الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب "فُعِل بضم الفاء
"
قال أبو جعفر: يريد وما كان على معنى فُعِل، هذا يريد - ولا بد - بدلالة أنه ذكر في هذا الباب ما هو على وزن فُعِل كبُهِت، وشُهِر، وغُبِن، وأشباهها. وذكر أيضاً ما هو على غير وزن فُعل كأُهِل الهلال، واستُهل، وامتُقع، وانقُطع إلى غير ذلك مما هو على غير وزن فُعل، فتبين بما ذكرناه أنه يريد ما قلناه.
وأما مقصوده بذكر هذا الباب فنقول أولاً: هذا الباب هو على قسمين:
قسم استعمل فيه اللغتان، أعني الإسناد إلى الفاعل وإلى المفعول، إلا أن الفصيح فيه الإسناد إلى المفعول، كقولك: عُنيت بحاجتك، وشُغلت عنك، وأمثالهما مما نذكره إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى.
وقسم ليس فيه إلا لغة واحدة كانقطع بالرجل، وما كان مثله فإنه لم يستعمل فيه إلا البناء للمفعول.
فإذا ترتب هذا فما كان فيه اللغتان ـ الإسناد إلى الفاعل، وإلى المفعول ـ إنما ذكره ليبين أن الفصيح منهما هو الإسناد إلى المفعول.
وما كان فيه لغة واحدة ـ وهو الإسناد إلى المفعول ـ فإنما ذكره ليُعلم أن العامة تقول بخلافه، لهذا ذكر هذا الباب. وليس من الصحيح ما
ذكره ابن خالويه في كتابه، فإنه قال: معناه أن الفعل من هذا الباب لا ينطق به إلا على لفظ ما لم يسم فاعله.
وما أشد تناقضه! يقول هذا ثم يذكر بعده بسطر أن من العرب من يقول: عنيت بحاجتك، على بنية الفاعل، ثم حكى بعده بهت على بنية الفاعل أيضاً، إلى غير ذلك مما ذكره في هذا الباب مما هو مبني للفاعل والمفعول، فالصحيح إذا ما قدمناه.
قوله: "عُنِيتُ بحاجتك، فأنا بها مَعْنِيّ". عُني قال أبو جعفر: أي شُغلت بها، وقصدت نحو قضائها، عن التدميري.
وقال ابن سيدة في المحكم: العناية: ما تهمم به الرجل، قال ويقال: عناه الأمر واعتنى بالأمر، وعني بالأمر.
وقال المطرز في الياقوت: يقال: عُنِيتُ بحاجتك، وعَنيِتُ بحاجتك، على بنية الفاعل، قال: وهما لغتان فصيحتان، قال: وعُنيت المبنية للمفعول أفصح، وأنشد:
قد رابني أنَّ الكَرِيَّ أسكتَا
…
لَو كَان مَعْنِياً بنا لَهَيَّتَا
وأنشد في الأخرى المبنية للفاعل:
عانٍ بأُخرَاها طويلُ الشُّغْلِ
…
له جَفِيرانَ وأيُّ نَبْلِ
قال أبو جعفر: وحكى ابن سيدة في المحكم وأنا به عنٍ.
وحكى هو، واليزيدي في نوادره في المصدر: عنايةً، وعُنيّاً.
وقوله: "وقد أَولِعْتُ بالشيء أولع به". أولع قال أبو جعفر " [الولوع] " العلاقة وحب الشيء، عن ابن سيدة في المحكم قال ابن درستويه: وفي معناه: أُلهجت به، وأغريت به. قال التدميري: ويقال في الخير والشر، كقولك: أولعت بمدح فلان وأولعت بذمه، وكذلك ما أشبهه.
قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: ولع، بفتح الواو وكسر اللام عن ابن سيدة في المحكم، وابن التياني.
وفي الصفة عنهما: ولع، وولوع.
قال الزمخشري: والعامة تقول: [ولعت، وأنا ولع] وهو لغة، ومنه قول الشاعر:
.....................
…
.......... شيق ولع
قال ابن جني في المحتسب: وأظنني سمعت أولعني به، فإن كان كذلك فما أقله.
وقال ابن التياني عن الأصمعي: والمصدر الولوع، بفتح الواو ولا تضم، وما هذا الولوع وأنشد:
لَعَمرُكَ ما طِلابُكَ أُمَّ عمروٍ
…
ولا ذِكراكها إلا الولوع
وحكى ابن القطاع في المصدر: ولعا، وولعا، بإسكان اللام وتحريكها، وولوعاً.
وقوله: "وبهتَ الرجل يُبْهَتُ"
قال أبو جعفر: قال صاحب الواعي: وذلك إذا رأي شيئاً فبقي ينظر إليه نظر المتعجب، قال ومنه قوله سبحانه وتعالى {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} أي: بقي متحيراً ينظر نظر المتعجب، يقال منه: بهت: إذا أصابه ذلك.
قال أبو جعفر: وقال ابن التياني في مختصر الجمهرة، وصاحب كتاب العالم: بهت الرجل وبَهُت: استولت عليه الحُجة، قالا: ورجل باهت، وبهات، ومباهت، و [بهوت]، [قال المرزوقي: ويقال: باهت فلاناً، والبهت والبهيتة والبهتان واحد، ولهذا يستعمل في المكابرة ومدافعة الصدق بالكذب، ويقولون: يا للبهيتة عند ذلك].
قال أبو جعفر: وقال ابن التياني في مختصر الجمهرة ويقال: بهت، وبهت، وبهتَ، بكسر الهاء وضمها وفتحها مع فتح الباء، وبهذه اللغات قُرئ قوله تبارك وتعالى:{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} حكى ذلك ابن جني في كتابه المحتسب.
قال ابن القطاع: وبُهت المبنية لما لم يُسَمَّ فاعله أفصح.
وقولع: "وقد وُثِئت يده فهي مَوْثُوءة".
قال أبو جعفر: الوثء والوثاءة: وصم يصيب اللحم لا يبلغ العظم فيرم، وقيل: وهو توجع في العظم من غير كسر، وقيل: هو الفك.
قال أبو جعفر: ويقال في فعل ذلك: وثئت، على صيغة ما لم يُسمَّ فاعله كما حكاه ثعلب. وفي الصفة منه: موثُوءة ووثيئة مثل فعيلة، [عن ابن سيدة في المحكم] قال: ويقال أيضاً: وثأتها أنا، وأوثأتُها.
قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: وثئت يده، على بنية الفاعل، وفي المستقبل: ثتأ. عن ابن سيدة، وعن الحياني، قال ابن دستويه: وتوثأ.
قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: وثؤت توثؤ مثل: قدم يقدم، عن الصولي في كتاب العيادة.
قال أبو جعفر: وفي الصفة عن اللحياني في نوادره: وثئه ووثيئة، على فعله وفعيلة، وزاد الصولي في كتاب العيادة: وموثئة.
وعن اللحياني/ في المصدر: وثء ووثأ. ووثوء عن الصولي في كتاب العيادة، قال صاحب الواعي: ووثأة. قال صاحب المبرز عن الأصمعي: أصابه وثء، فإن خففت قلت: وثّ، ولا يقال: وثيَّ، ولا وثو.
وقوله: "وقد شُغِلت عنك" شُغِل
قال أبو جعفر: قد تقدم الكلام على شغلت في الباب الذي قبل هذا قال ابن سيدة في المحكم عن ثعلب: شغلت من الأفعال التي غلبت فيها صيغة ما لم يسم فاعله، قال: وتعجبوا من هذه الصيغة، فقالوا: ما أشغله! قال: وهذا شاذ، إنما يحفظ حفظاً، يعني أن التعجب موضوع على صيغة الفاعل.
قال ابن سيدة: ورجل مُشتغَل، ومُشتغِل، الأخيرة على لفظ المفعول حكاهما ابن الأعرابي.
وقوله: "وقد شُهر في الناس".
قال أبو جعفر: معناه: ظهر أمره في خير أو شر، عن المطرز.
قال صاحب لواعي: وسمي الشهر شهراً، لاشتهاره وظهوره.
قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: شهر الأمر في الناس، بفتح الشين وضم الهاء، حكاه الأستاذ أبو على شيخنا. ويقال أيضاً: اشتهر، عن مكي. وحكي في مصدر شهر: شهراً، وشهرة.
وقال المطرز ويقال: شهرت فلاناً أشهره شهراً، وشهارة.
وقوله: "وقد طُلَّ دمه، فهو مطلول".
قال أبو جعفر: إذا أُبطل فلم يظفر بقاتله، أو لم تؤخذ ديته، عن أبي زيد في نوادره، وعن عبد الحق.
قال عبد الحق: ويستعار فيقال: أطللت حقه، وطللته، قال: ومن كلام يحيي بن يعمر لرجل خاصم [امرأته]: أأن سألتك ثمن شكرها
وشبرك، أنشأت تطلها وتضهلها! تطلها، أي: تبطل حقها.
قال أبو جعفر: ويقال في الماضي أيضاً: طل دمه يطل، بفتح الماضي وكسر المضارع، حكاه يعقوب في الألفاظ عن أبي عبيدة، وقال يعقوب عن أبي عمرو: وفي المضارع من هذا بطل بفتح الطاء.
وحكي هذا/ أيضاً التدميري، وقال عن أبي عبيدة: طل دمه، ودمه بفتح الطاء ورفع الدم ونصبه.
قال أبو جعفر: وحكي المطرز عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه يقال: طُل دمه، وطل دمه، ولا يقال/ أُطِل.
وقال أبو علي القالي في فعلت وأفعلت، وأبو عبيدة في الغريب، وصاحب كتاب العالم، وصاحب الواعي يقال: أُطِل.
وفي الصفة: مطلول، وطليل، عن صاحب الواعي. وعنه في المصدر: طلُّ، وطلول.
وقال المطرز: قال ابن الأعرابي يقال: ذهب دمه فَرغاً، وهَدْراً، وهَدَراً، وإهداراً، وجباراً، وخضراً مضراً، وبطراً، ودلها، وبُطْلاً، وباطلاً، وظلفاً، وطلفاً، كله بمعنى.
وقال أبو عبيد في المصنف عن أبي عمرو ظلْفاً، وظلَفاً، قال: سمعته بالظاء وبالطاء، قال: وعن أبي شنبل بالطاء المهملة.
وقال يعقوب في ألفاظه: ذهب دمه طلفاً وطليفاً، وظلفاً وظليفاً.
قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: دماؤهم بينهم هدم، أي: هدر، عن أبي عبيد، وعن يعقوب، وعن صاحب الواعي، وعن صاحب كتاب العالم.
وقوله: "وأهدر فهو مُهدر"
قال أبو جعفر: معناه طل وأبطل دمه، قال ابن درستويه: إلا أن بين طُلَّ وأهدر فرقاً، وهو أن الإهدار إنما هو الإباحة من سلطان أو غيره لدم إنسان ليقتل بغير مخافة من قود [أو دية] أو طلب به.
قال أبو جعفر: ويقال هدر الدم نفسه، عنه، وعن أبي يزيد في نوادره.
وقال ابن سيدة في المحكم: يهدرِ ويهدرُ، هدْراً وهدَراً.
وقال ابن دريد في الجمهرة: ويقال أيضاً: هدرت دمه، وأهدرته.
وقوله: "وقد وقص الرجل: إذا سقط عن دابته فاندقت عنقه، فهو موقوص" وُقص
قال أبو جعفر: قد فسره ثعلب، وكذا فسره غيره.
قال يعقوب في الإصلاح: الوقص في العنق بإسكان القاف: دق العنق، وبتحريكها قصر العنق.
وقال الزمخشري: الوقص كسر العنق من بين/ الأعضاء، وأصل الوقص في اللغة الكسر فقط.
قال ابن خالوية: ويريد بقوله: "اندقت" انكسرت.
وحكى أبو عبيد في المصنف عن الكسائي أنه يقال: وقصت عنقه وقصاً، قال: ولا يكون وقصت العنق نفسها.
قال أبو جعفر: والعنق وصلة ما بين الرأس والجسد، حكاه ابن سيدة في المخصص عن صاحب العين، وعن المطرز في الياقوت: والعنق أيضاً بإسكان النون.
قال ابن سيدة عن ابن دريد: والعنق تذكر وتؤنث، فمن قال عنق بإسكان النون ذكر، ومن قال عنق بضم النون أنث.
وقال ابن خالوية: والتصغير في لغة من ذكر عنيق، وفي لغة من أنث عنيقة، والجمع أعناق، وأنشد المطرز:
عَجِبْتُ مِنْ نَفْسِي ومِنْ إشْفَاقها
…
ومِنْ طرِادِي الطير عن أرزاقِها
والموت في عُنْقي وفي أَعْنَاقها
قال: والعنق بفتح النون أيضاً.
قال أبو جعفر: ومن أسماء العنق عن ابن سيدة في المخصص، وعن المطرز في الياقوت: الهادي، والكرد، والرقبة، والجيد.
المطرز: والتبعة، والمهوي، وقال في شرحه: والقصرة.
ابن سيدة: والتليل، والعجان، والسطاع، والعطل، والشراع، والشجعم، والحزة، والإقليد، والمجداف، على التشبيه بمجداف السفينة.
ابن خالوية: والمقلد. هذا بلغني من أسمائه.
ولم يذكر ابن هشا منها إلا أربعة، وابن خالوية إلا خمسة.
وقوله: "ووضع الرجل يوضع".
قال أبو جعفر: معناه خسر من رأس المال، عن ابن درستويه، وغيره.
قال أبو جعفر: وهو مأخوذ من الوضع ضد الرفع، يقال: ارتفع السعر والسلعة: إذا زاد ثمنها، واتضع: إذا نقص، فكأن الرجل إذا خسر في البيع/ فقد نقص ماله.
قال ابن التياني، وابن سيدة في المحكم في مصدر وضع المبني لما لم يسم فاعله: ضعة وضعة، بكسر الضاد وفتحها، ووضيعة. والتقييد بالكسر والفتح عن ابن التياني، وقال عن أبي حاتم: إن الأصمعي قال: لا يقال وضعت، وإنما هو وضعت في متاعي، بفتح الواو والضاد، وأنا واضع فيه مائة درهم، فأردت أن أكتب قوله: لا يقال وضعت، فقال: لا تكتبه.
قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: وضع، بفتح الواو وكسر الضاد على مثال: وجل يوجل، وأوضع، بضم الهمزة وكسر الضاد، عن صاحب الواعي ومن خطه نقلته.
وحكى ذلك أيضاً ابن سيدة في المحكم، وابن القطاع. قال ابن سيدة: وصيغة ما لم يسم فاعله أكثر، وحكى في مصدرهما: وضعا.
[قال الشيخ أبو جعفر: قال المرزوقي قالوا: أوضع في تجارته، ولم يقولوا: هو موضوع في تجارته، كما لا يقال من سقط في يده: هو مسقوط في يده، فاكتفوا ببناء الفعل فيه عن اسم المفعول، كما اكتفوا ببناء المفعول عن بناء الفعل في قولهم: منهوم وميمون عن نهم ويمن].
قال أبو جعفر: وحكى ابن التياني عن أبي حاتم: أن امرأة من الأعراب قالت لزوجها: لو غدوت إلى سوق الإبل فاشتريت وبعت كما يفعل فلان، فقال: إن امرأة فلان خير له منك لي، تعمل له النبيذ فيشرب منه، ثم يغدو إلى السوق، قال: فعملت له نبيذاً، فأصبحت الجرة ولها كتيت، فشرب ثم ذهب إلى السوق، فوضع عشرة دراهم، فقال:
قد وكَّلَتْنِي زَوْجَتي بالسَّمْسَرةْ
…
ونَبَّهتِني لِطُلُوع الزُّهَرَة
وكَانَ مَا ربِحْتُ وسَطَ الغَيثَرَة
…
وفي الزحِّام أنْ وُضُعِتُ عَشرةْ
وقوله: "ووكس يوكس".
قال أبو جعفر: معناه خسر، عن الجوهري في الصحاح.
قال صاحب الواعي: ويدعى للرجل فيقال: لا توكس يا فلان! وإن فلاناً ليوكس في بضاعته. قال ويقولون: بعت الثوب بالوكس، أي: بالخسران، قال: وقال قوم: بعت الثوب بأوكس الثمن، أي بأقله.
وقال ابن درستويه: إنما ذكره ثعلب/ لأن العامة تقول: أوكست، بألف، وقد أوكستني، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: قد حكى عبيد في المصنف عن الكسائي أنه يقال: وكست، وأوكست.
وقوله: "وقد غُبن الرجل في البيع غبنا، وغبن رأيه غبناً". غبن
قال أبو جعفر: معنى غبن في البيع: خُدع، عن ابن درستويه، وغيره.
[قال المرزوقي: ورجل مغبون، وغبين: إذا بعت منه السلعة بما لا تساوي].
وقال مكي: الغبْن والغبَن أصلهما النقص، فالغبن بإسكان الباء: نقص في البيع والشراء، يقال غبنة يغبنه، والغبن بفتح الباء: نقص في الرأي وضعف.
قال أحمد: وحكي اللحياني في نوادره أنه يقال: الغبن والغبَن والغبانة واحد.
وقال ابن سيدة في العويص. يقال: غبنت رأيك وله نظائر: كألمت بطنك، وسفهت نفسك، ورشدت أمرك.
قال أبو جعفر: ورشد بغيته، وبطر رأيه، وسفه رأيه، ووجع بطنه، ةكل شيء يوجعه، عن أبي عمرو الشيباني في كتابه الجيم.
قال أبو جعفر: فإما أن يكون كل ذلك منصوباً على إسقاط حرف الجر، كأن الأصل في رأيه، فلما سقط الخافض تعدي الفعل فنصب.
وإما أن يكون منصوباً بغبن نصب المفعول، وإن كان لا يتعدى لكنه ضمن معنى ما يتعدى، كأنهم قالوا: جهل رأيه، وعلى رأي الكوفيين هو منصوب على التمييز، وهو ضعيف، لأن التمييز لا يكون إلا نكرة.
قال أبو جعفر: وإنما ذكر غبن في هذا الباب وليس بابه، لاشتراكه مع غبن في الحروف، وليبين افتراقهما من جهة المعنى.
وقوله: "وقد هُزل الرجل والدابة، يهزل".
قال أبو الجعفر: أي قل لحمهما، عن صاحب الواعي، وقال المطرز في شرحه: الهزال في الدواب والناس والمال، والهزل والهزال في الأخلاق، يقال: هزل به، وأهزله: إذا عرضه للقبيح الذي يضحك به.
وقال صاحب الواعي ويقال: هزل الرجل دابته فجعفت.
/ قال أبو جعفر: قال اليزيدي في نوادره: فأنا أهزلها هزلاً وهزالاً. قال ابن القطاع: وأهزلت الدابة لغة.
قال صاحب الواعي: وإبل هزلي، وهزالي، وعنه وعن المطرز في شرحه: وهزيل، ومهزول للمضرور.
قال عبد الحق: وهذا زمن الهزال، أي الضر، وكل ضر هزال.
وقوله: "وقد نكب الرجل فهو منكوب"
قال أبو جعفر: أصابته جائحة، أو حادثة من حوادث الدهر، عن غير واحد.
وقال ابن القطاع: ونكب الرجل والجيش نكوباً، ونكبة: هزم.
قال التدميري ونقلته من خطِّه: وأصله من النكب، وهو الميل، يقال من ذلك: بعير أنكب: إذا كان يمشي مائلاً في شق، ومنه سميت النكباء، لأنها مالت عن مهاب الرياح الأربع، ويقال: قد نكبه الدهر، فكأنه قد مال به من جهة إلى جهة.
وقيل: النكب: أن ينكب الحجر حافراً أو منسماً فيقال من ذلك: حافز منكوب، ومنسم منكوب ونكيب، وأنشد الخليل:
وتَصُك ُّالأرضَ لمَّا هَجَّرت
…
بنكيِبِ معرٍ دامي الأَظَلْ
قال أبو جعفر: وقال صاحب الواعي ويقال: نُكب الرجل: إذا ضربت رِجله الأرض، ومنه الحديث:"نكبت إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعنه في المصدر: نكب بإسكان الكاف، ونكب بتحريكها. وفي
الصفة عن المطرز: منكوب، ونكيب.
قال صاحب الواعي: ولا يقال نكب على بنية الفاعل إنما يقال: نكب ينكب: إذا مال، قال: هكذا قال قاسم، يعني صاحب الدلائل.
وقال كراع في المجرد: نكب: أصيب منكبه.
وقوله: "وقد حلبت ناقتك وشاتك، فهي تحلب لبناً كثيراً".
قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: معناه معروف هو أن يستخرج من الضرع ما فيه من اللبن بالكف أو الصابع، ونحو ذلك. والعامة تقول: حلبت، وهو خطأ، لأن الفعل/ في الحقيقة لغيرها.
قا سيدة في المخصص: ويكون الحلب في الإبل والشاء والبقر، ويقال، أحلبها وأحلبها حلباً، واحتلبتها.
وقال صاحب الواعي: الحلب في اللغة: السيلان، يقال: تحلب الندى: إذا سال.
وقال ابن التياني: ويقال للبن الحليب: الحلب، وقد سقيتك حليباً، وحلباً.
وقال أبو جعفر: وحكى هذا أيضاً ابن سيدة وقال: وقيل: الحلب: المحلوب، والحليب ما لم يتغير طعمه.
قال صاحب الواعي ويقال: ناقة حلوب: إذا كانت ذات لبن، وحلوبة - قال: وقد فرق بينهما فقيل: حلوب للواحد، وحلوبة للجمع - وحلبى وحلبانة وحلباة، ومنه الحديث:"ابغني ناقة حلبانة ركبانة".
ابن خالويه في كتاب: وحلبوتي ركبوتي.
قال أبو جعفر: وحكى أيضاً ابن التياني هذا، قال يقال: ناقة حلباة ركباة: ذات لبن، تحلب وتركب، وهي أيضاً الحلبانة الركبانة، وأنشد:
حلبانة ركبانة صفوف
…
تخلط بين وبرٍ وصوفِ
قال: شبه سرعة يديها بسرعة يدي ناسجة تخلط بين وبر وصوف من سرعتها. قال: ولا يقال للذكور شيء من ذلك، وتصغير حلباة [حليبة].
وحكى عن ابن دريد ناقة حلبوت ركبوت، أي: تصلح للحلب والركوب.
قال ابن التياني: والتحلابة من الغنم: التي تحلب من غير فحلٍ، وناقة تحلبة بكسر التاء واللام: تحلب قبل أن تسفد، وتحلبة بضم التاء واللام، وتحلبة بضم التاء وفتح اللام.
قال أبو جعفر: وحكى صاحب الواعي في المصدر: حلباً بإسكان اللام، وحلباً بفتحها.
وقال الزمخشري في شرحه: والمصدر الحلب بفتح اللام، ولا يجوز الحلب بالتسكين البتة.
قال ابن سيدة: وحلاباً. قال/ صاحب الواعي: وقيل: الحلب
بالتحريك اسم ما يحلب، والحلب بالتسكين المصدر.
قال ابن سيدة: والمحلب والحلاب: الإناء الذي يحلب فيه.
وقوله: "ورهصت الدابة فهي مرهوصة، ورهيص".
قال ابو جعفر: معناه أن تصيبها الرهصة، وهو ماء ينزل في رسغها فينزع ويستخرج ويداوي، عن ابن درستويه.
وقال القزاز: والرواهص من الحجارة هي جمع راهصة، وهو الحجر الذي يرهص الدابة إذا وطئته، قال: والمراهص مواضع الرهصة من الحافر، والواحدة مرهصة.
قال أبو جعفر: ويقال: رهصت الدابة، بفتح الراء وكسر الهاء، والله سبحانه أرهصها، حكى ذلك أبو عبيد في المصنف، وابن القطاع في الأفعال، وأبو مسحل، والجوهري في الصحاح. قال ابن القوطية: والمصدر رهص، ورهصة.
وعن ابن القطاع ومن خطه في مصدر رهصت المبنية لما لم يسم فاعله: رهص، بإسكان الهاء، قال:[ورهصت] الدابة، وأرهصتها، وحكى صاحب الواعي: رهصني الحجر بفتح الهاء.
وقوله: "ونتجت الناقة [تنتج] ".
قال أبو جعفر: معناه قيم عليها حتى ولدت، عن ابن سيدة.
وفي الحديث: "هل تنتج إبلك" قال الهروي: أي تولدها فتلي نتاجها. قالا: والناتج للناقة بمنزلة القابلة للمرأة. قال ابن دستوريه: تقول: قد نتجت ناقتي، وقبلت القابلة المرأة، فإذا لم تسم الفاعل فيهما ضممت فقلت: نتجت الناقة، وقبلت المرأة.
قال أبو جعفر: والنتاج اسم عام يجمع وضع الغنم وسائر البهائم، عن القزاز.
وقال ابن سيدة في المخصص وقيل: النتاج في الناقة والفرس، وهو في
ما سوى ذلك قبيح، والأول أصح، وقيل النتاج في جميع الدواب، والولاد في الغنم.
وقال القزاز، وابن سيدة وكراع/ في المجرد: والنتوج من الخيل وجميع ذوات الحافر: الحامل.
قال القزاز يقال: فرس نتوج، وكل ذات حافر نتوج: وذلك إذا كان في بطنها ولد قد استبان، وبها نتاج، أي: بها حمل.
وحكى ابن عديس في كتاب الصواب ومن خطه عن كراع أنه يقال: ناقة نتوج، ونتيج: إذا ولدت.
قال أبو جعفر: هكذا حكى ابن عديس، والذي رأيته لكراع في المجرد يقال للحامل من ذوات الحافر: نتوج، لكن ربما رآه له في موضع آخر من كتبه.
قال أبو جعفر: وقد يستعار في غير ذلك، فيقال: الريح تنتج السحاب: إذا مرته حتى يجري قطره، وفي المثل:"إن العجز والتواني تزاوجا، فأنتجا الفقر" أي: لا تكون لهما عاقبة محمودة، ويقال: هذه المقدمة
لا تنتج نتيجة صادقة، أي لا يحصل عنها المطلوب.
قال ابو جعفر: ويقال: نتجت الناقة على بناء ما لم يسم فاعله كما حكاه ثعلب، وفي الصفة منه: ناتج، ونتوج، عن القزاز.
قال الزمخشري في شرحه: والعامة تقول: نتجت تنتج، وهو خطأ بهذا المعنى، إنما نتجها أهلها: إذا حضروها عند الولادة.
قال أبو جعفر: قد حكى القزاز عن الخليل: نتجت، بفتح النون والتاء، وهو على بنية الفاعل بمعنى: حملت، وحكى هذا ابن سيدة في المحكم، وقال: إنها قليلة، وزاد: وأنتجت على بنية الفاعل أيضاً.
وحكى ابن الأعرابي فرقاً بين نتجت وأنتجت، المبنيين لما لم يسم فاعله فقال: نتجت الفرس: ولدت، وأنتجت: دنا ولادها، كلاهما فعل ما لم يسم فاعله، قال: ولم أسمع نتجت ولا أنتجت، على صيغة الفاعل.
قال أبو جعفر: وحكى الزجاج في فعلت وأفعلت: نتجت الناقة وأنتجت بمعنى واحد،/ ونسب ذلك للأخفش.
وقال أبو عبد الله القزاز: والذي حققناه من هذه الأفعال أنه يقال: نتجت الناقة، إذا
تبين حملها.
قال أبو جعفر: وأنتتجت انتتاجاً: إذا وضعت ولا أحد عندها، عن اليزيدي في نوادره.
وقوله: "ونتجها أهلها".
قال أبو جعفر: وأنتجها أيضاً صاحبها، عن القزاز، قال: فهو نتوج، ولم يقولوا: منتج، قال: وعلى نتجها أكثر الناس.
وقوله: "وعقمت المرأة: إذا لم تحمل".
قال أبو جعفر: قال ابن التياني، وابن سيدة، وصاحب الواعي، كلهم عن الخليل: العقم هزمة تقع في الرحم فلا تقبل الولد.
قال صاحب الواعي: واصله أن العرب تقول للفرس إذا كان شديد معاقد الأرساغ: إنه لشديد المعاقم، ويقال: حرب عقام وعقَام، بالضم والفتح، ومعناه: شديد مفنية، فمعنى عقمت المرأة كأنها مسدودة الرحم.
قال أبو جعفر: وقيل: مأخوذ من الريح العقيم، لأنها لا تلقح شجراً، ولا تنشيء سحاباً ولا مطراً، فكانت بمنزلة الذي لاد من الرجال،
قال الله عز وجل: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ* مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} ، عن صاحب الواعي، وغيره. وفي الحديث:"سوداء ولود خير من حسناء عقيم". قال ابن خالويه: العرب تقول: خير النساء المرأة يتبعها غلام، وفي حجرها غلام، وفي بطنها غلام، الولود الودود.
قال أبو جعفر: ويقال: عقمت المرأة كما حكاه ثعلب، وعقمت بفتح العين وكسر القاف، عن ابن التياني، وابن سيدة في المحكم.
وزاد ابن التياني، وكراع في المجرد: وعقمت بفتح العين وضم القاف./ وزاد صاحب الواعي عن الخطابي: وعقمت بفتح العين والقاف. وزاد الزجاج، وأبو عليً القالي في فعلت وأفعلت وأعقمت على بنية الفاعل.
قال أبو علي القالي في فعلت وأفعلت، وقطرب في فعلت وأفعلت أيضاً ويقال: عقم الله رحمها، وأعقمها، قال قطرب: عقم الله رحمها يعقمها، ويعقمها، بالكسر والضم.
قال أبو جعفر: ويقال في الصفة: [رجل عقيم و] امرأة عقيم حكاه صاحب الواعي عن الخطابي، وقال عنه الذكر والأنثى فيه سواء.
قال أبو جعفر: حكى القزاز، وصاحب الواعي، وابن خالوية: رجل عقيم، وامرأة عقيمة بالهاء، فعلى هذا لا يستوي فيه الذكر والأنثى، لكن المشهور ما ذكره الخطابي، لأن عقيمة فعلية بمعنى مفعولة، وفعيل إذا كان بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث إذا أريد به الوصف.
قال أبو جعفر: وحكى سيبويه: رجل عقيم وعقم، قال: شبهوه بجديد وجدد. قال ابن سيدة في المحكم: ورجل عقام.
قال أبو جعفر: والجمع من الرجال عقمى وعقام، مثل: مرضى ومراض، عن ابن التياني وعن ابن بلبل، وعن ابن سيدة في
المحكم. وزاد ابن سيدة، وابن بلبل: وعقماء على مثال: ظرفاء. قال الكراع في المجرد، وابن بليل عن أبي يزيد: وعقم مثل: طنب.
قال أبو جعفر: وجمع العقيم من النساء عقيمات، ومعقومات، وعقائم، عن صاحب الواعي.
وزاد الكراع في المجرد، واليزيدي في نزادره، وابن سيده في المحكم عن اللحياني، وابن خالوية عن الخليل: وعقم، بضم العين وإسكان القاف./ وزاد اليزيدي:"وعقم" بضم العين والقاف.
قال ابن سيدة: ويقال: رحم عقيم بغير هاء، وعقيمة: معقومة، والجمع: العقائم والعقم مثل: طنب.
قال أبو جعفر: ويقال في مصدر عقمت المبني للمفعول الذي حكاه ثعلب: عقم بضم العين وإسكان القاف، وعقم بفتح العين وإسكان القاف، وعقم بفتحهما. عن ابن سيدة.
وفي مصدر عقمه الله: عقم بفتح العين وإسكان القاف، عن ابن التياني، وابن سيدة.
وزاد ابن التياني: وعقماً بضم العين وإسكان القاف، وعقوماً، بضم
العين والقاف، وحكى الثالثة عن قطرب.
وفي مصدر عقمت بفتح العين وكسر القاف: عقم، بفتح العين والقاف، عن ابن سيدة.
/ [وقوله: "ومن العاقر قد عقرت، بفتح العين وضم القاف".
قال الشيخ أبو جعفر: إذا انقطع حبلها وحيضها، عن المطرز.
وقال صاحب الواعي: العقر بضم العين وسكون القاف مصدر العاقر من النساء، وهي التي لا تحمل من غير داء ولا كبر خلقة. وحكى هذا أيضاً صاحب الموعب. وقال ابن سيدة في المحكم: العقْر والعقُر: العقم.
قال صاحب الواعي: وسميت المرأة بذلك كأن في رحمها عقراً يمنعها من الولادة.
قال الشيخ أبو جعفر: يقال: عقرت كما حكاه ثعلب، وعقرت بفتح القاف، وعقرت بكسرها، عن صاحب الموعب، وعن صاحب الواعي، وعن ابن سيدة في المحكم، وعن المطرز. وعن ابن الأعرابي أن عقرت بضم
القاف أفصح. قال ابن التياني: وعقرت مبني لما لم يسم فاعله، قال: وأنكر هذا المبرد.
قال الشيخ أبو جعفر: ويقال في مستقبل عقرت بضم القاف: تعقر بالضم على القياس، وفي مستقبل عقرت المكسورة: تعقر بالفتح على القياس أيضاً، وفي مستقبل عقرت بالفتح: تعْقرُ وتَعقُرُ، بضم القاف وكسرها، عن صاحب الواعي.
قال الشيخ أبو جعفر: ويقال في الصفة: رجل عاقر، وعقير: لا يولد له، عن ابن الأعرابي في نوادره /، وعن ابن سيدة في المحكم. قال ابن سيدة: ولم نسمع في المرأة عقيراً، قال: والجمع عقر مثل: سلمٍ، وأنشد:
ولَو أنَّ ما في بَطنِه بَين نسوةٍ
…
حَبِلْنَ ولو كانت قَواعِدَ عقراً
قال الشيخ أبو جعفر: وزاد اليزيدي في نواده و "عقر" بضم العين والقاف.
وقال صاحب الموعب، وصاحب الواعي، وأم البهلول في كتاب المصادر:[عقر] أيضاً، وعواقر.
قال ابن التياني: بنات العقر مثال: قرط.
قال الشيخ أبو جعفر: وزاد اليزيدي في نوادره: والعقارة. قال الأزهري: وقالوا: امرأة عقرة مثل: همزة.
قال الشيخ أبو جعفر: وقال أبن جني: ومما عدوه شاذاً ما ذكروه من فعل فهو فاعل نحو: عقرت المرأة فهي عاقر، وشعر فهو شاعر، وحمض فهو حامض، وطهر فهو طاهر، قال: وأكثر ذلك وعامته لغات تداخلت فتركبت، قال: هكذا ينبغي أن يعتقد، وهو أشبه بحكمة العرب.
قال الشيخ أبو جعفر: وكان القياس أن يقال في الصفة من فعل بالضم فعيلة، وكان يقال عقُرت فهي عقيرة مثل: ظرفت فهي ظريفة، إلا أنه جاء كما ترى.
قال السيخ أبو جعفر: ويقال في مصدر عقرت المبني للمفعول: عَقْرٌ مثل: صقر، عن ابن التياني. وفي مصدر عقرت الذي حكاه ثعلب: عَقارة وعِقارة، بفتح العين وكسرها، عن ابن سيدة.
قال الشيخ أبو جعفر: ويقال / في مصدر عقرت بالفتح فيهما:
عَقر وعُقر مثل: صَقر وقُرط، عن ابن التياني، وعن ابن سيدة. وزاد ابن التياني: وعُقر مثل: طُنُب، وعقر مثل: جبل، حكاه من أبي زيد. ويقال في مصدر عقرت بكسر القاف: عقار بكسر العين.
فال الشيخ أبو جعفر: وذكر ثعلب عَقُرت في هذا الباب وليس بابه لكنه لما كان بمعنى عُقمت ذكره على معنى التتميم له].
/ وقوله: "وقد زُهيت علينا يا رجل، فأنت مزهو".
قال أبو جعفر: أي: تكبرت علينا، والزهو الكبر، قاله غير واحد. وفي الحديث:"إن الله يبغض العائل المزهو" أي: المتكبر، عن صاحب الواعي.
قال التدميري: وزهيت مأخوذ من الزهو، وهو التيه والعجب، وأصله في البسر إذا حسن منظره، وراقت ألوانه، ومثل ذلك النخوة أيضا وهو: العجب والتكبر.
قال أبو جعفر: وقال الجوهري: قلت لأعرابي من بني سليمٍ ما
معنى زهي الرجل؟ قال: أعجب بنفسه، فقلت: أتقول وما إذا افتخر؟ قال: أما نحن فلا نتكلم به.
وقال أبن درستويه: وإنما ذكره لأن العامة تقول: قد زها علينا، فتجعل الفعل له، وإنما هو مفعول لم يسم فاعله.
قال أبو جعفر: وكذا قال القزاز، قال: ويقال: زهي، مبني لما لم يسم فاعله، ولا يقال: زها، على صيغة فعل الفاعل.
قال أبو جعفر: وحكى ابن سيدة في المحكم زهيت، وزهوت، قال: وقال ابن الأعرابي: زهاه كبره، ولا يقال: زها الرجل، ولا أزهيته / ولكن زهوته.
وحكى التدميري عن الفراء أنه قال: سمعت كلبا وغيرهم يقولون: زهوت علينا يا رجل.
وقال الجوهري: وفي زهى لغة أخرى حكاها ابن دريد: زها يزهو زهوا: أي تكبر، ومنه قولهم: ما أزهاه، وليس هذا من زهي؛ لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه. قال: وقال خلف الأحمر النحوي:
لَنَا صاحبُّ مُولعُّ بالخلافِ
…
كثيرُ الخطاء قليلُ الصَّواب
ألجُّ لجاجاً من الخُنفَساء
…
وأزهىَ إذا ما مَشَى من غُراب.
قال أبو جعفر: وذكر اللغويون زهي في (ز/ هـ / و) لأنه من الزهو [بالواو] لكن أبدلت الواو [ياء] بالكسرة قبلها.
وقوله: "وكذلك نُخي من النخوة ".
قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: هو مثل زهيت علينا، والنخوة: التكبر والتجبر، قال: ولم يسمع فعل الفاعل من النخوة مستعملاً في شيء من الكلام.
قال أبو جعفر: قد أُستعمل، حكى ابن سيدة في المحكم، ومكي، أنه يقال: نخا ينخو، وانتخى. وحكاه أيضا الزمخشري، وقال يقال: انتخى فهومنتخ، ونخي فهو نخ، بمعنى واحد. قال ابن سيدة: ونخي المبني للمفعول أكثر.
وقوله: "وفلج الرجل من الفالج، فهو مفلوج ".
قال أبو جعفر: معناه استرخى شقه من داء أصابه، عن ابن درستويه.
قال أبو جعفر: وهو الخدر. وقال أبو حاتم: إنما سمي المفلوج مفلوجاً؛ لأنه ذهب نصفه، والفلج نصف المكيال، وفي بعض الحديث:"الفالج مرض الأنبياء".
قال أبو جعفر: وقد حده التدميري بحد طبي فقال: الفالج داء يصيب الإنسان عند امتلاء بطون الدماغ من بعض الرطوبات، فيبطل منه الحس وحركات الأعضاء، ويبقى العليل كالميت لا يعقل شيئاً. قال هو، وغيره: والفالج في كتاب العين ريحً تصيب الإنسان. [قال المرزوقي: ومصدر فلج: الفالج، وهو اسم الفاعل، وضع موضع المصدر، ومثله: عُوفي عافية، وقم قائماً].
قال ابن درستويه/: وإنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول فيه أفلج الرجل، بالألف، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: لا أذكر الآن فيه إلا كما حكاه ثعلب فُلج بغير ألف، وهو على قياس أحمَّه الله وأزكمهُ، وقد حُم هو وزكم، وكذلك يقال: أفلجه الله، وقد فلج ولا يقولون: أفلج.
وقوله: "ولقي من اللَّقوة، فهو ملقو".
قال أبو جعفر: اللقوة الداء الذي يكون في الوجه، عن أبي عبيد في المصنف.
وقد بين حقيقتها ابن درستويه فقال: معنى لُقي الرجل: اعوج وجهه، والتوى شق شدقه إلى أحد جانبي عنقه، وهو ضرب من الفالج، إلا أن الفالج في البدن كله، وهذا في الوجه خاصة.
قال التدميري: وهي من انصباب خلط.
قال أبو جعفر: ما قاله التدميري تبين السبب الذي تكون منه اللقوة، وهو كلام طبي لا لغوي. ويقال: لقي الرجل، ولقوته، عن ابن الأعرابي في نوادره.
قال أبو جعفر: ويقال لها: اللقاء بالضم، على بناء الأدوار، كما تقول: النحاز، والسعال.
قال الزمخشري: وقد لُقي، وألقي، كما يقال: قُلب البعير، وأقلب.
وقوله: "وقد ديربي، وأديربي: لغتان، فأنا مُدار بي، ومدور بي".
قال أبو جعفر: معناه أن يعتري الإنسان حيرة في رأسه، واسم الداء الدوار، عن مكي، وهو مأخوذ من الدوار، وهو ضرب من الحيرة يصيب الإنسان، وأصلها، من الدماغ. قال الزجاج: وفي معناه ديم به، وأديم به.
قال أبو جعفر: قال يعقوب في كتاب فعلت وأفعلت، وقطرب في فعلت وأفعلت أيضاً: ديربي، وأديربي، وقد داربهم، وأداربهم.
وقوله: "دير" أصله دور، على وزن ضرب، ففعل به ما فعل بـ (قيل وبيع).
وقوله: "أدير" أصله أيضاً أدور، على وزن أكرم، ففعل به ما فعل بـ (أُميل وأُريد)، وجاء مدور على دير، ومدار على أدير.
/ وقد قدمنا في ألول الباب الاعتذار عن وجه دخول أدير بي، وكل ما لم يكن على وزن فُعل بما أغنى عن إعادته.
والمصدر من الأول دوران، ومن الثاني إدارة.
وقوله: "وقد غُم الهلال على الناس".
قال أبو جعفر: معناه ستره عنهم غيم أو غيره، عن يعقوب، وعن غيره.
قال الهروي: وكل شيء غطيته فقد غممته، ومنه قوله تبارك وتعالى:{ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} أي: مغطي مستوراً، وفي الحديث:"فإن غُم عليكم" أي: ستر، ومنه سمي الغم غماً، لاشتماله على القلب، قال: ومنه سمي الغمام الذي هو الغيم الأبيض غماماً، لأنه يغم الساء: أي يسترها.
وقال ابن درستويه: إنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول: أُغمي علينا
[الهلال]، بألف وياء، وهو خطأ.
قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى الهروي أنه يقال: غُم الهلال، وغُمي، وأُغمي. وبالأوجه الثلاثة روي قوله صلى الله عليه وسلم:"فإن غُمَّ عليكم فأقدروا له".
وقوله: "وأًغني على المريض، فهو مغمي عليه"
قال أبو جعفر: معناه غُشي عليه، عن غير واحد.
وقال بعض اللغويين: هو مأخوذ من الغمى، وهو سقف البيت، فكأنه غُطي على عقله كما يغطى البيت بالسقف.
قال ابن التياني: وتركت الرجل غماً، مثال، إذا كان مغمى عليه، وتركتهما غماً، وكذلك الجميع. وقال عن أبي الحسن: غماً مصدر فلا يثنى، ومن ثناه أخرجه مخرج الاسم، وجمعه أغماء.
قال ابن التياني: وتركنا الرجل غماً: إذا أشرف على الموت، وكذلك الجميع، والمؤنث.
قال أبو جعفر: وحكى أبو زيد في نوادره أن أبا مرة الكلابي، وأبا خيرة العدوي قالا: قد غمي على الرجل فهو مغمي عليه.
/ قال أبو جعفر: وحكى أيضاً غمي أبو عبيد في المصنف، ويعقوب في الإصلاح، والمطرز عن ابن الأعرابي، وأبو علي القالي في فعلت وأفعلت.
قال ابن التياني: وغمي عليه ضعيفه، وأفصح منها أغمي عليه.
وقوله: "وغشي عليه، فهو مغشي عيه".
قال أبو جعفر: يقال: غشي على المريض غشياً، وغشاء: إذا ذهب
عقله، عن صاحب الواعي.
وقال ابن القطاع: غشي عليه غشبة، غشياً، وغشيانا: ذهب عقله.
وقوله: "وقد أهل الهلال، واستهل".
قال أبو جعفر: معناه رُئي فرفع الصوت بذكره. قال ابن درستويه: وهو مشتق من استهلال الناس بالتكبير، قال: والعامة تقول فيه: هل الهلال، فيجعلون الفعل للهلال، ويعنون به طلع. قال: وأما العرب فإنهم يقولون: أُهل، لأنهم يعنون بها أُطلع وأُري، وإنما يريدون أن الناس أهلوا الهلال، أي: أهلوا له لمَّا رأوه، أي: رفعوا أصواتهم كما يقال: أهللنا بالحج، أي: رفعنا أصواتنا بالتلبية، وكذلك يقولون: اُستهل، لأنهم استهلوا حين رأوه، من رفع الصوت كما يقال: استهل المولود: إذا رفع صوته بالبكاء، ولا يعنون أنهم استطلعوا الهلال، فإنمَّا هو استفعال من الإهلال كقول ابن أحمر:
يُهِلُّ بالفَرْقَد رُكبانها
…
كما يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعتَمِرْ
قال: وكان يجب أن يقال: أهللنا بالهلال، وقد أُهل بالهلال، فيعدى إليه الفعل بالباء، لأنه فعل غير متعد بنفسه، ولكن حذفوا الباء لكثرة هذا الكلام تخفيفاً، وعُدي الفعل بنفسه، كما قيل: سميته زيداً، أي: بزيد.
قال: ويجوز أن يكون معنى قولهم أُهل الهلال كمعنى قيل الهلال، أو صيح الهلال؛ فلذلك صار مفعولاً / لم يسم فاعله.
قال: ويجوز أن يكون أهللنا الهلال بمعنى قلنا الهلال: لأن الهلال اسم يتكلم به، وقول يقال، فعلى هذا تعدى.
قال أبو جعفر: قال محمد بن أبان في كتابه العالم حكي عن الثقة أنه يقال: هل الهلال نفسه، أي: طلع، وأهللناه نحن: رأيناه.
وحكى صاعد في كتابه الفصوص: أهل الهلال، بالألف، وأنكر هل بغير ألف. وحكى ابن عديس في كتابه الصواب ونقلته من خطه، والقزاز في الجامع، هل الهلال، وأهل.
وحكى الحامض في نوادره، وأبو مسحل في نوادره أيضاً: أتيت فلانا عند إهلال الشهر، واستهلاله، وهلَّته، وهلهِّ، وهلوله.
قال أبو جعفر: قال صاحب كتاب العالمم: أول ما يطلع القمر ويرى في أول ليلة من الشهر يسمى هلالاً، لأنه يهل بذكره، أي: يرفع الصوت بذكره، قال: فإذا جاوزت له ليلتان فهو هلال أيضاً، وإن لم يهل بذكره: لأنه على شبه الحالة الأولى لليلته.
قال: وأسماء القمر كثيرة الانتقال، فهو أول الشهر هلال،
وإزميم، ثم قمر، ثم بدر، تم هو قمر إلى أخر الشهر. قال: ومن أسمائه حين يُقمر: الزبرقان، والساهور. ومن صفاته: المسفر، ثم الواضح، ثم الباهر، والمفتق، وإضحيان.
قال أبو جعفر: وسنتكلم إن شاء الله تعالى على طلوعه، ومغيبه، وأسمائه، وسائر أحواله، إذا انتهينا إلى قوله:"وخسف القمر" في باب حروف منفردة.
وقوله: "ورُكضت الدابة".
قال أبو جعفر: إذا حركتها بساقيك لتعدو، عن القزاز. قال ويقال: مر الفرس يركض، ولا يقال: يركض، إنما يركض الرجل برجليه.
قال أبو جعفر: وقال اليزيدي في نوادره يقال: ركض الفرس وهو يركض ركضا، وركضته أنا ركضاً، سواء. قال: وكل شيء يفعل هو، أو يفعل به / فهو بمنزلة الفرس.
قال الزمخشري في شرحه: والعامة تقول: ركضت: إذا غذت، وهو
خطأ. وكذا أنكر صاعد في الفصوص أن يقال: ركض الفرس، قال عن الأصمعي: ركضت الفرس، ولا يقال: ركض الفرس، وإنما الركض تحريك إياه برجلك، أو بغير ذلك، سار أو لم يسر.
وقال الجوهري: ركضت الفرس برجلي: إذا استحثثته ليعدو، تم كثر حتى قيل: ركض الفرس: إذا عدا، وليس بالأصل، والصواب ركض الفرس، على ما لم يسم فاعله، فهو مركوض.
وقال التدميري يقال: ركضت الفرس فعدا، ولا يقال فركض هو، قال: وقال بعضهم ذلك وأنشد:
جَوَانِحَ يَخْلُجنَ خَلجَ الظِّبَا
…
ءِ يَرُكُضْنَ مِيلاً ويَنْزِعْنَ مِيلاً
قال: والرواية الأخرى (يركضن) على ما لم يسم فاعله.
قال أبو جعفر: وقد حكى سيبويه كضت الدابة على ما سمي فاعله. وقال ابن القطاع في أفعاله: الصواب ركض الفرس، على ما لم يسم فاعله، ولغة ركضني البعير برجله.
قال أبو جعفر: وقال الحريري في درة الغواص: وقد توَهم بعضهم أن الركض لا يكون إلا في الخيل، قال: وليس كذلك، بل يقال: ركض البعير برجله: أي رمح، وركض الطائر: إذا حرك جناحية ثم ردهما على جسده في الطيران، كما قال سلامة بن جندل:
أَوْدَى الشَّبابُ حَمِيدًا ذو التَّعاجيب
…
أودي وذلك شأوٌ غير مطلوبِ
وَلَّى حَثيثًا وهذا الشيبُ يطلُبُه
…
لو كان يُدرِكُهُ رَكْضُ اليعاقيبِ
قال: يعني باليعاقيب ذكور الحجل، وهو جمع يعقوب. قال: ويروي (ركض اليعاقيب) بالرفع والنصب.
قال أحمد: ما قاله الحريري من أن الركض يستعمل في غير / الخيل حق، وقد حكيناه قبل عن اليزيدي في نوادره.
وقوله: "وقد شُدِهت، وأنا مَشْدُوه، أي: شُغِلت".
قال أبو جعفر: فسر ثعلب شدهت بشغلت وأنكره ابن درستويه
وقال: ليس معناه شغلت، وفسره بالدهش والتحير.
وكذا فسره ابن هشام في شرحه، ورأيته بخطه، وتبع في ذلك ابن درستويه.
قال أبو جعفر: أما إنكارُهُما أن شدهت ليس معناه شغلت فغير صحيح، بدليل ما حكاه أئمة اللغة، قال أبو زيد في نوادره وناهيك به ثقة! وبكلامه حجة، قالوا: شده الرجل يشده شدها، وشدها، فتحٌ وضم: وهو الشغل، ساكن لا غير.
قال أبو جعفر: هذا لفظه في نوادره، وحكى ابن سيدة في العويص عن أبي زيد أنه قال: شده الرجل، أي: شغل فقط.
وحكى صاحب الواعي عن الكسائي ونقلته من خطه أنه يقال: جاءني على شُدهةٍ، وشَدهةٍ، أي شغل، وقد شُدِهْت وأنا مشدودة، أي: شغلت.
وقال كراع في المجرد: الشَّدة، والشُدة: الشغل. وقال الزمخشري في شرحه: شُدهت عنك، أي: شُغلت، ويقال ما شدهك عنا؟ أي: ما شغلك.
قال أبو جعفر: فتبين بهذا الذي حكيناه عن الأئمة أنّ ما ذكره ابن
درستويه، ومن تبعه كابن هشام، ليس بصحيح.
لكن الحق في ذلك أن يقال: إن شدهت فسره اللغويون بالوجهين: بمعنى الشغل، وبمعنى التحير.
أما كونه بمعنى الشغل فقد فرغنا من إثباته، وأما كونه بمعنى التحير فقد حكى ابن السِّكيت في كتابه الإصلاح في باب (فعل وفعل بإتفاق معنى) عن ابن الأعرابي أنَّه يقال: شَده وشُده، من قولك رجل مشدوده: من التحير.
وقال القتبي: شُده فلان شدها، وشُدها: إذا تحير.
/ وقال ابن دريد في الجمهرة: شُده الرجل فهو مشدوه، والاسم الشَّده: وهو الحيرة.
قال أبو جعفر: فتقرر بما نقلناه عن أئمة اللغويين أن شدهت فسرها اللغويون بالمعنيين المذكورين، فمن فسرها بأحد المعنيين مع عدم إنكار المعنى الثاني فكلامه صحيح، ومن فسرها بأحد المعنيين وأنكر المعنى الثاني كما فعل ابن درستويه وابن هشام فكلامه غير صحيح ..
وقد تقدم بيان ذلك كثيراً، والحمد لله كثيراً.
قال القزاز: قالوا: أدهشه هذا الأمر، ولا يقولون: أشدهه هذا الأمر، وهذه الشدائد شُدَّهٌ.
ويقال أيضا: سُده يسده سدهاً، بسين غير معجمة، بمعنى شده. قاله عبد الواحد اللغوي.
وقوله:" وقد بر حجك، فهو مبرور".
قال أبو جعفر: معناه قُبل حجك، أي: جعله الله تعالى من أعمال البِر.
قال صاحب الواعي: والبر اسم جامع للخير، وفي الحديث:"وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة". قال الهروي: قال شمر: هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم. قال أبو قلابة لرجل قدم من الحج: بُر الحج، ودعا له أن يكون مبروراً لا مأثم فيه، قال ابن
خالويه: والحج المبرور هو المقبول.
قال ابن درستويه: وإنما ذكره لأن العامة تقول: بَر حجُّك، بفتح الباء يجعلون الفعل للحج، وإنما الحج مفعول مبرور، ليس ببار.
قال أبو جعفر: قد حكى أبو عبيد في المصنف عن الفراء بر حجك كما حكاه ثعلب، وبر حجك، بفتح الباء، على صيغة الفاعل وقال عنة: فإذا قالوا: أبر الله حجك، قالوا بالألف، قال: والبر في اليمين مثله.
وحكى أيضاً أبو عبيد في المصنف عن أبي زيد: بر الله حجك، وأبره.
قال أبو جعفر: وحكى اللحياني في نوادره: بُر حجك، وبَر حجك، وقد بر النسك، وبر النسك.
وحكى / الجوهري: بر حجه، وبر الله حجه براً، بالكسر في هذا كله، ويقال: الحج، والحجُّ: إذا أردت الاسم، وقرئ:{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} ، و" حج البيت" بالفتح والكسر. فإذأ أردت
المصدر فهو مفتوح لا غير، ومنه قوله تعالى:{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} .
وقوله: "وثُلِج فؤادُ الرجل فهو مثلوج: إذا كان بليداً".
قال أبو جعفر: معناه أنه قد برد قلبه هن الفهم والمعرفة، فصار بليداً، أي: لا يفهم شيئاً.
قال التدميري: كأن حرارة قلبه الغريزية ضَعُفت حتى بردت، فصار كذلك على مزاج البهائم.
قال أبو جعفر: كأن قلبه مبرد بالثلج، لأنهم يصفون الذكي بحدة القلب، وشدة التوقد، ويقال: هو شهم الفؤاد وذكي الفؤاد، ولم يقولوا: ثليج، لأنهم أخرجوه مخرج معتوه ومجنون وأنشد ابن سيدةوغيره:
ولم يكُ مثلوجَ الُفؤادِ مُهبَّجاً
…
أضَاعَ الشَّبابَ في الرَّبيلَةِ والخَفْضِ
قال الفارسي: وهذا كما قالوا بارد الفؤاد، وأنشد:
ولَكِنَّ قَلباً بين جنبيك باردُ
وقال القزاز: ويقال: ثلج الرجل: إذا أصابه الثلج، والثلج معروف.
وقوله: "وثلج بخبر أتاه يثلج به: إذا سر به".
قال أبو جعفر: قال ابن السيد: إنما سمي السرور بالشيء والسكون إليه ثلجاً، لأن المتهم بالشيء الحزين يجد لوعة في نفسه، وحدة في مزاجه، فإذا ورد عليه ما يسره ذهبت تلك اللوعة عنه فلذلك قيل: ثلجت نفسي بكذا، وهو ضد قولهم: احترقت نفسي من كذا والتاعت.
قال أبو جعفر: ويقال: أثلجني أي: أفرحني، وما أثلجني بهذا الأمر أي: ما أسرني به.
قال عبد ألحق /: وثلج قلبي بالكسر أي: تيقن: قال: وأثلجني فلان بهذا الأمر أي: وثقت به أنه يفعله. قال: وفي كلام بعضهم: (أما والله لقد أتاك الثلج) أي: أتاك اليقين والثلج: اليقين، بفتح الثاء، واللام.
قال القزاز: وثلج الرجل ـ بفتح الثاء وكسر اللام ـ يثلج ثلجاً: إذا برد جلده، قال: وإنما ذلك أن يواظب على الشيء حتى يعتاده.
وقال الكراع في المجرد: ويقال أيضاً: ثلجت نفسي: اطمأنت، بفتح اللام في الماضي وكسرها وضمها في المستقبل، وحكى في المصدر ثلوجاً.
قال أبو جعفر: وقال ابن درستويه: ليس بين معنى ثلج فؤاد الرجل وبين معنى ثلج بخبر فرق، إلا أن البرد قد أفرط على الأول حتى فتر عن كل شيئ، وأن هذا قد أصابه قدر ما التذ به.
قال: وانما أتى بـ (ثلج) بخبر وإن كان ليس من الباب: لأن لفظه ولفظ ثلج فؤاد الرجل مشتقان من معنى واحد.
وقوله: "وتقول أمتقع لونه أي: تغير".
قال أبو جعفر: معناه ذهاب الدم من الوجه، وغؤوره في البدن، لأنه من المقع، وهو شدة شرب الفصيل لبن أمه، عن ابن درستويه.
وقد تقدم الكلام على ما فيه من اللغات في الباب الأول من الكتاب في
قوله: "وشحب لونه".
وقوله: "وانقُطِع بالرجل، فهو منقطَع به"
قال أبو جعفر: معناه أن الرجل إذا عجز عن سفره من نفقة ذهبت أو راحلة نفقت: أو ضلت، يقال: أنقطع به عن ابن التياني، وغيره.
وقال التدميري: قال أبو جعفر يقال: / أقطع بالرجل: إذا لم يكن له ديوان، وأقطع به: إذا مات ما يركبه، وانقطع بالرجل: إذا فني زاده.
قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن التياني عن أبي حاتم أنه لا يقال: قطع بضم القاف، قال: إلا أن تريد قُطع عليه الطريق.
قال الشيخ أبو جعفر: ما حكي عن أبي حاتم هو المشهور، ولكن قد حكي أنه يقال: قطع بضم القاف في معنى انقطع، حكاه مكي في شرحه، وحكاه أيضا ابن التياني عن أبي حنيفة، وزاد مكي: وأُقطع به في معناه، قال: وأبدع مثله أيضاً.
قال الشيخ أبو جعفر: قال يعقوب في كتاب فعلت وأفعلت: يقال قُطع،
وأُقطع، ورجل مقطع به، ومقطوع به، ومنقطع به، ورجل مقطع: لا ديوان له، وبعير مقطع: إذا قام من الهزال.
قال ابن خالويه: وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أبدع بي فاحملني، فحمله على ناقة، وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: قد نقب خُف بعيري فاحملني، فلم يفعل، فقال:
/ أقسَمَ بالله أبو حفْص عُمر
…
مَا مسَّها من نقبٍ ولا حَفَر
فاغفر له اللَّهُمَّ إن كان فجرْ
قال ابن درستويه: وإنما ذكره لأن العامة تقول: انقطع به، بفتح القاف والطاء، وتظن أن الفعل للرجل، وهو خطأ، وإنما يجوز ذلك إذا سمي
الفاعل معه، فقيل: انقطعت به نفقته، ونحو ذلك.
قال الشيخ أبو جعفر: لا أذكر فيه الآن انقطع مبنياً للفاعل كما أنكره ابن درستويه، وإنما قيل: انقطع على ما لم يسم فاعله، لأن الفعل لم يحل به، إنما حل بما كان يصحبه، وهو الزاد والراحلة.
وقوله: "ونفست المرأة غلاماً، فهي نفساء، والمولود منفوس".
قال الشيخ أبو جعفر: معناه ولدت، عن غير واحد.
قال ثابت: إذا ولدت قيل: وضعت، ثم هي نفساء. وقال صاحب الواعي وقالوا: هي نفساء حتى تطهر.
قال الفارسي: وأصلها من التشقق والانصداع، يقال: تنفست القوس: تشققت، ويُسمى الدم الذي يسيل من النفساء: نفساً، وهو مذكر.
وقال صاحب الواعي: وقيل لها نفساء: لما يسيل منها من الدم، لأن النفس هو الدم. قال: وفي الحديث عن النخعي: "كل شيء ليست له نفس سائلة ثم مات في الماء لم ينجسه" يريد الدم.
قال ابن درستويه: وإنما سمي الدم نفساً لنفاسته في البدن، وقوام الروح والبدن به. وقال أيضاً: وإنما قيل للمولود منفوس لأنه مما ينفس به أي: يُضن.
قال الشيخ أبو جعفر: والنفساء: التي تلد الولد، عن كراع في المجرد.
وحكى ابن عديس في كتابه / الصواب، ونقلته من خطِّه عن ثعلب: أن النفساء: الوالدة، والحامل، والحائض.
قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: نفساء بضم النون وفتح الفاء، ونفساء بفتح النون والفاء، ونفساء بفتح النون واسكان الفاء، عن كراع في المجرد، وكل ذلك بالمد، ونقلته من خطه، ونفسى بالقصر.
قال الشيخ أبو جعفر: والجمع نفساوات بضم النون وفتح الفاء، ونفاس، ونفس، ونفاس. عن كراع في المجرد، وعن ثابت في خلق الإنسان، وعن صاحب الواعي، وعن اللحياني في نوادره ما عدا نُفساً بالتشديد فلم يذكره. قال ابن التياني: ونفساوات بفتح النون والفاء.
وقال كراع في المجرد، وصاحب الواعي، والنحاس في اشتقاقه:
ونَفاسَى بفتح النون مثال: [سكارى]. وقال اللحياني في نوادره، وكراع في المجرد: ونفس مثل: صرد.
قال صاحب الواعي: ونفس مثل: قُفل. وقال ابن سيدة في المخصص، وثابت في خلق الإنسان: ونفس مثال: طنب، ونوافس، ونفاس بضم النون وتخفيف الفاء.
قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن درستويه: والعامة تقول للنُفساء: قد نفست، بفتح الأول، تجعل الفعل لها، وهو خطأ.
قال الشيخ أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى أبو عبيد في المصنف عن الكسائي نفست المرأة بضم الأول، ونفست بفتح الأول: إذا ولدت.
وحكاها أيضاً اللحياني في نوادره، ومحمد بن أبان في كتابه العالم، وثابت في خلق الإنسان، ويعقوب / في كتاب الفرق، قال: والمولود منفوس ونفيس.
وقال الهروي، وصاحب الواعي: نفست المرأة ونفست: إذا ولدت، [فإذا حاضت قلت نفست، بفتح النون لا غير. وقال بعضهم: نُفست المرأة بضم النون: إذا ولدت] ونُفست ونَفست بضم النون وفتحها: إذا حاضت.
قال الشيخ أبو جعفر: حكى ابن سيدة، وثابت في المصدر: نفساً بالفتح فيهما، ونفاسة ونفاساً، بكسر النون فيهما.
وحكى اللحياني في مصدر نفست بضم الأول: نفاساً فقط، وفي مصدر المفتوح الأول: نِفاساً، ونِفاسة، ونَفَساً.
قال الشيخ أبو جعفر: وأما الغلام في قول ثعلب: "ونفست المرأة غلاماً" فانتصب على اسقاط حرف الجر [قاله] ابن درستويه. وقيل: على التمييز، وهو الأولى: لأن حذف حرف الجر [و] وصول الفعل لا يقال به في كل موضع.
وقوله: "ونفست عليك بالشيء أنفس به".
قال الشيخ أبو جعفر: معناه ضننت به، قاله كراع في المجرد، وابن درستويه.
وقال ابن خالويه: معناه بخلت [به] عليك. قال: فإن قلت نفست عليك فمعناه: افتخرت، قال ويقال: هذا الثوب أنفس من هذا أي: أجل وأفخر، وفي قوله جل وعلا:{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} بفتح الفاء، أى: من أشرفكم.
وحكى أبو عبيد في المصنف عن الأصمعى أنه قال: وتقول: نفست عليك بالشيء: إذا لم تره يستاهله.
وقال صاحب الواعي: معناه حسدتك عليه، قال: وفي حديث الحُباب بن المنذر يوم السقيفة: "إنا والله لا ننفس أن يكون لكم هذا الأمر، ولكنا نكره أن يلينا / بعدكم قوم قلنا آباءهم وأبناءهم.
قال الشيخ أبو جعفر: وهذا غلام منفوس به، ومال منُفس، ومنَفس،
ونفيس: له خطر، وتقول: إن الذي ذكرت لمنفوس فيه، أي: مرغوب فيه.
قال الشيخ أبو جعفر: ونفست ليس من هذا الباب، لأن هذا الباب إنما هو لما لم يسم فاعله، وهذا لما سمي فاعله، وإنما أدخله للمشابهة اللفظية التي بينه وبين نفست المرأة، وان اختلفا في المعنى.
وقوله: "وإذا أمرت من هذا الباب كله كان باللام". إلى آخر الكلام.
قال الشيخ أبو جعفر: الفعل لا يخلو من أن يكون مبنياً للفاعل [أو للمفعول، فإن كان مبنيا للفاعل] فلا يخلو المأمور من أن يكون متكلما، أو مخاطباً، أو غائباً، فإن كان متكلما أوغائباً فإن اللام وحرف المضارعة يثبتان فيه، كقولك: لأضرب زيداً، وليكرم زيد عمراً، ولا يكادون يأمرون الغائب إلا باللام، وقد جاء بغير اللام، وهو قليل، قال الشاعر:
محمدُ تَفْدِ نَفْسكَ [كل نفس]
…
إذا ما خِفْتَ من أمرٍ تبالا
يعني: وبالاً.
وإن كان مخاطباً فلا يثبتان فيه في الأكثر، كقولك: اضرب، واقتل. وإنما قلنا في الأكثر لأنه قد جاء الأمر بها في المخاطب.، نحو قوله عليه السلام:"فلتأخذوا مصافكم"، وكقراءة من قرأ:(فبذلك فلتفرحوا) وكقوله:
لِتَقُم أنت يابن خير لُؤي
…
فَتُقضي حوائج المسلمينا
هذا حكم الفعل إن كان مبنيا [للفاعل] وأما إن كان مبنيا للمفعول فإن اللام تثبت فيه في الأمر، كان المأمور متكلماً أو مخاطباً أو/ غائباً، كقولك: لأُعن بحاجتك، ولِتعن بحاجتي، وليعن فلان بحاجتي.
وإنما لزمت في هذا الباب مع المخاطب - وإن كان بابها أنْ تحذف منه إذا كان فاعلاً - لأن الأمر فيه كأنه لغائب في الأصل، وذلك أن أصل قولنا لتعن بحاجتي: ليعن (فلانا) بحاجتي، بري به وإكرامي إياه، وما أنا عليه من التحفظ والتكرمة له، وهذا أمر لغائب في الحقيقة، فلزمت اللام فيه حملاً على معناه، كذا كان الأستاذ أبو عليّ يقول في سبب لزومها للمخاطب في الفعل المبني للمفعول.
قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن جني في كتاب الخصائص بإسناد له عن أبي عثمان أنه كان عند أبي عبيدة، فجاءه رجل فسأله، فقال له: كيف تأمر من قولنا عُنيت بحاجتك؟ فقال له [أبو عبيدة]: أُعنَ بحاجتك، فأومأت إلى الرجل، أي: ليس كذلك، فلما خلونا قلت له:[إنما] يقال: لتعن بحاجتي، قال: فقال أبو عبيدة: لا تدخل علي، فقلت: لم؟ فقال: لأنك كنت مع رجل خوزي، سرق مني عاماً أول قطيفة لي، فقلت: لا والله ما الأمر كذا، ولكنك سمعتني أقول ما سمعت أو كلاماً هذا معناه.
قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن الأعرابي على ما حكاه الزمخشري: من قال لتعن بحاجتي [فمعناه] لتكن المقصود بحاجتي، ومن قال [لتعن] بحاجتي، فمعناه: لتكن منك عناية، قال الزمخشري: وهذه اللام تسمى لام الأمر، وبعض العرب يفتحها مثل لام كي، وهو قليل، فإذا تقدم عليها واو أو فاء أو ثم فأنت بالخيار، فإن شئت / سكنت، وإن شئت تركتها على الأصل مكسورة.
وقول ثعلب في آخر لفظة من هذا الباب: "ونحوه" كان الأستاذ أبو علي شيخنا يقول: يجوز فيها النصب والجر، ولا يجوز فيها الرفع.
أما النصب: فبالعطف على الجملة التي هي في موضع نصب بالقول، وأما الجر: فبالعطف على القول في قوله: "كقولك" أي: كقولك كذا وكذا، وكنحو هذا القول، والنصب أحسن.