الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزنبري سعيد بن دَاوُد
أَبُو زنبور الْكَاتِب الْحُسَيْن بن أَحْمد
(أَبُو مُحَمَّد اللباد)
زَنْجوَيْه بن مُحَمَّد بن الْحسن الزَّاهِد أَبُو مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي اللباد أحد الْمُجْتَهدين فِي الْعِبَادَة
سمع مُحَمَّد بن رَافع وَمُحَمّد بن أسلم وَالْحسن بن عِيسَى البسطامي وَحميد بن الرّبيع والرمادي
وروى عَنهُ أَبُو عَليّ الْحَافِظ وَأَبُو الْفضل إِبْرَاهِيم الْهَاشِمِي وَأَبُو مُحَمَّد المخلدي
وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وَثَلَاث مائَة
(أَبُو دلامة)
زند بالنُّون بعد الزَّاي سَاكِنة بن الجون هُوَ أَبُو دلامة بِضَم الدَّال كَانَ صَاحب نَوَادِر وأخبار وأدب ونظم وَكَانَ عبدا أسود توفّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَة
توفّي للمنصور ابْنة عَم فَحَضَرَ جنازتها وَجلسَ لدفنها وَهُوَ متألم لفقدها كئيب عَلَيْهَا فَأقبل أَبُو دلامة وَجلسَ قَرِيبا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور وَيحك مَا أَعدَدْت لهَذَا الْمَكَان وَأَشَارَ إِلَى الْقَبْر
فَقَالَ ابْنة عَم أَمِير الْمُؤمنِينَ فَضَحِك الْمَنْصُور حَتَّى اسْتلْقى ثمَّ قَالَ لَهُ وَيحك فضحتنا بَين النَّاس
وَكَانَ روح بن حَاتِم المهلبي والياً على الْبَصْرَة فَخرج إِلَى حَرْب الجيوش الخراسانية وَمَعَهُ أَبُو دلامة فَخرج فِي صف الْعَدو مبارز فَخرج إِلَيْهِ جمَاعَة فَقَتلهُمْ فَتقدم روح إِلَى أبي دلامة بمبارزته فَامْتنعَ فألزمه فاستعفاه فَلم يعفه فأنشده أَبُو دلامة من الْبَسِيط
(إِنِّي أعوذ بِروح أَن يقدمني
…
إِلَى الْقِتَال فيخزى بِي بَنو أَسد)
(إِن الْمُهلب حب الْمَوْت أورثكم
…
وَلم أرث أَنا حب الْمَوْت عَن أحد)
(إِن الدنو إِلَى الْأَعْدَاء أعلمهُ
…
مِمَّا يفرق بَين الْمَرْء والجسد)
فأقسم عَلَيْهِ ليخرجن وَقَالَ وَلم تَأْخُذ رزق السُّلْطَان قَالَ لأقاتل عَنهُ قَالَ فَمَا لَك لَا تبرز إِلَى عَدو الله فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير إِن خرجت إِلَيْهِ لحقت بِمن مضى وَمَا الشَّرْط أَن أقتل عَن السُّلْطَان بل أقَاتل عَنهُ
فَحلف روح ليخرجن إِلَيْهِ فيقتله أَو يأسره أَو يقتل دون ذَلِك فَلَمَّا رأى أَبُو دلامة الْجد مِنْهُ قَالَ أَيهَا الْأَمِير تعلم أَن هَذَا أول يَوْم من أَيَّام الْآخِرَة وَلَا بُد فِيهِ من الزوادة فَأمر لَهُ بذلك فَأخذ رغيفاً مطوياً على دجَاجَة وَلحم وسطيحة شراب وشيئاً من نقل)
وَشهر سَيْفه وَحمل وَكَانَ تَحْتَهُ فرس جواد فَأقبل يجول ويلعب بِالرُّمْحِ وَكَانَ مليحاً فِي الميدان والفارس يلاحظه وَيطْلب مِنْهُ غرَّة حَتَّى إِذا وجدهَا حمل عَلَيْهِ وَالْغُبَار كالليل
فأغمد أَبُو دلامة سَيْفه وَقَالَ للرجل لَا تعجل واسمع مني عافاك الله كَلِمَات ألقيهن إِلَيْك فَإِنَّمَا أَتَيْتُك فِي مُهِمّ فَوقف مُقَابِله وَقَالَ مَا هُوَ المهم قَالَ أتعرفني قَالَ لَا قَالَ أَنا أَبُو دلامة قَالَ قد سَمِعت بك حياك الله فَكيف برزت إِلَيّ وطمعت فِي بعد من قتلت من أَصْحَابك قَالَ مَا خرجت لأقتلك وَلَا لأقاتلك وَلَكِنِّي رَأَيْت لباقتك وشهامتك فاشتهيت أَن تكون لي صديقا وَإِن لأدلك على مَا هُوَ أحسن من قتالنا قَالَ قل على بركَة الله قَالَ أَرَاك قد تعبت وَأَنت بِغَيْر شكّ جوعان ظمآن قَالَ كَذَلِك هُوَ قَالَ فَمَا علينا من خُرَاسَان وَالْعراق إِن معي لَحْمًا وخبزاً وَشَرَابًا ونقلاً كَمَا يتَمَنَّى المتمني وَهَذَا غَدِير مَاء نمير بِالْقربِ منا فَهَلُمَّ بِنَا إِلَيْهِ نصطبح وأترنم لَك بِشَيْء من حداء الْأَعْرَاب فَقَالَ هَذَا غَايَة أملي فَقَالَ فها أَنا أستطرد لَك فاتبعني حَتَّى نخرج من حلق الطعان ففعلا وروح يتطلب أَبَا دلامة فَلَا يجده والخراسانية تتطلب فارسها فَلَا تَجدهُ فَلَمَّا طابت نفس الْخُرَاسَانِي قَالَ لَهُ أَبُو دلامة إِن روحاً كَمَا علمت من أَبنَاء الْكَرم وحسبك بِابْن الْمُهلب جواداً وَإنَّهُ ليبذل لَك خلعة فاخرة وفرساً جواداً ومركباً مفضضاً وسيفاً محلى ورمحاً طَويلا وَجَارِيَة بربرية وَإنَّهُ فِي أَكثر الْعَطاء وَهَذَا خَاتِمَة معي لَك بذلك فَقَالَ وَيحك مَا أصنع بأهلي وعيالي فَقَالَ استخر الله تَعَالَى وسر معي ودع أهلك فَالْكل يخلف عَلَيْك فَقَالَ سر بِنَا على بركَة الله فسارا حَتَّى قدما من وَرَاء الْعَسْكَر فهجما على روح فَقَالَ يَا أَبَا دلامة أَيْن كنت قَالَ فِي حَاجَتك أما قتل الرجل فَمَا أطقته وَأما سفك دمي فَمَا طبت بِهِ نفسا وَأما الرُّجُوع خائباً فَلم أقدم عَلَيْهِ وَقد تلطفت بِهِ وَأَتَيْتُك بِهِ وَهُوَ أَسِير كرمك وَقد بذلت لَهُ عَنْك كَيْت وَكَيْت فَقَالَ يمضى إِذا وثق لي قَالَ بِمَ ذَا قَالَ بِنَقْل أَهله قَالَ الرجل أَهلِي على بعد وَلَا يمكنني نقلهم الْآن وَلَكِن آمدد يدك أصافحك وأحلف لَك مُتَبَرعا بِطَلَاق الزَّوْجَة أَنِّي لَا أخونك فَإِن لم أُفٍّ إِذا حَلَفت بِطَلَاقِهَا فَلَا ينفعك نقلهَا
فَقَالَ صدقت فَحلف لَهُ وعاهده ووفى لَهُ بِمَا ضمنه أَبُو دلامة وَزَاد عَلَيْهِ وانقلب الْخُرَاسَانِي يُقَاتل الخراسانية وينكي فيهم أَشد نكاية وَكَانَ ذَلِك أكبر أَسبَاب الظفر لروح
وَكَانَ الْمَنْصُور قد أَمر بهدم دور كَثِيرَة مِنْهَا دَار أبي دلامة فَكتب إِلَى الْمَنْصُور من الْخَفِيف
(يَا ابْن عَم النَّبِي دَعْوَة شيخ
…
قد دنا هدم دَاره وبواره)
)
(فَهُوَ كالماخض الَّتِي اعتادها الطل
…
ق فقرت وَمَا يقر قراره)
(لكم الأَرْض كلهَا فأعيروا
…
عبدكم مَا احتوى عَلَيْهِ جِدَاره)
وَلما قدم الْمهْدي من الرّيّ إِلَى بَغْدَاد دخل عَلَيْهِ أَبُو دلامة للسلام والهناء بقدومه فَأقبل عَلَيْهِ الْمهْدي فَقَالَ كَيفَ أَنْت أَبَا دلامة قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من الْكَامِل
(إِنِّي حَلَفت لَئِن رَأَيْتُك سالما
…
بقرى الْعرَاق وَأَنت ذُو وفر)
(لتصلين على النَّبِي مُحَمَّد
…
ولتملأن دراهماً حجري)
قَالَ الْمهْدي أما الأولى فَنعم وَأما الثَّانِيَة فَلَا فَقَالَ جعلني الله فدَاك إنَّهُمَا كلمتان لَا يفرق بَينهمَا فَقَالَ يمْلَأ حجر أبي دلامة دَرَاهِم
فَقعدَ وَبسط حجره فملئ دَرَاهِم فَقَالَ قُم الْآن يَا أَبَا دلامة فَقَالَ يتخرق قَمِيصِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى أشيل الدَّرَاهِم وأقوم فَردهَا إِلَى الأكياس وَقَامَ
وَمرض وَلَده فاستدعى طَبِيبا ليداويه وَجعل لَهُ جعلا فَلَمَّا برِئ قَالَ لَهُ وَالله مَا عندنَا مَا نعطيك وَلَكِن ادْع على فلَان الْيَهُودِيّ وَكَانَ ذَا مَال بِمِقْدَار الْجعل وَأَنا وَوَلَدي نشْهد لَك
فَمضى الطَّبِيب إِلَى قَاضِي الْكُوفَة يَوْمئِذٍ وَكَانَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَقيل عبد الله بن شبْرمَة وَحمل إِلَيْهِ الْيَهُودِيّ الْمَذْكُور وَادّعى عَلَيْهِ فَأنْكر الْيَهُودِيّ
فَقَالَ لي بَيِّنَة وَخرج لإحضارها فأحضر أَبَا دلامة وَابْنه فدخلا إِلَى الْمجْلس وَخَافَ أَبُو دلامة أَن يُطَالِبهُ القَاضِي بالتزكية فَأَنْشد فِي الدهليز قبل دُخُوله بِحَيْثُ يسمع القَاضِي من الطَّوِيل
(إِن النَّاس غطوني تغطيت عَنْهُم
…
وَإِن بحثوا عني ففيهم مبَاحث)
(وَإِن نبثوا بئري نبثت بئارهم
…
قوم كَيفَ تِلْكَ النبائث)
ثمَّ حضرا بَين يَدي القَاضِي وأديا الشَّهَادَة فَقَالَ كلامك مسموع وشهادتك مَقْبُولَة ثمَّ غرم الْمبلغ من عِنْده وَأطلق الْيَهُودِيّ وَمَا أمكنه أَن يرد شَهَادَتهمَا خوفًا من لِسَان أبي دلامة وَقَول الحريري فِي المقامة الْأَرْبَعين وَأَنت تعلم أَنَّك أَحْقَر من قلامة وأعيب من بغلة أبي دلامة
كَانَت لأبي دلامة بغلة يركبهَا فِي مواكب الْخُلَفَاء والكبراء ويضحكهم بشماسها وحرانها وقماصها وَقد جمعت جَمِيع المعايب فَذكر بعض عيوبها فِي قصيدة وَهِي
(أبعد الْخَيل أركبها كراما
…
وَبعد الفره من خضر البغال)
(رزقت بغيلة فِيهَا وكال
…
وليته لم يكن غير الوكال)
)
(رَأَيْت عيوبها كثرت فَلَيْسَتْ
…
وَإِن أكثرت ثمَّ من الْمقَال)
(ليحصي منطقي وَكَلَام غَيْرِي
…
عشير خصالها شَرّ الْخِصَال)
(فأهون عيبها أَنِّي إِذا مَا
…
نزلت فَقلت امشي لَا أُبَالِي)
(تقوم فَمَا تبت هُنَاكَ شبْرًا
…
وترمحني وَتَأْخُذ فِي قتالي)
(وَأَنِّي إِن ركبت أذبت نَفسِي
…
بِضَرْب بِالْيَمِينِ وبالشمال)
(وبالرجلين أركلها جَمِيعًا
…
فيا لي فِي الشَّقَاء وَفِي الكلال)
(أَتَانِي خائب يبْتَاع مني
…
قديم فِي الخبارة والضلال)
(فَلَمَّا ابتاعها مني وبتت
…
لَهُ فِي البيع غير المستقال)
(أخذت بِثَوْبِهِ أبرئت مِمَّا
…
أعد عَلَيْك من سوء الْخلال)
(بَرِئت إِلَيْك من مششي يَديهَا
…
وَمن جرد وَمن بَلل المخال)
(وَمن فتق بهَا فِي الْبَطن ضخم
…
وَمن عقالها وَمن انْتِقَال)
(وَمن قطع اللِّسَان وَمن بَيَاض
…
بعينيها وَمن قرض الحبال)
(وَمن عض الْغُلَام وَمن خراط
…
إِذا مَا هم صحبك بارتحال)
(وأقطف من فريخ الذَّر مشياً
…
بهَا عرن وداء من سلال)
(وتكسر سرجها أبدا شماساً
…
وتقمص للأكاف على اغتيال)
(وَيُدبر ظهرهَا من مسح كف
…
وتهزل فِي الجمام من الْجلَال)
(تظل لركبة مِنْهَا وقيذاً
…
يخَاف عَلَيْك من ورم الطحال)
(ومثفار تقدم كل سرج
…
تصير دفتيه على القذال)
(وتحفى لَو تسير على الحشايا
…
وَلَو تمشي على دمث الرمال)
(إِذا استعجلتها عثرت وبالت
…
وَقَامَت سَاعَة عِنْد المبال)
(تفكر أَيْن تعمدني فتقطو
…
كَأَن برجلها قيد الشكال)
(وتضرط أَرْبَعِينَ إِذا وقفنا
…
على أهل الْمجَالِس للسؤال)
(فتقطع منطقي وتحول بيني
…
وَبَين حَدِيثهمْ مِمَّا يوالي)
(وتذعر للدجاجة أَن ترَاهَا
…
وتنفر للصفير وللخيال)
(فَأَما الاعتلاف فأدن مِنْهَا
…
من الأتبان أَمْثَال الْجبَال)
)
(وَأما القت فأت بِأَلف وقر
…
كأعظم حمل أحمال الْجمال)
(فلست بعالف مِنْهُ ثَلَاثًا
…
وعندك مِنْهُ عود للخلال)
(وَإِن عطشت فأوردها دجيلاً
…
إِذا أوردت أَو نهري بِلَال)
(فَذَاك لِرَبِّهَا سقيت حميماً
…
وَإِن مد الْفُرَات فللنهال)
(وَكَانَت قارحاً أَيَّام كسْرَى
…
وتذكر تبعا عِنْد الفصال)
(وَقد دبرت ونعمان صبي
…
وَقبل فصاله تِلْكَ اللَّيَالِي)
(وتذكر إِذْ نشا بهْرَام جور
…
وعامله على خرج الجوالي)