الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والموارنة1 حيث كان للموارنة وضع خاص لدى الصليبيين منذ بداية الحروب الصليبية لأنهم لعبوا دور الحلفاء للصليبيين، مما جعل الصليبيين يأنسون إليهم، ويدخلونهم تحت حمايتهم2 ولم ينسوا أنهم شاركوهم مرات عديدة في محاربة المسلمين، أهمها مشاركتهم في حملة لويس التام على مصر حيث حاربوا إلى جانبهم في المنصورة3.
وفي نفس الوقت حاول لويس التاسع إصلاح الفساد المستشري في الإمارات الصليبية حيث كانت مرتعا للشرور التي وصفها القاصد الرسولي في حديث له إلى جونفيل يبين فيه مقدار الفساد في عكا "لا يعلم أحد مثلي الآثام والمعاصي التي ارتكبت في عكا ولذا فإن المولى سينتقم من سكانها حتى تغسل المدينة بدمائهم، وحينئذ سوف يأتي شعب آخر للإقامة فيها"4 وقد ساعد على هذا الفساد الأخلاقي كون الصليبيين خليطا متنافرا من الناس! كما سبق وذكرنا.
كل هذه الأعمال التي قام بها لويس التاسع ساهمت بالإِضافة لعوامل أخرىَ في تأخير سقوط الإمارات الصليبية مدة ليست قليلة، وإن كانت لم تلبث الخلافات أن دبت بينهم خصوصا بين الجماعات اللاتينية وذلك عام 1258م ودارت عامين وتسببت في إضعاف الصليبيين وذلك بعيد مغادرة لويس للشام عائدا إلى بلاده التي دبت فيها الفوضى، وليقود بعد فترة طويلة الحملة الصليبية الثامنة إلى تونس حيث توفي في بدايتها عام 669 هـ (1270م) .
1 ينسبون إلى القديس مارون الذي ظهر في جهات افامية في أواخر القرن الرابع الميلادي، وأقيم بعد موته دير في أوائل القرن الخامس على ضفاف العاصي قرب افامية. وقد تواجد أكثر الموارنة في بلاد حمص وجبل لبنان، وكانوا متمسكين بمذهب الطبعتين المقر في مجمع خلقدونية عام 451م مما جعلهم مقربين إلى اللاتين بعكس الأقباط والأرثوذكس. (يوسف دربان: نبذة تاريخية في أصل الطائفة المارونية، القاهرة، 1916، ص: 42، 43، 45) .
2 يوسف دربان، لباب البراهين الجلية عن حقيقة أمر الطائفة المارونية، القاهرة، 1916، ص: 59- 60
3 يوسف دربان، أصل الطائفة المارونية، ص:56.
JOINVILLE (EL WAILLY) P. 334_ 3364
دور بيبرس في التصدي للصليبيين:
لم ينس بيبرس لحظة عداوة الصليبيين وخطرهم على الشام ومصر، وهو الذي شارك في صدهم عن المنصورة ودمياط، ورأى محاولات لويس التاسع في تأجيج الصراع بين دولة المماليك الحديثة النشأة والملك الناصر ملك الشام، ثم تعاونهم مع الخطر الجديد القادم من الشرق، حيث رأوا فيه حليفا طبيعيا ساقه الله لنصرتهم، ألا وهو خطر المغول، فاتصلوا بهم، وعملوا أدلاء لجيوشهم وجواسيس يطلعونهم على عورات المسلمين، بل سمح بعضهم
لبعض الحاميات المغولية بالنزول في حصونهم، فوقعوا هم أنفسهم تحت سيطرة ورحمة تلك الجماعات1، وكذلك تآمر الصليبيين الدائم مع الحشيشيين2 الذي كانوا خطرا دائما يهدد كل مجاهد مسلم من زعماء المسلمين.
لهذا قرر بيبرس كما قلده في ذلك خلفاؤه أمثال قلاوون والأشرف خليل، اجتثاث الخطر الصليبي نهائيا من بلاد الشام3.
وكتمهيد لتحقيق هذا الهدف تحالف بيبرس مع الإمبراطور البيزنطي باليولوجس عدو الصليبين، حيث عقد معه معاهدة دفاعية عام 660 هـ (1262م) 4 كما حالف مغول القفجاق المسلمين (القبيلة الذهبية) وهادن أعداء المسلمين مغول فارس الوثنيين5.
بعد كل هذه الترتيبات توجه بيبرس نحو الشام عام 663 هـ (1265 م) قاصدا إعداد قواته وإعادة توزيعها، تمهيدا لتنفيذ غرضه، وعند ذلك أحس الصليبيون بالخطر الكائن في استعدادات بيبرس ونيته نحوهم، فأرسلوا إليه وفودهم تعرض عليه المسالمة، وتعبر عن حسن نيتها نحوه، ولكنه كان يردها قائلا:"ردوا ما أخذتموه من البلاد، وفكوا أسرى المسلمين جميعهم، فإني لا أقبل غير ذلك" ثم يطردهم من حضرته6.
وكان من حماس بيبرس في جهاد الصليبين، أنه لم يخل عام من الأعوام العشرة ما بين 659-669 هـ (1261- 1271م) إلا وكان يشن فيه حربا، ويسترد أرضا من أرض إحدى الإمارات الباقية بأيديهم وهي: أنطاكية، وطرابلس، وبعض مملكة القدس.
فبادر عام 661 هـ (1263م) بمهاجمة مدينة الناصرة، ثم هاجم بنفسه مدينة عكا الحصينة، ولكنه لم يتمكن أن فتحها بسبب ما أقامه فيها لويس التاسع من تحصينات7.
1أحمد العباد، قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشام، دار النهضة العربية، بيروت، 1969م، ص: 222
2الحشاشون والحشيشية يقصد بهم الفداوية، لاشتهارهم بتناول المخدرات المعروفة بالحشيش، وقيل إنه ربما أطلق عليهم هذا الاسم لكثرة اغتيالهم المراء، من الحش بمعنى القطع، وبذلك تكون التسمية بعيدة عن موضوع الحشيش المخدر. Ensyclopidia of religion، art. Assassins وبروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية
3مفصل بن أبي الفضائل، النهج السديد، ص:192. المقريزي، السلوك: 1/584_ 600.
4بيبرس الدوادار، زبدة الفكر: 9/262/9.
Lane، Poole، of Egypt in the middle ages (London 1925) . P. 266
5المقريزي، السلوك: 1/ 465.
6المقريزي: السلوك: 1/485_ 486.
7ابن كثير: 13/244.
وفي عام 663 هـ (1265م) حاصر مدينة قيسارية وفتحها رغم حصانتها1، ثم غادرها جنوبا إلى قلعة أرسوف البحرية2 التي كَانت تحت سيطرة شرسان الاسبتارية المشهورين ببسالتهم، فقاموا بالدفاع المستميت عنها، ولم يمكنوا بيبرس من فتحها فلجأ إلى الحيلة بأن اتفق معهم على أن يستسلموا مقابل تأملات حياتهم، ولكنه قام بنقلهم إلى القاهرة بعد أن أمرهم بهدم قلعتهم3.
وبعد ذلك قام بفتح يافا وعتليت، ثم استولى في العام التالي على صفد4 وهونين وتبنبن5، والرملة6 مما جعل الإمارات الصليبية في حالة احتضار يائسة دفعتها إلى معاودة استعطاف السلطان بيبرس طالبة مصالحته، أو على الأقل عقد هدنة معه، وفي هذه المرة رأى أس من المناسب إجابة طلبهم، فصالحهم عَلى أساس المناصفة أو المشاركة وذلك بأن تصبح له حصة في غلاتهم ومنتجاتهم7. ومن أطرف هذه الاتفاقيات بين بيبرس والإمارات الصليبية تلك الاتفاقية التي عقدتها معه ازابيلا، ملكة بيروت عام 667 هـ (1268م) ومدتها عشر سنوات، فقد ذكر القلقشندي8 أن هذه الملكة قد وثقت ببيبرس إلى درجة أنها كانت عندما ترغب حب السفر إلى جهة ما، تذهب بنفسها إلى بيبرس وتستودعه بلادها9، وعندما خطفها الملك هيو الثالث ملك جزيرة قبرص قام بيبرس بتخليصها عن طريق توجيه
1 المقريزي: السلوك، حوادث سنة: 661، 662.
2 ارسوف مدينة ساحلية على بحر الروم، بها قلعة وعليها سور، كانت في زمن آبي الفداء خرابا (أبو الفداء: تقويم البلدان، ص: 239) .
3 المفريزي: السلوك: 1/529 " ولا يعتبر هذا غدرا منه لأن هؤلاء الفرسان جبلوا على الخيانة والغدر وطالما غدروا بالمسلمين ". (ابن كثير: البداية: 13/244) .
4 ابن كثير: البداية: 13/249، أمر بأن يكتب على أسوار قلعة صفد " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون". قيل إنها فتحت صلحا، ثم قتل بيبرس ألفين من أهلها وخرب قلعتها، ثم بناها ونقش عليها عبارة تدل على زهوه بالنصر جاء فيها:" عماد الدين الذي حول الكنائس إلى مساجد، ورنين النواقيس إلى أصوات المؤذنين، وقراءة الإنجيل إلى ترتيل القرآن". (علي إبراهيم حسن: ص180) .
5 حصون تحيط بمدينة بانياس التي كان بها قلعة الصبيبة، ومن هذه المدن والحصون شقيف ارنون، وشقيف تيرون، والجليل وصفد والناصرة وصفورية. (أبو الفداء: تقويم البلدان: 345) .
6 الرملة مدينة بفلسطين بناها سليمان بن عبد الملك، بينها وبين القدس يوم واحد. (القلقشندي: صبح الأعشى: 4/99) . العيني، بدر الدين أبو محمد بن أحمد 855هـ (1452م) : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، الجزء الخامس بحوادث سنة 656_ 673. مخطوطة بدار الكتب المصرية رقم:1584. المقريزي: السلوك: 1/550، وذكر ص: 544_ 547 أن الاستيلاء على يافا كان سنة 666هـ
7 القلقشندي: صبح الأعشى: 4/44_ 51. أبو المحاسن: النجوم: 7/150.
8 القلقشندي: نفسه: 4/39.
9 تاريخ ابن الفرات: 7/35.