المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مدخل … المماليك البحرية وقضاؤهم على الصليبين في الشام الدكتور شفيق جاسر أحمد - المماليك البحرية وقضائهم على الصليبيين في الشام

[شفيق جاسر أحمد محمود]

الفصل: ‌ ‌مدخل … المماليك البحرية وقضاؤهم على الصليبين في الشام الدكتور شفيق جاسر أحمد

‌مدخل

المماليك البحرية وقضاؤهم على الصليبين في الشام

الدكتور شفيق جاسر أحمد محمود أستاذ مشارك بقسم التاريخ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:

فما من زمن تفرق فيه المسلمون، وضعفت شوكتهم، وتكالب عليهم أعداؤهم، إلا ووفى الله تعالى للمؤمنين بوعده في حفظ دينه، فيسر لهم من يجمع شملهم، وبقيل عثرتهم، ويقودهم إلى مجاهدة عدوهم.

والمماليك البحرية نموذج لمثل هؤلاء الذين وفقهم الله للدفاع عن الإسلام وبلاد المسلمين، فتمكنوا مِن رد الخطر المغولي الماحق، ومن تطهير البلاد من بقايا الصليبيين. فلله الحمد أولاً وآخراً.

ص: 107

‌المماليك:

يطلق اسم (المماليك) اصطلاحا، على أولئك الرقيق- الأبيض غالبا- الذين درج بعض الحكام المسلمين على استحضارهم من أقطار مختلفة وتربيتهم تربية خاصة، تجعل منهم محاربين أشداء، استطاعوا فيما بعد أن يسيطروا على الحكم في مصر وأحيانا الشام والحجاز وغيرها قرابة الثلاثة قرون من الزمان ما بين 648-922 هـ (1250-1517م) .

وكلمة (مماليك) : جمع مملوك، وهو الرقيق الذي يباع ويشترى، وهي اسم مفعول من الفعل (ملك) ، واسم الفاعل (مالك) والمملوك هو عبد مالكه1، ولكنه يختلف عن العبد الذي بمعنى الخادم2. كما أن كلمة (مماليك) تختلف في معناها عن كلمة (موالي)

1 د. علي إبراهيم حسن، تاريخ المماليك البحرية، ص: 23، 24، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثالثة، 1967 م. ابن منظور: لسان العرب كلمة (ملك) .

2 جاء في الموسوعة الإسلامية encyclopidia of Islam: art mamluk 13، p.230"تعني كلمة مملوك ما يملك بقصد تربيته والاستعانة به كجند وحكام، على عكس لفظ (العبيد) التي تعني العبودية، فالعبد يعني الأسود بينما قد يكون المملوك أبيضا، ويشتري الحكام الرقيق الأبيضا من أسواق النخاسة لتكوين فرقة عسكرية خاصة. انظر عبد المنعم ماجد: سلاطين دولة المماليك ورسومهم في مصر: 1/ 11، مكتبة الأنجلو.

ص: 107

التي مفردها (مولى) 1، والتي تعني- اصطلاحا- عند المؤرخين المسلمين: كل من أسلم من غير العرب. فالموالي قد يكون أصل بعضهم من أسرى الحروب الذين استرقوا ثم أعتقوا، أو من أهل البلاد المفتوحة الذين انضموا إلى العرب فصاروا موالي بالحلف والموالاة2.

والرق وأسباب الاسترقاق قديم قدم الإنسان، عرفته الأمم الغابرة من سكان ما بين النهرين، ووادي النيل، واليونان، والرومان، والعرب في الجزيرة العربية، وأقرته معظم الديانات كاليهودية والنصرانية، أما الإسلام فإنه لم ينص على إلغائه وتحريمه صراحة، ولكنه حض على تحرير الأرقاء، وعلى حسن معاملتهم، كما نظم العلاقة بينهم وبين سادتهم3 بما يجعلهم إخوانا في الإسلام والإنسانية متحابين، يعلم كل منهم حقوقه وواجباته، حتى صار الكثيرون من الموالي شديدي الوفاء والإخلاص لسادتهم.

والتاريخ الإسلامي ملئ بأمثلة تدل على أن المسلمين استجابوا لشرائع دينهم، فأكرموا هؤلاء الموالي والأرقاء، ووثقوا بهم، ورفعوهم إلى أعلى الدرجات، ولو أردنا أن نذكر جميع الأمثلة على ذلك لأطلنا، ولكنني أجتزئ بعض الأمثلة على ذلك، فقد تولى وردان مولى عمرو بن العاص خراج مصر4، واستعمل مسلمة بن مخلد- والي مصر وأفريقيا في عهد معاوية بن أبي سفيان- استعمل مولاه أبا المهاجر دينار على أفريقية عام 50 هـ5. كما ولى أفريقية عام 73 هـ تليد مولى عبد العزيز بن مروان6. وكان موسى بن نصير القائد

1 المولى والولي: بمعنى واحد في كلام العرب، وهو يدل على عدة مسميات، فهو الرب، والمالك، والسيد، والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار؟ وابن العم، والحليف، والعقيد، والصهر، والعبد، والمعتق. ابن منظور: لسان العرب: 5/ 409، القاموس المحيط: 4/ 294. انظر: د. جميل المصري، الموالي، موقف الدولة الأموية منهم، صر: 23، دار أم القرى للنشر والتوزيع، عمان، 1988م، الطبعة الأولى.

2 ابن خلدون، عبد الرحمن بن أحمد (8. 8هـ _ 5 140 هـ) ، مقدمة ابن خلدون، ص: 96، بيروت، 1900 م.

3 حض الإسلام على تحرير الأرقاء، وجعل ذلك من أعظم الصدفات وكفارة للظهار والأيمان، والقتل الخطأ وغير ذلك من الذنوب الكبيرة {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ} سورة البلد، آية: 11، 12. كما حض الرسول صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة الرقيق (إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم؟ فمن كان أخو تحت يده، فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفهم ما يثقلهم، فإن كلفتموهم فأعينهم عليه) صحيح البخاري جـ 1 باب 22 الإيمان

4 ابن عبد الحكم، 257 هـ- 874 م، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم، فتوح مصر "والمغرب، 1924 م.

5 الطبري، 0 31 هـ- 923 م، أبو جعفر محمد به جرير، تاريخ الرسل والملوك، 13 جزءا 0 189، ص 67، وابن عبد الحكم ص:197.

6 ابن عبد الحكم، ص:203.

ص: 108

المشهور، وفاتح أفريقيا، مولى لامرأة لخمية، وقيل بل مولى لبني أمية1.

كما كان طارق بن زياد

وهو بربري من قبيلة نفرة2 مولى لموسى بن نصير3.

وكان العالم الجليل الحسن البصري مولى لزيد بن ثابت رضي الله عنه من سبي ميسان4.

هذا وقد حذا العباسيون حذو سابقيهم من الأمويين والراشدين في الاستعانة بالموالي ومعظمهم من مماليكهم، حيث روى عن أبي جعفر المنصور أنه سأل أحد الأمويين عمن وجد الأمويون عندهم الوفاء بعدما أصابهم فقال: الموالي، فقرر المنصور أن يعتمد على مواليه ويستعين بهم5.

وكان الخليفة المأمون العباسي (198- 8 1 2 هـ) - (813 - 833 م) أول من استكثر من المماليك، حيث ضم بلاطه عددا من هؤلاء المماليك المعتوقين6، ثم تلاه أخوه المعتصم (218-227 هـ) - (833 هـ 843 م) الذي أراد أن يحد منِ نفوذ جنوده من الفرس والعرب فكون جيشا أغلبه من التركمان7، كان يشتريهم صغاراً ويربيهم حتى وصل عددهم إلى عشرين ألفا8.

أما أحمد بن طولون والي مصر، فقد اعتمد على المماليك اعتمادا يكاد يكون كليا، حيث كان والده طولون مملوكا تركيا أهدي للمأمون عام 200 هـ (815 م) ، فقد أحضر أحمد هذه المماليك من بلاد جنوب بحر قزوين وبلاد الديلم، حتى زادوا عن الأربعة عشر ألف تركي وأربعين ألف مملوك أسود، بالإضافة لسبعة آلاف من المرتزقة9.

1 الذهبي 748 هـ، شمس الدين محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء4 /497.

2 ابن خلدون 808 هـ، 1405 م، العبر وديوان المبتدأ والخبر، 8 أجزاء، 4/ 402، القاهرة، 1284.

3 الذهبي: 417.

4 المرجع السابق 5640.

5 ابن الأثير 630 هـ (1232 م) علي بن محمد الجزري، الكامل في التاريخ 12 جزءاً، بولاق،1390م: 5/49. انظر: د. جميل المصري، الموالي:43.

6 علي إبراهيم حسن، تاريخ المماليك الحرية، ص 23، مكتبة الفضة المصرية، الطبعة الثالثة، 1967 م.

Hitti، p.k.، the history of the Arabs، (London 1940) p.466. 7

ابن كثير، البداية والنهاية 10/ 296.

8 السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تاريخ الخلفاء، أمراء المؤمنين القائمين بأمر الدولة، المطبعة الأميرية، 1351، 911هـ (1505 م)

9 المقريزيَ، تقي الدين أحمد بن علي، 845 هـ (1441م) المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار: 94، جزءان، بولاق 1270 هـ تحقيق مصطفى زياد.

ص: 109

وقام الأخشيديون بالسير على نفس السياسة، حتى أن محمد بن طغج الأخشيد مؤسس دولتهم في مصر 323- 358 هـ (935-969م) 1، جعل منهم جيشا يضم أربعمائة ألف من الديلم والترك، بالإضافة لحرسه الخاص الذيَ تجاوز الثمانية آلاف2.

وأعتمد الفاطميون خلال حكمهم في أفريقيا على المغاربة المصامدة3، وعندما استولوا على مصر عام 358هـ (969 م) استكثروا من الديلم والأتراك والغز والأكراد.

أما الأيوبيون، فإن استكثارهم من المماليك كان سببا في قيام الدولة المملوكية، حيث إنهم قاموا منذ وقت مبكرين دولتهم 597 هـ (1200م) ، بجلب أعداد كبيرة من المماليك الصغار عن طريق النخاسين الذين كانوا يحضرونهم من شبه جزيرة القرم، وبلاد القوقاز والقفجاق4، وما وراء النهر، وآسيا الصغرى، وفارس، وتركستان، وحتى من البلاد الأوربية5 حيث ازدهرت حركة تجارة لنخاسة في أوربا قبل عصر المماليك، ومارسها البنادقة6 والجنويون فكانوا يشترون المماليك من سواحل البحر االأسود ويبيعونهم في مصر، فبلغ من كانوا يبيعونهم في العام الواحد ألفين من المغول والشراكسة والروم والألبانيين والصقالية والعرب7.

وكانت أشهر أسواق بيع هؤلاء المماليك، خان مسرور في القاهرة8، وسوق الإسكندرية. والذي شجع الأيوبيين في مصر والشام على الاستكثار من هؤلاء المماليك هو ضعف شأنهم بعد وفاة صلاح الدين رحمه الله 589 هـ (1193م) ، وانقسام الدولة بين الأيوبيين الذين لقبوا أنفسهم بالملوك في كل من مصر، ودمشق، وحلب، والكرك، وبعلبك، وحمص، وحماه، حيث قامت بينهم منافسات وحروب كثيرة، كما قامت بينهم من

1 أبو النحاس، جمال الدين يوسف بن تغري بردي 874هـ _ 1496م، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، 9 أجزاء: 3/59، دار الكتب، 1939م.

2 علي إبراهيم حسن، تاريخ المماليك البحرية، ص:24.

3 نسبة إلى قبيلة مصمودة المشهورة في شمال إفريقية.

4 وتشمل حوض الفلجا والأراضي الواقعة حول بحر قزوين.

5 عاشور، سعيد عبد الفتاح، الحركة الصليبية: 2/1075، الطبعة الأولى، مكتبة الأنجلو المصرية، 1963م.

6 انظر: علي إبراهيم حسن، تاريخ المماليك البحرية ص: 25 حاشية: 3،2. Heyd، w.، histoire du commerce du Levant au moyen age. 2 vols (Leipzig 1899) p. 442

heyd. Op. cit. p. 443،560. 7

8 المقريزي 845هـ (1442م) تقي الدين بن أحمد بن علي: 2/92، المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، جزءان، بولاق، 1270هـ.

ص: 110