلخيص» (3/ 190).
(2)
في النسخ المطبوعة: «قضيبًا» ، وفي «السنن» ما أثبت من النسخ الخطية.
(3)
رواه أحمد (25043)، والنسائي (3269)، وابن ماجه (1874)، من حديث عائشة. قال الدارقطني في «السنن» (3557): هذه كلها مراسيل، ابن بريدة لم يسمع من عائشة شيئًا. ووافقه البيهقي (7/ 118).
(4)
برقم (6136) من حديث ابن عمر. ورواه أيضًا ابن ماجه (1878)، والدارقطني (3546 - 3549)، والبيهقي (7/ 12) وفيه ابن إسحاق، قد عنعن. وتابعه ابن ابي ذئب عند الدارقطني (3545) والحاكم (2/ 167)، والحديث بهما صحيح، صححه الحاكم.
وسأله صلى الله عليه وسلم مرثَد الغَنَوي، فقال: يا رسول الله، أَنكِحُ عَنَاقًا
(1)
، وكانت بغيًّا بمكة؟ فسكت عنه، فنزلت الآية {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3]، فدعاه، فقرأها عليه وقال:«لا تنكِحْها»
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل آخر عن نكاح امرأة يقال لها أمُّ مهزول، كانت تسافح، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية. ذكره أحمد
(3)
.
وأفتى صلى الله عليه وسلم بأن الزاني المجلود لا ينكِحُ إلا مثلَه
(4)
.
فأخذ بهذه الفتاوى التي لا معارض لها الإمام أحمد ومن وافقه. وهي من محاسن مذهبه، فإنه لم يجوِّز أن يكون الرجل زوج قَحْبة. ويعضد مذهبَه بضعة وعشرون دليلًا قد ذكرناها في موضع آخر
(5)
.
(1)
كذا في النسخ و «جامع الترمذي» . وفي غيره: «عناقَ» ممنوعًا من الصرف.
(2)
رواه أبو داود (2051)، والترمذي (3177) وحسنه، والنسائي (3228)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. صححه الحاكم (2/ 554)، والألباني في «الإرواء» (1886).
(3)
(6480) من حديث عبد الله بن عمرو، وكذلك النسائي في «الكبرى» (11295)، وفيه الحضرمي بن لاحق، لا بأس به. وثَّق رجاله الهيثمي (7/ 76)، وحسَّنه الألباني في «الإرواء» (1886).
(4)
رواه أحمد (8300) وأبو داود (2052) من حديث أبي هريرة. وصححه الحاكم (2/ 166) والألباني في «التعليقات الرضية» (2/ 177).
(5)
في المطبوع: «مواضع أخر» . ولم أقف على الموضع الذي أحال المؤلف عليه في كتبه المطبوعة، ولكن ذكر جملة من الأدلة في «زاد المعاد» (5/ 104 - 105). وانظر:«إغاثة اللهفان» (1/ 108 - 109).
وأسلم قيس بن الحارث، وتحته ثمان نسوة، فسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:«اختر منهن أربعًا»
(1)
.
وأسلم غيلان وتحته عشر نسوة، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منهن أربعًا
(2)
.
ذكرهما أحمد. وهما كالصريح في أن الخيرة إليه بين الأوائل والأواخر.
وسأله صلى الله عليه وسلم فَيروز الدَّيلمي فقال: أسلمتُ، وتحتي أختان. فقال:«طلِّق أيتهما شئتَ» . ذكره أحمد
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم نَضْرة
(4)
بن أكثم، فقال: نكحتُ امرأة بكرًا في سِتْرها، فدخلت عليها، فإذا هي حبلى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولدُ عبدٌ لك. فإذا ولدَتْ فاجلدوها» وفرَّق بينهما. ذكره أبو داود
(5)
.
(1)
رواه سعيد بن منصور (1863)، أبو داود (2241)، وابن ماجه (1952)، وأبو يعلى (6872)، والدارقطنيُّ (3690)، والبيهقي (7/ 183)، من حديث الحارث بن قيس أو قيس بن الحارث. وفيه محمد بن أبي ليلى، سيئ الحفظ، وحميضة، قال فيه البخاري: فيه نظر. والحديث ضعفه البخاري كما ذكره العقيلي في «الضعفاء» (1/ 299)، وابن القطان في «بيان الوهم» (3/ 168).
(2)
تقدم تخريجه والكلام عليه.
(3)
(29/ 574) وقد تقدَّم.
(4)
كذا في ز، ب. وهو أحد الأقوال في اسم السائل. وفي غيرهما:«بصْرة» . وانظر الأقوال الأخرى في «تهذيب السنن» (1/ 451).
(5)
برقم (2131) عن رجل من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه أيضًا الدارقطني (3616)، والحاكم (2/ 183)، والبيهقي (7/ 17). والراجح الإرسال، رجَّح الإرسال أبو داود، وأبو حاتم في «العلل» (1/ 418)، وأشار إلى ذلك الدارقطني والبيهقي. وانظر كلام المؤلف على إسناد الحديث في «تهذيب السنن» (1/ 451 - 452).
ولا يشكل من هذه الفتوى إلا حكم
(1)
عبودية الولد
(2)
. والله أعلم.
وأسلمت امرأة على عهده صلى الله عليه وسلم، فتزوجت. فجاء زوجها، فقال: يا رسول الله، إني كنت أسلمتُ وعلِمَتْ بإسلامي. فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها الآخر، وردَّها إلى الأول. ذكره أحمد وابن حبان
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل تزوج امرأة، ولم يفرض لها صداقًا حتى مات، فقضى لها على صداق نسائها، وعليها العدة، ولها الميراث. ذكره أحمد [243/ب] وأهل السنن، وصححه الترمذي وغيره
(4)
. وهذه فتوى لا معارض لها، فلا سبيل إلى العدول عنها.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن امرأة تزوَّجت، ومرضت، فتمعَّط
(5)
شَعرُها، فأرادوا أن
(1)
في ز: «حصل» مع علامة الإشكال ــ وهي حرف الظاء ــ فوقها. ورسمها في ك يشبه «قيل» بإهمال الحرفين. وحذفت الكلمة في ب. وفي المطبوع: «جعل» ، وفي غيره:«مثل» . وما أثبت قراءة ظنية.
(2)
وانظر: «زاد المعاد» (5/ 96 - 97) و «تهذيب السنن» (1/ 454).
(3)
رواه أحمد (2972)، وابن حبان (4159) بسياق آخر، من حديث ابن عباس. وكذلك رواه أبو داود (2239)، وابن ماجه (2008). وفيه سماك، روايته عن عكرمة مضطربة. والحديث ضعفه ابن دقيق العيد في «الإلمام» (2/ 647)، وشيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (32/ 337)، والألباني في «الإرواء» (1918).
(4)
تقدَّم تخريجه.
(5)
أي تناثر وتساقط.
يصِلُوه، فقال:«لعن الله الواصلة والمستوصلة» . متفق عليه
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال
(2)
: «أو إنكم لتفعلون؟ ــ قالها ثلاثًا ــ ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي
(3)
كائنة». متفق عليه
(4)
. ولفظ مسلم
(5)
: «لا عليكم أن لا تفعلوا. ما كتبَ الله عز وجل خلقَ نسمةٍ هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون» .
وسئل صلى الله عليه وسلم أيضًا عن العزل، فقال:«ما من كلِّ الماء يكون الولد. وإذا أراد الله خَلْقَ شيءٍ لم يمنعه شيء»
(6)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم آخر، فقال: إن لي جاريةً، وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تَحمِل، وأنا أريد ما يريد الرجال
(7)
، وإن اليهود تحدِّث أن العزل موءودة الصغرى
(8)
. فقال: «كذبت اليهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعتَ أن
(1)
البخاري (5934) ومسلم (2123) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
في النسخ المطبوعة: «قال» .
(3)
في النسخ المطبوعة: «وهي» .
(4)
البخاري (5210) ومسلم (1438) من حديث أبي سعيد.
(5)
برقم (1438/ 125).
(6)
رواه مسلم (1438/ 133) من حديث أبي سعيد نفسه. وكذلك رواه أحمد (11462).
(7)
ك، ب:«الرجل» .
(8)
كذا في النسخ و «سنن أبي داود» . وفي النسخ المطبوعة: «صغرى» . وفي «المسند» وغيره: «الموءودة الصغرى» على الجادّة.
تَصرفه»
(1)
.
ذكرهما أحمد وأبو داود
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم آخر فقال: عندي جارية، وأنا أعزل عنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ذلك لن يمنع
(3)
شيئًا أراده الله
(4)
». فجاء الرجل، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الجارية التي كنتُ ذكرتُها لك حمَلتْ، فقال:«أنا عبد الله ورسوله» . ذكره مسلم
(5)
.
وعنده
(6)
أيضًا: إن لي جارية هي خادمنا
(7)
وسانيتنا
(8)
، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل. فقال: «اعزِلْ عنها إن شئتَ، فإنه سيأتيها ما قُدِّر
(1)
رواه أحمد (11288)، وأبو داود (2171)، والنسائي في «الكبرى» (9034) من حديث أبي سعيد الخدري، وفيه أبو مطيع، مجهول. وهو عند النسائي في «الكبرى» (9036) بإسناد آخر صحيح. وله شاهد عند الترمذي (1136، 1137) من حديث جابر وصححه. وشاهد آخر عند النسائي في «الكبرى» (9035) من حديث أبي هريرة. وانظر للشواهد: «الكبرى» للنسائي (8/ 222 - العزل وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك). والحديث صححه ابن القيم في «زاد المعاد» (5/ 131)، ووثَّق رجالَه الحافظ في «بلوغ المرام» (306).
(2)
كذا قال. والحديث السابق ليس في «السنن» .
(3)
ك، ب:«لم يمنع» . وفي النسخ المطبوعة: «لا يمنع» .
(4)
في النسخ المطبوعة: «إذا أراد الله» . وفي «الصحيح» كما أثبت من النسخ الخطية.
(5)
برقم (1439) من حديث جابر بن عبد الله.
(6)
برقم (1439/ 134) من حديث جابر أيضًا.
(7)
في المطبوع: «خادمتنا» . وفي «الصحيح» كما أثبت من النسخ.
(8)
يعني: تسقي لنا.
لها». فلبث الرجل، ثم أتاه، فقال: إن الجارية قد حملت، فقال: «أخبرتك
(1)
أنه سيأتيها ما قُدِّر لها».
وسأله صلى الله عليه وسلم آخر عن ذلك، فقال:«لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقتَه على صخرةٍ لأخرجه الله منها، وليخلقنَّ الله عز وجل نفسًا هو خالقها» . ذكره أحمد
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم آخر، فقال: إني أعزل عن امرأتي. فقال: «لِم تفعل ذلك؟» . فقال: أُشفِق على ولدها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كان ذلك ضارًّا ضرَّ فارسَ والرومَ» . وفي لفظ: «إن كان كذلك فلا. ما ضرَّ
(3)
ذلك فارسَ والرومَ». ذكره مسلم
(4)
.
فصل
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة من الأنصار عن التجبية، وهي وطء المرأة في قُبلها من ناحية دبرها. فتلا عليها قوله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(1)
في النسخ المطبوعة: «قد أخبرتك» كما في «الصحيح» .
(2)
برقم (12420) من حديث أنس، وكذلك البزار (7341). وفيه أبو عمرو مبارك الخياط، مجهول، ولم يوثقه إلا ابن حبان. والحديث حسنّه الهيثمي في «المجمع» (4/ 296)، ومال الحافظ إلى تقويته في «الفتح» (9/ 218)، والصنعاني في «السبل» (3/ 230). وحسنه الألباني بالشواهد في «الصحيحة» (1333).
(3)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة. ولفظ «الصحيح» : «
…
لذلك
…
ضار». و «ضار» من الضَّير.
(4)
برقم (1443) من حديث سعد بن أبي وقاص عن أسامة بن زيد.
[البقرة: 223] صِمامًا واحدًا
(1)
». ذكره أحمد
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله هلكتُ! قال: «وما أهلكك؟» . قال: حوَّلتُ رَحْلي البارحة. فلم يردَّ عليه شيئًا. فأوحى الله إلى رسوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} «أَقْبِلْ وأَدْبِرْ، واتقوا الحيضة والدبر» . ذكره أحمد والترمذي
(3)
.
وهذا هو الذي أباحه الله ورسوله، وهو الوطء من الدبر، لا في الدبر. وقد قال:«ملعونٌ مَن أتى امرأته في دبرها»
(4)
. وقال: «مَن أتى حائضًا أو
(1)
يعني: مسلكًا واحدًا هو الفرج.
(2)
برقم (26601) من حديث أم سلمة. ورواه أيضًا مختصرًا الترمذي (2979) وأبو يعلى (6972) بدون السؤال. وفيه عبد الله بن عثمان بن خيثم، صدوق. فالحديث حسن. صححه العيني في «نخب الأفكار» (10/ 446). وله شاهد عن جابر عند مسلم (1435).
(3)
رواه أحمد (2703)، والترمذي (2980)، والنسائي في «الكبرى» (8929)، من حديث ابن عباس. وفيه يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة، كلاهما صدوق مع لين فيهما. وقال الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن حبان (4202)، وابن جرير في «التفسير» (2/ 526)، والحافظ في «الفتح» (8/ 191).
ونقل الحافظ عن البخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي علي النيسابوري أنه لا يثبت شيء في تحريم الدبر، ثم عقبه بقوله:«قلت: لكن طرقها كثيرة، فمجموعها صالح للاحتجاج به، ويؤيد القول بالتحريم أنا لو قدمنا أحاديث الإباحة للزم أنه أبيح بعد أن حرم، والأصل عدمه» . ثم ذكر بعض الأحاديث التي سيذكرها المؤلف.
(4)
رواه أحمد (9733)، وأبو داود (2162)، والنسائي في «الكبرى» (8966)، من حديث أبي هريرة. وفيه الحارث بن مخلد، مجهول. والحديث ضعفه ابن القطان في «بيان الوهم» (5/ 761)، والذهبي في «الميزان» (4/ 103)، والحافظ في «التلخيص» (3/ 120) و «البلوغ» (302).
امرأةً في دبرها، أو كاهنًا فصدَّقه= فقد كفَر بما أُنزِل على محمد»
(1)
. وقال: «إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن»
(2)
. وقال: «لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلًا أو امرأةً في [244/أ] الدبر»
(3)
.
وقال في الذي يأتي امرأته في دبرها: «هي اللوطية الصغرى»
(4)
. وهذه الأحاديث جميعها ذكرها
(1)
رواه أحمد (9290)، وأبو داود (3904)، والترمذي (135)، وابن ماجه (639) من حديث أبي هريرة. وفيه حكيم الأثرم وأبو تميمة الهجيمي، قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 17):«هذا حديث لا يتابع عليه، ولا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة» . وقال البزار (16/ 294) بعد ما روى الحديث: «وحكيم منكر الحديث لا يحتج بحديث له إذا انفرد، وهذا مما تفرَّد به» . وانظر: «الضعفاء» للعقيلي (2/ 183).
(2)
رواه أحمد (21874)، والنسائي في «الكبرى» (8934 - 8939)، وابن ماجه (1924)، والبيهقي (7/ 197 - 198) من حديث خزيمة بن ثابت. وفيه هرمي بن عبدالله، مستور. ورواه أحمد (21858) والنسائي في «الكبرى» (8933)، والبيهقي (7/ 197)، من طريق عمارة بن خزيمة بن ثابت. قال البيهقي بإثره:«مدار هذا الحديث على هرمي بن عبد الله، وليس لعمارة بن خزيمة فيه أصل إلا من حديث ابن عيينة، وأهل العلم بالحديث يرونه خطأ، والله أعلم» . والحديث ضعفه أبو حاتم في «العلل» (1/ 403)، والبيهقي، والحافظ في «التلخيص» (3/ 179).
(3)
رواه الترمذي (1165)، والنسائي في «الكبرى» (8952)، وابن حبان (4203)، من حديث ابن عباس. وفيه أبو خالد الأحمر، ليس بحجة. وقال الترمذي: حسن غريب .. والراجح فيه الوقف. انظر: «التلخيص الحبير» (3/ 181).
(4)
رواه أحمد (6706) والنسائي في «الكبرى» (8974 - 8951) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ولكن الراجح الوقف، رجحه البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 303)، والنسائي، والدارقطني في «العلل» (6/ 291)، والحافظ في «التلخيص» (3/ 181).
أحمد في «المسند» .
وسئل صلى الله عليه وسلم: ما حقُّ المرأة على الزوج؟ قال: «أن يُطعمها إذا طعِم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه ولا يقبِّح، ولا يهجُر إلا في البيت» . ذكره أحمد وأهل السنن
(1)
.
فصل
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة
(2)
، فقالت؛ إن أفلح أخا أبي القُعَيس استأذن عليَّ، وكانت امرأته أرضعتني، فقال:«ائذني له، إنه عمُّكِ» . متفق عليه
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم أعرابي، فقال: إني كانت لي امرأة، فتزوجتُ عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحُدْثَى
(4)
رضعةً أو رضعتين. فقال: «لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان» . ذكره مسلم
(5)
.
وسألته سهلة بنت سهيل، فقالت: إن سالمًا قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقَل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا، وإني أظن أنَّ في نفس أبي حذيفة من
(1)
رواه أحمد (20011)، والنسائي في «الكبرى» (9126)، وابن ماجه (1850) واللفظ له، من حديث معاوية بن حيدة القشيري. وفيه حكيم بن معاوية، صدوق. صححه ابن حبان (4175) والحاكم (2/ 189).
(2)
في النسخ المطبوعة زيادة: «أم المؤمنين» .
(3)
البخاري (4796) ومسلم (1445).
(4)
أي الجديدة. وفي النسخ المطبوعة: «الحدثاء» ، خلافًا لما في النسخ الخطية و «صحيح مسلم» وغيره.
(5)
برقم (1451) من حديث أم الفضل.
ذلك شيئًا. فقال: «أرضعيه تحرُمي عليه، ويذهبِ الذي في نفس أبي حذيفة» . فرجعت، فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة. ذكره مسلم
(1)
.
فأخذ
(2)
طائفة من السلف بهذه الفتوى، منهم عائشة. ولم يأخذ بها أكثر أهل العلم، وقدَّموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرَّم بما قبل الفطام وبالصغر وبالحولين، لوجوه:
أحدها: كثرتها وانفراد حديث سالم.
الثاني: أن جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خلا عائشة في شِقِّ المنع.
الثالث: أنه أحوط.
الرابع: أن رضاع الكبير لا يُنبت لحمًا ولا يُنْشِز
(3)
عظمًا، فلا تحصل به البعضية التي هي سبب التحريم.
الخامس: أنه يحتمل أن هذا كان مختصًّا بسالم وحده، ولهذا لم يجئ ذلك إلا في قصته.
السادس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة، وعندها رجل قاعد، فاشتدَّ ذلك عليه وغضب، فقالت: إنه أخي من الرضاعة. فقال: «انظرن مَن
(1)
برقم (1453) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
في النسخ المطبوعة: «فأخذت» .
(3)
في النسخ الخطية والمطبوعة: «ينشر» ، وهو تصحيف ما أثبت. وفي الكلام إشارة إلى حديث ابن مسعود:«لا يحرِّم من الرضاع إلا ما أنبت اللحمَ وأنشزَ العظمَ» ، رواه أحمد (4114) وغيره.
إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة». متفق عليه، واللفظ لمسلم
(1)
.
وفي قصة سالم مسلك آخر، وهو أن هذا كان موضع حاجة، فإن سالمًا كان قد تبنَّاه أبو حذيفة وربَّاه، ولم يكن له منه
(2)
ومن الدخول على أهله بدٌّ. فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك، فالقولُ به مما يسوغ فيه الاجتهاد. ولعل هذا المسلك أقوى المسالك، وإليه كان شيخنا يجنح
(3)
. والله أعلم.
وسئل صلى الله عليه وسلم أن ينكح ابنة حمزة، فقال:«لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة. ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» . ذكره مسلم
(4)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم عقبة بن الحارث فقال: تزوجت امرأةً، فجاءت أمة سوداء فقالت: أرضعتكما، وهي كاذبة. فأعرض عنه. فقال: إنها كاذبة. فقال: «كيف بها، وقد زعمت أنها
(5)
أرضعتكما؟ دعها عنك». ففارَقها، ونكحت
(6)
غيرَه. ذكره مسلم
(7)
. وللدارقطني
(8)
(1)
البخاري (2647) ومسلم (1455).
(2)
في المطبوع: «منه بدٌّ» بزيادة «بُدّ» !
(3)
انظر: «مجموع الفتاوى» (34/ 60) و «زاد المعاد» (5/ 527) وقد بسط المصنف فيه الكلام على المسألة.
(4)
من حديث علي (1446) وأم سلمة (1448). وانظر الحديث المتفق عليه عن ابن عباس. رواه البخاري (5100) ومسلم (1447).
(5)
في النسخ المطبوعة: «بأنها» .
(6)
ك، ب:«أنكحت» . وفي المطبوع: «ونكحها غيره» .
(7)
بل رواه البخاري (5104) وقد تقدَّم.
(8)
(4373) من طريق يزيد بن هارون، وإسناده صحيح.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ما يُذهِب عني مذمة الرضاع؟ [244/ب] فقال: «غرَّةُ عبدٍ أو أَمةٍ» . ذكره الترمذي وصححه
(1)
. والمذِمَّة بكسر الذال
(2)
: من الذمام، لا من الذمّ الذي هو نقيض المدح. والمعنى: أن للمرضعة على المرضع حقًّا وذِمامًا، فيُذهبه عبد أو أمة، فيعطيها إياه.
وسئل صلى الله عليه وسلم: ما الذي يجوز من الشهود في الرضاع؟ فقال: «رجل أو امرأة» . ذكره أحمد
(3)
.
فصل
من فتاويه صلى الله عليه وسلم في الطلاق
ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سأله عن طلاق ابنه امرأته وهي حائض، فأمَر بأن يراجعها، ثم يُمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أن يطلِّق بعدُ يطلِّق
(4)
.
(1)
برقم (1153)، ورواه أحمد (15733) وأبو داود (2064) والنسائي (3329) وغيرهم من طريق حجاج بن حجاج بن مالك الأسلمي، وحجاج مجهول، وأبوه صحابي. والحديث ضعَّفه الألباني في «ضعيف أبي داود - الأم» (10/ 200). وانظر:«علل الدارقطني» (3831).
(2)
وقيل بفتحها أيضًا. انظر: «النهاية لابن الأثير» (2/ 169).
(3)
برقم (4910) من حديث عبدالله بن عمر، وفيه:«رجل وامرأة» . ورواه أيضًا عبد الرزاق (13982) وابن أبي شيبة (37292). وفيه محمد بن عثيم وابن البيلماني، كلاهما ضعيف. والحديث ضعفه البيهقي (7/ 464)، والخطيب في «موضح الأوهام» (2/ 363)، وابن عبد الهادي في «التنقيح» (3/ 546).
(4)
في النسخ المطبوعة: «فليطلق» . والحديث رواه البخاري (5332) ومسلم (1471) عن ابن عمر.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إنَّ امرأتي
…
وذكر من بَذائها، فقال:«طلِّقها» . فقال: إنَّ لها صحبةً وولدًا. قال: «مُرْها وقُلْ لها، فإن يكن فيها خير فستفعل. ولا تضرب ظعينتَك ضربَك أمتَك» . ذكره أحمد
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم آخر فقال: إن امرأتي لا تردُّ يدَ لامس. قال: «غيِّرها
(2)
إن شئت». وفي لفظ: «طلِّقْها» . قال: إني أخاف أن تتبعها نفسي. قال: «استمتع
(3)
بها»
(4)
.
فعورض بهذا الحديثِ المتشابهِ الأحاديثُ المحكمةُ الصريحةُ في المنع من تزويج البغايا، واختلفت مسالك المحرِّمين لذلك فيه. فقالت طائفة: المراد باللامس: ملتمِسُ الصدقة، لا ملتمِسُ الفاحشة. وقالت طائفة: بل هذا في الدوام غير مؤثر، وإنما المانع ورود العقد على زانية، فهذا هو الحرام. وقالت طائفة: بل هذا من التزام أخفِّ المفسدتين لدفع أعلاهما. فإنه لما أمر بمفارقتها خاف أن لا يصبرَ عنها، فيواقعَها حرامًا. فأمره حينئذ
(1)
برقم (16384) من حديث لقيط بن صبرة، وكذلك أبو داود (143). صححه ابن حبان (1054)، والحاكم (1/ 148)، وابن جرير في «مسند عمر» (1/ 410).
(2)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة. وأخشى أن يكون مصحفًا عن «غرِّبْها» ، وهو اللفظ الوارد في «سنن أبي داود» وغيره.
(3)
في النسخ المطبوعة: «فاستمتع» .
(4)
رواه أبو داود (2049)، والنسائي في «المجتبى» (3465) وفي «الكبرى» (5321، 5629)، والبيهقي (7/ 155)، من حديث ابن عباس. ضعفه أحمد كما في «الموضوعات» لابن الجوزي (2/ 272)، والنسائي، والبيهقي في «السنن الصغرى» (3/ 37).
بإمساكها، إذ مواقعتها بعقد النكاح
(1)
أقلُّ فسادًا من مواقعتها بالسفاح. وقالت طائفة: بل الحديث ضعيف لا يثبت.
وقالت طائفة: ليس في الحديث ما يدل على أنها زانية. وإنما فيه أنها لا تمتنع ممن لمَسها أو وضعَ يده عليها أو نحو ذلك، فهي تعطي اللَّيان لذلك. ولا يلزم أن تعطيه الفاحشة الكبرى، ولكن هذا لا يؤمن معه إجابتها لداعي الفاحشة، فأمَره بفراقها تركًا لما يريبه إلى ما لا يريبه. فلما أخبره بأن نفسه تتبعها، وأنه لا صبر له عنها، رأى مصلحةَ إمساكها أرجحَ من مفارقتها لما يكره من عدم انقباضها عمن يلمسها
(2)
= فأمرَه بإمساكها. وهذا لعله أرجح المسالك
(3)
. والله أعلم.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إن زوجي طلَّقني ــ تعني
(4)
: ثلاثًا ــ وإني تزوجتُ زوجًا غيره. وقد دخل بي، فلم يكن معه إلا مثلُ هُدْبة الثوب، فلم يقرَبني إلا هنةً واحدةً، ولم يصل مني إلى شيء. أفأحِلُّ لزوجي الأول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تحِلِّين لزوجك الأول حتى يذوق الآخَرُ عسيلتَك وتذوقي عسيلتَه» . متفق عليه
(5)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم أيضًا عن الرجل يطلِّق امرأته ثلاثًا، فيتزوَّجها الرجل، فيغلق الباب، ويُرخي الستر، ثم يطلِّقها قبل أن يدخل بها. قال: «لا تحِلُّ للأول
(1)
ك: «بعد النكاح» . وفي النسخ المطبوعة: «بعد عقد النكاح» .
(2)
ك، ب:«عن تلمُّسها» .
(3)
وانظر: «روضة المحبين» (ص 201).
(4)
ما عدا ز: «يعني» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(5)
البخاري (5265) ومسلم (1433) من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد سبق.
حتى يجامعها الآخر». ذكره النسائي
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم[245/أ] عن التَّيس المستعار، فقال:«هو المحلِّل» . ثم قال: «لعن الله المحلِّلَ والمحلَّلَ له» . ذكره ابن ماجه
(2)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة عن كفر المنعَمين، فقال: «لعل إحداكن أن تطول أَيْمَتُها بين أبويها
(3)
وتعنُس
(4)
فيرزقها الله زوجًا، ويرزقها منه مالًا وولدًا، فتغضَب الغضبةَ، فتقول: ما رأيتُ منه يومَ خيرٍ
(5)
قطُّ». ذكره أحمد
(6)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل طلَّق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غضبان، ثم قال:«أيُلعَب بكتاب الله، وأنا بين أظهركم؟» . حتى قام رجل، فقال: يا
(1)
برقم (3415) من حديث عمر رضي الله عنه. ورواه أحمد (4776) والبيهقي (7/ 375)، وفيه رزين بن سليمان أو رزين بن سليمان أو سالم بن رزين، قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 13):«ولا تقوم الحجة بسالم بن رزين، ولا برزين، لأنه لا يدرى سماعه من سالم، ولا من ابن عمر» . وقال الذهبي في «الميزان» (2/ 48): لا يعرف. والحديث ضعفه أيضًا النسائي. ولكن معناه ثابت في «الصحيحين» كما ذكر المصنف.
(2)
برقم (1936) من حديث عقبة بن عامر، وقد تقدَّم.
(3)
في النسخ المطبوعة: «بين يدي أبويها» ، وفي «المسند» كما أثبت من النسخ الخطية.
(4)
ز: «تعيش» مصحفًا دون واو العطف. وتصحف في ك أيضًا.
(5)
كذا في النسخ الخطية. وفي النسخ المطبوعة و «المسند» : «يومًا خيرًا» .
(6)
برقم (27561) من حديث أسماء بنت يزيد إحدى نساء بني عبدالأشهل. ورواه أيضًا الحميدي (366) والطبراني (24/ 418). وفيه شهر بن حوشب، فيه لين. ورواه البخاري في «الأدب المفرد» (1080)، وفيه مهاجر، روى عنه جماعة، ووثقه ابن حبان. والحديث صححه بمجموعهما الألباني في «الصحيحة» (823).
رسول الله ألا أقتلُه؟ ذكره النسائي
(1)
.
وطلقَّ رُكانةُ بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدًا، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كيف طلَّقتها؟» . فقال: طلَّقتها ثلاثًا. فقال: «في مجلس واحد؟» . فقال: نعم. قال: «إنما تلك واحدة
(2)
فارجعها إن شئت». قال: فراجَعها، فكان ابن عباس يرى أنما الطلاق عند كلِّ طهر. ذكره أحمد
(3)
، قال: حدثنا سعد بن إبراهيم قال: حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة مولى ابن عباس، فذكره. وأحمد يصحِّح هذا الإسناد، ويحتج به، وكذلك الترمذي.
وقد قال عبد الرزاق: أخبرنا
(4)
ابن جريج قال: أخبرني بعض بني أبي رافع
(5)
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: طلَّق عبدُ يزيد أبو ركانةَ وإخوتِه أمَّ ركانة، ونكح امرأةً من مُزَينة، فجاءت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة، لشعرةٍ أخذَتها من رأسها؛ ففرِّق بيني
(1)
برقم (1564) من طريق مخرمة عن أبيه عن محمود بن لبيد. فيه انقطاع بين مخرمة وأبيه، واختلف في صحبة محمود بن لبيد. والحديث ضعفه النسائي في «الكبرى» (5564)، وابن حزم في «المحلى» (10/ 167)، والحافظ في «الفتح» (9/ 275).
(2)
في النسخ الخطية: «تملك واحدة» ، والمثبت من «المسند» .
(3)
من حديث ابن عباس (4/ 215) وقد تقدَّم مع الكلام الآتي على إسناده.
(4)
في النسخ المطبوعة: «أنبأنا» .
(5)
ك: «بني رافع» ، وكذا في النسخ المطبوعة. والصواب ما أثبت من (ز، ب) و «مصنف عبد الرزاق» .
وبينه. فأخذت النبيَّ صلى الله عليه وسلم حميَّة
(1)
، فدعا بركانة وإخوته، ثم قال لجلسائه: «أترون أن فلانًا يُشبِه
(2)
منه كذا وكذا من عبد يزيد، وفلانًا منه كذا وكذا؟». قالوا: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد: «طلِّقْها» . ففعل، فقال:«راجِعْ امرأتَك أمَّ ركانة وإخوتِه» . فقال: إني طلقتها ثلاثًا يا رسول الله. قال: «قد علمتُ، راجِعْها» . وتلا {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]
(3)
. قال أبو داود
(4)
: حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الرزاق، فذكره.
فهذه طريقة أخرى متابعة لابن إسحاق. والذي يخاف من ابن إسحاق التدليس، وقد قال:«حدَّثني» . وهذا مذهبه. وبه أفتى ابن عباس في إحدى الروايتين عنه. صحَّ عنه ذلك، وصحَّ عنه إمضاء الثلاث موافقة لعمر رضي الله عنه
(5)
.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن الثلاث كانت واحدة في عهده، وعهد أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنهما
(6)
. وغايةُ ما يقدَّر مع بُعده أن الصحابة كانوا على ذلك، ولم يبلغه. وهذا وإن كان كالمستحيل فإنه يدل على أنهم كانوا يفتون في حياته وحياة الصدِّيق بذلك، وقد أفتى هو صلى الله عليه وسلم به. فهذه فتواه
(1)
لفظ «حمية» ساقط من النسخ. وفي النسخ المطبوعة: «حميته» .
(2)
ز، ك:«شبه» ، وبتنوين الهاء في ز.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
برقم (2196).
(5)
تقدم تخريج الروايتين.
(6)
تقدم تخريجه.
وعمل أصحابه كأنه أخذ باليد، ولا معارض لذلك.
ورأى عمر رضي الله عنه أن يحمل الناسَ على إنفاذ الثلاث عقوبةً وزجرًا لهم لئلا يرسلوها جملةً. وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه، غايته أن يكون سائغًا لمصلحة رآها، ولا يُوجِب تركَ ما أفتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته. وإذا
(1)
ظهرت الحقائق فليقل امرؤ ما شاء! وبالله التوفيق.
وسئل [245/ب]صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ
(2)
قال: إن تزوجتُ فلانة فهي طالق ثلاثًا، فقال:«تزوَّجْها، فإنه لا طلاق إلا بعد النكاح»
(3)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق، فقال:«طلَّق ما لا يملِك»
(4)
. ذكرهما الدارقطني.
(1)
في النسخ المطبوعة: «فإذا» .
(2)
كذا في النسخ الثلاث. وفي النسخ المطبوعة: «وسأله صلى الله عليه وسلم رجلٌ» ، وهو أوفق لسياق الحديث.
(3)
رواه الدارقطني (3987) وابن الجوزي في «التحقيق» (9/ 134) من حديث أبي ثعلبة الخشني. وفيه علي بن قرين، ضعيف جدًّا. وضعف الحديث المزي وابن عبد الهادي في «التنقيح» (3/ 208)، وابن الملقن في «التوضيح» (25/ 256)، والحافظ في «الإصابة» (4/ 29)، وابن قطلوبغا في «الدر المنظوم» (184).
(4)
برقم (3937)، وكذلك العقيلي (2/ 346) وابن الجوزي (9/ 135) من حديث ابن عمر. وفيه أبو خالد الواسطي، وضاع. ضعفه العقيلي، والمزي وابن عبد الهادي في «التنقيح» (3/ 208)، والذهبي في التنقيح (2/ 204)، والحافظ في «الفتح» (9/ 296).
وسأله صلى الله عليه وسلم عبد، فقال: إن مولاتي زوَّجتني، وتريد أن تفرِّق بيني وبين امرأتي. فحمِد الله، وأثنى عليه، وقال:«ما بال أقوام يزوِّجون عبيدهم إماءهم، ثم يريدون أن يفرِّقوا بينهم؟ ألا إنما يملك الطلاقَ مَن أخذ بالساق» . ذكره الدارقطني
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس: هل يصلح أن يأخذ بعض مال امرأته ويفارقها؟ قال: «نعم» . قال: فإني قد أصدَقتُها حديقتين، وهما بيدها. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«خذهما، وفارقها» . ذكره أبو داود
(2)
.
وكانت قد شكته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحبُّ فراقه كما ذكره البخاري
(3)
: أنها قالت: يا رسول الله، ثابتُ بن قيس ما أعيب عليه في خلُق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال:«أترُدِّين عليه حديقته؟» . قالت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة» .
وعند ابن ماجه
(4)
: إني أكره الكفر في الإسلام، ولا أطيقه بغضًا. فأمره
(1)
برقم (3991) من حديث ابن عباس، وكذلك البيهقي (7/ 360). وفيه أبو الحجاج وموسى بن أيوب، كلاهما ضعيف. ورواه ابن ماجه (2081) من طريق ابن لهيعة، فيه لين. وضعَّف الحديث البيهقي. وانظر:«العلل المتناهية» (2/ 646).
(2)
برقم (2228) من حديث عائشة رضي الله عنها. ورواه أبو داود (2227) وعبد الرزاق (11762). صححه ابن حبان (4280). انظر للطرق والكلام عليه: «صحيح أبي داود- الأم» (1930).
(3)
من حديث ابن عباس (5273).
(4)
برقم (2056) من حديث ابن عباس، وكذلك البيهقي (7/ 313). أعله البيهقي بالإرسال. انظر:«الإرواء» (2036).
النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته، ولا يزداد.
وعند النسائي
(1)
: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها أن تتربَّص حيضة واحدة.
وعند أبي داود
(2)
: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتدَّ حيضةً
(3)
واحدة.
وأفتى النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة إذا ادَّعت طلاق زوجها، فجاءت على ذلك بشاهد عدل استُحْلِف زوجُها، فإن حلف بطلت شهادة الشاهد، وإن نكَل فنكوله بمنزلة شاهد آخر، وجاز طلاقه. ذكره ابن ماجه
(4)
من رواية عمرو بن أبي سلَمة التِّنِّيسي
(5)
. وقد روى له مسلم في «صحيحه»
(6)
.
فصل
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل ظاهَر من امرأته، ثم وقع عليها قبل أن يكفِّر. قال:
(1)
برقم (3497) من حديث الربيع بنت معوذ. ورواه أيضًا ابن ماجه (2058) والطبراني (24/ 672). والحديث صحيح، وقد سبق قول المؤلف إنه له طرق يصدق بعضها بعضًا.
(2)
برقم (2229) من حديث ابن عباس. ورواه أيضًا الترمذي (1188)، والدارقطني (3633، 4026)، والبيهقي (7/ 450). وفيه عمرو بن مسلم، ضعيف. ورواه عبد الرزاق (11858) والدارقطني (4027) مرسلًا، رجَّحه أبو داود.
(3)
في النسخ المطبوعة: «بحيضة» .
(4)
برقم (2038) من حديث عبد الله بن عمرو، وكذلك الدارقطني (4048، 4340). ضعفه أبو حاتم في «العلل» لابنه (1299)، والضياء في «السنن والأحكام» (5/ 267)، والألباني في «الضعيفة» (2211).
(5)
«التنيسي» ساقط من النسخ المطبوعة. وقد حاكى ناسخ ز صورة الكلمة كما كانت في أصله بإهمال حروفها، وكتب فوقها:«كذا» .
(6)
انظر الحديث (1159). وفي «تهذيب الكمال» (22/ 51) أنه روى له الجماعة.
«وما حملك على ذلك، يرحمك الله؟» . قال: رأيتُ خلخالَها في ضوء القمر. قال: «لا تقرَبْها حتى تفعل ما أمَرك الله عز وجل»
(1)
. صحيح
(2)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا فتكلَّم جلدتموه، أو قتَل قتلتموه، أو سكتَ سكتَ على غيظ! فقال:«اللهم افتح» ، وجعل يدعو؛ فنزلت آية اللعان. فابتلي به ذلك الرجلُ من بين الناس، فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا. ذكره مسلم
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إن امرأتي ولدت على فراشي غلامًا أسودَ، وإنَّا أهلُ بيت لم يكن فينا أسود قطُّ. قال:«هل لك من إبل؟» . قال: نعم، قال:«فما ألوانها؟» . قال: حُمْر
(4)
. قال: «هل فيها أورَقُ
(5)
؟». قال: نعم. قال: «فأنَّى كان ذلك؟» قال: عسى أن يكون نزعه عِرقٌ. قال: «فلعل ابنك هذا نزعَه عِرْق» . متفق عليه
(6)
.
(1)
رواه أبو داود (2225)، والترمذي (1199)، والنسائي (3457)، وابن ماجه (2065)، من حديث ابن عباس. ورواه عبد الرزاق (11525) والنسائي (3458) مرسلًا. ورجَّح النسائي الإرسال، وابن الملقن في «البدر المنير» (8/ 157). وصحح الوصل الترمذي والحاكم (2/ 204).
(2)
كذا في النسخ الثلاث. وفي النسخ المطبوعة: «حديث صحيح» .
(3)
من حديث عبد الله بن مسعود (1495).
(4)
ك: «سود حمر» .
(5)
كذا في ز، ك، وضبط في ز بضم القاف. وفي النسخ المطبوعة:«من أورق» كما في «الصحيحين» .
(6)
البخاري (5305) ومسلم (1500) من حديث أبي هريرة، واللفظ الوارد هنا لابن ماجه (2002). وقد تقدَّم الحديث.
وحكَم بالفرقة بين المتلاعنين، وأن لا يجتمعا أبدًا، وأخذِ المرأةِ صداقَها، وانقطاعِ نسب الولد من أبيه وإلحاقه بأمه، ووجوبِ الحدِّ على من قذَفه أو قذَف أمَّه، وسقوطِ الحدِّ عن الزوج، وأنه لا يلزمه نفقة ولا كسوة ولا سكنى بعد الفرقة
(1)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم سلَمة بن صخر البياضي، فقال: ظاهرتُ من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان. [246/أ] فبينا
(2)
هي تخدُمني ذات ليلة إذ انكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوتُ عليها. فقال:«أنت بذاك يا سلمة؟» . فقلت: أنا بذاك، فأنا صابر لأمر الله عز وجل، فاحكم فيَّ بما أراك الله. قال:«حرِّرْ رقبةً» . قلت: والذي بعثك بالحق ما أملِك رقبةً غيرَها، وضربتُ صفحةَ رقبتي! قال:«فصُمْ شهرين متتابعين» . فقلت: وهل أصبتُ الذي أصبتُ إلا من الصيام؟ قال: «فأطعِمْ وَسْقًا من تمرٍ بين ستِّين مسكينًا» . قلت: والذي بعثك بالحق
(3)
، لقد بِتنا وحشَين
(4)
ما لنا من طعام. قال: «فانطلِقْ إلى صاحب صدقة بني زُرَيق، فليدفعها إليك. فأطعِمْ ستين مسكينًا وَسْقًا من تمر، وكُلْ أنت وعيالك بقيتَها» . فرجعتُ إلى قومي، فقلت: وجدتُ عندكم الضيقَ وسوءَ الرأي، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعةَ وحسنَ الرأي، وأمر لي بصدقتكم. ذكره أحمد
(5)
.
(1)
كما في حديث ابن عباس الذي رواه أبو داود (2256).
(2)
في النسخ المطبوعة: «فبينما» .
(3)
في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «نبيًّا» .
(4)
يعني: جائعين.
(5)
برقم (16421) من حديث سلمة بن صخر. ورواه أبو داود (2213)، والترمذي (3310)، وابن ماجه (2062). أعله البخاري بالانقطاع بين سليمان بن يسار وسلمة بن صخر كما ذكره الترمذي، وابن الملقن في «البدر المنير» (8/ 152).
وسألته صلى الله عليه وسلم خولة بنت مالك، فقالت: إن زوجها أوس بن الصامت ظاهَر منها، وشكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يجادلها فيه ويقول
(1)
: «اتقي الله، فإنه ابن عمُّكِ» . فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}
(2)
الآيات [المجادلة: 1]. فقال: «يُعتِقُ رقَبةً» . قالت: لا يجد. قال: «فيصوم شهرين متتابعين» . قالت: إنه شيخ كبير ما به من صيام. قال: «فليطعِم ستين مسكينًا» . قالت: ما عنده من شيء يتصدَّق به. فأُتيَ ساعتَه بعَرَقٍ
(3)
من تمر. قلتُ
(4)
: يا رسول الله، فإني أعينه
(5)
بعَرَقٍ آخر. قال: «قد أحسنتِ! اذهبي، فأطعِمي بها عنه ستِّين مسكينًا، وارجعي إلى ابن عمِّك» . ذكره أحمد وأبو داود
(6)
.
ولفظ أحمد: قالت: فيَّ ــ واللهِ ــ وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدرَ
(1)
في النسخ المطبوعة: «بقوله» .
(2)
في النسخ المطبوعة زيادة: {وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} .
(3)
العرَق: ستون صاعًا، كما جاء في «سنن أبي داود» .
(4)
كذا في النسخ وفات المؤلف أن يغيره إلى «قالت» .
(5)
ك، ب:«لأعينه» . وفي النسخ المطبوعة: «إني أعينه» .
(6)
رواه أحمد (27319)، وأبو داود (2214)، وابن حبان (4279)، والبيهقي (7/ 389) من حديث خولة بنت ثعلبة. وفيه معمر بن عبد الله، لا يُعرَف. وله شاهد عند البيهقي (7/ 389)، وشاهد آخر من طريق أبي حمزة الثمالي، ضعيف. والحديث صححه ابن حبان، وحسنه الحافظ في «الفتح» (9/ 433). وانظر:«الإرواء» (2087).
سورة المجادلة. قالت: كنتُ عنده، وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقُه وضجِر. قالت: فدخل عليَّ يومًا، فراجعتُه بشيء، فغضب، فقال: أنتِ عليَّ كظهر أمي. ثم خرج، فجلس في نادي قومه ساعةً، ثم دخل عليَّ، فإذا هو يريدني عن نفسي. قالت: قلتُ: كلَّا! والذي نفسُ خُوَيلة بيده، لا تخلصُ إليَّ، وقد قلتَ ما قلتَ حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكم. قالت: فواثبَني، فامتنعتُ منه، فغلبتُه بما تغلب المرأةُ الشيخَ الضعيفَ، فألقيتُه عنِّي. ثم خرجتُ إلى بعض جاراتي، فاستعرتُ منها ثيابها، ثم خرجتُ حتى جئتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فجلستُ بين يديه، فذكرتُ له ما لقيتُ منه. فجعلتُ أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«يا خويلةُ، ابنُ عمِّكِ شيخ كبير، فاتقي الله فيه» . قالت: فوالله ما برحتُ حتى نزل القرآن. فتغشَّى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشَّاه، ثم سُرِّيَ عنه، فقال:«يا خويلة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك» . ثم قرأ عليَّ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} إلى قوله: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: 1 - 4]. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُريه فليُعتِقْ رقبةً» . وذكر نحو ما تقدم.
وعند ابن ماجه
(1)
: أنها قالت: يا رسول الله أكَلَ شبابي، ونثرتُ له بطني، حتى إذا كبِرت
(2)
سنِّي، وانقطع ولدي ــ ظاهَر منِّي. اللهم إني أشكو إليك. فما برحت حتى نزل جبرائيل عليه السلام بهؤلاء الآيات.
(1)
برقم (2063) من حديث عائشة رضي الله عنها. صححه الحاكم (2/ 481)، والألباني في «الإرواء» (2087).
(2)
في النسخ المطبوعة: «كبر» . وفي «السنن» كما أثبت من النسخ الخطية.
فصل
في فتاويه صلى الله عليه وسلم في العِدَد
ثبت أن سُبَيعة الأسلمية سألته، وقد مات زوجها ووضعت حملَها بعد موته. [246/ب] قالت: فأفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد حللتُ حين وضعتُ حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي
(1)
. وعند البخاري
(2)
أنها سئلت، كيف أفتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أفتاني إذا وضعتُ أن أنكِح.
وكانت أم كلثوم بنت عُقبة عند الزبير بن العوام، فقالت له، وهي حامل: طيِّب نفسي بتطليقة. فطلَّقها تطليقةً، ثم خرج إلى الصلاة. فرجع، وقد وضعت. فقال لها: خدعتِني
(3)
خدَعكِ الله! ثم أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فسأله عن ذلك، فقال:«سبق الكتابُ أجلَه، اخطُبْها إلى نفسها» . ذكره ابن ماجه
(4)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم فُريعة بنت مالك، فقالت: إن زوجي خرج في طلبِ أعبُدٍ له أبَقُوا، حتَّى إذا كان بطرف القَدُوم
(5)
لحِقَهم، فقتلوه. فسألته أن ترجع إلى أهله، وقالت: إن زوجي لم يترك لي مسكنًا يملكه، ولا نفقةً. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نعم» . قالت: فانصرفتُ حتى إذا كنت في الحُجرة ــ أو في المسجد ــ
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
برقم (5319).
(3)
ك، ب:«خدعتيني» ، وكذا في النسخ المطبوعة. ولفظ ابن ماجه:«فقال: ما لها؟ خدعَتْني خدَعها الله!» .
(4)
برقم (2026) من طريق ميمون بن مهران عن الزبير، وهو منقطع بينهما. ورواه البيهقي (7/ 421) من طريق ميمون عن أم كلثوم، وهو منقطع كذلك، والله أعلم بالصواب. ومع ذلك صححه الألباني في «الإرواء» (2117).
(5)
في «النهاية في غريب الحديث» (4/ 27): موضع على ستة أميال من المدينة.
ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمرَ بي، فنُوديتُ له، فقال:«كيف قلتِ؟» . فرددتُ عليه القصة التي ذكرتُ له، فقال:«امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتابُ أجلَه» . قالت: فاعتددتُ فيه أربعة أشهر وعشرًا. فلما كان عثمان أرسل إليَّ، فسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتَّبعه، وقضى به. حديث صحيح ذكره أهل السنن
(1)
.
وأفتى صلى الله عليه وسلم امرأةَ ثابت بن قيس بن شمَّاس، و [هي]
(2)
جميلةُ بنت عبد الله بن أُبَيّ لما اختلعت من زوجها، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتربَّص حيضة واحدة، وتلحق بأهلها. ذكره النسائي
(3)
. وعند أبي داود والترمذي عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد حيضة
(4)
.
وعند الترمذي
(5)
عن الرُّبَيِّع بنت معوِّذ أنها اختلعت على عهد النبي الله صلى الله عليه وسلم فأمرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ــ أو أُمِرَت ــ أن تعتدَّ بحيضة. قال الترمذي: حديث الربيع الصحيح أنها أُمِرت أن تعتدَّ بحيضة.
(1)
رواه مالك (1/ 591)، وأحمد (45/ 28)، وأبو داود (2300)، والترمذي (1207)، والنسائي (3530)، وابن ماجه (2031). صححه الذهلي كما في «البدر المنير» (8/ 247)، والترمذي، وابن حبان (4292)، والحاكم (2/ 208)، وابن عبد البر في «التمهيد» (21/ 27)، وابن الملقن، وابن القطان في «بيان الوهم» (5/ 393).
(2)
زيادة لازمة من «سنن النسائي» فإن جميلة هي امرأة ثابت. وقد سبق النص على الصواب.
(3)
برقم (3497) وقد تقدم.
(4)
تقدَّم تخريجه.
(5)
برقم (1185) من طريق سليمان بن يسار، وسنده صحيح، صححه الترمذي، وتقدم الكلام على الحديث.
وعند النسائي وابن ماجه ــ واللفظ له ــ عن الرُّبَيِّع قالت: اختلعتُ من زوجي، ثم جئتُ عثمان، فسألتُ: ماذا عليَّ من العِدَّة؟ فقال: لا عِدَّة عليك إلا أن يكون حديثَ عهد بك فتمكثين عنده حتى تحيضي حيضةً. قالت: وإنما تبِع في ذلك قضاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المَغَاليَّة، وكانت تحت ثابت بن قيس، فاختلعت منه
(1)
.
فصل
واختصم إليه صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زَمْعة في الغلام، فقال سعد: هو ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهِد إليَّ أنه ابنه. انظر إلى شبَهه. وقال عبد بن زمعة: هو أخي، وُلِد على فراش أبي من وليدته. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبَهه. فرأى شبَهًا بيِّنًا بعتبة، فقال:«هو لك يا عبد. الولد للفراش، وللعاهر الحجر. واحتجبي منه يا سودة» . فلم ير سودةَ
(2)
قطُّ. متفق عليه
(3)
.
وفي لفظ البخاري
(4)
: «هو أخوك يا عبد» .
وعند النسائي
(5)
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
كذا في ز مضبوطًا. وفي ك، ب:«فلم تره سودة» ، وكذا في النسخ المطبوعة. وهو لفظ آخر عند البخاري (2218).
(3)
البخاري (6765) ومسلم (1457) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4)
برقم (4303).
(5)
برقم (3485) من حديث عبد الله بن الزبير. ورواه أيضًا الدارقطني (4589)، وأبو يعلى (6813)، والبيهقي (6/ 87). وفيه يوسف بن الزبير، لا يعرف. وضعفه البيهقي، وحسنه الحافظ في «الفتح» (12/ 38).
وعند الإمام أحمد
(1)
: «أما الميراث فله. وأما أنتِ فاحتجبي منه فإنه ليس لكِ بأخ» .
فحكَم وأفتى بالولد لصاحب الفراش عملًا بموجب الفراش، وأمر سودة أن تحتجب منه عملًا بشبَهه بعتبة، وقال:«ليس لكِ بأخ» للشَّبَه
(2)
، وجعله أخًا في [247/أ] الميراث. فتضمنت فتواه صلى الله عليه وسلم أن الأمَة فراش، وأن الأحكام تتبعَّض في العين الواحدة عملًا بالاشتباه كما تتبعَّض في الرضاعة، وثبوتُها يثبت بها الحرمة والمَحْرَمية، دون الميراث والنفقة؛ وكما في ولد الزنا، هو ولدٌ في التحريم، وليس ولدًا في الميراث. ونظائر ذلك أكثر من أن تذكر. فيتعيَّن الأخذ بهذا الحكم والفتوى
(3)
. وبالله التوفيق.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفِّي عنها زوجُها، وقد اشتكت عينها، أفنكحُلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا» مرتين أو ثلاثًا. متفق عليه
(4)
.
(1)
في «المسند» (16127). ورواه أيضًا عبد الرزاق (13820)، وأبو يعلى (6813). وهو منقطع بين مجاهد والزبير، والصحيح أنه بينهما يوسف بن الزبير. وضعفه الخطابي في «معالم السنن» (3/ 280)، والنووي كما في «الفتح» (12/ 37). وانظر تعليق محققي «المسند» .
(2)
في النسخ المطبوعة: «للشبهة» ، تصحيف.
(3)
قد سبق طرف من الكلام على الحديث، وقد أفاض القول عليه وعلى المسألة في «تهذيب السنن» (1/ 565 - 568) و «زاد المعاد» (5/ 367 - 372). وانظر أيضًا «أحكام أهل الذمة» (1/ 545) و «بدائع الفوائد» (4/ 1538) و «الطرق الحكمية» (2/ 588).
(4)
البخاري (5336) ومسلم (1488) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
ومنع صلى الله عليه وسلم المرأة أن تُحِدَّ على ميِّت فوق ثلاث، إلا على زوج فإنها تُحِدُّ أربعة أشهر وعشرًا؛ ولا تكتحل، ولا تطيَّب، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا. ورخَّص لها في طهرها إذا اغتسلت في نُبْذةٍ من قُسْطٍ أو أظفار. متفق عليه
(1)
.
وعند أبي داود والنسائي
(2)
: «ولا تختضب» .
وعند النسائي
(3)
: «ولا تمتشط» .
وعند أحمد
(4)
: «لا تلبَس المعصفَر من الثياب، ولا الممشَّقة
(5)
، ولا الحُلِيَّ، ولا تختضب، ولا تكتحل».
وجعلت أم سلمة رضي الله عنها على عينها
(6)
صَبِرًا لما توفي أبو سلمة، فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ قالت: إنما هو صَبِرٌ ليس فيه طيب. قال: «إنه يشُبُّ
(1)
البخاري (5342) ومسلم (938) من حديث أم عطيّة رضي الله عنها.
(2)
رواه أبو داود (2302) من طريق هشام بن حسان، وهو إسناد الشيخين لهذا الحديث. وعند النسائي (3536) من طريق عاصم، عن حفصة، وإسناده صحيح أيضًا.
(3)
برقم (3534) من طريق هشام عن حفصة أي بإسناد الشيخين.
(4)
برقم (26581)، وأبو داود (2304)، والنسائي (3535)، من حديث أم سلمة. صححه ابن حبان (4306)، وحسنه ابن الملقن في «البدر المنير» (8/ 237)، والحافظ في «التلخيص» (3/ 238).
(5)
هي المصبوغة بالمِشْق، وهو طين أحمر يصبغ به الثوب. وفي ك:«الشقة» ، تحريف. وفي النسخ المطبوعة:«الشقة الممشَّقة» !
(6)
في النسخ المطبوعة: «عينيها» ، وفي «السنن» كما أثبت من الخطية.
الوجهَ فلا تجعليه إلا بالليل. ولا تمتشطي بالطِّيب ولا بالحناء، فإنه خضاب». قلت: بأيِّ شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: «بالسِّدر تغلِّفين به رأسَك» . ذكره النسائي. وعند أبي داود: «فلا تجعليه إلا بالليل وتنزِعيه
(1)
بالنهار»
(2)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم خالة جابر بن عبد الله، وقد طُلِّقت: هل تخرج تَجُدُّ نخلَها
(3)
؟ فقال: «فجُدِّي نخلَك، فإنك عسى أن تتصدَّقي أو تفعلي معروفًا» . ذكره مسلم
(4)
.
فصل
في فتواه صلى الله عليه وسلم في نفقة المعتدة وكسوتها
ثبت أن فاطمة بنت قيس طلَّقها زوجُها البتة، فخاصمته في السكنى والنفقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة. وفي «السنن» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا بنت آل قيس، إنما السكنى والنفقة على من
(1)
كذا في «السنن» بحذف النون للتخفيف.
(2)
رواه أبو داود (2305)، والنسائي (3537) من حديث أم حكيم بن أسيد عن أمها. وفيه المغيرة بن الضحاك، مجهول. والحديث ضعفه ابن حزم في «المحلى» (10/ 277)، وعبد الحق في «الأحكام» (3/ 223)، والمنذري كما في «التلخيص الحبير» (3/ 239).
(3)
جدَّ النخلَ: قطع ثمرَه. وفي ز: «تجذّ» و «فجُذِّي» فيما يأتي بالذال المعجمة. وهما بمعنًى، ولكن الرواية في «صحيح مسلم» بالمهملة.
(4)
برقم (1483).
كانت له رجعة». ذكره أحمد
(1)
. وعنده
(2)
وفي «صحيح مسلم»
(3)
عنها: طلَّقني زوجي ثلاثًا، فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة.
وفي رواية لمسلم
(4)
أيضًا: أن أبا عمرو بن حفص خرج مع علي
(5)
إلى اليمن، فأرسل إلى امرأته بتطليقة بقيت من طلاقها، وأمر عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها، فقالا: والله ما لها نفقة، إلا أن تكون حاملًا. فأتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكرت له قولهما، فقال:«لا نفقة لكِ» . فاستأذنته في الانتقال، فأذن لها، فقالت له: أين يا رسول الله؟ فقال: «عند ابن أم مكتوم» . وكان أعمى، تضع ثيابها عنده ولا يراها. فلما مضت عدَّتُها أنكحها
(1)
في «المسند» (27341). وهو عند مسلم (1480/ 40).
(2)
برقم (27100)، وكذلك عبد الرزاق (12026) و الحميدي (367). وفيه مجالد عن الشعبي، ومجالد ضعيف. وتابعه زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي، وهو كثير التدليس عن الشعبي. وتابعه سعيد بن يزيد عند الطبراني (24/ 948)، وفي سنده بكر بن بار، ضعيف. وتابعه جابر الجعفي عند الدارقطني (3952)، وهو ضعيف أيضًا. فزيادة قوله:«إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة» ضعيفة. انظر تعليق محققي «المسند» .
(3)
برقم (1480/ 42).
(4)
برقم (1480/ 41).
(5)
ك، ب:«مع معلى» ، تحريف طريف.
النبي صلى الله عليه وسلم أسامةَ بن زيد. فأرسل إليها مروانُ قَبيصةَ بن ذؤيب يسألها عن الحديث، فحدَّثته. فقال: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة، سنأخذ بالعصمة التي وجدنا [247/ب] الناس عليها. فقالت فاطمة حين بلغها قولُ مروان: بيني وبينكم القرآن، قال تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} الآية [الطلاق: 1]. قالت: هذا لمن كانت له مراجعة، فأيُّ أمر يحدُث بعد الثلاث؟
وأفتى النبي صلى الله عليه وسلم بأن للنساء على الرجال رزقهن وكسوتهن بالمعروف. ذكره مسلم
(1)
.
وسئل صلى الله عليه وسلم: ما تقول في نسائنا؟ فقال: «أطعِموهن مما تأكلون، واكسُوهن مما تلبسون. ولا تضربوهن، ولا تقبِّحوهن» . ذكره مسلم
(2)
.
وسألته صلى الله عليه وسلم هند امرأة أبي سفيان، فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي إلا ما أخذتُ منه وهو لا يعلم. قال:«خذي ما يكفيكِ وولدَك بالمعروف» . متفق عليه
(3)
.
(1)
برقم (1218) من حديث جابر بن عبد الله في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة. والصواب أن الحديث في «سنن أبي داود» (2144) عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه كما ذكر المصنف في «زاد المعاد» (5/ 438). وهو أيضًا في «السنن الكبرى» للنسائي (9106)، و «الأوسط» للطبراني (1657)، و «السنن الكبرى» للبيهقي (7/ 295)، من طريق سفيان بن حسين عن داود الوراق عن سعيد بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية القشيري. انظر:«صحيح أبي داود - الأم» (1861).
(3)
البخاري (2211) ومسلم (1714) من حديث عائشة رضي الله عنها.
فتضمنت هذه الفتوى أمورًا:
أحدها: أن نفقة الزوجة غير مقدَّرة، بل المعروف ينفي تقديرَها، ولم يكن تقديرُها معروفًا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم
(1)
.
الثاني: أن نفقة الزوجة من جنس نفقة الولد كلاهما بالمعروف.
الثالث: انفراد الأب بنفقة أولاده.
الرابع: أن الزوج أو الأب إذا لم يبذل النفقة الواجبة عليه، فللزوجة والأولاد أن يأخذوا قدر كفايتهم بالمعروف.
الخامس: أن المرأة إذا قدَرت على أخذ كفايتها من مال زوجها لم يكن لها إلى الفسخ سبيل.
السادس: أن ما لم يقدِّره الله ورسوله من الحقوق الواجبة، فالمرجعُ فيه إلى العرف.
السابع: أن ذمَّ الشاكي لخصمه بما هو فيه حالَ الشكاية لا يكون غِيبةً، فلا يأثم به ولا سامعُه بإقراره عليه.
الثامن: أن من منع الواجب عليه، وكان سبب ثبوته ظاهرًا، فلمستحقِّه أن يأخذ بيده إذا قدرَ عليه؛ كما أفتى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم هندًا، وأفتى به الضيفَ إذا لم يَقْرِه مَن نزل عليه كما في «سنن أبي داود»
(2)
عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليلةُ
(1)
وانظر: «زاد المعاد» (5/ 437).
(2)
برقم (3750) من حديث أبي كريمة. ورواه أيضًا أحمد (17172)، وابن ماجه (3677)، والبيهقي (9/ 197). صححه النووي في «المجموع» (9/ 57)، وابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 408)، والحافظ في «التلخيص» (4/ 159).
الضيف حقٌّ على كلِّ مسلم. فإن أصبح بفنائه محرومًا كان دَينًا عليه، إن شاء اقتضاه، وإن شاء تركه». وفي لفظ:«من نزل بقوم فعليهم أن يَقْرُوه. فإن لم يقْرُوه فله أن يُعْقِبَهم بمثل قِراه»
(1)
.
وإن كان سببُ الحق خفيًّا لم يجُز له ذلك، كما أفتى به
(2)
النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخُن مَن خانك»
(3)
.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: من أحقُّ الناس بحسن صَحابتي؟ قال: «أمُّك» . قال: ثم من؟ قال: «أمُّك» . قال: ثم من؟ قال: «أمُّك» . قال: ثم من؟ قال: «أبوك» . متفق عليه
(4)
. زاد مسلم: «أدناك، فأدناك»
(5)
.
قال الإمام أحمد: للأم ثلاثة أرباع البِرِّ. وقال أيضًا: الطاعة للأب، وللأم ثلاثة أرباع البِرِّ
(6)
.
(1)
رواه أحمد (17174)، وأبو داود (4604)، والطبراني (20/ 668)، من حديث المقدام بن معدي كرب. والحديث صحيح. انظر للشواهد والطرق:«الصحيحة» (2204) و «الإرواء» (2591).
(2)
«به» ساقط من النسخ المطبوعة.
(3)
تقدم مرتين.
(4)
البخاري (5971) ومسلم (2548) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
كذا في النسخ. وفي النسخ المطبوعة: «ثم أدناك
…
». ولفظ الصحيح: «ثم أدناكَ أدناكَ» .
(6)
نقلهما المصنف في «تهذيب السنن» (3/ 423) أيضًا. والقول الأول أخرجه هناد بن السري في «الزهد» (2/ 476) عن منصور بن المعتمر أنه كان يقال: «للأم
…
».
وعند الإمام أحمد
(1)
قال: «ثم الأقرب فالأقرب» .
وعند أبي داود أن رجلًا سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: من أبَرُّ؟ قال: «أمَّك، وأباك، وأختك، وأخاك، ومولاك، ومولاك الذي يلي ذاك؛ حقٌّ واجبٌ، ورحِمٌ موصولة»
(2)
.
فصل في الحضانة
(3)
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها خمس قضايا:
إحداها: قضى بابنة حمزة لخالتها، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب، وقال:«الخالة بمنزلة الأم»
(4)
. فتضمَّن هذا القضاء أن الخالة مقام الأم في الاستحقاق، وأن [248/أ] تزوُّجها لا يُسقِط حضانتها إذا كانت جارية
(5)
.
القضية الثانية: أن رجلًا جاء بابن له صغير لم يبلغ، فاختصم فيه هو وأمه، ولم تُسلم الأم. فأجلسَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الأبَ هاهنا، وأجلس الأم
(1)
في «مسنده» (33/ 230) من حديث بهز بن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن جده.
(2)
رواه أبو داود (5140)، والبخاري في «التاريخ الكبير (7/ 230)، والبيهقي (4/ 179) من حديث كليب بن منفعة عن جدِّه. وأعلَّه أبو حاتم بالإرسال في «العلل» (2124).
(3)
في المطبوع أثبت «فصل فتاوى في الحضانة وفي مستحقها» بين معقوفين.
(4)
رواه البخاري (2699) من حديث البراء بن عازب.
(5)
وانظر: «زاد المعاد» (3/ 331).
هاهنا، ثم خيَّر الصبي، وقال:«اللهم اهدِه» . فذهب إلى أبيه
(1)
. ذكره أحمد
(2)
.
القضية الثالثة: أن رافع بن سنان أسلم، وأبت امرأته أن تُسلِم، فأتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقالت: ابنتي فطيم أو شبهه، وقال رافع: ابنتي. فقال له
(3)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقعد ناحيةً» ، وقال لها:«اقعدي ناحيةً» . فأقعد الصبيةَ بينهما، ثم قال:«ادعواها» . فمالت إلى أمها. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهدِها» . فمالت إلى أبيها، فأخذها. ذكره أحمد
(4)
.
القضية الرابعة: جاءته امرأة، فقالت: إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني
(5)
من بئر أبي عِنَبة، وقد نفعني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استَهِما
(1)
في النسخ الخطية: «أمِّه» ، ولعله سبق قلم كان في الأصل أو تحريف من النساخ. والصواب ما أثبت من مصادر التخريج. والجدير بالذكر أن هذه القضية وتاليتها قضية واحدة.
(2)
برقم (23759) من حديث عبدالحميد الأنصاري عن أبيه عن جده رافع بن سنان. ورواه أيضًا أبو داود (2244)، والنسائي (3495). وفيه عبد الحميد بن سلمة، ويقال: عبد الحميد بن جعفر، وقيل: هما اثنان. انظر: «نصب الراية» (3/ 270). وقال الحافظ في «التلخيص» (4/ 33): وفي سنده اختلاف كثير وألفاظ مختلفة. ورجح ابن القطان رواية عبد الحميد بن جعفر. وقال ابن المنذر: لا يثبته أهل النقل، وفي إسناده مقال. وانظر:«بيان الوهم» (3/ 514).
(3)
«له» ساقط من النسخ المطبوعة.
(4)
رواه أحمد (23757)، وأبو داود (2244)، والنسائي في «الكبرى» (6352)، من طريق عبد الحميد بن جعفر. انظر الحديث السابق.
(5)
في النسخ الخطية: «سقى لي» ، والمثبت من «السنن» .