المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المرحلة الثانية: مرحلة الهجر في المضاجع - النشوز بين الزوجين

[عايد الحربي]

الفصل: ‌المرحلة الثانية: مرحلة الهجر في المضاجع

سوء العاقبة في الدنيا، بذكر ما يترتب على ذلك من قطع حقوقها وإباحة هجرها وضربها ومنعها بعض طلباتها ورغباتها ونحو ذلك. واللبيب لا يخفى عليه الوعظ الذي له المحل في قلب امرأته (1) .

(1) انظر: تفسير المنار5/72، وتيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن للشيخ عبد الرحمن السعدي ص 109.

ص: 30

‌المرحلة الثانية: مرحلة الهجر في المضاجع

قوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}

هذا لمن لم يتقومن بالوعظ والتذكير، ومعنى ((واهجروهن)) : من الهجران، وهو البعد، يقال: هجره أي تباعد منه ونأى عنه وتركه. والمضاجع: جمع مضجع، وهو محل الاضطجاع.

قال ابن عباس: هجرها بأن يوليها ظهره في الفراش، ولا يلتفت إليها، وفي ضمنه ترك كلامها وجماعها. وإذا هجرها في المضجع فإن كانت تحب الزوج شق ذلك عليها، وإن كانت تبغضه وافقها ذلك الهجران، فدل على كمال نشوزها. وقيل: المضاجع المبايت، والمراد تركهن منفردات في حجرهن ومحل مبيتهن، وفي ذلك ترك جماعهن وكلامهن. وقيل: الهجران في المضاجع كناية عن ترك الجماع، لأن إضافة الهجران إلى المضاجع يفيد ذلك. وقيل:(في) للسببية، أي اهجروهن بسبب المضاجع، أي بسبب تخلفهن عن المضاجعة، وإليه يشير كلام ابن عباس رضي الله عنهما، فالهجران على هذا بالمنطق، قال عكرمة: بأن يغلظ لها القول. وقيل: اهجروهن: أي شدوهن بالوثاق في بيوتهن، من قولهم: هجر البعير، أي ربطه بالهجار، وهو حبل يشد به البعير (2) . واختاره

(2) انظر: تفسير الطبري 5/63-65، وتفسير القرطبي 5/171، وتفسير الآلوسي 5/25.

ص: 30

الطبري رحمه الله دون سائر الأقوال، وانتصر له (1) .

وهو وجه بعيد في تفسير الآية، وقد رده المفسرون؛ جاء في تفسير المنار: وأما الهجر فهو ضرب من ضروب التأديب لمن تحب زوجها، ويشق عليها هجره إياها، وذهب بعض المفسرين - ومنهم ابن جرير الطبري - أن المرأة التي تنشز لا تبالي بهجر زوجها، بمعنى إعراضه عنها، وقالوا: إن معنى ((واهجروهن)) قيدوهن، من هجر البعير إذا شده بالهجار وهو القيد الذي يقيد به، وليس هذا الذي قالوه بشيء، وما هم بالواقفين على أخلاق النساء وطباعهن، فإن منهن من تحب زوجها ويزين لها الطيش والرعونة النشوز عليه، ومنهن من تنشز امتحاناً لزوجها، ليظهر لها أو للناس مقدار شغفه بها وحرصه على رضاها

ومنهن من تنشز لتحمل زوجها على إرضائها بما تطلب من الحلي والحلل أو غير ذلك، ومنهن من يغريها أهلها بالنشوز لمآرب لهم

، وفي الهجر في المضجع نفسه معنى لا يتحقق بهجر المضجع أو البيت الذي هو فيه، لأن الاجتماع في المضجع هو الذي يهيج شعور الزوجية، فتسكن نفس كل من الزوجين إلى الآخر، ويزول اضطرابهما الذي أثارته الحوادث قبل ذلك، فإذا هجر الرجل المرأة وأعرض عنها في هذه الحالة رجي أن يدعوها ذلك الشعور والسكون النفسي إلى سؤاله عن السبب، ويهبط بها من نشز المخالفة إلى صفصف الموافقة (2) .

وفي في ظلال القرآن: قوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} : والمضجع هو موضع الإغراء والجاذبية التي تبلغ فيها المرأة الناشز المتعالية قمة سلطانها، فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء، فقد أسقط من يد المرأة الناشز

(1) تفسير الطبري 5/65-66.

(2)

تفسير المنار 5/72-83.

ص: 31