الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشخصية في المجتمع دون اعتبار لنشأتهم الأولى، فقد عاشوا كطائفة منفصلة عمن حولهم، ولم يختلطوا إلا نادرا بالسكان المحليين من مسلمين ونصارى، ولم يتزاوجوا معهم إلا فيما ندر.
كما احتكروا الجندية عليهم، بل بالغوا في ذلك حتى جعلوها وقفا على المماليك الصغار الذين يجلبون حديثا، ولم يسمحوا لأبناء المماليك الكبار من الانخراط فيها، بل قصروهم على الوظائف الإدارية والكتابية.
ورغم اختلاف أصول مولدهم، "انقسامهم حسب خشداشياتهم وسادتهم إلى أحزاب متطاحنة، فإنهم كانوا يجتمعون ويتماسكون لمواجهة االأخطار المشتركة التي يتعرضون لها من قبل أهل البلاد من مصريين وشاميين أو من المغول أو الصليبيين.
وكانوا يتعلمون القرآن الكريم والفقه الإسلامي وينشؤون- في الغالب- تنشئة إسلامية ويعلمون أن التحلي بالأخلاق الإسلامية يكسبهم ثقة العامة، فكان بعضهم يتظاهرون بالصلاح والتقوى، ويقدمون على بناء العمائر الدينية من مساجد1 وتكايا ومدارس، بينما يمارس بعضهم في خلواتهم أشد أنواع الفسق والفجور، ولم يكونوا يتحرجون من الانتساب إلى مشتريهم الأول أو أستاذهم مثل الصالحي، والمعزي، أو يلحقون بأسمائهم ما يدل على أثمانهم التي بيعوا بها مثل الألفي2. وكان المملوك شديد الوفاء لسيده أو أستاذه أو رابطته مع زملائه الذين تربوا لدى سيد واحد (الخشداشية) 3.
hautecoeur et wiet: les moskuees de caire. Pp. 46 _ 471
2 ابن شاكر الكتبي فخر الدين محمد بن أحمد 873 هـ 1469م، فوات الوفيات، بولاق، 1299هـ: 2/134.
3 ابن الفرات المصري، ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم (807هـ _ 1405م)، ص:25، تاريخ ابن الفرات المعروف باسم الطريق الواضح المسلوك إلى معرفة تراجم الخلفاء والملوك، 9 أجزاء، من 501_ 799، تحقيق: قسطنطين زريق والمستشرق ليفي دلافيدا.
قيام دولة المماليك البحرية
648_658 هـ (1250- 1260م)
في قمة الهجمية الصليبية- التي تمثلت في الحملة السابعة التي قادها لويس التاسع ملك فرنسا ضد مصر عن طريق دمياط4- وخلال انشغال الملك الصالح نجم الدين أيوب
4 دمياط: مدينة قديمة بين تنيس ومصر، وهي من ثغور الإسلام، عندها يصب نهر النيل (القزويني، آثار البلاد واجتهاد العباد، ص24، دار صادر بيروت. ولا يعرف اليوم موقعها القديم بسبب هدم الصليبيين لها سنة 648هـ 1250م. (المقريزي، الخطط: 1/223) .
بالدفاع على المنصورة- التي وصل الصليبيون إليها إلى بعض أنحائها بعد أن فر أمام هجمتهم بنو كنانة وبعض المماليك1- وقع الملك الصالح مريضا2 ولم يلبث أن توفى بعد مرض عضال.
وهنا ظهرت شخصية وعبقرية زوجته شجر الدر3، التي أدركت مدى الخطر المحدد بالمسلمين، إذا أنّ علم الجيش والعامة بخبر موت السلطان، محل شأنه أن يوقع الوهن في العزائم، ويثير الأحقاد والمطامع الكامنة في نفوسهم وأن يطمع الصليبيين فيهم، فقامت بإخفاء خبر موته، وأرسلت سرا وعلى عجل تستدعي ابنه تورانشاه من حصن كيفا بأطراف العراق ليتولى عرش والده.
وخلال هذا الوقت تبدت بطولة الأمراء المماليك، فتصدىَ بيبرس البندقداريَ ومعه فرقة من المماليك البحريين الصالحين للصليبيين، فشن عَليهم هجوما من خارج المنصورة، وطردهم من بعض نواحيها ثم لاحقهم الأمير أقطاي- القائد العام للجيش- مستعملا النار الإغريقية حتى قرروا الهروب إلى دمياط.
وعندما وصل تورانشاه بن السلطان الملك إلى صالح إلى مصر عام 647 هـ (.125م) 4 ولي السلطة دون معارضة، فكان من أول أعماله أن حاصر الصليبيين وحاد بينهم وبين وصول المدد إليهم عن طريق دمياط، وقطع عليهم طريق العودة. وعندما اضطر الملك لويس التاسع بسبب حراجة موقفه إلى طلب الهدنة، ولكن المصريين رفضوا طلبه،
1 فرّ فخر الدين قائد بعض قوات السلطان من وجه الصليبيين دون قتال، وأخلا لهم مدينة دمياط التي فر منها أيضا بنو كنانة مما سهل وقوعها بأيديهم في الثاني والعشرين من صفر عام 647هـ (1249م) ، مما أغضب الناصر فشنق أكثر من خمسين من بني كنانة، وكاد يقتل القائد فخر الدين. (المقريزي، الخطط: 1/220) .
2 "كان الملك الصالح نجم الدين أيوب وهو بأشموم طناج قد عرض له مرض في مخاصيه، ثم فتح وحصل له تعسر بول، وبعد ذلك حصلت له قرحة تيقنت الأطباء أنه لا خلاص له منها، لكنه لم يشعر بذلك
…
" (ابن واصل 697هـ _ 1297م) جمال الدين أبو عبد الله محمد بن مسلم، مفرج الكروب: 2/353أ، حول مرض الصالح صورة عنه بمكتبة الإسكندرية، تحقيق جمال الشيال.. والمقريزي: الخطط: 1/219) . وأشموم طناج بلدة قرب دمياط، وهي مدينة الدهقلية (معجم البلدان جـ1ص300) .
3 "شجر الدر أو شجرة الدر بنت عبد الله، أول سلطانة" لمصر من غبر الأيوبيين، كانت أرمينية الأصل وقيل تركية، ذكية، جميلة، أهداها الخليفة العباسي المستعصم إلى نجم الدين أيوب في عهد ابن السلطان الكامل، فأنجبت منه ابنه خليل، الذي كان جميلا ومات صغيرا، وأصبحت أم ولده فأحبها ورافقته في رحلته إلى المشرق وكذلك عندما حبسه الملك ناصر داود في الكرك 637هـ". أبو المحاسن، النجوم الزاهرة: 6/91. وقد أعتقها الملك الناصر وتزوجها عندما أصبح سلطانا. واختلف المؤرخون حول اسمها الصحيح وفيما إذا كان شجر الدر أم شجرة الدر، والأغلب أن الأول هو الصحيح لإجماع معظم المصادر عليه. انظر: جوزيف نسيم "العدوان الصليبي على مصر"ص 136 حاشية (1) .
4 أبو الفداء 732هـ، المختصر، مجلدان، 9أجزاء، دار الكتب، بيروت: 6/84