الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذهب بعض الفقهاء إلى التفريق بين ما يسكر من الخمر وما لا يسكر وذهب بعضهم بعدم إلزامها على ذلك ، قال في "الإنصاف" –حنبلي- (8/ 352):" تمنع الذمية من شربها مسكرا إلى أن تسكر. وليس له منعها من شربها منه ما لم يسكرها على الصحيح من المذهب. نص عليه [أي الإمام أحمد]. وعنه: تمنع منه مطلقا. وقال في "الترغيب": ومثله: أكل لحم خنزير " انتهى.
وذهب المالكية إلى أنه ليس له منعها من شرب الخمر وأكل الخنزير كما في "التاج والإكليل"(5/ 134).وقد ذكر ابن القيم في أحكام أهل الذمة الآتي:"قال: رجل تزوج نصرانية، أله أن يمنعها من شرب الخمر؟ قال - يعني الإمام أحمد- يأمرها، قيل له: لا تقبل منه، أله أن يمنعها؟ قال: لا".
مسألة: حينما تكون الزوجة غير محبوبة للزوج وليس فيها عيب في دين أو خلق فما العمل؟
قد وضع الإسلام أساساً عليه يتم اختيار الزوجة،، وعلى أي حال فقد تم الزواج، وأصبح الزوج مسؤولاً عنها فليستوص بها خيراً، وليُحسن عشرتها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". رواه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)[النساء:19]، وقال صلى الله عليه وسلم:"لا يفرك مؤمناً مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر"، وليدع عنه التحليق في عالم الخيال وليهبط إلى أرض الواقع، وليستحضر مقولة عمر رضي الله عنه "فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب" ، علماً أن الزوج لو طلقها لا تثريب عليه.
حكم العدل بين الزوجات وحدوده:
العدل في الجملة من أجل العبادات وأوجب الطاعات، والظلم من أقبح الذنوب، ولهذا حرمه الله تعالى على نفسه، والعدل بين الزوجات من أوجب الواجبات؛ لأن المرأة في الغالب لا حيلة لها ولا لها اختيار تام بسبب ارتباط مصيرها بزوجها، أو لأجل ولدها إن كان لها منه ولد؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" رواه مسلم، ومعنى (عوان) أسيرات. وحذر من عدم إقامة العدل بينهن فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن قال:"من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل" رواه النسائي من حديث أبي هريرة. والقاعدة في ماهية وحدود العدل بين الزوجات هو اعتبار ما دل عليه الكتاب والسنة مما يُراد به العموم والتشريع، وما لم يرد فيه نص فإن المعتبر في العدل بينهن: ضرورة العقل السليم الذي لا يُعارض النقل، وما يكون عشرة بالمعروف، وما يعده الناس عدلاً، وحين اختل فهم هذه القاعدة عند البعض أدخلوا في عشرة الزوج زوجاته ما ليس عدلاً، وأخرجوا بسبب ذلك ما يجب عليه من العدل ، وبناءً على ذلك فإنه يجب على الرجل أن يعدل بين زوجاته في المبيت والمسكن والنفقة من مطعم ومشرب وملبس فالعدل الواجب على الزوج تجاه زوجاته هو التسوية بينهنَّ في القَسم والنفقة والكسوة والمؤنة، فإذا قام الزوج بما يجب لكل واحدة منهنَّ من النفقة ، فهل له بعد ذلك أن يفضل إحداهنَّ على الأخرى بما شاء؟
فالأكثر من أهل العلم على جواز ذلك، قال الحافظ ابن حجر: والمراد بالعدل التسوية بينهنَّ بما يليق بكل منهنَّ، فإذا وفَّى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك من ميل القلب أو تبرع بتحفة. انتهى الفتح.
والعدل واجب في المبيت بلا خلاف، وأما العدل في النفقة الزائدة عن الواجب، والهدايا والعطايا، فقد اختلف أهل العلم في وجوبه كما ذكرنا. وأما القسم فإنه يبدأ بمجرد البناء بالأخرى، ويقع البناء بها
بأخذها من بيت والدها ولو دون وليمة نكاح ، ولا قسم ولا عدل في محبة القلب فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول:"اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك". رواه أحمد وغيره ، وقال تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً) ، ولا يجب على الزوج العدل في الوطء. ويجب عليه المبيت ليلاً عند من لها النوبة، وأما المكث في البيت فيعدل فيه ما لم تدع إلى غير ذلك حاجة له أو ضرورة لضرتها، واعلم أن اليوم تابع لليلة الزوجة التي تبيت فيها عندها فما ينبغي أن تذهب إلى ضرتها في يومها إلا لحاجة أو ضرورة مثل تفقد حالها أو حال أولادها كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل. ويقتصر في ذلك كله على قدر الحاجة أو الضرورة. وعليه أن يقسم قضاء حاجاته خارج المنزل أو داخله بما يحقق العدل؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ ما لم يقع بسبب ذلك في حرج ومشقة فيعدل في المستطاع، ويسقط عنه ما سوى ذلك للحرج. وله الدخول على إحداهن في زمن الأخرى للحاجة، ولو قبَّل أو ضم أثناء ذلك فلا حرج؛ لأنه تبع لدخوله لحاجته، وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم؛ فعن عائشة قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً امرأة امرأة، فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضي إلى التي هو يومها فيبيت عندها). رواه أحمد وأبو داود. أما السفر بإحدى الزوجات فالقول فيه أن أهل العلم قد اتفقوا على أنه لا يجب عليه أن يسافر بأي منهن، فله أن يسافر وحده، كما يجوز له أن يسافر بهن جميعاً، واختلفوا في السفر بواحدة منهن فقط، هل يجب أن يكون على سبيل القرعة بينهن، فيسافر بمن خرجت قرعتها؟ أو يجوز له أن يختار أيتهن شاء فيسافر بها، وتُطلب منه القرعة على سبيل الاستحباب فقط، لتطييب خاطر الجميع؟ والقول الأول أرجح، وعليه أكثر أهل العلم ، وعلى هذا فإذا سافر لحاجته وأراد أخذ إحداهن معه وجب عليه أن يُقرع بينهن، وإذا أقرع لم يجب عليه القضاء، وأما إن خرج بإحدى الزوجات من غير قرعة استناداً إلى مذهب من يرى استحباب القرعة لا وجوبها فإن عليه أن يقضي للباقيات إذا رجع، وإن كان لدى الأخرى ما يعوقها عن السفر كتعليم أولاد؛ فلا يُقرع ويقضي للمقيمة. وإذا سافر بإحداهن لحاجتها هي في أمر دين أو دنيا وجب عليه أن يقضي للمقيمة ، وإذا طال السفر لم يجب عليه أن يقضي للمقيمة دفعة واحدة بل ينجمه بما يدفع الضرر عمن سافرت معه، وليس له أن يجمع بينهن في سفر نزهة إلا برضاهن؛ فإذا سافر لهذا الغرض مدة وجب عليه أن يعطي الأخرى مثلها؛ ولو في عام قادم، ويقسم للمريضة كالصحيحة ، وإذا سافرت الزوجة برضاها إلى أقاربها أو غيرهم بإذن زوجها فليس لها أن تطلب قضاء ما فاتها من الليالي، لأنها أسقطت حقها باختيارها ويجب عليه أن يعدل في النفقة الواجبة أكلاً وشرباً وكسوة، وأولى الأمور: أن تكون نقدية؛ ليحصل التساوي، وإن تعذر هذا لبخل في الزوجة أو تبذير اشترى لكل واحدة برغبتها مثل ما اشترى للأخرى في الثمن، ولا يلزمه أن يجعل مسكن الضرات متساوياً في السعة والمرافق، وإنما يكون هذا بحسب احتياج كل بيت، أما نوع الأثاث وقيمته فيعدل فيه ما استطاع. وليس له في العطية المطلقة أن يهب إحداهن دون الأخرى وهذا من باب الورع كما بيَنا. وكل أمر معين وقع للزوج فيه حرج إذا أراد العدل فالحرج مرفوع، ولا عدل فيما يُدفع من المهر؛ لأنه يُتفق عليه قبل وجوب القسم، ولا يجب عليه أن يعطي أهلها مثل ما يعطي أهل الأخرى؛ ما لم يقصد إغاظتها بذلك، وعلى الزوجة في كل حال التذرع بالصبر، وأن تحرص في الوصول إلى مقاصدها المشروعة أن يكون ذلك بالحسنى، وبالتلميح لا التصريح، وأن تحذر من التقصي في سعيها إلى حقوقها، وأن تكون متسامحة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً فإن هذا أدعى إلى محبته والقرب من قلبه، وهذا كله لا يمنع من المطالبة