المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وهذا الأثر لا مجال للرأى فيه، فحكمه الرفع مع الإِرسال - تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة - جـ ١

[محمد عمرو بن عبد اللطيف]

الفصل: وهذا الأثر لا مجال للرأى فيه، فحكمه الرفع مع الإِرسال

وهذا الأثر لا مجال للرأى فيه، فحكمه الرفع مع الإِرسال على أن هذا الثواب لا ينكر فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن المتحابين في الله عز وجل على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء، وأن محبة الله عز وجل وجبت لهم، في أحاديث كثيرة قد كفت وشفت. فالله المستعان.

‌استدراك:

وروى أبو نعيم (5/ 7) عن محمد بن سوقة قال: "ما استفاد رجل أخًا في الله إلا رفعه الله بذلك درجة" وإسناده إليه صحيح، لكن حكمه حكم المرفوع المعضل، فإن ابن سوقة رحمه الله من أتباع التابعين.

الحديث السابع والثلاثون:

" ما فضلكم أبو بكر بفضل صوم ولا صلاة، ولكن بشئ وقر في قلبه".

لا يعرف مرفوعًا. رفعه الغزالى (1/ 23) إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال العراقي: "أخرجه الترمذى الحكيم في "النوادر" من قول بكر بن عبد الله المزني، ولم أجده مرفوعًا" وحكاه عنه السخاوى (ص 369) بنحوه.

قلت: و "نوادر الأصول" المتداول حاليًا قد طبعه بعضهم -محذوف الأسانيد- لا بارك الله فاعله- وذلك مما يزهد طالب العلم الصحيح في اقتنائه، لكن الله عز وجل رزقنى إسناده من كتاب آخر للحكيم الترمذى، ألا وهو كتاب "الصلاة ومقاصدها"(إذ رواه) فيه (ص 80، 81) عن المؤمل بن هشام البصرى وقتيبة بن سعيد عن إسماعيل بن علية عن غالب القطان عنه قال: "لم يفضل أبو بكر رضى الله عنه الناس بكثرة صوم ولا صلاة، وإنما فضلهم بشئ كان في قلبه". وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

فنصيحتى لطلبة علم الحديث والباحثين فيه ألا يزهدوا في مصنفات الحكيم

ص: 110

الترمذى وأشباهه كالحارث بن أسد المحاسبى وابن أبي الدنيا والخرائطى، فإنها - وإن كان فيها واهيات ومناكير- لا تخلو من درر غالية وآثار حسان يندر وجودها في غيرها- وليس أدل على ذلك من هذا الأثر الذى يظنه البعض حديثا نبويًا، بل ويجزمون بنسبته إلى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهو لا يُعرف له أصل عنه. ولولا أن الله تعالى قيض لنا كتاب "الصلاة ومقاصدها" -هذا العام- لظلت درجة هذا الأثر -من الثبوت- مجهولة، إذ لم يبينها العراقى ولا غيره- فالحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات.

ثم إن الحكيم روى عقبه (ص 81) عن أبيه عن الحسن بن سوار عن المبارك عن الحسن قال: "إنما غلبهم عمر رضى الله عنه بالصبر واليقين، لا بالصوم والصلاة".

لكن والد الحكيم -واسمه على بن الحسن بن بشر لم أظفر له على ترجمة. والمبارك هو ابن فضالة البصرى، وهو صدوق مدلس، وقد عنعنه.

الحديث الثامن والثلاثون:

" ما من شئ إلا له توبة، إلا صاحب سوء الخلق، فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في شر منه".

موضوع. رواه الطبراني في "الصغير"(553) من طريق عمرو بن جميع عن يحيى بن سعيد الأنصارى عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة مرفوعًا وقال: "لم يروه عن يحيى إلا عمرو، ولا يروى عن عائشة إلا بهذا الإِسناد".

قال العلامة الألبانى في "الضعيفة"(126): "قلت: وهو موضوع، فإن عمرًا هذا قال النقاش: أحاديثه موضوعة، وكذبه يحيى بن معين، وقال ابن عدى: كان يتهم بالوضع. ومنه تعلم أن قول الحافظ العراقي في "تخريج الإِحياء" (3/ 45) بعد أن عزاه للطبرانى: "وإسناده ضعيف" قصور، إلا أن يلاحظ أن الموضوع

ص: 111

من أنواع الضعيف كما هو مقرر في "المصطلح".

وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 25): "رواه الطبراني في "الصغير"، وفيه عمرو بن جميع وهو كذاب".

والحديث أورده السيوطى في "الجامع"(70) برواية أبي الفتح الصابوني في "الأربعين" عن عائشة، ويعترض عليه من وجهين:

الأول: إيراده فيه مع أنه ليس على شرطه (71) لتفرد الكذاب به! .

الثانى: اقتصاره في العزو إلى الصابوني فأوهم أنه ليس عند من هو أشهر منه!

". ثم وجدت حديث الترجمة عند الخطيب (8/ 59، 60) من هذا الوجه بنحوه.

(والصحيح) أن هذا قول والد أحمد بن أبي الحوارى الزاهد المشهور، فقد قال ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 175):"حدثنا القطان بالرقة، حدثنا أحمد بن أبي الحوارى، قال: سمعت أبي يقول: ما من أحد إلا وله توبة، إلا سيئ الخلق، فإنه لا يتوب من ذنب إلا دخل في شر منه". وإسناده إليه صحيح، وأبو الحوارى اسمه عبد الله بن ميمون بن العباس التغلبى، ومظنة ترجمته:"تاريخ دمشق" للحافظ ابن عساكر رحمه الله، لكن هذا الاسم من الأسماء التى سقطت من المخطوطة المصورة، ولم تستدرك بعد.

نسأل الله التيسير.

(70)"الجامع الصغير"(8037).

(71)

شرط السيوطى رحمه الله أن يصون هذا الكتاب عما تفرد به كذاب أو وضاع.

ص: 112

الحديث التاسع والثلاثون:

" ما من غنى ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه أوتى من الدنيا قوتًا".

ضعيف جدًا أو موضوع. رواه الإِمام أحمد (3/ 161) وابن ماجه (4140) وهنَّاد (596) وأبو يعلى (7/ 303) وابن حبان في "المجروحين"(3/ 56) وابن عدى (7/ 2524) وأبو نعيم (10/ 69، 70) وابن الجوزى في "الموضوعات"(3/ 131) من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد عن نفيع عن أنس مرفوعًا به.

ورواه أيضًا ابن منيع وعبد بن حميد في "مسنديهما" كما قال الحافظ البوصيرى رحمه الله في "مصباح الزجاجة"(3/ 280، 281).

ورواه وكيع في "الزهد"(117) عن إسماعيل به، فأوقفه على أنس والراجح عن إسماعيل رفعه كما هى رواية الجماعة.

وقال ابن الجوزى: "نفيع هذا، هو أبو داود الأعمى، كذبه قتادة. قال يحيى: لم يكن ثقة. وقال النسائى والدارقطنى: متروك". فتعقبه السيوطى في "اللآلئ"(2/ 313) - بما ليس تحته كبير طائل - فقال: "قلت: أخرجه أحمد في "مسنده" وابن ماجة من هذا الطريق. وله شاهد عن ابن مسعود. وقال الخطيب: أنبأنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله الواعظ أنبأنا عبد الباقى بن قانع حدثنا عمر ابن إبراهيم الحافظ حدثنا أحمد بن إبراهيم القطيعى حدثنا عباد بن العوام حدثنا سفيان ابن حسين عن سيار (72) عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من أحد إلا وهو يتمنى يوم القيامة أنه كان يأكل في الدنيا قوتا".

وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي سهل حدثنا عبد الله بن محمد العبسى حدثنا عباد بن العوام به، فذكره موقوفًا. والله أعلم. اهـ.

(72) في "اللآلئ": عن "يسار" وهو خطأ.

ص: 113

وكذلك تعقبه الشيخ محمد صبغة الله المدراسى الهندى في "ذيل القول المسدد"(ص 80) بقوله: "قلت: رماه -يعنى نُفَيْعا- بعضهم بالوضع وبعضهم بأنه متروك وبعضهم بأنه ليس بشئ وبعضهم بأنه ضعيف.

وذكره ابن حبان في "كتاب الثقات". وقال في "كتاب الضعفاء": يروى عن الثقات الموضوعات- انتهى.

فلا يحكم على حديثه بالوضع نظرًا لذلك. وله شاهد من حديث ابن مسعود رضى الله عنه عند الخطيب قال .... " فذكر كلام السيوطى بتمامه.

قلت: تعقب الحافظ السيوطى بتخريج الإِمام أحمد للحديث يمكن الاستدلال به على نفى كونه موضوعًا عن الإِمام أحمد -لا مطلقًا- ولم أرَ للإِمام أحمد في نفيع رأيا صريحًا صحيحًا (73)، فلعله لم يكن عنده كذابًا ولا شديد الضعف. والله أعلم.

أما تخريج ابن ماجه للحديث فلا يصلح تعقبًا فإن ابن ماجه رحمه الله لم يكن يتحاشى إيراد أحاديث الهلكى والكذابين، مما أخر مرتبته عن مرتبة سائر الكتب الستة في الأصحية، وقدم بعض الأئمة على كتابه:"سنن الدارمى" لأن الغالب عليها الصحة بخلافه.

نعم، نفيع لا ينزل حديثه عن مرتبة الضعف الشديد بحال، فقد وهاه أكثر الأئمة، وقال ابن حبان:"كان ممن يروى عن الثقات الأشياء الموضوعات توهمًا، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا على جهة الاعتبار".

وقد غمزه أبو يحيى الساجى رحمه الله بروايته هذا الحديث بعينه، فقال: "كان

(73) فقد روى أحمد بن أبي يحيى الأنماطى عنه قال "أبو داود الأعمى يقول: سمعت العبادلة عبد الله بن عمرو وابن عباس وابن الزبير لم يسمع منهم شيئًا" ففيه طعن في صدقه لكن أحمد هذا كذبه إبراهيم بن أورمة، وله ترجمة في "الكامل"(1/ 198)"واللسان"(1/ 321). وهذا النص في "الكامل"(7/ 2523).

ص: 114

منكر الحديث يكذب، ثنا أحمد ثنا أبو معاوية .... " فذكر الحديث وقال:"وهذا الحديث يصحح قول قتادة فيه أنه كان سائلًا لأن هذا حديث السُؤُّال. ونحوه قول الحاكم: "روى عن بريدة وأنس أحاديث موضوعة" والنصان في "تهذيب التهذيب" (10/ 471، 472).

أما توثيق ابن حبان له، فغفلة منه، قال الحافظ - عقب قول المزى "فكأنه جعله اثنين"-:"قلت: هو وهم منه بلا ريب، وهو هو".

أما استشهاد السيوطى رحمه الله بحديث ابن مسعود فيجاب عنه من وجهين: الأول: أن حديث أنس -لشدة ضعفه- لا يقبل الانجبار بوجود شاهد له كما هو مقرر في كتب "مصطلح الحديث".

الثانى: أن حديث ابن مسعود - على ضعف إسناده - مُعَلٌّ بالوقف.

أما الضعف فلأن له علتين:

الأولى: ما في ابن قانع رحمه الله من المقال. قال الذهبي في "المغنى"(1/ 365): "الحافظ. قال الدارقطني: "كان يحفظ لكنه كان يخطئ ويصر". وقال البرقاني: "هو عندى ضعيف ورأيت البغداديين يوثقونه". وقال أبو الحسن ابن الفرات: "حدث به اختلاط قبل موته بسنتين". لكن قال الخطيب (11/ 89): "لا أدرى لماذا ضعفه البرقاني، فقد كان ابن قانع من أهل العلم والدراية، ورأيت عامة شيوخنا يوثقونه، وقد تغير في آخر عمره".

قلت: وله ترجمة واضحة في "اللسان"(3/ 383، 384) تدل على أنه - مع حفظه ودرايته - صاحب أوهام وتصحيفات، فانظرها إن شئت.

الثانية: جهالة أحمد بن إبراهيم القطيعي، فقد ترجمه الخطيب (4/ 7، 8) برواية أبي الآذان الحافظ - وهو عمر بن إبراهيم - وحده عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

ص: 115

(وأما) الإِعلال بالوقف، فقد خالفه الحافظ الثبت: ابن أبي شيبة (13/ 301) ومحمد بن جعفر المدائنى -وهو صدوق- عند عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد"(ص 155، 156) فروياه عن عباد به موقوفًا، ولفظه - عند عبد الله-:"ما من أحد من الناس يوم القيامة إلا وهو يتمنى أنه كان يأكل في الدنيا قوتا وما يضر أحدكم على أى حال أصبح وأمسى من الدنيا إلا أن تكون في النفس حزازة". وإسناده صحيح وهو في "الحلية"(1/ 137) من طريق ابن أبي شيبة به.

والجملة الأولى من الأثر -المطابقة لحديث الترجمة- تتضمن إخبارًا عن أمر غيبى لا مجال للرأى فيه، فهى مرفوعة حكمًا، ولا يُسَوِّغ ذلك لمن أراد حكايته هذا الأثر أن يجزم بنسبته إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون متهجمًا على ما ليس له أن يتهجم عليه، فتنَبَّهْ. وبالله التوفيق.

الحديث الأربعون:

" أن رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم "مَرَ بسعد وهو يتوضأ، فقال: ما هذا السرف؟ قال: أفى الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جارٍ".

ضعيف. رواه ابن ماجه (425) من طريق قتيبة ثنا ابن لهيعة عن حُيَىّ بن عبد الله المعافرى، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن عبد الله بن عمرو به.

ورواه أيضًا أبو يعلى في "مسنده""ثنا أبو خيثمة ثنا أبو رجاء ثنا ابن لهيعة به، كما في "مصباح الزجاجة" (1/ 174) وقال البوصيرى: "هذا إسناد ضعيف لضعف حيى بن عبد الله وعبد الله بن لهيعة".

قلت: حيى لم يتفق على تضعيفه، بل هو مختلف فيه، ورجح الحافظ في "التقريب" (1605) أنه:"صدوق يهم". فهو حسن الحديث ما لم يخالف.

ص: 116

فالعلة ابن لهيعة وحده، لأن قتيبة -وهو ابن سعيد أبو رجاء البلخى- ليس من قدماء أصحابه الذين حدثوا عنه "قبل أن يكثر الوهم في حديثه وقبل احتراق كتبه" (74) ورُوِيت ألفاظ أخرى -تقارب هذا الحديث- ولا يصح منها شئ:

1 -

فقد روى ابن ماجة أيضًا (424) من طريق بقية عن محمد بن الفضل ابن عطية عن أبيه عن سالم عن ابن عمر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلًا يتوضأ، فقال:"لا تسرف، لا تسرف". وقال البوصيرى: "هذا إسناد ضعيف: الفضل بن عطية ضعيف وابنه كذاب، وبقية مدلس".

قلت: الأولى أن يقال: "ضعيف جدًا" لوجود هذا الكذاب، أما أبوه فالأكثرون على توثيقه والبلاء من الابن كما بين ابن حبان وابن عدى، فانظر "التهذيب"(8/ 281).

2 -

وروى أبو أحمد الحاكم في "الكنى" وابن عساكر عن الزهرى مرسلًا مرفوعا: "لا تسرف. قيل: يا رسول الله، وفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وفي كل شئ إسراف".

كما في "كنز العمال"(9/ 327). وإسناده ضعيف - بصفة مبدئية - للإِرسال أو الإعضال ومراسيل الزهرى عند الأئمة من شر المراسيل لأنه حافظ، لا يرسل إلا عمن يرغب عن ذكره. ولعل في الطريق إليه علة أخرى هى شر من الإِرسال، فنظرةٌ إلى ميسرة، فإن "تاريخ دمشق" بحر لا قرار له، ولا ندرى في أي التراجم أورده ابن عساكر. أما "الكنى" لأبى أحمد الحاكم، فلم نُرزَقْهُ بعد.

3 -

وروى أبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 92) من طريق محمد بن جعفر

(74) العبارة مقتبسة من "تذكرة الحفاظ"(1/ 238) على أن الحافظ الذهبى لا يأخذ بهذا التفصيل ويرى أن ابن لهيعة يروى حديثه في المتابعات ولا يحتج به كما فيها (1/ 239).

ص: 117

الوركانى ثنا سعيد بن ميسرة البكرى سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا خير في صب الماء" وقال: "إنه من الشيطان" - يعنى كثرة صب الماء في الوضوء- وسعيد بن ميسرة هذا قال الذهبي في "المغنى"(1/ 266): "واهٍ. قال ابن عدي: هو مظلم الأمر".

وبكل حال، فقد ثبتت أحاديث أخرى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم في كراهة السرف في الوضوء وسنية الاقتصاد فيه -بغير الألفاظ المتقدمة- تراجع في مثل "مشكاة المصابيح" للخطيب التبريزى رحمه الله، و "جامع الأصول" لابن الأثير الجزرى رحمه الله.

و(الصواب) في حديث الترجمة أنه من قول هلال بن يساف -وهو تابعي ثقة- فقد قال البوصيرى: "

ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" من حديث هلال بن يساف" (75).

قلت: صنيعه رحمه الله يوهم أن الحديث مرفوع وليس كذلك، (فقد) رواه (1/ 66) عن محمد بن فضيل عن حصين عنه قال:"كان يقال: في الوضوء إسراف ولو كنت على شاطئ نهر".

ورواه البيهقى (1/ 197) من طريق الثورى عن حصين به، بلفظ:"كان يقال: في كل شئ إسراف حتى الطهور، وإن كان على شاطئ النهر" وإسناده صحيح.

وروى ابن أبي شيبة أيضًا (1/ 67) عن يزيد بن هارون قال: أنا العوام عمن أخبره عن أبي الدرداء قال: "اقصد في الوضوء، ولو كنت على شاطئ نهر".

وإسناده ضعيف، شيخ العوام -وهو ابن حوشب- مجهول لم يسم، ثم إن روايته عن أبي الدرداء منقطعة أيضًا، فإن جميع شيوخ العوام بن حوشب لا يدرك أحد منهم أبا الدرداء أصلًا.

(75) في الأصل: "هلال بن يسار" وهو خطأ.

ص: 118

وقد أحسن البوصيري صنعًا إذ لم يورده، مع أنه أرفع من قول هلال بن يساف، وإنما أوردناه -وما كان على شاكلته في هذا الكتاب- للتنبيه على عدم ثبوته. والله أعلم.

الحديث الحادى والأربعون:

" من جمع بين الصلاتين من غير عذر، فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر".

ضعيف جدًا، منكر. رواه الترمذي (188) وابن أبي حاتم في "تفسيره"(النساء-2936) والطبرانى (11/ 216) والحاكم (1/ 275) والبيهقى في "سننه"(3/ 169) وغيرهم من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا به.

ورواه الديلمي بزيادة: "ومن شرب شرابًا حتى يذهب بعقله الذى أعطاه الله، فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر". كما في "فردوس الأخبار"(4/ 122).

وقال الترمذى: "وحنش هذا هو أبو على الرحبى، وهو حسين بن قيس. وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعَّفه أحمد وغيره

".

وقال الحاكم: "حنش بن قيس الرحبى يقال له: أبو على، من أهل اليمن سكن الكوفة، ثقة. وقد احتج البخارى بعكرمة، وهذا الحديث قاعدة في الزجر عن الجمع بلا عُذر، ولم يخرجاه".

فتعقبه الذهبى في "تلخيص المستدرك" بقوله: "قلت: بل ضعفوه". وقال البيهقي: "تفرد به حسين بن قيس أبو على الرحبي المعروف بحنش، وهو ضعيف عند أهل النقل لا يحتج بخبره".

قلت: بل هو متروك كما قال الحافظ (1342). وقد وهاه الإِمام أحمد وابن معين والبخارى وأبو حاتم والنسائى والساجي والدارقطني وغيرهم.

ص: 119

وقال العقيلي في ترجمته من "الضعفاء الكبير"(1/ 248): "وروى عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال

" فذكره ثم قال: "وله غير حديث لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به".

فأما (الأول)(76) فيروى من كلام عمر بن الخطاب، وأما (الثانى) فلا أصل له، وقد رُوِى عن ابن عباس بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء".

قلت: بل الثانى أيضًا مروى عن عمر، ثابت عنه. وحديث الترجمة أورده الذهبي أيضًا في "الميزان"(1/ 546) من جملة مناكير حسين هذا.

أما (الرواية) عن عمر رضى الله عنه، فمن طريقين عنه:

الأولى: عند البيهقي (3/ 169) من طريق قتادة عن أبي العالية عنه رضى الله عنه قال: "جمع الصلاتين من غير عذر من الكبائر".

وقال: "قال الشافعي في "سنن حرملة": العذر يكون بالسفر والمطر، وليس هذا بثابت عن عمر، هو مرسل".

ثم قال: "هو كما قال الشافعي. والإِسناد المشهور لهذا الأثر ما ذكرنا، وهو مرسل، أبو العالية لم يسمع من عمر رضى الله عنه، وقد رُوِى ذلك بإسناد آخر أشار الشافعي إلى متنه في بعض كتبه". ثم رواه من الطريق الثانية، وستأتى في محلها.

وروى عبد الرزاق (2/ 552) من طريق أيوب عن قتادة عن أبي العالية أن عمر كتب إلى أبي موسى: "واعلم أن جمعًا بين الصلاتين من الكبائر إلا من عذر". ورواه ابن أبي شيبة (2/ 459) من طريق هشام بن حسان عن رجل عن أبي العالية به، بلفظ:"الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر".

(76) يعنى حديث: "من استعمل رجلًا على عصابة من المسلمين، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله، وخان جماعة المسلمين".

ص: 120

الثانية: عند البيهقي أيضًا -كما تقدم- من طريق حميد بن هلال عن أبي قتادة -يعنى العدوي- أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى عامل له: "ثلاث من الكبائر: الجمع بين الصلاتين إلا في عذر، والفرار من الزحف، والنهبى".

وقال: "أبو قتادة العدوى أدرك عمر رضى الله عنه، فإن كان شهده كتب فهو موصول، وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قويًا. وقد روى فيه حديث موصول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في إسناده من لا يحتج به". فروى حديث ابن عباس.

قال ابن التركمانى رحمه الله في "الجوهر النقى": "قلت: أبو العالية أسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسنتين، ودخل على أبي بكر وصلى خلف عمر. وقد قدمنا غير مرة أن مسلمًا حكى الإِجماع على أنه يكفى لاتصال السند المعنعن ثبوت كون الشخصين في عصر واحد. وكذا الكلام في رواية أبي قتادة العدوى عن عمر، فإنه أدركه كما ذكر البيهقي بعد، فلا يحتاج في اتصاله إلى أن يشهده". اهـ.

قلت: هذان الإِمامان دندنا حول رواية أبي العالية عن عمر، وليس في اتصالها أدنى ارتياب -وأغفلا العلة الحقيقية التى سأذكرها بحول الله وقوته. وسماع أبي العالية من عمر، فثابت قطعًا، فقد روى الإِمام أحمد في "الزهد"(ص 118) وابن أبي شيبة (10/ 322، 323) بسند صحيح عنه قال: "أكثر ما كنت أسمع من عمر بن الخطاب: "اللهم عافنا واغفُ عنا".

والصواب إعلال هذا الإِسناد بعدم سماع قتادة له من أبي العالية، فقد روى ابن أبي حاتم في "المراسيل" (628) عن على بن المديني قال: سمعت يحيى بن سعيد قال: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء. قلت ليحيى: عُدَّها قال: قول على رضى الله عنه: "القضاة ثلاثة"؛ وحديث: "لا صلاة بعد العصر"، وحديث:"يونس بن متى". ورواه أيضًا في "التقدمة"

ص: 121

(ص 127) وعقب على ذلك بقوله: "بلغ من علم شعبة بقتادة أن عرف ما سمع من أبي العالية وما لم يسمع".

وذكره الحافظ ابن رجب الحنبلى رحمه الله في "شرح علل الترمذي"(ص 496، 497) بلفظ: "لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث

" فزاد: "وحديث ابن عباس: شهد عندى رجال مرضيون، وأرضاهم عندى عمر. الحديث.

قال: "وقد خرجا له في "الصحيحين" عن أبي العالية حديثين آخرين. أحدهما: حديث دعاء الكرب. والثانى: حديث رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليله أسرى به موسى، وغيره من الأنبياء".

قلت: فيعتضد -إن شاء الله- بالطريق الأخرى عن أبي العالية عند ابن أبي شيبة.

أما رواية أبي قتادة العدوى عن عمر، فلا مجال للتردد في اتصالها ألبتة، فقد ذكر البخارى في "تاريخه"(2/ 151) وابن أبي حاتم في "الجرح"(2/ 441) والمزى في "تهذيب الكمال"(ق 1638) روايته عن عمر، ولم يتعرضوا لها بشئ، بل قال الحافظ في "الإِصابة" (1/ 188): "

قال البزار: أدرك الجاهلية وسمع من عمر بن الخطاب

" حتى قال: "وذكره ابن حبان في "الثقات" وابن سعد في الأولى من تابعى البصريين ممن أدرك عمر". قلت: حديثه عن عمر في صحيح مسلم"(77) اهـ.

قلت: وفي سندها علة أخرى لم ينبه عليها البيهقي ولا ابن التركمانى، وهى أن شيخ شيخ البيهقي، واسمه: عبد الله بن محمد بن الحسن الرمجارى -وهو أخو

(77) ووهم العلامة الألبانى حفظه الله فصحح حديثا رواه الخرائطى من طريق حميد بن هلال عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -مرسلًا- ظنًا منه أنه أبو قتادة الأنصارى الصحابى، وذلك في "السلسلة الصحيحة"(377) وظنه بعضهم صحابيا من أجل هذا الحديث، فانظر ترجمته من "الإِصابة".

ص: 122

الحافظ أبي حامد بن الشرقى- مطعون في عدالته، قال الذهبي في "الميزان" (2/ 494):"سماعاته صحيحة من مثل الذهلى وطبقته، ولكن تكلموا فيه لإِدمانه شرب المسكر". وقال في "السير"(15/ 40) عن الحاكم: "ولم يدع الشرب إلى أن مات فنقموا عليه ذلك، وكان أخوه لا يرى لهم السماع منه لذلك". وله ترجمة في "اللسان"(3/ 342، 343) جاء فيها أنه وصف خمرًا عتيقًا لمريض - وكان رأسا في معرفة الطب - وعلى كلٍ، فقد فرَّج الله عز وجل عنى الضيق الذى أصابنى من أجل هذه العلة، فبالرجوع إلى فهرس الآثار من "كنز العمال"(8/ 246) وجدته يعزوه أيضًا لابن أبي حاتم، وهو عنده في "تفسيره" (النساء - 2937) من طريق حميد بن هلال أيضًا عن أبي قتادة -يعنى العدوى- قال: قرئ علينا كتاب عمر: من الكبائر جمع بين الصلاتين، يعنى من غير عذر" وبنفس الإِسناد (2940) عن أبي قتادة قال: قرئ علينا كتاب عمر، من الكبائر الفرار من الزحف والنهبة". وإسناده صحيح، أورده الإِمام ابن كثير في "تفسيره" (1/ 484) -مجموعًا- وصححه فالحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات.

تنبيه: وروى ابن أبي شيبة (2/ 459) من طريق حنظلة السدوسي عن أبي موسى الأشعرى قال: "الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر" وإسناده ضعيف، له علتان.

الأولى: ضعف حنظلة السدوسى، لاختلاطه وعدم تميز حديثه.

الثانية: الانقطاع، إذ أن حنظلة هذا لا رواية له عن أحد من الصحابة سوى أنس -وقد تأخرت وفاته- وسائرها عن التابعين. وكأن هذا التخليط منشؤه ما جاء في بعض الروايات أن عمر كتب إلى أبي موسى بذلك، فتوهم حنظلة السدوسي أن قائل هذا الكلام هو أبو موسى نفسه. والله تعالى أعلى وأعلم.

ثم وجدت لأثر عمر طريقا ثالثًا عند مسدد في "مسنده" عن بكر بن عبد الله المزنى أن عمر كتب إلى أبي موسى: "إن جمعًا بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر" كما في "المطالب العالية"(1/ 179) وقال الحافظ: "فيه انقطاع".

ص: 123

الحديث الثاني والأربعون:

" من زوَّجَ كريمته من فاسق، فقد قطع رحمها".

موضوع. رواه ابن حبان في "المجروحين"(1/ 238) وابن عدى (2/ 734) قالا: أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة (ولفظ ابن عدى: أخبرنا ابن قتيبة)، ثنا وارث بن الفضل، ثنا الحسن بن محمد البلخي، ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك به مرفوعا. ذكراه في ترجمة البلخى هذا.

وقال ابن حبان: "شيخ، يروى عن حميد الطويل وعوف الأعرابي الأشياء الموضوعة، وعن غيرهما من الثقات الأحاديث المقلوبة، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه بحال، وهذا شيخ ليس يعرفه إلا الباحث عن هذا الشأن، روى عن حميد الطويل

" فذكره، ثم ذكر له حديثا آخر وقال: "فهذا الحديث لا أصل له، (والأول) قول الشعبى، ورفعه باطل".

وقال ابن عدى: "ليس بمعروف، منكر الحديث عن الثقات). ثم روى له هذا الحديث وقال: "وهذا الحديث مسنده منكر، وإنما يروى هذا عن الشعبي رحمه الله، قوله".

وقال الذهبي: في "الميزان"(1/ 519): "فذكر -يعنى ابن حبان- حديثين موضوعين: أحدهما عن حميد، عن أنس مرفوعًا: "من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها" وزاد الحافظ في "اللسان" (2/ 249): "وقد غفل ابن حبان فذكره في "الثقات"(78) وذكره العقيلى فقال: منكر الحديث

حتى قال: "وقال أبو نعيم: لا شئ، حدث عن حميد مناكير. وقال أبو سعيد النقاش: حدَّث عن حميد عن أنس أحاديث موضوعة. وقال الحاكم عن أبي علي النيسابورى: يروى عن حميد وغيره أحاديث منكرة.

(78)"الثقات"(8/ 168) وقال في حاشيتها: "لم نظفر به" ولو راجع "اللسان" وقارنه بترجمته في "الكامل" و"المغنى"(1/ 166) و"الميزان" لما قال ذلك.

ص: 124

وقال الحاكم: قد كنت أحسب الذنب فيه للفرياناني حتى وجدت بعضها عند معاذ بن أسد وغيره فظهر أن الحمل فيها على البلخى.

قلت: وأورد ابن عدى في ترجمة الفريانانى حديثا منكرًا جدًا، وقال: ليس الحمل فيه إلا على الحسن بن محمد البلخى. اهـ.

قلت: والراوى عنه -وارث بن الفضل- لم أقف له على ترجمة ولا ذكر ألبتة. إلا روايته بعض الأحاديث عن هذا الوضَّاع والحديث أورده أيضًا ابن الجوزى في "الموضوعات"(2/ 260) وأقره السيوطى في "اللآلئ"(2/ 163) وابن عراق في "تنزيه الشريعة"(2/ 200). وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإِحياء"(2/ 41): "رواه ابن حبان في "الضعفاء" من حديث أنس، ورواه في "الثقات" من قول الشعبي بإسناد صحيح".

قلت: هو في "الثقات"(8/ 230) و "الحلية"(4/ 314) من طريق الخليل ابن زرارة عن مطرف عنه به. وذكره البخارى في "التاريخ الكبير"(3/ 199) والدورى في "تاريخه"(2/ 150، 4/ 370) عن ابن معين في ترجمة الخليل هذا. وقد روى عنه جماعة، وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم (3/ 380) ووثقه ابن حبان، ثم وجدت -قدرًا- في "تاريخ بغداد" (13/ 305) عن ابن الغلابي قال:"قال يحيى بن معين: الرازيون لا بأس بهم: حكام بن سلم، والخليل بن زرارة، ونعيم بن ميسرة، وسلمة بن الفضل الأبرش قاضيهم". فثبت الأثر، والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات.

وقد اشتبه على أحد الضعفاء المشهورين، فحدث به أيضًا عن مطرف عن الشعبى. قال يحيى بن معين رحمه الله. "قلت: لعلى بن عاصم -على الجسر- سمعت حديث مطرف عن الشعبي: "من زوّج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها"؟ فقال: نعم والله، لقد سمعته" كما في "تاريخ الدورى" (2/ 421، 4/ 399) لكن يحيى رحمه الله لم يُصَدِّقه في ذلك - وكان سيئ الرأى فيه - فقد رواه العقيلي (3/ 247) من طريق عباس الدورى به، ثم روى من طريق

ص: 125

معاوية بن صالح الأشعري قال: حدثنا يحيى قال: قال على بن عاصم في حديث مطرف، عن الشعبي: من زوج كريمته فاسقًا، قال: حدثني والله مطرف، ولم يسمعه منه، ليس يرويه إلا الخليل بن زرارة. قال يحيى: وقد سمع على بن عاصم من عمر بن قيس الماصر، وليس هو ثقة" (79).

وروى الخطيب (11/ 455) من طريق ابن أبي خيثمة قال: سمعت يحيى يقول: لقيت على بن عاصم على الجسر، فسألته عن حديث مطرف عن عامر:"من زوج كريمته من فاسق"(80). فحدثنى به، فقلت: اتق الله يا شيخ، اتق الله، مرتين. فحوَّل رأس بغلته، فقال: ترانى أكذب؟ ترانى أكذب" والحق أن عليًا هذا لم يكن كذابًا، بل كان صدوقًا كثير الخطأ والغلط، وكان يصر على ذلك ولا يرجع. فلعل هذا من جملة الأشياء التى شبهت له، وتوهم أنه سمعها وهو لم يسمعها.

وقد قال الحافظ في "التقريب"(4758): "صدوق يخطئ ويصر، ورمى بالتشيع". ثم وقفت بعد ذلك على رواية أخرى للحوار الذى دار بين ابن معين وبينه تطابق تماما ما قررته، وهى ما رواه البرذعى رحمه الله في "سؤالاته لأبى زرعة الرازى"(ص 395، 396) قال: "حدثنا أيوب بن إسحاق بن سافرى، قال يحيى بن معين قال: لقيت على بن عاصم على الجسر، فقلت: كيف حديث مطرف عن الشعبي (من زوّج كريمته) فقال: حدثنا مطرف عن الشعبي، فقلت: لم تسمع (81) هذا من مطرف قط وليس هذا من حديثك. قال: فأكذب؟ فاستحييت منه، وقلت: ذو كرت به فوقع في قلبك، فظننت أنك سمعته ولم تسمعه، وليس من حديثك" اهـ.

(79) يعنى على بن عاصم، فإن عمر بن قيس ثقة عند ابن معين وغيره.

(80)

في الأصل: "عن عامر ابن زوج كريمة "مر فاسق" فحدثنى به

". وهذا تحريف شنيع، من المضحكات المبكيات.

(81)

في الأصل: "لم نسمع

" والأصوب ما أثبته حتى يستقيم المعنى.

ص: 126

وابن سافرى هذا قال أبو حاتم رحمه الله: "كان صدوقًا" كما في "الجرح"(2/ 241) ونحو قول الشعبي هذا، ما رواه ابن حبان في "الثقات" (8/ 415) من طريق عبد الصمد بن يزيد قال: سمعت الفضيل يقول: "من زوج ابنته من مبتدع، فقد قطع رحمها". وإسناده صحيح.

ورواه أيضًا (8/ 166) من وجه آخر (82) بنحوه. وهو أخص من قول الشعبى، فإن الابتداع في دين الله عز وجل ضرب من ضروب الفسق، نسأل الله السلامة.

الحديث الثالث والأربعون:

" من مات فقد قامت قيامته".

ضعيف. قال الحافظ العراقي (4/ 64): "أخرجه ابن أبي الدنيا في "كتاب الموت" من حديث أنس بسند ضعيف.

ورواه الديلمي (83) وابن لال عنه بلفظ: "إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، واعبدوا الله كأنكم ترونه، واستغفروه كل ساعة".

ورواه العسكرى في "الأمثال" بلفظ: "أكثروا ذكر الموت، فإنكم إن ذكرتموه في غنى كدره عليكم، وإن ذكرتموه في ضيق وسعه عليكم، الموت القيامة، إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، يرى ما له من خير وشر". كما في "المقاصد الحسنة"(ص 75).

والحديث أورده العلامة الألباني حفظه الله في "الضعيفة"(1166) وضعَّفه مستندًا إلى تضعيف الحافظ العراقي، لكنني أخشى أن يكون ضعفه شديدًا لا سيما

(82) ولكن في إسناده إسماعيل بن محمد بن يوسف وهو أبو هارون الجبرينى، وهو متهم فالعمدة على الطريق الأولى.

(83)

"الفردوس"(1/ 350).

ص: 127

أنه قد رواه أمثال هؤلاء المخرجين عن مثل أنس (84). والعراقى قد يطلق الضعف على الواهى والموضوع و (الصحيح) في حديث الترجمة أنه من كلام المغيرة بن شعبة رضى الله عنه، وعلقمة بن قيس النخعى رحمه الله بنحوه.

فقد روى الدولابى في "الكنى والأسماء"(2/ 89) من طريق عبد الرحمن بن ثروان أبي قيس الأودى عن زياد بن علاقة عن المغيرة قال: "يقولون: القيامة، القيامة، وإنما قيامة أحدكم موته". وإسناده حسن، وعزاه السخاوى في "المقاصد"(ص 428) للطبراني، ولم أجده في ترجمة المغيرة من "المعجم الكبير"، فلعله في كتاب آخر له.

وروى الدولابى أيضًا بنفس الإِسناد إلى عبد الرحمن بن ثروان قال: "صلى علقمة على جنازة، فقال: أما هذا فقد قامت قيامته". وعزاه السخاوى إلى الطبراني أيضًا من رواية سفيان (85) عن أبي قيس - وهو ابن ثروان - ولفظه: قال: "شهدت جنازة فيها علقمة، فلما دفن قال: أما هذا فقد قامت قيامته".

ثم وجدت في ترجمة زياد النميرى من "الحلية"(6/ 267، 268) من طريق داود ابن المحبر ثنا عبد الواحد بن الخطاب قال: "سمعت زياد النميرى -ونحن في جنازة وذكروا القيامة- فقال زياد: من مات فقد قامت قيامته".

وزياد تابعى ضعيف يروى عن أنس، لكن السند إليه لا يصح، فإن داود بن المحبر كذاب، اتهمه الدارقطني بسرقة "كتاب العقل" الذى وضعه ميسرة بن

(84) فقد بلى رضى الله عنه بأصحاب فيهم الضعيف، وفيهم المتروك والكذاب، ثم أتى بعد ذلك من البصريين وغيرهم - من أكثر عن مشاهير أصحابه بما لا أصل له في حديثهم، فكثرت الروايات عن الحسن البصرى وثابت وقتادة وحميد والزهرى وغيرهم عنه بما ليس من حديثهم. ولذلك قلما يتفرد أمثال أبي نعيم والخطيب وابن عساكر والديلمى وابن لال وابن النجار وابن أبي الدنيا وابن عدى والحكيم الترمذى ونحوهم بحديث عن أنس إلا وفي إسناده شئ.

(85)

في "المقاصد": "سفيان بن أبي قيس". والصواب "

عن أبي قيس" ولم أجد في الرواة عن علقمة أو غيره من يدعى: "سفيان بن أبي قيس".

ص: 128