المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة خمسين وأربعمائة: - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٣٠

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثلاثون

- ‌الطبقة الخامسة والأربعون

- ‌أحداث سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

- ‌أحداث سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة أربع وأربعين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة خمس وأربعين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة ست وأربعين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة سبع وأربعين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة ثمان وأربعين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة تسع وأربعين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة خمسين وأربعمائة:

- ‌وفيات الطبقة الخامسة والأربعون:

- ‌الطّبقة السّادسة والَأربعين

- ‌حوادث سنة إحدى وخمسين وأربعمائة على سبيل الاختصار

- ‌أحداث سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة:وقعة الفُنَيْدِق:

- ‌أحداث سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة:وزارة ابن دارست:

- ‌أحداث سنة أربع وخمسين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة خمس وخمسين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة ست وخمسين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة سبع وخمسين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة ثمان وخمسين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة تسع وخمسين وأربعمائة:

- ‌أحداث سنة ستين وأربعمائة:

- ‌وفيات الطبقة السادسة والأربعين

- ‌الفهرس العام للكتاب:

الفصل: ‌أحداث سنة خمسين وأربعمائة:

فكانوا يحفرون الحفائر ويُلقون فيها الموتى ويَطُمُّونهم1.

الفناء الكبير ببخارى وسمرقند:

وأمَّا بُخارى وسَمَرْقنْد وتلك الديار، فكان الوباء بها لَا يُحَدُّ ولا يوصَف، بل يستَحَى من ذِكره، حتّى قيل: إنه مات ببُخارى وأعمالها في الوباء ألف ألف وستمائة ألف نسمة2.

1 البداية والنهاية "12/ 70"، وشذرات الذهب "3/ 279".

2 الكامل في التاريخ "9/ 637"، ودول الإسلام "1/ 264".

ص: 18

‌أحداث سنة خمسين وأربعمائة:

خلع القائم بأمر اللَّه، والخطبة للمستنصر بالعراق:

فيها خُطِبَ للمستنصر باللَّه العُبيْديّ على منابر العراق1، وخُلِع القائم بأمر اللَّه.

وكان من قصة ذلك أنَّ السّلطان طغرلبك اشتغل بحصار تلك النواحي ونازل الموصل، ثم توجه إلى نصيبين لفتح الجزيرة وتمهيدها، وراسل البساسيريُّ إبراهيم ينال أخا السُّلطان يعِدهُ ويمنِّيه ويطمِّعه في المُلك، فأصغى إليه وخالف أخاه، وساق في طائفةٍ من العسكر إلى الرّيّ.

فانزعج السُّلطان وسار وراءه، وترك بعض العسكر بديار بكر مع زوجته ووزيره عميد المُلْك الكُنْدُريّ2 وربيبه أنوشروان. فتفرَّقت العساكر، وعادت زوجته الخاتون بالعسكر إلى بغداد3.

وأمَّا السلطان فالتقى هو وأخوه فظَهَر عليه أخوه، فدخل السّلطان همدان، فنازله أخوه وحاصره، فعزمت على إنجاد زوجها، واختبطت بغداد، واستفحل البلاء، وقامت الفتنة على ساق، وتمَّ للبساسيريّ ما دبَّرَ من المكر، وأرجف الناس بمجيء البساسيري إلى بغدد، ونفر الوزير الكُندري وأنوشروان إلى الجانب الغربيّ

1 أخبار مصر لابن ميسر "2/ 10"، وتاريخ الخلفاء "418".

2 الكندي: نسبة إلى بيع الكندر الذي يمضغه الإنسان "اللباب".

3 البداية والنهاية "12/ 76"، والنجوم الزاهرة "5/ 5".

ص: 18

وقطَعَا الجسر، ونهبت الغّزّ دار الخاتون، وأكل القويُّ الضعيف، وجرت أمور هائلة1.

دخول البساسيري بغداد:

ثم دخل البساسيريّ بغداد في ثامن ذي القعدة بالرايات المستنصريّة، عليها ألقاب المستنصر، فمال إليه أهلُ باب الكرْخ وفرحوا به، وتشفَّوا بأهل السُّنة، وشمخت أنوف المُنافقين، وأعلنوا بالَأذان بحيَّ على خير العمل2.

واجتمع خلْقُ من أهل السنَّة إلى القائم بأمر اللَّه، وقاتلوا معه. ونشبت الحرب بين الفريقين في السُّفن أربعة أيّام، وخُطِب يوم الجمعة ثالث عشر ذي القعدة ببغداد للمُستنصر العُبيْديّ بجامع المنصور3، وأذَّنوا بحيَّ على خير العمل. وعُقد الْجِسر، وعبرت عساكر البساسيري إلى الجانب الشرقي، فخندق القائم على نفسه حول داره، وحوّل نهر المُعَلّى، وأحرقت الغَوغاء نهر المُعَلّى ونُهِب ما فيه4.

وقوي البساسيريّ، وتقلّل عن القائم أكثر الناس، فاستجار بقُريش بن بدران أمير العرب، وكان مع البساسيريّ، فأجاره ومن معه، وأخرجه إلى مخيّمه.

القبض على وزير القائم وموته:

وقبض البساسيري على وزير القائم رئيس الرؤساء أبي القاسم ابن المسلمة، وقيّده وشهَّره على جملٍ عليه طرطور وعباءة، وجعل في رقبته قلائد كالمسخرة، وطِيفَ به في الشوارع وخلفه من يصفعه، ثُمَّ سُلِخ لهُ ثور وأُلبِس جلده، وضُبِط عليه، وجعلت قرون الثور بجلدها في رأسه.

ثُمَّ علِّق على خشبة وعُمِلَ في فكيه كلوبين، فلم يزل يضطرب حتى مات -رحمه الله5.

1 الكامل في التاريخ "9/ 640"، والبداية والنهاية "12/ 77".

2 المنتظم "8/ 191"، والكامل في التاريخ "9/ 641".

3 الكامل في التاريخ "9/ 641"، واتعاظ الحنفا "2/ 252".

4 النجوم الزاهرة "5/ 6".

5 الكامل في التاريخ "9/ 644"، والبداية والنهاية "12/ 77، 78".

ص: 19

انتهاب دار الخلافة:

ونصب القائم خيمةُ صغيرة بالجانب الشرقيّ في المُعسكر، ونهبت العامَّة دار الخلافة، وأخذوا منها ما لا يُحْصَى ولا يوصَف1.

انقطاع الخطبة العبّاسية بالعراق:

فلمَّا كان يوم الجمعة رابع ذي الحجّة لم تصلَّ الجمعة بجامع الخليفة، وخُطَب بسائر الجوامع للمُستنصَر، وقُطِعَت الخطبة العبّاسية بالعراق2.

اعتقال القائم بأمر اللَّه:

ثُمّ حُمِلَ القائم بأمر اللَّه إلى حديثة عانة، فاعتُقِلَ بها وسُلِّمَ إلى صاحبها مُهارش، وذلك لأنَّ البساسيريّ وقُريش بن بدران اختلفا في أمره، ثم وقع اتفاقهما على أن يكون عند مهارش إلى أن يتّفِقا على ما يفعلان به3.

البيعة للمُستنصر:

ثم جمع البساسيريّ القُضاة والَأشراف، وأخذ عليهم البيعة للمستنصر صاحب مصر، فبايعوا قهرًا4، فلا حول ولا قوّة إِلَّا باللَّه.

رواية ابن الْأثير عن قصد البساسيري الموصِل:

وقال عز الدين بن الْأثير في تاريخه5: إنَّ إبراهيم ينال كان أخوه السلطان طغرلبك قد ولَّاه الموصَل عام أول، وأنّه في سنة خمسين فارق الموصِل ورحل نحو بلاد الجبل، فنَسَبَ السُلطان رحيله إلى العصيان، فبعث وراءه رسولًا معه الفرجيّة الّتي خلعها عليه الخليفة، فلمَّا فارق الموصِل قصدها البساسيريّ وقريش بن بدران وحاصراها، فأخذ البلد ليومه، وبقيت القلعة فحاصراها أربعة أشهُر، حتى أكل أهلها

1 الكامل في التاريخ "9/ 643"، والنجوم الزاهرة "5/ 7".

2 الجوهر الثمين "194".

3 المنتظم "8/ 194".

4 النجوم الزاهرة "5/ 7".

5 الكامل في التاريخ "9/ 639".

ص: 20

دوابَّهم، ثُمّ سلَّموها بالَأمان، فهدمها البساسيريّ وعفى أثرها1.

وصار طغرلبك جريدةً في ألفين إلى الموصل، فوجد البساسيري وقريشًا قد فارقاها، فساق وراءهم، ففارقه أخوه وطلب همذان، فوصلها في رمضان.

قال: وقد قيل: إنَّ المصريين كاتبوه، وأنَّ البساسيري استماله وأطعمه في السَّلْطَنة، فسار طغرلبك في أثره2.

قال: وأمَّا البساسيري فوصل إلى بغداد في ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة فارس على غاية الضر والفَقْر، فنزل بمُشرعة الرّوايا، ونزل قريش في مائتي فارس عند مُشْرعة باب البصرة3.

ومالت العامة إلى البساسيري، أمّا الشّيعة فللمذهب، وأمّا السُّنة فلِما فعل بهم الْأتراك4.

وكان رئيس الرؤساء لقلّة معرفته بالحرب، ولِما عنده من البساسيريّ، يرى المبادرة إلى الحرب، فاتّفقّ أنّ في بعض الأيّام التي تحاربوا فيها حضر القاضي الهمذانيّ عند رئيس الرؤساء، ثم استأذن في الحرب وضَمِنَ له قتل البساسيريّ من غير أن يعلم عميد العراق.

وكان رأي عميد العراق المطاولة، رجاء أن ينجدهم طغرلبك. فخرج الهمذاني بالهاشميين والخَدَم والعوامّ إلى الحلبة وأبعدوا، والبساسيريّ يستجرّهم، فلمَّا أبعدوا حَمَل عليهم، فانهزموا وقُتِلَ جماعة، وهلك آخرون في الزحمة، ووقع النهب بباب الْأزْج5.

وكان رئيس الرؤساء واقفًا، فدخل داره، وهرب كل من في الحريم، ولطم العميد على وجهه كيف استبدَّ رئيس الرؤساء بالَأمر، ولا معرفة له بالحرب، فاستدعى الخليفة عميد العراق وأمره بالقتال على سور الحريم، فلم يرعهم إلّا والزعقات، وقد نهب

1 النجوم الزاهرة "5/ 7، 8".

2 الكامل في التاريخ "9/ 639، 640".

3 البداية والنهاية "12/ 77".

4 النجوم الزاهرة "5/ 8".

5 الكامل في التاريخ "9/ 641، 642".

ص: 21

الحريم، ودخلوا من باب النُّوبي، فركب الخليفة لابسًا السواد، وعلى كتفه البردة، وعلى رأسه اللواء، وبيده سيف، وحوله زمرة من العبّاسيين والخدم بالسيوف المسلولة1، فرأى النهب إلى باب الفردوس من داره، فرجع إلى ورائه نحو عميد العراق، فوجده قد استأمن إلى قريش، فعاد وصعد إلى المَنْظَرة، وصاح رئيس الرؤساء: يا علم الدين -يعني قريشًا- أمير المؤمنين يستدنيك، فدنا منه، فقال: قد أنالك اللَّه منزِلةً لم يُنَلها أمثالك، أمير المؤمنين يستذمُّ منك على نفسه وأصحابه بذِمام اللَّه وذِمام رسوله وذِمام العربيّة.

قال: نعم. وخلع قَلَنْسُوَتَهُ فأعطاها للخليفة، وأعطى رئيس الرؤساء مِخصرةً ذِمامًا، فنزل إليه الخليفة ورئيس الرؤساء وسارا معه2. فأرسل إليه البساسيريّ: أتُخالِفُ ما استقرَّ بيننا؟ فقال قريش: لَا.

ثُمَّ اتفقا على أن يُسلَّم إليه رئيس الرؤساء ويترك الخليفة عنده، فسلَّمه إليه، فلما مَثُلَ بين يديه قال: مرحبًا بمهلك الدول ومُخرّب البلاد.

فقال: العفو عند المقدرة.

قال: قد قدرت أنت فما عَفَوْت، وأنت صاحب طيلسان، وركبت الْأفعال الشنيعة مع حُرَمي وأطفالي، فيكف أعفو أنا، وأنا صاحب سيف؟ وأمَّا الخليفة فحمله قريش إلى مخيّمه، وعليه البُرْدة وبيده السيف، وعلى رأسه اللِّواء، وأنزله في خيمه، وسلّم زوجته بنت أخي السلطان طغرلبك إلى أبي عبد اللَّه بن جردة ليقوم بخدمتها.

ونُهِبت دار الخلافة وحريمها أيّامًا3.

وسلّم قريش الخليفة إلى ابن عمِّه مهارش بن مجلّي، وهو دينٌ ذو مروءة، فحمله في هودج وسار به إلى حديثة عانة، فنزل بها4.

وسار حاشية الخليفة على حامية إلى السلطان طغرلبك مستنفرين له.

ولمَّا وصل الخليفة إلى الأنبار شكى البرد، فبعث يطلب من متوليها ما يلبس،

1 البداية والنهاية "12/ 77".

2 الإنباء "193".

3 الكامل في التاريخ "9/ 643".

4 ذيل تاريخ دمشق "89"، والنجوم الزاهرة "5/ 10".

ص: 22

فأرسل إليه جُبَّة ولحافًا.

وركب البساسيري يوم الْأضحى، وعلى رأسه الْألوية المصريّة، وعبر إلى المصلَّى بالجانب الشرقي، وأحسن إلى النّاس، وأجرى الجرايات على الفقهاء، ولم يتعصَّب لمذهب، وأفرد لوالدة الخليفة دارًا وراتبًا، وكانت قد قاربت التسعين.

صلب رئيس الرؤساء:

وفي آخر ذي الحجّة أخرج رئيس الرؤساء مقيّدًا وعليه طرطور، وفي رقبته مخنقة جلود، وهو يقرأ:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْك} [آل عمران: 26] . فبصق أهل الكرخ في وجهه؛ لَأنه كان يتعصَّب للسُّنة، ثُمَّ صُلِبَ كما تقدَّم1.

مقتل عميد العراق:

وأمَّا عميد العراق فقتله البساسيريّ أيضًا، وكان شُجاعًا شَهْمًا، فيه فُتُوّة، وهو الذي بنى رباط شيخ الشيوخ2.

ذم الوزير المغربي لِفِعل البساسيريّ:

ثُمّ بعث البساسيريّ بالبشارة إلى مصر، وكان وزيرها الفرج ابن أخي أبي القاسم المغربي، وهو ممن هرب من البساسيري، فذمّ فِعْله، وخوّف من سوء عاقبته، فتُرِكت أجوبته مُدّة، ثمّ عادت بغير الذي أمله.

وسار البساسيري إلى واسط والبصرة فملكها، وخطب لها للمصريين3.

اهتمام طغرلبك بإعادة الخليفة:

وأمّا طغرلبك فإنه انتصر على أخيه وقتله4، وكرَّ راجعًا إلى العراق، ليس له هَمٌّ إِلَّا إعادة الخليفة إلى رتبته وعزه5.

1 النجوم الزاهرة "5/ 11".

2 الكامل في التاريخ "9/ 644".

3 المختصر في البشر "2/ 178".

4 المنتظم "8/ 197".

5 الكامل في التاريخ "9/ 646".

ص: 23

إحصاء ما وصل للبساسيري من المصريين:

وحكى الحسن بن محمد القيلوليّ في تاريخه أنَّ الذي وصل إلى البساسيريّ من جهة المصريين من المال خمسمائة ألف دينار، ومن الثياب ما قيمته مثل ذلك، وخمسمائة فَرَس، وعشرة آلاف قوس، ومن السيوف ألوف، ومن الرِّماح والنِّشاب شيء كثير. وصل كل ذلك إليه إلى الرحبة1.

إمرة ناصر الدولة بن حمدان على دمشق:

وفيها قدم على إمرة دمشق الْأمير ناصر الدولة، وسيفها أبو محمد الحسين بن حمدان دفعة ثانية في رجب2. والله أعلم.

آخر حوادث هذه المجلدة، وعلقتها من خط مؤلفها الحافظ العلامة شمس الدين الذهبي

1 النجوم الزاهرة "5/ 11، 12".

2 ذيل تاريخ دمشق "86"، وأمراء دمشق في الإسلام "27".

ص: 24