المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم تقليد أحد المذاهب الأربعة - أهمية العناية بالتفسير والحديث والفقه

[عبد المحسن العباد]

الفصل: ‌حكم تقليد أحد المذاهب الأربعة

‌حكم تقليد أحد المذاهب الأربعة

.

الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، علماء مجتهدون دائرون في اجتهادهم بين الأجر والأجرين، وقد تقدّم ذكر جملة من وصاياهم، في ترك تقليدهم، والتعويل على الأدلة، ومن تمكن من معرفة الحق بدليله، تعيّن عليه الأخذ به، تنفيذا لوصاياهم، وقد قال الشافعي رحمه الله:"أجمع الناس على أن من استبانت له سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد" وقال ابن خزيمة: "ويحرم على العالم أن يخالف السّنّة بعد علمه بها)) فتح الباري (3/95) ، وقال أيضاً في رفع اليدين عند القيام من الركعتين:"هو سنّة وإن لم يذكره الشافعي، فالإسناد صحيح، وقد قال: قولوا بالسنة ودعوا قولي". فتح الباري (2/222) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن أهل السّنّة لم يقل أحد منهم: إن إجماع الأئمة

ص: 44

الأربعة حجة معصومة، ولا قال: إن الحق منحصر فيها، وأن ما خرج عنها باطل، بل إذا قال من ليس من أتباع الأئمة كسفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد ومن قبلهم من المجتهدين قولاً يخالف قول الأئمة الأربعة، ردّ ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله، وكان القول الراجح هو القول الذي قام عليه الدليل". منهاج السنّة (3/412) .

ومن المعلوم أن أول الأئمة أبو حنيفة المولود سنة (80 هـ) ، والمتوفى سنة (150هـ) ، وما كان عليه الناس قبل زمان الأئمة الأربعة، هو الذي عليهم أن يكونوا عليه في أزمانهم وبعد أزمانهم، وهو التعويل على الأدلة، وترك التقليد، وأما العامي ومن لم يتمكن من معرفة الحق في المسائل الفقهية، ولم يجد من أهل العلم من يبصره فيها فله أن يقلّد أحد المذاهب الأربعة، لأنه مضطر، وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ

ص: 45

مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، قال شيخنا الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله في رده على الصابوني في قوله عن تقليد الأئمة الأربعة:"إنه من أوجب الواجبات" قال: "لا شك أن هذا الإطلاق خطأ، إذ لا يجب تقليد أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم مهما كان علمه؛ لأن الحق في اتباع الكتاب والسّنّة لا في تقليد أحد من الناس، وإنما قصارى الأمر أن يكون التقليد سائغاً عند الضرورة لمن عرف بالعلم والفضل واستقامة العقيدة، كما فصل ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه (إعلام الموقعين) ولذلك كان الأئمة رحمهم الله لا يرضون أن يؤخذ من كلامهم إلاّ ما كان موافقاً للكتاب والسّنّة، قال الإمام مالك رحمه الله: "كلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلاّ صاحب هذا القبر"، يشير إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا قال إخوانه من الأئمة في هذا المعنى، فالذي يتمكّن من

ص: 46

الأخذ بالكتاب والسّنّة يتعين عليه ألاّ يقلّد أحداً من الناس، ويأخذ عند الخلاف بما هو أقرب الأقوال لإصابة الحق، والذي لا يستطيع ذلك فالمشروع له أن يسأل أهل العلم، كما قال الله عز وجل:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] )) . مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/52) .

وقال شيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان (7/553) : "لا خلاف بين أهل العلم في أن الضرورة لها أحوال خاصّة تستوجب أحكاماً غير أحكام الاختيار، فكل مسلم ألجأته الضرورة إلى شيء إلجاءً صحيحاً حقيقياً فهو في سعة من أمره فيه"، إلى أن قال: "وبهذا تعلم أن المضطر للتقليد الأعمى اضطراراً حقيقياً بحيث يكون لا قدرة له البتّة على غيره، مع عدم التفريط لكونه لا قدرة له أصلاً على الفهم، أو له قدرة على الفهم وقد عاقته

ص: 47