المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب "فعلت بفتح العين - تحفة المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح

[اللبلي]

الفصل: ‌باب "فعلت بفتح العين

/ وهذا ابتداء ما جمعته، وافتتاح ما صنعته، وبالله تعالى أستعين، وبتوفيقه يتضح السبيل ويستبين، وهو حسبي ونعم الوكيل.

قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب رحمه الله تعالى:

‌بَابُ "فَعَلْتُ بفتح العَين

"

قال أبو جعفر: يعني بالعين: المحرف الثاني من جميع الأفعال الماضية التي فيه.

قوله: "تَقُوْلُ نَمَى المَالُ"

قال أبو جعفر: أي زاد وكثر، قاله غير واحد.

وفي نمى لغة ثانية يقال: نَمُوَ، على وزن ظرف، حكاها صاحب الواعي ومن خطه. وحكاها أيضاً أبو القاسم السعدي في أفعاله. وفي مضارع نَمَى بفتح العين لغتان: يَنْمِي على وزن يَرْمِي كما ذكره ثعلب، وَيَنْمُو على وزن يدعو، قال الشاعر في يَنْمِي:

*والشَّيءُ تَحقِره وقد ينمي*

ص: 11

وقال الشاعر في يَنْمِي أيضاً:

مَا زَالَ يَنْمِي جَدُّهُ صَاعِداً

مُنْذُ لَدُنْ فَارَقَهُ الحَالُ

وأنشد اللحياني في نوادره عن الكسائي في يَنْمُو:

يَا حُبَّ لَيْلَى لَا تَغَيَّرْ وَازْدَدِ

وَانْمُ كَماَ يَنْمُو الخِضاَبُ فِي الْيَدِ

وأخذ ابن هشام السبتي على ثعلب في كونه ذكر يَنْمِي فقط ولم يذكر معها يَنْمُو، قال: وهما لغتان فصيحتان، فكان حقه أن يذكرهما.

ص: 12

قال أبو جعفر: ما قاله ابن هشام من أنهما لغتان فصيحتان غلط، وإنما اللغة الفصيحة يَنْمِي فقط، وهي التي ذكرها ثعلب بدليل ما نقله الأئمة الثقات الأثبات.

قال الجوهري في كتابه الصحاح: نَمَى المال وغيره، يَنْمِي، وربما قالوا: ينمو، قال الكسائي: ولم أسمعه بالواو إلا من أخوين من بني سليم، ثم سألت عنه بني سليم فلم يعرفوه بالواو.

قال أبو جعفر: وحكي هذا أيضاً أبو عبيد في المصنف/ عن الكسائي، وصاحب الواعي أيضاً عن الكسائي.

فإذا كان الكسائي على مرتبته من حفظ كلام العرب، وإمامته، لم يسمعها إلا من رجلين من العرب فهذا أدل دليل على قلتها، فكيف تكون ك"يَنْمِي".

وقال صاحب الواعي، ومن خَطِّهِ: نَمَى الشَّيءُ يَنْمِي، وَيَنْمُو، والأفصح: يَنْمِي.

وقال أبو علي القالي في مقصوره وممدوده: يقال: نَمَى المال يَنْمِي،

ص: 13

وَيَنْمُو، والأفصح يَنْمِي.

وقال ابن دَرَستويه في تصحيحه: يَنْمُو لغة لبعض العرب وليست بخطأ، ولكن يَنْمِي أعلى وأعرف.

وقال أبو حاتم في كتابه تقويم المُفْسَد يقال: نَمَى الشيء يَنْمِي، ولا يقال: يَنْمُو. وحكي أبو حاتم أاً عن الأصمعي أنه قال: العامة يقولون: يَنْمُو بالواو، ولا أعرف ذلك بثبتٍ.

وقال الزمخشري في شرحه لهذا الكتاب: يَنْمِي بالياء، اختيار نقلة أهل اللغة كالفراء، والكسائي، وأبي عبيدة، وأبي زيد وكذا قال ابن الدهان اللغوي في شرحه لهذا الكتاب: ينمي بالياء اختيار نَقَلَة أهل اللغة.

ص: 14

قال أبو جعفر: فخرج من هذا الذي نقلناه عن الأئمة أن (يَنْمِي) أفصح من (يَنْمُو) فلذلك لم يذكرها ثعلب، وأن أخذ ابن هشام، ومن كان على مذهبه ليس بشيء.

وقوله: «وغيره ينمي»

قال أبو جعفر: معناه أن ينمي بالياء ليس محصوراً على المال فقط، حتى لا يقال يَنْمِي إلا في المال، بل يُقالُ في المال وفي كل ما تتصور الزيادة فيه، وإن كان بعض اللغويين فرق بين يَنْمِي وَيَنْمُو، فقال: يَنْمِي بالياء للمال، وَيَنْمُو بالواو لغير المال.

كما فرقوا بين يزبِد بالكسر ويزبُد بالضم، فقالوا: زَبَدَ [هـ]

ص: 15

يزُبِدُ [هـ] بكسر المستقبل: إذا أعطاه، وزَبَده/ يَزْبُدُهُ بضم المستقبل: إذا أطعمه الزُّبْدَ.

قال الفراء في كتابه البهي: رأيت نحويي أهل الحجاز يقولون للخضاب وأشباهه يَنْمُو، وللمال يَنْمِي، قال الفراء: وأنشدني بعض بني قيس:

*وَانْمِ كَمَا يَنْمِي الخِضَاُب فِي الْيَدِ*

فهذا يَنْمِي بالياء في غير المال.

وقال أبو حاتم في كتابه تقويم المُفسد: كان الأصمعي يقول لكل شيءٍ يزيد: يَنْمِي، بالياء، الخضاب يَنْمِي، والمالُ يَنْمِي.

قال أبو جعفر: وَيُقاُل نَمَى الشيء [يَنْمِي] نَمَاءً، ونَمْياً، عن صاحب الواعي. وحكاها أيضاً ابن سيدة، والزُّبيديُّ في مختصره وزاد عليه ونُمِياً ..

ويُقالُ نَمَا الشيء يَنْمُو نُمُواً، ونَمَاءً عن الزُّبيديِّ، وعن صاحب

ص: 16

الواعي، وغيرهما.

ويُقال في مصدر نَمُوَ: نُمُوٌّ، عن السعدي في أفعاله، وعن غيره.

قال أبو جعفر: وحكي اللغويون اختلاف العرب في المال، فقال ابن سيدة في كتابه العويص: العرب لا توقع اسم المال مُطلقاً إلا على الإبل، وذلك لشرفها عندهم، وكثرة غنائها، قال: وربما أوقعوه على أنواع المواشي كلها من الإبل والغنم والبقر، إلا أن الأصل إنما هو الإبل.

وحكي المطرز في كتابه "اليواقيت" أن المال هو الصامت والناطق، قال: فالصامت الذهب والفضة والجوهر، والناطق الجمل والبقرة والشاة.

وحكي القالي في أماليه عن أحمد بن يحيى أنه قال: المال عند العرب أقله ما تجب فيه الزكاة، وما نقص عن ذلك فلا يقع عليه مال.

ومنهم من أوقعه على جميع ما يملكه الإنسان، وهو الظاهر لقول الله تبارك وتعالى:(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) فلم يخص شيئاً دون شيء، حكي هذا ابن السيد وغيره، وهو اختيار كثيرٍ/ من المتأخرين.

ص: 17

قال أبو جعفر: ومقال نَمَى المال، وعَفَا، وضَفَا، وَوَفَا، وضَنَأ، وأضْنَأ، وأَضْنَى، بهمز وغير همز، وارتعج، وأَمِر، وثَرا، كل ذلك إذا كَثُرَ عن يعقوب في ألفاظه.

قال أبو جعفر: قال ابن الأعرابي في نوادره: نَمَى الشيء، وَأَنْمَاهُ الله، ونَمَّاهُ الله. قال أبو جعفر: كذا رأيته بخط الآمِدِي نَمَّاهُ بالتشديد، ورأيت بخط أبي الفضل بن الفرات نَمَاهُ بالتخفيف.

ص: 18

وقوله: «وذَوَى العود يَذْوِي»

قال أبو جعفر: أي ذبل، حكاه كراع في منظمه، وغيره.

قال ابن هشام ومن خطه: ولا يقال جف.

قال أبو جعفر: وثبت في بعض النسخ «أي: جف» .

ومعنى جف: يَبِسَ، وسيأتي تفسيره إن شاء الله تعالى.

فقال أبو العباس التُّدميري في شرحه لهذا الكتاب: ليس ذلك بشيءٍ، ولا تصح هذه الرواية عن ثعلب؛ لأن الذاوي ليس الجاف على الإطلاق، قال: وقد فسر ذلك ذو الرُّمَّةِ فقال:

وَأبْصَرْنَ أَنَّ القِنْعَ صاَرَتْ نِطَافُهُ

فِراَشاً وَأَنَّ البَقْلَ ذَاوٍ وَيَابِسُ

قال: فانظر كيف قسم البقل هاهنا على ضربين: فجمل منه يابساً، وذاوياً، فاليابس معروف، والذاوي الذي ذبل وقلت رطوبته.

قال أبو جعفر: وهذا الذي قال الأميري وابن هشام من أنه لا يقال ذوى بمعنى يبس فاسد، بدليل ما حكاه أئمة اللغة، قال يعقوب في الإصلاح:

ص: 19

ذوى العود ذوياً، وذأى يذأى ذَأياً: يَبِس.

وقال ابن فارس في كتابه المجمل: ذوى العود يَذوِي: إذا يَبِس. وقال أبو علي القالي في كتابه المقصور والممدود: والذوى مصدر ذوى العود يَذوِي ذَوى: يبس.

وأما البيت الذي استدل به التدميري/ فليس فيه دليل لاحتمال أن يكون من عطف الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظان، قال عنترة ابن شداد:

*أقْوَى وأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيْثَمِ*

والإقواء والإقفار سواءً. وقال آخر:

ص: 20

فَقَدَّمَتِ الأدِيْم لِرَاهِشَيْهِ

وَأَلفَى قَوْلَها كَذِباً وَمَيْنَا

والكَذِبُ وَالْمَيْنُ سواء. وقال آخر:

قَدْ رَابَنِي مِنْكِ يَا أَسمْاءُ إِعْرَاضُ

فَدَامَ مِنْكُمْ لَنَا مَقْتُ وَإِبْغَاُض

والمقت والإبغاض واحد. وقال آخر:

أَلَا حَبَّذَا هِنْدٌ وَأَرْضٌ بِهَا هِنْدُ

وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُوْنِهَا النَّايُ وَالبُعْدُ

والنأي هو: البعد، إلى غير ذلك من الأبيات، وهي كثيرة جداً، فخرج من هذا أن ما ذكره ابن هشام والتدميري من أن ذوى لا تكون بمعنى يبس خطأ.

وينبغي أن تعلم أن ذبل يُقالُ بمعنيين: فأحد المعنيين هو الذي دق بعد أن كان ريان، عن الزبيدي في مختصره.

ص: 21

ويقال: بمعنى يبس، حكاه ابن التياني في مختصر الجمهرة فقال يقال: ذَبَلَ العود وغيره ذَبْلاً، وَذُبْوْلاً: يَبِسَ، فعلى هذا من فسر ذوى بذبل كما فسره كراع في المنظم وغيره فقد أساء، لأنه فسره بلفظ مشترك، فلم يبين معناه، ومن فسر ذوى بأحد المعنيين اللذين ذكرناهما فقد أصاب. وقد فسره الأصمعي على ما حكاه عنه أبو حاتم في لحنه بتفسير لا شيء أجلى منه، فقال يقال: ذوى العود: إذا ذبل ولم يبلغ الجفوف وفيه ندىً باقٍ، فهذا التفسير في نهاية من الوضوح والبيان.

قال ابن هشام: ذَأَى يَذْأَى/ لغة فصيحة كذوى ولم يُخبر بها ثعلب.

قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله ابن هشام- من أن ذَأَى فصيحة كذَوَى المفتوحة العين- خطأ، والذي يدل على فساد ما قاله أن أئمة اللغة حكوا بخلاف قوله، قال يونس في نوادره يقول ناس من العرب: قد ذَأَى العشب يَذْأَى، فيهمزون، وبعضهم ذَوَى يَذوِي وهو الكثير.

ص: 22

وقال ابن فارس في كتابه المجمل: ذَوَى العود يذوي، وبعضهم يقول: ذَأَى يَذْأَى، والأولى أجود.

وقال القالي في المقصور والممدود: أجود اللغات ذوى بفتح العين، ثم ذَأَى، ثم ذَوِىَ بكسر العين.

وقال ابن دريد في الجمهرة: ويقول قوم من العرب: ذَأَى العودُ، وليس باللغة العالية.

وقال ابن سيدة في المخصص في باب يبس العشب: يقال ذوى البقل يَذوِي ذُوِياً، وذَأَى يَذْأَى ذَاياً، وذَوِيَ يَذْوَى، والفصحى عند الجميع هي الأولى من هذه اللغات، يعني ذَوَى بالفتح.

وقال مكي في شرحه: ذَوَى بفتح العين أفصح من ذَوِي بالكسر، ومن ذَأَى.

قال أبو جعفر: فتبين بما ذكرناه أن أخذ ابن هشام على ثعلب في كونه

ص: 23

لم يذكر ذَأى كما ذكر ذَوَى، ليس بشيءٍ؛ لأن ذَوَى بفتح العين فصيحة كما قدمناه، وذَأَى ليست فصيحة مثلها، فلذلك لم يذكرها.

قال أبو جعفر: قد قدمنا أن في الماضي ثلاث لغات: ذَوَى بالفتح، وذَأَى بالهمز، وذَوِيَ- بالكسر.

وحكي هذه اللغات ابن القطاع في أفعاله، وزاد: ذَئِيَ.

قال أبو جعفر: ويقال في المستقبل من ذَوَى بالفتح: يَذْوِي بالكسر، /وفي مستقبل ذَأَى بالهمز: يَذْأَى بالفتحِ، وفي مستقبل ذَوِيَ بالكسر: يَذْوَى بالفتح.

قال أبو جعفر: ويقال في الصفة من ذَوَى بالفتح: ذَاوٍ، ومن ذَوِيّ بالكسر: ذَوٍ، ومن ذأى بالهمز: ذَاءٍ، قال ابن سيدة في المخصص: وذَئِيُّ.

قال أبو جعفر: ويقال في المصدر من المفتوح: ذيٌّ، وذُوِيٌّ.

وفي المكسور: ذَوى عن مَكِّيِّ، وعن ابن القطاع، وفي المهموز: ذَايّ، وذَاوً عن ابن سيده في المخصص وعن ابن القطاع، وذُئِيُّ عن

ص: 24

ابن الأعرابي في نوادره.

وقوله: «وَغَوَى الرَّجْلُ يَغْوِى»

قال أبو جعفر: إذا اتهمك في الشر، عن الزبيدي في مختصره.

وقال ابن التياني عن أبي عبيد: الغواية الضلال، وأنشد:

إذا خُيِّرَ السِّيديُّ بين غَوَايةٍ ورُشْدٍ أتَى السِّيدِيُّ ما كان غَاوِيَا

وقال عن قُطْربٍ: زعم المفضل أنه سمع العرب تقول: أصبح فلان غوياً، أي: مريضاً، وقال بعض العرب: أغويت فلاناً: أهلكته.

قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: غَوَى الرَّجُلُ: إذا فسد عليه عيشه، ومنه قوله عز وجل:{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} أي: فسد عليه عيشه في الجنة، قاله المطرز، وابن خالويه، وغيرهما. وحكي يعقوب

ص: 25

في إصلاحه عن الأصمعي أنه يقال: غَوَى الرجل يَغْوِى، بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل كما ذكره ثعلب، وقال عنه: ولا يقال غيره. وكذا أنكره الزمخشري في شرحه، قال: ولا لغة فيها إلا الفتح، قال: والعامة تقول: غَوِي بالكسر، وهو خطأ، قال: فأما قراءة أبي الهذيل على /ما أخبرني ابن مهدوي {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} قال: معناه أكل وأكثر حتى بشم؛ لأن معنى غَوِي بالكسر هو أن يكثر الفصيل من لبأ أمه حتى يبشم.

قال أبو جعفر: وحكي ابن الأعرابي في نوادره، [والمطرز] في شرحه، وأبو عبيدة في فَعَل وأفْعَل، وصاحب الواعي، وغيرهم، أنه يقال: غَوِي الرجل يَغْوَى، بكسر الواو في الماضي وفتحها في المستقبل، على وزن عَلمَ يَعْلَم.

ص: 26

قال ابن الأعرابي: ومن الفصيل غَوِى بالكسر لا غير

وقال ابن التياني عن قطرب: قراءة أهل الشام (كما غوينا) بكسر الواو، والكثيرة عندنا غَوَيْنَا، وقال عن الفراء اللغة الفاشية غَوَيْنَا، وبعض العرب غَوِيْنَا.

قال أبو جعفر: والمصدر الغَيُّ والغَوَايَةُ عن يعقوب في إصلاحه، وعن غيره، وعن ابن درستويه والغية.

والصفة ممن المطرز وابن السكيت وغيرهما غاوٍ، وَغَوِيُّ.

وحكاهما أيضاً ابن التياني وأنشد:

*أَضْرَمَ فيها الغَوِيُّ السُّعُر*

ص: 27

وزاد المطرز: وغَوٍ. وفي الجمع عن كُراع في المجرد: رجال غُوَاة، وغَاوُون. وأنشد ثعلب:

«فمن يَلْقَ خَيراً يَحْمَدِ النَّاسُ أمرهَ

ومن يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغَيِّ لائما»

قال أبو جعفر: هذا البيت للمُرَقِّش الأصغر واسمه عمرو بن حرملة، كذا نسب في ديوان شعره، وقيل: اسمه ربيعة بن سفيان بن قيس بن سعد بن مالك، وقيل: عمرو بن سفيان وسمى بالمرقش لأنه كان يزين شعره فيما ذكره ابن الأنباري.

وقيل: سمي بذلك ببيت قاله، وهو:

الدَّارُ وحشً والرّسُوُم كما

رَقَّشَ في ظَهْرِ الأَدِيم قَلَمْ.

ص: 28

قال أبو جعفر: وفي كتاب أدب الشاعر أن الذي سمي المرقش بالبيت إنما هو/ المرقش الأكبر، وهو عم الأصغر، واسمه عوف بن سعد، ويقال: ربيعة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. والأكبر صاحب أسماء، والأصغر صاحب فاطمة، وكان الأصغر أشعرهما وأطولهما عمراً.

والبيت الذي أنشده ثعلب من القصيدة التي أولها:

أَلا يَا اسْلَمِي لا صُرْمَ لي اليومَ فاطماً

ولا أبداً ما دام وصلُكِ دائما

رَمَتْكَ ابنةُ البكريِّ عن فَرْعِ ضَالَةٍ

وهُنَّ بنا خُوصٌ يُخَلْنَ نعائما

تراءتْ لنا يوم الرَّحيل بِوَارِدٍ

وعَذْبِ الثَّنايا لم يكن مُتَرَاكما

ثم قال بعد أبيات:

وَإلَى جَنَابٌ حَلْفَةً فأطعتَهُ

فنسكَ لُمْ لا اللَّومَ إنْ كُنتَ لائما

ويروى: (فنفسَكَ وَلِّ اللَّوم)، ثم قال:

فمن يَلْقَ خيراً ............

............. البيت

وقال القصيدة في قصة طويلة، جرت بينه وبين عمرو بن جناب ابن عوف بن مالك صاحبه، وفاطمة بنت المنذر، ذكر القصة ابن السيرافي،

ص: 29

وغيره. وموضع الشاهد من البيت الذي استشهد به ثعلب قوله: «يَغْوِى» بكسر العين في المستقبل، فدل على أن الماضي مفتوح، ولو كان الماضي على فعل بكسر الواو لكان مستقبله يَغْوَى بفتح الواو: لأن باب فَعِل يَفْعِل بالكسر فيهما قليل يُحفَظُ ولا يقاس عليه.

وقوله: «ومَنْ يَغْوِ» أي: من يفسد ويضل، أومن يفسد عليه عيشه، وبهذا المعنى الأخير/ [يقوى] معنى البيت.

وقوله: «لا يعدم» أي: لا يفقد، وأما «يَلْقَ» فقد رُوِي بضم الياء وفتحها، ومعناه: يصنع، وبه فسر قوله تبارك وتعالى:

ص: 30

{أَلْقَى السَّامِرِيُّ} .

ومعنى البيت بَيِّنٌ، أي: من يفعل خيراً يحمد، ومن يعمل شراً يذم.

قال أبو جعفر: وقيل في معنى البيت، أي: من اتبع الحق فسلم حَمَدَ الناس سعيه، وشكروه على ذلك، ومن اتبع الباطل فهلك لم يعدم لذلك لائماً، كما قال الآخر:

والنَّاسُ مَنْ يَلْقَ خيراً قائلون له

ما يَشتَهِي وَلأُمَ المُخْطِئ الهَبَلُ

وقال قوم: الخير في هذا البيت: المال، قالوا من يُصِب مالاً ويساراً حُمِدَ أمره، واحتجوا بقوله تبارك وتعالى {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} و {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} أي: ترك مالاً، والأول أصح، والدليل على ذلك قوله:«ومن يَغْوِ» والشاعر الفصيح لا يجعل الغَيَّ إلا مقابل ضده،

ص: 31

وضده الرشد وليس فيه إعراب مشكل فنتكلم عليه.

وقوله: «وفَسَدَ الشَّيْءُ يَفْسُدُ»

قال أبو جعفر: الفساد ضد الصلاح [قال الزمخشري: وهو إذا تغير وصار إلى الرداءة].

قال ابن درستوريه في تصحيحه: العامة تقول: فَسُدَ، بضم الماضي وهو لحن وخطأ.

قال أبو جعفر: هذا الذي أنكره ابن درستويه قد حكاه اللغويون، قال يعقوب في الإصلاح: فَسَدَ الشيء وفَسُدَ لغة.

قال ابن قتيبة في الأدب: فَسُدَ الشيء والأجود فَسَد، وحكي اللغتين أيضاً صاحب الواعِي، والجوهري، وكراع في المجرد، وابن

ص: 32

القطاع، وغيرهم. وزاد كراع وفَسِد بكسر السين/ فتجيء فيها بهذه ثلاث لغات.

وحكي قطرب في فَعَلْت وأفعلت: فَسدَ الشيء وأفْسَدَ بالألف بمعنى. فمن قال فَسَدَ بالفتح ففي مستقبله لغتان: يفسُد بضم السين، وهو الذي حكاه الناس كلهم، ويَفسِد بكسر السين عن القزاز، وما رأيته عن أحد من اللغويين إلا عنه، وإن كان هو القياس.

وفي مصدره لغتان: الفَسَاد، والفُسُود، حكاهما يعقوب في إصلاحه، وصاحب الواعي، وغيرهما.

والصِّفَةُ: رجل فاسد وفَسِيد، عن الجوهري، والقزاز، وزاد القزاز: ومِفْسادّ، قال: وإنما قالوا فَسِيدّ لأنهم يقولون: فَسُد، كما يقولون: كَرُم.

ص: 33

وقال الجوهري: وقوم فَسّدَى، كما قالوا: سَاقِطٌ، وسَقْطَى.

قال أبو جعفر: وفي ضد فَسَد لغتان: صلح بفتح اللام، وصلح بضمها [حكاهما] صاحب الواعي، ويعقوب، وابن سيدة في المُحْكَم وغيرهم.

وقال ابن درستويه: وكذلك يقولون: صَلُحَ بضم اللام، ولو كان ذلك صواباً لجاء اسم الفاعل منه على صَلِيحٍ مثل: ظَريِف، وكَريِمٍ.

قال أبو جعفر: وهذا الذي أنكره ابن درستويه من أنه لا يقال: صَلُحَ، بضم اللام، قد حكيناه عن الأئمة، وإنكاره أيضاً أن اسم الفاعل منه لم يأت على فعيل - فيقال صَلِيحٌ- ليس بصحيح، حكي ابن الأعرابي في نوادره، ونقلته من خط الآمدي أنه يقال: فَاسِدُ وفَسيدٌ، وصَالِحُ وصَلِيحٌ.

ص: 34

وقال ابن سيدة في المحكم: والجمع صُلَحاء وصُلُوح.

قال أبو جعفر: ويقال في مستقبل صَلَحَ المفتوح اللام/ لغتان: يَصلُح بضم اللام، ويصلح بفتحها، حكي ذلك ابن عديس في كتابه الصواب، ومن خطه نقلته وابن سيدة في المحكم.

وفي مستقبل صَلُحَ المضموم اللام: يَصْلُحُ بضم اللام أيضاً ليس إلا، كظرف يظرف على القياس.

وفي المصدر عن يعقوب في إصلاحه، وعن ابن خالويه في كتاب الأبنية وعن اليزيدي في نوادره: صَلَاحٌ وصُلُوحٌ.

وقوله: «وَعَسَيْتُ أَنْ أَفعلَ ذلك»

قال أبو جعفر: عسى من أفعال المقاربة، وفيه طمع وإشفاق.

قال صاحب الواعي: عسى تكون للترجي، وتكون شكاً ويقيناً،

ص: 35

وكل عسى في القرآن فمعناها الإيجاب، كما قال الله عز وجل:{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَاتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِه} فهو واجب أن الله يأتي بالفتح، وقد أتى به سبحانه. وهي من الآدميين معناها الترجي، وأن يكون لا يدري أيكون ذلك الأمر أم لا يكون، قالوا: فإذا قال الله سبحانه عسى الله أن يأتي بكذا وكذا فإن ذلك الأمر كائن لا محالة، وإذا قال الإنسان عسى أن يكون كذا وكذا جاز أن يكون [وأن] لا يكون.

وقال الجوهري في الصحاح: عسى من الله عز وجل واجبة في جميع القرآن إلا قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ} ، وقال عن أبي عبيدة: عسى من الله عز وجل إيجاب، فجاءت على إحدى لغتي العرب، لأن عسى رجاء ويقين.

قال أبو جعفر: وفي حال إضافته إلى المضمر فيه لغتان: عَسَيْتُ بفتح السين كما حكاه ثعلب، وعَسِيتُ بكسر السين/ وهي قراءة نافع،

ص: 36

وقرأ بها أيضا شيبة، فيما حكاه ابن التياني عن قطرب.

وقال الأستاذ أبو بكر بن طلحة في شرحه: وعَسِيتُ بكسر السين أيضاً فصيحة، ولم يذكرها ثعلب.

قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله ابن طلحة من أنها فصيحة فليس في ذلك درك على أبي العباس ثعلبٍ، لأنه على تقدير أنها فصيحة اختار عَسَيتُ بفتح السين عليها: لأنها أفصح منها.

قال أبو عمر المطرز قي شرحه: أخبرنا ثعلب عن سلمة عن الفراء أنه قال: كلام العرب العالي عَسَيتُ أن أفعل بفتح السين، ومنهم من يقول: عَسِيتُ، فهذا كلام الفراء، وناهيك به! يبين أن عَسَيْتُ بالفتح ليست كَعَسِيْتُ بالكسر، فلذلك اختارها أبو العباس.

وقال ابن الثياني عن الأصمعي: إنه لم يعرف عَسِيت بالكسر، قال: وقد ذكره بعض القراء، وهو خطأ.

ص: 37

وحكي أيضاً عن الفراء أنه قال: لعلها لغة نادرة.

وقال ابن درستويه في تصحيحه: العامة تقول عَسِيتُ بكسر السين، وهي لغة شاذة.

وقال صاحب الواعي: تقول عَسَيتُ أن أفعل ذلك بفتح السين، وهي أفصح اللغات، وحكي عَسِيْتُ بالكسر.

وقال ابن سيدة في المحكم: عَسَيتُ بالفتح أعلى. وقال عبد الدائم بن مرزوق القيرواني: تقول عَسَيتُ أن أفعل كذا، بفتح السين وكسرها لغتان، والفتح أكثر، ذكر هذا في كتابه حُلَى العُلَى.

وقال يعقوب في كتابه فَعَلْت وأفعلت: عَسِيتُ بالكسر لغة رديئة.

وقال أبو عبيد/ القاسم بن سلام في كتابه في القراءات: كان نافع يقرأ {عَسَيْتُمْ} بالكسر، والقراءة عندنا بالفتح: لأنها أعرب

ص: 38

اللغتين ولو كانت عسيتم بالكسر لقرئ {عَسَى رَبُّنَا} بالكسر أيضا، وهذا الحرف لا نعلمهم اختلفوا في فتحه، وكذلك سائر القرآن، وقد حُكِيَ عن أبي عمرو أنه كان يحتج بهذه الحجة.

وقال القتبي ويقولون: ما عَسِيتٌ، والأجود ما عَسَيتُ بالفتح. [وحكاهما] أيضاً ثابت في لحنه قال: وعَسَيْتُ بالفتح أجود. فتبين بما ذكرناه من كلام الأئمة أن أخذ ابن طلحة على ثعلب ليس بشيء.

هذا حكمها إذا كانت مسندة إلى مضمر، فإن كانت مسندة إلى ظاهر نحو قولك: عسى زيد أن يقوم، فلا نعلم أحدا من اللغويين حكى فيها الكسر، إلا ما رأيته للهروي أبي الحسن علي بن محمد في كتابه "الذخائر" فإنه قال: في عسى لغتان: منهم من يفتح السين، ومنهم من يكسرها، فأطلق كلامه فيها ولم يقيده.

وقوله: "ولا يُقَالُ مِنْهُ يَفْعَلُ، وَلَا فَاعِلٌ".

قال أبو جعفر: أي لا يتصرف فيستعمل منه مستقبل، أو اسم فاعل، فلا يقال منه: يَعْسَى ولا عَاسٍ، وإنما لم يستعمل منه مستقبل ولا اسم

ص: 39

فاعل؛ لأنها على الحقيقة ليست فعلاً، وإنما هي حرف، بدليل أن معقول الفعل هو: ما دل بصيغته على الحدث والزمان المعين، كـ (ضرب) فإنه يدل على وقوع الحدث الذي هو الضرب، ويدل ببنيته على أن الضرب وقع في زمان معين، وهو المضي، وكذلك هو حكم سائر الأفعال.

وأما عسى وأخواتها من الأفعال / التي لا تتصرف فلا يفهم منها وقوع الحدث، ولا تعيين الزمان، فليست بأفعال على الحقيقة كما قدمناه، وإنما قيل فيها إنها أفعال بالمجاز: وذلك أن النحويين وجودا فيها أحكام الأفعال، من اتصال الضمائر بها كقولك: عَسَيتُ وعَسَيتُما وعَسَيتُم وعَسَينَ، كما قالوا ضربتُ وضربتُما، [وضربتم] وضربْن.

قال الزمخشري عن أبي عبيدة: من العرب من يُوَنَّثُ عسى، قال:

ص: 40

وهم الذين يؤنثون رُبَّ، وأنشد على ذلك:

عَسَتْ كُرْبَةٌ أمسيتُ فيها مُقِيمَةٌ

يكونُ لنا منها رخاءٌ ومخرجُ

فلما وجدوا فيها أحكام الأفعال ألحقوها بالأفعال، فقيل فيها أفعال بهذا المعنى، وهذا هو الذي يجب أن يُعتَقد فيها، لا كما عمله النحويون، فإنهم التزموا فيها أنها أفعال، ومن حقيقة الأفعال التصرف، وأعني بالتصرف: اختلاف الأبنية للدلالة على اختلاف الأزمنة. وهذه أفعال وليست متصرفة، فاحتاجوا أن يعتذروا عن كونها لِمَ لَمْ تتصرف، والحق ما قلته، والله تعالى هو الموفق للصواب. على أنه قد رأيت أبن ظفر في شرح المقامات قد حكى عن أبي عبيد ألله يقال: عَسَيت أعْسى، قال: فعلى هذا يجوز أن يقال: عَاسٍ في اسم الفاعل. وقال عبد الدائم القيرواني في كتابه حُلى العُلى: لا تتصرف عَسَيتُ، لا تقول منها يَفْعَل ولا فَاعِلٌ، إلا أن أبا زيد ذكر أنه جاء

ص: 41

عَسٍ، قال: وقد قال أبو العلاء المعري:

/ عَسَاك تَعْذِرُ إِنْ قَصَّرتُ في مِدَحِي

فإنَّ مثلي بِهِجْرَان القريض عَسٍ

قال أبو جعفر: عس في بيت المعري بمعنى فليق، وكلامنا في عسى

التي معناها الطمع، فغلط عبد الدائم باستشهاده بهذا البيت.

وقد تكلم في بعض أحكام هذه الأفعال بعض من تعرض لشرح هذا الكتاب وأطال فيها، والحق أن كتب النحو أولى بذلك.

وقوله: "ودَمَعَتْ عيني تَدْمَع".

قال أبو جعفر: أي سال منها الدمع، عن ابن درستويه.

وقال ابن التياني، والجوهري: الدَّمع ماء العين المجتمع، القطرة منه دمعة.

وقال الزمخشري في شرحه: الدَّمعُ [الماء يجتمع في الجفن] قبل أن

ص: 42

يسيل، فإذا سال فهو عبرة، قال الشاعر:

إلى الله أشْكُو دَمْعَةً تَتَحَيَّرُ

ولَو قَدْ حَدَا الحَادِي لَظَلَّتْ تَحَدَّرٌ

ثم يتجوز في الدمع فيستعمل فيما فارق الجفن، قال امرؤ القيس:

*. . . حتى بَلَّ دمعي مِحْمَلِي *

وسُمَّيت العبرة عبرة؛ لعبورها الأجفان، والدمع يسمى بذلك لمفارقته مستقره، ويقال: سُمَّى بذلك لظهوره، ومنه الشَّجَّة الدامعة: إذا ظهر الدم منها.

وحكى ابن سيدة في المخصص عن الفارسي أنه قال: الدمع يكون اسماً ومصدراً، وعلى هذا جمع فقيل: أَدْمُع، ودموع.

قال الجوهري: والدُّمَاع بالضم: ماء العين عن علة أو كِبَر ليس الدمع، وأنشد:

يَا مَنْ لِعَينٍ لَا تَنِي تَهْمَاعا

قَدْ تَرَكَ الدَّمْعُ بها دُمَاعا.

فال أبو جعفر: قال ثعلب في نوادره وفي المجالس له: سمعتهم

ص: 43

/يقولون: دمعت عيني، مفتوحة الميم، ولم أسمع أحداً يذكرها بالكسر.

قال أبو جعفر: وكذا حكى ابن التياني عن الكسائي وأبي زيد أنهما قالا: دَمَعَتْ عينه بالفتح لا غير.

وحكى ابن سيدة في المخصص، وابن التياني عن ابن دريد، والجوهري، عن أبي عبيد، وابن القطاع في أفعاله، والأزهري في كاب تهذيب اللغة، ومحمد بن أبان بن سيد أنه يقال: دمعت بفتح الميم، ودمعت بكسرها.

وحكى اللغتين أيضا الحياني في نوادره وقال: إنها لغة قليلة. وقال ثابت في لحنه: سمعت أبا عبيدة وأبا زيد قالا: دَمَعَتْ عينه ودَمِعَتْ، بالفتح والكسر، والفتح أجود.

ص: 44

قال أبو جعفر: ومقال في المستقبل من دَمَعَتْ المفتوحة الميم: تَدْمَعُ بفتح الميم: لأن العين بعدها من حروف الحلق، ولولا ذلك لجاز فيها الضم والكسر عن ابن درستويه.

ويقال في مستقبل دَمِعَتْ المكسورة الميم: تَدْمَعُ، بالفتح لا غير، على القياس.

ويقال في المصدر: دَمَعٌ، ودَمَعٌ مثل: الطَّعْنِ والطَّعَنِ، والطَّرْدِ والطَّرَد، ودُمُوْعٌ، عن ابن سيدة في المخصَّص، وابن التياني، ومكي في شرحه. وزاد مكي و"دَمَعَانً" وحكاها أيضاً اللحياني في نوادره.

قال مكي: وقد سموا ماء العين بالمصدر، فقالوا: جرى دَمْعُه، والمَدْمَعُ مجرى الدَّمْع، وجمعه مَدَامِعَ. وقال ابن سيدة في المخصص، وابن التياني: المَدْمَعُ: مجتمع الدمع في نواحي العين، وجمعه مَدَامع.

وقال الجوهري: المدامع: المآقي وهي أطراف العين، وقال عن الأحمر: والدمع / بصم الدال والميم سمةٌ في مجرى الدمع.

ص: 45

وقوله: " ورَعَفْتُ أَرْعُفُ ".

قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: معنى رَعَفْتُ: انبعث الدم من أنفي، وذلك الرعاف، على فعال.

قال الزمخشري: وهذا ما أضيف الفعل منه إلى غير فاعله، كقولهم: غَلَتِ القدر، وإنما يعني ما فيها، وأصل رَعَف: تقدَّم وسَبَق.

قال ابن سيدة في المحكم، وابن التياني: الرعاف: الدم يسبق من الأنف، وكل سابق راعف.

وقال القزاز: الرعاف: الدم بعينه، وإنما سُمَّي الدَّمُ الخارج من الأنف رُعَافاً؛ لخروجه وبدوره، يُقَالُ: رَعَفَ الفارسُ الخيل إذا بدر منها وتقدمها؛ فقيل الرعاف لما يخرج من الأنف من الدم لهذا.

قال أبو جعفر: وفي الحديث أبي قتادة: "أنه كان عُرْسٍ وجاريةٌ

ص: 46

تضرب بالدف وهو يقول لها: ارْعُفي"، أي" تقدمي.

قال الجوهري: ويقال: رماح رَواعِف، إما لتقدمها في الطعن، أولما يقطر منها من الدم، قال: وَرَعَف الفرس يَرْعَفُ ويَرْعُفُ، أي: سبق وتقدم، واسترعَف مثله.

وقال أبو جعفر: وبقال في الماضي: رَعَفَ، ورَعُفَ، بفتح العين وضمها، حكى ذلك يعقوب في إصلاحه، وأبو عبيد في الغريب المصنف، وابن القطاع في أفعاله، وثابت في لحنه عن أبي عبيدة، والجوهري في الصحاح. وقال الجوهري: الضم لغة ضعيفة.

وحكى اللغتين أيضاً ابن سيدة، والمطرز في شرحه، وقاسم

ص: 47

في الدلائل، وغيرهم.

وزاد المطرز، وأبن سيدة في المحكم، وابن السيد في مثلثه، رَعِفَ بكسر العين / قال المطرز: وهي أضعفها.

فتلك ثلاث لغات، وإن كان القزاز قد قال في "جامعه" يقال: رَعَفَ بفتح العين في الماضي، ولا تضم العين. وابن التياني في مُوعَبِهِ لم يحك في رَعَفَ سوى الفتح. لكن قد حكينا الأوجه الثلاثة: الفتح، والضم، والكسر عن التقات.

قال ابن التياني عن الأصمعي: إن عثمان البتي قال

ص: 48

للحسن: ما تقول في رجل رُعِفَ؟ بضم الراء، فأنكرها عليه الحسن، وقال: أهذا نَحْوِيُّكُم؟ وكان عثمان صاحب عربية، وطلبها قبل الفقه، وكان يقال له عثمان العربي لذلك.

وحكى الزبيدي في طبقات النحويين، وأبو بكر محمد بن عبد الملك التاريخي في تاريخ النحاة له، كلاهما عن عبيد الله بن معاذ العنبري البصري أنه قال: جاء سيبوبه إلى حماد بن سلمة فقال: أحدثك

ص: 49

هشام بن عروة عن أبيه في رجل رَعُفَ في الصلاة؟ فقال له حماد: أخطأت، إنما هو رَعَفَ، فانصرف إلى الخليل، فشكا إليه ما لقيه من حماد، فقا: صدق حماد، ومثل حماد يقول هذا! ورَعُفَ لغة ضعيفة، والصحيح رَعَفَ.

ويقال في مستقبل رَعَفَ المفتوح العين: يَرْعَف ويَرْعُف، بفتح العين وضمها، حكى ذلك كراع في المجرد، وابن سيدة في المحكم، وابن التياني، والجوهري، وصاحب الواعي، وغيرهم.

ويقال في المصدر: رَعْفٌ ورُعَافٌ، من ابن التياني، وعن ابن سيدة في المحكم وغيرهما.

وقوله: " وعَثَرَ يَعْثُرُ ".

ص: 50

قال أبو جعفر: حكى صاحب الواعي، وابن التياني / وابن سيدة في المحكم أن معنى عَثَرَ: كبا، [أي: سقط لوجهه] قال صاحب الواعي: العرب تدعو على الرجل فتقول: ما له عَثَرَ جده، أي: كبا.

وقال المطرز في شرحه: يكون بالرجل باللسان، تقول العرب: عثر فلان بِرِجْلِهِ وبلسانه.

قال أبو جعفر: يُقالً: عَثَرَ بفتح الثاء كما حكى ثعلب، وعَثُرَ بضم التاء حكاه المطرز في شرحه عن ثعلب، وإن كان الزمخشري في شرحه أنكر الضم، قال: والعامة تقول: عَثُرْتُ، بالضم، وهو خطأ.

وقال ابن سيدة: وأُرى اللحياني حكى: عَثَرَ وعَثِرَ، بفتح الثاء وكسرها، قال ويقال: عَثَرَ، وتَعَثَر، وعَثَرَ، وأعْثَرَه، وأنشد عن ابن الأعرابي:

ص: 51

فخرجتُ أُعْثَرُ في مقَادِمِ جُبَّتي

لولا الحياء أطَرْتُها إحضارا

هكذا أنشده أُعْثَر على صيغة ما لم يسم فاعله، قال: ويروي أَعْثُرُ.

قال أبو جعفر: ومقال في مستقبل عثر المفتوح الثاء لغتان: يَعْثُرُ، ويَعْثِرُ، بالضم والكسر، عن ابن سيدة، وأبي عبيد في المصنف.

وفي مستقبل عَثُرَ المضموم الثاء: يَعْثُرُ بالضم أيضا على القياس. في مستقيل عَثِرَ بكسر الثاء إن صحت: يعثر بالفتح على القياس أيضاً. ويقال في المصدر: عَثْرٌ وعِثارٌ، عن صاحب الواعي، وعن ابن التياني وعن ابن سيدة في المحكم، وزاد مكي في شرحه وعُثُورً وزاد المطرز أيضاً وعَثْرَةٌ.

وفال صاحب الواعي: وقال قوم: عَثَرَ الرجل يَعْثُرُ عُثُوراً، وعَثَرَ

ص: 52

الفرس يَعْثُرُ عِثَاراً ففرقوا بينهما لاختلاف المعنى.

قال أبو جعفر: وحكى هذا أيضاً ابن التياني، وفي الحديث:"اضربوها على العِثَار ولا / تضربوها على النِّفا ر" قال الزمخشري: يقول: اضربوا الخيل إذا عَثَرت؛ كي لا يصير ذلك عادة لها، ولا تضربوها إذا نفرت، فلعلها تنفر من بلية لا ترونها.

قال صاحب الواعي: ويكون عَثَرَ بمعنى: اطَّلَعَ، يقال منه: عَثَرَ الرجل يَعْثِر عَثُراً: إذا اطلع على الشيء ولم يطلع عليه غيره، وعَثَرْتُ منه على خيانة، أي: اطلعت، ولغة أَعْثَرْتُ، وحكى هذا أيضا ابن التياني، وقال في المستقبل: يَعْثِرُ بالكسر، أعني في عَثَرَ التي بمعنى اطلع.

وقال ابن سيده في المحكم: وعَثَرَ العرق بتخفيف الثاء: ضرب، عن اللحياني.

ص: 53

وقوله: " ونَفَرَ يَنْفِرُ ".

قال أبو جعفر: معناه أسرع، [وقيل: جَبُن، قاله المرزوقي]، ولا أذكر في ماضيه الآن سوى الفتح. وأما مستقبله ففيه لغتان: يَنْفِرُ، ويَنْفُرُ، بالكسر والضم، حكاهما يونس في نوادره، وأبو عبيد في المصنف، والجوهري في الصحاح، وغيرهم.

قال التدميري: هو من النفار والاشمئزاز، بضم القاء في المضارع، ومن النَّفْر في سبيل الله ومن عرفات أيضاً بكسرها.

قال أبو جعفر: قال الزمخشري قال ابن الأعرابي: نَفَر الوحش يَنْفُر، ونَفَر الإنسي يَنفِر، واستبد بهدا القول.

فال أبو جعفر: وقد حكينا اللغتين فيهما، وقال صاحب الواعي ومن

ص: 54

خطه ويقال: يوم النَّفَر والنُّفور والنَّفِير والنَّفْر، كلها ليوم النَّفْرِ والحج. قال: ونَفَرَتِ الدابة تَنْفِرُ وتَنْفُرُ نُفُوراً، وهي نُافِرة، بالهاء، قال: وكل فرقٍ من شيء فهو نافرٌ منه، والأنثى نافرة.

قال أبو جعفر: وقال اليزيدي في نوادره: نفرت الدابة وما أشبهها، والإنسان أيضا، وهي تَنْفِرُ نِفَاراً ونَفْراً ونُفُوراً، فهي نَفُور مفتوح الأول، ونافر بغير / هاءٍ. وفي المصدر: نَفْر ونُفُور ونِفَار، عن المطرز في شرحه، وعن مكي في شرحه أيضاً.

[وقال] الجوهري: نَفَر الحاج من منى [نَفْراً]، ونَفَر القوم في الأمر نُفُوراً.

وقوله: " وشَتَمَ يَشْتِمُ ".

قال أبو جعفر: الشَّتم هو: رمي أعراض ألناس بالمعايب وثلبهم، وذكرهم بقبيح لقول حُضَّراً وغُيَّباً، عن ابن درستويه. قال: ولذلك قيل للأسد: شتيمُ الوجه: لأنه قبيح.

وقال المطرز في شرحه: الشتم عند العرب الكلام القبيح سوى القذف، وقال: والعامة تخطئ فيه فتجعله الزنا.

ص: 55

قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: شتَم خفيف التاء، وشَتَّم ثقيل التاء، [وتشتَّم] حكى ذلك المطرز في شرحه عن الفراء.

ويقال في مستقبل شَتَم المخفَّف: يَشْتِم ويَشْتُم، بالكسر والضَّم حكاهما ابن سيده في المحكم، والمطرز في شرحه. قال المطرز حاكياً عن الفراء: إذا أشكل يفعلُ ويفعِل وماضيه على فَعَل بالفتح فَثِبْ على يفعل بالكسر فإنه الباب عندهم.

قال أبو جعفر: ومقال في مستقبل شتَّم المثقل: يُشَتِّم، وفي مستقبل تَشَتَّم: يَتَشَتَّمُ. ويقال في الصفة: شاتِم، وشتَّام، ومُتَشَتِّم عن

ص: 56

المطرز.

وقال ابن سيدة في المحكم: والرجل مَشْتُوم، والأنثى مَشْتُومة، وشَتِيم بغير هاء.

قال أبو جعفر: ويقال في مصدر شَتَمَ المخفف: شَتْمٌ، وشَتِيمةٌ، مَشْتَمَة، حكاها مكي في شرحه.

وفي مصدر شَتَّمَ، وتَشَتَّمَ: تَشْتِيْمٌ، وتَشَتٌّمٌ.

قال ابن سيدة في المحكم: والمَشْتَمَةٌ والشَّتِيْمَةٌ: ما شُتِمَ به الرجل.

قال أبو جعفر: قال يونس في نوادره: أهل الحجاز يقولون: شَتَمَهٌ مَشْتَمَةً قبيحةً بالفتح / وبنو تميم يقولون: مَشْتِمةٌ بالكسر.

وقوله: " ونَعَسْتُ أَنْعُسُ ".

قال أبو جعفر: قال ابن سيده في المحكم: النعاس النوم، وقيل: مقاربته، وقيل: ثَقَلَتُه.

قال أبو جعفر: قال أبو حاتم في لحنه: والعامة تقول: نَعُسَ

ص: 57

بالضم، وهو خطأ.

قال أبو جعفر: لا أذكر الآن في نَعَس سوى الفتح مع بحثي عنها. وفي المستقبل لغتان: يَنْعُسُ بالضم كما حكى ثعلب، ويَنْعَسُ بالفتح حكاها ابن التياني، قال: وبعض بني عامر يقول: يَنْعَسُ بالفتح.

قال أبو جعفر: ويقال في الصفة: رجل نَاعِسٌ، ونَعْسَانٌ، عن ابن سيدة في المحكم، وعن القزاز في الجامع. قال ابن سيدة ولا يقال نَعْسَانُ.

قال أبو جعفر: وكذا حكى ابن التياني عن الأصمعي أنه لا يقال نَعْسَانُ.

قال ابن التياني: وحكى الزجاج عن الفراء أنه أقال: قد سمعت نعسان من أعرابي من عَنَزَةَ، قال: ولكني لا اشتهيه.

ص: 58

قال أبو جعفر: لأن فعلان بابه أن يجيء من فَعِل يَفْعلَ، كقولهم: غَضِبَ يَغْضَبُ فهو غَضْبَانٌ، ورَجِلَ فهو رَجْلَانٌ، قال الشاعر:

عَلَيَّ إذا لاقَيتُ ليلى بِخَلوَةٍ

أنَ ازدار بيتَ الله رَجْلَانَ حافيا

وحكى أيضاً عن صاحب العين أنه قال: وسمعناهم يقولون: نَعْسَانٌ ونَعْسَى، حملوه على وَسْنَانَ ووَسْنَى، وأحسن ما يكون ذلك في الشِّعْر.

قال أبو جعفر: والأنثى ناعِسَة ونَعْسَى، عنهم أيضاً. ابن التياني وابن سيدة: ونَعُوسٌ. ابن سيدة: ونعاسة. ابن التياني: ومنعاس، حكاه عن ابن الأنباري عن الأصمعي.

ويقال في المصدر: نعاس عن ابن سيدة، وزاد صاحب الواعي وابن

ص: 59

التياني: و"نَعْسٌ" بإسكان [العين].

قال أبو جعفر: وثبت في بعض النسخ " وأنا ناعس".

/ فيقول القائل: لأي شيء ذكر ثعلب اسم الفاعل من نعست ولم يذكر من غيره؟ والجواب: لأنه وجد الناس يقولون: نعسان، وهو عنده خطأ، فأراد أن يبين لهم الصواب فيه.

وقوله: "ولَغَبَ الرَّجُل يَلْغَبُ ".

قال أبو جعفر: اللغب هو التعب، وفي التنزيل:{وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} قاله صاحب الواعي، وغيره.

وقال ابن سيدة في المحكم: لَغِبَ: أعيا أشد الإعياء، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} بفتح اللام.

ومقال في الماضي: لَغَبَ ولَغِبَ، بالفتح والكسر عن عبد الحق،

ص: 60

وابن سيدة في المحكم، وعن اليزيدي في نوادره، وقال عنها: هي لغة قليلة. وزاد صاحب الواعي ولَغُبَ بالضم، فتلك ثلاث لغا.

قال ابن القطاع: ولَغُبَ الرجل بالضم لَغَاَبَةٌ، ولُغُوبَةً: ضعف، فهو لَغْبٌ.

ويقال في مستقبل لَغَبَ المفتوح العين يَلْغَبُ ويَلغُبُ، بالفتح والضم، عن ابن خالويه.

ويقال في مستقبل المضموم: [يلغُب]، والمكسور الغين:[يلغَب] على القياس. وفي الصفة: لَاغِبٌ، ولَغِبٌ؛ عن المطرز في شرحه. وفي المصدر عنه اللَّغْبُ، والاسم اللُّغُوبُ.

وقال ابن سيدة، وصاحب الواعي: لَغِبَ - بكسر الغين - لَغَبَا

ص: 61

بالتحريك، ولَغَبَ - بالفتح - لُغُوباً، ولَغْباً.

وحكى المطرز في شرحه أنه يقال: لَغَبَ الرجل، وأعيا، وتعب، ونَفِهَ، ونَفَهَ، وبَدَّدَ، كل ذلك إذا تعب.

قال أبو جعفر: وقال أبو عبيد في المصنف: وأَفْثَج، وأَفْثَى، وباخ، وأنبهر وقبع. قال: والأين الإعياء، وليس له فعل.

وقوله: " وذَهَلْتُ عن الشيء أَذْهَلُ ".

قال أبو جعفر: معناه تناسيته، أو شُغِلتُ عن، قاله ابن طريف / في أفعاله، وابن القطاع. وقال كراع في المجرد: معناه نسيته. وقال أبو جعفر بن النحاس في كتاب الاشتقاق له: ذهلت عن الشيء: إذا طبت نفسا بتركه لشغل قلبك بغيره.

قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: ذَهَلْتُ، وذَهِلتُ، بفتح الهاء وكسرها،

ص: 62

عن أبي عبيد في الغريب المصنف، وعن كراع في المجرد، كل عن ابن النحاس في الاشتقاق، وهن اليزيدي في نوادره، وعن ابن طريف، وغيرهم.

وقال مكي في شرحه: وقد أُولِعَت العامة بذَهِلْتُ، بكسر الهاء، والصواب ذهلت بفتحها.

قال أبو جعفر: قد حكينا عن اللغويين أنه يقال بالوجهين.

وقال ابن طريف وابن القوطية ويقال: ذهلت عن الشيء، وذهلته، بغير حرف جر.

وفي الصفة: ذَاهِلٌ، وفي المصدر: الذٌّهُول، عن ابن درستويه.

ص: 63

وقوله: " وغَبَطْتُ الرَّجُل أَغْبِطُهُ".

قال أبو جعفر: الغبط [عند] أكثر اللغويين خلاف الحسد، وفرقوا بينهما بأن قالوا: الغبط هو أن يتمنى أن يكون له مثل ما عند إنسان من نعمة ولا يزول ما عنده، والحسد هو أن تريد زوال ما عند إنسان مع كونه لك، ذكر هذا الفرق غير واحد من اللغويين. وقال ابن فارس في كابه المجمل: الغبطُ: الحسدُ. وقال كراع في المجرد ويقال: الغَبْطُ أيضاً: الحسد، وليس بمحفوظ. وقال ابن التياني في مختصر الجمهرة: غبطت الرَّجُل: حسدته على الشيء، وأنشد في الموعب:

* فالناس بين شامت وغُبَّطِ *

وحكى القزاز في / الجامع: غبطت الرجل: إذا حسدته.

وقال أبو عبيد في الغريب المصنف، والهروي: سئل النبي

ص: 64

صلى الله عليه وسلم هل يضر الغبطُ؟ قال: لا، إلا كما يضر العِضَاهَ الخبطُ.

قالا: ففسر الغَبْطُ بالحسد.

قال أبو جعفر: وقد تأول الناس هذا الخبر، فمما قيل في تأويله: إنما كُرِهَ الغبطُ لئلا يجر إلى الحسد، وهو من باب الشيء تتركه ولك فيه سعة: لئلا تدخل في محظور كقولهم: ليس الزهد في الحرام، إنما الزهد في الحلال، وهذا تأويل ثعلب ذكره المطرز في شرحه.

وقد ورد ما يقتضي بظاهره إباحة نوعٍ من الحسد، جاء في الحديث:" لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها".

وقد تؤول أيضاً هذا الحديث بتأويلاتٍ منها: إن الحسد هنا شدة الحرص والرغبة، كنى بالحسد عنهما لأنهما [سببه]، قاله الخطابي.

وقيل: إنه تخصيص لإبادة نوع من الحسد، وإخراج له عن جملة ما حُظِرَ منه، كما رخص في نوع من الكذب، وإن كانت جملته محظورة، كقوله

ص: 65

عليه الصلاة والسلام: "إن الكذب لا يحل إلا في ثلاث: "رجل يكذب في الحرب، والرجل يصلح بين اثنين، ويحدث أهله ليكذبها". أي: يترضاها؛ ذكر هذا التأويل صاحب الواعي.

قال القزاز يقال: حسدتك على هذا الشيء، وحسدتك هذا الشيء، بمعنى واحد، قال ويقال منه: حَسَدَ يَحْسُدُ، فهو حاسِدٌ وحَسُودٌ وحَسَّادٌ

قال ابن سيدة في المحكم: رجل حَاسِدٌ من قوم حُسَّدٍ، وحُسَّادٍ، وحَسَدَةٍ / وحَسُودٌ من قوم حُسُدٍ، والأنثى بغير هاء.

قال أبو جعفر: وحكى اللحياني في نوادره أنه يقال: حَسَدَ فلانٌ فلاناً يحسُده، ويحسِده، بضم السين وكسرها، حَسَداً، وحَسَادةً.

ابن القطاع: وحُسُودةً، وحَسَداً وحَسْداً، بالتحريك والإسكان. وحكى صاحب الواعي عن ابن الأعرابي: أن الحسد مأخوذ من الحَسْدِ ل، وهو القُرَادُ، فهو يَقْشِرُ القلب كما يَقْشِرُ القرادُ الجِلْدَ فيمص الدم.

ص: 66

وحكى صاحب الواعي أيضاً، وابن التياني، وكراع في المجرد أنه يقال: غبطت الرجل أَغْبِطُهُ غَبْطاً، وغِبْطَةً، ومَغْبِطَةً، ومَغْبَطَةً.

قال الزمخشري في شرحه يقال: غَبَطْتُ الرجل في كذا وبكذا، وبالباء أجود، وأنشد:

وأُغْبَطُ من ليلى بما لا أنالُهُ

ألا كل ما قَرَّتْ به العينُ صالحُ

قال: والغبط أيضاً الجسٌّ، قال لا الشاعر:

* كالغَابِطِ الكلبَ يرجو الطِّرْقَ في الذَّنَبِ *

قال أبو جعفر: ولا أذكر الآن في ماضيه سوى الفتح، ولا في مستقبله سوى الكسر.

ص: 67

وقوله: " وخَمَدَتِ النَّارُ ".

قال أبو جعفر: معناه سكن التهابها؛ قاله غير واحد.

ويقال خَبَتَ بمعنى: خَمَدَتْ، وكَبَتَ: إذا غطاها الرماد والجمر تحته، وهَمَدَتْ: إذا طُفِئَتْ ولم يبق منها شيءً البتة، قاله يعقوب في الإصلاح، وغيره.

قال أبو جعفر: وقال المطرز في شرحه يقال: خمدت: إذا سكن لهبها، وهمدت: إذا سكن لهبها أقل من ذلك، فإذا التهبت قليلاً قيل: اشتعلت وأستعرت، وسَعَرَتْ، فإذا زادت على ذلك قيل: احتدمت، وما أشد حدمتها، فإذا زادت على ذلك قيل / فارت تفور فوراً، فإذا زادت قليلاً قيل: زَفَرَتْ، وتَلَظَّتْ، ولَسَّنَتْ.

وقال المطرز أيضا في "ياقوته ": هي النار، والمانُوسة

ص: 68

والوَبِيصَةُ، والوَابِصَةُ، والسكن.

قال أبو جعفر: ومقال في الماضي: خمدت بفتح الميم، كما قاله ثعلب، وهو المشهور من كلام اللغويين.

قال الزمخشري: والعاهة [تقول]: خَمِدَتْ، بكسر الميم، وخَمِدَتْ، وليستا بلغة. وقال أبو حاتم في تقويم المفسد: لا يقال خَمِدَتْ بكسر الميم، وإنما يقال: خَمَدَتْ بفتحها. وحكى المطرز في (شرحه) وفي (ياقوته) عن ثعلب عن ابن الأعرابي: خمدت بكسر الميم. ولا أعرفه عن غيره.

وقوله: "وغيرها تَخْمُدُ".

قال أبو جعفر: يعني أن الخمود يستعمل في النار وفي غيرها، يقال: خَمَدَ القوم: إذا انقطع حسهم، مأخوذ من خمود النار. وقوله تبارك وتعالى:{فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} أي: قد انقطع حسهم وحركتهم. وخَمَدَ المريض: إذا أُغمي عليه، مأخوذ من هذا أيضاً. وخَمَدَتِ الحُمَّى: إذا سكن فورانها، وكله من هذا، قاله صاحب الواعي.

وقوله: "وعَحَزْتُ أَعْجِزُ"

قال أبو جعفر: العَجْز في كلا العرب أن لا تقدر على ما تريده، قاله

ص: 69

المطرز في شرحه. وقيل العجز: الكسل والتواني، قاله ابن السيد في المثلث.

قال أبو جعفر: هذا يقتضي أن العجز هو الكسل وليس بالمشهور، وإنما المشهور الفرق بين العجز والكسل.

قال صاحب تثقيف اللسان: عجزت عن الشيء: إذا حاولته فلم تقدر عليه، وكسلت عن الشيء: إذا تركته وتراخيت عنه وأنت تريده.

ولأجل الفرق بينهما اخذ على ابن قتيبة في خطبه / أدب الكتاب حين قال: "واستوطؤا مركب العحز " فقيل: إنما كان الوجه أن يقول واستوطؤا مركب الكسل: لأنهم قادرون على ما ذكر لولا الكسل.

لكن يتخرج كلام ابن قتيبة على ما حكيناه عن ابن السيد، من أن العجز هو الكسل، وحكى الزبيدي قال: حدثت أن بعض الصناع وعد رجلاً من أهل العلم بصناعة شيء من عمله، وحد له وقتاً، فأتاه للوقت، فلم يلف ذلك الشيء كاملاً، فقال له: أعجزت عن عمل كذا؟ فقال له: لم أعجز،

ص: 70

ولكني كَسِلْتُ، قال: فتصاغرت إلي نفسي أن يكون الصانع أعلم بمواقع الكلام مني.

قال أبو جعفر: في الماضي لغتان: عَجَزَ بفتح الجيم، كما ذكره ثعلب، وهو المشهور، قال ثعلب: قلت لابن الأعرابي أتقول: عجزت بكسر الجيم من العجز؟ قال: لا، إنما أقول: عجزت بفتح الجيم من العجز، وعجزت من العجيزة، وعجزت المرأة من العجوز.

قال المطرز: وأخبرنا ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي [قال]: عَجَزْتُ أَعْجِزُ، وعَجِزْتُ أَعْجَزُ، كلاهما من العَجْز.

قال أبو جعفر: وحكى أيضا أبو حاتم في تقويم المفسد عن أبي زيد: عَجِزَ بالكسر، وقال: إنها لغة لبعض قيس.

وحكاها [ابن] التياني أيضاً، واللحياني في نوادر، وقال: إنها لغة رديئة، وحكاها أيضا القزاز في الجامع، وابن القطاع، ويعقوب في فعل وأفعل، وثابت في فعل وأفعل وقال: الفتح أكثر، وأبو عبيدة في فعل وأفعل وقال: الجيدة بالفتح، وأبن خالويه، وغيرهم.

ص: 71

فقول ابن الأعرابي: إنه لا يقال عَجِزْتُ بكسر الجيم من العَجْز، قد حكيناه كما تقدم، وقوله: وعَجِزَتْ من العجيز ة، قد حكاه ابن سيده في المحكم / بالفتح.

وقوله: وعجزت المرأة من العجوز، قد حكى صاحب الواعي التخفيف فيه، فقال يقال: عَجَزَتْ تَعْجِزُ عَجْزاً: إذا صارت عجوزاً، وعًجَّزَتْ تُعَجِّزُ تَعجِيزاً. وقد قيل:"اتق الله في شبيبتك وعجزك" فهذا من عَجَزْتُ بالتخفيف.

قال أبو جعفر: وحكى هذا أيضاً ابن سيدة، وحكى أيضا في المصدر: عَجْزاً، وعُجْزاً، بالفتح والضم. قال ويقال: تَعَحَّزَتْ أيضاً.

قال ابن السيد في مثلثه: أكثر ما يقال عجزت بالتشديد.

وحكى ابن طريف قال: شاهدت مناظرة جرت بين رجلن هن أهل الأدب في شيء من النحو، فجرى في تضاعيف المناظرة كلام تكلم به أحدهما، فقال مخبراً عن نفسه: عجزت عن كذا، فقال خصمه: وهل يعجز مثلك أبا فلان؟ فقال: بلى، قد يلحق الحصر والكسل جميع بني أدم، فقال خصمه: انظر ماذا تقول؟ إنما ينبغي لك أن تقول: عَجَزْتُ بفتح الجيم، كما قال تعالى

ص: 72

مخبراً عن ابن آدم {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} ومستقبله يعجز بكسر الجيم، كما جاء في الحديث:"أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضمٍ" وإنما يقال: عجزت امرأة بكسر الجيم إذا: عظمت عجيزتها، والمستقبل: تعجز، والمصدر: عًجًزٌ بفتح الجيم، أفبمثل هذا أخبرت عن نفسك يا أبا فلان؟ فأخجله، وأضحك أهل المجلس منه.

قال ابن طريف: ولو أن هذا الأديب إذ لم يحفظ اللغة المالية المشهورة كلم أن طائفة من العرب تقول: عجز بمعنى: عجز، لما علاه خصمه بالحجة.

قال أبو جعفر: ويقال في الصفة: عَاجِزً، وعَجُزٌ وعَجِزٌ، بضم الجيم وكسرها، عن صاحب / الواعي ومن خطه نقلته.

وحكى ذلك أيضا ابن التياني، وكراع في المجرد، وزاد المطرز في شرحه: وعَجِيزٌ.

وحكى الجوهري في الصحاح في المصدر: عُجْزاٌ، ومَعْجِزَةً ومَعْجَزَةً، بكسر الجيم وفتحها، مَعْجِزاً ومَعْجَزاً، بالكسر والفتح أيضا.

ص: 73

وقوله: " وحَرَصَ يَحْرِصُ ".

قال أبو جعفر: قال صاحب الواعي، معنى حَرَصتُ على الشيء: إذا اجتهدت في اغتنامه. وقال التدميري: أي أحببته فطلبته، والحرص مثل الطمع مقترناً بالطلب.

وقال صاحب العين: الحرص شدة الإرادة. وقال المطرز: الحرص هو الطلب بالنية والجوارح بتعب وحيلة، وقال ابن القطاع: حَرَصَ: رَغِبَ رغبه مذمومةً.

قال أبو جعفر: قال أبو حاتم في تقويم المفسد، وأبو الفتح المراغي في لحنه: حرص الرجل بالفتح، والعامة تقول: حرص بالكسر وهو خطأ: قال الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} .

ص: 74

قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى ابن التياني عن أبي زيد وعن قطربٍ: حرِصَ، بالكسر. وحكى ذلك أيضاً ابن سيدة في كتبه، واللحياني في نوادره، وكراع في مجرده، وابن خالوبه في كتاب أبنية الأفعال، وأبن دريد في الجمهرة، وصاحب الواعي، والمطرز، وابن القطاع في أفعاله، وقال: والفتح أفصح.

وقال ابن جني في كتابه المحتسب: والفتح أعلى، وقرئ قوله تبارك وتعالى:{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} ، و" إن تحرص" بالكسر والفتح.

وبفتح الراء في المستقبل قرأ الحسن، [وأبو] حيوة، قال ابن / جني: وكلاهما من معنى السحابة الحارصة، وهي التي تقشر

ص: 75

وجه الأرض، وشجة حارصةٌ: وهي التي تقشر جلدة الرأس، فكذلك [الحرص]، فكأن صاحبه ينال من نفسه لشدة اهتمامه بما هو حريص عليه، حتى يكاد يَحًتٌّ مستقر فكره.

قال أبو جعفر: ويقال في مستقبل حرص المفتوح الراء: يحرص بكسرها، ويحرص بضمها، عن ابن سيده في المحكم، وقال القزاز: والكسر أكثر.

ويقال في مستقبل حرص المكسور: يحرص بفتح الراء على القياس. ومقال في الصفة: رجل حربص، [والقياس حارص] من قوم حِرَاصٍ، وحُرصَاء حكى ذلك ابن التياني، وابن سيده في المخصص: وصاحب الواعي. وزاد ابن سيده في المخصص: وامرأة حريصة من نسوة حِرَاصٍ، وحَرَائِصَ.

وحكى في المحكم في المصدر: حرصت حِرْصاً، بكسر الحاء، وحَرْصاً بفتحها، وحَرِصَ حَرَصاً، بفتح الحاء والراء.

وقوله: " ونَقَمْتُ على الرجل أَنْقِمُ ".

قال أبو جعفر: يقال: نقمت على الرجل، ونقمت، بفتح القاف

ص: 76

وكسرها، أي: أنكرت عليه قولاً قاله، أو فعلاً فعله، حكاه المطرز في شرحه عن الفراء، وحكاه أيضا أبو عبيد في الغريب المصنف، ومكي في شرحه، وصاحب الواعي، وابن القطاع في أفعاله، والزمخشري، وقال: والكسر أفصح.

قال صاحب الواعي: وبالوجهين قرئ قوله تبارك وتعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ} "ونقموا".

قال أبو جعفر: ويقال: نَقَمْتُ منه كما في الآية الكريمة. وأنشد أبو عبيد:

/ ما نَقَم الناسُ من أميّة إلا

أنَّهم يحلمون إن غَضِبُوا.

ص: 77

وحكى المطرز في شرحه، ومكي، في مصدر المفتوح: نِقْمَةً، ونَقِمَةً، ونَقْماً. [قال العماني: ونَقِيمةً].

وفي مصدر المكسور: نقماً، بفتح النون والقاف.

قال أبو جعفر: قال أبو عبيد، وابن القطاع: ونقمت منك، بكسر القاف نقْمةً: عاقبك.

قال أبو عبيد: وفي الحديث: "فهو كالأرقم، إن يقتل يَنْقَم، وإن يترك يلقم"، قال ابن خالويه: معناه إن بترك الأرقم - يعني الحيَّة -

ص: 78

يعَضُّ، وإن يقتل ينتقم له، أي: كان له من ينتقم، فهذا على نَقِمَ يَنْقَم، قال: والأجود نَقَمَ يَنْقِمُ، وإنما جاء بهذه اللغة في هذا المثل للمشاكلة.

قال أبو جعفر: وكذا فسره أبو عبيد في الأمثال، فقال يقول: إن قلته كان له من ينتقم له منك، وإن تركته قتلك.

قال أبو جعفر: وحكى الزبيدي في مختصره بخلاف ما تقدم، قال: نَقَمَ يَنْقِمُ نَقَماً ونِقْمَة، ونَقِمَ: إذا انْتَقَمَ، قال: ونقمت الشيء: أنكرته.

قال أبو جعفر: فحكى في نقم التي في معنى الانتقام الوجهين، وفي التي بمعنى الإنكار وجهاً واحداً، وهو الفتح، بخلاف ما تقدم.

وزاد صاحب الواعي، ونقلته من خطه: ونِقِمَةً بكسر النون والقاف في مصدر التي بمعنى العقوبة. وحكى في مصدرها أيضاً مكي: نقوماً.

وقوله: " وغَدَرْتُ به أَغْدِرُ ".

قال أبو جعفر: الغَدْرُ نقض العهد وتركه، عن ابن فارس في كتابه

ص: 79

المجمل. وذلك مثل أن تؤمن / إنساناً ثم تقتله، وتسلب ماله.

قال التدميري: وكأنه مأخوذ المعنى من غادرت الشيء: إذا تركته، فكأنك تركت ما كان بينك وبينه من المهد، قال: وأصله من الغدير، وهو الماء الذي يغادره السيل، أي: يُخَلِّفه ويتركه.

قال أبو جعفر: وبقال في الماضي غر بالفتح، كما حكاه ثعلب، وكذا حكاه غيره. وحكى ابن هشام السبتي في شرحه، ومن خطا نقلته: غدر بالكسر، ولا أعرفه من غيره مع بحثي عنه، وحكى ابن الأعرابي في نوادره أنه يقال: غَدِرَ الرجل - بكسر الدال - عن أصحابه: إذا تخلف، قال ويقال: مات إخوته وغَدِرَ.

قال أبو جعفر: يقال في مستقبل غَدَرَ بالفتح: يَغْدِرُ ويَغْدُرُ، بالكسر والضم، عن الحضرمى فى شرحه.

وفي مستقبل غدر بالكسر: يَغْدَرُ، بالفتح على القياس.

ص: 80

وحكى ابن سيدة، وابن أبان، والجوهري أنه يقال: غَدَرَهُ، وغَدَرَ به. ويقال في الصفة: غَادِرٌ، وغَدَّارٌ، وغَدُورٌ، عن ابن سيدة في المخصص، وعن محمد بن أبان في كتابه العالم، وعن المطرز في شرحه.

قال ابن سيدة، ومحمد بن أبان: ورجل غَدُورٌ، والأنثى بغير هاء. وزاد:"وغِدِّيرٌ". وزاد المطرز: وغُدَرَةٌ، وغُدَرٌ، وغَدِرٌ.

قال ابن سيدة، ومحمد بن أبان: ويقال للرجل: يا غُدَرُ.

قال أبو جعفر: قال ابن فارس في كتابه المجمل، والجوهري: والجمع يآل غُدَرَ.

قال أبو جعفر: قال ابن سيدة، وابن أبان: ويا مَغْدَرُ، ويا مَغْدِرُ، ويا بن مَغْدَرَ ومَغْدِرَ / والأنثى يا غَدَارِ، لا يستعمل إلا في النداء.

قال أبو جعفر: قال صاحب الواعي، وغيره: وليس يجوز أن يقال: هذا

ص: 81

غُدَرُ، أو هذه غَدَارِ، إنما جرى هذا في كلامهم في النداء.

قال أبو جعفر: وقال [الجوهري]: وأكثر ما يستعمل هذا في النداء بالشتم، يقال:"يا غُدَرُ ألست أسعى في غَدْرَتِكَ ".

قال أبو جعفر: قال صاحب الواعي: وغَدَّارَةٌ للكثير الغدر. وقال ابن التياني في مختصر الجمهرة: رجل غِدِّيرٌ: غادر، من قوم غَدَرَةٍ.

قال الأخفش في كتاب صعاليك العرب: وغَادِرٌ وغدار مثل: شَاهِدٍ وشُهَّادٍ، فإذا قالوا غُدَّرٌ وشُهَّدٌ فهو محذوف.

قال أبو جعفر ومقال في المصدر: غَدْرٌ، ومَغْدِرَةٌ، ومَغْدَرةٌ.

ص: 82

وقال اللحياني في نوادره: وغُدْرَانٌ.

وقوله: "وعمدت للشيء أعمد: إذا قصدت إليه"

قال أبو جعفر: قد تولى ثعلب تفسيره، وكذا فسره غيره.

قال ابن التياني عن الأصمعي: ولا يقال عمدت، بكسر الميم.

قال أحمد: وكذا أنكر الكسر الزمخشري في شرحه، وغيره.

وحكى المطرز في شرحه عن ثعلب أنه يقال: عمدت بكسر الميم. ولم أر أحداً حكاه سواه.

ويُقالُ أيضاً: تعمده واعتمده، عن ابن سيدة في المحكم، وعن ابن التياني. وحكى ابن سيدة في

ص: 83

المحكم أيضاً، والمطرز في شرحه: عَمَدَهُ، وعَمَدَ إليه، وعَمَدَ له.

قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: عَمْدٌ، وعَمَدٌ، وعِمَادٌ، وعُمْدَةٌ، عن المطرز / في شرحه. وقال ابن الأعرابي في نوادره: وعُمُودُ، ومَعْمَدٌ، عن ابن عرفة، ذكره في شرح شعر سحيم.

قال أبو جعفر: ومعنى قول ثعلبٍ: " إذا قصدت إليه": إذا أتيته، والقَصْدُ: إتيان الشيء، تقول قَصَدتُه، وقَصَدتُ إليه، وقَصَدتُ له، بمعنى، عن الجوهري، وابن القطاع.

وقوله " وهَلَكَ يَهْلِكُ ".

قال أبو جعفر: معناه مات، حكاه ابن التياني عن أبي زيدٍ، وقاله أيضا ابن سيدة في المحكم، وغيره. وزاد المطرز: أو وقع في أمرٍ شديد كالموت. وأما الماضي فحكى المطرز في شرحه [عن ثعلب] عن

ص: 84

سلمة عن الفراء أنه: لا يجوز هلك، بالكسر في لغة من اللغات.

قال أبو جعفر: ما حكاه المطرز هو المشهور عند اللغويين، وما رأيت أحداً حكى فيه سوى الفتح إلا ابن التياني في المُوعَبِ فإنه حكى عن كراع أنه يقال: هلك يهلك، بالكسر في الماضي، وقال: إنها لغة رديئة جدا. وقال الزمخشري في شرحه: والعامة تقول: هلك بالكسر، وهي لغة ضعيفة.

وقال ابن جني في كتابه المحتسب في قوله تبارك وتعالى: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [بفتح الياء واللام من يهلك] إنما هو من باب ركن يركن، وقَنَطَ يَقْنَطُ، وكل ذلك لغات

ص: 85

مختلطة عند أبي بكر، قال: وقد يجوز أن يكون ماضي يهلك: هلك، كَعَطِبَ يَعْطَبُ، فاستغنى عنه بهلك، وبقيت يهلك دليلاً عليها.

قال أبو جعفر ويقال: أهْلَكَهُ الله، وهَلَكَهُ الله في معنى أَهَلَكَهُ، حكى ذلك صاحب الواعي، وابن القوطية، والجوهري، وصاحب المُوعَب / وقال عن أبي عبيدة: إنها لغة لبني تميمٍ، قال: وأبو عبيد بمثله، وابن قتيبة كذلك.

قال أبو جعفر: وأما المستقبل فيقال في هَلَك المفتوح: يهلك بالكسر، وفي هلك المكسور على ما حكاه ابن التياني: يَهْلَكُ، بالمفتح على القياس فيهما.

ويقال في الصفة: هَالِكٌ، والجمع هَالِكُونَ وهُلْكٌ وهَلْكَى، عن المطرز في شرحه.

وقال محمد بن أبان: و [هُلَّاكٌ]. وقال هو، وابن التياني، والجوهري: وهَوَالِك.

ص: 86

قال أبو جعفر: وفاعل وفواعل في المذكر قليل، يقال: فَارِسٌ وفوارسٌ، وهَالِكٌ وهَوَالِكٌ، ونَاكِسٌ ونَوَاكِسٌ.

قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: هَلَاكٌ، وهُلْكٌ، وهُلْكَة، ومَهْلَكَةٌ، عن المطرز.

قال صاحب الواعي: وهَلْكٌ، بفتح الهاء وإسكان اللام. وقال اليزيدي في نوادره: وهَلَكَةٌ، بفتح الهاء واللام. وقال الجوهري: هُلُوكاً، ومَهْلُكا، ومَهْلِكاً، ومَهْلُكاً.

قال أبو جعفر: وقال ابن خالويه في كتاب ليس، وفي الأبنية: وتُهْلُوكاٌ، قال: وأنشدنا أبو عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي:

شَبِيْبُ عادى الله من يَجْفُوكَا

وسَبَّبَ الله له تُهْلُوكَا.

ص: 87

وقال محمد بن أبان عن أبي إسحاق الزجاج: وتَهْلَكَةٌ وتَهْلُكَةً على أنهما مصادر. وقال: وعند الفارسي هما اسمان، بمنزلة التَّتْفَلَةِ، والتَّتْفُلَةِ.

وقال الجوهري عن اليزيذي: التَّهْلُكَة من نوادر المصادر، ليست

مما يجري على القياس. وقال ابن خالويه في كتاب الأبنية له: ليس في كلام العرب مصدر على تَفْعُلَة - بضم العين - إلا حرف واحد / هَلَك تَهْلُكَةً.

قال الجوهري: والاسم: الهُلْكُ. قال وقولهم: " أفعل ذاك إما هلكت هلك" بضم اللام والهاء، غبر مصروفٍ، أي: على كل حال. وقال عن الكسائي يقال: "وقع في وادي نهلك " بضم التاء والهاء

ص: 88

واللام مشددة، وهو غير مصروف، مثل: تُخُيِّبَ، ومعناهما الباطل.

قال أبو جعفر: وحكي اللحياني في نوادره أنه يقال: مات فلان، وهَلَكَ، وفاَدَ، وجَنَّصَ، ودَنَّقَ، وعَكَّى، وهرْوَزَ، وعَصَدَ، وهَبَزَ، وقَفَزَ، وفَوَّزَ، وقَرَضَ الرِبَاط ولَقِيَ هِنْدَ الأحَامِسِ، وفَاضَ، وفَاظَ، وفَطَسَ وطَفَسَ، وقَفَسَ وفَقَسَ مقلوب، قال ويقال أيضاً: فاظت نفسه، وفاضت نفسه، تجعل الفعل [للنفس]. قال: وقال بعضهم: فاض فلان نَفْسَه، أي: قاءها. قال: وحكي الأصمعي: حان فَوْظُهُ، قال ويقال: دَابَرَ، أي: مات، وأنشد:

زَعَمَ ابنُ جُدْعانَ بنِ عمـ

ـروٍ أنَّنِي يوماً مُدَابِرْ.

أي: ميِّت.

ص: 89

قال أبو جعفر: وذكر ابن الأعرابي في نوادره بعض ما حكيناه عن اللحياني، وزاد: وأَبَزَ، وهَزَأ، وقَحَزَ ونَفَقَ.

قال أبو جعفر: وزاد أبو زيد في كتاب الغرائز: وهَدَأَ، وفَرَغَ، وبَرَدَ، وفَاقَ.

قال أبو جعفر: وزاد يعقوب في ألفاظه: وقَلِتَ، وخَفَتَ، وجاَدَ، ووَجَبَ، وشَجِبَ، وتَنَبَّل، وأَشْعَبَ، وزَهِقَتْ نفسُه، وقَضَى نحبَهُ، ولَفَظَ عَصَبَهُ، ولَفَظَ نَفْسَهُ، ولعَقِ إصبعه، ولطع إصبعه.

قال أبو جعفر: العَصَبُ: الريق على الشفة اليابس، أي: ضربه حتى ألقى ذلك، وذلك لا يُلْقَى. وروى المُهَلَّبِيُّ لَعِقَ بكسر العين،

ص: 90

وبالكسر رأيته بخط محمد بن عبد السلام/ الخُشَتِيِّ.

وقال ابن الأعرابي في ألفاظه: وأَرَاحَ، وقَشَمَ. وقال ابن سيده في المحكم: وتاَغَ.

وزاد الجوهري: وقَرَضَ، وقُبِضَ فلان، أي: مات.

وقال صاحب الواعي: وتَرَزَ: إذا مات، حكاه عن قاسم صاحب الدلائل، وحكاه أيضاً أبو نصر البصري في الألفاظ له، وزاد: وتَزِرَ بالكسر، ورَدِي، وزَأمَ، وأَفَاتَ، وأقَصَّهُ الموت، وقَفَّى عليهم الخَبَالُ، ولَفَظَ الحياة، وعَفَّى، وتَوَى، وأنشد:

[فـ] من للقوافي بعد كعبٍ يَحُوكُها

إذا ما تَوى كعبٌ وفَوَّزَ جرولُ

ص: 91

وثَوَى، وعَطِبَ، وعَنِتَ ووَتِغ، ووَبَقَ، قال: وأوبقتُه أنا، قال تبارك وتعالى:{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} ، وتودأت، قال: ومات حَتْفَ أنْفِهِ: إذا لم يقتل.

قال أبو جعفر: وهَمَدَ أيضاً، وهَيْرَزَ هَيْرَزَةُ، وفَطَسَ وفَطِسَ، وفَطَزَ وفَطِزَ، بمعنى مات، عن ابن القطاع. قال: وخَبَصَ أيضاً، وطَنْفَسَ: إذا مات.

وقال القزاز: إذا مات الرجل أو فُقِد قلت: اُخْتُلِجَ، كأنه ذهب به. وقال صاحب المبرز ويقال للذي مات: قد بُدِئ.

قال أبو جعفر: أوْدَى فلان: هَلَكَ، قال امرؤ القيس:

*وأودى عصام في الخطوب الأوائل*

ص: 92

وقال صاحب الواعي: ويقال أبن الرجل: إذا مات، قال: ذكره أبو جعفر عن أبن الأعرابي. وزاد أبو عبيد في المصنف: وظَنَّ، وتَغِبَ.

وقال يعقوب في ألفاظه: ويقال: نزل به حمَامُهُ، أي: مَوْتُهُ. قال ويقال: سَاقَ، ونَزَعَ، وحَشْرَجَ، وكَرَّ، وشَقَّ بَصَرُهُ.

وحكي ابن الأعرابي في نوادره أنه يقال: تَاقَ الرجل يتَوُقُ، وراَقَ يَريِقُ، وفَاقَ يَفِيقْ، وكَرَّ، و [ساق] / وغَرَّ، وغَرْغَرَ: إذا جاد بنفسه.

وقوله: «وعَطَسَ يَعْطِسُ» .

قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: العُطَاسُ معروف المعنى، قال: وهو مأخوذ من العُطَاس الذي هو الصُّبْحُ، أو من الانتباه من النوم: لأن عُطَاس الإنسان إنما هو [تخلص من] بخار مُسْتَكِنِّ في الرأس والخياشيم، وانفساح من ضيق وغم، فهو في ذلك بمنزلة الصبح الخارج من الظلمة أو الانتباه من الرقدة.

ص: 93

قال أبو جعفر: العُطَاس يقع على ما يصيب، الإنسان، ويقع على الصبح أيضاً كما قال ابن درستويه، وكذا قال ابن سيدة في المحكم وصاحب الواعي. وغيرهما. وليس في بيت امرئ القيس- وهو قوله:

وقد أغتدي قبلَ العُطَاس بِهَيكَلٍ

شَدِيدِ مَشَكِّ الجَنْبِ فَعْم المُنَطَّقِ

- دليل على أن العُطَاس هو الصُّبْح كما زعم بعضهم، لاحتمال أن يكون امرؤ القيس إنما أراد أن يُبَكِّر قبل أن ينتبه أحد من نومه فَيَعْطِس وذلك بليل فيتشاءم به، فيرجع عن مراده، لأن العرب كانت تتشاءم بالعطاس، قال العجاج يصف فلاة:

* قطعتها ولا أهابُ العُطَّسَا*

العُطَّسُ جمع عاطِسٍ، وقال الشاعر:

وخرقٍ إذا وَجَّهتَ فيه لغَزوةٍ

مضيتَ ولم تحبسْكَ عنه العواطسُ

أنشده ابن التياني، وأنشده أيضاً:

*لا تَلْتَوى من عاطسٍ ولا نَغَقْ**

وما ذكرته من الاحتمال في البيت ذكره ابن التياني، وغيره.

ص: 94

قال الزمخشري في شرحه: ولا يقال لغير الإنسان يَعْطِسُ إلا للهر خاصة، وكذلك [قولهم] خرج فلان قبل العُطَاس يعنون قبل الصبح، وأصله/ قبل انتباه الناس. وفي الماضي لغتان: عَطَسَ بالفتح كما حكاه ثعلب، وهو الذي حكاه الناس كلهم. وغطس بالكسر حكاه مكي في شرحه، ولم أر أحداً من اللغويين حكاه سواه.

وفي المستقبل لغتان: يَعْطِسُ بالكسر، ويَعْطُسُ بالضم: عن أبي عبيد في المصنف، وعن الجوهري، والقتبي. ولم يحك الضم في المستقبل يعقوب في الإصلاح. وحكي اللغتين أيضاً ابن سيدة في المحكم وابن التياني، وصاحب الواعي، والمطرز، [وغيرهم]، وزاد المطرز: والأفصح الكسر.

ص: 95

وحكي اللغتين أيضاً اليزيدي في نوادره، وقال تقول العرب عامة: يعطس بالكسر إلا قليلاً منهم يقولون: يَعْطُسُ بالضم.

قال أبو جعفر: وفي الصفة: عَاطِسٌ. وفي المصدر: عَطْسَ وعُطَاسٌ، عن ابن التياني.

وقوله: «ونَطَحَ الكبشُ يَنْطِحُ» .

قال أبو جعفر: النَّطحُ: هو ضرب الكبش برأسه، [قاله] صاحب الواعي وغيره، [قال المرزوقي: ينطح الكبش: إذا ضرب غيره بقرنه].

والنطح أيضاً مصدر نَطَحَ الشجاع قِرْنَه، قال الأستاذ أبو بكر ابن صافٍ في شرحه لهذا الكتاب: النَّطح مخصوص بالكباش.

قال أبو جعفر: وكان الأستاذ أبو الحسن بن خروف يخطئه في ذلك، ويقول: قوله النَّطح مخصوص بالكباش خطأ؛ لأنه قد استعمل في غير

ص: 96

الكباش، حكي ابن قتيبة نَطَح الكبش والثور، وحكي اللغويون نطح الشجاع قرنه، قال: فكيف يقول إنه مخصوص بالكباش. فكان الأستاذ أبو علي الشلوبين شيخنا وقت القراءة عليه يعتذر لابن صافٍ شيخه، ويقول: يمكن أن يريد أن النًّطح أكثر ما يوجد في/ الكباش، وهي كثيرة الولوع به جداً، وليس غيرها يولع به مثلها، ولم يرد أن الكباش تختص به، ولا يوجد في غيرها، هذا ما أراده، وكيف لا يريده! والنَّطح شهير الاستعمال في الحروب، يقال: نطح الشجاع قرنه فصرعه.

قال أبو جعفر: اعتذار الأستاذ صحيح، وهو قول ابن درستويه، قال في تصحيحه: ويختص بذلك الكباش، لأنها مولعة به، ويشبه بها الأقران في الحروب فيقال: تناطحوا، وانتطحوا، وأنشد الراجز:

اللَيلُ داجٍ والكباش تنتطحْ

فمن نجا برأسه فقد رَبِحْ

ص: 97

قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: نَطَحَ بالفتح، كما ذكره ثعلب، ولا أذكر الآن فيه سواه، قال المطرز في شرحه: ونَطَّح بالتشديد.

وكان الأستاذ أبو علي [يقول] وقت القراءة عليه: ليست نَطَّح بالتشديد لغة في نَطَحَ بالتخفيف؛ لأن باب فَعَّل إنما هو للتكثير، فلا ينبغي أن يجعل ذلك لغة في نَطَحَ بالتخفيف، وإنما هو بناء آخر لمعناه من التكثير، قال: فإذا وُجِدَ لهم أن نَطَّحَ لغة في نَطَحَ فمعناه أنهما بمعنى واحد، إلا فيما تُطْلَبُ به الأبنية ومعانيها.

قال أبو جعفر: وفي المستقبل لغتان: يَنْطِحُ بالكسر، ويَنْطَحُ بالفتح، عن المطرز في شرحه، وعن مكي في شرحه أيضاً.

وهي الصفة عن المطرز: نَاطِحٌ، ونَطَّاحٌ، ونَطيِحٌ. قال صاحب الواعي: والمفعول منطوح، ونطيح.

قال أبو جعفر: قال ابن سيدة في المحكم: ليس في كلام العرب فَعَلَ يَفْعِلُ مما لام الفِعْلِ منه حاء إلا يَنْطِحُ، ويَنْكِحُ، ويَمْنِحُ، وينضح، [ويَنْبِحُ] ويَرْجِحُ، ويَأنِح، ويَأزِحُ، ويَمْلِحُ القدر،

ص: 98

وقوله: «ونَحَتَ يَنْحِتُ» .

قال أبو جعفر/ معناه نَجَرَ، قال الله تعالى:{أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} ، قال التدميري: أي ما تَقْشِرُون، لأنهم كانوا يصنعون الأصنام ويَقْشِرون عنها لحاء العود؛ لِتَحسُنَ وتَمَّلِسَ، والنحت هو القَشْرُ، ومنه النُحَاتَةُ، وهو ما يَتَقَشَّرُ عن العود عند النحت.

قال أبو جعفر: ولا أذكر الآن في الماضي سوى الفتح، ويُقالُ في مستقبله: يَنْحِتُ بالكسر، ويَنْحَتُ بالفتح، وبالفتح قرأ الحسن (تَنْحَتُون).

قال ابن جِنِّيِّ في كتابه المحتسب: أجود اللغتين [نَحَت ينحِت بكسر الحاء، و] ينحَت بفتح الحاء لأجل حرف الحلق الذي فيه، كسَحَرَ يَسْحَرُ.

وحكي صاحب الواعي ومن خطه نقلته هاتين اللغتين، وزاد

ص: 99

يَنْحُتُ بالضم، فتجيء في المستقبل بهذه ثلاث لغات.

قال المطرز في شرحه: والعود مَنْحُوتٌ، ونَحِيْتٌ.

قال صاحب الواعي: ويكون أيضاً معنى نَحَتَ: نَكَحَ، يقال: نَحَتَ الرجل المرأة: إذا جامعها، قال: ويكون أيضاً بمعنى أنضى، يقال: نَحَتَ السفر البعير: إذا أنضاه، وهو جَمَلَ نَحيتٌ.

قوله: «وجَفَّ التَّوب، وكلُّ شيء رَطْبٍ يَجِفُّ»

قال أبو جعفر: معناه يبس بعد الرطوبة، قاله صاحب الواعي، وابن طريف، وغيرهما.

ويقال: تجفجف الشيء: إذا جف وفيه بعض الندوة: عن أبي حاتم في تقويم المفسد، وعن المطرز.

[قال المرزوقي: ويستعمل في كل يبوسة تعقب رطوبة، قال: والجُفَافة ما يسقط من الجاف كالنُحاتة].

وحكي المطرز بسنده عن الفراء أنه قال: سمعت الكسائي يقول

ص: 100

لرجل: إياك ويَجَفُّ، فإنها لُكْنَة.

قال ثعلب: هذا قول الكسائي وحده، والناس كلهم يقولون: يَجِفُّ، ويَجَفُّ، والأولى أفصحهما.

قال أبو جعفر: وكذا حكي الزبيدي في مختصره، وابن القطاع في أفعاله: يَجِفُّ، ويَجَفُّ، باللغتين، وابن طريف/ في أفعاله، وغيره.

فمن قال: يَجِفُّ بالكسر فماضيه مفتوح، ومن فتح في المستقبل فالماضي عنده مكسور، ولولا الإدغام لظهرت الكسرة.

وقد حكي أبو عبيد في الغريب المصنف، ويعقوب في الإصلاح: جَفَفْتَ، تَجِفُّ. وجَفِفْتَ، تَخَفُّ.

وحكي يعقوب، والزبيدي في مختصره في المصدر: جُفُوفاً. قال يعقوب: وجَفَافًا. وحكي المصدرين ابن القطاع في أفعاله.

ص: 101

قال أبو جعفر: وأخذ ابن هشام على ثعلب في كونه أتى بمضارعي جَفُ و [كل] في هذا الباب، وقال: معلوم أن كل ما كان ماضيه فعل من المضاعف وهو غير متعد فإن مضارعه يأتي على يَفْعِل بكسر العين، نحو: دَبَّ يَدِبُّ وإن كان متعديا فإنه يأتي على يَفْعُل، نحو: شّدَّ يَشُدُّ، إلا ما شَذَّ منهما، قال: فإذن هذا معلوم فلا معنى لذكرهما.

قال أبو جعفر: وكان الأستاذ أبو علي يقول في رد هذا القول: الذي قاله ثعلب صحيح، والذي قاله هذا المعترض خطأ؛ وذلك أنه لا يُعْرَفُ الماضي إذا لم يوصل بضمير على أي وزن هو إلا بالمضارع، فلما قالت العرب: يَجِفُّ ويَكِلُّ ولم تقل: يَجَفُّ ولا يَكَلُّ، علمنا أن الماضي فَعَل لا فَعِل ولا فَعُلَ، إذ لو كان فعل لقالوا: يَجُفُّ، أو فَعِلَ لقالوا: يَجَفُّ، فلما كان الماضي لا يُعْرَفُ [إلا] بالمضارع، وبه يستدل عليه، كان سَوْقُ الدليل أكد وأوجب

ص: 102

من كل ما يذكر: فإذن ذكره واجب - أعني المضارع- ليستدل به على بنية الماضي.

قال: وأيضاً فإن ثعلباً لم يلتزم هذا الذي قاله هذا المعترض، من أن ما هو معلوم في القياس لا يذكره، فقد ذكر مضارعي غَوَى وذَوَى، /وهما من الياء، ومضارع فعل من الياء لا يكون إلا على يَفْعِلُ، فلأي شيء قال:«يَذْوِي ويَغْوِي» إن كان يلتزم ألا يذكر معلوماً في القياس.

وقوله: «ونَكَلَ عن الشيء يَنْكُلُ» .

قال أبو جعفر: معناه رجع عن غير واحد. قال المطرز في شرحه: وذلك بأن يرجع عن شيء قاله، أو عدو قاومه، أو شهادة أراد أداءها، أو يمينٍ وجب عليه أن يحلف بها، يقال في كل ذلك: نَكَلَ.

قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: نَكَلَ بالفتح كما حكاه ثعلبً.

وقال يعقوب في إصلاحه عن الأصمعي لا يقال: نَكِلْتُ بالكسر.

قال أبو جعفر: قد حكي فيه الكسر جماعة من اللغويين، قال

ص: 103

صاحب الواعي يقال: نَكَلْتُ بالفتح، ونَكِلْتُ بالكسر، قال: والكسر لغة تميمية.

وحكاها أيضاً ابن القطاع في أفعاله، ويعقوب في كتابه فَعَلْتَ وأفْعَلْتُ، وثابت في لحنه، ويونس في نوادره. والمطرز في شرحه والحامض في نوادره، كلاهما عن ثعلب. وحكاها أيضاً أبو حاتم في تقويم المفسد عن أبي زيد [قال]: ولم يعرفها الأصمعي.

قال أبو جعفر: ويقال في مستقبل نَكَلَ المفتوح العين: يَنْكُلُ بالضم، وهو المشهور، وبالكسر عن المطرز، وعن أبي موسى الحامض في نوادره، وعن الزمخشري في شرحه، قال: والضم أفصح.

ويقال في مستقبل نَكِلَ المكسور العين: يَنْكَل، بالفتح على القياس.

وفي الصفة: ناكِلٌ. وفي مصدر المفتوح العين: نُكُولٌ، وفي مصدر

ص: 104

المكسور العين: نَكَلٌ. وحكي ثابت في مصدر المكسور/ العين نُكُولاً، وكذلك في مصدر المفتوح، ونقلته من أصله الذي عليه خطه.

وقوله: «وكَلَلْتُ من الإعياء أكلُّ كَلَالاً، وكَلَّ بصري كُلُولاً وكلَّةً» .

قال أبو جعفر: كَلَلْتُ معناه: ضَعُفْتُ، وكذلك كَلَّ بصري: ضَعُفَ عن النظر، وكَلَّ السيف: إذا لم يقطع، والفعل من الجميع واحد، والمصدر مختلف. فمصدر كَلَلْتُ من الإعياء كَلالٌ وكَلالَةٌ، والأول أكثر؛ قاله صاحب الواعي.

وقال الخليل رحمه الله: كُلُّ ما كان من باب المضاعف [قيل مصدره] يجوز فيه الفَعَال والفَعَالة، مثل: اللَّذَاذِ واللّذَاذَةِ، والجَلالِ والجَلالَةِ، والضَّلالِ والضَّلالَةِ. وذكر أبن سيدة في المحكم هذين المصدرين، وزاد: وكَلٌّ.

قال أبو جعفر: وحكي جميعها اللحياني في نوادره، واليزبدي

ص: 105

في نوادره أيضاً. ومصدر كَلَّ السيف والبصر وغيره من الشيء الحديد: كَلُّ، وكِلَّةٌ، وكَلَالَةُ، وكُلُولَةٌ، وكُلُولٌ، عن ابن سيدة. قال: ويقال: كَلَّلَ، وهو كَلِيلُ، وكَلُّ: إذا لم يقطع. وقال اللحياني: أنكَلَّ السيف: ذهب حده.

قال أبو جعفر: قال الزمخشري في شرحه: وقالوا في الحديد خاصة: انكَلَّ، إلحاقاَ بانْفَلَّ.

قال أبو جعفر: وقد غلط الناس ابن قتيبة في رسالة أدب الكتاب، فإنه استعمل الكَلَال في السيف في قوله:"مع كَلَالِ الحَدِّ، وَيُبْسِ الطينة". قالوا: وهو غير معروف في السيف، وإنما هو مستعمل في الإعياء، قالوا: وقد أستدرك ذلك في باب المصادر من كتابه، فذكر أن الكَلَالَ إنما يستعمل في الإعياء، وأن السيف إنما يقال فيه: كَلُّ يَكِلُّ كلَّة.

قال/ أحمد: هذا الذي قالوه هو المشهور، وحكي المُطرِّز في شرحه عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: يقال: كَلَّ في كُلَّ شيء يَكِلُّ كَلَالاً: إذا أَعْيا وأنقطع، وهو كالٌ، وكليل.

[ويقال في الماضي: كلِلْتُ بالكسر، عن العماني. قال: والأفصح كلَلْتُ بالفتح].

ص: 106

[وقوله: «وفي كُلِّه يَكِلُّ»

أي: في المستقبل من الجميع يكِلُّ، بالكسر لأنها لا تتعدى].

وقوله: «وسبَحت أسْبَحُ»

قال أبو جعفر: معناه عُمت، عن غير واحد. وقال الزمخشري في شرحه: السباحة هو الجري فوق الماء من غير انغماس، والعَومُ: هو الجري فيه على طريقة السباحة، إلا أنه يكون مع انغماسٍ فيه. وفي وصية بعض الملوك إلى مؤدب أولاده: علِّمهم العوم، وخُذْهُم بقلة النوم. وهذا مثل وصية غيره: علمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم يجدون من يكتب عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم.

وأصل السَّبْحِ في اللغة: التصرف، والعوم تصرف، ولكنه تصرف مخصوص. وقال التدميري: السباحة العوم في الماء، والسباحة أيضاً ضرب من العدو السريع، مأخوذ من ذلك.

قال أبو جعفر: وقال اللحياني في نوادره: قُرِى قوله تبارك وتعالى:

ص: 107

{إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً} و"سَبْخاً" قال الفراء: معنى سَبْحاً وسَبْخاً واحد، أي: فراغاً.

وقال أبو الحسن: قرأها يحيى بن يعمر " سَبْخاً "، وفُسِّرِ: نَوْماً، و"سَبْحاً": فراغاً.

قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: إنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول فيه: سَبِحْتُ بكسر الباء، وهو خطأ.

قال أبو جعفر: ما قاله ابن درستويه من أن سَبَحْتُ إنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول فيه سَبِحْتُ بكسر الباء فيكون سَبَحْتُ على قوله مما فيه لغة واحدة والناس على خلافها خطأ؛ لأن المطرز قد حكي في شرحه عن ثعلب أنه يقال: سَبِحتُ بكسر الباء/ في الماضي، وقال: إنها لغة ضعيفة.

قال أبو جعفر: فيجيء على هذا أن ثعلباً إنما ذكر سَبَحْتُ؛ لأن فيها لغتين؛ إحداهما فصيحة، والأخرى ليست فصيحة، فذكر الفصيحة، وترك التي هي غير فصيحة، كما شرط في صدر كتابه.

ص: 108

وقد حكي أيضاً مكي في شرحه: سَبِحْتُ بكسر الباء. وقال هو والمطرز في المصدر: سَبْحُ، وسِبَاحَةُ، وحكي المصدرين أيضاً ابن التياني في مختصر الجمهرة فقال: يقال: سَبَحَ الرجل وغيره في الماء، سَبْحاً، وسِباَحَة.

وحكي مكي في شرحه: سَبَحَ الفرس إذا مد يديه في الجري فهو سَابِحُ، وسَبُوحُ.

وقوله: «وشَحَبَ لونُه يَشْحُبُ» .

قال أبو جعفر: إذا تغير بِهُزال، أو مرض، أو جهد، أو جوع:

عن أبي حاتم في تقويم المُفْسَد. وقيل معناه: تغيَّر، عن التدميري عن غير تقييد بشيء. وقال صاحب الواعي وقيل: الشحوب بعينه هو الهُزَال.

قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: شَحَبَ وشَحُبَ، بالفتح والضَّمِّ؛ عن يعقوب في الإصلاح، وعن أبي حاتم، وعن صاحب الواعي، وعن غيرهم.

ص: 109

فأما شَحَبَ بالفتح فعي مستقبله لغتان: يَشْحُبُ بالضم، ويَشْحَبُ بالفتح؛ عن ابن جني في شرح شعر المتنبي. وفي الصفة: شَاحِبٌ [وفي المصدر عن المرزوقي: شُحُوب، وشُحُوبة].

قال اللحياني في نوادره يقال: امْتُقعَ لونُه، وانْتُقِعَ لونُه، وابْتُقِعَ، واهْتُقع، واستُقِعَ، والتُقِعَ، واستُنْقِعَ، والتُمِعَ، والتُهِمَ، والتُمِئَ، وابتُسِرَ [وانتُسِفَ]، وانتُشِفَ لونه.

قال أبو جعفر: وقال ابن عديس في كتاب الصواب ومن خطه عن الهروي: والتُمِغَ بالغين معجمة. وقال ابن سيده: وحكي بعضهم الْتَمَأ كاقْتَتَلَ، أبو عمرو وألتُسِع. قال عبد الواحد

ص: 110

اللغوي/: والتُطِعَ، بطاء غير معجمة ولام، وانتُطِعَ، بالنون والطاء غير معجمة أيضاً.

وقال المطرز في شرحه: ونُطِعِ، وتَمَعَّرَ، وارْبَدَّ، وأسِفَ، وتَطَحَّلَ، ولم تبق فيه رائحة دم أي: لون دم، كل ذلك إذا تغير من غَمَّ، أو عِلَّة. وحكي: قد اسْلَهَمَّ وجهُهُ: إذا اصْفَرَّ، وتَدَعَّرَ: إذا تَبَقَّعَ بُقَعاً سَمْجَةً متغيرة، وأنشد:

كَسَا عَامِراً ثوبَ المذلَّة ربُّهُ

كما كُسِيَ الخِنْزِيرُ ثَوباً مُدَعَّرا

ومُدَغَّرا، بالغين معجمة.

وقوله: «وسَهَمَ وجهُهُ» .

قال أبو جعفر: معناه تغير من جوع أو مرض، قاله صاحب الواعي.

قال أبو جعفر: قال الزمخشري: تغير من حر أو سفر، قال: ومن العرب من يجعل السهوم نفس الهزال، ومنهم من يفرق بينه وبين الهزال، قال الشاعر:

وفي جِسْمِ راَعِينا سُهُوم كأَنَّه

هُزَال ومَا [من] قِلَّةِ الطُّعْمِ يَهْزَلُ

ص: 111

وقال التدميري: وقيل معنى سَهَمَ: تغير بِعُبُوسٍ. [وفرق المرزوقي بين الشحوب والهُزال، فقال: شحب لونه: إذا تغير، وسهم وجهه: إذا تغير مع هزال. قال وقيل: السهوم: العبوس من الهم وغيره].

قال أبو جعفر: ويقال: سَهَمَ وسَهُمَ، بالفتح والضم، يَسْهُمُ سُهُوماً [فيهما] عن يعقوب في الإصلاح، وعن ابن سيده في المحكم، وغيرهما.

وقوله: «ووَلَغَ الكلبُ في الإناءِ يَلَغُ» .

قال أبو جعفر: الوَلْغُ من الكلاب والسباع كلها هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع، فيحركه فيه تحريكاً قليلاً أو كثيراً؛ قاله المطرز في شرحه عن ثعلبٍ عن ابن الأعرابي.

ص: 112

قال مكي في شرحه: فإن كان غير مائع قيل: لَعِقَهُ، ولَحَسَهُ ولَحِسَهُ، بالفتح والكسر في الحاء.

قال المطرز: فإن كان الإناء فارغاً يقال: لَحَسَ، وإن كان فيه شيء قيل: وَلَغَ.

قال أبو جعفر: هذا يقتضي أنه إذا كان في الإناء شيء مائعاً كان أو غير مائع/ فإنه يقال فيه: وَلَغَ، وهو بخلاف ما حكيناه عنه قبل. فإنه قيده أولاً بقوله: من كل مائع، وقال هنا: وإن كان فيه شيء، فَعَمَّ المائع وغيره. وفيه أيضاً خلاف لما حكيناه عن مكي في قوله: إذا كان الذي في الإناء غير مائع يقال فيه: لَعِقَ ولَحِسَ. وقال المطرز: إذا كان فارغاً يقال فيه: لَحِسَ.

وقال ابن درستويه: معنى وَلَغَ الكلب الإناء: لَطَعَهُ بلسانه، شَرِبَ فينه أو لم يشرب، كان فيه ماء أو لم يكن.

قال أبو جعفر: كلام أبى درستويه هذا يقتضي أن الكلب إذا لَعِقَ الإناء، سواء كان فيه مائع أو غير مائع أو كان الإناء فارغاً فإنه يقال فيه: ولغ، وهو بخلاف ما تقدم. وحكي الجوهري عن أبي زيد أنه يقال: وَلَغَ الكلب بشرابنا، وفي شرابنا، ومن شرابنا.

ص: 113

قال أبو جعفر: قال المطرز: ولا يقال ولغ في شيء من جوارحه سوى لسانه. وقال ابن جني في شرح شعر المتنبي: أصل الوَلْغِ شُرْبُ السباع بألسنتها الماء، ثم كثر فصار الشُرْب مطلقاً.

وقال المطرز: حكي ثعلب أنه قال: سمعت ابن الأعرابي وقد سئل أيكون الوُلْوغ في الطير؟ قال: لا يكون إلا في الذباب وحده.

قال أبو جعفر: فهذا يقتضي أن الولوغ ليس مخصوصاً بالسبع والكلب، بل يكون فيهما وفي هذا النوع فقط.

وكذلك قال المطرز في كتابه الياقوت، والجوهري في الصحاح، وابن التياني في الموعب: ليس شيء من الطير يَلَغُ إلا الذباب. وأنشد المطرز:

تَذُبُّ عنه كَفُّ بها رَمَقُ

طَيراً عُكُوفاً كَزُوَّرِ العُرُسِ

عَمَّا قليلٍ خَلَسْنَ مُهْجَتَهُ

فَهُنَّ من وَالِغٍ ومُنْتَهِسِ

/ قال ابن درستويه: وإنما ذكر ثعلب وَلَغَ لأن العامة تقول فيه: وَلِغَ بكسر اللام في الماضي، مثل: شَرِبَ، وهو خطأ.

ص: 114

قال أبو جعفر: يجيء على ما ذكره أبن درستويه أن ثعلباً إنما ذكره لأنه مما فيه لغة واحدة، والناس على خلافها، وقوله هو الخطأ، إنما ذكره ثعلب لأن فيه لغتين: إحداهما فصيحة، وهي وَلَغَ بفتح اللام، والأخرى ليست بفصيحة وهي وَلِغَ بكسر اللام، فذكر التي هي فصيحة، وترك الأخرى التي ليست بفصيحة والدليل على صحة ما نقوله أن المطرز قال في شرحه: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: الفصحاء من العرب يقولون: وَلَغَ بالفتح، ومنهم من يقول: وَلِغَ بالكسر، فهذا يدل على أن ثعلباً كان يعرف اللغتين، فذكر التي هي فصيحة، وترك الأخرى على ما شرط في صدر كتابه.

وحكي اللغتين أيضاً أبو علي في البارع، وابن القطاع في الأفعال، [والكرنبائي] في كتابه الوحوش، وابن سيدة في المحكم.

وحكاه أيضاً أبو حاتم في تقويم المفسد، وابن التياني في الموعب، قالا ويقال: وَلِغ، قالا: واسكن بعضهم اللام فقال: وَلْغَ.

قال أبو جعفر: ويقال في مستقبل وَلَغَ بالفتح: يَلَغُ بفتح اللام، ويَوْلَغُ، ذكر ذلك صاحب الواعي، ومن خطه نقلته.

ص: 115

وحكى مكي في شرحه، وابن جني في شرح شعر المتنبي: ويَلِغُ بالكسر. قال مكي: والجيد فتحها من أجل حرف الحلق.

ويقال في مستقبل وَلِغَ بالكسر: يَلَغُ بالفتح. وحكي ابن خالويه في أبنية الأفعال، وابن القطاع في أفعاله في مستقبله أيضاً: يَلِغُ بالكسر كما في الماضي، ويَوْلَغُ/، ونسباها لأبي زيد.

[وقوله: «ويُوْلَغ» .

هو مستقبل أولغ: إذا مكن من الولوغ، وهذا فسره بقوله:«إذا أولغه صاحبه» والمستقبل من أولغ: يُولغ، ولم تحذف الواو وإن كانت وقعت بين ضمة وكسرة، كما في يعد وبابه، لأن أصل يُولَغ: يُأولِغ على وزن يُؤَكرم، فبين الواو والياء همزة منوية وإن كان حذفت تخفيفاً].

ويقال في المصدر: وَلْغُ، بسكون السلام، ووَلَغَان بتحريكها، ووُلُوغ، عن اليزيدي في نوادره.

وقوله: «ويُنْشَدُ هذا البيت:

ص: 116

مَا مَرَّ يومُ إلَاّ وعندهما

لحمُ رجالٍ أو يُولَغان دَما»

قال أبو جعفر: البيت لابن قيس الرقيات، ذكره غير واحد.

قال ابن سيده في العويص: يجوز أن يقال: قال ابن قيس الرقيات، بالكسر والضم، فمن كسر فإنه يرده إلى قيس، ومن ضم فإنه يرده إلى ابن قيس، قال: والكسر لابن الأنباري.

قال أبو جعفر: ونقلت من خط التدميري إنما سمي قيس الرقيات؛ لأنه قال:

رُقَيَّةُ لا رُقَيَّةُ لا

رُقَيَّةُ أيُّها الرجل

قال وقيل: لأنه شبب بجماعة نساء، كل واحدة منهن يقال لها رُقيَّة، وقيل: غير ذلك.

قال أبو جعفر: ونَسَبَ البيت الجوهري في الصحاح لأبي

ص: 117

زبيد. وقال بعض المشايخ: هو لابن هرمة، ونسبه الزمخشري في شرحه لمروان بن أبي حفصة.

قال أبو جعفر: يصف في البيت شبلي أسد، وقبله يصف لبؤة:

تُرْضِعُ شِبْلَينِ في مَغارِهِما

قد نَهَزَا لِلِفطاَم أو فُطِمَا

ويرى: وسط غِيْلِهمَا بدل في مَغَارِهِمَا. وروى عبد الدائم القيرواني في كتابه حلى العلى: "قد نهدا للفطام" بالدال غير معجمة، قال: ويُروى قد نَهَزَا بالزاى، يقال: نَهَدْت، أي: نَهَضْتُ، قال: ونَهَزْتُ مثله.

قال الزمخشري: ويُروى لَحمُ رَجَانٍ: وهو المنتن.

وقيل في معنى البيت: إن هذين الشبلين تحت خصب ورفاهية؛ لأن أمهما تفترس الرجال، وتطعمهما لحومهم، أو تولغهما دماء آخرين، إشارة إلى اللحم الطري، ففي كل يوم لا يخلوان من ذلك/ عن

ص: 118

التدميري، قال: وموضع الشاهد منه قوله: "يُولَغَانِ"، فدل على أنهم يستعملونه متعدِّياً، وغير مُتَعَدِّ، فيقولون: وَلَغَ الكلب، وأوْلَغَهُ صاحبه، فإذا بنوا المتعدي لما لم يُسَمَّ فاعله قالوا: أُوِلغَ الكلب يُولَغُ، ويُولَغَانِ: إذا كانا كلبين، وتُوْلَغُ: إذا كانت كلاباً كثيرةً.

قال أحمد: وأنشده ابن جني في شرح شمر المتنبي "أو يَالَغَانِ" ثم قال: ويروى "يَلِغَان، ويُولَغَان" إلا أنه إذا رُوِيَ أو يَلِغَان ينكسر الوزن، قال: ولكن بعضهم قد رواه فاتبعناه.

قال أبو جعفر: وكذا قال صاحب الموعب: إنه يروى "يَلِغَانِ" بكسر اللام.

قال أبو جعفر: وكما أنشده ابن جني أعني يَالَغَان بالألف- أنشده الأصبهاني أيضاً، وقال: إن الرواية فيه بالألف.

قال أبو جعفر: ولا يجوز من وَلَغَ بالفتح يَالَغُ؛ لأنه لا يجيء على هذا

ص: 119

المثال من فَعَلَ يَفْعَلُ، لا يقال: وَهَبَ يَاهَبُ، ولا وَقَعَ يَاقَعُ، إنما يجيء من فَعِلَ يَفْعَلَ، مثل: وَجِلَ يَوْجَلُ، ويقال فيه: يَاجَل، ويَيْجَلُ.

وخُرِّجَتْ هذه الرواية على وجهين:

أحدهما: ما حكيته قبل، من أنه يقال: وَلِغَ يَوْلَغُ، ثم أُبدلت الواو ألفاً. كما قالوا في يَوجَل: يَاجَل، وفي يَوحَل: يَاحَلُ.

والثاني: أن يكون الشاعر أشبع فتحة الياء اضطراراً، فنشأت بعدها الألف، كما قال:

أقول إذ خَرَّتْ على الكَلْكَال

يا ناقتي ما جُلْتِ من مَجَالِ

فأشبع فتحة الكاف من الكَلكَل، فنشأت الألف، فقال: الكلكال. وكما

ص: 120

قال الآخر:

*والخَيلُ خَارِجَةُ من القَسْطَال*

يريد: القَسْطَل، يعني الغُبَار، فأشبع فتحة الطاء/ فنشأت بعدها.

وأما إعراب البيت فإن قوله: «لحم رِجَال» ، مرتفع على أنه مبتدأ، وخبره في الظرف قبله الذي هو «عندهما» ، والجملة في موضع الحال، أي: ما مر يوم إلا مصادفاً عندهما ذلك.

وقوله: «أو يُولَغَان» جملة حالية معطوفة على الجملة الحالية التي هي وعندهما لحم رِجَالٍ، كأنه قال: ما مر يوم إلا وهما في هذه الحال، أو في هذه الحال.

وقوله: «دَماً» قيل فيه: إنه مفعول على أسقاط حرف الجر، وقيل فيه: إنه مفعول ثانٍ ل"يولَغَان"، لأنه بمعنى يُسْقَيَانِ دَماً، وأنشد

الفراء:

شَرُّ قَرِينٍ لِقَرينٍ بَعْلَتُهُ

تُولِغُ كلباً سورَهُ أو تَكُفِتُهُ

ص: 121

والمفعول الأول هو الألف التي هي ضمير الشبلين في "يُولَغَانِ" والتقدير: أو يُولَغُ الشَّبْلانِ دماً.

وقوله: «وأَجَنَ الماء يَاجِنُ، ويأجُنُ» .

قال أبو جعفر: أخْتُلِفَ فيه، فقيل معناه: تغير لونه وطعمه لطول ركوده، وتقادم عهده، قاله ابن درستويه، وأنشد:

ومنهلٍ فيه الغرابُ مَيْتُ كَأنَّه من الأجُونِ الزَّيْتُ

سقيتُ منه القومَ واستقيتُ

وقيل: معناه تغير غير أنه شَروُبٌ، قال ذلك أبو عبيد في المصنف، وصاحب المبرز، وابن سيدة في المخصص، وابن القطاع في أفعاله، وكراع في المُنَظَّم، وابن طريف.

وقيل معناه: تَغَيَّرَ، ولم يقيدوه بشيء، قال ذلك صاحب الواعي،

ص: 122

والمُطرِّز وابن خالويه.

قال الزمخشري: الأجُونُ: تغير لون الماء، والأسُونُ: تغير طعم الماء.

قال ابن درستويه: وإنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول فيه: أجِنَ بكسر الجيم من الماضي؛ وهو خطأ، إلا بالفتح.

قال أبو جعفر: / كسر الجيم من الماضي ليس بخطأ، حكاه صاحب الواعي، وكراع في المجرد، وأبو حاتم في تقويم المفسد حكاه عن أبي ريد، وحكاه أيضاً ابن القطاع في أفعاله، وابن طريف في أفعاله أيضاً، وقالا: وأَجِنَ الرجل، بكسر الجيم، لا غير: غَضِبَ.

قال ابن القطاع: وأجَنَ القصار الثوب، بفتح الجيم: دقَّهُ. وحكي ابن سيدة في كتابه المحكم أجُنَ، بضمِّ الجيم، فيجيء في

ص: 123

الماضي ثلاث لغات.

قال أبو جعفر: ويقال في الصفة: أجِنُ بالمد، وأَجِينُ بالقصر، وأَجْنٌ بالسكون في الجيم وأجِينُ بالقصر وبالياء، وأجُونُ، حكي ذلك صاحب الواعي، ومن خطه نقلته. وحكي ذلك أيضاً صاحب الموعب إلا أجُوناً، فإنه لم يحكه. ولم يحك ابن سيدة في المخصص أجُوناً أيضاً، ولا أجِناً بالقصر، وحكي ما عداها.

ويقال في مستقبل المفتوح الجيم: يَاجِنُ ويَأجُنُ، بالكسر والضم، كما حكاه ثعلب. وفي مستقبل أجِنَ المكسور الجيم: يَأُجَنُ بالفتح على القياس، وفي مستقبل المضموم:[يَاجُنُ] بالضم على القياس.

ويقال في مصدر المفتوح الجيم: أَجْنُ بسكون الجيم، وأًجُونُ. قاله كراع في المجرد، وصاحب الموعب، وصاحب المبرز، والمطرز.

وفي مصدر المكسور الجيم: أَجَنُ بفتح الجيم، قاله غير واحد.

قال أبو جعفر: ويقال: أَجَمَ الماء، أجُوماً، بالميم، حكاه ابن

ص: 124

التياني عن قطرب. وفي الصفة آجِمُ، قال صاحب الواعي: الآجِمُ من الماء: المتغير مثل الآجِنِ. وأنشد يعقوب في كتاب القلب والإبدال:

وتَشْرَبُ أسْاَرَ الحِيَاَضِ تَسُوفُها

ولو وَرَدَتْ ماء المُرَيْرَةِ آجِماَ

قال: أراه أراد آجناً.

وقوله: «أسَنَ الماء يَاسِنُ، ويَاسُنُ» .

قال أبو جعفر/: معناه تغير، عن ابن التياني، وابن طريف في أفعاله، وغيرهما. وزاد صاحب الواعي وأنْتَنَ. وكذا قال أبو عبيد في المصنف، وابن سيدة في المخصص، وكراع في المنظم: وهو الذي لا يشربه أحد من نَتَنِهِ.

وقال المطرز، وابن خالويه: معنى أسَنَ وأجَنَ واحد، فلم يفرقا بينهما، ولا قيداه بشيء كما قيده غيرهما.

ص: 125

ويقال في الماضي [أيضاً]: أَسِنَ بالكسر، حكاه صاحب الواعي، وكراع في المجرد، وابن القطاع في أفعاله، وابن طريف في أفعاله، وصاحب الموعب، وزاد صاحب الموعب، وابن طريف وابن القطاع، وقطرب: وآسَنَ بالمد، فتجيء ثلاث لغات.

ويقال في مستقبل المفتوح السين: يَأسِنُ ويَاسُنُ، بالكسر والضم، على القياس كما حكاه ثعلب.

وفي مستقبل المكسور السين: يَأسَنُ، بالفتح على القياس أيضاً.

ويقال في الصفة: آسِنُ بالمد، وأسِنُ بغير مد، عن مكي في شرحه، ويقال في مصدر المفتوح السين: أَسْنُ بالإسكان، وفي المكسور السِّين: أسَنُ بالتحريك، عن صاحب الواعي وغيره. وعن ابن طريف: أُسُونُ في مصدر أَسَنَ المفتوح السين، وأَسَنُ بالتحريك في مصدر أسِنَ بالكسر.

ص: 126

وحكى ابن القطاع: أسْناً، وأُسُوناً في مصدر المفتوح السين.

وحكى ابن التياني عن قطرب في مصدر المفتوح السين الممدود آسَن: إِسَاناً.

وقوله: «وغَلَتِ القِدْرُ فهي تَغْلِي» .

قال أبو جعفر: معناه أرتفع ماؤها من شدة التسخين، قاله صاحب الواعي، وغيره.

قال مكي: وقد يستعار في الغضب فيقال: غَلَتْ قِدرُهُ، أي: فار غضبه.

قال أحمد: ويقال في الماضي: غلت كما قال ثعلب، أنشد أبو زيد في نوادره:

/وكُنَّا كَذَاتِ القدر لم تَدْرِ إذ غَلَتْ

أتُنْزِلُها مذمومةً أم تُذِيْبُهَا

قال يعقوب في الإصلاح، واليزيدي في نوادره، وغيرهما: ولا

ص: 127

يقال غَلِيَتْ. وأنشد يعقوب لأبي الأسود الدؤلي:

ولا أقولُ لِقِدْرِ القومِ قد غَلِيَتْ

ولا أقولُ لبابِ الدَّار مَغْلُوقُ

قال أبو جعفر: أخبر أنه فصيح لا يَلْحَنُ، فلا يقول غَلِيَتْ، وإنما يقول غَلَتْ. وكذا قال ابن سيدة وغيره، وما رأيت أحداً من اللغويين حكي غَلِيَتُ إلا ابن المغربي، فإنه حكاه في مختصر الإصلاح، وقد قدمنا أن يعقوب أنكره في الإصلاح، فهو منفي في الأصل، ومثبت في الفرع، فيمكن أن يكون ابن المغربي قد بلغته رواية [في الإصلاح فأثبتها.

ويقال في المصدر غَلْيُ وغَلَيان] عن غير واحد.

قال ابن سيدة: وأغلاها، وغَلَاّها.

وقوله: «وغَثَتْ نفسي فهي تَعْثِي» .

ص: 128

قال أبو جعفر: أي جاشت للقيء، وتحركت له. عن التدميري، وقال عن صاحب العين: غَثَتْ نفسي، أيْ: خَبُثَتْ.

قال أبو جعفر: قال ابن درستويه والعامة تقول: غَثِيَتْ، بكسر الثاء وإثبات الياء وهو خطأ.

قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكي صاحب الواعي، وابن سيده في المحك، وابن التياني، ومحمد بن أبان حكاه عن أبي زيد أنه يقال: غَثِيَتْ، على وزن رَضِيَتْ. وفي مستقبله: تَغْثَى.

قال صاحب الواعي، واليزيدي في نوادره. وابن القوطية، وأبو مسحل: وفي المصدر غَثْيُ، وغَثَيانُ.

وحكي أبو عمر المطرز في شرحه عن أبن الأعرابي أنه قال: يقال: غَثَتْ نفسه، ولَقِسَتْ، وخَبُثَتْ، وضاقت، وتَبَعْثَرَتْ، وتَمَذَّرَتْ،

ص: 129

وتَرَمَّضَتْ، وتَعَرَّبَتْ، وتَمَقَّسَتْ، كله بمعنى واحد.

قال أبو جعفر: وزاد محمد بن أبان: ورَانَتْ، وغَانَتْ، وجَاشَتْ نفسه/ مثل ذلك. وقال هو أيضاً، والمطرز عن ابن الأعرابي: إن أعرابياً اصطاد بومة من مقبرة، فذبحها وشواها وأكلها، يُقَدِّرُ أنها سمانى، قال: فغثت نفسه، واشتكى فقال:

*نَفْسِي تَمَقَّسُ مِنْ سُمَانَى الأَقْبُرِ*

قال أبو جعفر: وحكي أيضاً هذه الحكاية أبو حاتم في كتابه عنى أبي زيد، وأبن التياتي أيضاً. وقال أبو حاتم: تَمَقَّسُ: تَجِيشُ وتضطرب.

وقوله: «وكَسَبَ المال يَكْسِبُه» .

قال أبو جعفر: معناه: ابتغاه ووجده، قاله ابن درستويه.

ص: 130

قال أبو جعفر: ويقال: كسب المال، واكتسبه، وكَسَبْتُ الرجل مالاً فَكَسَبَهُ، وهو أحد ما جاء على فَعَلْتُهُ فَفَعَلَ.

وأكسبته خطأ، حكي ذلك ابن التياني في مختصر الجمهرة، وصاحب الواعي. وحكي الخطابي، وابن القطاع: كَسَبْتُ الرجل المال، وأكْسَبْتُهُ غيري، قال الخطابي: وأفصحهما حذف الألف.

وحكي أيضاً أكسبته بالألف مكي في شرحه، وقال: هي لغة رديئة. وحكاها أيضاً المطرز في شرحه عن ابن الأعرابي، وأنشد:

*فأَكْسَبَنْي مالاً وأكْسَبْتُهُ أجراً*

قال أبو جعفر: قال أيضاً المطرز في كتابه غريب أسماء الشعراء يقال: كَسَبَ واكْتَسَبَ، وحَرَثَ وأحْرَثَ واحْتَرَثَ، وقَرَشَ وأقْرَشَ واقْتَرَشَ

ص: 131

، وحَرَشَ وأحْرَشَ واحْتَرَشَ، ودَبَشَ وأدْبَشَ ودْبَّشَ، كله إذا أكد على عِيَالِهِ.

وقال الحامض في نوادره: وهَبَشَ. واهْتَبَشَ، وعَسَمَ، واعْتَسَمَ، وهَبَلَ. واهْتَبَلَ، وجَرَمَ، واجْتَرَمَ.

وقال ابن الأعرابي في ألفاظه: وخمش. وقمش، وخرش، وكدش، وكدح، وقرف، واعتصف.

قال مكي في شرحه: قوله «وهو الكَسْبُ» /والكِسْب أيضاً، بفتح الكاف وكسرها، والفتح أفصح.

[قال الشيخ أبو جعفر: (والكزب) أيضاً بالزاي لغة في الكسب، والعرب تبدل من السين زاياً في كثير من كلامها كما (قالوا: الأزَد) وأصله الأسد، والزراط وأصله السراط].

وقوله: «رَبَضَ الكلب يَرْبِصُ» .

قال أبو جعفر: قال التدميري: هو مثل بَرَكَ البعير: إذا جمع يديه

ص: 132

ورجليه وألصق بَرْكَهُ بالأرض، وهو صدره.

قال أبو جعفر: وقال ابن مريد في الجمهرة يقال: رَبَضَتِ الشاة وغيرها من الدواب، ورَضَبَتْ لغة مرغوب عنها، قال: وقد يقال للحافر: رَبَضَتْ، قال: وربما قيل للسباع، فأما المعروف للسباع فَجَثَمَ.

قال أبو جعفر: وقال يعقوب في كتاب الفرق يقال في ذوات الحافر وذوات الأظلاف والسباع: قد رَبَضَتْ ويقال للإنسان: قَعَدَ وجَلَسَ، ويقال للبعير: بَرَكَ، ولا يقال: ناخ، ويقال في الطائر والأرنب والخِشْفِ: قد جَثَمَ.

وقال ابن السيد في الاقتضاب: قد استعمل البروك في غير البعير، والزُّبوض في غير الشاة، والجثوم في غير الطائر،: وروي عن رجل من العرب كان يلقب البُرَك أنه قال في بعض حروبهم:

*أنَا البُرَك أبْرُكُ حَيْثُ أُدْرَكُ*

ص: 133

وقال أبو حاتم في كتاب الفرق: وقالوا في البعير والنعامة: بَرَكَ بُرُوْكاً، وفي الحافر والظلِّف والسِّباع: رَبَضَ، وقال أبو عبيدة: جَثَمَ البعير.

وقال أبو حاتم في كتاب الفرق ويقال: جَثَمَ الإنسان، وغيره، وجَثَا.

قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: رَبْضُ وربُوُضُ، عن ابن دريد في الجمهرة. ولا أذكر الآن في الماضي سوى الفتح، [قال العماني: ولم يسمع يربُض بالضم في المستقبل].

وقوله: «ورَبَطْتُ الشيء أَرْبِطُهُ» .

قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: هو كمعنى شد الحبل أو الخيط، أو نحوهما: إذا عقد عليه.

قال أبو جعفر: ولا أذكر الآن في ماضيه سوى الفتح، وفي المستقبل

ص: 134

/لغتان: يَرْبِطُ ويَرْبُطُ، بالكسر والضم، عن صاحب الواعي، وعن الجوهري، واليزيدي في نوادره، وعن المطرز. وزاد اليزيدي والمطرز: والكسر أفصح.

ويقال قي المصدر: رَبْطُ ورِبَاطُ، عن المطرز، [وعن اليزيدي أيضاً. وعن مكي في شرحه] ومَرْبَطَ، بفتح الباء. قال: فأما المَرْبِطُ بكسر الباء فالموضع الذي يُرْبَطُ [فيه]، والمِرْبَطُ: الحبل الذي يربط به، قال: والرَّبْطُ يستعمل في كل شيء، والعرب تقول: نعم الرَّبيِطُ هذا الفرس [وحكي العماني في المصدر: رَبْط، ورُبوط، ورَبِاط].

قال أبو جعفر: وثبت في بعض النسخ «ونَحَلَ يَنْحَلً» . نَحَلَ

معناه: هُزِلَ من مرض أو عشق، عن صاحب الواعي. وعنه وعن أبن

ص: 135

القطاع وعن المطرز في الماضي لغتان: نَحَلَ ونَحِلَ، بالفتح والكسر

وحكي اللغتين ابن طريف، وقال: المشهور من كلام العرب الفتح في الماضي، ونَسَبَ نَحِلَ المكسورة الحاء لابن دريد. ويقال في مستقبل نَحَلَ بالفتح: يَنْحِل ويَنْحَلُ، بالكسر والفتح، عن ابن عديس. وقال التدميري في شرحه لأدب الكتاب عن ابن كيسان: يَنْحَلُ ويَنْحُلُ بالفتح والضم في مستقبل نَحَلَ بالفتح.

قال أبو جعفر: وفي الصفة نَاحِلُ. وفي المصدر عن صاحب الواعي. نُحُولُ فيهما.

وعن المطرز في شرحه: نَحَلُ بفتح الحاء في مصدر نَحِلَ المكسورة الحاء، ونُحُولُ في مصدر المفتوحة الحاء.

قال أبو جعفر: وحكي صاحب الواعي أنه يقال: النُّحُلُ يراد به الدقة،

ص: 136

قال: وأحسبه يراد به التحول، ثم تحذف الواو فيصير نحلاً، والعرب ربما فعلت ذلك في بعض كلامها.

وحكي أيضاً: قد أنْحَلَ فلاناً الهم: إذا أرَقَّهُ، وقالوا: سيف ناحل؛ لرقته، وجَمَل نَاحِلُ: دقيق مهزول.

قال أبو جعفر: وثبت أيضاً في بعض النسخ: «وقَحَلَ يَقْحَلُ» ومعناه: يَبِس، قاله أبو عبيد في الغريب المصنف/، وابن دريد في الجمهرة، وغيرهما.

وقال ابن التياني: قَحَلَ الشيخ، وقَحِلَ: يبس جلده على عظمه. وفي ماضيه لغتان: قَحَلَ وقَحِلَ، بالفتح والكسر، عن أبي عبيد، وعن يعقوب في الإصلاح، وعن ابن سيده في المخصص، وقال عن أبي حنيفة: والكسر لغة ضعيفة. قال: وفي المصدر قُحُولُ فيهما حكاه عن أبي عبيد. قال ابن سيده: ويقال: قَحَلَ جلده، وتَقَحَّلَ وتَقَهَّلَ على البدل: يبس من العبادة خاصة.

قال أبو جعفر: وحكي المطرز عن ابن الأعرابي أنه يقال: قَحَلَ الشيء، وقَهَلَ، وجَفَّ، وقَفَّ كله بمعنى واحد: إذا جف.

وحكي صاعد في الفصوص: قَفَلَ الشيء يَقْفُل قفولاً.

ص: 137