المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عقيدته (1): هي عقيدة أهل السلف الصالح رضي الله عنهم وهي - المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي - مقدمة

[أحمد بن الصديق الغماري]

الفصل: ‌ ‌عقيدته (1): هي عقيدة أهل السلف الصالح رضي الله عنهم وهي

‌عقيدته

(1):

هي عقيدة أهل السلف الصالح رضي الله عنهم وهي التفويض في المتشابه من الصفات، مع التنزيه وعدم التأويل، ويرى ماعدا هذا بدعة وضلالًا، ويجعل كل من خالف ذلك من الفرق الضالة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق عليها.

‌منهجه العلمي:

وكان ينبذ التقليد وينعى على المقلدة ما هم عليه من التقليد المذموم، حتى إنه كان يتأول الكثير من الآيات القرآنية التي وردت في ذم الاتباع والتقليد الأعمى على الفقهاء المعاندين المتعصبين للمذهب مع وقوفهم على الدليل، وبحيث كان يعتقد أن ما من مصيبة أو ورطة وقعت فيها الأمة إلا وللتقليد اليد الطولى فيها، إلى غير ذلك من الاستنباطات والإشارات التي ضمَّنها كتابه العجيب المسمى "الإقليد في تنزيل كتاب اللَّه على أهل التقليد"، وقد شرح في هذا المصنف الذي يقع في مجلد ضخم كيف كان تدرجه في معرفة شرع اللَّه على الحقيقة بدءً بقراءة كتب المالكية ثم الانتقال إلى فقه الشافعية، ثم بعد ذلك النظر في كتب الخلاف العالية، وفي هذا يقول الشيخ:

"فلما نظرنا في كتب الخلاف العالية وكشف لنا عن حقائق تلك المذاهب وأفل تحقيقها في نظرنا صرنا لا نقلد أحدا من خلق اللَّه تعالى لا الشافعي ولا غيره، وإنما ننظر في كتبهم على سبيل النظر في أقوالهم

(1) مقتبسة من "البحر العميق".

ص: 71

ومعرفة دلائلهم والتفقه منها والتبصر بها والاهتداء بعلمهم والسير على طريقتهم لا على سبيل تقليدهم" (1).

وعليه فقد كان الرجل نسيج وحده وفريد عصره في ذلك المضمار ينئا بفكره عن التعصب والتزمت الممقوت، والذي كان صفة سائدة بين علماء ذلك الوقت وخاصة المالكية منهم، فكان يعتمد في اجتهاداته على استنباط الأحكام من أصولها وإلحاق الفروع بمعادنها الأولى دون إفراط ولا تفريط (2)، لا يضره في ذلك مخالفته لمن خالف ما لم يخرق إجماعا معتبرا.

وقد أخطأ من زعم أنه كان ظاهرى المذهب أو أنه تبنى آراء ابن حزم في جملتها (3) إذ ليس الأمر كذلك بل غايته أنه اعتمد قاعدة ابن حزم فى القياس ثم خالفه في الفروع التى تمسك فيها ابن حزم بظاهر النصوص تمسكا مبالغا فيه يبعد عن روح التشريع والغاية منه.

وكان يبغض كتب الفروع العارية عن الدليل بغضا شديدا ولا ينصح

(1) انظر "حياة الشيخ أحمد بن الصديق" لعبد اللَّه التليدي (ص 17) بتصرف.

(2)

بل كان ينهج منهجًا وسطًا في هذا المجال، فلا هو يقيس الأقيسة الفاسدة، ولا يلغي القياس بالجملة، وإنما يعتبر العلة التي اعتبرها الشارع فقط دونما تكلف في استباطها، ملتزمًا كل ذلك بما صح لديه من الدليل.

(3)

حدثنا بذلك شيخنا عبد اللَّه بن الصديق حيث ذكر أن أخاه السيد أحمد قبل وفاته بيسير كان قد رجع عن بعض آرائه الفقهية التي قلد فيها ابن حزم، لتبينه أن الصواب في خلافها.

ص: 72

بالاشتغال بها ولا تضييع الأعمار في تحقيقها كمختصر خليل وشروح التحفة والزقاقية والعمل الفاسى والمطلق والنوازل وأمثالها.

وعلى النقيض كان يحض على مطالعة الكتب المعينة على فتح باب الاجتهاد والتمرس، من ذلك ما أتى في بعض مكاتباته قائلا:

"كما أحب أن تقتنى كتاب المحلى لابن حزم والمغني لابن قدامة وشرح المهذب للنووي وفتح المدير لابن الهمام، فهذه الكتب تكفي لمعرفة الحق في الأحكام الشرعية، ولا بأس أن يضاف إليها "نيل الأوطار" "والروضة الندية" للقنوجى بل هما مهمان للغاية ولاسيما "النيْل".

وإذ جعل اللَّه تعالى فيك قريحة وقادة وفهمًا صائبًا وشرح صدرك للعمل بالدليل فإنه يجب عليك أن تطلب هذا العلم الذي أصبح في حقك فرض عين وأن لا تضيع الفرصة بطلب الدنيا فالدنيا توجد عند كل أحد ولا توجد الهداية وعلم السنة إلا عند الفرد بعد الفرد والواحد بعد الواحد في الدنيا، والسلام" (1).

ولا يخفى ما كان يوليه الشيخ من اهتمام بالغ لكتاب نيل الأوطار حيث كان يوصى بإدامة النظر فيه وقراءته المرة بعد الأخرى لعظم نفعه.

وقد سار على نهجه شقيقه العلامة عبد اللَّه بن الصديق حيث أخذ على عاتقه قراءة نيل الأوطار مع الطلبة من أوله إلى آخره قرابة عشر سنين أو يزيد متناولًا إياه بالشرح والتعليق وتصحيح ما تحرف من النسخ المطبوعة.

(1) انظر "حياة الشيخ أحمد بن الصديق" لعبد اللَّه التليدي (ص 80).

ص: 73