المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قوامة الرجل على المرأة،مفهومها، وحكمتها وسبب استحقاقها - النشوز بين الزوجين

[عايد الحربي]

الفصل: ‌قوامة الرجل على المرأة،مفهومها، وحكمتها وسبب استحقاقها

‌قوامة الرجل على المرأة،

مفهومها، وحكمتها وسبب استحقاقها

قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}

مناسبة الآية للآيات قبلها:

لما نهى سبحانه كلاً من الرجال والنساء عن تمني ما فضل الله به بعضهم على بعض، في أمر الكسب والمعاش، فقال تعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} (1) . وقد ورد أنها نزلت في قول أم سلمة: يا رسول الله، يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث،

فذكر هنا أسباب ذلك التفضيل (2) .

وقد أخرج ابن جرير الطبري بسنده عن الحسن البصري: أن رجلاً لطم امرأته، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يقصها منه فأنزل الله:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فتلاها

(1) سورة النساء، آية:(32) .

(2)

وانظر: تفسير الفخر الرازي 10/90، وتفسير المراغي 4/205.

ص: 17

عليه، وقال:"أردت أمراً وأراد الله غيره "(1) .

وأخرج نحوه عن قتادة، وابن جريج، والسدي (2) .

وبالنظر إلى ما تقدم في آيات المواريث من تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث بإعطائه مثل حظ الأنثيين، ثم النهي عن تمني الرجال والنساء ما فضل الله به بعضهم على بعض، كما ورد في سبب نزول قوله: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ

} الآية، يأتي قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ

} بياناً وإيضاحاً لسبب ذلك التفضيل، وتعليلاً وجواباً لما قد يرد من تساؤل حول تفضيل الرجال على النساء في أمور: كالميراث، والغزو، والإمامة، والشهادة، والدية، والولاية في النكاح، والطلاق، والرجعة، وغيرها؛ والله أعلم.

وقوام: صيغة مبالغة من القيام على الأمر، بمعنى حفظه ورعايته، فالرجل قوام على امرأته، كما يقوم الولي على رعيته بالأمر والنهي، والحفظ والصيانة (3) .

يقول محي الدين شيخ زاده في حاشيته على تفسير البيضاوي: القوام: اسم لمن يكون مبالغاً في القيام بالأمر، مسلطاً عليه، نافذ الحكم في حقه، ليصير كأنه أمير عليه، والقوام والقيم بمعنىً واحد، والقوام أبلغ، وهو القائم بالمصالح والتدبير والاهتمام بالحفظ (4) .

(1) تفسير الطبري 5/58، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/167، وزاد نسبته لابن أبي حاتم من طريق أشعث بن عبد الملك عن الحسن، كما نسبه السيوطي أيضاً لعبد بن حميد من طريق قتادة عن الحسن، وللفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق جرير بن حازم عن الحسن.

(2)

المصدر السابق.

(3)

تفسير آيات الأحكام للشيخ محمد علي السايس 2/96.

(4)

حاشية محي الدين زاده على تفسير البيضاوي 2/31.

ص: 18

وعلى هذا فقوامة الرجل على المرأة تستلزم رعايته لها، وتربيتها، وإصلاحها بما أوتي من عقل أكمل من عقلها، وعلم أغزر من علمها غالباً، وبعد نظر في مبادئ الأمور ونهاياتها أبعد من نظرها، يضاف إلى ذلك أنه دفع مهراً لم تدفعه، والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها (1) .

هذا مع ما أوتي الرجل من قوة وهيبة ليست لها، لذا استحق عليها شرعاً وعقلاً وفطرة الرئاسة والقوامة، ووجبت له عليها الطاعة بالمعروف.

قوله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}

أي: جعل الله القوامة للرجال على النساء لسببين: أحدهما: وهبي فطري، والآخر: كسبي.

وأشار إلى الأول بقوله: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، أي: يقومون عليهن بالحماية والرعاية والولاية والكفاية قيام الولاة على الرعية بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء، وذلك بما جعل لهم ما ليس لهن من الحول والقوة والاستعداد الفطري في أصل الخلقة، وكمال العقل والإدراك، واعتدال العاطفة، مع سداد في الرأي، وقوة في العزم، والحزم، والتحمل، وكذا بعد النظر، ومزيد القوة في العلوم والأعمال والطاعات.

وهذا لا يعني انعدام تلك الصفات في النساء، لكنها في الرجال أقوى وأكمل وأتم. فكان التفاوت في التكاليف والأحكام أثر التفاوت في الفطرة والاستعداد. ثم إن تلك القوامة إنما استحقت بالفضل، لا بالتغلب والاستطالة والقهر.

وأما السبب الآخر في استحقاق الرجال القوامة على النساء فهو كسبي، وأشار إليه بقوله:{وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أي: من المهور والنفقات والسكنى

(1) وانظر: أيسر التفاسير للشيخ أبي بكر الجزائري 1/396.

ص: 19

ونحوها مما أوجبه الله عليهم لهن في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالرجال أقدر على الكسب والتحصيل والتصرف في سائر الأمور، فلأجل هذا كانوا هم المكلفين بنفقة النساء ورعايتهن وحمايتهن، والقائمين بأمر الولاية والرئاسة عليهن.

وفي تفسير المنار: قوله: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ومن ذلك المهور، فإن في المهور تعويضاً للنساء ومكافأة على دخولهن بعقد الزوجية تحت رئاسة الرجال، فالشريعة كرمت المرأة إذ فرضت لها مكافأة عن أمر تقتضيه الفطرة ونظام المعيشة، وهو أن يكون زوجها قيماً عليها، فجعل هذا الأمر من قبيل الأمور العرفية التي يتواضع الناس عليها بالعقود لأجل المصلحة

فلا ينبغي للرجل أن يبغي بفضل قوته على المرأة، ولا للمرأة أن تستثقل فضله وتعده خافضاً لقدرها

وقد مضت الحكمة في فضل الرجل على المرأة في القوة والقدرة على الكسب والحماية، وذلك هو الذي يتيسر لها به القيام بوظيفتها الفطرية، وهي الحمل والولادة وتربية الأطفال، وهي آمنة في سربها، مكفية ما يهمها من أمر رزقها

(1) .

وجاء في تفسير آيات الأحكام للشيخ محمد علي الصابوني: قضت السنة الكونية وظروف الحياة الاجتماعية أن يكون في الأسرة قيم يدير شؤونها، ويتعهد أحوالها، وينفق من ماله عليها، لتؤدي رسالتها على أكمل الوجوه، ولتكون نواةً للمجتمع الإنساني الذي ينشده الإسلام، إذ في صلاح الأسرة صلاح المجتمع، وفي فساد الأسرة وخرابها خراب المجتمع.

ولما كان الرجل أقدر على تحمل هذه المسؤولية من المرأة، بما وهبه الله من العقل وقوة العزيمة والإرادة، وبما كلفه من السعي والإنفاق على المرأة

(1) تفسير المنار 5/67-69.

ص: 20

والأولاد، كان هو الأحق بهذه القوامة، التي هي في الحقيقة درجة مسؤولية وتكليف

وليست للسيطرة والاستعلاء، إذ لابد لكل أمر هام من رئيس يتولى شؤون التدبير والقيادة. وقد جعل الله للرجال حق القيام على النساء بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة (1) .

والحاصل: أن الرجل أكمل من المرأة، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية والدنيوية، والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض، وغير ذلك من الأعمال والصنائع.

ويقول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:

هذا خبر وأمر، أي: الرجال قوامون على النساء في أمور الدين والدنيا، يلزمونهن بحقوق الله، والمحافظة على فرائضه، ويكفونهن عن جميع المعاصي والمفاسد، وبتقويمهن بالأخلاق الجميلة والآداب الطيبة. وقوامون أيضا عليهن بواجباتهن من النفقة والكسوة والمسكن وتوابع ذلك؛ {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ، أي: ذلك بسبب فضل الرجال عليهن وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات كلها مختصة بالرجال، وكذا النبوة والرسالة، وباختصاصهم بالجهاد البدني، ووجوب الجماعة والجمعة ونحو ذلك، وبما تميزوا به عن النساء من العقل والرزانة والحفظ والصبر والجلد والقوة التي ليست للنساء، وكذلك يده هي العليا عليها بالنفقات المتنوعة، بل وكثير من النفقات الأخر والمشاريع الخيرية، فإن الرجال يفضلون النساء بذلك كما هو مشاهد، ولهذا حذف المتعلق في قوله:{وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ، ليدل على التعميم، فعلم من ذلك أن الرجل

(1) تفسير آيات الأحكام للصابوني 1/473-474.

ص: 21

كالوالي والسيد على امرأته، وهي عنده أسيرة عانية تحت أمره وطاعته، فليتق الله في أمرها، وليقومها تقويما ينفعه في دينه ودنياه، وفي بيته وعائلته، يجد ثمرات ذلك عاجلاً وآجلاً، وإلا يفعل فلا يلومن إلا نفسه (1) .

وحول بعض المباحث اللغوية والبلاغية في الآية يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي، ولذلك قال:{بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أي بتفضيل الله بعضهم على بعض، وبإنفاقهم من أموالهم إن كانت ((ما)) في الجملتين مصدرية، أو بالذي فضل الله به بعضهم، وبالذي أنفقوه من أموالهم إن كانت ((ما)) فيهما موصولة

فالتفضيل هو المزايا الجبلية التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرجل في الذب عنها وحراستها

وهذا التفضيل ظهرت آثاره على مر العصور والأجيال، فصار حقا مكتسباً للرجال، وهذه حجة برهانية على كون الرجال قوامين على النساء، فإن حاجة النساء إلى الرجال من هذه الناحية مستمرة، وإن كانت تقوى وتضعف.

وقولُه: {وَبِمَا أَنْفَقُوا} جيء بصيغة الماضي للإيماء إلى أن ذلك أمر قد تقرر في المجتمعات الإنسانية منذ القدم، فالرجال هم العائلون لنساء العائلة، من أزواج وبنات. وأضيفت الأموال إلى ضمير الرجال، لأن الاكتساب من شأن الرجال، فقد كان في عصور البداوة بالصيد وبالغارة وبالغنائم والحرث، وذلك من عمل الرجال، وزاد اكتساب الرجال في عصور الحضارة بالغرس والتجارة والإجارة والأبنية ونحو ذلك، وهذه حجة خطابية، لأنها ترجع إلى مصطلح غالب البشر، لاسيما العرب.. ومن بديع الإعجاز صوغ قوله: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ

(1) تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن ص 108-109.

ص: 22

بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} في قالب صالح للمصدرية وللموصولية، فالمصدرية مشعرة بأن القيامية سببها تفضيل من الله وإنفاق. والموصولية مشعرة بأن سببها ما يعلمه الناس من فضل الرجال ومن إنفاقهم، ليصلح الخطاب للفريقين، عالمهم وجاهلهم

ولأن في الإتيان بـ ((ما)) مع الفعل على تقدير احتمال المصدرية جزالة لا توجد في قولنا: بتفضيل الله وبالإنفاق، لأن العرب يرجحون الأفعال على الأسماء في طرق التعبير (1) .

(1) التحرير والتنوير 5/39-40.

ص: 23