المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نشوز الزوجة، مفهومه، وكيفية معالجته من قبل الزوج - النشوز بين الزوجين

[عايد الحربي]

الفصل: ‌نشوز الزوجة، مفهومه، وكيفية معالجته من قبل الزوج

‌نشوز الزوجة، مفهومه، وكيفية معالجته من قبل الزوج

قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}

هذا هو القسم الثاني من قسمي النساء اللاتي جعل الله للرجال عليهن حق القيام كما سبق، وهو خطاب للأزواج وإرشاد لهم إلى طريق القيام عليهن.

(واللاتي) جمع التي، (تخافون) الخوف: هو ما يحصل للمرء من شعور بالفزع، وعدم الأمن عند توقع ضرر أو مكروه، وذلك بظهور بعض الإمارات الدالة عليه. (نشوزهن) : نشوز المرأة ترفعها على الزوج بمخالفته ومعصيته فيما يلزمها من طاعته، مأخوذ من نشز الأرض، وهو الموضع المرتفع منها (1) .

يقول ابن جرير الطبري رحمه الله: وأما قوله: (نشوزهن) فإنه يعني استعلاءهن على أزواجهن، وارتفاعهن عن فرشهم بالمعصية منهن، والخلاف عليهم فيما لزمهن طاعتهم فيه، بغضاً منهن وإعراضاً عنهم.

وأصل النشوز: الارتفاع، ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض نشز، ونشاز (2) .

ونقل الفخر الرازي عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله: النشوز قد يكون قولاً وقد يكون فعلا، فالقول مثل أن كانت تلبيه إذا دعاها، وتخضع له بالقول إذا خاطبها، ثم تغيرت، والفعل مثل أن كانت تقوم إليه إذا دخل عليها، أو كانت

تسارع إلى أمره وتبادر إلى فراشه باستبشار إذا التمسها، ثم إنها تغيرت

(1) أحكام القرآن للجصاص 2/189، وتفسير الفخر الرازي 10/92-93.

(2)

تفسير الطبري 5/62.

ص: 27

عن كل ذلك، فهذه إمارات دالة على نشوزها وعصيانها، فحينئذ ظُنّ نشوزها، ومقدمات هذه الأحوال توجب خوف النشوز (1) .

وفي تفسير المنار: قوله عز وجل: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ

} النشوز في الأصل بمعنى الارتفاع، فالمرأة التي تخرج عن حقوق الرجل قد ترفعت عليه، وحاولت أن تكون فوق رئيسها، بل ترفعت أيضا عن طبيعتها وما يقتضيه نظام الفطرة في التعامل، فتكون كالناشز من الأرض الذي خرج عن الاستواء، وقد فسر بعضهم خوف النشوز بتوقعه فقط، وبعضهم بالعلم به، ولكن يقال لم ترك لفظ العلم واستبدل به لفظ الخوف، أو لِمَ لم يقل: واللاتي ينشزن؟، لا جرم أن في تعبير القرآن حكمة لطيفة، وهي: أن الله تعالى لما كان يحب أن تكون المعيشة بين الزوجين معيشة محبة ومودة وتراض والتئام لم يشأ أن يسند النشوز إلى النساء إسناداً يدل على أن من شأنه أن يقع منهن فعلاً، بل عبر عن ذلك بعبارة تومئ إلى أن من شأنه أن لا يقع، لأنه خروج عن الأصل الذي يقوم به نظام الفطرة، وتطيب به المعيشة، ففي هذا التعبير تنبيه لطيف إلى مكانة المرأة وما هو أولى في شأنها، وإلى ما يجب على الرجل من السياسة لها وحسن التلطف في معاملتها، حتى إذا آنس منها ما يخشى أن يؤول إلى الترفع وعدم القيام بحقوق الزوجية، فعليه أولاً أن يبدأ بالوعظ الذي يرى أنه يؤثر في نفسها

(2) .

(1) تفسير الفخر الرازي 10/92.

(2)

تفسير المنار 5/72.

ص: 28