المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفرق بين فاحش الغلط وفاحش الغفلة وسيء الحفظ] - المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي - مقدمة

[أحمد بن الصديق الغماري]

الفصل: ‌[الفرق بين فاحش الغلط وفاحش الغفلة وسيء الحفظ]

[الفرق بين فاحش الغلط وفاحش الغفلة وسيء الحفظ]

وأما الفرق بين فاحش الغلط وفاحش الغفلة وسيء الحفظ، فقال في المنهج السوي للسيد العلامة عبد الرحمن بن سليمان رحمه اللَّه تعالى:

وأما فاحش الغلط فبأن يكون خطؤه أكثر من صوابه أو يتساويان إذ لا يخلو الإنسان من الغلط والنسيان، قال في شرح الألفية: كأن يكون كثير السهو في رواياته ولم يُحدث من أصل صحيح، انتهى.

قال الشيخ محمد أكرم: وكلام شرح الألفية يقتضي تقييد فحش الغلط بما إذا حدث بالطريق الذي يفحش غلطه فيه، أما من كان كثير السهو في الروايات بطريق الحفظ، ويكون له أصل صحيح إذا حدث منه لا يغلط، فيقبل حديثه كما يفهم من كلام العراقي، بل صرحوا بذلك أيضًا، فمن فحش غلطه أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه، فحديثه منكر، وأما الغفلة فعلى قسمين:

أحدهما: أن تكون مطلقة، بأن يكون مغفلا لا يميز بين الصواب والخطأ، ويعرف ذلك بالغلط الفاحش، وبقبول التلقين: وهو أن يتلقن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه، كموسى بن دينار المكي، فإنه لقنه حفص بن غياث ويحيى القطان وغيرهما، فجعل حفص بن غياث يضع له الحديث، فيقول: حدثتك عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها بكذا وكذا، فيقول: حدثتني عائشة بنت

ص: 36

طلحة عن عائشة رضي الله عنها، ثم سرد له أشياء من هذا القبيل، فلما فرغ حفص مد يده لبعض من حضر ممن لم يعلم المقصد وليست له نباهة، فأخذ ألواحه التي كتب فيها ومحاها وبين له كذب موسى.

الثاني: أن يكون في حالة خاصة فيرد حديثه في تلك الحالة بأن يتساهل في وقت من الأوقات في التحمل، كأن يتحمل في حالة النوم الكثير الواقع منه أو من شيخه، أما النعاس الخفيف الذي لا يختل معه الفهم فلا يضر.

قال السخاوي في شرح الألفية: والظاهر أن الرد بذلك، أي: بالتساهل في التحمل والأداء ليس على إطلاقه وإلا فقد عرف جماعة من الأئمة المقبولين به، فإما أن يكون لما انضم إليه من الثقة وعدم المجيء بما ينكر، أو لكون التساهل مختلفا فيه، فمنه ما يقدح ومنه ما لا يقدح، انتهى.

ثم كثرة الخطإ مقيد بما إذا حدث بالطريق الذي يفحش فيه، أما إذا كان كثير السهو في الروايات بطريق الحفظ ولكن له أصل صحيح إذا حدث منه لا يغلط، فإنه يقبل حديثه كما هو مبين في محله، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم، انتهى كلام السيد عبد الرحمن في المنهج السوي.

وفي شرح النخبة للحافظ ابن حجر وشرحها لأبي الحسن السندي:

(أو فحش غلطه) أي: كثرته أو غفلته، عطف على المضاف إليه

ص: 37

لقوله في التفصيل الآتي: أو كثرت غفلته، إلا أن مقتضى تعداده أن يكون بتقدير المضاف أي: أو فحش غفلته عن الإتقان، أي: عن ضبط الحديث وأحكامه، ثم الغفلة على قسمين:

أحدهما: مطلقة لا تتقيد بحالة بأن يكون مغفلا لا يميز الصواب من الخطإ، ويعرف ذلك بالغلط الفاحش، ويصدق عليه الذي قبله، وبأن يكون مقبول التلقين، وهو أن يحدث بما يلقن من غير أن يعلم أنه حديثه، كموسى بن دينار المكي، فإنه لقنه حفص بن غياث امتحانا وقال له: حدثتك عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين بكذا، فيقول: حدثتني عائشة، فلما تبين له أنه يتلقن محا ما كتبه عنه.

وثانيهما: أن تكون في حالة خاصة فيرد حديثه الذي حصل في تلك الحالة، بأن يتساهل في وقت من الأوقات في التحمل، كأن يتحمل تارة في حال غلبة النوم الواقع منه أو من شيخه، أما النعاس الخفيف الذي لا يختل معه فهم الكلام فلا يضر، انتهى.

وأما سوء الحفظ فقال الحافظ في شرح النخبة: وهي عبارة عن أن يكون غلطه أقل من إصابته.

قال العلامة أبو الحسن السندي في بهجة النظر:

هكذا في كثير من النسخ ومنها النسخة الصحيحة التي عليها خط المؤلف وفي بعضها: "ألَّا يكون" بصيغة النفي، وقد صوبه الشارح المحقق على القاري، ثم اعترض على المصنف بوجوه كثيرة منها: أنه لا فرق بين فحش الغلط وسوء الحفظ، وأنه يلزم عدم الفرق بين الشاذ

ص: 38

والمنكر مع أنه قال في فحش الغلط: إنه المنكر، وفي سيء الحفظ: إنه هو الشاذ، وقال: وإن حمل فحش الغلط على كثرته في نفس الأمر سواء كان مساويا لإصابته أو أكثر منها، أو أقل، لم يكن لتقديمه على سوء الحفظ وجه، لأن سوء الحفظ على هذا يكون الغلط فيه أكثر من الإصابة أو مثلها، وأما ما أورده على نسختنا هذه بأنها تقتضي أن من وقع منه الخطأ ولو مرة يقال له: سيء الحفظ، لأنه يصدق عليه أن غلطه أقل من إصابته مع أنه مقبول، وإلا لكان أكثر الثقات من المردودين إذ قل من يسلم من الخطإ، فيمكن الجواب عنه من وجهين:

الأول: أن الإضافة في قوله: (أو فحش غلطه) للعهد أي غلطه الموجب للطعن، وهو أن يكون الغلط كثيرا في ذاته وإن كان أقل من إصابته.

الثاني: أن هذا تعريف بالأعم إذ المقصود الامتياز عن بعض ما عداه وهو فاحش الغلط، وأما الامتياز عن الخطإ مرة أو مرتين ونحوه فتركه اعتمادا على فهم المخاطب لظهور أنه ليس بموجب للطعن، كذا أفاده بعض المشايخ، وسيأتي بعض ما يتعلق به عند قول الماتن:(ثم سوء الحفظ إن كان لازما) انتهى كلام أبي الحسن السندي رحمه اللَّه تعالى.

وقال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة في الموضع المحال عليه:

ثم سوء الحفظ وهو السبب العاشر من أسباب الطعن، والمراد به -أي سوء الحفظ-:(من، وفي نسخة: ما، تنزيلا له منزلة غير العقلاء)، على

ص: 39

أنه قيل بعمومه يرجح جانب إصابته على جانب خطئه كذا في بعض النسخ، وفي أكثر النسخ الموجودة:(من لم يرجح) بزيادة أداة الجحد، وهو ينافي ما اخترناه وأوضحناه أولا عند قول المصنف: أو سوء حفظه في الإجمال.

وقال الشارح وجيه الدين قدس اللَّه سره: واعترض عليه أستاذي مولانا أبو البركات بأنه قال: أولا في الإجمال وهو يعني سوء الحفظ، عبارة عن أن يكون غلطه أقل من إصابته فبين كلاميه تدافع إلا أن تكون لفظة (لم) وقعت تصحيفا من الناسخ أو زلة قلم، قال: ثم أخبرني بعض إخواني أنه سأل الحافظ السخاوي عنه، فقال: وقع لفظ (لم) غلط من الناسخ وأخرج نسخة من عنده وليس فيها لفظة (لم) انتهى.

وقوله: وقعت تصحيفا من الناسخ أو زلة من القلم، معناه: أن لفظة (لم) وقعت زائدة من زلة قلم الناسخ بلا شعور، أو أن الناسخ زادها بقصده لتوهمه الزيادة صوابا، فالمراد بالتصحيف معناه اللغوي وهو الخطأ في الصحيفة كما في القاموس، والشارح المحقق عَلىٌّ القاري بعد اطلاعه على هذا كله صوب النسخة التي فيها زيادة (لم) ومما رجحها به أنه نقل عن المصنف أنه قال في تقرير هذا الكلام: إذا فهم من قوله: (ما لم يرجح) أن يرجح جانب خطئه أو يستويا، ولا شك أن هذا الكلام يقتضي ما اختاره، ولكن يحتمل أن يكون هذا التقرير قبل تغييره النسخة التي هي موافقة لنسخة الحافظ السخاوي

ص: 40

على أن اختلاف التقرير أهون من اختلال هذا التأليف.

وقد قال على القاري: فلا تعجل وتأمل، فإنه محل الزلل، وهو -أي سوء الحفظ- على قسمين، وكل منهما مسمى باسم عندهم، فإنه إن كان لازما للراوي في جميع حالاته من غير خبر ثان، أي: حاصلا من غير عروض سبب لسوء حفظه في بعض الأوقات فهو الشاذ على رأي بعض أهل الحديث.

قال البقاعي في حاشية شرح الألفية: (المنكر): اسم لما خالف فيه الضعيف الذي ينجبر وهنه بمثله، أو تفرد الثقة الأضعف الذي لا ينجبر وهنه بمتابعة مثله.

(والشاذ): اسم لما خالف فيه الثقة الأوثق أو تفرد به الخفيف الضبط، أي: الذي ينجبر وهنه بمتابعة مثله، انتهى كلام العلامة أبو الحسن السندي رحمه اللَّه تعالى.

وقال السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في شرح قصب السكر منظومة نخبة الفكر:

واعلم أنه قد تقدم أن الشاذ مقابل المحفوظ، وهو ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه، قال الحافظ: وهذ هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح، وهنا جعل الشاذ: رواية من كان سوء الحفظ ملازما له في جميع حالاته وهو غير ما تقدم، فلذا قيل: على رأي، ونقل كلام الإمام النووي في التقريب في تعريف الشاذ إلى أن قال: فجعل -يعني النووي- في الشاذ صحيحا وحسنا ومردودا، وأما

ص: 41

هذا القسم وهو ما رواه من كان سوء الحفظ ملازما له فما عده منه.

وقال السيد محمد بن إبراهيم الوزير: وقد يرد لسوء الحفظ، فإن كان ملازما له فالضعيف.

واشترط الأصوليون أن يكون خطئوه أكثر من صوابه أو مساويا للقطع بتجويز الخطإ على الثقات، فتعين العمل بالراجح.

وقال المحدثون: من كثر خطئوه لا يحتج به وإن كان صوابه أكثر، إما لعدم حصول الظن المطلق وهذا أقوى، أو لأنهم لا يتمسكون من الظنون إلا بما ثبت عندهم من الإجماع عليه، ويلزم هذا من لم يتمسك بالعقل.

وإما لعدم حصول الظن الأقوى، وفيه نظر كما تقدم في المرسل، ومنهم من يعرف حديث الضعيف بالشاذ، وإن كان سوء الحفظ طارئا فالمختلط، انتهى.

وفيه ما تراه من زيادة التفصيل، انتهى كلام السيد محمد الأمير في شرح قصب السكر.

وقد تقدم نقلا عن الملا علي القاري والشيخ قاسم أن له -يعني الشاذ- سبعة تفاسير:

الرابع منها: ما يكون سوء الحفظ لازما لراويه في جميع حالاته، وهذا الذي عبر عنه الحافظ ابن حجر بقوله: على رأي كما تقدم آنفا.

ثم قال الحافظ في شرح النخبة مع شرحها لأبي الحسن السندي:

وإن كان سوء الحفظ طارئا -أي متجددًا- على الراوي إما لكبر سنه أو

ص: 42

لذهاب بصره أو لاحتراق كتبه أو عدمها، تعميم بعد تخصيص، بأن الباء للسببية يعني: إنما صار ذهاب البصر والكتب موجبا لسوء الحفظ، لأنه كان يعتمدها فرجع إلى حفظه فساء لفقدان مراجعة الكتب فهذا هو المختلِط بكسر اللام، والحكم فيه -أي في المختلط- أن ما حدث به قبل طرئان الاختلاط عليه إذا تميز لنا كونه قبل الاختلاط قُبِلَ، وإذا لم يتميز تُوقِفَ فيه على بناء المجهول فيه، وَفُهِمَ منه بالطريق الأولى عدم قبول ما حدث به بعد الاختلاط، تميز لنا لكونه بعد الاختلاط، أو لم يتميز.

قال العراقي في شرح ألفيته: ثم الحكم فيمن اختلط أنه لا يقبل من حديثه ما حدث به في حال الاختلاط، وكذا ما أبهم أمره وأشكل، فلم يدر أحدث قبل الاختلاط أو بعده، وما حدث به قبل الاختلاط قُبِلَ، ثم ذكر تفصيل من اختلط من الرواة فمن أراد ذلك فليراجعه، وكذا من اشتبه الأمر فيه أي حكمه (من جزم الأئمة باختلاطه وتعين زمانه) حكم من اشتبه الأمر في نفس اختلاطه وفي زمان اختلاطه، فما حدث به قبل الزمان الذي قيل باختلاطه فيه إذا تميز قبل، وما لا يكون كذلك توقف فيه، انتهى كلام أبي الحسن السندي رحمه اللَّه تعالى.

وقال الحافظ في شرح النخبة مع شرحها لأبي الحسن السندي: ومتى توبع السيء الحفظ سواء كان سوء حفظه لازما أو طارئا بمعتبر أي: براو معتبر بفتح الموحدة، وإنما قيد به لأن الرواة على ثلاثة

ص: 43

أصناف: صنف محتج بحديثهم وهم الثقات، وصنف لا يحتج بحديثهم ولكن يعتبر به، وصنف يطرح حديثهم ولا يلتفت إليه، وإنما يفيد متابعة الصنفين الأولين، ولهذا قال: كأن يكون -أي المتابع- فوقه أي: من الصنف الأول أو مثله أي: من الصنف الثاني لا دونه أي: من الصنف الثالث.

قال المصنف على ما نقلوا عنه: إذا تابع سيء الحفظ شخص فوقه انتقل بسبب ذلك إلى درجة ذلك الشخص، وينتقل ذلك الشخص إلى أعلى من درجة نفسه التي كان فيها حتى يترجح على مساويه من غير متابعة من دونه، انتهى.

وقوله: انتقل. . . إلخ، معناه: انتقل روايته بسبب المتابعة إلى درجة رواية ذلك الشخص في الاحتجاج، أو في مرتبة من مراتب الاعتبار.

قال العراقي: ألفاظ التجريح على خمس مراتب:

الأولى: أن يقال: كذاب أو يكذب أو وضاع أو يضع.

الثانية: متهم بالكذب أو الوضع أو هو هالك متروك أو ساقط.

الثالثة: مردود الحديث أو ضعيف جدا أو واه بمرة.

وكل من أهل هذه المراتب الثلاث لا يحتج بحديثه ولا يستشهد ولا يعتبر.

الرابعة: ضعيف الحديث أو منكر الحديث أو مضطرب الحديث.

ص: 44

الخامسة: فيه ضعف أو هو سيء الحفظ أو ليس بقوي أو لين أو فيه أدنى مقالة.

وكل من هاتين المرتبتين يخرج حديثه ويكتب وينظر فيه للاعتبار انتهى.

ثم إن المصنف لما جعل المختلِط أحد قسمي سيء الحفظ المقابل للمغفل وفاحش الغلط، وقد جعله بعضهم أعم كالعراقي، فإنه قال في أثناء كلامه في تعداد المختلطين ومنهم عارم بن الفضل اختلط في آخر عمره وزال عقله، ومنهم صالح مولى التوءمة خرف وكبر وجعل يأتي بما يشبه الموضوعات ولذا تركه مالك انتهى.

ولما كان حكم المختلط المغفل حكم سيء الحفظ في أمر المتابعة زاده في الشرح فقال: وكذا المختلط الذي لا يتميز في حديثه، وكذا المستور، والإسناد المرسَل بفتح السين والمراد بالإسناد هنا نفس السند، وهو الرجال أنفسهم، وإنما زاد في الشرح لفظ الإسناد لأجل قوله: صار حديثهم حسنا، فالمناسب الحديث المرسل، والحديث المدلس، وكذا المدلس بفتح اللام أي: الإسناد الذي وقع فيه الإرسال والتدليس إذا لم يعرف المحذوف منه، أما لو عرف عمل به بحسب حاله من عدالة أو جرح صار حديثهم حسنا، لكن لا لذاته، بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المُتَابِع، والمتَابَع بكسر الموحدة في أحدهما وفتحها في الثاني، لأن في كل واحد منهم احتمال كون روايته صوابا أو غير صواب على حد سواء، فإذا جاءت من المعتبرَين بفتح الموحدة وفيه

ص: 45

الحذف والإيصال إلى المعتبر بهم رواية وموافقة لأحدهم رجح أحد الاحتمالين ودل ذلك المجيء على أن الحديث محفوظ، وأن احتمال كونه غير صواب، بأن يكون الساقط غير ثقة في نفس الأمر أو في رواية المرسل والمدلس احتمال مرجوحية لا يلتفت إليه، فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول ومرتبة الاحتجاج.

قال ابن الهمام في التحرير: حديث الضعيف بالفسق لا يرتقي بتعدد الطرق وبغيره مع العدالة يرتقي.

قال البقاعي: الضعيف الواهي الذي لا يعتبر ربما كثرت طرقه حتى أوصلته إلى درجة رواية المستور والسيء الحفظ بحيث أن ذلك الحديث إذا كان مرويا بإسناد آخر فيه ضعف قريب محتمل، فإنه يرتقي بمجموع ذلك إلى درجة الحسن، لأنا قد جعلنا مجموع تلك الطرق الواهية بمنزلة الطريق الذي فيه ضعف يسير، فصار ذلك بمنزلة طريقين كل منهما ضعفه يسير، ومع ارتقائه إلى درجة المقبول فهو منحط عن رتبة الحسن لذاته، وربما توقف بعضهم عن إطلاق اسم الحسن عليه وقالوا: إنما يصلح المجموع للاحتجاج فهو المستحق لهذا الاسم، ومن أطلقه فإنما لاحظ مضمونه ومعناه لا سنده ومبناه، انتهى كلام أبي الحسن السندي في بهجة النظر ممزوجا بكلام الحافظ كما ترى.

وقال العلامة العلوي في شرح شرح النخبة: واعلم أنه يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج به وحده بل يكون معدودا

ص: 46

في الضعفاء، إلا أنه لا يصلح كل ضعيف، بل المضعف بما عدا الكذب وفحش الغلط، انتهى.

وقال في المنهج السوي للسيد عبد الرحمن بن سليمان رحمه الله المنان:

ومما لا يزول ضعفه بتعدد الطرق المغفَّل أي: كثير الغفلة، وكذا كثير الغلط في روايته.

وقد أطال العلامة محمد أكرم في شرح شرح النخبة الكلام في ذلك إلى أن قال ما نصه:

ثم اعلم أن المصنف -يعني الحافظ ابن حجر- ذكر أنه متى توبع السيء الحفظ ومن عطف عليه صار حديثهم حسنا لا لذاته، ولم يذكر فاحش الغلط وكثير الغفلة، فهل فاحش الغلط كالفاسق أو مثل سيء الحفظ ومن عطف عليه؟ مقتضى ما ذكره المصنف الثاني، ثم ساق الكلام إلى أن قال: إن ابن الصلاح وصف المستور براو لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلا ولا كثير الخطإ فيما يرويه ولا بمتهم بالكذب في الحديث، فعلم منه أن من كان مغفلا كثير الخطإ لا يعتبر بروايته كما لا يعتبر برواية من اتهم بالكذب. . . إلخ كلامه فانظره، انتهى كلام السيد عبد الرحمن في المنهج السوي.

وقال أيضًا في المنهج السوي: قال الحافظ ابن حجر في النخبة: ومتى توبع السيء الحفظ بمعتبر وكذا المختلط والمستور والمدلس صار حديثهم حسنا لا لذاته بل بالمجموع، انتهى.

ص: 47

وإنما قيد الراوي بكونه معتبرا لأن الرواة على ثلاثة أصناف:

صنف يحتج بحديثهم وهم الثقات، وصنف لا يحتج بحديثهم ولكن يعتبر به، وصنف يطرح حديثهم ولا يلتفت إليه، وإنما تعتبر متابعة الصنفين الأولين.

قال العراقي في بحث التجريح ما نصه: ألفاظ التجريح على خمس مراتب:

الأولى: كذاب أو يكذب أو وضاع أو يضع.

الثانية: متهم بالكذب أو الوضع أو هو هالك أو متروك أو ساقط.

الثالثة: مردود الحديث أو ضعيف جدًّا أو واه بمرة.

وكل من هذه المراتب الثلاث لا يحتج بحديثه ولا يستشهد ولا يعتبر.

الرابعة: ضعيف أو منكر الحديث أو مضطرب الحديث.

الخامسة: فيه ضعف أو هو سيء الحفظ أو ليس بالقوي أو لين أو فيه أدنى مقالة.

وكل من أهل هاتين المرتبتين يخرج حديثه ويكتب وينظر فيه للاعتبار انتهى.

وذكر الحافظ في النكت ما نصه:

الحديث الذي يروى بإسناد حسن لا يخلو: إما أن يكون فردا أو له متابع.

الثاني: لا يخلو المتابع إما أن يكون دونه أو مثله أو فوقه، فإن كان

ص: 48

غير متهم بالكذب قوة ما يرجح بها لو عارضه حسن آخر بإسناد غريب وإن كان مثله أو فوقه، فكل منهما يرقيه إلى درجة الصحة،

وذكر المصنف -يعني ابن الصلاح- مثالا لما فوقه ولم يذكر مثالا لما هو مثله، وإذا كانت الحاجة ماسة إليه فلنذكره نيابة عنه وأمثلته كثيرة، منها ما رواه الترمذي من طريق إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:"إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته"، تفرد به عامر بن شقيق، وقد قواه البخاري والنسائي وابن حبان، ولينه ابن معين وأبو حاتم، وحكم البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل بأن حديثه هذا حسن، ولذا قال أحمد فيما حكاه عنه أبو داود: أحسن شيء في هذا الباب حديث عثمان رضي الله عنه وصححه مطلقا الترمذي والدارقطني وابن خزيمة والحاكم وغيرهم، وذلك لما عضده من الشواهد كحديث أبي المليح الرقي عن الوليد بن زوران عن أنس رضي الله عنه، أخرجه أبو داود إسناده حسن، لأن الوليد وثقه ابن حبان ولم يضعفه أحد، وتابعه عليه ثابت البناني عن أنس، أخرجه الطبراني في الكبير من رواية عمر بن إبراهيم العبدي، وعمر لا بأس به.

ورواه الذهلي في الزهريات من طريق الزبيدي عن الزهري عن أنس إلا أن له علة لكنها غير قادحة كما قال ابن القطان.

ورواه الترمذي والحاكم من طريق قتادة عن حسان بن بلال عن عمار ابن ياسر وهو معلول، وله شواهد أخرى غير ما ذكرنا في المرتبة، وبمجموع ذلك حكموا على الحديث بالصحة، وكل طريق بمفردها لا

ص: 49

تبلغ درجة الصحيح، انتهى كلام الحافظ، انتهى كلام السيد العلامة عبد الرحمن بن سليمان في المنهج السوي رحمه الله، واللَّه سبحانه أعلم.

وقد أطلنا الكلام في هذا الجواب تتميما للفائدة، لأن الشيء بالشيء يذكر والحديث شجون.

هذا ما ظهر للحقير، فإن كان صوابا فمن اللَّه والحمد للَّه، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر اللَّه، والحمد للَّه رب العالمين أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى اللَّه على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم وكان الفراغ من تحرير هذا الجواب ليلة الخميس المبارك 2 شهر رجب الأصب الأصم سنة 1306 من الهجرة النبوية على مشرفها أفضل الصلاة وأزكى التسليم والتحية.

حرره ببنانه ونمقه بلسانه المجيب الحقير الفقير إلي إحسان ربه الكريم الباري حسين بن محسن الأنصاري السعدي الخزرجي اليماني عفا اللَّه عنه

آمين آمين آمين

تمت

ص: 50