الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ص 136]
حديث أم سلمة
قال الإمام أحمد في "مسنده"
(1)
(جزء 6 ص 299): ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا يزيد بن أبي حبيب عن ناعم مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُبنى على القبر أو يُجَصَّص".
ثنا علي بن إسحاق ثنا عبد الله (يعني ابن المبارك) أخبرنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب عن ناعم مولى أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "نهى أن يُجَصص قبر، أو يُبنى عليه، أو يُجْلَس عليه".اهـ.
[ص 137] في ابن لهيعة كلام كثير، ولكن فصل الخطاب فيه ما ذكره الذهبي في "الميزان"
(2)
قال: "قال ابن حبان: قد سبرتُ أخباره من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه، فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجودًا وما لا أصل له في رواية المتقدمين كثيرًا، فرجعت إلى الاعتبار، فرأيته كان يدلس عن أقوام ضعفاء على أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات، فألزق تلك الموضوعات بهم" ا?.
أقول: قوله "ضعفاء" أي: عند الناس فلا ينافي أن يكون ابن لهيعة يظنهم ثقات.
إذا تقرر هذا، فحديث المتقدمين صحيح، لا يخشى منه إلا التدليس، فإذا جاء من روايتهم ما صرَّح فيه ابن لهيعة بالتحديث فهو صحيح.
(1)
رقم (26566، 26567).
(2)
(3/ 189 - 197).
لكن في "الميزان": "وقال أبو زرعة: سماع الأوائل والأواخر منه سواء، إلا ابن المبارك وابن وهب كانا يتتبعان أصوله، [ص 138] وليس ممن يحتج به" ا? .
وقال ابن مهدي والإمام أحمد وأحمد بن صالح والفلاس وغيرهم: إن رواية المتقدمين عنه صحيحة.
والحافظ عبد الغني والساجي وغيرهما: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح.
وقال أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلَّابًا للعلم، وقد ضعّفه قوم مطلقًا. ونصّ بعضُهم: أنه ضعيف أولًا وآخرًا.
والحق ما حققه ابن حبان، فإنه قد حقق ما ظنوه وفصَّل ما أجملوه.
إذا تقرر هذا، فحديث الباب:
الرواية الأولى: حسن ثنا ابن لهيعة: ضعيفة.
والثانية: من حديث ابن المبارك أخبرنا ابن لهيعة حدثني
…
إلخ: فهي صحيحة، لأن ابن المبارك من العبادلة، ومن المتقدمين، وممن كان يتتبع كتبَ ابن لهيعة، وقد صرَّح ابن لهيعة بالتحديث.
فالظاهر أن ما في الرواية الأولى من زيادة الوصل، ونقص ذكر الجلوس من التخليط، فالحكم للمرسل [ص 139]، فالحديث مرسل صحيح.
فأما من يحتج بالمرسل وحده، فهو عنده حجة مستقلة.
وأما من يشترط أن يعتضد؛ فهو عنده حجة لما تقدم من العواضد.
ويؤيده أن ناعمًا مع إدراكه كثيرًا من الصحابة، قليل الحديث، لم يحدِّث إلا عن مولاته أم سلمة، وعن عبد الله بن عَمرو، فالظاهر أن إرساله مما سمعه من الصحابة. والله أعلم.
[ص 140] تتمة لحديث جابر وأبي سعيد وناعم
لو فُرِض أنّ ابنَ جريج لم يسمع هذا الحديث من سليمان، فلا بد أن يكون قد سمعه ممن هو ثقة عنده على الأقل، وهذا الذي يكون ثقة عند ابن جريج أقل ما فيه أن يكون صالحًا للمتابعة.
ثم إذا فُرِض أن سليمان لم يسمع من جابر، فكذلك لابد أن يكون سمعه ممن هو ثقة عنده، وكذلك يقال في القاسم وناعم، وذلك أن توثيق الأئمة لهؤلاء يتضمن أنهم لا يرسلون إلا عن ثقة مطلقًا أو على الأقل عندهم، إذ لو كانوا يرسلون عن الضعفاء المتفق على ضعفهم لَمَا كانوا ثقات.
وقد صرحوا أن من جملة الضعيف الذي يتقوّى فيصير حسنًا: ما كان فيه تدليس بالعنعنة، أو انقطاع بين ثقتين حافظين. انظر "فتح"
(1)
(ص 24).
مع أن حديث ناعم مرسل فهو حجة، إما بمفرده، وإما بعواضده.
فعلى تسليم المطاعن كلها، لا يقصر الحديث عن بلوغه أعلى درجة الصحيح لغيره؛ فكيف وقد أجبنا عنها ولله الحمد، [ص 141] فكيف إذا لوحظ حديث فَضالة وحديث عليّ، وعمل الصحابة والآثار المروية عنهم، مع موافقة آية المواراة
(2)
.
(1)
(1/ 75).
(2)
وهي قوله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} [المائدة: 31].
والأصل الفطري والقياس المعبر عنه: بأن القبر بيت البِلَى لا يناسبه الإحْكام والزخرفة.
والقياس على السنة المتواترة في تغليظ حُرْمة اتخاذ المساجد عليها.
وإن كان هذا القياس أدون، مع ما في البناء ونحوه من تضييع المال أولًا: بإنفاق ما يستدعيه البناء.
وثانيًا: بتضييع تلك البقعة لاقتضاء البناء بقاءها كذلك ولو بعد البلى.
وملاحظة ما أدى إليه البناء ونحوه من تعظيم القبور.
كلُّ ذلك مما يفيد العلم القطعي بصحة معنى هذه الأحاديث، والله عز وجل أعلم.