المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اختلاف التنوع والتضاد وهل كل مجتهد فيها نصيب - أهمية العناية بالتفسير والحديث والفقه

[عبد المحسن العباد]

الفصل: ‌اختلاف التنوع والتضاد وهل كل مجتهد فيها نصيب

الطبقة الأخرى، وهم أهل الفقه والنظر، فإن أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلاّ على أقله، ولا يكادون يميّزون صحيحه من سقيمه، ولا يعرفون جيّده من رديئه، ولا يعبأون بما بلغهم منه أن يحتجوا به على خصومهم إذا وافق مذاهبهم التي ينتحلونها، ووافق آراءهم التي يعتقدونها، وقد اصطلحوا على مواضعة بينهم في قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع، إذا كان ذلك قد اشتهر عندهم وتعاورته الألسن فيما بينهم، من غير ثبت فيه أو يقين علم به، فكان ذلك ضلة من الرأي وغبناً فيه

".

ص: 52

‌اختلاف التنوع والتضاد وهل كل مجتهد فيها نصيب

؟

اختلاف التنوع والتضاد، وهل كل مجتهد فيهما مصيب؟

والاختلاف في المسائل الفقهية ينقسم إلى قسمين: اختلاف تنوع، واختلاف تضاد، واختلاف التنوع لا

ص: 52

يؤثر؛ لأن من أخذ بشيء منه أخذ بنوع من أنواع الحق، ومن أمثلة ذلك: ألفاظ الاستفتاح في الصلاة وألفاظ التشهد فيها، فإن كل ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فهو حق، والآخذ به آخذ بنوع من أنواع الحق، لكن لا يجمع المسلم بينها في صلاة واحدة، فإذا اجتهد عالم في اختيار نوع منها، واختار عالم نوعاً آخر، فإن هذا الاختلاف غير مؤثر، وكل مجتهد في ذلك مصيب أجراً، كما أنه مصيب حقاً، وأما اختلاف التضاد فهو أن يقول عالم في مسألة قولاً، ويقول آخر فيها قولاً مضاداً، كأن يقول قائل في أمر: هذا حلال، ويقول آخر: هو حرام، أو يقول قائل في أمر: إنه ينقض الوضوء مثلاً، ويقول آخر: لا ينقضه، أو يقول قائل: هذا يبطل الصلاة، ويقول آخر: لا يبطلها، وهذا النوع من الاختلاف كل مجتهد فيه مصيب أجراً، مع التفاوت فيه بين الأجر والأجرين، ولا يكون كل

ص: 53

مجتهد فيه مصيباً حقاً، بل من المجتهدين من يصيب فيؤجر أجرين على اجتهاده وإصابته، ومنهم من يخطىء فيؤجر أجراً واحداً على اجتهاده، ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". رواه البخاري (7352) ومسلم (1716) من حديث عمرو ابن العاص رضي الله عنه.

ولو كان كل مجتهد في هذا الخلاف مصيباً حقاً لم يكن لتقسيم المجتهدين في هذا الحديث إلى مصيب ومخطىء معنى.

وأسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات على الحق، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يوفق المسلمين في كل مكان إلى ما تحمد عاقبته في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

ص: 54