الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم صلة الرحم الصالحة المؤذية:
حكم صلة الرحم المؤمنة الصالحة المضرة دنيوياً غير واجبة بالاتفاق ، قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار".
وأما حكم صلة الرحم المؤمنة الصالحة المؤذية دنيوياً فغير واجبة على مذهب بعض أهل العلم طبعاً باستثناء الوالدين ، وقالوا عن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" فَإِنْ كَانَ هَذَا كَمَا تَقُولُ لَكَأَنَّمَا تُسِفِّهُمُ الْمَلُّ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ ". أن الحديث محمول على استحباب صلة الرحم المؤذية لا وجوب ذلك، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والورع يا عبدالله يقتضي صلة الرحم المؤمنة الصالحة المؤذية مالم تصل إلى حد الضرر ، والفرق بين الضرر والأذى ـ والله أعلم ـ أن الأذى هو الضرر اليسير، قال ابن عطية: قوله تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً ـ معناه: لن يصيبكم منهم ضرر في الأبدان ولا في الأموال، وإنما هو أذى بالألسنة. وقال القرطبي: وَالْمَعْنَى لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا ضَرًّا يَسِيرًا. اهـ.
ولكن لا يلزم أن يكون هذا التفريق الثابت هنا ثابتا أيضا في لفظي المضرة والأذى المذكور في كلام ابن عبد البر.
علما بأن الصلة تبدأ من السلام عند اللقاء، أو بمكالمة هاتفية أثناء الغيبة، وبهذا يخرج المرء من إثم الهجرة، ثم تمتد لتشمل كل أنواع البر الأخرى، فمن عجز عن درجة معينة من درجاتها فلا ينبغي أن يعجز عما تتحقق به الصلة في حدودها الدنيا.
كيفية التوفيق بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير الحديث، وفيه التنفير من مجالسة رفيق السوء وكذلك قوله: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم
الحديث.، وفيه التنفير من الفساق وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا ـ وبين قول النبي عليه الصلاة والسلام: صل من قطعك ـ وقوله: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ـ ومن المعلوم بأن القاطع للرحم فاسق؟
الصلة لا تستلزم مصاحبة، فالصلة تحصل بكل ما اعتبره العرف صلة كالزيارة والإهداء والاتصال ونحو ذلك.
ثم إن قول النبي صلى الله عليه وسلم (لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم الحديث) حديث ضعيف الإسناد وضعفه الألباني ، وبالتالي لا يُحتج به في الأحكام.
كيفية صلة الأقارب الفسَاق والكفار والمُؤذين منهم
ومجالستهم والتعامل معهم:
لا شك أن صلة الأرحام الكفار والفساق تختلف عن صلة الأرحام المسلمين الصالحين المتقين ، وقد
كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصل ذوي رحمه وأقاربه من غير أن يُؤثرهم على من هو أفضل منهم ، ولتعلم أن أهل العلم قد اتفقوا على أن الصلة والبر والإحسان الذي لا يستلزم التحابب والتوادد للأرحام الكفار مشروع باتفاق أهل العلم كالصلة بالمال وتفقد أحوالهم والنفقة والإعانة على نوائب الحق والصدقة على المسكين منهم وتعزيتهم وعيادة مرضاهم وكل صلة تدل على الرحمة لا المودة ويُراد بها وجه الله ، واتفق أهل العلم أيضاً على أنه يُشرع قطع القريب الفاسق إذا كان في قطيعته زجر له عن الفسق وإصلاح لحاله ولا بأس بقطيعته عندئذ ، واتفق أهل العلم كذلك على أنه إذا كان القريب فاسق ومن باب أولى الكافر تخشى الافتتان به وتخشى أن يضرك في دينك فيجب عليك في هذه الحال هجره وعدم صلته إلا ما كان على سبيل المداراة وخاصة إذا كان يعسر التحرَز من مقاطعته كلياً لأي سبب كان ، فمن في مخالطته ضرر ديني أو دنيوي فعاشره بالمعروف حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً.
وبهذا يتبين لك أخي أنه يُشرع الإحسان إلى الأقارب غير المسلمين وصلتهم وبرهم ووصلهم بالزيارة وإدخالهم المنزل وقبول الهدية منهم وإكرامهم والإحسان إليهم والاهداء إليهم والاتصال وغير ذلك مع عدم موالاتهم ومودتهم مودة دينية ، وذلك أن القريب الكافر له حق الصلة ولكن ليس له الولاية فلا تواليه وتناصره على باطله ، والله تعالى إنما أثبت الولاية بين أولي الأرحام بشرط الإيمان ، وذلك أن الولاية تكون بالدين، والأقارب إذا لم يكونوا على دين واحد لم يكن بينهم توارث ولا ولاية.
وليُعلم أن التبسم للكافر المسالم وكذلك مُؤاكلته ومُشاربته لسبب معتبر كتأليفه للدخول في الإسلام أو لكونه ذا قرابة ورحم أمر جائز ولا حرج فيه ولكن يحذر من متابعته أو إقراره على شيء من باطله ، علماً بأن مجالسة أهل المعاصي والكفر من ذوي الأرحام لا يكون إلا في وقت لا يُباشرون فيه المعصية، ويُشرع تخفيف وقت الزيارة لهم وخاصةً الذين يُخشى منهم إظهار بعض المنكرات.
ولتعلم بأن القاطع لرحمه والمُسيء لهم والجاهل عليهم تُشرع أحياناً صلته والإحسان إليه والحلم عليه ومن يفعل ذلك فهو مُحسن محمود عند الله ، فالإحسان إلى الأقارب مع الإساءة منهم والصلة مع قطيعتهم مشروعة كما بينا وأنت مأجور على ذلك.
وأما الرحم المؤذي العاصي الذي يؤذي أهله فالأفضل أن يصبروا ويحلموا ويدافعوا إساءته بالإحسان عملاً بقوله تعالى) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فإن خيف حصول الأذى منه فلا بأس بتجنب لقائه في بعض الأحيان طلباً لحصول السلامة من شره دون القطيعة التامة والاكتفاء بأدنى الوصل من السلام والكلام بالهاتف وذلك أنه لا يلزم لتحقيق الصلة أن يزور الشخص أرحامه أو يجالسهم ويحادثهم بل عليه أن يفعل ما تتحقق به الصلة وفي نفس الوقت يندفع به أذاهم عنه.
وعموماً عليك أن تحافظ مع أرحامك الذين تُستحب صلتهم على الحد الذي لا تحصل به القطيعة ولا ينالك بسببهم ضرر مع محاولة إصلاحهم فإن يئست من ذلك فلا حرج حينئذ في مقاطعتهم، ولكن عليك أن تجعل هجرك لهم في الله ولله، فإن هجر أهل المعاصي والكبائر في الله – حتى ولو كانوا من الأرحام غير الوالدين - من شُعب الإيمان، وهجرهم لغير الله وهم على الفسق جائز، والأدلة عليه أكثر من أن تُحصر وأشهر من أن تُذكر والهجر إذا تم على وجهه الشرعي لم يكن قطعية للرحم.
شروط تشييع جنازة الكافر القريب: